إعداد : د. حسام العتوم
أثيرت زوبعة اعلامية قوية فور اعلان دونالد جون ترامب رئيساً فائزاً للولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 9 تشرين الثاني 2016 مفادها رغبته وجهاز أمن امريكا بإلغاء الاتفاق النووي الامريكي الايراني
(Comprehensive agreement on Iranian the nucler program)
بعد توقيع دول الـ 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والمانيا) عليه 20 يناير 2015 بعد الارتكاز على اتفاقية 2014 المؤقتة التي طلبت من طهران التخلي عن اجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها، وفعلياً دخل الاتفاق حيز التنفيذ تاريخ 15 يناير 2016 وأنهت حقبة من العقوبات على ايران منذ عما 1979 بعد سماحها للتفتيش الدولي النووي بممارسة مهامه، وبطبيعة الحال فإن ايران كمكون ايدولوجي نووي ومنه العسكري السري تهدد امن العالم، وهو ما كان ان تقبل به امريكا ولا روسيا ولا الدول الكبرى سابقة الذكر، ومع هذا وذاك يبقى الخطر الاكبر من مشروع ايران النووي ذاك وهذا يمس امن (اسرائيل) مباشرة ومنطقة الشرق الاوسط برمتها ذات الوقت، ولم يأت اغتيال أربعة من علماء ايران النوويين (مسعود محمدي، مجيد شهرياري، دار يوش رضائي نجاد، ومصطفى احمدي روشن في الاعوام 2010/2012) صدفة، واتهمت طهران كلاً من (تل ابيب) و (واشنطن) مباشرة بعمليات تصفيتهما جسدياً لأنهما اصحاب مصلحة في مثل هكذا امر، ولا زالت اسرائيل قلقه من اتفاقية ايران النووية وتؤثر على المزاج السياسي الامريكي الجديد بعد فوز ترامب، وتتناسى أي (اسرائيل) امتلاكها سراً لقوة نووية عسكرية هائلة تهدد امن العرب التي كشف النقاب عنها الخبير الاسرائيلي من اصل مغربي (جون كروسمان) الملقب (بمردوخادي فعنونو) لصحيفة (ساندي – تايمز) البريطانية عام 1986، وقدرت بـ 20 رأساً نووياً تم تجهيزها تحت الارض.
و(اسرائيل) وكما نراقب ونعرف ونقرأ لم تكن بحاجة للسلاح النووي وحتى الساعة ان كانت راغبة في السلام مع العرب، ولديها من الاسلحة التقليدية المتطورة ما يكفيها للدفاع عن كيانها غير الشرعي على ارض فلسطين والجولان السورية ومزارع وتلال وهضاب شبعا اللبنانية، وحلف (الناتو) العسكري جاهز دائماً لإسنادها، وهي أي (اسرائيل) قادرة اليوم على تحريك اكثر من (فيتو) عالمي يصدر أيضاً عن مجلس الامن لصالحها اذا ما تعرض امنها المزعوم للخطر، وفي المقابل يحق لنا أن نتساءل عن وجه الشبة بين الاحتلال الاسرائيلي لأراضي العرب 1948/ 1967 وبين احتلال ايران لجزر الامارات (طنب الكبرى، طنب الصغرى، و ابو موسى) عام 1971؟ ولماذا هي (اسرائيل) لم تصغي لنداء الزعيم السوفييتي (جوزيف ستالين) الذي طالب يهودها المتدفقين من جمهورية (بارابيجان) الروسية في العهد السوفييتي عام 1950 لتغيير مسارهم صوب اقليم القرم/ الكريم وترك فلسطين لأهلها؟ وهاهو السياسي الروسي مكسيم سيفجينكا يصف المهاجرين من بلاده تجاه فلسطين بالفاشيين وبأن حراكهم يؤثر على سمعة روسيا.
