سياسة ترامب المحتملة تجاه الشرق الأوسط

15/11/2016

إعداد:عارف عادل مرشد

 

يشكل ملف الشرق الأوسط أحد أهم القضايا حساسية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب-الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية- الذي يعارض جميع سياسات الحزب الديمقراطي فيما يخص المنطقة، ويقول إن كل المشاكل والحروب التي تعرفها دول الشرق الأوسط سببها إدارة أوباما،خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية لما يعرف «بتنظيم داعش» والملف السوري،بالإضافة للعراق وليبيا والملف النووي الإيراني.

 

ويصنف خبراء دونالد ترامب في خانة التيار الانعزالي،أحد تياري السياسة الخارجية السائدين منذ القرن التاسع عشر،فهناك تخوف من أن تتخلى الولايات المتحدة إبان رئاسة ترامب عن دورها القيادي على الصعيد الدولي.ويقول ترامب إنه لم يعد في وسع الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم،وعليها أن تقلص مساعداتها الدولية،وخلال الحملة الانتخابية التي استغرقت 16 شهراً،وعد المرشح الجمهوري باعتماد سياسة مغايرة لسياسة باراك أوباما.

 

وفي معرض تعليقه على فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، إن على ترامب أن يقدم نفسه إلى العالم بشكل يظهره انه على دراية تامة بالتحديات المعروفة للجميع، وأن يظهر أنه يتابع طبيعة تطوراتها،فأي رئيس-على حد قول كيسنجر- لديه مسؤولية أساسية تتمثل في وضع التوجهات: ماذا تريد أن تنجز؟ من ماذا تريد أن نحتمي؟ ولماذا؟ وللقيام بذلك عليه التحليل والتدبر.

 

وفي ما يلي أبرز مواقف ترامب من قضايا الشرق الأوسط التي أعلنها خلال جولاته الانتخابية أو الحوارات والتصريحات الإعلامية:

 

- الملف النووي الإيراني:

 

لم يخف ترامب معارضته القوية للاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول العظمى في يوليو/تموز 2015،وبدأ تطبيقه مطلع عام 2016،ويراه «أسوأ أتفاق» لأنه يضع إيران في طريق الحصول على سلاح نووي،بحسب تصريحات سابقة للمرشح الجمهوري.وبشكل عام لم يطرح ترامب حتى الآن بديلاً للسياسة المتبعة حالياً إزاء إيران،وليس بمقدوره،حسب الكثير من الإيرانيين،بناء تحالف متماسك أمام إيران كذلك التحالف الذي ٌبنيت عليه الضغوط الأمريكية المنتهية إلى توقيع الاتفاق النووي.أضف إلى ذلك أنه وبعد الانتهاء من الانتخابات،ينزل ترامب من فضفضة الدعاية الانتخابية إلى حلبة الواقع التي ستساعد في تأطير شعاراته بشكل كبير.فقد أكد الرجل غير مرة أن الاتفاق النووي سيء جدا بل وزاد ذلك في إحدى خطبه الانتخابية الموجهة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية(أيباك)،أنه سيمزق الاتفاق باعتباره اتفاقا يضر بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية. ولكن هل على طهران الخشية من تمزيق ترامب للاتفاق؟

 

هناك ثلاث نقاط علينا النظر إليها عند الإجابة.النقطة الأولى أنه إلى جانب ذكره تمزيق الاتفاق لمرة واحدة،فقد أكد أكثر من مرة أنه سيراقب الاتفاق بدقة وسيتأكد من التزام إيران به.النقطة الثانية وبالإشارة إلى الاتفاق،ذكر أنه سيلتزم بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الولايات المتحدة.النقطة الثالثة تعود لطبيعة الاتفاق نفسه باعتباره اتفاقاً دولياً،فليس بمقدور الولايات المتحدة التراجع عن وثيقة دولية وقعت عليها كل الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا دون مواجهة عواقب لهذا التراجع.إذن،ونظراً للنقاط السالفة،من الصعب القبول بأطروحة تمزيق الاتفاق.

