02/03/2016

اعداد: م. وائل سامي السماعين
في كل عام عندما تعلن نتائج التوجيهي نصاب بغصة لأننا نستثمر في خطط تعليمية لمدة اثني عشر عاماً نستهدف من خلالها بقصد أو بدون أكثر من 50% من طلبتنا بحيث نحول دون تحقيق أحلامهم أو إبراز مواهبهم وقدراتهم ناهيك عن عشرات الآلاف من الذين ينضمون سنوياً الى طوابير العاطلين عن العمل أو الباحثين عليه ويتم التأكيد لنا أن نسب الرسوب والنجاح هي ضمن معدل الخطة التعليمية كما في السنوات السابقة وكأنه يراد لنا ان لا نقلق ويقال للراسبين حظاً أوفر.
اعلان نتائج التوجيهي من جهة هي بداية معاناة عشرات الآلاف من الشباب والشابات واسرهم وكذلك زيادة العبء والتحدي الأكبر للدولة الأردنية حيث تشير بعض الاحصائيات ان نسبة العاطلين عن العمل قد وصلت إلى 15% للشباب وحوالي 23% للفتيات مع العلم ان هذه النسب تتفاوت حسب الفئات العمرية. واما في الجانب الآخر فاعلان نتائج التوجيهي هي بمثابة اعلان عن خسائر إستثماراتنا في التعليم، فإذا قدرنا ان ميزانية وزارة التربية والتعليم بحوالي800 مليون دينار وعدد الطلاب في جميع المراحل الدراسية بحوالي مليون ونصف المليون فإن تكلفة الطالب السنوية تقدر بحوالي 533 دينارا أردنيا ولذا تكون تكلفة الطالب على مدى اثني عشر عاما 6,396 دينار أردني واذا كانت نسبة الطلاب الراسبين في امتحان التوجيهي يقدر بحوالي 50% فيعني ذلك ان عدد الطلاب الذين لم يختاروا امتحان التوجيهي تقدر بحوالي 60,000 طالب وطالبة وتكلفة تعليمهم خلال الاثني عشر عاماً تقدر بحوالي 383 مليون دينار وعليه خسائرنا السنوية عند اعلان نتائج التوجيهي تقدر بحوالي 32 مليون دينار أضف إلى ذلك المصاريف المترتبة على انعقاد الامتحان في دورتين والتي تقدر بحوالي 26 مليون دينار فيما تتقاضى الوزارة حوالي 6 ملايين كرسوم ولهذا تكون صافي الخسارة عند اعلان نتائج التوجيهي بحوالي 40 مليون دينار أردني سنوياً اذا ما اسثنينا مصاريف الطلبة الناجحين على اساس انه استثمار مجدٍ.
و باستعراض نتائج التوجيهي في بعض المسارات نجد انها غير مرضية على الاطلاق ففي الفرع العلمي على سبيل المثال كانت نسبة الرسوب في الرياضيات 49.1 % , والفيزياء 46.7% والكيمياء 23.3% والعلوم الحياتية 45.4% وعلوم الارض55.8 % واما في فرع الادارة المعلوماتية فكانت نسب الرسوب في مادة الحاسوب 70% والرياضيات 43.4% واما الأدبي فحدث و لا حرج فاللغة العربية كانت نسبة الرسوب فيها 61% والرياضيات 68% وأسوأها اللغة الا نجليزية بنسبة رسوب 87.9% والجغرافيا 71% والحاسوب 85.1% فهذه النتائج ليست الا جرس انذار وهي الدليل القاطع على وجود الخلل.
