22/11/2016
إعداد: د. حسام العتوم
لم يكن سهلاً توقع فوز الملياردير دونالد جون ترامب في الانتخابات الامريكية الجديدة المنصرمة هذا العام، والشيء ذاته بالنسبة لخسران هيلاري ديان رودهام- كلينتون ولم يكن متوقعاً أيضاً، وبقي الفارق بسيطاً وانقسم الشارع الامريكي بين مؤيد فرح ومعارض غاضب، وسجلت صحيفة لوس انجلس تايمز وبالتعاون مع معهد (يو. اس. سي- تراكينغ) بالإضافة للنائب الروسي الساخر فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي اقرب التوقعات وأشدها لصالح فوز ترامب الاكيد، وظهر رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين مرتاحاً ومتفائلاً في تصريحه الاول بشأن انتصار ترامب الانتخابي امام نخبة جديدة من السفراء الاجانب الذين تم اعتمادهم للعمل في موسكو، وقال تحديداً لإعلام بلاده بأن روسيا لم تكن مذنبة بسبب تراجع علاقات امريكا معها وبالعكس، وهي جاهزة لبناء علاقات كاملة مع امريكا بالارتكاز على تصريحات ترامب المريحة المبكرة التي سبقت فوزه بكرسي البيت الابيض، والذي سيجلس عليه وسط حفل تنصيب قادم 20 يناير /2017، وحوار روسي اعلامي فضائي/ يصف ترامب بفرصة السلام الواجب اقتناصها.
والفارق الاولى بين ترامب (الجمهوري) وهيلاري (الديمقراطية) هو ان الاول معروف في الداخل الامريكي بصفة رجل اعمال ثري وهاوي رياضي سابق في مجال حلبات المصارعه ويتمتع بعلاقات داخل روسيا مع سياسيين مثل (جيرينوفسكي) وفنانين مشهورين مثل (كيركوراف) والمغنية المشهورة
(بوغا تشوفا)، وغير معروف وسط السياسة الخارجية العالمية رغم تصريحاته المريحة بحق روسيا، وسبق لهلاري كلينتون ان كشفت عن اوراقها السياسية عندما كانت وزيرة للخارجية الامريكية في عهد اوباما 2009/ 2013 فغازلت روسيا وكان لها صولات سياسية مع سيرجي لافروق مثيلها، وسلمت قلبها لاسرائيل، وبكل الاحوال تبقى السياسات الاستراتيجية هي الحاكمة، ولا ننسى هنا دور الصهيونية والايباك، ورغم كوارث الاخيرة أي تل ابيب في قطاع غزة المتكررة وتسببها في مصائب حقيقة اصابت الانسان ومنهم الاطفال المسالمين من اهل فلسطين، إلا انها أي هيلاري كانت توزع الابتسامات في شرقنا، وصدق من قال بأن في امريكا الان رئيس ضعيف واقتصاد قوي، قابلة رئيس روسي قوي واقتصاد روسي ضعيف، وهذا يفسر ذات الوقت بأن سياسة القطب الواحد يمكن ترجمتها الى مصطلح السيطرة على اقتصادات العالم بأساليب مباشرة وغير مباشرة تترواح بين توقيع العقود، وخلق الازمات بهدف فتح مخازن صناعاتها امام اسواق العالم البترولية والغازية والدولارية، وقابل ذلك سياسة روسية جديدة داعية لإنهاء حقبة القطب الواحد، والايدولوجيا الاشتراكية الشيوعية ذات الوقت، والذهاب بالعالم الى ميادين الاقطاب المتوازنة المرتكزة على تقاسم المصالح الدولية والابتعاد عن العنف والحروب والأزمات، والاحتفاظ ببناء علاقات اقتصادية عالمية ومنها (النووية السلمية) القائمة على الاحترام المتبادل وسط خارطة العالم ووفق عقود توقع مسبقاً.
