الساعة

ذكريات مع خالد شومان

إعداد: اياد احمد الشقيري

مركز الرأي للدراسات

حزيران 2016

 

 

طيب الذكر الحاج عبد الحميد شومان ، العصامي الذي أسس البنك العربي في القدس عام ١٩٣٠ وترأسه حتى عام ١٩٧٤ ، له ولدان : عبد المجيد وخالد . كتبت في العام الماضي عن عبد المجيد بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاته ، واليوم أود الكتابة عن بعض ذكرياتي مع خالد شومان بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لوفاته في ٣٠ حزيران ٢٠٠١ ، وقد سبق أن كتبت عنه في ذكراه الخامسة ، ولعلني أوفق الآن في تدوين إضافات مفيدة وتفادي التكرار ، مع أن الصفات المميزة لهذا الإنسان المميز تستحق التكرار.
التحق خالد بالبنك العربي ثانية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وتزوج من سهى عبد الباقي (بنت خاله) ، وذلك قبل وفاة والده في أيلول من العام ١٩٧٤ ، وإثر وفاة والده أصبح خالد نائبا للرئيس / المدير العام وله نفس الصلاحيات. خالد أحب البنك العربي كما أحبه والده وأخوه ، وأعطاه كل وقته وجل اهتمامه، وساهم بقوة في تحقيق قفزة هائلة في عمل البنك وتوسع نشاطه في الربع الأخير من القرن العشرين. كان خالد يعشق التحديث والتطوير للخدمات المقدمة للعملاء، وكان يهتم كثيرا بإنصاف العاملين وتحسين أوضاعهم ويتقن فن التحفيز .
بداية عملي مع البنك العربي كانت في بيروت عام ١٩٧٠ ، وبمبادرة من خالد التحقت بإدارة البنك في عمان عام ١٩٧٦ وكان من حسن حظي أن عملت معه عن قرب منذ ذلك الوقت وحتى العام ٢٠٠١ ، ذلك العام الحافل بالأحداث الجسام كما سأبين لاحقا. كنا حتى خريف ١٩٨٢ في مبنى البنك العتيد في شارع فيصل، وكان مكتبه في الطابق الثالث ومكتب أخيه في الطابق الثاني . ثم انتقلنا إلى المبنى الجديد بالشميساني ، وكنت مكلفا مع آخرين بتجهيز المبنى وتخصيص المكاتب للدوائر المختلفة إضافة لتأسيس مركز حاسوب حديث، واهتم خالد بنفسه بتجهيز مكتبه ومكتب أخيه في الطابق السادس على أحسن ما يكون.
عندما مرض والدي أحمد الشقيري مرضه الاخير في تونس في النصف الأخير من العام ١٩٧٩، كان خالد يسمح لي بالسفر لعيادته لبضعة أيام مرتين كل شهر ، وعرض علي المساهمة في تكاليف السفر والعلاج قائلا : والدك عزيز علينا وكان عضوا في مجلس إدارة البنك وواجبه علينا ، فشكرته على عرضه الكريم واعتذرت. وعندما أبدى الوالد رغبته بالقدوم إلى عمان للعلاج كان لخالد دور مشكور في مراجعة صاحب الأمر الذي تكرم بالاستجابة فورا ، ولما توفي الوالد في عمان أوائل ١٩٨٠ جاءنا خالد للبيت معزيا وحاملا تلكس تعزية من أخيه المسافر.
