الساعة

دور المجتمع المدني في التنمية المحلية : الحالة الاردنية

01/08/2010

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د.خالد الشقران

8/2010

يواجه المجتمع الاردني الكثير من التحديات المتعلقة بتأطير وتكريس العمل التنموي المنتج، لا سيما وان التجارب التنموية عبر العالم قد اثبتت أن عوامل النجاح في تحقيق أهداف التنمية لا تتوقف على الموارد والثروات والجغرافيا وعدد السكان، وإنما تعتمد بالأساس على سلامة الرؤية التنموية وصلاح الحكم وحسن الإدارة التنموية ونزاهتها والمشاركة والتشبيك وتكامل الادوار، حيث يلاحظ أن جميع الدول التي أخفقت في توفير هذه العوامل لم تنجح في تحقيق أهدافها التنموية، بينما يلاحظ ان الدول التي تمكنت من بناء الحكم الصالح والإدارة التنموية الكفؤة، ووضعت رؤيتها التنموية بالاستناد إلى التحليل العلمي لبيئتها التنموية ومواطن قوتها وتميزها وبمشاركة واسعة من شركاء التنمية خاصة ما يتعلق بدور منظمات المجتمع المدني في التنمية المحلية وتفعيل المشاركة المجتمعية والذي يعد أحد أهم المحاور الأساسية لدعم الاطار العام للتنمية بل ويمكن القول بأنها مكون رئيسي من مكونات التنمية الشاملة والمستدامة بمفهومها الواسع استطاعت قطع شوط كبير وحققت معظم اهداف عملية التنمية .

ورغم تفاوت نظرة المجتمع الاردني الى دور منظمات المجتمع المدني في التنمية بين معارض يعتبر انها خطر على الاستقرار الاجتماعي وعلى الثقافة المحلية او انها نموذج غربي ذو ثقافة غريبة عن المجتمع ، وبين مؤيد يرى فيها شريك يساهم في توعية المجتمع وتمكينه من المشاركة والانخراط في تحسين معيشة المواطنين، الا ان ذلك لا يتعارض مع اهمية الدور الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني في عمليات التنمية المحلية او الشاملة والمستدامة. خاصة عندما يكون هذا التفاوت ناجما عن الاختلاف في فهم دور منظمات المجتمع المدني، وكذلك القصور في فهم التعريف العام المعتمد للمجتمع المدني حيث ينتظم الافراد والمؤسسات بمختلف اشكالهم وانتماءاتهم للدفاع عن المصالح المشتركة، او ربما يعود الانطباع الخاطئ عن المجتمع المدني الى التشوهات في بناه الهيكلية وممارساته الا ان ذلك لا يجب ان يؤدي الى تعميم هذه التجارب من غير مقاربة الموضوع مقاربة شاملة تتناول المفهوم والجهود والتجارب الناجحة في هذا المجال والاساليب والمنهجيات التي يمكن ان تفضي الى تحسين وتطوير اداء هذه المنظمات بشكل يحولها الى ادوات تنموية فاعلة قادرة على بناء تحالفات وشراكات متعددة في سبيل الارتقاء بالمجتمع و التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الظروف الحياتية للمواطنين.

وعليه فقد حاولت هذه الورقة الوقوف على الدور الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني في التنمية المحلية من خلال بيان ماهية هذا الدور واهميته والتحديات التي يمكن ان تعترض مسيرة العمل التنموي التي تقوم به هذه المنظمات وكذلك العوامل المجتمعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتشريعية والامنية التي يمكن ان تؤثر على اداء هذه المنظمات، اضافة الى محاولة الاقتراب من الوسائل التي يمكن ان تساعد منظمات المجتمع المدني على القيام ببناء الشبكات والتحالفات و البرامج الملائمة لمشاركتها في مختلف مراحل العملية التنموية بشكل عام والتنمية المحلية بشكل خاص.

