لبنان .. الخلفية التاريخية والوضع الراهن

01/02/2008

مركز الرأي للدراسات

اعداد : هادي الشوبكي

2-2008

- ماذا يجري في لبنان؟ وهل يمكن له الخروج من النفق المظلم وإنقاذ بلد لا يلبث أن يدخل في كل مرة إلى آتون الحرب وتصدع الدولة !؟ المتابع للأحداث منذ ما بعد اغتيال رفيق الحريري يلمس أن الأزمة ( الأزمات ) وتشعبها وتداخل عناصرها لا يجد ما يشيع التفاؤل بأن هناك مخرجا لهذه الأزمة دون تبعات .

لقد جاءت تطورات المواقف بين الموالاة والمعارضة لتفتح صفحة وتضع على بساط البحث ما يعانيه هذا البلد من تناقضات ومشكلات بين التيارات المتصارعة وتطرح العديد من التساؤلات على احتمال نجاح صيغة التعايش المشترك فيه.

إن لبنان الذي دفع أثمانا غالية منذ الحرب الأهلية نتيجة الأوضاع في الشرق الأوسط وانسداد أفاق حل القضية الفلسطينية، مرشح، على ما يبدو، لتسديد فاتورة المخططات والأهداف الأمريكية - الإسرائيلية في المنطقة، فقد سعت إسرائيل وبدعم واضح ومكشوف من قبل الإدارة الأمريكية لجره إلى حرب تصفية للقوى المناهضة للمشروع الأمريكي، وإذا كانت الحرب العدوانية لم تحقق الأهداف التي شنت من أجلها، فإن واشنطن، التي ثار غضبها، لم تتوقف عن البحث عن سبل ووسائل أخرى لتحقيق ما فشل فيه عدوان تموز 2006، فنشطت دوائرها وسفارتها بحثا عن صياغات أخرى، الهدف منها خلق ظروف ضاغطة تعمل على تحجيم قوى المعارضة والإطاحة بها وقطع الطريق على الشارع اللبناني ليعبر عن موقفه إزاء الأوضاع التي أعقبت الحرب العدوانية عليه، وعلى صعيد آخر ذي أهمية بالغة هو ما يمكن أن تشكله هذه الضغوط من تأثير بالغ على دمشق أو التحالف السوري الإيراني ومحاولة توجيه ضربة له في لبنان.

لا يمكن قراءة مواقف الطرفين، الموالاة والمعارضة، من زاوية من هو المصيب ومن هو المخطىء، فالأمر يتجاوز في تعقيداته مثل هذه النظرة فخلف مواقف كل طرف تكمن أهداف ودوافع ناتجة عن القراءة الخاصة لكل طرف للأوضاع المحلية والعربية والإقليمية والدولية، وبهذا المعنى فإن الطرفين يخوضان المواجهة من خلال هذه القراءة وإعداد العدة لقلب الطاولة وخلط الأوراق، فقد تعودنا أن لا شيء ثابتاً ودائماً في لبنان .

إن الحديث عن ''أطماع'' للأقلية البرلمانية من خلال امتلاكها الثلث ''الضامن'' أو ''المعطّل'' في الحكومة واتهامها بأنها تنفذ مخططات خارجية فيه الكثير من التسطيح والتحليل الساذج، ولا يرقى إلى مستوى رؤية الخارطة السياسية للمنطقة بشمولية، فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الساعون إلى تخريب وتفتيت المنطقة وزجها في حروب أهلية في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، ماضون في تنفيذ مشروعهم، ولبنان أحدى حلقاته أو ساحته، وتدرك الأقلية البرلمانية والأكثرية الشعبية أن هناك محاولات لجر هذا البلد إلى مستنقع المشروع الأمريكي الذي يهدف لتوفير الحماية الخالصة لإسرائيل، والمطالبة بالثلث الضامن يهدف إلى ضمان عدم انزلاق الحكومة إلى هذا المستنقع، والخلاف يتركز حول هذه المسالة.

لم يعرف لبنان منذ إعلان وعد بلفور أي استقرار على أرضه، فقد كان هناك على الدوام علاقة متداخلة بين المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والمشروع الطائفي في لبنان، وكان هذا البلد العربي يدفع ثمن الحروب العربية الإسرائيلية سواء من خلال موجات الهجرة من الجنوب إلى الشمال أو الهجرة خارج لبنان إلى أصقاع الأرض، ولم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية عليه فالأطماع الإسرائيلية في مياه لبنان معروفة جيدا، ومحاولة إسرائيل إرغام لبنان على توقيع اتفاقية منفردة معها وفك ارتباطه بما عرف بالمسار السوري، حيث رفض لبنان على الدوام توقيع أي اتفاقية منفردة مع إسرائيل لأنه كان يدرك بأن ذلك سيؤدي إلى سقوطه في قبضة السيطرة الإسرائيلية واستخدامه ممرا إلى المنطقة ونقطة لانطلاق المشروع الأمريكي خلف الحدود الإيرانية الباكستانية .

