مركز الرأي للدراسات
إعداد : د. جمال الشلبي
استاذ العلوم السياسية/ الجامعة الهاشمية
2004
صحيفة "الرأي" نموذجاً
ملخص:
في ظل العولمة التي تمثل انتهاء الحرب الباردة، وبروز الولايات المتحدة الأميركية وقيمها بوصفها قطباً أحاديا على الساحة الدولية، وفي ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي الهائل المتمثل بالخصخصة، وإلغاء الحدود، وفي ظل ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي حققت مقولة "العالم- قرية"، فان السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للمؤسسات الإعلامية في العالم الثالث، ولاسيما، الصحفية منها أن تتطور، وتتكيف مع الوضع الجديد الذي يحتاج إلى مزيد من الحريات والتشريعات، والإمكانيات المادية والبشرية؟ وما هو دور السلطة السياسية وموقفها من هذه الصحافة ودورها الجديد؟
وانطلاقا من هذا السؤال العام" نوعا ما" تحاول الدراسة أن تتناول تطور المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي بوصفها "نموذجاً" للصحافة الأردنية بالخصوص والعربية بالعموم. وتكمن أهمية هذه الصحيفة في أنها أنشئت عام 1971 لتكون صحيفة الحكومة" السلطة" بيد أنها تنقلت بين القطاعين العام والخاص باستمرار إلى أن أصبحت عام 1986 شركة مساهمة عامة، وهي من الجيل الثالث للصحافة الأردنية القائم على وجود مؤسسات كبرى، و تعد هذه الصحيفة الأولى في الأردن ناحية البيع والإعلان والأرباح، واختيرت عام 1999 أفضل صحيفة عربية مقرؤة عن طريق الانترنيت.
المصطلحات الأساسية:
صحيفة الرأي، صحافة أردنية، العولمة، التحول الديموقراطي، تكنولوجيا المعلومات، العمل المؤسسي، الحرية الصحفية، السلطة، حرية التعبير، حق النشر.
مقدمة:
شهد الأردن، شأنه شأن بقية دول العالم الثالث والكتلة الشرقية، منذ عام 1989 بداية مرحلة سياسية جديدة، تمثلت في تبنى صانع القرار السياسي خيار الديموقراطية، أو بتعبير أدق، التحول الديموقراطي. الأمر الذي أسفر عن بروز عدد من التحولات والتطورات في مختلف المجالات، ولاسيما في المجال السياسي، فكانت قضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي كانت من أهم هذه التطورات. وتعد حرية الإنسان في التعبير عن الرأي والفكر، وحرية الصحافة التي تنشر هذا الرأي وتفسره وتدافع عنه من أهم المؤشرات على حدوث هذا التطور( جمال الشلبي، 2000: 7).
لقد أصبحت الدولة المتحولة نحو الديموقراطية "تحت المجهر"، ولم تعد قادرة على أن تخفي ممارستها وسلوكها السياسي، لاسيما، أننا نعيش في "قرية صغيرة" في ظل ما يسمى العولمة التي اختزلت المسافات، ووحدت النظم السياسية بقيم مشتركة حول الإنسان، والاقتصاد المفتوح، وحتى تجاه الخير والشر!
ولا يمكن أن نتحدث عن العولمة دون الحديث عن مؤسسات وسائل الإعلام وثورة المعلومات، إذ اتحدت تكنولوجيا الاتصالات مع وسائل الإعلام، وأصبحت تشكل تهديدا للإعلام التقليدي بكل ما فيه من تجارب. فنجحت تكنولوجيا المعلومات في اختصار البعد الزمني للوصول للخبر أو معرفته من جانب شرائح المجتمع كافة، بعدما كان في متناول النخبة السياسية والاقتصادية فقط، وبذلك هدمت وسائل الاتصال الحديثة حواجز المعرفة التقليدية، وأصبحت المعرفة متاحة للجميع، وكما يقول نيكولاس جوثري: "في العالم الذي سادت فيه وسائل الاتصال الحديثة كالفضائيات والانترنيت، هنا في العالم العربي وفي كل مكان، فإن العولمة تعني أنه لا مجال لإخفاء الفساد"(صحيفة القدس العربي، 2000: 13). ويرى الكاتب الفرنسي بول فاليرو " بأننا نشهد الآن نهاية الجغرافيا" حيث لا مكان منعزل، ولا وطن مستقل، ولا ثقافة محصنة"( مي سنو،2001: 15).
من هنا، تكمن أهمية هذه الدراسة في التعرف على أثر ظاهرة العولمة وما أفرزته من تحولات سياسية ( ديموقراطية) وتكنولوجية في المسيرة المهنية لإحدى مؤسسات وسائل الإعلام التقليدية في الأردن: هي المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" التي تعد من أهم الصحف الأردنية اليومية لكونها تعتبر، بشكل أو بأخر، الناطق شبه الرسمي للحكومة الأردنية، وأكثر الصحف مبيعا( نسبياً) في الأردن بما يقارب 70-90 ألف نسخة يوميا، إضافة إلى فوزها بجائزة الصحف العربية الإلكترونية الأكثر قراءة عبر إلانترنيت عام 1999، إذ يصل متوسط عدد قرائها عبر شبكة الانترنيت شهرياً 13 مليون قارئ( لقاء مع المدير العام السيد نادر حوراني: 2004). وتزداد أهمية هذه الدراسة، أيضا، إذا ما عرفنا بأن الصحافة منذ غوتنبرغ، أصبحت مركز الرهانات لكل أنواع حريات الفكر، لا سيما، أنه بعد ظهور وسائل الإعلام الجماهيري أصبحت مؤسساته انعكاساً للنظم السياسية وجزءاً لا يتجزأ منه في آن واحد
"(Balle, 1984:189).
أسئلة الدراسة وافتراضاتها :
إن السؤال الجوهري الذي تحاول أن تجيب عنه هذه الدراسة هو: كيف تطورت المؤسسة الصحيفة الأردنية: "الرأي" في ظل تغيرات سياسية وتكنولوجيا متواصلة؟ وهل استطاعت أن تواكب هذه التطورات؟ أو أنها ما تزال تؤدي دورها بوصفها "أداة "من أدوات السلطة التي تستخدمها في توجيه الرأي العام ؟
ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا إذا قسمناه إلى عدة أسئلة فرعية تساعدنا في تحليل الظاهرة المدروسة، أي " الرأي" كنموذج عن الصحافة الأردنية بالخصوص والعربية بالعموم. والأسئلة الفرعية التي من الممكن طرحها هي:
1- متى ولماذا تأسست صحيفة الرأي الأردنية؟
2- هل لها توجه سياسي أو أيديولوجي محدد؟
3- ما هي أشكال الهيمنة الحكومية عليها إن وجدت؟
4- ما هي أهم التطورات السياسية والاقتصادية المهمة التي واكبت مسيرة هذه الصحيفة المهنية؟
5- وهل أثرت العولمة التي ابتدأ تأثيرها عبر التحول الديموقراطي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي على تطورها وازدهارها؟
وتشتمل الدراسة في سعيها للإجابة عن الأسئلة السابقة على عدة افتراضات، هي:
1- أن هناك هيمنة للحكومات المتعاقبة على صحيفة "الرأي" منذ نشأتها.
2- أن التحول الديموقراطي الذي شهده الأردن زاد في مساحة الحرية في صحيفة "الرأي".
3- أن خصخصة الصحيفة وعدم تركها في يد القطاع العام سيؤديان إلى تطويرها بشكل أكبر.
4- أنه كلما ازدادت قوة وسائل ثورة الاتصال والمعلومات قل الاهتمام بصحيفة "الرأي" باعتبارها وسيلة تقليدية.
5- أن التقدم التقني أثر ايجابياً في نوع العمل الصحفي في صحيفة "الرأي" وشكله ومضمونه.
مفاهيم الدراسة :
هناك عدة مفاهيم لابد لنا من تعريفها وتحديد معانيها في هذه الدراسة حتى نستطيع أن نحلل ونفهم بدقة تأثير ظاهرة" العولمة" في المؤسسة الصحفية " الرأي". والمفاهيم هي: صحيفة "الرأي"، والعولمة.
أولاً : صحيفة الرأي
هي الصحيفة الأردنية التي أنشأتها عام 1971 الحكومة الأردنية، وهي الوحدة الأساسية التي انبثقت عن المؤسسة الصحفية الأردنية المكونة من عدد من الوحدات الإنتاجية المتكاملة، وهي : الجوردن تايمز (Jordan Times ) التي تأسست عام 1975، والمطابع التجارية التي تأسست، أيضا، عام 1975، ومجلة حاتم "للأطفال"عام 1998، ومركز الدراسات والمعلومات الذي أنشئ عام 1999 ( تقرير مجلس الإدارة السنوي للمؤسسة، 2003: 13). وتعد صحيفة الرأي الأردنية حالياً، سواء من حيث البيع أم من حيث الإعلانات، الأولى في الأردن. وهي صحيفة ما زالت قائمة منذ تأسيسها وإلى الآن، أي لغاية عام 2004.
وتنتمي المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" إلى الصحافة المكتوبة التي عرفها عالم الإعلام الفرنسي بيير ألبير بأنها " إحدى المنتجات الأكثر شيوعاً التي تميز المجتمع الصناعي(...) وأن "تطورها يعد واحداً من أكثر المعايير ذات الدلالة لدرجة التحديث في المجتمع في العالم الثالث"(Albert, 1991: 3).
ثانياً : العولمة
هناك عدة تعريفات لمفهوم العولمة، بيد أننا سنستعرض أهمها التي تشير إلى بعض جوانب التحولات السياسية والاتصالية، وتأثيرها في المجالات الاقتصادية والإعلامية في الساحة الدولية.
فالصحفي الأميركي المعروف توماس فريدمان يعرف العولمة في كتابه " سيارة الليكزيس وشجرة الزيتون( The lexus and olive tree) بأنها " نظام متحرك ومتغير، ويمر في عملية تحول مستمرة. وتشمل هذه العملية، التكامل الاقتصادي، والنمو الحاد للاقتصاد والتكنولوجيا في مرحلة من الصعب تصورها، لدرجة أنها تسمح للشركات أو الأفراد بالوصول إلى العالم بشكل أسرع، وأعمق، وأرخص من ذي قبل"( جمال الشلبي،2001: 536).
أما الكاتب الأميركي الآخر إدوراد هيرمانHerman Edward فيعرفها بأنها" عملية نشطة ومستمرة للتعاون والتطور والتوسع عبر الحدود، وبناء قاعدة قوية خارج الحدود من خلال تسهيلات اقتصادية وقانونية، بحيث تمنح مكاسب اقتصادية وسياسية إضافة إلى كونها تشكل تحدياً للقطرية ومفاهيم الأمن"( جمال الشلبي،2001: 536).
ولكي لا نستطرد في مزيد من التعريفات، سنشير فقط إلى التوجهات المنهجية المحتملة التي أشار إليها المفكر المصري السيد يسين، التي من الضرورة بمكان الأخذ بها عند دراسة العولمة، وهي:
أ- العولمة: باعتبارها مرحلة تاريخية.
ب - العولمة: باعتبارها تجليات لبعض الظواهر الاقتصادية.
ت - العولمة: باعتبارها انتصاراً وتكريساً للقيم الأمريكية.
ج - العولمة: باعتبارها تعبيراً عن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات(جمال الشلبي،2001: 536).
المنهج:
ستعتمد هذه الدراسة على المنهج" المؤسسي القانوني" Legale - Institutional Approach الذي يعد من أهم المناهج التي تدرس البنى المؤسسية واقدمها في العلوم السياسية، وله أنصار في كليات القانون الفرنسية ولا سيما في الدراسات الدستورية( كمال المنوفي، 1985: 11). وينظر هذا المنهج إلى نظام الحكم على أنه "مجموعة مؤسسات تبين نظام الحكم وأساليب ممارسة السلطة وطبيعتها" (كمال المنوفي، 1985: 11). صحيح أنه كان يقصد من خلال هذا المنهج المؤسسات السياسية البحتة،( برلمان، وحكومة، وسلطة قضائية.. وغيرها) بيد أننا نستطيع استخدام المنهج نفسه في دراسة أي مؤسسة لها أثر سياسي مثل " المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" التي تعتبر الناطق شبه الرسمي للحكومة الأردنية، وأداة من أدوات توجيه الرأي العام.
وعلى كل حال، يمكننا أن نعرف المؤسسية السياسية بأنها" إقامة مؤسسات فاعلة وقادرة على اكتساب قدر يعتد به من القيمة والاستقرار، ومن ثم، اكتساب شرعية ذاتية". ويمثل ذلك جوهر عملية بناء الدولة في رأي كثير من علماء السياسية، بل إن أحد الفروق الجوهرية بين المجتمع المتقدم سياسياً والمجتمع المتخلف سياسيا هو أن الأول تحكمه مؤسسات مستقرة في حين أن الثاني يحكمه أشخاص(كمال الموفي، 1985: 17).
ولقياس المستوى المؤسسي للمؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" سنختار المعايير الأربعة التي طرحها عالم السياسة الأميركي صموئيل هنتنغتون (Huntington,1966:12) ونطبقها عليها لمعرفة مدى ملاءمتها وتطبيقها لهذه المعايير، وهي:
أولاً: التكيف Adaption: بمعنى مقدرة المؤسسة على مواجهة التغيرات البيئية الداخلية أو الخارجية منها. ويتمثل التكيف في تغيير الأشخاص والوظائف.