وأمام الرئيسين الاكبر قوة في العالم (بوتين) لاعب(الجودو) و(ترامب) المصارع مهام دولية كبيرة، وروسيا اليوم تشكل مدرسة عملاقة في السياسة والعسكرة وفي الاقتصاد ايضاً رغم مشاكل الداخل الروسي الاقتصادي على مستوى العملة الوطنية (الروبل)، وعلى مستوى الانشاءات الخاصة بالمدن من الدرجة الثالثة بسبب اعتمادها للنهج الاداري المركزي بدلاً من دمجه باللامركزية، ولأسباب ذات علاقة مباشرة بالعقوبات التي فرضتها عليها الادارة الامريكية السابقة للرئيس اوباما بحكم نهجها الدفاعي والعقلاني السياسي في اوكرانيا واشتراك اوروبا في الاجراءات تلك، ويبقى السياسي والدبلوماسي المخضرم سيرجي لافروق وزير الخارجية وسيرجي شايغو وزير الدفاع يتصدران المشهد القادم، وستبقى عيون العالم تتابع عن كثب تحولات السياسة في واشنطن وانتظار تشكيل الطاقم السياسي والإداري الذي سيدير البيت الابيض وفق نهج داخلي وعالمي جديد يدعو للسلام مع روسيا وعلى خارطة العالم، ويعمل على ترسيخه قولاً وعملاً، ففي نهاية المطاف العالم بيتنا جميعاً ويجب ان يبقى أمناً.
وأردنياً علاقاتنا السياسية والاقتصادية ومنها العسكرية ثابتة، ومتطورة مع واشنطن، والدعم الامريكي المالي لخزينة دولتنا يبقى ماثلاً، لكن ما نخشاه ونرجو ان لا يحدث هو التأثير السلبي الاسرائيلي على السياسة الامريكية الخارجية خاصة وان (تل ابيب) لعبت دوراً هاماً في ادارة دفة الانتخابات الرئاسية الامريكية التي جرت مؤخراً تاريخ 9/ 11/ 2016 حسب البروفيسور الاسرائيلي ارسكين لبرنامج حواري روسي فضائي إبان فترة الانتخابات الامريكية، وفي المقابل اسرائيل عاتبة وغير راضية عن أداء الاردن حسب وجهة نظرها جراء تحريكها لقرار مؤسسة (اليونسكو) العالمية الذي اخرج الدور اليهودي من الاقتراب من المقدسات الاسلامية والمسيحية التي تقع تاريخياً وحتى الان تحت الوصاية الهاشمية، وبأن لا علاقة لإسرائيل (بهيكل سليمان) المزعوم لا من قريب ولا من بعيد. والجهد الكبير في هذا النجاح لفلسطين ولكل العرب مسلمين ومسيحيين يسجل باعتزاز كبير لسيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه في محافل وميادين النيويورك والعالم، وعلى مستوى القضية الفلسطينية فأن امريكا (ترامب) مطالبة اكثر من أي وقت مضى بإنصاف اهل فلسطين، ودولتهم كاملة السيادة وقدسهم الشريف عاصمة لها، مع العمل من اجل اخلاء المستوطنات اليهودية وتسليمها للفلسطينيين اصحاب الارض والتاريخ الحقيقي، والسماح لهم بالعودة لوطنهم الام، واعتقد بأن روسيا (بوتين) لا تعارض هذا التوجه ضمن جهد مشترك لمجلس الامن والأمم المتحدة وتكاتف دول العالم، ولن يستفيد الشرق الاوسط شيئاً من الدعوات السياسية الجديدة لامريكا ولروسيا ولغيرها من الدول لتحريك الحوار الفلسطيني الاسرائيلي وبالعكس من اجل الحوار فقط، وبطريقة مكوكية ضجر منها الجميع في شرقنا، ولابد من حلول جذرية وخارطة طريق محددة بزمن لإقناع الجانب الاسرائيلي المحتل للعودة الى حدود الرابع من حزيران 1967 ليتم بعدها طي صفحة الاحتلال لكل بلاد العرب الممثلة أيضاً في الجولان السورية ومزارع وهضاب شبعا اللبنانية، ووقتها سينتهي التشنج والعنف في المنطقة وسوف يندمج (حزب الله) المسلح في جيش لبنان ودولته للدفاع عن سياجها فقط، ولن ينفع اهل فلسطين الانقسام الى (فتح) و(حماس) والى غير فصيل ما دام الهدف هو تحرير فلسطين وبناء الدولة بقدسها وأهلها.
وفي العراق الشقيق الارهاب قدم اليه من افغانستان ومن أتون الجناح السلبي للوهابية بعد ركوب الاستخبار الغربي ومنه الامريكي لموجته، وتورطت امريكا في احداث الفوضى فيه بعد اسقاط نظام صدّامه، وحل جيشه وتحويله الى ميليشيات غير قادرة على التحرير من دون جهد (واشنطن) نفسها ومعها (باريس) و (انقره)، ولكل دولة مصالح وأطماع بكل تأكيد، ولم تتوفق حينها أي قبل عام 2003 روسيا باستخدام (الفيتو) لمنع احتلال العراق من قبل قوات (الناتو) كما حدث لاحقاً في الشأن السوري رغم جهودها في تحريك دبلوماسية بريما كوف، وروسيا لم تدخل العراق للمشاركة في مطاردة ارهاب عصابات ومرتزقة (داعش) المحسوبة على تنظيم (القاعدة) الام الاكثر ارهاباً حتى الساعة وحجتها القانونية انها لا تتحرك من دون دعوة.
