مركز الرأي للدراسات
اعداد : هادي الشوبكي
2005
اتفاق الطائف: العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي قادت إليه
يعدُ اتفاق الطائف واحد من أهم الاتفاقيات التي وضعت أسس للحياة السياسية في لبنان، وصادق عليه مجلس النواب اللبناني بتاريخ 5/ 11/ 1989م وقد أثير الموضوع مجدداً نتيجة التطورات الأخيرة التي جرت في لبنان ، وثار حوله جدل ونقاش من كافة الأطراف المعنية به وخاصة في أعقاب اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق.
وقد وجدت أن أعرض للعوامل المحلية والإقليمية والدولية التي قادت إليه وفي دراسة لاحقة سأحاول تناول الاتفاق بدراسة تفصيلية وتحليلية مستعرضاً مواقف القوى اللبنانية منه والأطراف الأخرى.
لقد لعبت عوامل محلية وإقليمية ودولية، للتوصل إلى اتفاق الطائف. فلو لا العامل الدولي والتحكيم العربي، لما استطاع لبنان أن يتوصل إلى الاتفاق. فهو وليد المؤسسة البرلمانية اللبنانية، والتحكيم العربي، والدعم الأمريكي بنوع خاص، وكانت هذه العوامل متداخلة ومتشابكة ،ولا يمكن فصل عامل عن آخر .
العوامل المحلية
اجتمعت العوامل الداخلية، و العوامل الإقليمية والدولية لإيجاد الاتفاق ، ومهدت له عدة عوامل داخلية، منها أولاً _ الانهيار على المستوى السياسي والأمني، ثانياً_ خسارة الطائفة المارونية لوزنها السياسي، وثالثاً _ الخسائر التي مني منها لبنان في الحرب الأهلية،رابعاً _ عدم اشتراك رؤساء الميليشيات في مناقشة وثيقة الطائف واقتصار ذلك على أعضاء مجلس النواب.
وقد تمثل العامل الأول، بالانهيار السياسي والأمني، وحدوث فراغاً دستورياً بخلو رئاسة الجمهورية، بسبب عدم استطاعة مجلس النواب اللبناني انتخاب رئيساً للجمهورية خلفاً لأمين الجميل المنتهية ولايته في 22/ أيلول/ 1988، وعلى أثره عيَن الجميل قبل نهاية ولايته حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون، وبنفس الوقت لم تستقيل حكومة سليم الحص، فادعت الحكومتان الشرعية الدستورية والسياسية.
فظهر في لبنان مأزق ذو وجهين على المستوى السياسي: فراغ مركز رئاسة الجمهورية، ومأزق الحكومتين المتنافستين، وتبع ذلك عدم انتخاب رئيس لمجلس النواب، خلفا لحسين الحسيني الذي انتهت مدة ولايته في 18/ تشرين الأول/ 1988، مما أدى إلى غياب مؤسسات الدولة.
وتبع الانهيار السياسي انهياراً أمنياًًَ، وخاصة بعد أن تولد شعور لدى العماد ميشال عون بأنه الزعيم الأوحد للبنان ولا سيما بعد أن تحقق له تحجيم دور القوات اللبنانية وحصوله على تأييد من تيار داخل الجيش اللبناني الذي حاول أن يحكّّم سيطرته على لبنان لتردي الأوضاع في لبنان، فظن أنه كسب دعماً من السكان المدنيين في بيروت الشرقية والغربية، فأعلن الحرب في آذار 1989 مع حلفائه اللبنانيين وازداد العنف طيلة ستة شهور متواصلة، مما حض البلدان العربية والدول الكبرى على مضاعفة جهودها لوضع حد نهائي للحرب، فكانت هذه نقطة حاسمة باتجاه الضغط للوصول إلى الاتفاق والعودة إلى الوضع الراهن.
كانت أطراف الحرب مسيحية وإسلامية، أما الطرف المسيحي فقد تحالف مع ميليشيا القوات اللبنانية والجيش اللبناني الذي كان تحت أمرة العماد ميشال عون.
و الطرف الإسلامي الذي يتمثل بسوريا وتضامن مؤقت بين حركة أمل وحزب الله، والقوى الإسلامية وعودة اللقاء بين وليد جنبلاط وسليم الحص، وكان الهدف لبعض القوى المسيحية إخراج سوريا التي تساند القوى الإسلامية، واضعافها لتختل موازين القوى اللبنانية، لصالح الحكومة العسكرية، بحيث تستطيع السيطرة على الدولة وإدارتها وفق صيغة ميثاق 1943 .
أما العامل الثاني: خسارة الطائفة المارونية لوزنها السياسي بفقدانها رئاسة الجمهورية، الأمر الذي ساعد في ولادة الاتفاق، ذلك أن وجود رئيساً مارونياً كان سيؤدي حتماً إلى رفض أي اتفاق سياسي، كما جرت الحال مع رؤساء الجمهورية السابقين.
ومما زاد في خسارة الطائفة المارونية ، محاولة العماد ميشال عون فرض نفسه كزعيم، عن طريق إعلانه الحرب، ومحاولته تصفية ميليشيات القوات اللبنانية في بيروت الشرقية، في القتال الذي دار في شباط 1989، فعّرض الصف المسيحي للضعف، وإلى خسارة كبيرة في القوات العسكرية والسياسية، وأصبحت سوريا تشكل القوة العسكرية الأهم على الساحة اللبنانية، ولذلك قبل البطريرك الماروني، والنواب المسيحيون، وحزب الكتائب والقوات اللبنانية والجبهة اللبنانية اتفاق الطائف، ووقفوا ضد العماد ميشال عون الذي تم إبعاده بواسطة السوريين إلى خارج البلاد، وقد أدركت هذه القوى أن أي معارضة لأي اتفاق يعني ازدياد خسارة إضافية للمسيحيين، وبالتالي تزايدت هجرتهم إلى الخارج، فغياب وحدة الصف المسيحي والضعف الذي وصل إليه ساعدا في التوصل إلى الاتفاق.
العامل الثالث: خسائر الحرب الأهلية:
يعتبر هذا العامل من العوامل المحلية المهمة التي دفعت بالنواب لإنجاز الاتفاق، وذلك بسبب ما آلت إليه الحرب من دمار أثر على لبنان ككيان.
لقد أدت الحرب الأهلية إلى خسائر بشرية هائلة قياساً إلى حجم البلد وعدد سكانه، فقد تراوحت التقديرات بين 80000 ألف و 125000 ألف قتيل، و 250000 إلى 300000 جريح.