ثانياً: التعقيدComplexity : بمعنى أن يكون للمؤسسة أكثر من وظيفة، وأن تضم عدداً من الوحدات الداخلية، وأن تعكس قدراً لا بأس به من التخصص، فهذا التعقيد ضروي لاستمرار المؤسسة. ولقياس درجة هذا التعقيد يستخدم هنتغتون مؤشرين:
أ- درجة تعدد وحدات المؤسسة وتنوعها.
ب – درجة تعدد وظائف المؤسسة وتنوعها.
ثالثاً: الاستقلالية Autonomy: وتشير إلى مدى حرية المؤسسة في العمل، وهو ما يقاس عن طريق:
أ- الميزانية: هل للمؤسسة ميزانية مستقلة؟ وهل لها حرية التصرف في ميزانيتها؟
أ- شغل المناصب: إلى أي مدى تتمتع المؤسسة باستقلالية في تشغيل أعضائها.
رابعاً: التماسك Coherence: بمعنى درجة الرضى أو الاتفاق بين الأعضاء داخل المؤسسة. ويقاس باستخدام المؤشرات الآتية:
أ- مدى انتماء الأعضاء للمؤسسة.
ب -مدى وجود أجنحة Factions داخل المؤسسة في مناسبات التغير القيادي.
ج- مدى وجود خلافات داخل المؤسسة بوجه عام، وما إذا كانت تتعلق بمبادئ المؤسسة وأهدافها أم بأمور هامشية.
إذن، للإجابة عن الأسئلة التي طرحناها مسبقاً، واعتماداً على "المنهج المؤسسي" فإننا قسمنا هذه الدراسة إلى جزأين: الأول يتطرق إلى نشأة صحيفة الرأي وتطورها، بإلقاء الضوء على الصراع بين "إرادة السلطة" وإرادة "الحرية". أما الجزء الثاني؛ فيتطرق إلى تأثير العولمة في إيجاد البيئة الديموقراطية وما صاحبها من انفتاح سياسي، واقتصادي، وإعلامي أثر بشكل أو بأخر في صحيفة الرأي، إضافة إلى تأثير العولمة التكنولوجية في أداء صحيفة الرأي ومستواها.
I - "الرأي": النشأة والتطور:
لقد مرت الصحافة الأردنية في تطورها التاريخي في ثلاث مراحل هي: أولاً: صحافة الإمارة التي امتدت من عام 1921 ( تاريخ إنشاء الإمارة إلى عام 1946). ثانياً: صحافة المملكة: وامتدت من عام 1946 ( استقلال المملكة) إلى عام 1970. وثالثاً: المرحلة الحديثة التي يمكن تقسميها إلى مرحلتين: الأولى: وامتدت من عام 1970 إلى عام 1989، إذ تميزت الصحافة الأردنية آنذاك بالاستقرار المالي والتقدم الفني. والثانية:جاءت منذ عام 1989 الذي شهد فيه الأردن تحولاً ديموقراطياً وإلى الآن(عصام الموسى، 1998: 79- 143).
وتعد المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" من صحف الجيل الثالث من الصحف الأردنية التي بدأت في بدايات السبعينات من القرن المنصرم، وهي المرحلة التي تتميز عن سابقتها بظهور صحافة مؤسسية( غير شخصية أو عائلية ). ففي هذا الفصل سندرس ونحلل، أولاً، الأسباب التي أدت إلى نشأة المؤسسة الصحفية الأردنية التي انبثق عنها صحيفة "الرأي"، عاملين على إدراجها ضمن تطور الصحافة الأردني بمجملها، ثم نتطرق، ثانياً، إلى سمات العمل الصحفي ومعيقاته، وبخاصة، فيما يتعلق بحرية التعبير والهيمنة الحكومية على الصحافة.
أ - نقطة الانطلاق: بين القطاع العام والخاص:
قد لا نجانب الدقة إذا قلنا إن الظروف والمعطيات السياسية هي التي تحدد طبيعة المؤسسات، وشكلها؛ ودورها في الدولة الأردنية الحديثة، وهذا ما ينطبق، عملياً، على الصحافة الأردنية عموماً وصحيفة "الرأي" الأردنية خصوصاً.
بالعودة قليلا للوراء، نجد اقتران مولد الصحافة الأردنية بنشوء الكيان السياسي لإمارة شرق الأردن في 11 نيسان/ إبريل 1921. وتعتبر "الحق يعلو" أول صحيفة في الأردن، وكان ذلك في مخيم للأمير عبد الله الأول في معان. وبعد إدخال المطبعة عام 1923 صدرت صحيفة " الشرق العربي" وهي صحيفة رسمية كانت تصدر أسبوعيا أو نصف شهرية، وتغير اسم هذه الصحيفة عام 1926 ليصبح " الجريدة الرسمية " لحكومة شرق الأردن، ثم غير هذا الاسم عند الاستقلال إلى" الجريدة الرسمية " للمملكة لأردنية الهاشمية وما زالت تصدر إلى الآن(عصام الموسى، 1997: 261) .
وقد شهد عام 1927 تطوراً حقيقياً في إصدار الصحف عن طريق القطاع الخاص، فصدرت صحف " جزيرة العرب" لحسام الدين الخطيب، "وصدى العرب" لصالح الصمادي، و"الأردن" لخليل نصر التي بقيت تصدر حتى عام 1982، وحاول شاعر الأردن مصطفى وهبي التل إصدار صحيفة " الأنباء" إلا أن العدد الأول صودر من المطبعة. وفي الثلاثينات من القرن العشرين، صدرت صحف ومجلات لم يكتب لها الاستمرار مثل: مجلة "الحكمة"؛ "والميثاق"؛ "والوفاء"؛... وغيرها( عصام الموسى، 1997: 261).
وبعد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار/ مايو 1946، صدرت الصحف الحزبية التالية: مجلة الرائد" لأمين أبو الشعر، وكانت تنطق باسم حزب الشعب الأردني؛ وصحيفة الجهاد عام 1947؛ والنهضة عام 1949، اللتان صدرتا عن حزب النهضة العربية. وبعد نكبة عام 1948، انتقل عدد من الصحفيين الفلسطينيين مع صحفهم إلى الأردن( عصام الموسى، 1997: 265).
أما في فترة المد القومي، وبخاصة الناصري منه، الذي ساد في الشارع العربي في الخمسينات والستينات1، فقد شعرت الحكومة الأردنية آنذاك، برئاسة السيد وصفي التل، بأن الصحافة الأردنية التي كانت تصدر من القدس، وتعود في جذورها إلى الصحافة الفلسطينية2 غير قادرة على التصدي للخط القومي الناصري الذي يستخدم الأثير لبث الدعاية لأيديولوجيته أو ربما أنها كانت مهادنة لذلك الخط. ولهذا أصدرت الحكومة قانوناً جديداً للمطبوعات في عام 1967، بدلاً عن قانون عام1955، كي تستطيع السيطرة بفاعلية على الصحافة غير المنضبطة أو غير الفاعلة.
ولعل من المهم هنا الوقوف قليلاً عند هذا القانون؛ لأنه سيلقى الضوء على أسباب إصدار صحيفة "الرأي" فيما بعد. ولأنه قد غيب صحفاً لها من العمر عشرات السنوات، وولد صحفا ما زالت موجودة منذ ذلك الوقت، وغيرَ في مسألة الملكية، فأجاز للحكومة أن تفرض نفسها شريكة لأصحاب هذه الصحف، أو حتى إصدار صحفها الخاصة بها، وهو أمر كان له تأثيره الواضح في المسيرة الموضوعية والمهنية للصحافة الأردنية.
لقد أصدر رئيس الوزراء آنذاك وصفي التل خلال وزارته الرابعة في 1 شباط/ فبراير عام 1967 قانون المطبوعات والنشر رقم (16) على شكل "قانون مؤقت" بعد أن حل مجلس النواب، ووضع شروطاً مالية ومهنية لإصدار الصحف، لكنها كانت سهلة التحقيق. أما أهم ما ورد فيه؛ فكان مادته الأخيرة رقم(71) التي نصت على أنه" بعد نفاذ هذا القانون تعتبر لاغية جميع الرخص الممنوحة بإصدار مطبوعات صحفية، وعلى الراغبين في إصدار أية مطبوعات صحفية التقدم بطلب الترخيص حسب أحكام هذا القانون"( باسم سكجها، 1998: 44).
وهكذا، دخلت الصحافة الأردنية مرحلة جديدة بصحف جديدة، وأفهمت الصحف اليومية الأربعة الموجودة آنذاك وهي(الدفاع؛ فلسطين؛ الجهاد؛ والمنار) بأن عليها أن تتحاور وتدمج نفسها باثنتين: واحدة في عمان؛ والثانية في القدس. والمفارقة أن وزير الإعلام كان يشارك في المفاوضات بين أصحاب الصحف، ويقرر من يكون رئيس التحرير والمحررين، وانتهت الأمور بتوحيد صحفيتي" فلسطين" و" المنار" تحت اسم "الدستور" على أن تصدر في عمان. وتوحيد " الدفاع" " والجهاد" تحت اسم القدس على أن تصدر في القدس. وأدت هذه السياسة إلى وقف الكثير من الصحف الأسبوعية بسبب رفض إعادة ترخيصها، على الرغم من قلتها آنذاك. ومن المفارقات، أيضاً، قيام الحكومة بتعيين موظفين من دوائر وزارة الإعلام للعمل محررين في الصحيفتين الجديدتين، في حين تم فصل عدد كبير من المحررين الأصليين(باسم سكجها، 1998: 45).
وإذا كنا هنا لا نكتب تأريخا للصحافة، فإن من المهم أن نذكر أنه كان لحرب حزيران/ يونيو عام1967 التي اندلعت بعد نحو أربعة أشهر من نفاذ القانون، وأحداث أيلول عام 1970 التي لحقتها بعد ثلاث سنوات، أثر بارز في ما أتى من تطورات لاحقاً، فالأولى فصلت بشكل شبه نهائي بين الصحافتين الأردنية والفلسطينية، والثانية قدمت القناعة للحكومة الأردنية بإصدار صحيفتها الخاصة"(باسم سكجها، 1998: 45).
فالدستور هي الصحيفة اليومية الوحيدة التي كانت موجودة خلال ا لفترة من عام 1967-1970 على الرغم من صدور صحيفة الدفاع لفترة قصيرة." وفي الوقت الذي اقتربت فيه الأولى من نهج الدولة، دون أن تتعرض للمقاومة الفلسطينية؛ كانت الثانية أقرب الى أفكار التنظيمات. وأسهم ذلك في إقناع حكومة السيد وصفي التل بعد أن استتاب الأمور، بضرورة إصدار صحيفة ناطقة باسم الحكومة" "( باسم سكجها، 1998: 45).
وهكذا، أصدرت الحكومة الأردنية قراراً يحمل الرقم (26) لعام بتاريخ 13 أيار/ مايو عام 1971 يقضي بإنشاء مؤسسة فكرية، وصحيفة حكومية تكون" قادرة على قراءة المتغيرات السياسية" وهي" المؤسسة الصحفية الأردنية" وعين الأستاذ أمين أبو الشعر أول مدير عام لهذه المؤسسة، وكان أول إنتاج لهذه المؤسسة" صحيفة الرأي" بموجب قرار من رئاسة الوزراء في 18 أيار/مايو1971، وصدر منها العدد الأول في 2 حزيران/ يونيو
1971( عبد الله حجازي، 1995: 11).
ويبدو أن الهدف من الإقدام على هذه الخطوة كان إصدار صحيفة "شبه رسمية" تنطق باسم الحكومة مثلما هو الحال في عدد من الدول العربية. ومما ساعد على تحقيق هذا الهدف توافر آلات الطباعة الحديثة، إذ كان السيد سليم الشريف صاحب صحيفة الجهاد قد اشترى في تلك المرحلة آلات طباعة حديثة بكفالة الحكومة عقب حرب حزيران عام 1967 لاستئناف إصدار صحيفة في عمان تحل مكان صحيفته التي كان يصدرها في القدس، وبعد اختفاء هذا الصحفي بطريقة غامضة عام 1970، عمدت الحكومة، بعد أن سوت مسألة الديون واستكملت آلات الطباعة، إلى إنشاء هذه المؤسسة الصحفية ( لقاء مع المدير العام السيد نادر الحوراني:
2004).
لقد أصبحت صحيفة الرأي بعد صدورها ثاني صحيفة رسمية في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية بعد صحيفة الشرق العربي التي صدرت عام 1923. وحمل صدروها أيضاً مفارقة تحمل دلالات هي: " أن نزولها إلى الأسواق سبق عملية الترخيص الرسمي لها ب76 يوماً، فما لزوم ترخيصها ما دامت الحكومة نفسها هي صاحبتها؟"( باسم سكجها، 1998: 45).