وفي المقابل ما فائدة دعم ايران لحركات التحرر العربية المقاومة (حزب الله)، و(حماس) بالمال والسلاح بعد خالص احترامنا لهذا التوجه بطبيعة الحال، ولحركتي المقاومة العربية سابقة الذكر ذات الوقت، ما دام الوجه الاحتلالي لإيران ولإسرائيل واحد، وما دامت مهنة النخر وسط بلاد العرب ونشر الفتنة الطائفية من (سنة وشيعة) هي عنوان لهما؟ وفي هلالها الشيعي خير دليل، واجد هنا تلاصقاً ووجه شبه بين إرهاب خوارج العصر وعصاباتهم المسلحة والمجرمة مثل (داعش)، (جبهة النصرة) المنبثقتان عن (تنظيم) القاعدة الام الاكثر اجراماً في التاريخ المعاصر منذ ما قبل عام 1979 وأبان تشكيل خلايا الوهابية السلبية وبين عصابات (هاشومير)، و(الهاغاناه)، (ارجون) 1021، و(شتيرن) 1940 اليهودية الاسرائيلية، وهل ايران دولة ام ثورة؟ وهل هي كيان عملاق ولاعب سياسي ام ايدولوجي؟ وهل لها أي لايران حدود جغرافية ام تعمل كما (اسرائيل) لبناء ايران الكبرى على ارض العرب؟ وهل الهدف من قوات (الحشد الشعبي) المكونة من 67 فصيلاً في العراق الجديد المؤسس من قبل المرجع الشيعي الايراني علي السيستاني والبالغة ميزانيتها نحو 60 مليونا من الدولارات هو طرد عصابة (داعش) المجرمة التي تسبب هدم الجيش العراقي الصدامي امريكيا في صناعته عام 2003 ام هو طلي لوجه العراق الوطني باللونين الايراني والأمريكي ولأسباب خادمة لإسرائيل هو الهدف غير المعلن؟ دعونا نتفكر بالجهد الامريكي العسكري ومعه الفرنسي الكبير في العراق بهدف طرد (داعش) بينما هي العيون الاستعمارية المتمثلة بها وبغيرها تحدق تجاه (سايكس بيكو) ومشاريعها التقسيميه ماثلة، ولإجهاض وحده العرب.
وروسيا في الموضع النووي الايراني كانت ولازالت تتمسك بأوراق القانون الدولي وتطالب طهران بالانصياع لهيئة الطاقة الدولية ولجنة تفتيشها، وأخضعت سلوكها الرقابي لطاولة مجلس الامن والأمم المتحدة، وكانت تختلف مع واشنطن قبل الاتفاق الدولي (5+1)، وزودت ايران بمفاعلات نووية سلمية معروفة مثل (بوشهر)، وعادت واتفقت مع امريكا على حل الازمة النووية مع ايران سلمياً، وأرتاحت للقرار الدولي لعام 2015. وفي مقابلة لمحطة (أي. بي. سي) التلفزيونية الاسترالية تاريخ 23-11-2016 مع سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظة الله ورعاه، وسؤالها جلالته حول ما اذا كان مهما للولايات المتحدة الامريكية ان تحافظ على الاتفاق النووي مع ايران اجاب جلالته بأن (إيران مسؤولة عن تأجيج الصراع الطائفي في منطقتنا، لكن مجدداً، عند النظر الى الايرانيين فإن لديهم عدة اوراق يلعبون بها، احدى هذه الأوراق هي الاتفاق النووي، وورقة أخرى تتمثل في النقطة التي ذكرتها للتو، فهم يدعمون منظمات تعتبر ارهابية، لذلك، اعتقد انه عندما تنظر الى ايران فيجب ان تنظر الهيا بنظرة كلية).
وفي المقابل نتوخى من ايران ان تتغير الى الافضل وتحافظ على كيانها وسط ما تمتلك من جغرافيا تزيد عن الـ 2 مليون كم2، وعدد سكان يزيد على الـ77 مليون نسمة، وتوجه سياستها وايدولويجتها للداخل الايراني، والى عدم الخلط بن قضاياها وقضايا العرب المعنيين بتحرير اراضيهم، خاصة وان أية ارض عربية محتلة من قبل اسرائيل لم تحرر بجهد ايران حتى الساعة، وحركة التاريخ شاهد عيان، وايران اليوم بقيادة رئيسهما حسن روحاني منذ عام 2013 وكبير المفاوضين في البرنامج النووي الايراني سابقاً تختلف بكل تأكيد وهكذا يجب ان تكون عن ايران محمود احمدي نجاد الذي قاد السياسة الايرانية بين اعوم 2005 و2013 وهو المناهض بشراسة لأمريكا ولإسرائيل، وصاحب عبارة (محو المستعمر من الخريطة) المشهورة انذاك، وإذا ما عدنا الى صفحات الماضي المتشنجة في عصر ايران التي لا زالت منطقتنا الشرق اوسطية تخشاها، ومعها بالطبع (اسرائيل)، ومن خلفها امريكا وأوروبا، وربما معظم دول العالم، نجد ما كان يستحق الكتابة والقراءة: يقول سكوت ريتر في كتابه عام 2006 استهداف ايران ص 264 (ان الولايات المتحدة ملتزمة بإبقاء اكثر الاسلحة في العالم خطورة بعيدة عن ايدي اكثر الناس خطورة في العالم)، وفي صفحة 265 منه واصل سكوت ايضاً يقول: (ان لدى الولايات المتحدة هواجس اوسع نطاقاً فيما يخص بايران، فالنظام الايراني يرعى. الارهاب، ويهدد اسرائيل، ويسعى الى احباط العملية السليمة في الشرق الاوسط، ويرفض تطلعات شعبة للحرية). ويواصل القول: بأن (حل المسألة الايرانية وهواجسنا الاخرى نهاية المطاف فقط في حال اتخذ النظام الايراني القرار الاستراتيجي بتغيير سياسته، وفتح نظامه السياسي، وتوفير الحرية الشعبية).