وتحمل لبنان خسائر مادية هائلة، حيث انخفض الناتج الوطني بما يعادل الثلثين خلال سنوات الحرب، وتأثرت مداخيل اللبنانيين المرتبطين بالنشاط الاقتصادي الداخلي نتيجة الهبوط الحاد بالناتج المحلي القائم وبتفاقم التضخم وهبوط القيمة الخارجية للعملة الوطنية. ونتيجة لذلك تدهورت أوضاع الطبقة الوسطى.
وكانت للحرب ولمختلف أشكال العنف التي رافقتها من آثار لابد من أخذها بالحسبان عند تقدير الكلفة الإجمالية للحرب.
العامل الرابع: عدم اشتراك رؤساء الميليشيات في مناقشة الاتفاق، واقتصاره على النواب، حيث أعطاه ذلك شرعية قوية لأن النواب يمثلون الشعب بمختلف قواه السياسية. وكاد أن لا يكتمل عدد النواب في نقاش الوثيقة في الطائف، لأن العماد ميشال عون، منع النواب القاطنين في بيروت الشرقية، من السفر ولكنه وافق بالنهاية، بعد التداول مع النواب على الذهاب إلى الطائف، وبالفعل افتتح المؤتمر في الطائف صباح 30 أيلول عام 1989م، بحضور اثنين وستين من ثلاثة وسبعين نائبا من الباقين من أصل 99 نائباً. وتغيب ثمانية لاسباب غير سياسية وثلاثة اعتبروا مقاطعين ورافضين وهم مسيحيون، وتم التصويت على الاتفاق، وعارض نص الوثيقه أربعة نواب، نائب لأسباب قانونية، وثلاثة لعدم وجود نص يلغي الطائفية من النظام السياسي.
العوامل الإقليمية
كان للعوامل الإقليمية دور في الوصول إلى اتفاق الطائف، حيث بدت ملامح تضامن عربي، أفرزه انتصار العراق على إيران، ولذلك استغلت الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التضامن، وسعت لإيجاد حل لهذه الأزمة في إطار جامعة الدول العربية، فتشكلت لجنة عربية سداسية بقرار من وزراء خارجية العرب، واجتمعوا في 12/ 1/ 1989 في دورة عادية في جامعة الدول العربية، لدراسة الأزمة اللبنانية، فأرادت الولايات المتحدة على ما يبدو أن يكون الحل عربياً، وأن يكون تدخلها عند الضرورة وبشكل دبلوماسي، لأن بحث الأزمة اللبنانية في جامعة الدول العربية، يضمن لها أن يتم تناولها بشكل يرضي الأطراف العربية.
لم تنجح اللجنة السداسية في مساعيها، وبدأت الحرب ضد سوريا والموالين لها من اللبنانيين في آذار 1989، وعلى أثر ذلك بدأ التحضير الجدي لإنهاء الأزمة اللبنانية على قاعدة الوفاق في مؤتمر القمة العربي غير العادي، المنعقد لهذه الغاية في الدار البيضاء في أيار عام 1989، حيث قرر الرؤساء العرب تأليف لجنة ثلاثية عليا من ملك المغرب وملك السعودية والرئيس الجزائري.
عجزت اللجنة عن منع التفجيرات الأمنية، التي كانت تحصل خلال مفاوضاتها مع المتقاتلين، لأن كلا من الطرفين المتنازعين، أرادا أن تكون اللجنة المذكورة أداة ضغط على الخصم الآخر لحمله على التراجع، ونتيجة لتلك الظروف، أعلنت اللجنة الثلاثية توفقها عن متابعة عملها في 29/ 7/ 1989.
عاودت اللجنة عملها مع سوريا، حول انسحاب الجيش السوري، حيث تم إدخال تعديل على مشروع الوثيقة، وتم استبعاد عبارة " انسحاب الجيش السوري" ليكون بدلاً منها " إعادة تجميع القوات السورية "، وأصدرت اللجنة قراراً في مطلع أيلول عام 1989، بدعوة البرلمانين اللبنانيين إلى الاجتماع في 30/ 9/ 1989م ، وأعلنت وقف إطلاق النار في لبنان وتأليف لجنة أمنية برئاسة الأخضر الإبراهيمي، للإشراف على تنفيذ الوقف، ورفع الحصار البحري، وفتح مطار بيروت الدولي، والإشراف على وقف إرسال السلاح إلى لبنان، إذ تعهد الفرقاء الأساسيون للجنة العربية العليا بضمان التقيد به.
كما ساعدت العوامل الإقليمية تجميد النشاطات العسكرية والسياسية لإسرائيل بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، واقتناع إسرائيل بأن تطورات الموقف سيكون في صالحها.
كما أن وجود دول عربية كانت خارج الصراع اللبناني ومنها المملكة العربية السعودية ، زاد من وزنها صراع القوميين في كل من سوريا و العراق، فكان من الطبيعي أن يعوّل عليها دور الإنقاذ ، إضافة إلى بعض دول المغرب العربي ( المغرب، الجزائر)، الأوطد علاقة مع المشرق ومع الغرب، وجميعها على قدر عالٍِ من التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية.
منح قبول العرب لمؤتمر الوفاق برعاية سعودية في مدينة الطائف مؤشراً على نجاح المؤتمرين، والاتفاق على مشروع الاتفاق، فالعراق يعترف لها بالجميل بسبب موقفها المؤيد له طيلة حرب الخليج الأولى، وسوريا تقر بحكمة سياستها، وبالموقع الدولي الفاعل الذي تتمتع به دبلوماسيتها، فلعبت السعودية من خلال الأمير سعود الفيصل وزير خارجيتها، دوراً مهماً في رعاية المؤتمر. وساعد على إنجاح المؤتمر اتفاق سوريا والسعودية ، وهو أمر مهم لسوريا لأنه ليس من مصلحتها فشل المؤتمر، واستمرار الصراع في لبنان مع تعقيداته العراقية والإسرائيلية.
وهكذا اجتمعت العوامل الإقليمية لإيجاد اتفاق الطائف من حيث:-
أولاً: توفر التضامن العربي الذي نتج عن انتصار العراق على إيران.
ثانياً: بحث الأزمة في البيت العربي من خلال جامعة الدول العربية.
ثالثاً: تجميد الحركة العسكرية والسياسية لإسرائيل، التي لعبت في مراحل عدة خلال الحرب الأهلية، دوراً في تأجيج المواقف وإشعال نار الحرب بين الطوائف.
رابعاً: وجود دول عربية محايده ،أعضاء اللجنة العربية السداسية والثلاثية، وبشكل خاص السعودية التي حثت على عقده وإصرارها على نجاحه، وكان لها دورها الإقليمي في إنجاحه من حيث استضافة المؤتمرين في مدينة الطائف في السعودية، ورعايتها له.