وعلى الرغم من تبني الحكومة لهذه المؤسسة الصحيفة منذ ولادتها؛ إلا أن صحيفة "الرأي" المنبثقة عنها فشلت في أن تكون بالمستوى الذي يبحث عنه أصحابها( الحكومة)، ويبدو أن طرحها السياسي والمهني الذي كانت تمثله لم يكن قابلا للبيع، فلم يزد توزيعها الحقيقي على مئات النسخ. وكان على الدولة أن تفكر بأسلوب جديد، وكان الحل المثالي أن تملكها لمقربين لها، يحافظون على خطها السياسي، ويعملون على إنجاحها بمعرفتهم المهنية، وهذا ما لم يحصل إطلاقا.
فسعت الحكومة إلى ترك الصحافة بيد القطاع الخاص( على شرط ألا يحيد عن خط الدولة)، وتحولت المؤسسة من" مؤسسة مساهمة عامة" إلى "مؤسسة مساهمة خاصة"، إذ أجريت هذه العملية بمراحل ابتدأت عام 1973، وانتهت عام 1975. فنقلت ملكية المؤسسة في البداية إلى الاتحاد الوطني العربي( التنظيم السياسي الناطق باسم الدولة آنذاك الذي حاول من خلاله العاهل الأردني إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع الأردني من خلال حشد القوى المؤثرة من الأردنيين من غربي نهر الأردن وشرقه)، وجاء هذا النقل بعد إلغاء مجلس الوزراء لقانون المؤسسة رقم ( 26) بموجب القانون المؤقت رقم (45) لعام 1973، ثم تلاه القانون المؤقت رقم( 5) لعام 1974 والقاضي بتحويل المؤسسة إلى شركة مساهمة خاصة( وفيها تملك الحكومة 40% من الأسهم، أما ال60% المتبقية من الأسهم فطرحت للقطاع الخاص) وانتهت العملية في 1 أيلول/ سبتمبر 1975 بعد أن تم بيع الحصة الكاملة العائدة للحكومة، وأصبحت ملكيتها تعود إلى مجموعة خاصة صغيرة من الأشخاص3. وبتاريخ 2 كانون الأول/ يناير عام 1977تم تسجيل الشركة تحت رقم 442 برأسمال قدره 100 ألف دينار، وأصبح السيد جمعة حماد مديراً عاما لها( عبد الله حجازي، 1995: 12).
إن نجاح الصحيفة لا يكون بتطابق وجهة النظر مع الحكومة، وهذا ما عرفه أصحاب الرأي" الجدد"، وما نفذوه بدقة، الأمر الذي زاد من نسبة مبيعات هذه الصحيفة، لكنه زاد في الوقت نفسه من نقمة الدولة أيضاً، فعرفت التعطيل والتوبيخ، وكادت في بعض المراحل أن تعود إلى صيغتها التأسيسية حيث كانت الملكية الكاملة للدولة( باسم سكجها، 1998: 46).
واستمر هذا الوضع إلى ما هو عليه من عام 1977 حتى عام 1986 حيث تحولت الشركة، مرة أخرى،من "شركة مساهمة خاصة" إلى "شركة مساهمة عامة" بعد أن قررت الحكومة الأردنية توسيع قاعدة الملكية في الصحف اليومية بتحويل الرأي( والدستور كذلك)من شركات مساهمة "خاصة" إلى شركات مساهمة "عامة". وبموجب هذا القرار، تم توزيع ملكية الصحف على النحو التالي : المالكون القدامى 35%؛ والمساهمون بالاكتتاب العام25%؛ وصناديق الدولة 15 %؛ وشركات ومؤسسات عامة 20%؛ والعاملون في الصحيفة 5%؛ وتم طرح الأسهم لكل شركة من هاتين الشركتين للاكتتاب العام( عصام الموسى، 1997: 270). وسجلت الرأي لدى مراقب الشركات تحت رقم م ش1/196 عام 1986.
وهكذا، "وبعد طول مخاض أخذت، كما يقول د. عصام الموسى أستاذ الاتصال والصحافة في جامعة اليرموك، تتضح ملامح الشكل النهائي للصحافة الأردنية الحديثة. وقد مثلت صحيفتا الرأي والدستور الخط السائد الذي أثبت نجاحه في تجربة الصحافة الأردنية منذ نشأتها والى الآن ( عصام الموسى،1997: 271). وأصبح المستوى الذي بلغته هاتان الصحيفتان يشكل المعيار المقبول للعمل الصحفي في الأردن إلى حد ما، على الرغم من حالة ( اللااستقرار) التي كانت تعيشها في الانتقال من العام إلى الخاص وبالعكس، تحت تأثير السلطة السياسية القائمة كما يظهر الجدول الآتي 4 :
التاريخ الطبيعة القانونية
رئيس
مجلس
الإدارة المدير العام رئيس التحرير الحكومة ملاحظات
13/5/1971 صحيفة حكومة _______ أمين أبو الشعر
_______ وصفي التل
2/6/1971 =====
_______
نزار الرافعي
نزار الرافعي
=====
12/6/1972 ===== _______
ملحم التل
ملحم التل =====
1/2/1973 صحيفة حزبية
_______ سليمان عرار سليمان عرار
===== صحيفة حزب الحكومة "الاتحاد الوطني العربي"
1/9/1975 شركة مساهمة خصوصية _______ جمعة حماد سليمان عرار زيد الرفاعي
18/7/1976
====
_______
====
محمود الكايد مضر بدران تغير رئيس التحرير بعد ضم السيد عرار لحكومة بدران
1/1/1986 شركة مساهمة عامة محمود الكايد محمد العمد ===== زيد الرفاعي بعد أن أصبحت المؤسسة شركة مساهمة تم تشكيل إدارة يمثل أصحاب الأموال، وقد اختير السيد محمود الكايد رئيسا لمجلس الإدارة.
24/8/1988 =====
خليل السالم راضي الوقفي راكان المجالي زيد الرفاعي حلت مجالس إدارات الصحف الأردنية بأمر من لجنة الأمن الاقتصادي، وتم تعيين رئيسا لمجلس الإدارة من قبل الحكومة
11/12/1989 ===== محمود الكايد محمد العمد محمود الكايد مضر بدران تم إلغاء قرار لجنة الأمن الاقتصادي من قبل اللجنة نفسها بعد تغير حكومة زيد الرفاعي على أن تجرى انتخابات للإدارة خلال شهر
10/1/1990
===== محمود الكايد ===== محمود الكايد مضر بدران انتخبت الهيئة
عامة للشركة مجلسها الثاني الذي ترأسه مرة أخرى السيد محمود الكايد
1/4/1994 ===== محمود الكايد ====== سليمان القضاة عبد السلام المجالي انتخبت هيئة الشركة السيد محمود الكايد رئيسا لمجلس الإدارة.
16/4/ 1998 =====
عبد السلام الطروانة ===== =====
=====
22/4/ 1999
===== د. خالد الكركي ===== ===== عبد الرؤوف الروابدة
22/7/ 2000
=====
محمد العمد ( بالوكالة)
===== =====
على أبو الراغب
17/12/2000 ===== د. خالد الكركي
=====
===== على أبو الراغب
4/5/ 2001 ===== احمد عبد الفتاح
===== =====
=====
18/6/ 2001 ===== ===== نادر حوراني ===== =====
2/7/ 2001 ===== ===== ===== جورج حواتمة =====
13/4/ 2004
=====
د. خالد الوزني ===== عبد الوهاب الزغيلات فيصل الفايز
ب - الصراع بين إرادة "السلطة" وإرادة "الحرية":
على الرغم من أن نشأة صحيفة الرأي كانت في الأساس نابعة من إرادة الحكومة لكي تكون الناطق باسمها، وعلى الرغم من الصورة المتمثلة بأن "الرأي" هي "صحافة السلطة" الحكومة، إلا أن المتتبع لتطورها التاريخي والمهني سيجد بأن هذه الصورة غير دقيقة، بل وقد تكون غير صحيحة تماماً.
فالسؤال الذي لا بد من طرحه هنا: هل استطاعت صحيفة الرأي التي كانت تحاول منذ انطلاقها أن تكون "صحيفة دولة" وليس "صحيفة حكومة"، أي صحيفة وطن وشعب، وصحيفة معارضة كما هي صحيفة حكومة، أن تنجح في هذه المهمة؟ وهل استطاعت أن تقاوم محاولات الهيمنة عليها من جانب الحكومات الأردنية المتعاقبة أو على الأقل الحد من اندفاعها؟
يمكننا الإجابة عن هذا السؤال الجوهري بالقول إن الحكومات الأردنية المتعاقبة في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم حاولت سلوك طريقين للهيمنة على المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" والسيطرة عليها: الأول؛ محاولة إعاقاتها عبر الإغلاق المتكرر، وعدم فسح مجال الحرية أمامها، كي تؤدي دورها في التوعية والنقد وفتح آفاق للحوار الحر. وثانيا؛ عبر اتخاذ قرارات سلطوية فوقية – من الأعلى – كي تستطيع أن تهيمن عليها بشكل أو بأخر.
الأسلوب الأول: فبعد فشل صحيفة الرأي في أن تكون بيد الحكومة عندما أنشئت عام 1971، وبعد فشلها في أن تكون لسان حال الاتحاد الوطني العربي- حزب الدولة- عام 1972، وبعد انتقالها إلى القطاع العام 1975 بدأت الصحيفة الوليدة تواجه عدداً من العراقيل والصعوبات كادت أن تنهيها.إذ فقد تم توقيف هذا الصحيفة عن الصدور لمدة 6 مرات من جانب الحاكم العسكري، رئيس الوزراء( مقابلة مع طارق مصاروة، صحيفة الرأي، 1982).
و لا بد لنا من التطرق قليلاً إلى هذه التوقفات الستة لكي ندرك مدى الصعوبات والعراقيل التي كان من الواجب على صحيفة "الرأي" تجاوزها لتكملة مسيرتها الصحفية، وهي:
التوقف الأول: تم تعطيل صحيفة الرأي بأمر من الحاكم العسكري، رئيس الوزراء السيد زيد الرفاعي في 11 حزيران/ يونيو عام 1976 عشرة أيام لنشرها( بعدما كان التعطيل شهراً كاملاً) بياناً عن أحداث لبنان، أصدره بعض رؤساء النقابات والشخصيات المهنية الأردنية وأيدوا فيه المساعي العربية لوقف الاقتتال في لبنان( شفيق عبيدات، 2003: 155).
وكانت صحيفة "الرأي" قد نشرت في 9 حزيران / يونيو عام 1976 الخبر التالي:" انطلاقاً من واجبنا الوطني، وحرصاً على المصلحة العربية العليا بتوفير التضامن العربي، فإننا نؤيد مؤتمر وزراء الخارجية العرب وضرورة وقف النزيف المتفجر في لبنان حاليا، وتمكين المقاومة الفلسطينية من التفرغ لتأدية واجبها في التحرير"( صحيفة الرأي، 1976).
التوقف الثاني: وهو الذي تعطلت فيه صحيفة "الرأي" بأمر من الحاكم العسكري رئيس الوزراء السيد مضر بدران في 22 آب/ أغسطس 1977 لمدة ثلاثة أيام لنشرها خبراً يتعلق بتعديل قانون التقاعد العسكري(شفيق عبيدات، 2003 : 155)، إذ نشرت في 20 آب / أغسطس 1977 الخبر التالي:" علمت الرأي أنه تم وضع اللمسات الأخيرة على تعديلات قانون التقاعد العسكري الذي بموجبه تصبح مدة الخدمة القابلة للتقاعد عشرين سنة بدلا من ست عشرة سنة"( صحيفة الرأي، 1977).
التوقف الثالث: وفيه تعطلت صحيفة الرأي في عهد السيد مضر بدران في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1978 لمدة ثلاثة أيام لنشرها خبرا يتعلق بزيادة رواتب الموظفين والقوات المسلحة والأمن العام( عبد الله حجازي، 1995: 90). وكانت صيغة الخبر الذي نشر في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1978 بالشكل التالي: " تستطيع أن تؤكد الرأي استنادا إلى مصادر واسعة الاطلاع زيادة رواتب الموظفين والقوات المسلحة والأمن العام وبالنسبة لمقدار الزيادة فلم تحدد بعد ولكنها مجزية"( صحيفة الرأي، 1978).
التوقف الرابع : وتعطلت فيه الرأي بأمر من رئيس الوزراء السيد مضر بدران في 5 آب/ أغسطس عام 1979 لمدة أسبوعين بقرار من مجلس الوزراء لنشرها عرضاً في 4 آب/ أغسطس لكتاب إسرائيلي جديد عن رحلة السادات الأولى لإسرائيل، وعادت الرأي للصدور في 20 أب/ أيلول 1979 ( عبد الله حجازي، 1995: 91).
التوقف الخامس: وتم تعطيل الرأي بأمر من رئيس الوزراء السيد مضر بدران في 27 أيار/ مايو عام 1981 لمدة ثلاثة أيام لنشرها خبراً عن اقتراحات كويتية وسعودية لحل جهاز مجلس الوحدة الاقتصادية( عبد الله حجازي، 1995: 91). وكانت صيغة الخبر الذي نشر في 23 أيار/ مايو بالشكل التالي:" علمت الرأي من أوساط موظفي مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بعمان أن هناك اقتراحات كويتية وسعودية سيتم تقديمها إلى مؤتمر القمة العربية القادم في المغرب لحل جهاز المجلس الموجود في عمان أو نقله إلى تونس مقر الجامعة العربية ذاتها، باعتبار أنه لا يؤدي غرضاً ضرورياً وينتظر أن تقوم الحكومة لأردنية باعتبارها البلد المضيف لمقر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بمحاولة فعالة لاحتواء هذه المقترحات وعدم تقديمها"
( صحيفة الرأي، 1981).
