مركز الرأي للدراسات
اعداد : م . بسام ابو النصر
المنتدى العالمي للوسطية /الاردن
2011/1/9
مقدمة
ان وسطية الاسلام بمفهومها الديني والفكري عانت من سوء الفهم وظلم في الطرح والرؤية حتى باتت هدفا من قبل مشككين ومتشددين ، ففي جانب اعتبرها المتشددون من طرف على انها تراخي في تطبيق القواعد الشرعية واعتبرها الفريق الثاني من علمانيين وليبراليين على انها ليبرالية غير واقعية ولذلك بقيت مفردة الوسطية في الاصطلاح والفهم اسيرة لسوء الفهم واستمرت في حالة استقطاب لطرفي العلاقة وبقيت عاجزة في ظل هذا الاستقطاب على التحرك بالمجتمع نحو ايجابية في التفكير والنهج تنقذه من اية حالة توتر في النهج السياسي والاجتماعي ، وأثر هذا التصور على استقرار المجتمعات الاسلامية وازدهارها .
ان الاستقرار السياسي هو مفهوم نسبي يتم من خلاله تقييم النظام السياسي للأزمات التي تواجه المجتمعات حيث تظهر قدرته على ادارة الصراعات الداخلية والقدرة على تعبئة الموارد لاستيعاب الصراع للحيلوله دون قيام العنف . وزيادة على ذلك فهو يوائم بين ازدياد فرص الانفتاح السياسي وشيوع الديمقراطية التي ترتبط بالاعتدال في المواقف والسلوكيات واتخاذ مواقف تقلل من التشدد والتوتر من قبل الاطراف الدينية والاجتماعية والسياسية .
ان الاستقرار السياسي ليس وليد القوة الامنية ولا ينتج عن مزيد من اجراءات الدولة في الحد من من عوامل التوتر الداخلي المرتبط بنشاطات الافراد والجماعات وافكارهم لكنه يرافق مستوى الثقة والرضا الشعبي في بيئة سياسية سليمة مع مؤسسات الدولة وقد يفضي ذلك الى طمانينة واستقرار وتجفيفا لكل مصادر القلق الاجتماعي والسياسي ولا يغني هذا عن امتلاك الدول لترساناتها العسكرية او امكانياتها المادية واللوجستية حيث ان القوة لا تنتج استقرارا بالضرورة ان لازمها تصلب في المواقف وتعد على حقوق الغير وقمع في التعامل مع الحركات الاجتماعية والدينية والسياسية وهناك امثله لدول تمتلك كل مقومات القوة لكنها لا تنعم بالاستقرار السياسي وبالمقابل هناك دولا ضعيفة الامكانات والموارد لكنها تواجه ازماتها بقليل من الجهد والادراك العميق بمقومات الاستقرار وازالة التوتر بامكانياتها الذاتية فالتعامل الواقعي مع الازمات دون تصديرها او تاجيلها ينتج مزيدا من الاحتقان في عوامل تهدد المجتمع بامنه واستقراره وتوازن القوى الاجتماعية والسياسيه والاقتصادية ، ان القمع لا يصنع امنا بل يضاعف عوامل التوتر والفوضى .
مفهوم الوسطية اللغوي والاصطلاحي
تعرف الوسطية في اللغة وحسبما وردت في معاجم اللغة على انها وسط الشيء وخياره فوسط البيت اوسطه واجمله ووسط الحقل اكثره خصوبة وجاذبيه قال تعالى " ومن الناس من يعبد الله على حرف " الحج 11 ، وفي الأثر خير الامور وسطها واوسطها ووسط الشيء افضله واعدله من قوله تعالى " وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونو شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة 143 ، وربما وما ورد في الأثر يبين الاصفهاني ان الوسط هو محمود بين مذمومين كالجود الذي يتوسط البخل والاسراف والشجاعة التي تتوسط الجبن والتهور لذلك فهي الخيرية بين افراط وتفريط حيث يذهب ابن جرير الطبري الى ان الله تعالي انما وصف المسلمين بأنهم وسط لتوسطهم في الدين فلا هم اهل غلو ولا هم اهل تقصير ولكنهم اهل توسط واعتدال بعيدا عن تقصير المفرطين وغلو المعتدين .
الوسطية هي حالة التوازن بين التشدد والشذوذ من ناحية وبين التهاون والتقصير من ناحية اخرى وهذا ديدن الفهم لمختلف جوانب النشاط البشري لهذا التفكير الايجابي لفهم الشرع والتدين وفي المعاملات والعلاقات مع الاخرين واذا اعتبرنا ان الوسطية هي تيار ممتد عبر التاريخ فهي الفكر المتجذر منذ بداية عصر الاسلام واصل الدعوة واكثر خطاب موجه الى العقل وأذا كانت حالة اجتماعية فهي نتاج لحركة التجديد الذي قاده علماء ومفكرين في كل الامصار عبر التاريخ .
