نتائج «التوجيهي» تهدد بإغلاق الجامعات الخاصة!

03/08/2016

د.ماهر الحوراني

 

هل أصبح التشدد في ممارسة اسلوب التقويم والقياس في امتحان «التوجيهي» وهو الهدف بحد ذاته ، دون اعتبار للتوازن والترابط بين حلقات التعليم والتعليم العالي والجامعات وسوق العمل وغيرها من القطاعات ؟!.

وهل اخفاق الاعداد الكبيرة من الطلبة في «التوجيهي» هو من سيبني البلاد ويريح العباد ؟!

وهل كان طلبة «التوجيهي» ما قبل الاجراءات في السنوات الاخيرة أذكى من طلبتنا الان لنجد هذه النتائج التي لم تتجاوز نسبة النجاح فيها 38 % من المتقدمين للامتحان هذا العام 2016.. وما يقارب هذه النسبة للاعوام القليلة التي سبقتها ( وفي حال احتساب اعداد الطلبة المستنكفين فإن نسبة النجاح بالكاد تصل الى 26%) ؟!.

ان هذه النتائج بالتاكيد لا تعد عامل ضعف عند الطلبة بل هي دلالة على وجود خلل لدى القائمين على امتحان «التوجيهي» لناحية أسس التقويم والافتقار للتخطيط السليم و غياب رؤية استراتيجية شاملة لدي المسؤولين عن هذا القطاع.

إن القرارات المتعاقبة والمتسارعة في مجال التربية والتعليم خلال الاونة الاخيرة سواء لجهة العودة بامتحان «التوجيهي» لنظام امتحان السنة الواحدة «كما في السابق « أو محاولة العودة لامتحان «المترك» لطلبة الصف التاسع.. أو التضييق على المدارس الخاصة أو لجهة الاشتراطات الجديدة على الطلبة الاردنيين الذين يتقدمون لامتحان الثانوية العامة خارج الاردن أوفرض الامتحان «التحصيلي» على طلاب الثانوية العامة القادمين من الخارج بغية معادلة شهاداتهم...الخ.. كل ذلك خلق بلبلة في صفوف الطلبة وذويهم ، وساهم في خلق إشكالات كبيرة في كافة القطاعات الكثيرة الاخرى التي هي على تماس مع قطاع التربية والتعليم.

إن معالجة نتائج «التوجيهي « لتتناسب وتتوازن مع خطط الدولة في شتى القطاعات لا ينتقص من «هيبة الامتحان « بل يساهم في الانسجام بين كافة القطاعات في إثراء مسيرة التنمية الشاملة وهو الامر الذي تفعله (في شتى المجالات) حتى اكثر الدول تقدما.

وإذا علمنا أن 128 ألف طالب وطالبة سجلوا للالتحاق بامتحان الثانوية العامة للعام 2016 إستنكف منهم حوالي 47 ألفا ليبقى حوالي 80 ألفا تقدموا للامتحان نجح منهم حوالي 32 الف طالب وطالبة... فإنه يبرز هنا سؤال هام جدا « في ظل استنكاف و رسوب ما يقارب المائة الف من الطلبة سنويا « ترى ما هو تأثير ذلك على اقتصاد البلاد وعلى البطالة ؟ وأين يذهب هذا الجيش المحبط من الطلبة في ظل ما تعيشه المنطقة من تطرف ؟! وهو الامر الذي يضع المسؤولين عن هذا القطاع امام مسؤولياتهم اتجاه أبنائنا ومستقبلهم واتجاه مؤسساتنا التعليمية وتطورها.

ان منع أبنائنا من الدراسة الجامعية بحجة توجيههم الى التعليم التقني !! أمر اثبت انه مجرد خطط تحتاج الى أعمدة ودعائم على ارض الواقع... فعلاوة على صعوبة التطبيق للتعليم التقني في بلادنا لاننا بلد خدماتي « ولسنا بلدا صناعيا او نفطيا « ولا نملك الامكانات والمقومات التي يحتاجها هذا النوع من التعليم... فانه أيضا لم يجد هذا التعليم له سندا في نتائج امتحان الثانوية العامة الحالي... فقد حصل فقط حوالي الالف على معدل بين 50% إلى 60% وهذه الفئة هي عماد الطلبة الذي قد يذهبون إلى التعليم التقني!!