 

من هنا،فأن هذا التغيير المنتظر في العلاقة الأمريكية-الإيرانية في عهد ترامب لن يكون إطاحة بالنقلة النوعية في العلاقات الأمريكية-الإيرانية كما صاغها أوباما،لكنه ليس تطوراً عابراً.لعل الفارق بين سياسة أوباما التي تصادمت مع الدول الخليجية وبالذات السعودية،مرجحة الأولوية الإيرانية في الاعتبارات الأمريكية،وبين سياسة ترامب التي تضع إيران والدول الخليجية على مسافة واحدة من الأولويات الأمريكية هو الذي سيميز ولاية ترامب في علاقاته مع إيران والدول الخليجية العربية.فإذا حدث ذلك ،سيكون تطوراً جذرياً.هذا لا يعني أبداً أن ترامب سيسرع إلى احتضان المواقف الخليجية ويتعادى مع إيران.فإذا ظن الخليجيون أن هذه فرصتهم،الأفضل إعادة النظر. ما يعنيه هو أن اللا محبةً واللا إعجاب واللا اهتمام واللا أولوية ستكون بالمساواة بين الاثنين.

 

إيران ستكون متواجدة أيضاً في سياسات ترامب من البوابة الروسية والبوابة السورية ومن فسحة أقناعة على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن إيران تخوض حرباً بالنيابة لضرب «داعش» والإرهاب. عندئذ،إذا غابت الدول الخليجية من إثبات شراكتها الفعلية في الحرب على «داعش» والإرهاب،ستربح طهران معركة أساسية في كسب موقع مميز لها مع دونالد ترامب وإداراته.

 

- الملف السوري:

 

ثاني الملفات التي تعني المنطقة ككل هو الملف السوري،والموقف من التدخل الروسي فيها، قياساً على تصريحات ترامب الأخيرة التي قال فيها «إذا أراد فلاديمير بوتين تدمير تنظيم داعش فأنا أسانده بنسبة 100%،ولا أستطيع فهم من يعارضون هذا»، كما أن ترامب يعارض إسقاط نظام بشار الأسد،بحجة أن خليفته قد يكون أسوأ معلقاً»انظروا إلى ليبيا»،بالإضافة لمعارضته مساندة الولايات المتحدة للمعارضة السورية ، لأنه لا يستطيع التمييز بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية،وهو الموقف الذي يخالف تماماً وجهة النظر السعودية فيما يخص الحرب في سوريا،والعراق.

 

وفي مقابلة أجرتها معة»الغارديان»البريطانية في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، قال ترامب»ما علينا التركيز عليه هو داعش وليس سوريا»،مشيراً إلى أن التدخل الأمريكي في الصراع السوري له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة.وأوضح في المقابلة ذاتهاأن نظام بشار الأسد مسألة ثانوية مقارنة بتنظيم الدولة.

 

والسؤال الآن،هل يعني فوز ترامب حسم الحرب في سوريا،ورفع الغطاء عن المعارضة المسلحة واتهامها بالإرهاب،ووضعها في نفس بوتقة «داعش»؟ إجابة هذا السؤال سابقة لأوانها رغم مقدماتها،وعلينا ألا نستبق الزمن نحو تحقيق أهداف نهائية قد تستغرق وقتاً أطول،طبقاً لتعقيد اللعبة وقواعدها على الأرض. ففترة الوقت الضائع بين اليوم ومنتصف شهر كانون الثاني/يناير 2017- موعد تسلم الرئيس المٌنتخب سلطاته الدستورية- قد تسجل تطورات جذرية ميدانية في معركة حلب ليس واضحاً ماذا ستكون نتائجها.

 

- القضية الفلسطينية:

 

أعلى الرسائل صوتاً وأسرعها إعلاناً تمثل باتصال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بترامب وتأكيده أنه «صديق حقيقي لإسرائيل» وأن ترامب دعاه لزيارته في واشنطن،أما وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت فاعتبر أنه بفوز ترامب «انتهى عهد الدولة الفلسطينية»،وإذا نفذ ترامب وعده الانتخابي لإسرائيل بنقل سفارة واشنطن للقدس فسيكون ذلك نذيراً بتصعيد سياسي ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين لم تجرؤ على فعله أي حكومة أمريكية سابقة.