لقد لعبت إسرائيل دورا تاريخيا في إبقاء لبنان في وضع مأزوم ومتوتر وحرمانه من الاستقرار فتتالت عليه الهجمات الإسرائيلية في الأعوام1978، 1982، 1993، 1996 و2006 ناهيك بالتحرشات الدائمة والمستمرة كما تحاول على الدوام تغذية لعبة النعرات الطائفية والمذهبية والعائلية والجهوية، فيما فشل النظام السياسي في صهر اللبنانيين في وحدة وطنية متماسكة والدفاع عن أرضهم وسيادتهم ومستقبلهم، ولقد هددت (ولا تزال المخاوف قائمة) الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاما بالتقسيم، ورغم أن اتفاق الطائف 1989، الذي نظم العلاقات اللبنانية السورية واتخذ أبعادا حقوقية عبر مفاوضات واتفاقات وقع عليها مجلسا النواب في كلا البلدين، أعاد للبنانيين شيئا من الاستقرار الطائفي إلا أنه لم ينجح في أن يكون أساسا لسلم حقيقي وثابت في منطقة أتسمت بالتوتر وبتعدد المشاريع الاستعمارية والتحالفات الإقليمية.

إن محاولات إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية جرّ هذا البلد إلى حلفها وجعله معبرا لشرق أوسط جديد كانت تحتاج إلى مثل هذه الحرب (تموز 2006)، فوجود إسرائيل العسكري في لبنان واستمرارها في الاعتداءات على مدنه وقراه واحتلال أراضيه، حيث عجزت الوسائل السياسية، يعني في ما يعنيه انفجار الحرب الأهلية وتحقيق مكاسب سياسية وشروط استسلام برعاية أمريكية، وما لم تعيد الأخيرة النظر في سياساتها المدمرة فإن الساحة اللبنانية ومنطقة الشرق الأوسط عموما مرشحة لانفجارات ستعم معظم دول المنطقة.

إن إعادة السلام والاستقرار إلى لبنان لا بد أن يرافقها حل جذري للقضية الفلسطينية حل عادل يضمن الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن المسألة اللبنانية جزء من الصراع العربي الإسرائيلي الذي قد يستمر لأجيال حتى تزول الأسباب التي قادت إلى هذا الصراع.

وإذا كان من المتعذر وجود حل منفرد للأزمة اللبنانية بمعزل عن تسوية الأوضاع في المنطقة فإن مشروع الشرق الأوسط الجديد سيجعل من موضوع التسوية برمتها مسألة في غاية التعقيد خاصة في ظل انحياز القوة الأعظم إلى جانب إسرائيل وعدم قدرة الأمم المتحدة على حمل إسرائيل على احترام قراراتها وإجبارها على تنفيذها، وعدم رغبة النظام العالمي الجديد في حل النزاعات بالطرق السلمية واحترام الحقوق المشروعة للشعوب كي لا تبقى الدول الضعيفة تحت رحمة الدول القوية في المنطقة .

إن تسوية الأوضاع في لبنان تبدو في غاية التعقيد محليا وعربيا وإقليميا ودوليا وهو، أي لبنان، في وضع دقيق جدا وستفضي نتائج الأوضاع الراهنة إلى الولوج في مرحلة جديدة لن يكون عنوانها الاستقرار والحل النهائي في إطار حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، بل أن هذا البلد أصبح محطة تجاذب بين القوى الإقليمية بدعم من قوى دولية، والصراع القائم، بغطاء طائفي، هو في حقيقته صراع بين برنامجين متعارضين وفي حالة اشتباك، بين مشروع يحاول جرّ المنطقة إلى الحلف الأمريكي الصهيوني وآخر يرفض الهيمنة والوصاية .

وأخيرا إن رهن عقد القمة العربية في دمشق أواخر آذار القادم على خلفية حل الأزمة اللبنانية، موقف غير مبرر وغير مفهوم، فلبنان، كما هي القضايا العربية الأخرى في فلسطين والعراق والسودان، بحاجة إلى مثل هذا التحرك العربي من خلال مؤسسة القمة، التي يجب انعقادها وليس تعطيلها لهذه الأسباب، فلبنان يحتاج ومنذ وقت طويل، وتحديداً منذ بدء أزمته السياسية قبل أكثر من عام إلى تحرك عربي عملي وفاعل وجدي لوضعه على سكة الحل الذي تقبل به الأطراف المتصارعة، وإنقاذه من شباك التدخل الأجنبي، وبعدما دخل مرحلة تجاذب إقليمية ودولية خطيرة قد تهدد مصيره. ولا بأس أن يدرك العرب الآن، وقبل فوات الأوان، إن تقصيرهم قد يتحول إلى كارثة جديدة تضاف إلى الكوارث التي تحيق بهم من كل حدب وصوب جراء الشلل القومي وفقدان المناعة القومية التي تستشري في الجسد العربي بحيث أفقدته القدرة على مواجهة العواصف التي تهب منذ سنوات عبر المحيط وفي عقر داره مهددة وجوده وهويته.