الحق في التنمية

اعتنقت الامم المتحدة في العام 1986»اعلان الحق في التنمية» باعتباره حقا من حقوق الانسان. وقد جاء في الاعلان «ان التنمية هي عملية شاملة تتناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وهي تهدف الى تحسين الظروف المعيشية للمجتمع ككل وللافراد على السواء، وذلك على اساس المشاركة الناشطة والحرة والاساسية في التنمية وفي التوزيع العادل للعائدات». وبالتالي لا بد من الاشارة الى ان التنمية ليست عملية مجتزأة او احادية الجانب. لا بل هي عملية شاملة تتناول كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي في الاساس حق من حقوق المواطن على المجتمع ، كما تضمنت الاتفاقية حقوقا يجب ان تكفلها الحكومات لمواطنيها، كالحق في العمل والحماية الاجتماعية لاسيما للفقراء والمعوزين والعاطلين عن العمل والمسنين وحقوق الاسرة وتحسين الظروف المعيشية عموما وتأمين الصحة والتعليم والمشاركة الفاعلة للمواطنين من موقع المسؤولية حيث ان الحقوق توازيها الواجبات، ومفهوم الواجبات يتعدى مجرد المساهمة في دفع الضرائب الى القيام بمهام اضافية ومباشرة كالمشاركة في تحقيق التنمية.

ولما كان المجتمع المدني بما يشمل المنظمات والهيئات الأهلية والجمعيات غير الحكومية والمؤسسات الخاصة التي تخدم الشرائح الاجتماعية المختلفة من أجل التنمية المستدامة هي من افضل اللاعبين المؤثرين في المجتمعات عبر دورها المهم في الدفاع عن هذه الحقوق ومصالح الافراد والجماعات بشكل عام اضافة الى اسهامها في عملية التنمية وتحفيز الافراد على المشاركة في العملية التنموية فإنه ينبغي ايلاء اهمية كبيرة سواء من قبل الحكومات او افراد المجتمع للدور الذي تقوم هذه المنظمات والعمل على تفعيله وتذليل كل العقبات والتحديات التي تواجه هذا الدور.

دور المجتمع المدني في التنمية

مع ازدياد الحاجة الى تكاتف وتضافر الجهود المختلفة وانخراط جهات اضافية في مهام وبرامج التنمية اخذ دور المجتمع المدني يتسع ويتنامى حيث انه لما كانت هذه الاحتياجات حق من حقوقهم، وباتت تلبيتها ملحة وضرورية لتأمين الامن الانساني والاستقرار الاجتماعي، فقد كان لابد من توسيع المجال امام منظمات المجتمع المدني لتصبح «شريكا» في عملية التنمية للاستفادة من مواردها البشرية والمادية ومن الخبرات التي تكتنزها. على انه من المهم في هذا الاطار الإشارة إلى أفكار ثلاثة أساسية عن المجتمع المدني، تضمنتها وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية:

الفكرة الأولى: التأكيد على مفهوم المجتمع المدني القوى: بمعنى الفعالية والكفاءة في تحقيق الأهداف والوصول إلى الفئات المستهدفة، وليس مجرد توافر بنية أساسية يكفل لنا القول بأن هناك مجتمعاً مدنياً، ولا الاعتماد على الأرقام كأن نشير إلى زيادة عدد الجمعيات لان هذا وحده لا ينطوي على مؤشرات لقوة المجتمع المدني .

الفكرة الثانية: التأكيد على قيمة الشراكة : وهي فكرة برزت في التسعينات من القرن العشرين، ونصت عليها المواثيق العالمية ، ويشير مفهوم الشراكة إلى « علاقة بين طرفين أو أكثر، تتوجه لتحقيق النفع العام أو الصالح، وتستند على اعتبارات المساواة والاحترام والعطاء المتبادل، الذي يستند على التكامل، حيث يقدم كل طرف إمكانيات بشرية ومادية وفنية(أو جانب منها) لتعظيم المردود وتحقيق الأهداف، إن الشراكة بهذا المعنى ليست علاقة غير متكافئة يهيمن فيها طرف على الأخر. وإنما هي علاقة تكامل وتقدير متبادل، يقدم فيه كل طرف بعض موارده لتعظيم النتائج. كذلك فإن الشراكة ليست إسناد مشروعات بمعنى أن إسناد الحكومة لمشروعات تنفذها الجمعيات الأهلية ليس علاقة شراكة.

الفكرة الثالثة: المشاركة الشعبية القاعدية، بمعنى تحريك همم وطاقات المواطنين في المجتمع المحلي للإسهام في مواجهة تحديات التنمية البشرية، وهو ما يشير إلى أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني لحفز الطاقات وتعبئة العمل التطوعي. وتثير هذه الفكرة مفهوم الثقافة السياسية وطبيعتها (إذا كانت تشجع على المبادرات والمشاركة من عدمه) كما تشير فكرة ثقافة العمل التطوعي (بمعنى توافر قيم واتجاهات إيجابية تشجع على المبادرة الشخصية).

