03/04/2016

إعداد : م. وائل سامي السماعين
منذ عقدين من الزمان كانت العاصمة عمان تشتهر في سرعة إنجاز أنفاقها التي كانت تنفذ بوقت قياسي يثير الإعجاب حيث كانت المدة الزمنية للإنتهاء من تنفيذ أي نفق لا تزيد عن 90 يوماً، وقد كان يضرب المثل في هذا الإنجاز في بعض الدول العربية وخصوصاً الخليجية ففي قطر كان كتاب الصحف الذين يزورون عمان صيفا يذكرون المسؤولين وشركات المقاولات في بلادهم بأنفاق الأردنيين وكيف كانت تنجز بوقت قياسي مقارنة بالمشاريع لديهم، وقد كان نفق الدوار الخامس اول انجاز اردني وأكثرها شهرة حيث أنجز في مدة شهرين لم يتخيلها الأردنيون أو العرب أو حتى الأجانب من ذوي الإختصاص في هذا المجال، ولعل الكثيرين أيضا يتذكرون في سبعينات القرن الماضي كيف كان آنذاك تنظيم السير والمشاه تسير كعقارب الساعة السويسرية الشهيرة تحت ادارة العميد فتحي ابو السعود حيث كانت هناك ممرات لعبور المشاة عند الاشارات الضوئية وكانت المخالفات تصدر للسائقين أو المشاة على حد سواء حتى ان الاخوة في سوريا طلبو من الاردن انتدابه لتنظيم حركة السير في سوريا كما سمعت ، اذن هناك نماذج تؤكد على انه اذا تولدت الارادة والرغبة لفعل الشىء الصحيح فانه يمكننا ذلك، ولكن هذه الانجازات وغيرها لم يحتذى بها مع مرور الزمن في بقية القطاعات وخصوصاً في قطاع تنظيم المدن والقرى وتنظيم حركة المرور بل يمكن وصف الحالة بالتقاعس في اداء الواجب مما ادى الى حالة من الفوضى العارمة نشاهدها يوميا على الطرق من عدم توفر مواقف سيارات وفوضى الاصطفاف على جانبي الطرق وعدم توفر ارصفة مشاة او ممرات لعبور المشاة عند الاشارات الضوئية ، والاعتداء على الحق العام من خلال اغلاق الطرق والارصفة اثناء البناء وعدم الاشتراط على المقاولين و البنائين بتوفير حاويات مخصصة لمخلفات البناء او دورات مياه للعمالة كما هو معمول به في الدول المتقدمة ولهذا تجد ان الحاويات المخصصة للمخلفات المنزلية تستغل و تستخدم من قبل شركات البناء والصيانة في التخلص من مخلفات البناء والقائمة تطول ولا حصر لها، البعض يعزو مظاهر الفوضى الى التزايد الكبير الغير متوقع في زيادة عدد السكان وهذا الكلام مردود عليه لان علم التخطيط يقوم اساسا على مفهوم الازدياد المضطرد في عدد السكان مما يقابله ازدياد في الطلب على الارض والمساحات للبناء والتوسع.
كثير من المسؤولين والمواطنين الاردنيين اما زاروا او يعيشون في مختلف بقاع الارض ويعلمون ان جميع مدن العالم الكبرى مثل نيويورك ولندن وتورنتو لها ما يسمى Downtown وهي عبارة عن شوارع ضيقة ومحلات تجارية على جانبيها ونحن ايضا في الاردن لدينا ما يسمى بوسط البلد مثلهم تماما ولكن الفرق الوحيد اننا ما زلنا نبني كما كنا منذ مائة عام شوارع ضيقة وعلى حافتها محلات تجارية بينما الاخرون طوروا علم تخطيط المدن وبدأوا ببناء ما يسمىPLAZA اي مساحة واسعة من الارض تخصص لبناء المحال التجارية مع مواقف سيارات تتسع للمئات وذلك في المناطق السكنية بينما نحن ما زالت انظمة البناء تسمح ببناء محال تجارية على حافة الطرق وهي تشكل اساس الفوضى لدينا وكما ذكر جون ويلموث مدير شعبة السكان بادارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالامم المتحدة لقد اصبحت ادارة المناطق الحضرية واحدة من اهم تحديات التنمية في القرن الواحد والعشرين واضاف ان الشىء الذي يخشى منه هو الحالات التي لا تخطط فيها الحكومات للنمو المتوقع وما نشاهده يوميا ما هو الا دليل على صدق قول الرجل. وتعزى الفوضى عندنا إلى عدة اسباب رئيسية ومنها:-
1- علم تخطيط المدن واختصاصاته غير متوفر في الأردن
علم تخطيط وتنظيم المدن هو الذي يقوم على تنظيم وتخطيط إستعمال وإستخدام الأراضي بحيث تساعدنا على تحدديد وفرز وتصنيف الإماكن التي نبني فيها التجمعات السكانية أو المصانع أو الحدائق العامة أو المدارس أو الطرق او التجمعات التجارية وجميع الخدمات الضرورية المصاحبة لها، في الأردن لدينا عدد المهندسين المختصين في مجال Planning لا يتجاوز 150 مهندس تخطيط مختص من أصل 110,000 آلاف مهندس مسجل بنقابة المهندسين اضف الى ذلك لا يوجد جميعة Planners كما في الدول المتقدمة او جمعية مهندسي طرق او مهندسي مرور Traffic Engineers وفي حقيقة الامر المهندسون من غير ذوي الاختصاص هم في الغالب المعنيون في معظم البلديات والدوائر ، وهذه الارقام والحقائق وحدها تعكس مدى الضعف العام الذي نعاني منه في هذا المجال الحيوي ومن هنا ظهرت العديد من الاختلالات والمشاكل وهذا الخلل الواضح هو نتيجة عدم القدرة على تحديث التشريعات والاجراءات الناظمة و غياب المختصين