وعلى الرغم من أن "الرأي" نشرت خبراً في 24 أيار/ مايو نفت ما كانت قد نشرته سابقا، إضافة إلى نشر خبر آخر يؤكد فيه السيد فخري قدوري، أمين المجلس الاقتصادي، بقاء المجلس في الأردن إلا أن الحاكم العسكري أصر على أن الخبر ضار "بالسلامة العامة" (عبد الله حجازي، 1995: 93).
التوقف السادس: وهنا جاء التوقيف بعد انتهاء مدته، فبعد صدورها في 30 أيار/ مايو عام 1981 تعطلت الصحيفة مرة أخرى في 1 حزيران/ يونيو عام 1981 لمدة عشرة أيام أخرى بقرار من رئيس الوزراء مضر بدران؛ لأنها نشرت مقالاً للسيد محمود الكايد، رئيس التحرير آنذاك، بعنوان " لماذا غابت الرأي؟" اتهم فيه وزارة الإعلام "بالمزاجية وتصيد الأخطاء والاستعلائية". وبأن " وزارة الإعلام عندنا كأنها تخصصت في نصب الفخاخ للصحافة، والانتقاص من جهدها والنيل من العاملين فيها"( عصام الموسى، 1997: 271). ثم طرح كاتب العمود اليومي المعروف طارق مصاروة في مقالته المعنونة " على هامش تعطيل الرأي" بتاريخ 30 أيار/ مايو عدة تساؤلات منها "هل تستحق الرأي الإغلاق ثلاثة أيام لخطأ في تقييم الخبر؟". وأضاف قائلاً : " ترى لو كنا سنطبق القاعدة على دوائرنا ومؤسساتنا ووزارتنا فكم يوما سنغلقها؟" إلى أن يقول مصاروة: " في الأساس عقاب الصحيفة هو عقاب للفكر، ولا نظن أحداً في هذا البلد يؤمن بالعقاب الجماعي"(صحيفة الرأي، 1981).
وقد أدت هذه التعليقات إلى تعطيل الصحيفة 10 أيام أخرى" لأنها ماسة "بالسلامة العامة" يقصد " المصلحة العامة"!!
وتبرز الأمثلة السابقة أنه كان هناك حساسية مفرطة من جانب السلطة تجاه ما تكتبه الرأي، مما يعنى أهمية هذه الصحيفة بوصفها منبراً للتأثير في الرأي العام وتوجيهه. كما يمكن ملاحظة أن معظم التوقيفات للرأي كانت تتم لأسباب تتعلق بأخبار عربية – عربية مثل: " الحرب اللبنانية"؛ والعلاقة الأردنية- الكويتية- السعودية، أو بأخبار تتعلق بالأمن والجيش، حتى وإن كانت أخباراً اقتصادية، ومن الممكن تبرير هذا الموقف بأنه يدخل ضمن منطق الصراع العربي- الإسرائيلي الذي كان سائدا في تلك الحقبة.
كما وتبرز الأمثلة السابقة عدم استسلام صحيفة "الرأي" لهذه الأساليب القمعية غير الديموقراطية،عبر استمرارها في إبداء رأيها دون أن تخشى من الإغلاق المستمر، وهذا يدل على وجود رغبة ( على الأقل لدى بعض المسؤولين مثل السيد محمود الكايد رئيس التحرير لمرات عديدة) بأداء دورهم بوصفه سلطة رابعة" (Albert,1991:25) في مراقبة أعمال الحكومة، وفضح تجاوزاتها، وإتاحة الفرصة للشرائح الاجتماعية المختلفة في التعبير عن رأيها، وتوسيع دائرة الحوار والنقاش الاجتماعي والسياسي، على الرغم من الثمن الباهظ الذي كانت تدفعه الصحيفة.
الأسلوب الثاني : وعلى الرغم من أن صحيفة "الرأي"، وصحيفة الدستور أيضاً، من الصحف "الموالية" Loyalist للحكومة، حسب رأي روو( وليم روو، 1991 : 113) ،فإن هذا لم يمنع الحكومة من إغلاقها والتهديد بسحب رخصتها، وتعطيلها مما يعطي فكرة واضحة عن سلطوية الأحكام العرفية وقانون المطبوعات والنشر الصادر عام 1973 من ناحية( عصام الموسى، 1997: 150)، وعن قدرة الصحيفة على التحدي، وعن قدراتها المادية والمعنوية على المقاومة وعدم الانهزام من جهة أخرى. كما خدا عجز الحكومة عن "تدجين" الرأي في فترات السبعينات إلى انتهاجها في مرحلة الثمانينات أسلوباً آخر للتعامل مع هذه الصحيفة، يقوم على اتخاذ قرارات حكومية "من أعلى" وإجبار الصحف ومن بينها الرأي على احترامها، وبخاصة أن أحكام وقوانين الطوارئ المعمول بها منذ عام 1967 ما زالت قائمة، وتعطى لرئيس مجلس الوزراء ( الحاكم العسكري) مطلق الحريات لاتخاذ ما يراه مناسباً في سبيل المصلحة العامة، والسلامة العامة، والأمن القومي.
فما هي القرارات التي اتخذت في فترة الثمانينات التي كان لها أثر في عدم استقرار صحيفة الرأي أو، على الأقل، عدم تقدمها بالشكل المطلوب واللائق؟
لقد أقدمت الحكومات المتعاقبة على اتخاذ عدد من الخطوات والقرارات في منتصف الثمانينات كان لها الأثر في تطور العمل الصحفي بشكل عام، وصحيفة الرأي بشكل خاص:
الخطوة الأولى: أصدرت فيها تعليمات في عهد السيد زيد الرفاعي عام 1985 تم بموجبها تحديد نشر إعلانات النعي والتهنئة في الصحف اليومية، وبموجب هذه التعليمات، اقتصر نشر النعي على ذوي المتوفى. كما تم منع نشر جميع أشكال التهاني للجهات المسؤولة والأشخاص المسؤولين على الصفحة الأولى، إلا ما يتصل منها بمناسبة قومية أو دينية أو وطنية( شفيق عبيدات، 2003: 157). وهو يعني خسران الصحيفة لمورد مهم من الإعلانات التي تدر دخلاً لا بأس به.
الخطوة الثانية: أصدرت فيها حكومة السيد زيد الرفاعي، أيضاً، قراراً عام 1986 عملت بموجبه على تحويل المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي"، والشركة الأردنية للصحافة والنشر "الدستور" إلى مؤسستين عامتين( شفيق عبيدات، 2003: 157). ويعتقد أن هذا القرار اتخذ للحد من استقلالهما باعتبارهما مؤسسات خاصة وناجحة اقتصادياً، مما يؤكد أهمية تأثير المؤسسات الصحفية الأردنية، ومتانة قاعدتها الاقتصادية واستقلالها المالي، واعتمادها الكلي على الإعلانات والمبيعات وليس على الدعم الحكومي، ورغبتها في التعبير عن الأحداث السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية بمنأى عن هيمنة الحكومات. وإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسات الإحصائية إلى أن عدد قارئي الصحف اليومية في الأردن في الثمانينات قدر بنحو 650 ألف شخص يوميا(صحيفة الدستور، 13 أيار/ مايو1986).
الخطوة الثالثة: وفيها وافقت حكومة السيد زيد الرفاعي في مطلع شهر شباط/ فبراير عام 1987؛ بحجة ارتفاع أسعار الورق عالمياً ومواد طبعه، على رفع أسعار الصحف اليومية: فأصبحت 75 فلساً للنسخة الواحدة بدلا من 50 فلساً في السابق. وما يجدر ملاحظته هنا أن صفحات الصحف الأردنية لم تكن تقل في تلك الأيام عن 20 صفحة ووصلت أحياناً إلى 30 صفحة، أما توزيعها؛ فاقترب بمجملها من 200 ألف نسخة يومياً. وكانت "الرأي" الأكثر انتشاراً، تليها "الدستور"، ف "صوت الشعب"( عصام الموسى، 1998: 152).
الخطوة الرابعة: (وهي خطوة إيجابية إلى حد ما) وفيها وافق مجلس الأمة عام 1988 على إضافة تعديل على المادة( 16) من قانون المطبوعات والنشر المؤقت رقم 2 لعام 1973 الذي نص على رفع الحصانة عن قرار مجلس الوزراء المتعلق بإلغاء امتياز المطبوعة الصحفية أو سحبه، الأمر الذي يتيح مقاضاة الحكومة إذا ما أقدمت على هذين الإجراءين( لقاء مع المدير العام السيد نادر الحوراني، 2004).
وفي 24 آب/ أغسطس عام 1988 أقدمت الحكومة من خلال " لجنة الأمن الاقتصادي" المنبثقة عن تعليمات الإدارة العرفية رقم 2 لعام 1967 المعمول بها منذ ذاك التاريخ، التي تمنح رئيس الوزراء صلاحية الحاكم العسكري، على توجيه ضربة قوية للملكية الخاصة للصحف. إذ حلت هذه اللجنة مجالس إدارة الشركات الصحفية الثلاث: الرأي؛ الدستور؛ وصوت الشعب، فأقصت مجلس الإدارة المنتخب ممثلاً بالسيد محمود الكايد، رئيس التحرير، والسيد محمد العمد، مدير المؤسسة العام. وعينت لجان إدارة مؤقتة لمدة سنتين لإدارة هذه الصحف. كما اتخذت اللجنة قراراً بتعيين مديرين عاميين للصحف ورؤساء تحرير لها، وعملت اللجنة أيضاً على تقليص ملكية أصحاب الصحف الأصليين إلى 5% من الرأس المال الكلي. وفي مرحلة المجالس المؤقتة؛ تم بيع أسهم المالكين القدامى لشركات استثمار حكومية( المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي) في 3 نيسان / إبريل عام 1989 بنسبة 45.9% من رأس المال، وبذلك أصبح القطاع العام يمتلك نسبة عالية من الأسهم في هذه الصحف مما يعني سيطرته عليها(عبد الله حجازي، 1995: 12).
الخطوة الخامسة: ومع مجيء حكومة جديدة برئاسة السيد مضر بدران عادت" لجنة الأمن الاقتصادي" في 11 كانون الأول/ ديسمبر عام 1989عن قراراتها السابقة، وأعادت مجالس الإدارات السابقة للمؤسسات الثلاث، وعلى رأسها صحيفة "الرأي"، لكن الملكية الصحفية لم تتأثر بهذا الإجراء. وتمت انتخابات مجلس الإدارة في 10 كانون الأول / يناير عام1990، وعين الأستاذ محمد العمد، مديراً عاماً للمؤسسة، وتم بعدها رفع قيمة رأسمال المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" إلى مليوني دينار أردني( عبد الله حجازي، 1995: 12).
ويمكن اعتبار هذه الخطوة الأخيرة على أنها جاءت نتيجة طبيعية للانفراج الديموقراطي الذي ساد البلاد منذ عام 1989، وهو ما سندرسه في الفصل الثاني، إذ سنتعرف على تطور المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" في عصر الانفتاح الديموقراطي وما صاحبه من تطور تكنولوجي في ظل ثورة المعلومات في مرحلة ما يسمى "بالعولمة".
II - "الرأي" بين الديموقراطية والتكنولوجيا:
لقد أثرت العلاقة الجدلية بين التطور السياسي (التحول الديموقراطي) والتقدم التكنولوجي في ظل العولمة، بشكل أو بأخر،في تطور الصحافة الأردنية عموماً والمؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" خصوصاً. فقد شكل هذان العاملان( الديموقراطي؛ والتقنية) الإطار والبيئة التي عملت بها هذه الصحيفة منذ الثمانينات من القرن المنصرم وإلى اليوم.
لقد شهد عقد الثمانينات من القرن الماضي تطوراً ليس على المستوى السياسي فقط المتمثل في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وجدار برلين عام 1989 بل ومن ناحية تطور تكنولوجيا الاتصال. وجاءت هذه المرحلة باكتشافات تكنولوجية واتصالية جديدة بدأت بالحاسوب المنزلي PC الذي تم ربطه بأدوات الاتصال الأخرى مثل الهاتف؛ والأقمار الصناعية؛ والراديو؛ والتلفاز، مما قاد إلى ظهور شبكة الاتصال العنكبوتية الدولية WWW. وهو الأمر الذي يحتم ضرورة دراسة ما سوف تحدثه هذه التكنولوجيا من قيم سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وأخلاقية، وكذلك دراسة أثرها في النظم والمؤسسات القائمة؛ لأن هذه التكنولوجيا سوف تخلق مؤسسات جديدة تنظمها قوانين وعادات جديدة(مي سنو، 2001: 23). لقد أرغمت هذه التكنولوجيا وما أفرزته من ثورة المعلومات بعض البلدان العربية، ومن بينها الأردن، على القيام بعملية " تحرير" لوسائل الإعلام" فيها، وتبدى ذلك في أبلغ تعبير حينما قام مراقب المطبوعات الأردني بإلقاء مقصه جانباً، معلناً بأن الصحف القادمة من الخارج يمكن أن تباع في السوق" من المطار إلى السوق". ومن الواضح أن مراقب المطبوعات "الجليل" قد اتخذ قراره بعد أن أدرك أنه صار من السهل إن يطالع الإنسان أي خبر( محظور) نشره، أو جرى قصه من قبل هذا الـرقيب على شبكـة الإنترنت، أو المحطـات الفضائية، مثل الجزيرة مثلاً( عصام الموسى، 2002: 14).