ويتفق معظم الباحثين على عدد من المجالات تعمل فيها منظمات المجتمع المدني ومن اهمها:

1- توفير الخدمات، وهي المهام التقليدية التي دأبت على القيام بها المنظمات غير الحكومية والاهلية منذ عقود والتي تتضمن الجمعيات والهيئات الخيرية والمنظمات غير الحكومية المتخصصة. وتجدر الاشارة الى ان المجتمع المدني يتمتع بقدرات فنية وتقنية عالية تمكنه من توفير نوعية مقبولة من الخدمات، فضلا عن قدرته في الوصول الى الفئات الاآثر حاجة لاسيما في الارياف والمناطق النائية.

2- المساهمة في العملية التنموية من خلال تقوية وتمكين المجتمعات المحلية، وفي هذا المجال له دور في بناء القدرات وتنمية المهارات والتدريب بمختلف المجالات التنموية آالتخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها.

3- المساهمة في رسم السياسات والخطط العامة على المستويين الوطني والمحلي، من خلال اقتراح البدائل والتفاوض عليها او التأثير في السياسات العامة لادراج هذه البدائل فيها، ولتحقيق اهدافه، يقوم هذا النوع من منظمات المجتمع المدني بتنفيذ الاستراتيجيات التالية:

• الرصد والمراقبة، ان حق الاطلاع والحصول على المعلومات هو كذلك حق من حقوق المواطن حيث يساهم هذا الحق في اتاحة الفرص امام المجتمع للاطلاع على السياسات التنموية المقترحة وبالتالي الاطلاع على سبل تنفيذها وعلى نتائجها.

• تطوير الاطر القانونية ذات الشأن، حيث ان التنمية تستلزم اصدار مجموعة من القوانين التي تكفل هذا الحق وتحميه بالاضافة الى القوانين التي تضمن شفافية المعلومات والحق في المشاركة. وبالتالي لا بد من اصدر القوانين التي تكفل هذا الحق وآليات تنفيذه للمساهمة في تحقيق التنمية، اضافة الى التشريعات ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

• المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي للانتهاكات التي تطال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاسر وللافراد.

• الضغط من اجل الاعتراف بحقوق المواطنين وتأمينها.

وللقيام بهذه المهام، يستخدم المجتمع المدني الادوات المتاحة والمعترف بها دوليا من قبل كافة الحكومات بما في ذلك العهود والاتفاقيات الدولية التي تكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة الى الحق في التنمية وحقوق المرأة والطفل والاشخاص ذوي الاعاقة وغيرها.

وبالاضافة الى العهود والاتفاقيات الدولية التي تكفل حقوق المجتمع والمواطنين، وقعت 171 دولة في العام 2000 على اعلان الالفية الذي اكد على وجوب تحرير المواطنين من الخوف تأكيدا على الحق بالعيش بامن وسلام، وتحريرهم من العوز من خلال تأمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وحقهم في العيش بكرامة من خلال ضمان حقوقهم السياسية والمدنية والثقافية،واطلق اعلان الالفية «الحرب الكونية» على الفقر والعوز من خلال اعتماد ثمانية اهداف، والتي تعرف بالاهداف الالفية للتنمية، وقد ربط اعلان الالفية الانتصار بالحرب على الفقر بتحقيق الامن والسلام الدوليين والديمقراطية في الحكم عالميا ووطنيا. كما تضمنت اهداف الالفية ولاول مرة مؤشرات كمية تساعد على قياس التقدم، مع اتاحة المجال لتطوير هذه المؤشرات لتصبح اكثر ملاءمة مع الواقع المحلي لكل دولة، ولتحقيق هذه الالتزامات، تم تقسيم العمل بين الجهات الفاعلة محليا، اي الحكومات والجهات غير الحكومية في البلدان النامية، وبين البلدان المتقدمة. فمن جهة تضمنت الاهداف السبعة الاولى مهام واضحة ومحددة امام الدول النامية لتحقيقها، كتخفيض عدد الفقراء والجياع، وتوفير التعليم للجميع وازلة التمييز بحق المرأة وتوفير الرعاية الصحية للام والطفل ومكافحة الامراض الوبائية والمنتشرة، ومعالجة التحديات البيئية. وتضمنت من جهة ثانية، لاسيما في الهدف الثامن، مهام محددة يقع تحقيقها على عاتق المجتمع الدولي من خلال اعتماد سياسات دولية للتجارة العادلة وتحسين كمية ونوعية المساعدات الحكومية للتنمية واعادة النظر بالديون الخارجية التي تنوء تحت عبئها البلدان النامية. بالاضافة الى توفير فرص لمشاركة الشباب ونقل التكنولوجيا بما في ذلك الادوية والاتصالات والكترونيات الحديثة وغيرها.