وهنا لا بد من الاشادة ببادرة «التعليم العالي « باعلان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ الدكتور وجيه عويس عن توجه لدى الوزارة نحو استحداث برامج دبلوم فني في كليات المجتمع المتوسطة، للطلبة الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح في الثانوية العامة « التوجيهي» يمنحون بموجبه شهادة تؤهلهم للالتحاق سريعاً بسوق العمل مسلحين بالمهارات والقدرات والكفايات اللازمة للانخراط فيه..وهو الامر الذي قد يخفف من حدة الازمة ولكنه بالتاكيد لن يحلها اذا لم يتم معالجة امتحان «التوجيهي» ونتائجه المحبطة.

كما ان فرضية الدراسة في الجامعة والحصول على الشهادة من اجل الوظيفة تنتفي في ظل ان الشهادة الجامعية اصبحت الان مطلبا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا ترسخ ثقة الانسان بنفسه « وابسط مثال على ذلك هو ان الشاب عندما يريد ان يتزوج اول ما يتم السؤال عنه هل معه شهادة جامعية ام لا ! ).

ثم ما هو المانع من ان يحصل حتى الطالب الذي رسب في الثانوية العامة على بكالوريوس في بعض التخصصات التقنية والمهنية وليس فقط دبلوم.. وهذا الامر نجده في كثير من الدول المتقدمة ؟

وبنظرة سريعة للنتائج الحالية « للتوجيهي» وشواغر المقاعد الجامعية نجد ان 27400 طالب وطالبة حصلوا على معدل من 65% فما فوق في حين أن الجامعات الرسمية نسبت بقبول 36 ألف طالب وطالبة ضمن البرنامج العادي وفق القبول الموحد.. اي بنقصان ما يقارب 8 آلاف مقعد جامعي شاغر للبرنامج العادي... ذلك عدا البرنامج الموازي والذي وفق النسبة المحددة (30%) من البرنامج العادي يحتاج الى ما يزيد عن عشرة الاف طالب وطالبة ايضا.. اي ان الجامعات الرسمية تحتاج الى 18 ألف طالب وطالبة لملء المقاعد الشاغرة بعد قبولها اعداد الناجحين في «التوجيهي» والذين يحق لهم الحصول على مقعد جامعي ؟!

وهنا يطرح سؤال مشروع نفسه: أين هم الطلبة الذين سيلتحقون بالجامعات الخاصة ؟ أوليست هذه الجامعات جامعات وطنية من حقها أن تشملها الخطط التعليمية لناحية مدخلاتها من الطلبة... تماما كما تشملها هذه الخطط لناحية واجباتها وتطبيقها للمعايير والاعتمادات ومحاسبتها ؟

ثم المانع من إعطاء الجامعات الخاصة بعض الامتيازات والتسهيلات في بعض التخصصات المطلوبة في سوق العمل الخليجي والخارجي بحيث تقوم بفتح هذه التخصصات تحت رقابة ومعايير وزارة التعليم العالي وهيئاتها.. وذلك مثل تخصصات العلوم الطبية بشكل عام والطب وطب الاسنان.. أفضل من ان يقوم اولئك الطلبة بدراسة هذه التخصصات في بعض دول اوروبا واسيا وروسيا...الخ؟.

ان هذه السياسات، وخصوصا نتائج «التوجيهي» - بوتيرتها القائمة منذ سنوات - وكذلك مسألة معادلة الشهادات والامتحان التحصيلي ومحاولة التضييق على الطلبة الاردنيين القادمين من الخارج والطلبة العرب والاجانب الراغبين بالدراسة في الاردن - ان لم يتم تداركها- ستقود الى حدود إغلاق الجامعات الخاصة ابوابها وهو الامر الذي يشكل كارثة على صعيد الاستثمارات الهائلة في هذا القطاع وكذلك على عشرات الاف العاملين فيه.

نأمل أن يأخذ المسؤولون عن قطاع التعليم بالتطورات الحديثة التي تجعل من امتحان التوجيهي يشكل انعكاسا حقيقيا لمستوى الطلبة ورابط توازن ايجابي بين مختلف القطاعات ، وكذلك إعادة النظر بالتطبيق لمحاورالاستراتيجية الشاملة للتعليم التي تراعي مصلحة البلاد والاقتصاد ومصلحة الطلبة والمجتمع..وكذلك تشجيع الاستثمار الخاص في قطاع التعليم وليس محاربته مستفيدين من تجربة الدول المتقدمة في هذا المجال... فهيبة الوطن وتطوره في شتى المجالات وإثراء مسيرته التنموية هي الهيبة الحقيقية المطلوبة.