سيكولوجية الإرهاب وهوية الإرهابي

22/11/2016

إعداد: حسن أبو هنية

 

مع تنامي ظاهرة الإرهاب خلال العقود الأخيرة ظهرت مقتربات عديدة لدراسة موضوع الإرهاب وهوية الإرهابي وبصرف النظر عن الإشكالات والتعقيدات المتعلقة بتعريف الإرهاب وماهية الإرهابي وتكاثر التعريفات التي تكاد أن تحيله إلى مصطلح ذاتي غير موضوعي يقدم حقل علم النفس العديد من الأطروحات والأفكار القيّمة لتعزيز الأمن الإنساني ويعتبر مجال علم نفس الجماعات الإرهابية من أهم مجالات الاهتمام الأكاديمي المؤثرة في هذا السياق نظرا لانتشار الجماعات الإرهابية على نطاق واسع في العالم عموما والشرق الأوسط خصوصا حيث تتنوع أشكال الإرهاب من الديني إلى العلماني وتسعى المقتربات النفسية إلى محاولة فهم سيكولوجية الإرهابي وتحليل شخصيته وتركيبته العقلية ومعرفة الدوافع والمحركات التي قادته إلى التحول من كونه فرداً عادياً في المجتمع إلى الانتماء لجماعة ترفض المجتمع وتخرج عليه.

يعتبر البروفسور جون هورغان من أبرز علماء حقل علم النفس السياسي عموما وعلم نفس الجماعات الإرهابية خصوصا ويعد كتابه «سيكولوجية الإرهاب» أحد أهم الكتب في مجال التحليل النفسي للإرهابيين وقد ركز تحليله على إرهاب الجماعات المسلحة من دون الدولة حيث يميز تحليله بين الجهود القديمة من أجل فهم «عقلية الإرهابي» وبين الجهود الحديثة التي تكشف عن حقائق مهمة عن التطور السيكولوجي لانضمام الأفراد إلى الجماعات الإرهابية أو تركهم إياها لكنه يقر أن دراسة سيكولوجية الإرهاب حقل غير متقدم ولذلك يدعو إلى تشجيع مزيد من التفكير في تفسير سلوك الإرهابي وكيفية تطوره ويعترف بعدم وجود حلول نهائية.

ترتكز جهود هورغان على مراحل تحول سلوكيات الإرهابي من مرحلة تحول الفرد إلى متطرف بداية إلى تورطه عمليا داخل تنظيم إرهابي وصولا إلى انخراطه في تنفيذ عمليات إرهابية مرورا بمرحلة فك ارتباطه عن التنظيم في حالة انشقاقه عنه ويرى هورجان أن أهم مرحلتين في تطور سلوكيات الإرهابي هو المرحلتان الأولى والثانية اللتان تتعلقان بتكوين فكره وعقيدته المتطرفة لإعداده للانخراط السريع في العمليات الإرهابية.

يشدد هورغان على أربعة أنماط مميزة في العقلية الإرهابية بغض النظر عن الدافع إذ يبدأ الطريق إلى الإرهاب أولا بظهور شعور قوي للفرد بالاغتراب وكونه ضحية والإيمان بأن أفعال وجرائم العدو ليست أخلاقية ليجد مبررات أخلاقية لارتكاب العنف ويشير إلى أن دفع الفرد إلى التطرف يستند إلى أن بعض الإرهابيين لديهم «عقلية إجرامية» وعلى الرغم من إجماع الباحثين أنه لا يوجد لحظة محددة يتحول عندها الفرد إلى إرهابي فإن وقوع الفرد ضحية يولد عنده الشعور بالانتقام الأمر الذي يدفعه للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي قد يجدها تتبنى قضيته.

أما النمط الثاني من الدوافع والمحركات فيرتكز إلى الحياة داخل الجماعة حيث يقوم الاهتمام البحثي لدراسة عقلية الإرهابي على ملاحظة الهوية الجمعية لا الفردية فالسلوك الإرهابي دينيًّا أم علمانيًّا يتطور بفعل الديناميكية الجماعية إذ تفترض إحدى النظريات أن الأشخاص أثناء وجودهم في جماعات يميلون إلى اتخاذ قرارات ذات مخاطر عالية باعتبار أن المخاطرة مشتركة فهي ليست مخيفة بالقدر الذي سيشعر به الفرد إذا ما قام بالمخاطرة بمفرده فكلما أصبحت الجماعة متطرفة أكثر أصبح الفرد متطرفًا أكثر وغالبا ما يمارس على الفرد ضغط اجتماعي كبير من زملائه وقيادته بصورة مباشر أو غير مباشرة يجبره على التماهي مع إجماع الجماعة وخاصةً عندما تقدم له الجماعة دعمًا ماديًّا ونفسيًّا وفكريًّا.