وفي ظل الحديث عن الاشكاليات التي حالت وستحول دون تحقيق هذه الاهداف بحلول العام 2015 ، الا ان العجالة تقضي الاشارة الى ان تلازم هذه الالتزامات فيما بينها تعني ترابطها بعضا ببعض، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تحرر من العوز من دون التحرر من الخوف ومن دون العيش بكرامة. ذلك ان الامن والسلام هما شرطان اساسيين وضروريان لتحقيق التنمية والديمقراطية والعدالة والمساواة، وفق ما جاء في اعلان الالفية.

على صعيد اخر ، لم تواكب الالتزامات الدولية الالتزامات التي وضعتها الدول النامية امامها، فقضية الديون لم تعالج كما يجب والمساعدات لم تتحسن نوعا وآما، ولم تلتزم الدول الصناعية باقامة نظام اقتصادي وتجاري عادل يتيح في المجال امام البلدان النامية المنافسة المتساوية والنمو. لا بل استخدمت مسألتي الديون والمساعدات لفرض التزامات على الدول النامية لتسريع وتيرة التحرير الاقتصادي بحجة الانخراط في النظام الاقتصادي العالمي، كأسياسات التكيف الهيكلي.

على ان النقطة الاهم في هذا المجال هي ان المجتمع المدني كان شريكا فاعلا في صياغة هذه الاهداف وفي الاشراف على تطبيقها لاحقا. وتمكن من فرض دوره الاساسي على المستوى الدولي وفي اكثر من مناسبة،ولكي يقوم المجتمع المدني على المستوى الوطني بدور فاعل في المشاركة في تحقيق التنمية بشكل عام والمحلية بشكل خاص من خلال الانخراط في رسم سياساتها والمساهمة في تنفيذها وتقييمها، لا بد من ان يكون قادرا ومتمكنا، ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما هي التحديات التي تحد من هذا الدور في الحالة الأردنية ؟

التحديات التي تواجه عمل المجتمع المدني :

لكي يتمكن المجتمع المدني من المشاركة في رسم السياسات التنموية ورصد حسن تنفيذها والمطالبة بتصويبها عندما تدعو الحاجة لذلك، لا بد التوقف عند ابرز التحديات التالية التي يواجهها:

التحديات الموضوعية:

1- الاطار القانوني الذي ينظم عمل مختلف هيئات المجتمع المدني والاليات التي تضمن مشاركته الفاعلة والمؤثرة في صنع القرارات، ، حيث عدم ملاءمة بعض القوانين والتشريعات لنمو عمل المنظمات غير الحكومية.

2- مستويات المركزية ودور السلطات المحلية، وتعاطي السلطات المركزية والمحلية معه، بما في ذلك الشفافية في الحصول على المعلومات اللازمة والحق في الاطلاع، والقدرة على المحاسبة والمساءلة.

3- معدلات التنمية والتمكين والموارد المتاحة.

4- ضعف المشاركة بشكل عام والمشاركة السياسية بشكل خاص عند المواطنين وارتباطها بالنوع الاجتماعى: حيث تعد المشاركة سلوكاً يمارسه المواطنون طواعية للمساهمة فى صنع السياسة العامة، واتخاذ القرارات على كافة المستويات، واختيار النخب الحاكمة فى مختلف المواقع، ومراقبة الآداء الحكومى، والتعبير عن الآراء فى وسائل الاتصال المختلفة بشأن القضايا التى تفرض نفسها على أجندة اهتمامات الرأى العام. ويتضمن مفهوم المشاركة ثلاثة مستويات، يرتبط المستوى الأول منها بدرجة الوعى والاهتمام ويرتبط المستوى الثانى باتجاهات الأفراد وآرائهم فى البيئة المحيطة ويتصل المستوى الثالث بالسلوك مثل المشاركة بالتصويت فى الانتخابات، والمشاركة فى عضوية الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والمنظمات غير الحكومية، والترشيح للانتخابات المختلفة، والمشاركة فى صنع السياسة العامة، ومخاطبة وسائل الإعلام.