2- التقصير في أداء الواجب
التصاميم الهندسية لأشارات المرور في الأردن تعكس التقصير في أداء الواجب الذي قد يصفه البعض وبأريحية بالاهمال المتعمد والا فما هو التفسير لغياب ممرات عبور للمشاة عند الاشارات الضوئية او أرصفة مائلة تسمح لذوي الإحتياجات الخاصة بعبورها وهذه جزء اساس في أي تصميم هندسي لأي اشارة ضوئية التي تستخدم لتنظيم حركة السير والمشاة في وقت واحد ولا تحتاج ميزانية ضخمة او علما محتكرا على جهة دون اخرى فهذه ابجديات ABC التصميم الهندسي للأشارات الضوئية وهي كذلك من ابجديات تنظيم حركة السير والمشاة والتحكم فيهما يتم من خلال مجموعة من الادوات و التي تستند على توفير وتخطيط مواقف للسيارات و تخطيط للشوارع وتوفير الاشارات الضوئية ، وما سوء تنفيذ الاشارات الضوئية الا دليل ومثال بائن للعيان وبشكل صارخ ومثير للسخرية والحزن على ما الت اليه بلدنا من وضع مزر في تنظيم وتخطيط المدن والقرى. وبما ان الكل متفق على انه لا يجوز ان يستمر الوضع على ما هو عليه فلابد من البدء في اتخاذ جميع الاجراءات الضرورية وبداية لا بد من تصنيف المشاكل على النحو التالي :
اولا -المشاكل الانية وسهلة الحل ومنها على سبيل المثال
1- العمل على تحويل بعض الطرق الى مسرب باتجاه واحد في اوقات محددة لحل بعض ازمات المرور وخصوصا عند بعض المدارس مثل تقاطع راهبات الوردية ومشروع بنك الاسكان
2- العمل على تخطيط للشوارع وخصوصا للاماكن الممنوع فيها الوقوف او عند التقاطعات او عند الاشارات الضوئية او لغاية الاصطفاف وهذه كما ذكرت انفا هي جزء من ادوات التحكم والسيطرة في حركة السير وتنظيمه
3- العمل على فتح ممرات عبور للمشاة عند الاشارات الضوئية
4- التشديد في تطبيق قوانين السير وتركيب الكميرات في معظم شوارع المملكة وعدم اعفاء المخالفات لاي كان مع انشاء محاكم مرور للتقاضي
5- البدء في استملاك قطع اراض لغاية بناء مواقف سيارات لان من خلق المشكلة باعطاء تراخيص بناء بدون مواقف سيارات عليه بتحمل مسؤوليته تجاه حل ولو جزء من المشكلة التي اصبحت من المظاهر الغير حضارية في جميع المدن والقرى الاردنية وبالاخص عمان
6- العمل على ادخال مفهوم SMART TRAFFIC LIGHTS لحل مشكلة Traffic Jam
7- العمل على ادخال مفهوم Green Wave في عمل الاشارات الضوئية والمستند على فتح مجموعة من الاشارات الضوئية بشكل تتابعي في حالة Rush Hours
8- الدوائر الحكومية عليها مسؤولية عند استئجار مبانيها بأشتراط ان تكون هناك مواقف لسيارات موظفيها والمراجعين
9- العمل على وضع عدادات امام المحال التجارية التي تشكل ازمة سير امامها بحيث تمنح المركبة عشرة دقائق وقوفا مجانيا وباقي الوقت مقابل اجرة وهذا قد يحد من ازمة السير في تلك المناطق
10- العمل على تركيب اللوحات الارشادية على الطرق السريعة مثل طريق المطار وخصوصا فيما يتعلق بالتزام المسرب الصحيح وتحديد السرعات لكل مسرب وتخصيص مسارب اليمين للشاحنات او سيارات النقل وتشديد الرقابة نظرا لخطورة التجاوزات على هذه الطريق وخصوصا في حالات التنقل المفا جىء من مسرب لاخر بطريقة هستسيرية تعرض حياة الأخرين للخطر ، فوجود طرق سريعة بحاجة الى عملية تدريب وتوعية وارشادات بل واخضاع الممتحنين للفحص على الطرق السريعة
11- العمل على تركيب سلال مهملات امام المحال التجارية وخصوصا امام محلات بيع السندويشات لان الشارع العام يستخدم حاليا كمكب للنفايات
12- البدء في تطبيق مخالفات على المواطنين الذين لا يأ بهون او لا يدركون معنى الذوق العام بقيامهم بألقاء القاذورات من سيارتهم او رميها اثناء تجولهم في الشارع العام
13- التفكير في كيفية استخدام طريق المطار مع طرق الخدما ت الجانبية فما المانع مثلا من تخصيص طرق الخدمات للحافلات او السيارات الثقيلة فقط فعدد سكان عمان مشابه لمدينة تورنتو والاخيرة لديها سبعة مسارب للدخول وسبعة مسارب للخروج منها حتى تمكنت من استيعاب حركة السير منها واليها ولهذا لابد من استخدام Service Roads
14- التفكير بتخصيص بعض المسارب على الطرق السريعة للسيارات التي تقل اكثر من شخصين وذلك للتقليل من الاثار البيئية في استخدام المركبات مما يعطيهم الاولوية في المرور وتفادي الازمات ويشجع على ثقافة Car pooling اي النقل الجماعي.