ويشكل الترسيخ العقائدي ثالث الأنماط فبدون مبررات أخلاقية شديدة الوضوح للأفعال الإرهابية التي يرتكبها التنظيم الإرهابي لأفراده يتعرض التنظيم لخطر الانشقاق الداخلي وقد ينحل التنظيم من تلقاء نفسه وتنشأ في هذا السياق مفارقة صريحة في عقلية الإرهابي فإذا كان هدفه هو خلق عالم مثالي ينتصر فيه للأبرياء من جماعته المضطهدة فكيف له أن يقتل أبرياء آخرين ليصل إلى هدفه؟! ولكي يخرج الإرهابي نفسه من ذلك التناقض يقنع نفسه بأنه لا بد من التضحية ببعض الأبرياء لتحقيق هدفهم الأخلاقي.

أما الانخراط في العمليات الإرهابية رابعا فيعبر عن قمة مظاهر الترسيخ العقائدي وتمثل الأعمال الانتحارية أكثرها وضوحا وقد تختلف الدوافع والمحركات لأسباب عديدة كمسألة الشهادة لدى الجماعات الجهادية الإسلامية والرغبة في القيام بعمل مشرف والقيام بذلك من أجل رمز أو قائد أو بدافع الانتقام أو بدافع الضغط من قبل الجماعة أو الدعم المادي الذي ستحصل عليه أسرة الانتحاري.

أحد الأسئلة الشائكة التي سعى هورغان الإجابة عليها هي كيف يتوقف الإرهابي عن الإرهاب؟ إذ يركز في كتابه على تفسير كيف يترك الإرهابيون تنظيماتهم الإرهابية وكيف تعمل برامج نزع واجتثاث التطرف للمساعدة على تحولهم إلى أشخاص طبيعيين ويتحدث عن عملية الانفصال والتي يعرفها بأنها عملية التوقف التام للنشاط الإرهابي باعتبارها عملية ديناميكية ينتج عنها تحول إلى دور جديد وهوية جديدة خارج التنظيم وتمثل حالة الانفصال أعلى مستوى من ترك الإرهابي تنظيمه نظرًا إلى أن هناك حالات يغادر الإرهابي التنظيم دون أن يهجر معتقداته ووجهات النظر المتطرفة.

ينبه هورجان إلى أن من خداع النفس الاعتقاد بأنه يمكننا علاج مشكلة الإرهاب بطريقة أو بأخرى من خلال برامج اجتثاث التطرف التي لديها في كثير من الحالات سجل من الفشل في جميع أنحاء العالم ويحذر من تصعيد حملات السخرية ضد الجماعات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وصفهم بالوحشية والغباء لأن ذلك يأتي بنتيجة عكسية ولا يؤدي إلى مكافحة الإرهاب بل يجعلهم أكثر تماسكًا ويؤكد أن هذا السلوك يكشف الكثير عن أنفسنا أكثر مما يكشف عن الإرهابيين ولذلك يجب على مصممي برامج مكافحة الإرهاب أن يأخذوا في الاعتبار كيف يتكيف الإرهابيون السابقون مع تحدي هوياتهم السابقة وتعريف أنفسهم في مجتمعهم الجديد وتتميز تلك المرحلة بضرورة تعديل تفاعل الذات مع الآخر، مثل تعلم كيف يمكن تقديم ذاته ووضعه وتحول شبكة الروابط الاجتماعية للفرد، وتشكيل هوية جديدة.