 

فقد كتب ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2016 على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي»فيسبوك» لقد قلت في مناسبات عديدة إنه في عهد إدارة ترامب(إذا أصبح رئيساً) فإن الولايات المتحدة ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل». وفي مناسبة أخرى،قال ترامب في خطاب أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية(أيباك) في مارس/آذار2016 بواشنطن،انه في حال انتخابه رئيساً سيقيم تحالفاً قوياً بين بلاده و‘إسرائيل،وأضاف أن أي اتفاق تفرضه الأمم المتحدة على إسرائيل والفلسطينيين سيكون «كارثة»،متهماً المنظمة الأممية بأنها ليست صديقة لتل أبيب.وفي المقابل يدرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لن تنشأ أية عملية سلام جديدة في السنوات القادمة،ولن تظهر أية آمال في الأفق الأمريكي،كما أنه يدرك أن فوز ترامب لن يغير شيئاً في الواقع الفلسطيني الداخلي.

 

- العلاقة مع دول الخليج العربية:

 

إحدى النقاط المثيرة للجدل أيضاً في أطروحات ترامب الانتخابية كانت موقفه من دول الخليج العربية وأقواله في ما معناه أن أمريكا لن تحمي هؤلاء الحلفاء مجاناً وأن عليهم أن يدفعوا ثمن حمايتهم،وهو أمر اقرب للابتزاز من جهة،وخفض للولايات المتحدة الأمريكية من مرتبة القوة العظمى إلى حالة «القوة المأجورة»التي تتعامل مع العالم على مبدأ «تدفيع الثمن»،مع العلم أن معظم الملفات المشتركة بين الجانبين الأمريكي والخليجي،مرتبطة في الواقع بدول وقضايا أخرى،الإرهاب،وحروب اليمن وسوريا وليبيا،ولا توجد خلافات مرتبطة بالعلاقات الثنائية بل على العكس العلاقات الثنائية ظلت جيدة في عهد الرئيس باراك أوباما. فالفوضى المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط تهدد العالم،وتهدد أمن الولايات المتحدة،ومن الطبيعي أن يركز الخليجيون في نقاشاتهم المقبلة على أن طهران مصدر القلاقل،وأن العلاقة الخليجية الأمريكية يمكن أن تحيي الدور القديم المشترك الذي يرفض المغامرات العسكرية ويقاومها بالتحالفات والجهود المتنوعة،فبنهاية رئاسة أوباما،يكون الإيرانيون على وشك الهيمنة بالقوة العسكرية على أربع دول عربية مهمة،لبنان وسوريا والعراق واليمن،ويهددون دولة البحرين أيضاً. هذا هو الوضع مقلق للحكومات الخليجية الذي يجر معه مزيداً من الدول في صراعات المنطقة.ومن المؤكد أنه في ظل الفوضى التي تؤجج الصراع الطائفي،ستكبر دائرة الإرهاب،التي لن يتم القضاء عليها حتى بعد تحرير مدينتي الموصل والرقة من قبضة «داعش». فدول الخليج ستتطلع لأن تلعب دوراً مؤثراً مع حكومة ترامب في معالجة الأوضاع الإقليمية،ولطالما قامت بمثله في العقود الماضية،دون اللجوء إلى الحلول العسكرية.

 

بالرغم من أهمية ما سبق،إلا أنه سيكون صعباً البناء على تصريحات متفرقة للرئيس الأمريكي المٌنتخب دونالد ترامب حول قضايا الشرق الأوسط،لوضع تصور حول ما ستكون عليه السياسة الخارجية الأمريكية في عهده،فما نعلمه من مواقفه لا يرقى إلى أكثر من لمعات شعبوية وظيفتها خدمة التحريض على منافسته هيلاري كلينتون وسياسات سلفه الرئيس باراك أوباما،ومفاقمة الغضب عليهما.فالسؤال الذي لم يتمكن أحد بعد من الإجابة عليه هو:أي تغيير يأتي به دونالد ترامب إلى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة؟ التغيير آتٍ ،أنما بأية درجة وبأي شكل وإلى أين؟ والى حين صياغة ترامب سياساته وتشكيل حكومته،سيبقى العالم متأهباً للمفاجآت من رجل المفاجأة.