وفي سورية حراك و ربيع عربي قدم اليها من (تونس)، و(مصر)، و(ليبيا)، و(العراق)، وسرعان ما تحول لونه الى سواد وإرهاب متعدد المصادر قارب الـ(80) دولة، وتصدره تنظيم (القاعدة) وعصاباتها المجرمة، وكاد سيناريو العراق وليبيا لحلف الناتو العسكري بقيادة امريكا ان يتكرر في دمشق عامي 2010/2011.
لولا الصحوة الروسية واستخدامها (للفيتو)، وفرض معادلة التعاون مع امريكا ومجلس الامن من اجل تخليص نظام دمشق من ترسانته الكيماوية الخطيرة لكي لا تتسع دائرة العداء في المنطقة ضده ويزيد الالتهاب، ولإنقاذ الدولة السورية من تهورها على غرار ما حدث للدولة العراقية وحروبها مع دول الجوار بسبب عدم التفريق بين السياسة والدبلوماسية من جهة وبين العسكرة ومخاطرها ونزواتها من جهة اخرى، واستمرت روسيا وأقنعت امريكا معها لتسيير حافلة جنيف من (1-2) لترتيب اوراق سوريا السياسية وخاصة في موضوع نقل السلطة في دمشق، ولكن بكامل رغبة الشعب السوري وعبر صناديق الاقتراع، وليس بطريقة (كابوي) الغرب او بالمظلة، ومع هذا وذلك لعبت جهات عديدة في ادخال الارهاب الى داخل سورية مستغلة ارتفاع منسوب الفساد فيها، مما دفع بروسيا لتبني الدفاع عن الدولة السورية، وعن شعب سورية ومن اجل طرد جموع الارهاب فيه الممثل في عصابتي (داعش) و(النصرة)، ورفض اعفاء النصرة امريكياً من تهمة الارهاب، وهاهي روسيا الان في (حلب) تخوض حرباً الى جانب نظام دمشق وتهتم اعلامياً في المقابل بقتل المدنيين والأطفال عن قصد، وهو خطاب اعلامي مشوه لدورها القومي والانساني، ونحن نعرف ونقرأ عن قرب عمق العقلية السياسية و العسكرية التاريخية والمعاصرة المقارعة للإرهاب فقط، والمتعاونة مع دول وشعوب العالم من اجل تنميتها، وهاهي روسيا تستمر في تقديم المساعدات الانسانية لشعب سورية، وتعيد بناء اثار مدينة تدمر بالتعاون مع متحف الارميتاج وتفتح معسكرات الرعاية الصحية لأطفال وشباب سورية، وتساند جيشهم بالسلاح الطارد للارهاب، وحراك امريكي في الجهة المواجهة لتحرير مدينة (الرقة) من ارهاب (داعش) على غرار خوضها لمعركة تحرير (الموصل) في العراق من نفس العصابة الداعشية تحت شكوك موسكو بنواياها بطبيعة الحال.
وأمريكا (ترامب) مطالبة بدور واضح يشبه الدور الروسي العادل في معالجة قضايا منطقتنا الشرق اوسطية، وبطبيعة الحال فأن ملفات قضايا العالم عديدة ومتشعبة، والاهم الوصول لمرحلة انهاء الحرب الباردة وأعلامها الاسود والبحث عن السلام مع روسيا وعلى خارطة الارض بيت البشرية جمعاء، وفي كتاب افكار عن روسيا – الرئيس عن الاهم. ص59 كتب فلاديمير بوتين يقول: يمكنني القول، بأنني ارى روسيا مزدهرة، وسكانها سعداء واثقون بمستقبلهم، وفي صفحة 39 منه قال بوتين أيضاً بأن روسيا ستواصل تقوية النظام العسكري للدولة، الجيش والأسطول الحربي الضمانه الامنة لاستقلالنا، وتلعب دوراً هاما على مستوى امن الاقليم والعالم. فماذا سيقول الرئيس الامريكي الجديد (ترامب) بعد تنصيبه 20/ 1/ 2017 ؟ دعونا نراقب ونتأمل.