يفترض هورجان أن جميع برامج اجتثاث التطرف تشترك في هدف واحد، وهو الحد من مخاطر إعادة الانخراط مرة أخرى في الإرهاب لكنها تختلف في كيفية تحقيق ذلك ففى بعض الأحيان تساعد تلك البرامج على توفير فرص ملموسة مثل التدريب المهني وفرص العمل لبناء حياة جديدة فيما تفضل برامج أخرى التركيز على «تغيير التوجهات» قبل كل شيء رغم عدم وجود أدلة كافية تشير إلى أن الذين نبذوا الإرهاب قد عملوا ذلك بسبب أنهم تعلموا طريقة «تفكير مختلفة» حول شرعية وجهات نظرهم.

يعمل هورجان إلى دفعنا إلى التفكير في السؤال الأساس من الاهتمام البحثي ويتمثل بأولوية السؤال حول «لماذا» أم «كيف»؟ إذ يرى أنه عندما كان يُسأل: لماذا ينضم الأفراد إلى الجماعات الإرهابية؟ كان يجيب أنه لا يعرف مثل الإرهابيين أنفسهم كما أنه في أي حركة إرهابية تعتبر الدوافع وراء الانخراط في الإرهاب عديدة ومتداخلة وهي تختلف من وقت إلى آخر كما تتغير الدوافع عند شخص واحد من فترة إلى أخرى كما أن الفرد لا يصبح إرهابيًّا بين ليلة وضحاها بل إنها عملية تستغرق وقتًا طويلاً ويتعرض لعملية تدريجية من التنشئة الاجتماعية ويعتبر هورجان أن نقطة الانطلاق الكبرى في دراسات الإرهاب الحالية تتمثل في الإجابة عن السؤال: «كيف»؟ إذ كيف يصبح الأفراد منخرطين في الإرهاب؟ وكيف يُناط لهم دور معين في التنظيم الإرهابي؟ وكيف تجندهم التنظيمات الإرهابية؟ وكيف تنشأ الثقة بينهم وبين من يجندهم؟.

في هذا السياق يشير هورجان إلى مسؤولية الحكومات الغربية عن انتشار الإرهاب سواء نتيجة فشل سياسات مكافحة الإرهاب التي تتبعها الحكومات الغربية أو بسبب تولد الشعور بالانتقام لدى أقارب بعض الضحايا الذين تعرض ذووهم لغارات طائرات بدون طيار على سبيل المثال وذلك نتيجة السياسات الخاطئة في محاربة الإرهاب ويخلص هورجان إلى نتيجة تفيد أن العلماء المعنيين بدراسات الإرهاب وسيكولوجيته إذا استطاعوا الإجابة عن كل تلك الأسئلة سيستطيعون تصميم وصناعة استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب وهو يشير إلى فشل مجتمع العلماء في مجال دراسات الإرهاب ويعزوه إلى نقص البيانات والفشل في تبادل البيانات سواء بسبب التنافس الأكاديمي أو بسبب القيود على جمع البيانات كما يؤكد على أن العلماء يواجهون في ذلك المجال قيودًا هيكلية ضخمة تتعلق بإلقاء مسؤولية مكافحة الإرهاب على عاتق القادة وصناع القرار والساسة ووكالات الاستخبارات مع غياب المعرفة المتماسكة حول مكافحة الإرهاب.

أحد التحديات التي تواجه دراسة الإرهاب بحسب هورغان يتعلق بالحرية الأكاديمية المتاحة للباحثين في مجال دراسات الإرهاب إذ يرى أن قبول الأكاديميين تمويل أبحاثهم من قبل الحكومات على سبيل المثال من قبل وزارة الأمن الداخلي أو وزارة الدفاع الأمريكي فإنهم تلقائيًّا يفقدون استقلالهم الأكاديمي تحت اسم أبحاث مكافحة الإرهاب حيث يتقيدون بالأجندات البحثية المحددة من قبل الدولة ومن ثم يتم التركيز على إرهاب الجماعات المسلحة من دون الدولة مع تجاهل إرهاب الدولة.

خلاصة القول إن إسهام هورجان في حقل دراسات علم نفس الإرهاب بالغة الأهمية فقد بين في خلاصاته أنه لا أحد يعرف كيف تتم مكافحة الإرهاب بشكل أفضل نظرا لعدم وجود بحوث صحيحة في هذا المجال وعدم استماع الساسة لتلك المعرفة إذا وجدت ولعل الرسالة الأهم التي يقدمها هورغان هي الدعوة إلى فكر جديد حول الإرهاب وكيفية مواجهته مع تنامي نجاحات الإرهاب العالمي.