الساعة

مئوية الثورة العربية الكبرى تقدير للتاريخ والمسيرة.. وبيعة للمستقبل

31/05/2016


مركز الرأي للدراسات

إعداد المحامي أسامة ملكاوي

أيار 2016

بدأت إرهاصات التغيير في الإمبراطورية العثمانية منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر. فقد ظهرت في عهد السلطان عبد المجيد الأول جمعيات ترفع شعار التحديث والإصلاح مدفوعة بدوافع عرقية وعنصرية وشوفينية، تدعو للخروج على اسرة آل عثمان و تحويل الامبراطورية التي قامت على أساس ديني، والتحول الى دولة قومية وتتريك جميع الشعوب الخاضعة لها ، وقد بلغت هذه الجمعيات بعض أهدافها بالسيطرة على مفاصل الحكم في الإمبراطورية بوصول جمعية الاتحاد والترقي التركية إلى الحكم بواسطة الثلاثي جمال باشا وأنور باشا وطلعت باشا ، واصبح الخليفة لا يتمتع الا باللقب «كخليفة للمسلمين» كما كانت الخلافة العباسية أيام سيطرة البويهيين والسلاجقة والمماليك.
وكانت خطة هذا الثلاثي إخضاع الشعوب التابعة للخلافة العثمانية وتحويلهم إلى رعايا أتراك ، وجعلهم «مصدراً للجباية ووقودا للجيش « وما زال التعبير التركي (سفر برلك ) رمزا لهذه الحقبة ،حيث أدخلت جماعة الاتحاد والترقي في حروب مع روسيا ودول البلقان، معتمدين على المجندين قسرا من العرب و من غيرهم من الشعوب التابعة لها، ومحاولة فرض اللغة التركية على هذه الشعوب وتجهيلها ، فقد كان مجموع عدد المدارس التي فتحت في سوريا الطبيعية في عهدهم كانت اقل مما يتم فتحه من مدارس في قرية كبيرة من قرى الأناضول.
هذه السياسة والتي استمرت عقوداً بعثت لدى الشعوب التابعة للإمبراطورية العثمانية الشعور بان الخلافة الإسلامية قد تحولت إلى حكم عنصري متعصب للأثنية الطورانية تقوده ثلة من المتسلطين عليها، يؤمنون بتفوق العرق التركي على جميع الشعوب الخاضعة لحكمه.
في هذه الظروف التي كانت تعيشها الشعوب العربية في الهلال الخصيب والجزيرة العربية، اجتمعت كلمة الزعماء والمثقفين والعسكريين العرب على ضرورة التحرك لمواجهة هذا الواقع المتفاقم فنشأت حركات وجمعيات وتحالفات عشائرية على عدم الاستسلام لهذه المخططات العنصرية الطورانية وضرورة الاجتماع على قيادة تدرك المخاطر القادمة، ومؤهلة وقادرة على إدارة المواجهة وتوجيهها.
وكان شخص شريف مكة الشريف الحسين بن علي هو رجل هذه المهمة فهو شريف مكة ثالث ارفع منصب في الخلافة ، وهو سليل الدوحة الهاشمية وحفيد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو حفيد خامس الخلفاء الراشدين (الامام الحسن) وهو الخليفة الذي تنازل عن الخلافة رغبة في حقن دماء المسلمين ، و الحسين بن علي هو الخبير بتركيبة الدولة العثمانية وخفايا الحكم فيها وأطماع القائمين على حكمها ، يضاف الى ذلك أن الحسين يتمتع بتقدير وولاء قادة العشائر في منطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية. وسبق أن وجه الشريف الحسين الى أمراء القبائل العربية المنتشرة في شمال الهلال الخصيب رسائل تطلب منهم حسن استقبال المهاجرين من الشراكسة والشيشان الذين نزحوا من مناطق القتال بين الروس والأتراك في بلادهم وهاجروا الى الجنوب. ويطلب منهم حسن ورعاية وحماية اللاجئين من الأرمن الذي هاجروا أثناء فترة اضطهادهم من السلطات التركية في مطلع القرن العشرين.
رأى الشريف الحسين والمستنيرين من العرب أن الظلم التركي للعرب والتصفيات الدموية التي يمارسها على كل عربي يحتمل أنه يختلف معهم واعدام العشرات من المثقفين والعسكريين والاصرار على تجنيد كل من بلغ سن التجنيد، للمشاركة في الحرب الكونية الأول التي بدأت من ألمانيا في 28/ 7/ 2014 واستمرت حتى 26/ 11/ 2018 ، حيث دخلت تركيا هذه الحرب في يومها في 2/ 8/ 2014 بالمشاركة مع المانيا وايطاليا (دول المحور)، وأصبحت البلاد العربية بين استمرار الاحتلال التركي الظالم، أو الاحتلال من قبل دول الحلفاء اذا انتصروا. وأنه لابد من اتخاذ موقف من هذه الحرب يمكن العرب من تجنب هذه المخاطر. وعندما احتلت جيوش الحلفاء استانبول في 13/ 11/ 2018، هرب كل من طلعت وأنور وجمال الى المانيا وتخلوا عن تركيا المحتلة.