5- مشكلة تنمية الموارد البشرية: تتعامل الإدارة الحديثة مع الأفراد باعتبارهم استثماراً إذا ما أحسن إدارتهم، وتسعى سياسات الموارد البشرية إلى تحقيق التوازن بين حاجات الأفراد الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وحاجات المنظمة المرتبطة بالإنجاز وتحقيق الأهداف، إضافة إلى توفير بيئة عمل ملائمة تساعد على تنمية واستغلال مهارات الأفراد، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التكيف مع المتغيرات العالمية المحيطة.

وحينما ننتقل بمفهوم تنمية الموارد البشرية من إطاره الضيق المرتبط بمنظمات العمل إلى الإطار الشامل المرتبط بالاستثمار بالبشر داخل الدولة، فإن المفهوم يتسع فى هذه الحالة ليشمل كافة الجهود التى تبذلها الدولة بكافة منظماتها الحكومية وغير الحكومية للارتقاء بمعارف وخبرات ومهارات الأفراد فى كافة القطاعات، نظراً لأن ذلك ينعكس بالإيجاب على تطوير قطاعات العمل المختلفة.

6- مشكلة ضعف ثقافة العمل التطوعي: ظهرت بدايات العمل التطوعى فى العالم العربى فى القرن التاسع عشر، ويعتبر البعد الثقافى القيمى عاملاً مهماً فى العمل التطوعى لما له من تأثير كبير على دوافع التطوع وأسبابه. وقد يكون العمل التطوعى عملاً فردياً، حيث يعد فى هذه الحالة عملاً أو سلوكاً اجتماعياً يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة، ولا ينتظر منه أى مردود مادى، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية. والعمل التطوعى قد يكون مؤسسياً، وفى هذه الحالة يتسم العمل التطوعى بأنه أكثر تقدماً وأكثر تنظيماً وأوسع أثراً.

التحديات الذاتية:

1- القدرات الذاتية والقدرة على صياغة الرؤية ووضع الاستراتيجيات وبرامج العمل.

2- آليات الحكم الرشيد داخل المؤسسات كالشفافية والمساءلة والمحاسبة، والمشاركة، وتداول السلطة.

3- التشبيك والتنسيق والتعاون، وبناء التحالفات

4- التحديات المرتبطة بضعف مصادر التمويل، وضعف البناء المؤسسي ، ونقص القدرات البشرية والمهارية لدى بعض المنظمات،

5- غياب ثقة المجتمع فى بعض المنظمات.

6- العديد من المنظمات غير الحكومية الناجحة لا تحظى بالتأييد الإعلامى الملاءم الذى يحقق لها مساندة حقيقية من جانب المجتمع.

7- غياب الاستراتيجية الإنمائية عن كثير من منظمات المجتمع المدني.

آليات تفعيل دور المجتمع المدني في التنمية المحلية:

حتى تتمكن منظات المجتمع المدني من القيام بدورها المطلوب، كشريك فاعل وقوي في عملية التنمية، لا بد من العمل على مواجهة التحديات سابقة الذكر، حيث تعتبر منظمات المجتمع المدني شريكا اساسيا في تحقيق التنمية لاسيما بعدما اصبحت الدولة عير قادرة على الايفاء بالاحتياجات الاساسية للمواطنين كما ونوعا وفي الوصول الى كافة الفئات المحتاجة. كما وان تنامي دور أليات اقتصاد السوق نتيجة العولمة والتبادل الحر قد زادت من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي زادت من الحاجة الى توفير خدمات اكثر.

بيد ان النظرة للمجتمع المدني تعتريها العديد من الملابسات التي لا بد من توضيحها. فالسلطة تنظر اليه بريبة وتخوف شديدين لاسيما لجهة مصادر التمويل التي قد تحصل عليها والادوار التي تقوم بها. ان توفير الموارد البشرية والمالية اساسي لضمان الكفاءة والمهنية في التنفيذ وفي ايصال الخدمات الى محتاجيها، وبالتالي على الجهات المعنية في السلطة، فيما لو كانت تعتبر المجتمع المدني شريكا، ان تساهم في رسم اليات مشاركته الفاعلة ومساعدته على توفير بعضا من موارده من غير ان تؤثر في رؤيته واستقلاليته الادارية والتنظيمية.