العوامل الدولية
لعبت العوامل الدولية دوراً مهماًَ في إيجاد الاتفاق، فقد تبدلت الظروف الدولية، وتوافقت الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي على حل خلافاتهما بالطرق السلمية، ومن أجل طي صفحة الحرب الأهلية اللبنانية، كان لابد من إيجاد اتفاق بين القوى المتنازعة في الداخل والمرتبطة بقوى خارجية، ولذلك اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد السوفيتي " السابق"، في اجتماع مالطا، على وقف نزيف الدم في لبنان، وذلك من أجل الحفاظ على خرائط المنطقة، وحتى لا تحدث فيها تغيرات أساسية جراء هذه الحرب. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي، والراعي الأساسي، لانطلاقة الاتفاق، حيث راحت تفرض زعامتها السياسية على العالم، مستغلة انكفاء الدور السوفيتي وبداية الفصل الأخير من انهياره والمعسكر الشرقي عموماً مما أفقد المنطقه عنصر التوازن في ميزان القوى.
استغلت الولايات المتحدة الأمريكية، الظروف الدولية بانهيار الاتحاد السوفيتي لتحاول الانطلاق بمسيرة السلام في الشرق الأوسط، ولذلك أرادت أن تتعامل مع القوى السياسية اللبنانية البارزة ، وحتى لا يتجه الوضع نحو الانفجار وبالتالي، يتم تغيير الوضع الراهن ، أرادت أن يدخل لبنان محادثات السلام مع إسرائيل بجانب العرب، وأرادت العودة بالوضع إلى طبيعته في لبنان، وقد حاولت جس نبض الاتحاد السوفيتي لمعرفة مدى رغبته في التدخل في لبنان إلا أن موسكو كانت تتحاشى التعامل مع الموضوع اللبناني، حتى لا تجد نفسها في وضع يجبرها على الضغط على سوريا دون جدوى. فكان الاهتمام بحل القضية اللبنانية، بسبب تحول الاهتمام الأمريكي في عام 1988، نحو عقد مؤتمر دولي بخصوص الشرق الأوسط، بعد انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية 1987، مما أجبر وزير خارجية الولايات لمتحدة الأمريكية ( جورج شولتز) على إعادة تركيز الاهتمام لحل النزاع العربي الإسرائيلي، ولذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية لإحلال السلام في لبنان، معترفة بوجود سوريا في لبنان ونفوذها فيه، فحاولت الإبقاء على الوضع في لبنان، وعدم السماح بتفجير الموقف، والتأثير على أمن المنطقة بشكل عام، وتدخلت في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية عام 1988، من أجل ضمان استمرار الوضع القائم، ولكنها أي الولايات المتحدة، عطلت جلسة مجلس النواب في 18 آب 1988، لعدم السماح بانتخاب سليمان فرنجية الذي يدعمه السوريون ولبرودة العلاقات معه منذ عام 1974 ، وكانت واشنطن تؤيد أي ماروني مسيحي آخر تقبل به سوريا ، واتفقت مع سوريا على دعم ميخائيل الضاهر، لانتخابه قبل نهاية ولاية أمين الجميل في 22/ أيلول/ 1988 ولكنها فشلت، وتشكلت حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون، فأصبحت هناك حكومتان الأمر الذي أقلق واشنطن.
تعاملت الولايات المتحدة، في سياستها الخارجية مع لبنان، بناء على عاملين الأول: أن لسوريا دوراً في لبنان والثاني: أن لها دوراً في قضية الرهائن الامريكان الموجدين في لبنان لدى بعض الميليشيات اللبنانيه ، فهي تأخذ بعين الاعتبار مصالحها، وليس لها سياسة لبنانية محددة، فلم تعترف بالحكومة العسكرية. ودعمت أعمال اللجنة السداسية العربية، وعملت على تشجيعها للمضي قدماً من أجل تحقيق السلام وبأسرع وقت، وتحجيم الدور السوري في لبنان، عن طريق تحديد برنامج زمني معين لانسحاب قواتها منه، الأمر الذي فهم منه العماد ميشال عون أن الموقف يسير لصالحه، وخاصة عندما توفرت القناعة عند السوريين بأن اللجنة تقف بجانب العماد عون ، ولذا تهيأ لخوض حرب ضد الوجود السوري.
اتخذت الحرب التي خاضها عون أبعاداً لبنانية وإقليمية في غاية الخطورة، انعكست على ما كانت تخطط له واشنطن للمنطقة، مما استدعى تدخلها الحاسم، وعلى أثر ذلك سعت لتفعيل التحرك العربي عن طريق تشكيل اللجنة الثلاثية، وفي القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء عام 1989أدركت أن العماد عون لن يتراجع عن موقفه، لا بل صعده ناحيتها عن طريق جملة خطوات أبرزها التظاهرات التي نظمها مؤيدوه أمام السفارة الأمريكية في بيروت، مما اضطر السفير الأمريكي وطاقمه إلى مغادرة السفارة، وتوفرت قناعة لديها بأنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى حل في لبنان دون موافقة سورية، خاصة بعد أن حملت اللجنة الثلاثية، سورية مسؤولية وصول اللجنة إلى طريق مسدود فأعلنت وقف مهمتها. لكن الولايات المتحدة طلبت من اللجنة استئناف تحركها وعدم إدانة سوريا، فأعلنت اللجنة الثلاثية في 15/ 9/ 1989 معاودة تحركها. وتمت دعوة النواب في المجلس اللبناني لمناقشة وثيقة الاتفاق في الطائف، ودعمت الولايات المتحدة مناقشات النواب لوثيقة الاتفاق بشكل مباشر، حيث وصل إلى الطائف في 30/ 9/ 1989، المستشار الأول في سفارتها في لبنان، وكان يحث النواب الذين يلتقي بهم على أن وثيقة الاتفاق الوطني هي أقصى ما يمكن الحصول عليه في تلك الفترة، مؤكداً أن بلاده ستضمن تنفيذ الاتفاق خصوصاً فيما يتعلق بإعادة انتشار القوات السورية في البقاع.
وكذلك عملت الولايات المتحدة على تجميد النشاطات العسكرية والسياسية لإسرائيل في لبنان، واستطاعت أن تخلق توجهاً دولياً عاماً في مصلحة الحل، لأنه كان من الصعب تجميد التناقضات اللبنانية والإقليمية دون التوصل إلى هذا الحل.