فوزارة التربية والتعليم تقدم خدماتها التعليمية للطلاب الراغبين في الحصول على شهادة التوجيهي عبر عدة مسارات او افرع تسميها العلمي والادبي وهكذا ومحتواها من المواد محدد مسبقا وهو الزامي ايضا وهذه التقسيمات لا تراعي ابدا حرية الاختيار للطلاب حسب رغباتهم او قدراتهم المتفاوتة وهذاهو المصدر الاساس للخلل. وللتوضيح فيما نعني فانه لابد ان نقارن مع بعض الدول المتقدمة فلناخذ على سبيل المثال كندا فهناك مرحلتان للتعليم ابتدائي يمتد حتى سن الرابعة عشرة ويتم التركيز فيها على بناء الشخصية القادرة على التعبير بحرية وتنمى المواهب والقدرات وتركز على النشاطات غير المنهجية ايضا واما المرحلة الثانوية فتمتد لاربع سنوات تصقل فيها المواهب والقدرات فهذه المرحلة تعتمد على اساس نظام الساعات المعتمدة حيث يستطع الطلاب اختيار المواد التي تناسب رغباتهم وقدراتهم في الوقت والزمان الذي يريدونه, فمثلا الجامعات تشترط على مواد اساسية لدراسة الهندسة المدنية مثل اللغة الانجليزية والفيزياء والرياضيات و لهذا لا يتوقع من الطالب دراسة الاحياء او الكيمياء كما هو في نظامنا التعليمي وكما اسلفنا يختار الطالب ما يناسب قدراته ايضا فمثلا تقسم المواد كمتطلبات جامعية واخرى كمتطلبات كلية وهي متفاوتة المستوى اضف الى ذلك جميع الطلاب ملزمون بالقيام بخدمة مجتمعية قدرها اربعون ساعة تنمي فيهم روح العطاء, ولهذا تجد ان العملية التعليمية تفرز و تكتشف المواهب الفذة للمجتمع من خلال منح الفرصة للطلاب باكتشاف مواهبهم وقدراتهم ولهذا المهندس او الطبيب او الفني او الموسيقي كلهم بارعون في مهنتهم لانهم درسوا ما احبوا.
حسب الارقام المعلنة للدورة الشتوية لعام 2016 كان العدد الكلي للطلاب المسجلين لامتحان التوجيهي في كل المسارات 158,819 حضر منهم فقط 128,052 اي ما نسبته 80.6% واما الباقي وعددهم 30,767 يمكن اعتبارهم Dropout متسربين من المدرسة وحسب احصائيات الولايات المتحدة فلديهم متسرب واحد من المدرسة في كل ثانية وهؤلاء مسؤولون عن 75% من الجرائم التي ترتكب واما نحن فلدينا حوالي 84 متسربا يوميا اضف 164 طالبا يفشل يوميا في اجتياز امتحان التوجيهي ولا توجد لدينا دراسات عن مصير هولاء وكيف تتشكل حياتهم بعد ان يتركوا المدرسة فهل يساهمون في بناء الدولة الاردنية ام يصبحون التحدي الاكبر لنا جميعا
واخيرا و قبل كل شيء لابد لنا ان نعترف ان لدينا مشكلة بحاجة الى حل واذا ما حصل ذلك تصبح المسألة اسهل ويمكن ان نجد الحلول والبدائل المناسبة لتطوير خدماتنا التعليمية لتكون اكثر واقعية لتتناسب مع رغبات وتطلعات التلاميذ في المواد المطلوبة للحقل المعرفي المنوي الالتحاق به في الجامعة. التحديات كبيرة وكثيرة ومنها المناهج والبيئة التعليمية والبنية التحتية والتجهيزات المدرسية وتأهيل المدرسين وكلها تحتاج الى حلول جذرية قبل فوات الاوان ولكن الاولوية للنظام التعليمي وعليه ندعوا الى مؤتمر وطني او تشكيل لجنة ملكية سمها ما شئت حتى يتمكن المختصون من اخذ قرارات مبنية على معطيات ايData Based Decisions وليس قرارات ادارية مرتجلة قد تصيب او تخطئ فالهدف الاساس لكل عملية تعليمية هو اعطاء الفرصة للطالب ليتعلم ما يرغب وحسب امكانياته وليس ديمومة امتحان التوجيهي واذا كان لديمومة التوجيهي مناصرون كثر فليبق خيارا ثانيا كمرحلة اولى والبقاء للافضل.