ماذا لو استمر العراق واستمر الاتحاد مع الأردن

18/07/2016


إعداد: السفير ياسين عبدربه الرواشدة

مركز الرأي للدراسات

 

تمر هذه الايام ذكرى انقلاب 14 تموز 1958 في العراق والذي يعتبر حدا فاصلا بين مرحلتين هامتين من حياة العراق والاقليم عموما. وتجيء هذه المناسبة والعراق والاقليم اليوم يشهد مرحلة قاتمه من تاريخها. ولا بد وعندما نقيم هذا الحدث الماساوي وتفاعلاته اللاحقة ان نحمل القائمين عليه وتابعيهم المسؤولية في تلك الاحداث و تراكماتها والتي يواجه العراقيون والعرب عموما نتائجها باشكال مختلفة اليوم.
لقد كان عراق ما قبل تموز 1958 مزدهرا و متطورا و ديموقراطيا بنسبة كبيرة قياسا بدول المنطقه بل كان بؤرة الجذب في اقليم منطقة الخليج العربي وبلاد الشام.
كانت العراق انذاك ملكية دستورية بنظام حزبي تعددي يراس حكومتها زعيم الاغلبية البرلمانية وكانت الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ناشطة وكانت مكائد السياسيين الحزبيين تعطي لون الحياة السياسية طعما متميزا خصوصا بين السياسيين التقليديين مثل السياسي المحافظ نوري باشا السعيد او خصمه الليبرالي صالح جبر.
ولما كانت الساحة العربية وقتها والمتأثرة بالشعارات الناصرية البراقة في ان وحدة العرب مهما كان شكلها ستعني خلاص العرب وتحريرهم و في الوقت الذي صيغت « وحدة ثورية « بين العسكريين في كل من سوريا ومصر في 1 شباط عام 1958 تداعت حكومتا الاردن والعراق لاقامة وحدة بين المملكتين في 14 شباط لكن على اسس جادة و مؤسساتية ومتوازنة. لقد تم الاتفاق في « الاتحاد العربي « على ان يكون جلالة الملك فيصل الثاني رئيسا وجلالة الملك الحسين نائبا له وبان تكون العاصمة بالتناوب ومجلس الوزراء الاتحادي من 7 شخصيات بشكل متوازن مقبول في اتحاد تكون القرارات فيه جماعية وتوافقية.
و بدل ان تحيي مصر وسوريا التجربة الاتحادية هذه بين الاردن والعراق وتعتبرها خطوة الى الامام في اتجاه الوحدة التدريجية للعرب.لكنهما ناصبا العداء لهذا الاتحاد «الرجعي» منذ البداية فجرى تحريض اعلامي وتامر مكثف لاجهاض هذه التجربة الوحدوية المتميزة.
لقد جاء في وثيقة «الاتحاد العربي» بانه مفتوح لاي دولة عربية للانضمام اليه وبان كل دولة يحق لها الاحتفاظ بنظامها السياسي وخصوصيتها اوان شكل الاتحاد قابل للتطوير حسب الظروف وحاجات المستقبل.
و تشير الوثائق البريطانية التي جرى فتح ملفاتها مؤخرا بانه كان هناك حماس لدى شعوب وحكام الامارات العربية المتصالحة على ساحل الخليج العربي للانضمام الى هذا الاتحاد الذي كانت حكومته ومقرها بغداد تخطط لمساعدة تلك الكيانات في مفاوضاتها مع الانتداب البريطاني–الذي كان يشرف ويحمي تلك الامارات العربية – و تقديم البديل لحمايتها ودعمها من اجل الحصول على الاستقلال مقدمة للانضمام الى الاتحاد الاردني العراقي الوليد وتؤكد الوثائق ان وفودا من شخصيات الحركة الوطنية الكويتية قد بدأت انذاك تتوافد على بغداد للتعرف على ماهية الاتحاد استعدادا لطلب الانضمام اليه حيث كان الكويتيون يرون فيه السبيل الافضل للتخلص من الحماية الاجنبية - البريطانيه.
كان الملك الشاب فيصل الثاني - رحمة الله - يعد نفسه في صبيحة اليوم التالي / للانقلاب في يوم 15 تموز/ السفر في اجازة قصيرة الى تركيا كان يخطط خلالها هو وبعض افراد الاسرة للقاء شقيقة شاه ايران التي كان ينوي خطبتها.
كان في ذلك الوقت وداخل الجيش العراقي مجموعة من الضباط الشباب المتحمسين والمتهورين و مستغلي الحماس للدعاية الناصرية عبر اذاعة «صوت العرب» الشهيرة التي خصصت لتجييش الشارع العربي وتثوير الجماهير. وقد وجد هؤلاء مجاميع اخرى مماثلة متاثر بعضها بافكار وشعارات حزب البعث واخرى بشعارات الشيوعية و مرتبطين ببعض السياسيين داخل العراق وخارجها الذين كان يجمعهم العداء لحكومة نوري السعيد بحجة ان « الباشا» كان يقمعهم من وقت لاخر ويكشف شياً من ارتباطاتهم.