وبالإضافة للعامل الأمريكي، توفر العامل الفرنسي بشأن الاتفاق، بعد أن دعمت فرنسا مشروع العماد ميشال عون بعد عام 1988، مما أدى لخسارتها بعض نفوذها، ووجدت نفسها مضطرة للرضوخ لشروط التسوية الأميركية – السورية، التي شكلت مظلة لاتفاق الطائف، وكذلك سار الفاتيكان على الطريق ذاتها.
اتفاقية الطائف هي التي تم التوصل إليها من قبل النواب اللبنانيين، بعد مناقشة مشروع وثيقة الوفاق الوطني، التي وضعتها اللجنة الثلاثية العربية العليا، وتم تعديل البعض منها، ثم أقرت في الطائف، في 22/10/1989 ،وتم التصديق عليها من قبل مجلس النواب في 5/11/1989 في قاعدة القليعات شمال لبنان. وصيغت بنود الوثيقة من قبل اللجنة العربية ، بعد سلسلة طويلة من الصياغات والأفكار والمشاريع التي وضعتها شخصيات لبنانية، من بينهم الرئيس المغتال رفيق الحريري ، وحسين الحسيني ، الذي أعد ورقة في العامين 1987-1988 وأخرى وضعها مع رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص نهاية العام 1988.
وضعت نصوص وثيقة الطائف ليس لاقرارها في الطائف ، إنما لهدف آخر ، هو وضع مشروع إصلاحي يتبناه الرئيس المنتخب بعد انتهاء فترة ولاية أمين الجميل، من رئاسة الجمهورية في أيلول 1988، فوضع عدد من المرشحين لهذا المنصب مشاريع إصلاحية ، ومن أبرزهم ميخائيل ضاهر، وتحولت ورقة رفيق الحريري إلى مسودة لدستور جديد للجمهورية اللبنانية الثانية، وقد استغرق إعدادها سنتين (1987-1989)، وحظيت برضا الملك فهد بن عبد العزيز، لما له من ثقة بالحريري، حيث أخذت نصيبها من النقاش وردود الفعل من غالبية الفرقاء المعنيين محلياً وإقليمياً ودولياً، وناقشت اللجنة الورقة في اجتماعها الأول 4/6/1989 في الرباط، وغربلت هذه المواد ووضعت صيغتها النهائية.
ومن خلال القراءة التحليلية لبنود اتفاق الطائف، والتي أقرها أعضاء مجلس النواب طيلة فترة المناقشات في الطائف، يلاحظ أنها عكست مطالب معظم الطوائف الإسلامية، وتركز النقاش حول الاتفاقيه على محورين : محور الإصلاحات السياسية ومحور السيادة ، وهما القضيتان اللتان عرضتا لبنان منذ الاستقلال إلى كثير من القلاقل وعدم الاستقرار السياسي، وغياب فعالية النظام السياسي، وكان أخرها حدوث الأزمة عند اشتعال الحرب الأهلية عام 1975م .
احتوت وثيقة اتفاق الطائف على أربعة عناوين رئيسية أولاً : المبادئ العامة والإصلاحات ثانياً: بسط سياسة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها .ثالثاً : تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي رابعاً : العلاقات اللبنانية السورية.
كان الأخذ والعطاء يظهر ويشتد عند مناقشة الإصلاحات السياسية، وسيادة لبنان ، وخاصة الانسحاب السوري أو الإبقاء عليه ، ومطالبة اللجنة الشرقية المسيحية بضمانات من أجل انسحاب سوريا . أما بالنسبة لباقي البنود فكانت الموافقة عليها تتم بسهولة . ومن الإصلاحات السياسية التي أحدث نقاشات وحوارات مطوله حول صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ورئيس الحكومة ، بين من يمثلون الطائفة المارونية وقواها السياسية وبين النواب المسلمين ، ذلك أن تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية ، وزيادة صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الحكومة ، يوفر الطمأنينة للطائفة السنية .
أولاً:- المبادئ العامة والإصلاحات
أ- أتت الصياغة الجديدة للاتفاق من أجل إعادة بناء لبنان المستقل، فأكد في مبادئه العامة على أن لبنان مستقل ذو سيادة، وهو وطن لأبناء لبنان بمختلف طوائفه المشكلة لمجتمعه، فبذلك انتهى موضوع التصورات حول لبنان ، هل هو كيان مصطنع أم عابر، أو قيد التشكيل، فجاء هذا البند مكتوباً ليؤكد على أنه وطن نهائي لكل اللبنانيين هو ما أكده الميثاق الوطني لعام 1943. وقد وردت صياغة لبنان وطناً نهائياً بالنسبة لبنية ، في مؤتمر جنيف ( تشرين الثاني 1983 )، وفي برنامج حكومة الوحدة الوطنية ( أيار 1984)، وفي الاتفاق الثلاثي ( كانون الثاني)، وأكد أن لبنان يرفض الفصل بين الشعب الواحد ، ورفض مقولة التعدد الحضاري التي طرحها بعض الفرقاء المسيحيين، وعدد من القادة الموارنة التقليدية، ورفض فكرة اللامركزية السياسية التي طالب بها عدد من هذه القوى ، بهدف إقامة أشكال من الفيدرالية والكونفدرالية ( تقسيم لبنان ).
حدد الاتفاق هوية لبنان، بأنه عربي الهوية والانتماء ، وهذا ما عالجته مؤتمرات الحوار حول إصلاح النظام السياسي، ابتداء من لجنة الحوار الوطني التي تألفت في بداية الأزمة عام 1975 ، مروراً بمؤتمر سويسرا عام 1983 ، حيث أقر مبدأ تحديد الهوية اللبنانية ، فتحديد هوية لبنان ، كان نتيجة الجدل حول عروبة لبنان .حيث أبدى طرف مسيحي مخاوفه من أن الذوبان في محيط عربي ، مرتبط بالإسلام ، طرف مسلم يخشى من قيام دولة ثانية ، ذات طابع ديني مميز ، مسيحي ، يقلد النموذج الإسرائيلي ويكون قابلاً للانتشار ، وبذلك حدد الاتفاق، أنت لبنان عربي الهوية والانتماء ، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. فبذلك حاول أن يجد تسوية وسطية بين التوجهات المختلفة والمتناقصة، فنص بالأولوية على أن لبنان .. وطن نهائي لجميع أبنائه …وهكذا عبّر عن مطلب المسيحيين، بأن لا يذوبوا في الوسط العربي، بل إن لبنان يتكون من جميع اللبنانيين على مختلف طوائفهم. وجاء الاتفاق لتحقيق توافقاً بين ممثلي الطوائف والإقرار بأن لبنان عربي الهوية والانتماء وهو وطن لبنية ،وأن تتقاسم الطوائف، كل حسب وزنه المتعارف عليه المناصب، إذ أصبحت مشكلة الهوية تابعة من أجل استمرار المحافظة على المكاسب، فالانتماء إلى الأسرة العربية ليس جوهر المشكلة، رغم المتغيرات الديموغرافية الداخلية. وحتى يتجاوز لبنان مشكلة الهوية، ومشكلة الانتماء يجب أن يكون هناك انصهار وطني لجميع الطوائف ضمن دولة اللبنانيين الأبدية، وسيبقى هذا الانصهار في إطار نظري وفقاً للاتفاق، لأن الانصهار عملية تربوية ، فكرية ، تتطلب تغييراً جذرياً في منهج التعاطي مع الشأن السياسي.