التقت رؤية الشريف الحسين بن علي مع توجهات الجمعيات والأحزاب وقيادات وزعامات القبائل والنخب العربية، فعهدوا إلى الشريف الحسين وبايعوه على قيادة التحرك العربي ، واجراء اتصالاته مع قيادات الحلفاء في الحرب الكونية الأولى والتي دخلت فيها الإمبراطورية العثمانية حلفا للألمان ، وقد رأى الحلفاء في ذلك ترجيحا لجانبهم، وقدمت بريطانيا التعهدات على مساعدة الشعوب العربية في تحقيق وحدتها واستقلالها.
ان الثورة العربية الكبرى بالنسبة للعرب اكثر من مجرد خروج على دولة مستبدة تضمر للعرب تبعية ثقافية ولغوية وعرقية للمغامرين الطورانيين، وإنما هي من أجل نهضة الامة العربية ورسالة من اجل للمستقبل، وهي تحمل أهداف العرب في الحرية والوحدة والحياة الأفضل تجمع بين العرب في شتى أقطارهم وتحترم التنوع العرقي واللغوي والثقافي والديني فيها. حيث أطلق الشريف الحسين رصاصة الثورة العربيةالكبرى في 10/ 6/ 1916، وأعلن عن بداية العمل في سبيل نهضتها.
استطاع جيش الثورة العربية تحرير دمشق واعلانها عاصمة للمملكة العربية السورية، قبل وصول قوات اللنبي اليها والتي كانت تحاول سبقها لمنع اقامة دولة عربية خلافا لرغبتهم المبيتة. وبدأ الملك فيصل بتشكيل الدولة وبدأ بتنظيم جيشها، وأصدر الدستور في 1920 على اسس ديموقراطية حديثة. ولما لم تجد الحكومة الفرنسية وسيلة لترتيب الأوضاع في سوريا كما تشاء قامت باحتلال دمشق، واقامت حكومة في سوريا ، وحكومة في لبنان الكبير.
وفي ضوء الأحداث التي تلت احتلال الفرنسيين لسوريا وأعمال المقاومة التي بدأت بعد حوالي 20 يوما من الاحتلال، في حوران والقنيطرة منطلقة من شمال شرق الأردن ومهاجمة موكب رئيس وزراء سوريا الذي عينه الجنرال غورو وهو في طريقه إلى درعا وقتله، وفي ضوء المخاوف التي ظهرت في شرق الأردن من قيام بريطانيا بإخضاع أراضي شرق الأردن إلى وعد بلفور ومد الانتداب البريطاني على شرق الأردن بناء على الحاح هربرت صموئيل، وارضاء لفرنسا التي ظلت تحتج على مشاركة اردنيين في هذه المقاومة. فان عدداً من زعماء شرق الأردن الوطنيين قد ارسلوا برقيات إلى الملك حسين يطلبون فيها إرسال احد أنجاله كي يتزعم حركة المقاومة ضد الأحتلال الفرنسي في سوريا، ومن هؤلاء الزعماء عوده أبو تايه وسعيد خير وعادل أرسلان ومحمود الهندي وغالب الشعلان ، واستجاب الملك حسين إلى هذه الرغبة فارسل برقية إلى المندوب السامي البريطاني في مصر يحيطه فيها بما يجري ويطلب منه اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع الاحتلال الفرنسي من التمادي ومنع المصيبة.
وهذا ما دعا بريطانيا إلى استمزاج رأي زعماء شرق الأردن وكان موقفهم موحدا على رفض الاستيطان اليهودي في أراضي شرق الأردن، وإقامة حكومة عربية في شرق الأردن يقودها أمير هاشمي ، وان لا يكون لها علاقة بحكومة فلسطين ومنع الهجرة اليهودية اليها وصد أي هجوم فرنسي على أراضي شرق الأردن. وهي ضمن المطالب التي عبرت عنها اتفاقية ام قيس التي عقدت في 2/ 9/ 1920 مع ممثل المندوب السامي البريطاني الميجر سومرست ، وقد تعهد المذكور في جوابه بما يلي:
1 - الموافقة على تأليف حكومة عربية مستقلة تحت الانتداب البريطاني.
2 - لا علاقة لحكومة شرق الأردن بحكومة فلسطين.
3 - حكومة شرق الأردن هل التي تقرر منع الهجرة الصهيونية ومنع بيع الأراضي لليهود.
4 - تأليف جيش وطني اذا وافقت منطقتي السلط والكرك.
5 - تزود بريطاني الحكومة الوطنية بالأسلحة حسب اللزوم مقابل الثمن.