مميزات الخطاب الوسطي في المجال السياسي
الوسطية ليست مدرسة واحدة ولا هي حكر على مجموعة دون اخرى في الاجتهاد والاستنتاج لانها تمتد بين طرفين وتتسع في امتداد الفرق في قطبية التضاد الى مساحات كبيرة تتسع لاجتهادات يصعب استقصاؤها ولذلك لا تستطيع اي فرقة ان تحتكر الصواب ما دام باب القياس والاجتهاد مفتوحين لكل حامل رسالة او رؤية وضمن النصوص واخلاقية العمل المنتج بوجود محددات اخلاقية وقيمية على ان يكون الهدف صون الرسالة وتطويرها دون الاخلال بمباديء السلوك والاركان المرتبطة بروحانية الاسلام وسلامة تطبيق العبادات . وبناء على هذا الفهم الملتزم للوسطية لا بد ان نضع مرتكزات رئيسية وهي :-
اولا :- السياسة تدخل ضمن باب دائرة المعاملات وتمتاز بالمرونه وفي دراستها ضمن سياق الوسطية تاتي في باب الاجتهاد ولذلك تحتكم للابداع الفكري البشري في ظل مرجعية اسلامية يتلاقى عليها جمهور العلماء والمفكرين .ولأن الاسلام لم يحدد شكلا للدولة ولا لطبيعة العلاقات بين التزاماتها الداخلية ومتطلباتها الخارجية او شكل السلطة واختيار الحاكم عندها تنوعت الاجتهادات الاسلامية وتصادمت في احيان كثيرة وربما تعددت ضمن محددات في العهد الراشدي الثاني عند اختيار الخلفاء او مبايعتهم تعبيرا عن الاجتهاد وحق الضوابط الشرعية ،
ثانيا :- يحتاج المجال السياسي ال حذر شديد فالتسييب كالجمود والذين تشددو سدو على انفسهم الطرق الصحيحة لمعرفة الحقيقة والتقيد بها ظنا منهم انها منافية للقواعد الشرعية فكان اجتهادهم في غير محله وكان منافيا لمعرفة الواقع .
ثالثا :- ان المجال السياسي محل اختلاف في الاجتهاد وتعدد الاراء فالشريعة ربطت الطاعة بالقدرة ووتحري المصلحة فقد توافق الصواب وقد تجانبه ولكن لا يكلف الله نفسا الا وسعها . وفي ظل اختلاف الصحابة والتابعين في المسائل الخلافية في بواكير دولة الاسلام حيث كان محل جدل في كل حقبة من تاريخ الامة لذلك كان منطلق الاخذ بالعقل السياسي كان نسبيا فرضته ظروف وتحديات وحددته اولويات العمل والفرص المتاحة والامكانيات على مستوى الجماعات والافراد . ولذلك رأت الوسطية ان التعددية رحمة للامة ومنفعة للدوله وان النظام الاحادي المنغلق لا يتفق مع مصلحة الدولة وحاجة الافراد وهذا ادى الى التسليم بتعدد وجهات النظر وان اختلاف الراي لا يفسد للود قضية وهو رجمة بالامة والرعية
رابعا :- ضرورة الجمع بين ثوابت الدين والتجربة الانسانية الجمعية فحرية التعبير والشفافية واعدل واقامة الشورى واحترام كرامة الانسان من الثوابت التي نادى بها ديننا الحنيف وابقى ربما الباب مفتوحا لاجتهاد العلماء وابداعهم التي تختلف تبعا للظروف الانسانية المختلفة وهذه ميزة تجديدية في الخطاب الاسلامي تقتضي تجاوز كل الاجتهادات البشرية وارتبط هذه الفهم تاريخيا بظروف قسمت العالم الاسلامي الى دار اسلام ودار حرب واعتبر غير المسلمين اهل ذمة لهم حقوق وعليهم واجبات ضمن ضوابط شرعية وانسانية حفظت لاهل الكتاب كرامتهم وللمسلمين هيبتهم وظهرت اجتهادات في فترات كثيرة للاستقادة من منجزات الاخرين ومن عطاء الحضارة الانسانية نتيجة تفاعل العقل الجمعي التاريخي ومع الواقع بكل حاجاته وتطوراته .