ونص الاتفاق على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الاجتماعية، وأن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، والنظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وتأكيد الطبيعة الليبرالية للنظام الاقتصادي، غير المنفصلة عن حرية المبادرة والملكية الخاصة. وتحوي الوثيقة بنوداً، تنص للمرة الأولى ، على ضرورة الاهتمام بالعدالة الاجتماعية من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية .
وركزت الاتفاقية على أن يكون الإنماء متوازناً لجميع المناطق ، في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وهذا يؤدي إلى وحدة الدولة وإستقرار النظام. وهذه الإصلاحات، ضرورية ، لأن عناصر الأزمة منذ عام 1975، تجذرت في أعماق البنى الاقتصادية والاجتماعية، قبل وقت طويل من اندلاع القتال، فجاءت الحرب، تدفع بعوامل الأزمة إلى حدها الأقصى، فخلال الحرب عاش لبنان تجربة انقسام المدى الوطني وتفتيته، باسم العزل والانفصال، وتحول إلى مجموعة جزر محكومة بميليشيات وشبه ميليشيات، تدعي حماية نفسها ومناطقها.
ومن المبادئ العامة، تثبيت حق كل لبناني في أن يسكن أينما يشاء، ويتمتع بالإقامة على أي جزء في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تقسيم ولا توطين، والسلطة العليا هي للدولة لا للميليشيات ولا لمناطق نفوذها .
اعتبرت المبادئ من المقدمات اللازمة للدخول في الإصلاحات السياسية وصيانتها، فهي الإطار النظري في تحديد النظام السياسي.
ب- أما محور الإصلاحات السياسية، فكانت تحت بند الإصلاحات بشكل عام، في مشروع وثيقة الوفاق الوطني، التي أعدتها اللجنة الثلاثية العربية العليا، ولكن جعلت الإصلاحات السياسية في بند خاص وذلك على أثر مطلب نواب الشرقية المسيحيين بوضع نص بشأن بدء الانسحاب التدريجي للجيش السوري إلى البقاع بعد إقرار الإصلاحات، وأن يتم احتساب السنتين بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية. ولكن لم يؤخذ بهذا المطلب، وتم الاتفاق بين سعود الفيصل وزير خارجية السعودية والسوريين، على احتساب مهلة الانسحاب التدريجي بدءاً من إقرار الإصلاحات السياسية والدستورية، وليس كل الإصلاحات، ولكن من دون تعديل الفقرة التي تتناول هذا الموضوع، بل عن طريق تقسيم الإصلاحات إلى بندين
1. إصلاحات سياسية. 2- إصلاحات أخرى.
عبرت الإصلاحات السياسية، في الاتفاق عن مطالب الطوائف، حيث توزعن مواقف النواب حسب انتماءاتهم الطائفية، فدافع النواب الموازنة بقوة عن صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي ينبغي أن يكون مارونياً حسب العرف اللبناني، وأيد النواب السنة ، والمسلمون بشكل عام، تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء السني ومجلس الوزراء ، وسعى النواب الشيعة إلى تقوية موقع رئيس المجلس النيابي، حسب العرف، بتمديد ولايته من سنتين كما جاء في نص الوثيقة التي عرضت على النواب، إلى أربع سنوات .
تمركزت الإصلاحات السياسية على مجلس النواب ورئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، والوزير، وصولاً إلى إلغاء الطائفية السياسية .
تعلقت الإصلاحات بالنسبة لمجلس النواب، بمدة رئيس المجلس ونائبه، حيث تم تمديدها لمدة ولاية المجلس أي طيلة فترة الأربع سنوات، بعد أن كانت فترة رئيس المجلس لمدة سنة كما نص عليها دستور 1926 في المادة (44)، مما يجعله ضعيفاً. وكان غالباً ما يخضع لتدخلات رئيس الجمهورية، ومساومات الكتل النيابية، وبالإضافة للتمديد، تم تعزيز دوره في مجال التصويت على القوانين، والانتخابات الرئاسية وخاصة تشكيل الوزارات. إن هدف التعديل هو إعادة قدر من التوازن بين الرئاسات لأنها موزعة طائفياً، وعمل الاتفاق على زيادة وزن المجلس النواب، وذلك من خلال الحد من حق مجلس الوزراء في حل مجلس النواب كما ظهر في بند (5 ) ضمن الإصلاحات السياسية لمجلس الوزراء، وإضعاف إمكانية لجوء مجلس الوزراء بإصدار مشاريع قوانين، بصفة المعجل عند الضرورة. ولكن البعض اعتبر أن زيادة وزن مجلس النواب بهذا الشكل، يؤدي إلى الخلل في التوازن بين السلطات لصالح السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية.
وعالج الاتفاق موضوعاً هاماً يتعلق بإجراء إصلاح مهم على مستوى قانون الانتخاب لعام 1972، حيث اختيرت المحافظة كأساس للدائرة الانتخابية، مع وجوب إعادة النظر بالتقسيم الإداري، بعد أن كان القضاء أساس الدائرة الانتخابية، وتم اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية، صوناً للانصهار الوطني، والتعبير الصحيح عن إرادة العيش المشترك.