وسنتطرق، أولاً، في الصفحات التالية إلى التطور الذي شهدته المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" في ظل التحول الديموقراطي، سواء أكان إيجاباً أم سلبا، ثم نتطرق، ثانياً، إلى التطور التقني الذي حدث في أدائها.
1 - التطور الصحفي في ظل الديموقراطية:
يمكن القول إنه لولا التغيرات السياسية التي مر بها الأردن عام 1989 لما كان بالإمكان حدوث هذا الاستيعاب السريع والنشط لثورة المعلومات التي شهدها العالم منذ نهاية الثمانينات وعقد التسعينات من القرن الماضي، إذ أسهم التحول الديموقراطي- بشكل واسع- في تغيير العقلية العامة والتصور الرسمي للطريقة التي ينبغي التعامل فيها مع هذه الثورة وأدواتها. "وقد استغل الناشرون الأردنيون بشكل جيد الفرص التي توفرها ثورة المعلومات، حيث تنشر معظم الصحف الأردنية طبعـات إلكترونيـة يقرأهـا مئـات الألوف يومياً في أنحاء العالم"(أسامة الشريف، 1998: 44).
والمؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" ليست بعيدة عن الواقع الجديد الذي عرفه الأردن( Al-Shalabi, & Hayjneeh, 2005)). فحاولت، وما زالت، القيام بدور فاعل في مجتمعها وبيئتها التي تنبثق منها عبر إدخال مقتنيات التكنولوجيا الحديثة في عملها مثل: أنظمة الصف الضوئي؛ واستخدام الطباعة الملونة؛ وأجهزة فرز الألوان الإلكترونية الحديثة، بالإضافة إلى مشاركتها مع غيرها في الثورة المعلوماتية من خلال صحيفتين إلكترونيتين على الشبكة الإلكترونية، لاسيما في مرحلة التحول الديموقراطي التي ابتدأت في بداية التسعينات من القرن الماضي، وهو المفهوم الذي يعرف على أنه " حركة النظام السياسي تجاه الأخذ بالإجراءات الآتية:نواب منتخبون؛ وانتخابات حرة ونزيهة؛ وحق تولي المناصب العامة؛ والوصول للسلطة؛ وحرية التعبير؛ وتوافر مصادر المعلومات المدعومة قانونياً؛ واستقلالية مؤسسية
(Solingen, 1996 : 140)( Jagger, 1995 : 474).
ويلاحظ أيضا على هذا التعريف انه قد أعطى " حرية التعبير"، وتوافر مصادر المعلومات" اهتماماً واضحاً مما يدل على أهمية حرية الصحافة بوصفها مؤشراً على هذا التحول الديموقراطي. وبناء عليه، سنحاول الإجابة عن السؤال الجوهري التالي: ما هي السمات العامة للعمل الصحفي في الصحافة الأردنية عموماً و المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" خصوصاً في ظل التحول الديموقراطي ؟
ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال- على ما يبدو- إلا بالنظر إلى بعدين متكاملين هما: الإطار القانوني؛ والسلوك المهني، لا سيما أن "ما يميز صحافة أخرى هو الظروف التي تمارس فيها كل أنواع الحريات والتفكير، منذ تشكل هذه الحرية حتى التعبير عنها"(Balle, 1984: 189).
أ – الإطار القانوني
يعتبر الدستور الأردني لعام 1952، وقانون المطبوعات والنشر لعام 1993، وقانون نقابة الصحفيين لعام 1983، وقانون العقوبات لعام 1960 أهم النصوص الأساسية التي تحكم مهنة الصحافة الأردنية، ومنها صحيفة "الرأي" في ظل بداية التحول الديموقراطي( جمال الشلبي، 2000: 40). لذلك، واكبت المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" التحول الديموقراطي شأنها في ذلك شأن بقية الصحف والمجلات الأردنية الأخرى التي ازداد عددها من 8 صحف عام 1988 إلى 48 عام 1996 على سبيل المثال( جمال الشلبي، 2000: 55). وهذا يعتبر انعكاساً مباشراً لقانون المطبوعات والنشر الذي صدر عام 1993 5، ويعد من أكثر قوانين المطبوعات والنشر مرونة وتطوراً، لاسيما، أنه أعاد تأكيد ما أقره الدستور الأردني لعام 1952 في مادته (3) من أن " الصحافة والطباعة حرتان "، كما أن المادة (4) منه جاءت لتؤكد الحرية الصحفية، فنصت على أنه " تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات، وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون" ( أحمد القضاة، 1998: 201). من هنا، ينحصر دور صحيفة "الرأي " كما يقول رئيس تحريرها الأسبق السيد سليمان القضاة، بهدفين هما :
أولاً : "رؤية فلسفية" يمكن إجمالها بالنقاط التالية:
1- المساهمة في التنمية السياسية في المجتمع الأردني.
2- نقل آراء المواطنين وهمومهم إلى مراكز صنع القرار.
3- نقل آراء المسؤولين وصانعي القرار إلى المواطنين.
4- إبراز القضايا القومية.
5- الاستفادة من التوجه نحو الديموقراطية. وهذا يعني أنه" على مدى تاريخ صحيفة الرأي وهي تساهم في تبني النهج الديموقراطي وتعزيزه، ففي عهد الأحكام العرفية، كانت الرأي تمارس الديموقراطية، وقد تم إغلاقها 6 مرات، وسحب الامتياز منها مرة واحدة.
ثانياً : "دور اتصالي وإعلامي" : ويتمثل في جانبين:
1- اطلاع الأردني والعربي على القضايا السياسية الإقليمية والعالمية.
2- التغطية الصحفية المباشرة للحدث، وذلك من خلال شبكة المراسلين الموجودين لها في العواصم المهمة في العالم ( واشنطن، وباريس، ولندن،... وغيرها)"( لقاء مع رئيس التحرير الأسبق السيد سليمان القضاة، 2004).
وهكذا، يبدو أن الصحافة الأردنية ممثلة بالرأي تحاول أن تطبق نظرية"حق الجمهور في المعلومات"، "ونظرية المسؤولية الاجتماعية"في الإعلام(Balle,1984:190). وهي النظرية ، بالنسبة لبعض الباحثين العرب، "الأكثر قربا وتواءماً للتطبيق في العالم العربي والعالم الثالث عموماً؛ لأن الحكومات في هذه الدول، بحكم قوتها، تعد الجهة القادرة على حماية المجتمع من طغيان بعض الأفراد، وكذلك حماية الأفراد من طغيان المجتمع. فوسائل الاتصال التي منها الصحافة في العالم العربي والعالم الثالث عليها واجب ومسوؤلية إزاء تحقيق الأهداف القومية، وعلى رأسها الديموقراطية، والاستقرار، واحترام حقوق الإنسان"، ولا يعني ذلك أن تتحكم الدولة في وسائل الاتصال سواء أكانت مملوكة للدولة أم للأفراد أم للجماعات( إبراهيم بسيوني، 1993: 172).
وعلى الرغم من التحول الديموقراطي الذي شهدته الصحافة الأردنية منذ عام 1989، الا أن تأثير الماضي "غير الديموقراطي" ما زال حياً في مؤسسات الدولة، ومن ذلك وجود تقليد في الميل المفرط إلى السرية التامة في جهاز الدولة. ويتبلور هذا الأمر بالقانون الذي يطلق عليه اسم" قانون أسرار الدولة والوثائق المصنفة" الذي يصنف كل الوثائق الصادرة من أي وزارة إلى أربعة أقسام: معلومات عادية؛ ومحصورة؛ وسرية؛ وسرية جداً"(Said,1994:14). ويلاحظ ،هنا، أن" الوثائق العادية" التي تحتل الدرجة الأقل أهمية من ناحية السرية، لا يجوز إعطاؤها لشخص ليست له علاقة بمحتواها. ولتوضيح هذه الصورة أكثر نقتبس رأي مدير تحرير سابق للجوردان تايمز( Jordan Times ) الراحل عبد الله حسنات الذي قال إنه " لا يوجد في الأردن أحد برتبة تقل عن وزير يسمح له بإعطاء معلومات عن الأعمال العادية للحكومة، ويصدر كل وزير تعليمات مشددة لكل قسم في وزاراته بعدم إعطاء معلومات للصحفيين"( Said, 1994: 14).
ونتيجة منطقية للعقلية التي تتعامل مع المعلومات والأخبار بمنطق السرية دائماً وفي كل الظروف، فمن الطبيعي أن ينظر إلى الصحافة والصحفيين بنوع من الريبة والشك، مما يؤدي إلى تراجع مستوى الصحافة، ودورها الذي تحاول أن تؤديه صحيفة "الرأي" والصحف الأخرى لعدم إمكانية الحصول على المعلومات الرسمية بشكل طبيعي وقانوني.
ولكي لا تقع الصحف الأردنية في "خطأ" لا تحمد عقباه، فإنها تستقي أخبارها ومعلوماتها، كما يقول رئيس تحرير صحيفة الرأي الأسبق السيد القضاة، بالأساليب التقليدية المعروفة عبر مرحلتين:
1- "جمع المعلومات عن طريق: " الصحفيين؛ المراسلين؛ ووكالات الأنباء؛...وغيرها.
2- إعادة كتابة الخبر وصياغته: وتتم هذه المرحلة وفق ثلاثة أمور هي: اختيار الخبر؛ وتحريره؛ وتقديمه."( لقاء مع رئيس التحرير الأسبق السيد سليمان القضاة، 2004).
ومن قواعد الكتابة في صحيفة الرأي، كما يقول السيد القضاة،" أن يؤخذ الخبر في البداية على أنه حقائق مجردة بعيدة عن الانطباعات الشخصية، ثم يأتي المزج بين الحقائق والرأي الشخصي للمحرر، فالرأي الشخصي أساسي في كتابة الخبر واختياره. فنحن لا نتعامل مع معادلات فيزيائية، بل مع معادلات اجتماعية وإنسانية، ولا يمكن تحييد الرأي الشخصي حتى في اختيار الأخبار. إضافة إلى ذلك، توجد هناك أمور يجب مراعاتها عند اختيار الخبر وكتابته: سياسة الدولة؛ وقراء الصحيفة؛ والعامل الزمني؛ وأهمية الخبر؛ والابتعاد عن المصلحة الشخصية للصحفي"( لقاء مع رئيس التحرير الأسبق السيد سليمان القضاة، 2004).
قد تكون آلية العمل في صحيفة "الرأي"، التي طرحها السيد القضاة، غريبة بعض الشيء عن المهنية الصحفية ، بيد أن من يقرأ كتاب "الصحافة" La presseلعالم الاتصال والإعلام الفرنسي السيد بيير البير، سيجد رؤية مشابهة تماماً للسيد القضاة تنطبق على كل أساليب العمل الصحفي في العالم الغربي والعالم الثالث، إذ يقول:" إن الصحفي لا يمكنه أن يكون موضوعياً، ليس لأن مفهوم الحقيقة مفهوم نسبي فقط، بل لأن اختيار الأخبار وتفسير الأحداث، ووضع المقالات حسب أهميتها، وعدم موضوعية شهادات الصحفيين وتعقد الأحداث تمنع أي أمل في إيجاد تقرير صحفي دقيق تعرضه الصحافة"(Albert, 1991: 22 ).
ب - السلوك المهني
لقد حدث تطور ملحوظ فيما يتعلق بطبيعة الموضوعات التي تتناولها الصحافة الأردنية خلال مرحلة التحول الديموقراطي، إذ استطاع قانون المطبوعات والنشر لعام 1993- على الرغم من ثغراته- " أن ينهي الرقابة المباشرة للحكومة على المطبوعات الصحفية، بحيث أصبحت هذه الرقابة ذاتية" كما يقول السيد نادر الحوراني المدير العام لصحيفة "الرأي"، ولم يعد بإمكان الجهات المسؤولة إغلاق الصحف أو معاقبة الصحفيين بسبب نشر موضوع معين، وكل ما تستطيع عمله اليوم هو رفع ما تعتبره مخالفة إلى القضاء للنظر فيه( لقاء مع المدير العام السيد نادر الحورني، 2004).