ان التطلع الى مجتمع اكثر مساواة واكثر مشاركة واكثر تمثيلية وعدالة واقل اغترابا وتشتتاً تمثل اهم اهداف المجتمع المدني ومؤسساته فهذا المجتمع يعمل على بناء قناة اضافية للمجتمع مع السلطة يحمل ويعكس اهداف افراد المجتمع ويحد من السلطة المطلقة حيال المجتمع في سبيل عكس واضح لمصالح العامة لمختلف الشرائح ، والترابط وثيق بين المجتمع المدني ومؤسساته وبين بناء الديمقراطية فتجربة اوربا الشرقية عكست محاولة مهمة الا وهي وجود علاقة عكسية بين الدكتاتورية والوحدانية في السلطة مع وجود مجتمع مدني فاعل، فلا مجتمع مدني فاعل مع دكتاتورية ولا دكتاتورية يمكن ان تخلق مجتمعا مدنيا يمارس دوره بشكل جيد.اذ لا يمكن ان يتطور المجتمع المدني مع تدخل الحكومة او السلطة فالمجتمع المدني منذ نشأته الاولى خارج السلطة السياسية بل هو عين المجتمع عليها .

ان استقلالية منظمات المجتمع المدني هي مكمن قوتها، ورؤيتها هي ضمانة لنجاجها، واستراتيجياتها هي في اساس فاعليتها، وبرامجها هي وسيلتها للوصول الى المواطنين. وبقدر ما تتمكن منظمات المجتمع المدني من وضع آليات فاعلة لعملها وهيكلية تنظيمية واضحة وانظمة ادارية شفافة ومرنة بقدر ما يصبح دورها اآبر واآثر فاعلية وتأثيرا في عملية التنمية.

كما ان تنوع منظمات المجتمع المدني من حيث الخبرة والاختصاص يشكل مصدر غنىً يؤدي الى التكامل، وهو لذلك يحتاج الى تفعيل آليات التنسيق والتشبيك والتعاون بين مختلف مكونات المجتمع المدني، وبينها وبين الجهات الرسمية والقطاع الخاص. بيد ان التنمية تحتاج الى رؤية تنموية شاملة واستراتيجيات وطنية وقطاعية وآليات للتدخل على المستويين الوطني والمحلي، وتكون مرجعيتها الاساسية الدولة كناظم وحام لحقوق المواطنين، الا انها تحتاج ايضا الى تعاون وتنسيق بين الجهات الاساسية الفاعلة، لاسيما بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التموية مكتملة وبالتالي يصعب ان يكتب لها النجاح.

ولتعزيز المشاركة المجتمعية والذي يعتبر من اهم الادوار التي يقوم بها ينبغي على المجتمع المدني العمل على زيادة درجةوعي المواطنين بشأن معرفة حقوقهم وواجباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودرجة متابعة الأفراد لما يجري على الساحة المحلية، وفهم التشريعات والقوانين التى تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع، والتأثير بالتعاون مع وسائل الاعلام على تكوين باتجاهات الأفراد وآرائهم فى البيئة المحيطة. اضافة الى تعزيز السلوك المتعلق بالمشاركة لديهم مثل المشاركة بالتصويت فى الانتخابات، والمشاركة فى عضوية الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والمنظمات غير الحكومية، والترشيح للانتخابات المختلفة، والمشاركة فى صنع السياسة العامة، ومخاطبة وسائل الإعلام، خاصة وان ضعف المشاركة لدى المواطن تعتبر واحدة من المشكلات الظاهرة والأكثر وضوحاً فى المجتمع الاردني، وتصبح هذه المشكلة أكثر وضوحاً لدى المرأة على مستوى الترشيح للانتخابات وعضوية المجالس التشريعية والمشاركة فى صنع القرار. وكذلك تتعدد التحديات التى تحول دون مشاركة فاعلة للمرأة العربية فى الحياة السياسية، ويأتى فى مقدمتها التحديات الثقافية والاجتماعية، وتشمل ضعف الوعي العام لدى المرأة بحقوقها وواجباتها السياسية، والنظرة الثقافية والاجتماعية التقليدية السائدة فى المجتمع نحو المرأة، وقصور دور النظام التعليمي فى التثقيف السياسي، وتواضع تأثير دور الإعلام فى تحفيز المرأة للمشاركة السياسية.