ونص الاتفاق على أن توزع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين الطوائف والمناطق، وعالج هذا البند قضية زيادة مطالبة المسلمين عامة بزيادة مشاركتهم في الحياة السياسية، من خلال تقسيم مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك بالنسبة لتقسيم الوظائف العليا. حيث كان في السابق- بناءً على القانون الانتخابي لعام 1960- توزيع المقاعد بنسبة 6 للمسيحيين إلى 5 للمسلمين، أي 54 مقعداً للمسيحيين ،و45 مقعداً للمسلمين وزيد عدد المقاعد من 99 مقعداً إلى 108 مقعداً، بعد أن كان الاقتراح في نص الوثيقة، التي أعدت من قبل اللجنة الثلاثية العربية ( 128) مقعداً ولكن لقي هذا العدد، معارضة مسيحية حادة مدعومة من نواب المسلمين، بسبب الخوف من دخول نخب بالتعيين تعتبر قريبة جداً من السوريين، منها حركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي تبنى مطلبهم النواب المؤيدون لوجهة نظر الجبهة الوطنية، وتم اعتماد فكرة ملء المقاعد النيابية الشاغرة، عن طريق حكومة الوفاق الوطني استثنائياً، تمكيناً للمجلس من الاستمرار، وحقنه بدماء جديدة واحتواء زعماء الميليشيات والزعامات السياسية المستجدة، وإدخالها رحاب المجلس وتحويل صراعها المسلح إلى صراع سياسي داخل المجلس، أما السبب في اعتماد التعيين من قبل الحكومة، فهو تضاؤل تمثيل مجلس النواب للرأي العام، حيث انتخب منذ عام 1972.
ويعتبر ما أقره اتفاق الطائف بالنسبة لمجلس النواب تعزيزاً للسلطة التشريعية، واستقراراً في رئاستها يؤمن التوازن ويعكس الاستجابة لمطالب طائفية، وخاصة الطائفة الشيعية.
وبالانتقال إلى صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء والوزير، تكتمل الصورة بالنسبة لمبادئ النظام السياسي، الذي صاغه مؤتمر الطائف.
لقد كانت المشكلة هيمنة الطائفة المارونية على بقية الطوائف، من خلال رئاسة الجمهورية، التي هي حق عرفي للموارنة. وبذلك طالبت بقية الطوائف الإسلامية خاصة السنية والشيعة والدروز، بسحب هذه الهيمنة عن طريق سحب بعض الصلاحيات التي كانت تناط برئيس الجمهورية. ومن أجل ذلك، وضماناً لعودة التوازن للنظام السياسي اللبناني، لجأت هذه الطوائف لاتفاق الطائف لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، من جهة، ورئيس المجلس النيابي من جهة أخرى . فحصر الاتفاق اختصاصات رئيس الجمهورية بستة عشر اختصاصاً هي في معظمها بروتوكولية.
وأهم تحول في صلاحيات رئيس الجمهورية، أنه لم يعد رئيساً للسلطة ( الإجرائية) في الواقع، لأن السلطة أصبحت لا تناط به، بل هي لمجلس الوزراء.
فصلاحياته، تتمثل في ترؤسه جلسات مجلس الوزراء متى شاء، ومجلس الدفاع الأعلى، وإصدار ونشر المراسيم والقوانين، وإبرام الاتفاقات الدولية بالتعاون مع رئيس الوزراء، ومنح العفو الخاص، ويدعو مجلس النواب بالاتفاق مع رئيس الحكومة إلى عقد دورات استثنائية بمرسوم، ويصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزارة منفرداً، ويوجه- عندما تقتضي الضرورة- رسائل إلى مجلس النواب، وله حق عرض أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، ويدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ويدعو مجلس النواب بالاتفاق مع رئيس الحكومة إلى عقد دورات استثنائية بمرسوم، فيحقق رئيس الجمهورية رئاسة الرعاية، ويحيل مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، ويصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب مرسوم تشكيل الحكومة ويصدر مراسيم بقبول استقالة الحكومة، واستقالة الوزراء أو إقالتهم، وتسميته رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب وذلك بسبب التحول الذي حصل في صلاحيات رئيس الجمهورية. ففرضت عليه استشارات نيابية ملزمة يشهد على نتائجها رئيس المجلس النيابي، يسمي رئيس الجمهورية نتيجة لها رئيس الحكومة، على عكس ما كان سابقاً، حيث كان رئيس الجمهورية يعين الوزراء، ويسمي من بينهم رئيساً، بصفته رئيساً مباشراً للسلطة الإجرائية المناطة به، أما في اتفاق الطائف فهو ينفذ رغبة المجلس النيابي، في تسميته واختبار شركاء حكم في مجلس جماعي.
حفظت هذه الصلاحيات لرئيس الجمهورية، مكانة في محيط تولي مهام السلطة التنفيذية به ولكنها قطعاً، عن طريق تحديدها هذه الصلاحيات أضحت أقل ما تتمتع به الرئاسة فأصبحت سلطة رعاية، لا سلطة تقرير. وهذا ما ساعد على ما يبدو في قبول النواب المسيحيين لهذه الصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية، حيث أبقى الطائفة المارونية في المقدمة ولكن بشكل رمزي، وازدادت المشاركة السياسية للطرف الإسلامي.
أما بالنسبة لرئيس الحكومة والذي يمثل الطائفة السنية، والذي هو رئيس مجلس الوزراء، فقد خصص لصلاحياته عنوان مستقبل في الاتفاق، أتت على ذكره في المادة الرابعة والستين في الإصلاحات الدستورية التي تبعت اتفاق الطائف، بعد أن أشير إليه مجرد إشارة، في كنف التحدث عن صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور قبل تعديله عام 1990، فبناء على هذه الصلاحيات، يرأس الجلسات، ويدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد، ويضع جدول أعماله، ويوقع المحضر الأصولي للجلسات، ويتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، وينسق بين الوزراء، ويعطي التوجيهات العامة لضمان سير العمل، وعقد جلسات عمل مع الجهات المختصة بحضور الوزير المختص ، ويجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها وأصبح مسؤولاً عن متابعة تنفيذ السياسات والتوجهات المقرة من قبل مجلس الوزراء، ويطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب ويشارك في توقيع كل المراسيم ومشاريع القوانين إلا في حالة مرسوم تكليف رئيس الحكومة، ومرسوم قبول استقالتها. إن تعزيز دور رئيس مجلس الوزراء يعود إلى الصلاحيات الجديدة المعطاة للمجلس وهذا ما سيتضح لاحقاً، أكثر مما يعود لصلاحيات أعطيت له تحديداً، فالصلاحيات التي أنيطت برئيس الحكومة كرست لصالحه قدراً لا بأس به من المشاركة على مستوى الرعاية والإدارة والتمثيل الظاهري إلى جانب رئيس الجمهورية، ولم تجعل منه سلطة قرار ولم تكسبه مثل هذه السلطة التي فقدها رئيس الجمهورية فكان المستفيد الأكبر منها مؤسسة مجلس الوزراء.