فحيكت المؤامرة وجرى اختيار التوقيت بتحريك قطعات من الجيش العراقي المرابطة قرب بغداد بحجة التوجه الى الجناح الغربي من الاتحاد - الاردن حيث غيرت مسارها واتجهت الى محاصرة «قصر الزهور» وبعض منشات و منازل المسؤولين. لقد كان باستطاعة الملك المقاومة واستخدام القطاعات الاخرى الموالية من الجيش وسحق الانقلابيين بل رفض طلبا لقائد لواء الحرس الملكي للمقاومة وطلب المساندة العسكرية من بقية القطاعات. كان رحمة الله شخصية رقيقة و مسالمة لم يرغب في اراقة دماء ووقوع اشتباك داخل الجيش عارضا عدم اراقة الدماء وبان يخرج هو والاسرة و من يريد من المسؤولين بسلام خاصة وان» الانقلابيين» ابلغوا قائد الحرس الملكي ان هدفهم الاساس الاطاحة بحكومة نوري السعيد فقط و ليس ايذاء الملك او من الاسرة.
خصوصا وانه كان معلوما ان الملك فيصل الثاني كان يتمتع بشعبية واضحة في البلاد..
وفي الوقت الذي كان الملك وافراد الاسرة خارجين من القصر مسالمين وحسب الاتفاق داهمهم الرصاص في ساحة القصر ليقضي على جميع من كانوا هناك وليقتحم العسكريون المبنى ويقتلوا جميع من كانوا بداخلة بطريقة دموية بشعه. كما قام الانقلابيون وقتها بالقاء القبض على رئيس الحكومة نوري السعيد فسحلوه في الشوارع بطريقة مقززة وقطعوا جسده اربا اربا ليرسل احدهم – نائب رئيس الانقلاب المقدم عبدالسلام عارف–الى جمال عبد الناصر «اصبع» نوري السعيد ملفوفا في قماش « كدليل على بطولاته !!.
و بذلك انهارت التجربة الوحدوية وبدا العراق سلسلة من الماسي والدماء.. حيث انقلب «الثوريون» على بعضهم.. واخذ احدهم يصفي الاخر بطريقة دموية فظة.. حيث خان عبدالسلام عارف «الناصري» عهده لرئيسة عبدالكريم قاسم «الشيوعي» وانقلب عليه بمساعدة ضباط بعثيين وقام بقتله بدم بارد امام عدسات التلفزيون كما انقلب عارف نفسه على رفاقه البعثيين الذين تامروا هم بدورهم عليه ليخلفه شقيقة عبدالرحمن عارف الذي اطاح به البعثيون في انقلاب /هو الرابع منذ احداث تموز 1958 / قاده هذه المره اللواء احمد حسن البكر والذي ساعده وسهل له الانقلاب قائد الحرس الجمهوري ووزير الدفاع حينها لكن البكر وبعد اسبوع واحد من تسلمه للسلطه انقلب عليهما وجرت تصفيتهما ليبدأ اللواء احمد حسن البكر الانفراد بالسلطة مع قريبه ونائبه صدام حسين التكريتي ليدخل العراق مرحلة مختلفة شهدت بعض الاستقرار ولها ما لها وعليها ما عليها وتعرفون بقيتها..
ترى ونحن في ذكرى انقلاب 14 تموز يحق لنا ان نتساءل ماذا لو استمر العراق واستمر الاتحاد مع الاردن او ماذا لو حصلت المصاهرة بين الاسرتين الحاكمتين في العراق وايران انذاك و ماذا وماذا.. لقد كان مستوى المعيشة في العراق صبيحة 14 تموز يوازي مستوى المعيشة في اليابان او في ايطاليا وكان اعلى من مستوى المعيشة في اسبانيا والبرتغال واليونان وايرلندا..
هناك وثائق تشير بان السبب الحقيقي للذين خططوا ورسموا ذلك الانقلاب في 14 تموز 1958 والذي كان الضباط المتحمسون مجرد ادوات فيه كان السبب هو اجهاض مشروع الوحدة الذي لم يكن سيتوقف على العراق والاردن فحسب بل سيتمد الى دول وكيانات اخرى.كان الانقلاب وتوقيته الدقيق ايضا لتعطيل علاقة المصاهرة وترطيب الاجواء بين بغداد وجارتها ومنافستها ايران.. باختصار لم يكن حركة 14 تموز « ثورة « كما يحلو للكثيرين
ان يسموها بل كان انقلابا دمويا حطم مشروع وحدة رائد وادخل بلدا متطورا ومزدهرا في دوامة الانقلابات وصراعات العسكر على السلطة مقدمين الكرسي على الوطن.رحم الله جلالة الملك الشهيد فيصل الثاني ورحم الله شهداء العراق من 14 تموز 1958 وحتى اليوم..
*رئيس مركز «امة» للدراسات الأور - متوسطية