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الحديث عن الفساد في المرحلة السابقة للتحول الديموقراطي يعد إساءة لسمعة البلد، وللمناخ الاستثماري فيه، وزعزعة للثقة العامة، أما في المرحلة الديموقراطية، فقد امتلكت الصحف هامشاً من الحرية في نشر الأخبار والتعليقات عن قضايا الفساد، وإن كانت الصحف اليومية آنذاك: الرأي؛ والدستور؛ والعرب اليوم، لا تكتب في هذا الموضوع إلا ضمن العموميات، وليس من خلال متابعة قضايا محددة أو تسمية دوائر أو جهات أو أشخاص معينين، لعدم قدرة هذه الصحف على إجراء تحقيقات صحفية موسعة، ومتابعة هذه الموضوعات للحصول على الأدلة والإثباتات من جهة، ونتيجة للضغوطات الاجتماعية المفروضة عليها من جهة أخرى. في حين أن الصحف الأسبوعية والحزبية هي الأكثر اهتماماً بنشر قضايا الفساد وإبرازها، حتى لو لم تصل إلى نتائج ملموسة ( جمال الشلبي، 2000: 57)
و لاشك في أن الصحافة الأردنية تتحمل مسؤولية عن بعض القصور في تغطية موضوعات ذات أهمية كبيرة، إذ تعتمد الصحف اليومية الأردنية، ومنها الرأي، على وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية في الحصول على معلوماتها، وتكتفي بها حتى في بعض الموضوعات المتعلقة بالشؤون الداخلية المهمة. ومن الأمثلة البارزة على هذا القصور تغطية الصحافة الأردنية لتوقيع معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية في وادي عربة عام 1994 بالاعتماد فقط على 12 مراسلاً صحفياً، في حين وجد في المكان أكثر من مئتي مراسل إسرائيلي لتغطية الحدث ( سلامة نعمات، 1995: 98).
وأحياناً، حينما يبرر عجز الصحافة المحلية عن مواكبة الخبر، فإن هذه الصحافة تتذرع بالقول إن هناك "ازدواجية"عند المسؤولين الأردنيين في التعامل مع المندوبين المحليين والمراسلين الأجانب، فالمراسلون الأجانب يتمتعون بفرصة أكبر للوصول إلى مصادر المعلومات ومقابلة المسؤولين الأردنيين من الصحفيين المحليين. كما يتحدث المسؤولون الأردنيون أمام وسائل الإعلام المختلفة، وبخاصة، الصحافة بلغتين مختلفتين: واحدة عندما يخاطبون الرأي العام من خلال الصحافة الأجنبية، والأخرى عندما يتحدثون عبر وسائل الإعلام المحلية، الأمر الذي يبرر الحظر المتكرر من الحكومة على المطبوعات الأجنبية التي تنسب معلومات معينة لمسؤولين أردنيين أو مصادر أردنية( سلامة نعمات، 1995: 99).
و قد عبر حديثاً السيد نضال منصور، رئيس تحرير صحيفة " الحدث" الأسبوعية، عن هذه "الازدواجية" بالتعامل في ندوة أقامها مركز الرأي للدراسات والمعلومات عام 2004 قائلاً: " إنك كصحفي يمكن أن تكون بمعية الملك في زيارة رسمية وفي اليوم التالي يمكن أن تنهال عليك الهراوات"( بسام بدارين، 2003 : 8).
أما التطور الآخر في الصحافة الأردنية، الذي انعكس على صحيفة " الرأي" أيضاً، خلال المرحلة الديموقراطية، فهو التطور المتعلق بحجم تمثيل المعارضة السياسية في الصحافة. ففي هذا المجال، ما لا يزال تمثيل الرأي الآخر في الصحف الأردنية ضعيفاً، على الرغم من هامش الحرية الممنوح للصحافة في نشر مختلف الآراء والمعلومات والمواد، حتى وإن تباينت بدرجة أو بأخرى مع التوجه الرسمي. وغالباً ما يتم التعبير عن الرأي الآخر في الصحف اليومية من خلال نشر بيانات الأحزاب المعارضة عن بعض القضايا، ومن خلال نشر مقالات بعض الكتاب الذين يتخذون مواقف معارضة لوجهة نظر الحكومة.
وفي إحصائية قام بها نبيل الشريف، رئيس التحرير المسؤول الأسبق لصحيفة الدستور، حول الموقف من العملية السلمية في صحيفتي الدستور والرأي في الفترة بين 26 تموز/ يوليو 1994 و1 أيلول/ سبتمبر من عام 1994 وجد أن صحيفة "الرأي" نشرت 60 مقالة مؤيدة للعملية السلمية، في حين مثل الرأي المعارض ب5 مقالات. أما في صحيفة الدستور؛ فقد كان عدد المقالات المؤيدة للعملية السلمية 71 مقابل 20 معارضة. لذا، ما تزال المساحة المتاحة للمعارضة في الصحف اليومية صغيرة بالمقارنة مع الصحف الأسبوعية والحزبية لاستقلالها المالي، وهو السبيل الوحيد أمام هذه الصحف للانتشار من خلال نشر ما لا تستطيع الصحف اليومية أن تنشره( نبيل الشريف، 1995: 18)
وباختصار، لقد كان على صحيفة "الرأي"، مثلها مثل بقية الصحف الأردنية، أن تمارس نشاطها ضمن هذه الأطر القانونية المرنة أحياناً، والمتشددة أحيانا أخرى، إضافة إلى إسلوب عمل متذبذب حيناً ومتطورا حينا آخر، مما يعني عدم الاستقرار وعدم الانتباه للجانب الإبداعي من مهنة الصحافة.
وعلى الرغم من هذه العوامل التي تكبح طموح أي صحيفة ومسيرتها مهما كان حجمها وقوتها، إلا أن المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" استطاعت أن تجاري هذا الواقع، وأن تصل إلى مستوى معقول من المهنية سواء على المستوى المحلي أو العربي، وأن تعمل على تحقيق وظائفها وأهدافها المتعارف عليها عالمياً، وهي: إعطاء المعلومات؛ التسلية؛ الحاجة النفسية؛ والاندماج الاجتماعي(Albert, 1991: 22). وربما يعود هذا الأمر إلى عاملين: أحدهما مهني؛ والآخر مالي:
العامل المهني: ويتمثل في تنوع أخبار صحيفة "الرأي" وشموليتها، تفرد الصحيفة عدداً من الملاحق الأسبوعية التي منها: الرياضي (يوم السبت)، والمحلق الثقافي (يوم الجمعة) والملحق العلمي والتكنولوجي (يوم السبت). و بعد استلام السيد عبد الوهاب الزغيلات لرئاسة التحرير عام 2004 أضيف ملحق الشباب ليصدر كل (يوم خميس) والأقاليم كل (يوم ثلاثاء)، ويصل عدد صفحات هذه الملاحق بين 8-12 صفحة. وهناك صفحات متخصصة تتعلق بالبيئة؛ والأسرة والمرآة؛ والدين؛ والرياضة،.. وغيرها، مما يعني أن حجم صفحات الصحيفة يتراوح بين 60 إلى 80 صفحة. كما وقعت صحيفة الرأي في27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، ضمن 14 صحيفة عربية، في مدينة غرناطة الإسبانية أول اتفاقية ثقافية صحفية عربية مع منظمة اليونسكو لإصدار ما اصطلح على تسميته "كتاب في جريدة" يتعلق بنشر النصوص العربية ذات القيمة على شكل ملحق يوزع ضمن الصحيفة شهرياً منذ عام 1997 وإلى الآن. وضمن التوجه نفسه، تصدر صحيفة الرأي ملحقاً مترجماً للعربية من الفرنسية عن صحيفة اللومند ديبلوماتيك
( Le Monde Diplomatique ) كل شهر يوزع مجاناً ( لقاء مع المدير العام السيد نادر الحورني، 2004).
كما استطاعت صحيفة " الرأي" استقطاب عدد من الكتاب الأردنيين لكتابة الأعمدة اليومية من أمثال: فهد الفانك؛ وطارق مصاروة؛ وإبراهيم العجلوني؛ وفخري قعوار..وغيرهم. وهناك من يكتب بشكل أسبوعي أو في المناسبات الوطنية أو الدينية من أمثال: خالد محادين، وصلاح جرار، وعبد الرحيم ملحس .. وغيرهم، وجل هؤلاء كتاب معروفون، وقد تقلدوا مناصب مهمة في الشأن الثقافي أو السياسي في الأردن.
ومن الملاحظ على صحيفة الرأي لجوء عددً من كتاب هذه الصحيفة، ولا سيما، أدباؤها إلى كتابة المقالة في قالب أدبي وثقافي سياسي، إذ يتم استخدام الرمزية في الكتابة الأدبية، للاحتيال على مقص الرقيب، ونجحوا في الاقتراب من المحظورات والمحرمات، وبخاصة في ظل الأزمات، أو في ظل قوانين المطبوعات والنشر ومحاذيرها لتجنب المشاكسة وإثارة الضجيج. وقد تألقت الصحيفة في الفترة التي ترأس مجلس إداراتها الدكتور خالد الكركي
( قومي ليبرالي،ومثقف وأديب أردني معروف)6، فقد اعتمد سياسة المزاوجة بين الجانب الثقافي والسياسي من جهة، وترك المجال مفتوحاً أمام الرأي الآخر المعارض للتعبير عن نفسه. واستقطب أيضا عدداً من الكتاب والأدباء العرب من دول عربية أخرى للكتابة في صفحات "الرأي" أمثال: معن بشور من لبنان؛ وعبد الله إمام من مصر؛ وعبد العزيز المقالح من اليمن؛ وممدوح عدوان من سوريا؛ وعبد الله الحوراني من فلسطين؛ وعدد كبيرمن المثقفين العراقيين..وغيرهم، ومع رحيله عام 2001 عن هذا المنصب، توقفت مشاركة هؤلاء الكتاب في الرأي!
ويمكن القول إن المرحلة الممتدة من عام 2001 إلى عام 2004؛ أي في ظل إدارة رئيس التحرير جورج حواتمة وهو ( ليبرالي يتهم بأنه قريب من الدوائر والتوجهات الأميركية) كانت تتجه "الرأي" نحو إظهار السياسة الأميركية وأهدافها بالشرق الأوسط- بشكل واضح - عبر مقالات مترجمة من الصحافة الأميركية مباشرة، وإن كان هناك حيز بسيط لبعض الآراء الأردنية والعربية المعارضة لهذه السياسة. ومع خروج السيد حواتمة في ظروف غير واضحة المعالم الى الآن، بدأ رئيس التحرير الجديد السيد عبد الوهاب الزغيلات وهو ( قريب من الدوائر الرسمية) بدعوة المبعدين من الكتاب الأردنيين والعرب مرة أخرى للكتابة في هذه الصحيفة، وأجرى تبديلاً كاملاً على كل الزوايا الصحفية التي أوجدها سلفه!
ثانيا: العامـل المالي، إذ تعتبر المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي"من أنجح المؤسسات الصحفية الأردنية مالياً، فهذه الصحيفـة التي ابتدأت برأسمال محدود عام 1971، بلغ عام 1986 إلى مليون دينار أردني( كل دينار يساوي آنذاك 3 دولارات) وصل حاليا إلى ما يقارب 15 مليون دينـار ( التقرير السنوي لمجلس الإدارة، 2003: 32). ولكن ما سبب ذلك ؟
التاريخ رأس المال نسبة الحكومة نسبة القطاع الخاص ملاحظات
1971
1974 150.000 دينار 40 % 60 %
1/9/1975 بيعت ال40% للحكومة للقطاع الخاص
2/1 1977 200.000
1/1/1986 ميلون دينار 15% 35% لأصحاب الشركة السابقين بالتساوي اختيرت مجموعة من الشركات لتملك 25 % من الأسهم والباقي طرح للاكتتاب.
4/3/ 1989 أثناء فترة عمل لجنة الإدارة المؤقتة طلبت الحكومة من المالكين القدامى للمؤسسة بيع ما لديهم من أسهم للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، مما جعلها تملك آنذاك 45 % من الأسهم
23/8/ 1993 مليونا دينار
1999 3 مليون دينار
2001 أربع ونصف مليون دينار
تعد إيرادات الإعلانات من أهم مصادر الدخل لصحيفة الرأي، فمع توزيع يصل إلى
70-90 ألف نسخة يوميا،ً استطاعت هذه الصحيفة أن تكسب ود كثير من أصحاب الإعلانات للنشر فيها، نظراً لمعرفتهم بإمكانية هذه الصحيفة في الوصول إلى عدد واسع من المواطنين. كما يجعل تشابه المضامين الإخبارية في الصحف اليومية الأخرى بسبب اعتمادها على مصادر واحدة هي وكالة الأنباء الأردنية( بترا) أو حتى الأجنبية، القارئ يقبل على صحيفة تعنى بتقديم مواد تحليلية أقوى من غيرها سواء في مجال الكتاب من داخل الصحيفة أو من خارجها مثل : المحللين أو المعلقين( وهو ما ذكرناه سابقاً)، فإذا ما توافر هذا العامل وعززه إعلان وفير، فسيزداد حتماً الإقبال على صحيفة دون أخرى، ويزداد توزيعها.
وتظهر الميزانية السنوية لعام 2003 للصحيفة أهمية دور الإعلان في وضعها المالي المستقر والمريح. فحسب تقريرها السنوي الرسمي المعلن، فإن مجموعة الإيرادات الإجمالية بلغت 15.499.855 مليون دينار، موزعة كما يلي: إيرادات الإعلانات والجورادن تايمز ومجلة حاتم 69.1%، في حين بلغت المبيعات للرأي والجوردان تايمز ومجلة حاتم 15.8%، وبلغت الإيرادات من المطبعة التجارية 6.9%، أما المصاريف، فقد اتجهت، في معظمها نحو الرواتب، والأجور، والمكافآت بنسبة 43%، في حين أن مصروفات الورق ومستلزمات الطباعة 33%، وأقل نسبة مصاريف كانت تذهب إلى مركز الدراسات والمعلومات بنسبة 1.1% ( التقرير السنوي لمجلس الإدارة، 2003: 18).