ونتيجة اتفاق الطائف أخذ مجلس الوزراء بزمام الحكم حيث أصبح هو سلطة القرار، تناط به السلطة الإجرائية، وأصبح مركزاً للسلطة التنفيذية، واضعاً حداً نهائياً للسلطة الرئاسية كما مورست سابقاً من قبل القادة المسيحيين مستبدلاً إياها بنظام حكم موجه في نفس الوقت من قبل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، وتتمثل فيه الطوائف بصورة عادلة، فقواعد التأليف بين المسلمين والمسيحيين هي المساواة بين الطوائف الكبرى الثلاث موارنة وسنة وشيعة ومساواة بين طائفتي الدروز والروم الكاثوليك، وتمثيل جميع الطوائف بمن فيهم الأرمن. فالحكم هو مشاركة متوازنة، والحاكم الفعلي هو الذي يتحمل المسؤولية ويمارس الصلاحيات، فهو الذي يحدد سياسة الدولة، ويحضر مشاريع القرارات، وبسهر على تنفيذها ويشرف على الإدارات الرسمية ويعين موظفي الدولة و يصرفهم ويقبل استقالتهم وفق القانون. وأصبح مجلس الوزراء السلطة الأعلى التي تخضع لها القوات المسلحة. وله الحق بحل مجلس النواب بناء على طلب من رئيس الجمهورية، ونص الاتفاق على أن مجلس الوزراء يجتمع في مقر خاص به، وهذا تعزيز لاستقلالية مجلس الوزراء، خاصة حيال رئاسة الجمهورية، بينما كانت تعقد الاجتماعات حتى نهاية 1991 في مقر رئاسة الجمهورية، ونص الاتفاق على ضرورة توفر النصاب القانوني لاجتماع مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضائه، والقرارات تتخذ مبدئياً بالتوافق، وإذا تعذر ذلك فبأكثرية الحاضرين بالنسبة للمسائل العادية، وبأغلبية الثلثين بالنسبة للمسائل الأساسية.
وبناء على اتفاق الطائف لم يعد رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة التنفيذية، بل انحصرت القيادة السياسية في مفهومها الإجرائي في السلطة بمجلس الوزراء فقط، وقد أدى ذلك إلى وقف الازدواجية في الوضعية القانونية التي كانت قبل الطائف، فكانت تتجسد الإجرائية بعضوين مختلفين في الوضعية القانونية: عضو مستقر هو رئيس الدولة وعضو جماعي هو الحكومة تتبدل بتبدل السياسة وتتجدد بتجدد ثقة المجلس النيابي، فلم يعد رأس الهرم الإداري . وأصبح تعيين رئيس الوزراء رهناً باختيار النواب وبالتشاور مع رئيس مجلس النواب ، ولم يعد حل المجلس النيابي من صلاحياته، وحتى استقالة مجلس الوزراء ارتبطت بالتصويت على الثقة في المجلس النيابي، أو باستقالة رئيس الوزراء أو بوفاته، أو بفقدان أكثر من ثلث الوزراء على الأقل، أو عند بدء ولاية رئيس الجمهورية أو بدء ولاية مجلس النواب، وتكون إقالة الوزير بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بعد موافقة مجلس الوزراء أو بنزع الثقة افرادياً منه في مجلس النواب بعد أن كانت إقالة مجلس الوزراء تعود لرئيس الجمهورية وحده بمجرد توقيعه على مرسوم الإقالة.
إن التحول بالصلاحيات وإناطة السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء ، جعله مؤسسة جماعية للحكم في لبنان، فالصلاحيات التي أعطيت لمجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ، والوزراء ، كرست مبدأ المشاركة الفاعلة في إصدار القرارات، فهو بذلك خروج عن النظام الجمهوري الديمقراطي البرلماني البحت، سببه التسوية المهمة التي تأخذ بعين الاعتبار واقع الأوضاع السياسية في لبنان، حيث يدل هذا على أن الاتفاق أخذ بالتوازن الطائفي، إذ عالج اتفاق الطائف مشكلة هيمنة رئيس الجمهورية على بقية السلطات، وبالتالي انسحب ذلك على خفض هيمنة الطائفة المارونية على بقية الطوائف وخاصة السنية والشيعية والدرزية.
ومن أجل اكتمال معالجة المشكلة في النظام السياسي اللبناني، والعودة إلى الاستقرار المنشود تطرق الاتفاق إلى إلغاء الطائفية السياسية التي هي علة النظام السياسي، حيث جعلها هدفاً وطنياً أساسياً يمكن الحصول عليه وفق خطة مرحلية مستقبلاً، فلم يصدر نص بإلغاء الطائفية السياسية، وذلك لأن الأمر يحتاج إلى طول أناة وتبصر لأن الصفة الطائفية للنظام اللبناني جاءت تاريخياً، غير منفصلة عن تأسيس الدولة اللبنانية ، لذلك كان من الصعوبة إصدار قرار بإلغاء الطائفية السياسية ولكن معالجتها ليست مستحيلة ما دامت المعطيات التاريخية تفيد بوضوح أن الطوائف اللبنانية مارست لقرون طويلة العيش الواحد( أي أهم بكثير من العيش المشترك) ويمكن استلهام العيش الواحد، من تراثها التاريخي في سبيل بناء لبنان كوطن واحد لطوائفه كلها.
إن الواقع التعددي الطوائفي في اجتماع الطائف، هو الذي اسقط المطالبة بالإلغاء الفوري للطائفية، وأرجأ عملية تحديد مهل معينة لبلوغ هذا الإلغاء. ومن أجل إلغاء الطائفية السياسية وضعت خطة، تقضي بتشكيل هيئة وطنية من قبل مجلس النواب المنتخب، على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وتضم الرؤساء الثلاثة، وشخصيات فكرية واجتماعية، ويترأس الهيئة رئيس الجمهورية، ومهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية، وعلى أن يسبق إلغاء الطائفي مرور فترة انتقالية هي غير محددة أيضاً، يتم خلالها تجاوز قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة، والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء، والمؤسسات المدنية والعسكرية العامة والمختلطة والمستقلة ما عدا وظائف الفئة الأولى وما يعادلها، حيث تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، وبذلك فإن من سيحصل على الوظيفة لن يكون الطائفي وإنما من ذوي الكفاءات، وهذه المشكلة التي اتصفت بها السلطة التنفيذية من حيث وجود السمة الطائفية في السلطة التنفيذية من ناحية تعبئة الشواغر للوظائف.
أضف إلى ذلك إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية. وتحت بند إصلاحات أخرى، أكد الاتفاق على اللامركزية الإدارية وليس السياسية، والهدف من ذلك تقديم الخدمة الجيدة للمواطنين والمشاركة المحلية لهم. وهذه اللامركزية لا تعني تعديلاً لشكل الدولة المركيزة الموحدة، فطالب من توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، واعتمد الاتفاق خطة الإنماء الموحد الشامل للبلاد، من أجل تنمية لبنان ككل اقتصادياً واجتماعياً، فلا فرز للشعب ولا تجزئة ولا تقسيم، وكذلك نص على إعادة النظر في التقسيم الإداري يما يؤمن الانصهار الوطني ضمن الدولة الموحدة، واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى( القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء.