بالاضافة لعملي شبه اليومي مع خالد لتطوير أنظمة المعلومات وهندسة العمليات ووضع استراتيجية البنك ، أسعدني بمرافقته في الاجتماعات السنوية للميزانيات التقديرية لمناطق عدة ، منها سنغافورة وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ومصر، كما رافقته في رحلات عمل إلى الرياض والبحرين وتونس وباريس، وأيضا دعاني لاجتماع خاص لعدد محدود من المدراء في زورخ. وفي يوم ما أراد زيارة فرع إربد فأخذني وحدي معه ، وأحب أن يقود سيارته بنفسه وكم كان سعيداً بذلك ، وكم كانت الطرقات سهلة في ذاك الزمان. في كل هذه الرحلات والاجتماعات تعرفت أكثر فأكثر على شخصية خالد وصفاته الحميدة ، حسن المعشر ودماثة الخلق وسرعة البديهة ، وحب الحياة والمرح ، دون الإخلال بالعمل الجاد والعزم والحزم.
رزق خالد وسهى بعمر في العام ١٩٧٩ بعد عام من رزقنا بمحمد ، ورزقا بعائشة في العام ١٩٨٢ بعد عام من رزقنا بنسيبا. أولادنا هؤلاء تزاملوا في عدة مدارس في عمان ، قبل أن يذهب كل منهم في طريقه للدراسة الجامعية في الخارج. خالد سهل لسهى تأسيس دارة الفنون في جبل اللويبدة فأصبحت معلما ثقافيا مهما في الاْردن ، وبعد وفاة خالد جعلت سهى كل النشاطات الفنية والثقافية ضمن مؤسسة جديدة تحمل اسمه.
حدث خلاف خطير بين عبد المجيد وخالد في منتصف التسعينات بسبب تعثر التسهيلات المصرفية لأحد العملاء ، ونتيجة لهذا الخلاف استقال ثلاثة محامين كبار من الدائرة القانونية وقبل عبد المجيد الاستقالات فورا. كنت وحدي إحدى المرات عند خالد في مكتبه ، وأسر لي عن قلقه الشديد مما يمكن أن يفعله عبد المجيد لاحقا ، ولكن تمكن خالد من احتواء تلك القضية وغيرها والتعايش مع قرارات أخيه ، فقد كان يكن احتراما كبيرا لأخيه ويحرص على وحدة العائلة.
أصيب خالد في أواخر التسعينات بمرض نادر في الرئتين ، مع انه ترك التدخين قبل أكثر من عشر سنوات ، وكان يمازحنا بأن قرار انقطاعه عن التدخين كالاعتماد المصرفي يجدده كل عام! عرف خالد ان المرض لن يمهله طويلا ، وأسر لي بشعوره بأن ليس أمامه وقت كاف لترتيب أمور البنك ، وعندها قرر السير في مشروع خطة استراتيجية جماعية ، تلك الاستراتيجية التي وضعها بطريقة علمية فريق من مسؤولي البنك من مختلف الاختصاصات والمناطق. رفض عبدالمجيد في اجتماع مجلس الإدارة في آذار ٢٠٠١ تنفيذ الاستراتيجية وما تضمنته من مبادرات ، وكان متشددا في موقفه. انسحب خالد بهدوء وسافر بعد أيام إلى فيينا حيث اشتد عليه المرض فلم يمهله سوى ثلاثة شهور. قبل اجتماع المجلس المذكور بيومين وجهت رسالة خاصة إلى عبد المجيد لإصلاح ذات البين وتلافي تصعيد الخلاف ، ولكني لم أنجح بكل أسف ، ثم تسارعت الأحداث فقدمت استقالتي في ١٤ آب والآن يؤسفني القول إن تلك الأحداث كانت بداية النهاية لأسطورة عائلة شومان في قيادة البنك العربي.
وصل الجثمان إلى مطار ماركا المدني ، وبعد صلاة الجنازة في مسجد الفيحاء بالشميساني ، سار موكب الجنازة رمزيا أمام مبنى الإدارة العامة للبنك العربي ، ثم توقف وقفة قصيرة عائلية في حديقة بيته في جبل عمان ، وتابع موكب الجنازة طريقه إلى منطقة البتراء حيث ووري الجثمان الثرى في حديقة بيته الريفي هناك.
ذكرى خالد شومان الطيبة ستبقى حية، في قلوب محبيه ، وفي ذاكرة معاصريه وعارفي جهوده ومنجزاته ، والأهم من ذلك كله أن يرضى الله عنه ويرحمه ، ويجزل له الثواب في الآخرة عن عمله الصالح في الدنيا.