خامسا :- الخطاب السياسي يتميز بالسماحة واليسر , بحيث يتودد بلطف ورفق " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن " النخل 125 ان عدم التجاوب مع هذا الخطاب يلقي بتبعات التوجس والخوف المفزع ويفقدنا الاصدقاء ويؤجج لا سمح الله الصراع مع الاخر وقد نادى العلماء الى تأخير البيان الى زمن التمكن فالقران نزل متواترا وانتهى بدولة الاسلام القوية وتنادت الشعوب التي انضوت تحت راية الاسلام الى اتباعه فرادى وجماعات تسليما للبيان بعد التفرد في الفهم . فعلى قدر الاستطاعة ودون عنف البيان ارادت الوسطية ان تعمل على تحقيق الاصلاح الشامل ضمن منهج متدرج يراعي الواقع ويرسي الانجازات دون عجلة او تشويش .
اليات الفكر الوسطي في تحقيق الاستقرار السياسي
اولا :- التنافس الايجابي :-
ان الفكر السياسي لا يرفض الاخر او يلغيه ويؤسس لعلاقة تفاعلية معه حيث يمهد الى حوار مفتوح ومنفتح مع الجميع متان غير متوقف وربما هذه ما نفهمه من حوار الانبياء مع اتباعهم كما ورد في القران الكريم والسيرة النبوية مليئة بالشواهد الحية والمتنوعة للحوار مع الاخر ومع الجميع بروح تسامحية وقلب منفتح وروح االمبادرة والتعقل لذلك تؤمن الوسطية من اي تيار موجود يتناغم مع طرحها وربما بات من اولوياتها ان تتواصل شرقا وغربا مع كل مبادرة تفيد وتستفيد في سبيل اشاعة اجواء التسامح والايجابية ومع تشبيك المبادرات المختلفة هنا او هناك لخلق تيار منضبط يناى عن الفعل الاحادي المتوتر التي تقوم به جماعات تدعي انحيازها للاسلام في القول والفعل ولا تدرك انها تعمل على تنفير الناس الذين يرغبون بفهم اكبر لديننا حتى تتكون لديهم قناعات بالدخول به او الانتصار لقضاياه , وفي ظل التنافس الايجابي تعتقد الوسطية انها تقدم نموذجا فريدا يعتمد على الاخذ بتجارب شبيهة وناجحة مقابل الاخلاص لمجموعة الافكار التي يتنادى بها الوسطيون في كافة انحاء العالم وتعتمد على التواصل الخلاق بين مكونات المجتمع الوسطي لشد ازره ومساندته ايا كان تواجده وباي ثقل على ان يفهم من ذلك ان الهدف في حده الادنى هو اماطة الاذى الذي لحق بديننا ومن تشويه لصورته وفي حده الاعلى خدمة الدين واعلاء كلمة الله واعطاء صورة مشرقة للاسلام مواجهة لفكرة الاسلاموفوبيا التي تنتشر في الغرب القريب كالنار في الهشيم , واعتقد ان هناك حراكا ايجابيا في ظل وجود قنوات فضائية متخصصة والتواصل عبر الشبكة الدولية الانترنت وانسياب المعلومات ضمن ثورة عولمية تمارس فيها حرب شرسة على الاسلام لكل فئاته , وهذا الحراك سيفضي بالضرورة الى فتح قنوات اتصال مختلفة ليس اخرها هذا المؤتمر لخلق ارضية مشتركة وزرع ثقة بين مكونات المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة مع تصدير لقيم التسامح بعيدا عن التعصب والاستقطاب وينأى الخطاب الوسطي عن المزايدة السياسية ويربأ عن سياسة الاقصاء والحقد ولدي مثالين في هذا السياق اولها تبني تيار الوسطية بل وتفرده في اصدار رسالة عمان دليل النهج الوسطي واعطاء صورة حضارية ناصعة تعكس حقيقة الدين والمسلمين كقدوة قادر على عكس صورة المسلم الحقيقي فلقد انتشر الاسلام بسبب اخلاق المسلمين واخلاصهم وانتمائهم والمثال الثاني هو عودة التتار بعد عين جالوت وبعد ان عاثو في الارض خرابا وفسادا وتدميرا وما لقيوه من صبر وشجاعو والتزام جعلهم يدخلو في دين الله افواجا ويؤسسو في بضع سنوات الدولة العثمانية
ثانيا :- تأسيس علاقة متوازنه مع الدوله
تبنى تيار الوسطية منهج المشاركة في مؤسسات الدوله والمجتمع خصوصا السياسية والاصلاح وفق اليات الديمقراطية بنهج منفتح يراعي حريات الافراد وحاجات الجماعات والتجمعات وحقوق الانسان والاطفال والنساء وينبذ العنف والاقصاء ولذلك تميزت علاقاته مع الدولة ومؤسسات المجتمع بالايجابية والتفاعلية والمناصحة ويعتقد هذا التيار ان التعاطي السلبي مع الدوله يخلق جوا من عدم الاستقرار والخاسر الاكبر هو الوطن والمواطن فالاولوية لتظافر الجهود لا لتشتيتها والهاجس هو مصلحة الوطن والقيام بدور المناصحة لا المناكفة للسلطة التنفيذية وتقديم بدائل لسياسات الخاطئة وتقديمها كمبادرات مع مرونة وانفتاح في التعاطي مع القضايا السياسية المختلفة والمثل هنا جمعية الارشاد والاصلاح في الجزائر وحركة مجتمع السلم اللتان واجهتا التطرف باسم الشعب الجزائري فمارسته الجمعية ضمن برامجها الاجتماعية والانسانية ومارسته الحركة ضمن النشاط السياسي وضحى قادتها في محاربتهم للغلو من طرفي المعادله وعندما ضعف التيار المتطرف كان للحركة دورا فاعلا في اشاعة اجواء الاستقرار وازالة التوتر من الجتمع الجزائري لذلك تتنامى شعبية هذه الحركة ويتكاثر ممثلوها في مجلس الامة والمجالس التمثيلية والنقابية والبلدية .