أما في مجال المحاكم فقد أحيا الاتفاق المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة 80 من الدستور لمحاكمة الرؤساء والوزراء، من أجل ضمان خضوع الحكام والمحكومين لسيادة القانون، وكذلك نص الاتفاق على إنشاء مجلس دستوري في لبنان، حيث لم يتضمن الدستور اللبناني الصادر عام 1926 ولا تعديلاته اللاحقة أي نص عن هذا المجلس، بل إن قوانين عدة حثت على أنه لا يجوز للمحاكم أن تعلن بطلان أعمال السلطة الاشتراعية، والهدف من إنشاء المجلس الدستوري هو لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية، وحدد الاتفاق الجهات التي يمكن لها بمراجعة المجلس الدستوري وهي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وعدد معين من أعضاء مجلس النواب، وأعطى الحق لرؤساء الطوائف مراجعة المجلس الدستوري في ثلاثة مجالات هي: الأحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التعليم الديني، فبذلك وضع حدودا لتدخل الدين بالسياسة، لأن الحفاظ على الحقوق الطائفية للطوائف في هذا المجال يجعلهم ينظرون إلى النظام السياسي بشكل إيجابي، حيث يعترف بالطوائف وبحقوقهم السابقة، ويكون الحصول على الحقوق السياسية بناء على الكفاءة. وهذا ما يناسب النظام السياسي اللبناني ضمن بيئته الداخلية مستقبلاً، من أجل الوصول إلى الغاية الرئيسية التي تعرض النظام ككل للخطر في أي لحظة ألا وهي إلغاء الطائفية السياسية.
ونص الاتفاق على إنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي ذي صلاحيات استشارية، وحث على توفير العلم للجميع، والإشراف على التعليم بشكل كامل، وحث على إعادة النظر بالبرامج والمناهج وتطويرها باتجاه يسهم في تعزيز مسار الاندماج الوطني، وطالب بالمحافظة على الحريات الإعلامية داعياً إلى حرية مسؤولة، ليخدم التوجهات الوفاقية وإنهاء الحرب.
بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي
اللبنانية والعلاقات اللبنانية السورية
وتكملة لمعالجة الوضع اللبناني، والعودة إلى الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، واستعادة سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها، ميز الاتفاق بين الاحتلال الإسرائيلي والوجود السوري. وكانت هذه النقطة من أخطر النقاط وخاصة التي تخص الوجود السوري، حيث كاد الاتفاق أن يتعثر بسبب زيادة طلب اللجنة الشرقية المسيحية من النواب إعطاء الضمانة حول الوجود السوري وإلى متى سيستمر.
ومن أجل بسط السيادة كان لا بد من تطهير لبنان من الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها، ولذلك تم وضع خطة أمنية من أجل بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجياً على كافة الأراضي اللبنانية، وفترة هذه الخطة سنة، وتنص على حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية، إضافة إلى تعزيز قوى الأمن الداخلي وتعزيز القوات المسلحة، وإيجاد حل لمسألة المهجرين اللبنانيين منذ العام 1975، ووضع التشريعات التي تكفل حق العودة . وتأمين الكفيلة بإعادة التعمير.
وأكد الاتفاق على أن لسوريا دوراً أساسياً في عملية إعادة بسط سيادة الدولة، وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. فالمشكلة أن المسيحيين على وجه العموم ينظرن إلى موضوع العلاقات المميزة مع سوريا، نظرة حذر وخوف على الاستقلال، وهذا ما تأكد من خلال مناقشة مسألة السيادة، وكاد أن يؤدي إلى انهيار الاتفاق خلال مناقشته.
ومن أجل عودة سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، أصر الاتفاق على إزالة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 425، وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949، واتخاذ كافة الإجراءات لتحرير جميع الأراضي اللبنانية، وتدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب لتأمين الانسحاب الإسرائيلي، ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار.
وسوريا ولبنان تربطهما علاقات متميزة، تستمد قوتها من جذور القربى ومن روابط التاريخ والجغرافيا والمصالح الأخوية المشتركة، وللحفاظ على هذه العلاقة من التأثير بأمزجة الأشخاص والظروف الطارئة، أو المتغيرات الإقليمية والدولية، كان من الضروري تقييد العلاقة بنصوص واتفاقات مكتوبة تقيها الانفراط مع تغير الظروف، فيجب أن تأخذ العلاقة طابعاً مؤسسياً لذلك أكد الاتفاق على العلاقات المميزة، ونص على ترجمة العلاقات في صورة اتفاقات ثنائية تشمل كل المجالات، ضمن إطار احترام سيادة واستقلال البلدين، وأكد على عدم تشكيل أي من الدولتين تهديداً للدولة الأخرى.
ومنح الاتفاق للجيش السوري مهمة مساعدة الدولة اللبنانية، ويصار بعد الانتهاء من بسط السيادة إعادة انتشار القوات السورية بعد انقضاء سنتين من إقرار البرلمان للتعديلات الدستورية، فإعادة الانتشار ( وليس الخروج النهائي من لبنان) هي بسبب الوجود الإسرائيلي، والخطر الذي يشكله حتى بعد خروجها من لبنان، حيث ليس بمقدور الجيش اللبناني وحده حماية الحدود من أي عدوان إسرائيلي، فوجود سوريا لا بد منه في هذه الظروف.
كان الاتفاق عبارة عن تسوية من أجل الدخول إلى جمهورية جديدة تتخلص من سمات النظام الطائفي، فسعت التسوية بناء على مطالب الطوائف الرئيسية خاصة السنة والشيعة والدروز إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، من أجل الانتهاء من هيمنة الطائفة المارونية المسيحية، وكانت هذه الصلاحيات من أبرز عناوين اختلال الحكم وأزماته وعنه انبثق شعار المشاركة كمطلب سياسي وطني، وقد تخلص الاتفاق من بعض الأعراف الموجودة منذ الاستقلال، إلا أنه أبقى على بعضها الآخر مثل كتوزيع الرئاسات عرفا بين الطوائف المارونية والسنة والشيعة. وقد لبى الاتفاق المطالب، ولكن بقيت المشكلة بشكل غير مباشر بأن سمح مستقبلاً أن تكون هناك مطالب طائفية، وعندما تتوفر الظروف يمكن أن تطالب بالتغيير.