تنمية الموارد

اما فيما يتعلق بدور المجتمع المدني في مواجهة مشكلة تنمية الموارد البشرية فتتعد العناصر التي يمكن للمجتمع المدني العمل عليها للاسهام في تنمية الموارد البشرية، وتشمل محو الأمية، وتقديم التسهيلات للعملية التعليمية، ودعم التعليم بالبرامج العملية ، ودعم برامج إكساب المهارات الفنية والمتخصصة فى المجالات المختلفة التى يحتاجها المجتمع، ودعم البرامج المتقدمة على مستوى مهارات الاتصال والتفاعل بالآخرين وفهم الآخر.

ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تقوم بدور فاعل فى هذا المجال، خاصة فى تعاملها مع قطاع الشباب ، باعتباره هو الذى يقود حركة العمل خلال الفترة القادمة، كما يناط به التكيف مع متطلبات عصر العولمة، ولا يمكن له أن يحقق النجاح المنشود دون مساندة ودعم من جانب المنظمات الحكومية وغير الحكومية الفاعلة فى المجتمع.

على انه ينبغى أن تتم برامج تنمية الموارد البشرية فى ضوء تفعيل التعاون بين المجتمع المدني والإعلام فى تنمية الوعى الجماهيري بضرورة الارتقاء بالمهارات الفنية والشخصية خاصة بين الشباب، وتحفيز الأفراد للالتحاق ببرامج تنمية القدرات، وارشادهم إليها، وتوعية المجتمع بها. وتقديم النماذج والتجارب الناجحة فى تنمية الموارد البشرية من جانب المنظمات الحكومية وغير الحكومية على السواء، لتحفيز المنظمات الأخرى لأن تسلك نفس النهج، وإبراز الآثار الإيجابية لذلك على تطور أداء الأفراد والمنظمات.

على صعيد متصل تتطلب مواجهة ضعف ثقافة العمل التطوعي من المجتمع المدني فى ضوء التطورات العالمية التي جعلت المجتمع المدني يأخذ مكاناً لائقاً وسط حركة تطور المجتمعات المعاصرة، ليقوم بدور بارز وملحوظ ومحورى فى حركة التنمية الشاملة بالمجتمعات ومن اهم جزئيات هذه الدور:

• الدور التنموى من خلال تطوير مهارات المواطنين وتنظيمهم من أجل المشاركة الفاعلة والواعية فى عملية التنمية، وتنمية الوعى الديمقراطى والثقافى والبيئى لدى كافة شرائح المجتمع.

• الدور الخيري والخدمي.

• الدور التعبوي للمطالبة بحقوق الفئات المهمشة.

• إخراج شرائح كبيرة من المواطنين من حالة السلبية والتواكل إلى دائرة العمل البناء المسئول.

• خلق رأى عام مستنير مستعد لتحمل العديد من المسئوليات الاجتماعية إلى جانب مسئوليات الدولة.

وربما يعود السبب في انخفاض درجات الوعى بأهمية ثقافة التطوع، الى نقص وعى الأفراد بمنظمات المجتمع المدنى وأدوارها وأهميتها المعاصرة فى المجتمع، وارتفاع نسبة الأمية ، وانشغال الأفراد بأزماتهم الاقتصادية فى ظل تدني الدخول، وشيوع السلبية لدى الكثيرين، ولا يتسم عدد كبير من الأفراد بالمبادرة والسياق والطموح لخدمة الصالح العام، إضافة إلى نقص معلومات المواطنين عن التطوع وأهميته، لضعف العلاقة بين المجتمع المدني والاعلام ، وكذلك ضعفها مع مؤسسات التعليم والثقافة والتي تؤدي في النهاية الى ضعف فى الترويج لثقافة التطوع ، وأهمية دمج الشباب فى العمل التطوعى وأنشطة المنظمات غير الحكومية التى تسعى لتحقيق صالح المجتمع.

ونظراً لأن نجاح الدول فى تحقيق أهدافها لا يمكن تحقيقه من خلال الجهود الرسمية فقط، بل إن الدول فى أمس الحاجة إلى جهود المجتمع المدنى الذى يعد ضلعاً أساسياً فى مثلث تحقيق التنمية الشاملة (الحكومة – القطاع الخاص – المجتمع المدنى)، فإن أولى درجات النجاح فى تفعيل دور المجتمع المدنى فى تحقيق تطور المجتمع يرتبط بنجاح الإعلام فى الترويج لثقافة التطوع التى تقوم على الحماس من أجل المصلحة العامة وليست المصلحة الشخصية.