وباختصار، يبدو أن التحول الديموقراطي الذي شهده الأردن زاد في مساحة الحرية في صحيفة "الرأي"، لكن الحرية المطلوبة في نقد أعمال الحكومة والإشارة إلى التجاوزات والتلاعبات أهداف لم تحققها "الرأي" بعد. فكيف يتحقق ذلك والحكومة تقوم بتعيين إداراتها؟! ومن النادر أن تقوم صحيفة "الرأي" بفضح عمل أو قرار حكومي، وهذا ما يفسر عزوف صحيفة الرأي عن الخوض، مثلا، في التقارير التي نشرتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية
( بترا)عن مؤسسة الضمان الاجتماعي" ( بسام بدارين، 2003: 8).
ومن المفارقات، أيضاً، أنه بالرغم من تسارع وتيرة خصخصخة مؤسسات الدولة في ظل التحول الديموقراطي مثل: الاتصالات؛ والفوسفات؛ والبوتاس، إلا أن المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" ما تزال تسير في الاتجاه المعاكس. فبحجة أن أموال الضمان هي أموال للشعب وليست للحكومة أو الدولة، فهي إذاً ليست في حاجة للخصخصة، الأمر الذي يعني استمرار هيمنة الحكومات على سياسة هذه الصحيفة وبث أفكارها، والحد من أي نشاط معاد لها أو لقراراتها المتعلقة بالمواطن مثل: زيادة الضرائب؛ ورفع أسعار السلع؛ أو فيما يتعلق بالسياسات الخارجية وبخاصة الفلسطينية والعراقية منها.
2 – "الرأي" والتكنولوجيا:
لا يمكن الحديث عن التقدم التقني الذي شهدته صحيفة "الرأي" دون ربط ذلك بالمطابع التجارية فيها، فهما يرتبطان ببعضهما البعض بشكل كامل. فصحيفة الرأي تطبع في المطابع التجارية، ولهذا فإننا عندما نتحدث عن الأولى سيقودنا للحديث عن الثانية، وفهم الأولى سيؤدي لفهم الثانية والعكس صحيح. وهنا لا بد من الإشارة، بداية، إلى أن المؤسسة الصحفية الأردنية تتشكل من خمس وحدات إنتاجية تعتمد في غالبيتها على الوسائل التكنولوجية الحديثة هي:
1 - صحيفة الرأي : وهي الوحدة الأولى التي تأسست عام 1971.
2- مطابع الرأي التجارية: وابتدأت عملها عام 1971 على نظام الأوفست، إذ كانت تقوم بطباعة المجلات الدورية الصادرة في ذلك الوقت، إضافة إلى طباعة الكتب المدرسية على نظام "الورق الرول".
3- الجوردان تايمز( Jordan Times): تأسست عام 1975 باعتبارها أول صحيفة يومية باللغة الإنجليزية في الأردن، وصدر العدد الأول منها في 26 تشرين الثاني/ أكتوبر عام 1975، وهي تصدر يومياً باستثناء السبت، وتطبع في مطابع الرأي التجارية، وتصدر بمعدل 8-16 صفحة، بالإضافة إلى ملحق كل يوم خميس. ويبلغ توزيعها نحو 12000 ألف نسخة، يوزع منها في المملكة 9000 نسخة، و3 آلاف نسخة إلى الخارج، وهناك أيضا ألف اشتراك في هذه الصحيفة.
4 - مجلة حاتم: تأسست في فترة رئاسة السيد عبد السلام الطراونة لمجلس الإدارة، وهي مجلة متخصصة بالأطفال من الفئة العمرية بين 6-16 سنة، وتتناول القصص القصيرة؛ والرسوم؛ والشعر؛ والمسابقات. وقد صدر العدد الأول منها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1998، وهي مجلة نصف شهرية، وتباع بسعر رمزي.
5- مركز الدراسات والمعلومات: تأسس عام 1999 في فترة رئاسة د. خالد الكركي مجلس الإدارة، ويهدف إلى متابعة ما يجري بالعالم من متغيرات، وما ينشر من بحوث ودراسات وتقارير لها صلة بالعالم العربي والأردن. بالإضافة إلى الرغبة في إجراء الدراسات والبحوث، والانتقال من التحقيق الصحفي التقليدي إلى البحث العلمي، وكلها أهداف تعتمد على قواعد بيانات، وأرشفة إلكترونية. ويتشكل هذا المركز من 5 وحدات مستقلة منها وحدة المعلومات( التقرير السنوي لمجلس الإدارة، 2003: 11).
وربما لوجود كل هذه الوحدات المتعددة، كانت صحيفة الرأي الأردنية من أوائل الصحف الأردنية التي حرصت على استخدام التقنية الحديثة، فهي أول صحيفة أردنية اعتمدت الطباعة التصويرية الحديثة (الأوفست) منذ نشأتها عام 1971 مستخدمة أحدث الآلات الطابعة في العالم. وحتى لا نضيع في تفاصيل فنية دقيقة فيما يتعلق بالتقنية المستخدمة في صحيفة الرأي، سنعطى نبذه مختصرة عن أهم التواريخ التي شهدت إدخال التقنية الحديثة للرأي.
فعام 1971 كانت صحيفة الرأي تطبع عن طريق آلة طباعة بمعدل 16صفحة، باللونين الأبيض والأسود، أما عام 1984؛ فأصبحت تطبع على آلة حديثة لها القدرة على طباعة 32 صفحة عدا 4 صفحات ملونة. وعام 1993، تم شراء آلات طباعة حديثة قادرة على طباعة 64 صفحة إضافة إلى 8 صفحات ملونة. وحالياً، تطبع صحيفة الرأي على آلة طباعة حديثة من نوع MAN PLAMGE UNISET بمعدل 64 صفحة بالألوان بسرعة تعادل 60 ألف نسخة بالساعة. وهي مجهزة بنظام إلكتروني لتعبئة الحبر، وبقواعد تبديل اللفائف الورقية أوتوماتيكياً دون أن تتوقف، مما يوفر سرعة الإنجاز ونقاء الطباعة، وتدار هذه الآلة عن طريق الحاسب( عبد الله حجازي، 1995: 17).
ومما يدلل على مواكبة صحيفة الرأي للتقدم التقني الذي يسود العالم، استخدامها للحاسوب في كل مراحل أعمالها الإدارية والصحفية، فأنشئت الصحيفة الإلكترونية في شهر نيسان/ إبريل عام 1996، وربطت الصحيفة الإلكترونية للجوردان تايمز في شهر تشرين الأول/ أكتوبر
عام 1996. ومما يدل على نجاح تجربة الصحيفة الإلكترونية في صحيفة الرأي أنها فازت بالمرتبة الأولى بين الصحف العربية اليومية الصادرة في جميع أنحاء العالم العربي لعام 1999 7.
ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو: هل تعني محاولات وسائل الإعلام التقليدي التي منها صحيفة الرأي في تطوير أجهزتها ومعدتها التقنية كافية لكي نطلق عليها أنها صحافة متطورة وحديثة وفاعلة؟
يبدو من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بسهولة، وإن كنا نعترف بأن امتلاك التقنية في العالم العربي، ومنها الأردن، لا يغني من حقيقة المعلومة الصحيحة شيئا ً 8، وعلى الرغم من حاجتنا للوقت للحكم على مدى التناغم بين التكنولوجيا والمعلومة، فإننا نستطيع أن نقول إن التطور التقني لوسائل الاتصالات لم يأتِ – كما يعتقده البعض - بشكل مفاجئ وسريع. والسبب في ذلك أن "عملية التطوير" التي كانت تحدث في صحيفة الرأي هي "عملية دائمة ومستمرة" منذ إنشائها عام 1971، بغض النظر عن الواقع السياسي من ناحية، أو انتقال إدارتها من القطاع العام إلى القطاع الخاص والعكس بالعكس من ناحية أخرى. فالكل كان حريصاً على تطويرها من الناحية التقنية دون الانتظار لمرحلة التحول الديموقراطي عام 1989 أو ثورة المعلومات للقيام بثورة تحد يثية داخل الصحيفة.
ومع ذلك: هل الصحافة تعيش على التكنولوجيا فقط؟ أم أن الصحافة تعيش على الحرية وعلى المعلومات التي توصل للحقيقة، إن وجدت، بعيدا عن السلطة وهيمنتها؟
وربما لهذا السبب جاءت الإجابة عن هذا السؤال من خلال الفكرة التي طرحها د.عصام الموسى، أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك، حول علاقة التكنولوجيا والصحافة التي تقول إن "استجابة الحكومات ومنها الأردنية للنداء الذي أملاه واقع التكنولوجيا وثورة المعلومات بإرخائها من قبضتها المتشددة على حرية التعبير"، ليتساءل: "ولكن هل كان هذا إجراء مؤقتا يتيح للحكومات التقاط أنفاسها ريثما تستوعب صدمة التكنولوجيا، فتعمل على إعادة تنظيم قوانينها بصورة تسمح لها بممارسة الأساليب القديمة في السيطرة بطرق اكثر ذكاء؟؟" ليصل في النهاية إلى نتيجة مفادها " قد يفسر مثل هذا الأمر سر صدور القوانين الأربعة للمطبوعات في الأردن في غضون 6 سنوات من عام 1993 إلى عام 1999 "( عصام الموسى، 2002: 14). والحقيقة أنه قد تبع هذه القوانين قانونان آخران هما: قانون المطبوعات والنشر لعام 2000، وقانون عام 2001 أيضا، وهناك بالأفق مسودة قانون جديد لعام 2004.
الخاتمة:
لقد حاولنا في الصفحات السابقة دراسة أو لتعرف على مسيرة المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" وتطورها منذ نشأتها عام 1971 وإلى عام 2004، وهي مسيرة يمكن النظر إليها على أنها" نموذج" لتطور المؤسسات الصحفية في العالم الثالث عموماً والعالم العربي خصوصاً، من خلال تتبع مراحلها الأكثر أهميه ولا سيما تلك المتعلقة بالسلطة السياسية والديموقراطية، وثورة التكنولوجيا والمعلومات؛ أي عصر العولمة. والحقيقة، أن المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" تمتلك معظم سمات المؤسسات الإعلامية الموجودة في العالم المتقدم (أوروبا وأميركا) ومقوماتها من ناحية، الميزانية المتصاعدة نتيجة الإعلان والبيع التي وصلت عام 2003 إلى 16 مليون دينار، ومن ناحية وجود المهنية النسبية( مقارنة بدول المنطقة) لدى هذه المؤسسة التي بلغ عدد موظفيها عام 2003 (501) موظف منهم (156) صحفياً ( التقرير السنوي لمجلس الإدارة، 2003: 16). إضافة إلى اعتمادها في قصصها الإخبارية على وسائل الاتصال الحديثة مثل: الإنترنت، والساتلايت، والهاتف النقال.. وغيرها.
ويمكننا القول إنه اعتماداً على المعايير لقياس تطور المؤسسة وفاعليتها التي وضعها السيد صمويل هنتنغنتون مثل: الاستقرار؛ التأقلم؛ التعقيد؛ الاستقلالية؛ والتماسك، بأن هناك عدة ملاحظات على تطور هذه المؤسسة الصحيفة هي:
1 - الاستقرار: إن تطور الصحافة الأردنية التي منها المؤسسة الصحفية " الرأي" مرتبط أكثر ما يكون بالحالة والتطور السياسي" الديموقراطي أو غير الديموقراطي" للبلد اكثر من أي بعد آخر، فهذه المؤسسة إنتاج حكومي، تنقلت بين القطاعين العام والخاص برغبة الحكومة. فمثلا منذ إنشائها عام 1971 وإلى الآن، عرفت 8 رؤساء تحرير مسؤولين، و8 مديرين عامين، ومنذ تحولها لشركة عامة عام 1986، عرفت 7 رؤساء مجالس للإدارة آخرهم الدكتور خالد الوزني كانوا يعينون- حتى في ظل مرحلة التحول الديموقراطية - من الحكومة أو على الأقل برضاها، وغالباً ما يتم الانتقال بطريقة مفاجئة في هذه الوظائف ودون وجود معايير لذلك، ويمكن تفسير ذلك بهيمنة الحكومة المالية على أسهم المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" عبر مسيرتها المختلفة التي وصلت الآن إلى 55.% والعائدة إلى صندوق الضمان الاجتماعي، مما يجعلها قادرة على فرض الشخص الذي تريد، ورفض وإزاحة من لا تريد.