15- انشاء اماكن للمشاة Pedestrian Parks وكذلك اماكن لل Cyclists لان عمان اصبحت مشهورة بعدائها للمشاة
ثانيا- المشاكل التي تحتاج الى قد تحتاج الى حلول قد تكون طويلة الامد نسبيا
1- اعادة النظر في قوانين تنظيم وتخطيط المدن والاخذ بتجارب الدول الاخرى
2- مراجعة كافة اللوائح والا جراءات المعمول بها حاليا (By Laws) فعلى سبيل المثال في بلد مثل كندا عندما تتقدم اي جهة لتطوير قطعة ارض للبناء عليها ففي اول مرحلة يصدر ما يسمى Draft Plan Approval مع شروط ومنها على سبيل المثال ان يقوم المطور بوضع لوحة اعلانية في قطعة الارض تشير الى انه سيتم البناء عليها مع نوعية البناء مما يعطي العامة او السكان المحليين الفرصة للأعتراض اولفت انتباه المجلس البلدي لامور وقضايا تخصهم مما يسهل تداركها اثناء مرحلة التصميم، وقبيل اعطاء الاذن في البدء في العمل في الحفر والانشاء لابد ان تعرض على المجلس البلدي ويعلن عن المشروع على الموقع الالكتروني للبلدية بحيث يتسنى لاي شخص حضور الجلسات العلنية والاعتراض وقد يطرح اعضاء المجلس اي موضوع متسائلين اذا ما اخذ بعين الاعتبار ، واذا لم يكن هناك الجواب الشافي فلا يعطى الاذن بالبدء في الحفر، واذا لم يكن هناك اعتراضات من العامة وسمح المجلس بالبدء في المشروع فان الشروط المصاحبة للبدء في البناء تكون مشروطة بامور تتعلق بالسلامة العامة مثلا يشترط على الشركة المنفذة ان توفر دورات مياه للعمال و حاويات لمخلفات البناء والتأكد بان جميع السيارات التي تدخل وتخرج من المشروع تكون عجلاتها نظيفة ، وشروط اخرى تتعلق براحة الجيران والسلامة العامة وسلامة العمال ايضا وتقوم الجهات المختصة بالمتابعة واصدار المخالفات اول بأول.
3- دعم وتشجيع تأسيس جمعية لمهندسي التخطيط
4- دعم وتشجيع تأسيس جمعية لمهندسي الطرق والمرور
5- استخدام التكنولوجيا في جمع البيانات وتخزينها للخدمات التحتية مثل الكهرباء والماء والمجاري باستخدام GSI Technology
6- ابتعاث دورات دراسية في مجال علم التخطيط
7- الاخذ بتجارب الدول المتقدمة
8- الزام الشركات الهندسية واصحاب العمل بان تكون عقود المشاريع شاملة قوانين السلامة العامة وبوضوح ولها غرامات محددة يتحملها المقاول المنفذ
ترك الامور لتتفاقم سوف يضر بالمصلحة العامة والعبىء الملقى على ادارة السير كبير وثقيل ولا يجوز ان يتبنى العديد من ابناء الوطن فكرة ان فرض القانون هو جباية فالمشكلة متشابكة من عدم تحديث لقوانين البناء والتنظيم وكذللك الاهمال او اللا مبالاة لعدم وجود مسائلة او هيئة عليا للسيطرة وكذلك لعدم فرض القانون لان الضعف في الاجراءات عادة تؤدي الى استفادة ذوي الانفس الضعيفة من هكذا حالات.