ويبدو من المهم فى ضوء ضعف الوعى العام بأهمية العمل التطوعى ان يولي المجتمع المدني بالشراكة مع المؤسسات الاعلامية اهتمام اكبر لمسألة بناء استراتيجيات اعلامية تهدف الى الترويج لثقافة التطوع، وتحفيز الشباب للاندماج فى العمل التطوعي حيث تتعدد في هذا السياق احتياجات المجتمع المدنى من الإعلام، ويمكن اختصارها في النقاط الآتية:

• تعريف الرأى العام بأهمية دور المنظمات غير الحكومية في حركة التنمية الشاملة على المستوى السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي.

• تحفيز المواطنين للاشتراك في أنشطة المنظمات والجمعيات التطوعية، لخلق مشاركة جماهيرية فاعلة في التصدى لمشكلات المجتمع.

• تعريف الرأي العام بمجالات الأنشطة التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية.

• تعريف الرأي العام بانجازات المنظمات غير الحكومية على مستوى كافة قطاعات المجتمع كنماذج إيجابية من المجتمع المدني، ينبغى أن يحتذى بها، ويعمل المجتمع على تكرارها، ويكرم أصحابها، وأن تطرح هذه الإنجازات بالصورة والصوت في وسائل الإعلام، كي نحفز الغير على المشاركة فيها.

• تسليط الضوء على الشخصيات والنماذج النسائية الناجحة في مجال العمل المدنى، وتقديمها كقدوة ينبغى أن يحتذى بها الآخرون، وتقديم مشوار حياتها في خدمة العمل المدنى.

• تسليط الضوء على التحديات التي تعوق عمل المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية، ومناقشة صانعى القرار بسرعة مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، وتسهيل عمل هذه المنظمات في خدمة المجتمع المحلى.

• تشجيع القيادات المحلية لمد يد العون للمنظمات غير الحكومية، وتقديم كافة المساعدات لها حتى تقوم بدورها الحقيقى في خدمة المجتمع المحلى.

• إبراز التقارير السنوية لإنجازات المنظمات غير الحكومية، باستخدام المواد التوثيقية بالصوت والصورة والكلمة المطبوعة، للمساهمة في جلب المزيد من الدعم الفنى والمالى لهذه المنظمات.

• تحفيز القطاع الخاص لدعم المنظمات غير الحكومية.

• توفير فرص التفاعل بين الإعلاميين ومسئولي المنظمات غير الحكومية، لتبادل الرأى والمشورة حول تطور آداء الإعلام بشأن المنظمات غير الحكومية، وآليات التفعيل المستقبلي.

إعداد حملات التسويق الاجتماعى حيث تتعدد الخطوات التى تمر بها حملات التسويق الاجتماعى بدءاً من كونها فكرة وحتى ظهورها إلى حيز التنفيذ، وعرضها فى وسائل الإعلام المختلفة، إلى أن تنتهى.

ولعل تطوير عمل المنظمات غير الحكومية يرتبط فى أحد محاوره الأساسية بضرورة تحمل الدولة لمسئولياتها تجاه هذه المنظمات، من خلال تهيئة بيئة قانونية ملاءمة، واعتبار المنظمات غير الحكومية طرفاً هاماً فى عملية التنمية، وتخصيص ميزانيات ملائمة لدعم جهود هذه المنظمات، وتشجيع القطاع الخاص على دعم المنظمات غير الحكومية الجادة.

وفى ذات الوقت على المنظمات غير الحكومية أن تعمل على تنسيق جهودها، وتمد شبكة علاقاتها بوسائل الإعلام لتنمية ثقافة العمل التطوعى لدى فئات الرأى العام المختلفة، وأن تبذل جهوداً مثمرة فى تنمية القدرات للفئات المختلفة، وأن تطور هياكلها المؤسسية بالشكل الذى يحترم أغراض عملها، وأن تسعى إلى تحقيق مشروعات ملموسة على أرض الواقع تساعد فى تحقيق مساندة إيجابية لها من جانب الرأى العام وذلك من خلال عملها وفقا للاطر التالية :

* خلق اجواء من المسؤولية الاجتماعية المشتركة

* مأسسة المشاركة، بخاصة على المستوى الوطني

* رصد مستقل، بخاصة على المستوى الوطني

* تحالفات و شراكات وطنية متعددة ومتنوعةعلى المنظمات إحياء روح العمل التطوعي وخلق أجواء المسؤولية ومأسسة الشراكة وعلى الدولة تحمل