ثالثا :- يؤمن التيار الوسطي بالتدرج لمعالجة الواقع حتى لو كان مثقلا بالتخلف والفساد الى واقع حيوي مشبع بقيم سليمة توائم بين الاصالة والمعاصرة اصالة في الدين ومعاصرة في بعد انساني لا يبتعد عن قيم الدين ومنظومة الاخلاق التي تلتقي عندها الاديان والدخول في حوارات داخلية وخارجية ترمي الى التقليل من اسباب التوتر داخل وعبر الحدود وتصدير قيم الوسطية والاعتدال بدل تصدير حركات التطرف والكراهية .
رابعا :- نبذ العنف
ان التشدد يؤدي الى زيادة الاستقطاب داخل المجتمع والوطن ويترك اثارا سلبية تؤثر على الفرد والجماعة وتؤجج النزاعات الداخلية والخارجية المختلفة لذلك يدعو تيار الوسطية الى الاعتدال والتوازن يؤديان الى التوافق والاستقرار والامن وهو معني على حل النزاعات وتجاوزها بأقل الخسائر واحتواء السلوك المتشدد فالوسطية تميل الى التفاوض والتسوية وايجاد الحلول التوافقية للقضايا العامة ان نقاط القوة في الفكر الوسطي تمثل منطلقا لنهضة المجتمع وتطوره واستفادة حقيقية نحو تطور الامة وازدهار الاوطان وينعكس الانحراف عن فكر الوسطية في مختلف مستوياتها الى تشويه العلاقة بين الدولة والوطن وتحدث اضطرابات تذهب باستقراره وتزرع الخوف والفتنة بين عناصره المختلفة ,
ان الواجب يحتم علينا التفكير مليا قبل الحكم الاقصائي وكما جرت العادة والتكفير الذي يصدر باسم الاسلام ومحاولات العبث باحلامنا في الانعتاق بارواحنا وامالنا بعيدا عن عقلية المحتكر للحقيقة والمصادر لحقوق الناس وبعيدا عن اي تشوه وتشويه في فهم الدين واصدار الاحكام المسبقة واصدار الفتاوي التي لا ترتكز الا على فهم فردي للمسائل المختلفة سواء كانت اشكالية او غير ذلك وعلينا ان نفكر قليلا ونحن نشاهد ورغم ما يتعرض له هذا الدين من نيل وتشويه الا انه وبفض سلوك بعض المسلمين في بقاع العالم الفسيحة انه الاكثر انتشارا رغم اننا الاكثر تقهقرا وتخلفا في البعد المعرفي والاقل نشاطا في المجال الدعوي
ان الوسطية هي ضمانة حقيقية لنزع فتيل حرب الاقوياء علينا باسم محاربة الارهاب دون استجداء ولا منة لكننا نساهم وساهمنا في مراحل مختلفة من التقدم الحضاري العالمي .
ان الاستقرار السياسي هو وليد الفهم الصحيح لسماحة الاسلام واعتداله ونبذ العتف والحوار الهادئ مع كل التيارات والحركات السياسية بروح من الايجابية والتنافس وتقريب وجهات النظر بالاحترام والحفاظ على حرية الاشخاص واحترام خصوصياتهم كافراد وجماعات وازعم ان الوسطية مؤهلة لللقيام بدور اصلاحي في كل مناطق التوتر الطائفي والمذهبي والايديولوجي على امتداد العالم الاسلامي