وهكذا، تبدو المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" صحيفة حكومات" تبقى حتى في سلوكها الحر تدور في فلك الحكومة وليس "صحافة دولة"، وهذا يعني هيمنة الحكومات المتعاقبة- التي وصل عددها منذ عام 1971 وإلى الآن 25 حكومة -(الوثائق الأردنية، 2003: 102- 185)، والتي تسرع حالما تصل إلى سدة الحكم إلى تغيير رؤساء تحريرها ورؤساء مجالسها لدعم مواقفها( الوثائق الأردنية، 2003: 102- 185). فمع وصول حكومة علي أبو الراغب، على سبيل المثال، تم تعيين السيد جورج حواتمة رئيساً للتحرير، ومع وصول السيد فيصل الفايز تم تعيين السيد عبد الوهاب زغيلات.. وهكذا دواليك. وقد أشارت الصحفية العاملة في "الرأي" لميس اندوني9 إلى هذا الأمر في ندوة أقامها مركز المعلومات والدراسات فيها بعد ساعات فقط من النقد اللاذع الذي وجهه الملك عبد الله الثاني للإعلام الرسمي متهماً إياه (بأنه خائف ومتأثر وليس مؤثراً) قائلة" بمجرد رحيل السيد رئيس الوزراء علي أبو الراغب انشغل الجميع بمصير رئيس التحرير الزميل جورج حواتمة. والكلام يدور حول ما إذا كان جورج سيبقى أم سيرحل مع صديقه أبي الراغب". إلى أن تقول الصحفية اندوني" الكل يعرف بأن رئيس التحرير في الرأي مع الاحترام لا يمون على شيء ولا على حاله"( بسام بدارين،2003: 8).
2- التأقلم: استطاعت المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" التأقلم مع كل الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة والصعبة. فقد تأقلمت المؤسسة مع التغيرات الداخلية والخارجية عبر تغيير الأشخاص والوظائف. فنجد، على سبيل المثال، تعيين السيد جورج حواتمة المقرب من الدوائر الأميركية( كما يتهم) في مرحلة ما بعد الحرب على العراق( الثالثة) مما سهل عملية شرح أطر السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وعندما دعا الخطاب الملكي إلى إعادة تنشيط العلاقات- العربية، تم تغيره ووضع رئيس تحرير جديد ذو توجه محلي و مقرب من الحكومة هو السيد عبد الوهاب زغيلات. علما بأن د. خالد الكركي رئيس التحرير الذي سبق الاثنين كان محسوباً على التيار القومي العربي( البعث العراقي) على الرغم من وصوله إلى رئاسة الديوان الملكي في مرحلة حرب الخليج الثانية... وهكذا دواليك. وقد تأقلمت المؤسسة الصحفية " الرأي" مع التطورات الاتصالية والمعلوماتية المتقدمة، فوسعت مجال عملها بإنشاء "الصحافة الإلكترونية" عام 1996 التي وصل عدد قرائها أثناء أحداث سبتمبر/ أيلول عام 2001 إلى 20 مليون في شهر ثم أستقر إلى 13 مليون قارئ، مما أهلها للفوز بجائزة الصحافة العربية الإلكترونية( التقرير السنوي لمجلس الإدارة، 2003: 12). وهنا لا بد لنا من تأكيد استحالة فصل عرى الترابط القائم بين المعلومات الإلكترونية وأجهزة الإعلام والاتصالات السلكية ((Breton, Philippe & Proulx, 1990: 327، وأن العلاقة بين الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام الإلكتروني، الحديث منها والقديم، علاقة تكاملية وليست علاقة تنافسية((Albert, 1995 : 22.
3- التعقيد الوظيفي: تتشكل المؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي" الآن من 5 وحدات متمايزة وكل واحدة يؤدي دوراً مهماً في دعم الصحيفة. وهناك تقسيم عمل معقد، في المؤسسة، لاسيما، في صحيفة الرأي التي تعد العمود الفقري لهذه المؤسسة مثل: دوائر العلاقات العامة؛ والإدارة؛ والدائرة التجارية، ...وغيرها.
4- الاستقلالية المالية: من الواضح أن تغير الوضع القانوني والمهني لهذه المؤسسة جعلها غير مستقرة وإن كانت ميزانيتها تتصاعد بحيث وصلت عام 2003 إلى 16 مليون دينار تقريباً. ويعزى تصاعد الميزانية، والأرباح في هذه المؤسسة لعدة عوامل هي: دعم الحكومة لها؛ الإعلان؛ والبيع. وحالياً، يعد سهم صحيفة الرأي المتداول في بورصة عمان المالية من أعلى الأسهم الإعلامية، فقد وصل سعره إلى 18 دينار، في حين لا يتجاوز سعر أسهم صحيفة الدستور المنافسة 5 دنانير. وكل ذلك جعلها تتبوأ مركزاً متقدماً بين الصحف الأردنية، وحتى العربية.
5- التماسك: من الصعب، في مجتمع أردني عربي تقليدي تهيمن عليه السلطة السياسية، معرفة مدى التماسك في المؤسسة بين أفرادها، فلا توجد هناك دراسة لقياس رأي العاملين فيها الذين يبلغ عددهم حالياً 501 موظف. ومع ذلك، يمكننا القول إنه من المؤكد أن هناك أجنحة متصارعة بالخفاء تظهر عندما يتم تغير وظيفي في رأس الهرم لهذه المؤسسة، فمثلا كان السيد محمد خروب، الكاتب السياسي للصحيفة، مجمداً في عمله في أثناء رئاسة التحرير للسيد حواتمة، غير أنه عاد بقوة وأصبح اسمه يظهر يومياً بعد قدوم السيد زغليلات. وهكذا كان الحال، مع السيد سمير الحياري الذي كان مجرد صحفي عادي في ظل السيد سليمان القضاة، إلا أنه أصبح مع مجيء السيد حواتمة مساعداً لرئيس التحرير... وهكذا دواليك. والصعوبة تكمن، هنا، في أنه لا يعرف ولا يفسر لماذا نبعد هذا الشخص ونجمده في مرحلة ما، ثم، مع قدوم رئاسة تحرير جديدة يتغير الوضع؟!!
والحقيقة، أن هناك علاقات قوة وهيمنة من بعض الصحفيين على البعض الآخر، لاسيما إذا كانوا معتمدين "أو يزعمون" بأنهم مدعومون من قبل "الأجهزة الأمنية". وقد أشارت الصحفية لميس اندوني في ندوة أقامها مركز المعلومات والدراسات في صحيفة الرأي إلى هذه الصورة قائلة: " أعتقد بأن العديد من المحررين والصحافيين المحليين، سواء بسبب الخوف أو لقمة العيش، يكتبون تقارير للأجهزة الأمنية، وغالباً ما تكون عن زملائهم، مؤكدة بأن دور المؤسسات الأمنية يتمثل في الحفاظ على الأمن الوطني وليس الاتصال بصحفي للتأكد من ولائه لشخص وليس لوطن أو لجهاز". إلى أن تقول هذه الصحفية " إن اتصالاً هاتفياً لمسؤول صغير قد ينطوى على مصالح شخصية يمكن أن يسيطر على ما ينشر في الرأي، مشيرة إلى أن هذه التدخلات لا يقوم بها الكبار أو المسؤولون المهمون في الأجهزة"( بسام بدارين،2003: 8).
والحقيقة، أن كلام الصحفية أندوني ليس بجديد، بل هو تأكيد لفكرة سائدة في محيط العمل الصحفي الأردني بالعموم "والرأي" بالخصوص، فها هو كاتب عمود الرأي اليومي المشهور فهد الفانك يعبر في كتابه عن "الصحافة والحرية المسؤولة" الصادر عن المؤسسة الصحفية الأردنية" الرأي" عن الشعور نفسه قائلاً " الرأي صاحبة الفضل علي وليس لي فضل عليها، ولم تتخل عني عندما كان الجبابرة يغضبون علي ويمنعونني من النشر بمكالمة هاتفية!!"
( فهد الفانك، 1997: 10).
وباختصار شديد، كي نفهم الصحافة الأردنية خصوصاً والعربية عموماً وحتى صحافة العالم الثالث، لا بد من فهم السياسة عبر فهم شرعيات السلطات الحاكمة حتى في ظل العولمة الجديدة. وهذا يعني العودة إلي المقولات التقليدية للمفكر الألماني ماكس ويبر حول "الشرعية التقليدية، والكاريزمية، والشرعية العقلانية" ( 248 Shwartzenberg,1988:)، وبذلك نستطيع أن نموقع صحافتنا وسياساتنا بغض النظر عن التطورات التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات التي تستطيع أن تشتريها الأنظمة السياسية وأن تستهلكها في الوقت الذي تريد!!
المصادر:
ابرهيم حمادة بسيوني(1993). دور وسائل الاتصال في صنع القرارات في الوطن العربي.
بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية.
أحمد القضاة (1998). دائرة المطبوعات والنشر: سبعون عاما من العطاء 1927-1997.
عمان: منشورات دائرة المطبوعات والنشر.
اسامة الشريف( 1998). ثورة التكنولوجيا في الأردن، في كتاب " الإعلام وحرية الصحافة في
الأردن"، تحرير: هاني حوراني وآخرون. عمان، دار سندباد.
الوثائق الأردنية(2003)." الوزارات الأردنية: 1921- 2003". عمان : منشورات دائرة
المطبوعات والنشر.
باسم سكجها(1998). تطور الصحافة والعمل الصحفي في الأردن" في كتاب " الإعلام وحرية
الصحافة في الأردن"، تحرير: هاني حوراني وآخرون. عمان: دار سندباد.
بسام البدارين(2003). صحيفة القدس العربي. لندن: 25 تشرين ألا ول/ اكتوبر.
تقرير مجلس الإدارة السنوي" للرأي"(2003). مطابع الرأي.
جمال الشلبي (2000). التحول الديموقراطي وحرية الصحافة في الأردن. أبو ظبي: مركز
الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
جمال الشلبي (2001). العلاقات العربية الأمريكية في ظل العولمة، في كتاب " العلاقات
العربية الأمريكية : نحو مستقبل مشرق"، تحرير ( سامي خصاونة).عمان:
الجامعة الأردنية بالتعاون مع جامعة يونغ- الولايات المتحدة الأميركية.
راسم الجمال(1991). الاتصال والإعلام في العالم العربي. بيروت، مركز دراسات الوحدة
العربية.
سلامة نعمات(1995. ازدواجية التعامل مع الإعلام المحلي والأجنبي في التجربة الأردنية في
الحقبة الديموقراطية، في كتاب " جورج حواتمة ( محرر)، " دور الإعلام
في الديموقراطية: حالة الأردن". عمان: مركز الدراسات الاستراتيجية –
الجامعة الأردنية.
شفيق عبيدات(2003). مسيرة الصحافة الأردنية: 1921- 2000. عمان : نقابة الصحفيين
الأردنيين.
عصام الموسى (1997). المدخل في الاتصال الجماهيري. اربد: مكتبة كتانه.
عصام الموسى (1998). تطور الصافة الأردنية:1920-1970. عمان: منشورات لجنة تاريخ
الأردن.
عصام الموسى(2002). إعلام الرقابة الذاتية: الإعلام الأردني ومستحقات المرحلة الانتقالية
في الديموقراطية. القاهرة: الدراسات الإعلامية، المركز العربي الإقليمي
للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والبيئة. عدد 108، يوليو- سبتمبر.
عبد الله حجازي وأخرون(1995). المؤسسة الصحفية الأردنية: رسالة الأردنية العربية
(1971-1995). عمان : مطابع الرأي.
فهد الفانك (1977). الصحافة والحرية المسؤولة. عمان: المؤسسة الصحفية الأردنية "
الرأي".
مي عبد الله سنو(2001). الاتصال في عصر العولمة الدور والتحديات الجديدة. بيروت : دار
النهضة العربية.
وليم روو(1989). الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي. ترجمة موسى
الكيلاني.عمان: مركز الكتاب الأردني.
Alber, Pierre.(1991). La Presse. Paris : Presses Universaitaires de France.
Al-Shalabi, Jamal. (2001). Mohamad .H. Hiekal Entre la politique socaliste de Nasser
et la politique de' Infitah de Sadat:1952-1981.Paris: L' Harmattan.
Al-Shalabi, jamal & Hayajneh, Adnan. (2005). The Effects of Globalization on
the Information Technology and Educational Sector in Jordan. In Zia Rukhsana(Ed), Globalization, Modernization and Education in Moslem Countries. New
York : Nova Publisher.( forthcoming)
Balle, Francis.(1984).Médias et société. Paris :Monchrestien.
Breton, Philippe & Proulx, Serge.(1990). L' Explosion de la communication :
la naissance d' une nouvelle idéologie. Paris :La découverte.
Jagger, Keith& Ted, Gurr.(1995). Tracking Democracy’s", Third Wave with the polity
III Date. Journal of Peace Research, 32,(4): 474-478.
Huntington, Samuel.(1966). Political order in changing societies. New Haven: Yale
: University Press.
Said, Essoulami.( 1994). Jordan : Democratization without democracy. London:
Press Freedom, Article 19, March 22.
Shwartzenberg, Roger- Gérard.(1988).Sociologie politique. Paris: Monchrestien.
Solingen, Etel.(1996). Quandaries of Peace. Journal of Democracy, 7,(3): 140-142
ج- لقاءات وصحف
- لقاء مع السيد نادر حوراني، المدير العام للمؤسسة الصحفية الأردنية " الرأي،1 كانون الثاني / يناير،2004، عمان.
- لقاء مع السيد سليمان القضاة، رئيس تحرير الرأي الأسبق، 20 شباط/ فبراير 2004، عمان.
- صحيفة القدس العربي، لندن، 27 نيسان/ إبريل 2003.
- صحيفة الدستور الأردنية، 13 أيار/ مايو 1986.