وفي كتاب (اسرار مكشوفة) لادوارد سعيد. ص. 144 نقرأ بأن رابين وبيريس اتفقا على ان (ايران تشكل اكبر خطر واجهته اسرائيل في تاريخها وأنها عامل تهديد رئيسي للاستقرار في الشرق الاوسط كله) وليس سبب ذلك فقط دعمها للإرهاب والتخريب ومحاولتها ان تصبح دولة نووية، بل لكونها قد اصبحت مثالاً ليس للتطرف الاسلامي وحسب، بل لحركات مقاومة اخرى في البلاد العربية).
وكرستوفر ديفيدسون في كتابة (مابعد الشيوخ ص 301 كتب قائلاً: (وفقاً لبرقية دبلوماسية امريكية مسربة مؤخراً، كانت المملكة السعودية العربية قد حثت الولايات المتحدة مراراً، في العام 2008، على قطع رأس الافعي)، في اشارة لإيران.
ويتوزع المسلمون في جميع انحاء العالم بنسب متفاوتة مئوية، ويتركزون في شمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية ووسط وشرق اسيا واندونيسيا، وفي افريقيا، ودول جنوب شرق اسيا، واغلبهم من السنة بينما يتركز الشيعة في ايران والعراق وسورية، وفي اليمن (الزيدية)، وفي عُمان (الاباضية)، وتبقى الاثنا عشرية هي الاكثر انتشاراً وتشكل حضوراً في 105 دولة، منها في (البحرين، واذربيجان، والعراق، وايران، وفي لبنان)، ويعود انتشارها للقرن العاشر (905) ابان الدولة الصفوية، والاهم هنا هو بأن نسبة الشيعة في العالم من الـ البيت (عليهم السلام) من المسلمين وصلت الى الربع أي حوالي 400 مليون نسمة، وجاء توزيعهم داخل العالم العربي ليس بهدف تحرير (فلسطين، والجولان، ومزارع شبعا) من سطوة الاحتلال الاسرائيلي بطبيعة الحال لأن مهمة التحرير هي للعرب دون حسبة لألوان طيفهم الدينية من مسلمين ومسيحيين، وإنما جاء التوزيع هذا لإخراج صورة الاسلام الحنيف عن مظهره الموحد، ولضمان امتداد الهلال الشيعي وتحويله الى طوق محكم يجعل من بلاد العرب تابعة لإمبراطورية ايران الفارسية، ولتحويل اسم خليج العرب الى فارسي عجمي، وللتزاحم مع المملكة العربية السعودية على زعامة العالم الاسلامي بحكم وجود اكبر المقدسات الاسلامية فيها والتي تتصدرها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في صلواتهم، والمسجد الحرام الذي هو اعظم مسجد في الاسلام، والمسجد النبوي الذي هو اقدس موقع في الاسلام بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأيضاً لا ننسى هنا امكانية ايران منافسة الاردن صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين حيث المسجد الاقصى احد اكبر مساجد العالم ومن اكثرها قدسية للمسلمين، وبناء عليه لا ننسى العرض الايراني للأردن بتقديم النفط له مجاناً لثلاثين عاماً قادمة بهدف صيد عدة عصافير سياسية ودينية بحجر واحد، فلإيران عين على الصحابي الجليل جعفر الطيار، واخرى لتطويق (اسرائيل) من دون المقدرة على تحرير فلسطين بكل الاحوال، وعين ثالثة على كامل الخليج ونفطه وغازه ومياهه والله اعلم.