فالكيان الصهيوني يوغل في الدم الفلسطيني على مدار الساعة وفي كل اتجاهات الوطن الفلسطيني المحتل، ويمارس جرائم حرب وحصارا جماعيا غير مسبوق في التاريخ الإنساني، مستعيناً بخلاف داخلي بين ''السلطتين'' وبعجز عربي مريب. والولايات المتحدة تمضي قدماً في تنفيذ ''فوضاها البناءة'' لتقويض الدول العربية ونسف أسس وحدتها الوطنية وبنيتها الاجتماعية لتحقيق مضمون استراتيجية الأمن القومي الأمريكي المعلنة العام 2002 التي وضعها حاخامات المحافظين الجدد آنذاك بهدف تفكيك الدول العربية وإعادة تركيبها على أسس مذهبية وإثنية على مثال الكيان الصهيوني، في إطار مشروع ''الشرق الأوسط الكبير'' الذي يواجه مأزقاً فعلياً، لكنه لم يسقط نهائياً بعد.

لقد كان العدوان ''الإسرائيلي'' على لبنان العام 2006 ترجمة بالنار لهذا المشروع، وقد جاهرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس آنذاك بأن العدوان هو ''مخاض الشرق الأوسط الكبير''، لكن المقاومة اللبنانية أسقطت هذا المشروع، إلا أن الإدارة الأمريكية مضت قدماً في استغلال الانقسام السياسي الداخلي، وأفشلت كل الجهود العربية والدولية لوضع لبنان على سكة الحل.

العرب مطالبون الآن بأن يحزموا أمرهم عملياً في إنقاذ لبنان من براثن لعبة أمريكية إسرائيلية خبيثة باتت مكشوفة، ويعودوا به إلى بر الأمان بعيداً عن المشاريع المشبوهة التي تهدد كيانه ووحدته الوطنية.

التاريخ السياسي واتفاق الطائف

تأتي هذه القراءة للأوضاع في لبنان على اثر السجال السياسي في لبنان بين الفرقاء ، وبعد اخفاق كل المحاولات لإنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية وآلية تشكيل الحكومة كما في ذلك المبادرة العربية في انتخاب رئيس للجمهورية.

ونعرض بالتحليل ظروف ولادة لبنان كدولة ونظام سياسي التركيبة الطائفية (بيت الداء) وعلاقة الشأن اللبناني بين الداخل والخارج .

أعلن عن ولادة '' لبنان الكبير'' بحدوده الطبيعية تحت الوصاية الفرنسية المنتدبة عام 1920م، حيث تمتع المفوض السامي الفرنسي بجميع السلطات مما جعله من الناحية القانونية يحكم بصورة مطلقة، واستند نشوء الدولة على الطائفية كأسس يجب مراعاتها عند تأليف السلطة التنفيذية واللجنة الإدارية المعينة التي تتخذ القرار في القضايا التشريعية.

ولتقليص الصلاحيات التي يتمتع بها المفوض السامي، صدر في عام 1922م نظام يعدل النظام الذي تعين بمقتضاه اللجنة الإدارية، وأصبح اختيارهاعن طريق الانتخاب، وتلا ذلك ظهور مجلس تمثيلي في عامي 1922م و1925م.

أقر الدستور اللبناني عام 1926م بعد التقاء عدة إرادات منها إرادة السلطة المنتدبة الفرنسية وإرادة المجلس التمثيلي اللبناني المستندتين قانونياً إلى صك الانتداب.

شهد النظام السياسي تطورات عدة من خلال التعديلات التي أجريت على الدستور، قبل الاستقلال، فكان التعديل الأول عام 1927م والذي بموجبه اصبحت سلطة رئيس الجمهورية لجعلها أعلى من سلطة البرلمان، والتعديل الثاني جرى في عام 1929م، وبموجبه حدد التعامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية عن طريق توسيع دائرة اختصاصات كل منهما وتخفيف القيود المفروضة عليه في العلاقات مع الآخر.

وعلق العمل بالدستور مرتين الأولى منذ عام 1932م - 1934م، والمرة الثانية بين عامي 1939م - 1943من حيث أعلن استقلال لبنان ، وتأسس النظام السياسي الجديد، وفق نظام دستوري .

وبني النظام السياسي اللبناني، الذي لا يمكن تصنيفه كنظام برلماني بشكل مطلق او رئاسي، على أساس حفظ حقوق الطوائف، وعلى أساس من الديمقراطية التوافقية كتلك التي كانت سائدة في أوروبا الوسطى.

تكرست الطائفية في النظام السياسي اللبناني منذ الاستقلال، وتم الإبقاء عليها في الوثائق الرسمية وفي المقدمة الدستور والميثاق الوطني.

يتضح من خلال قراءة الدستور أن للطائفية حضوراً واضحاً،، وتم الإبقاء عليها بعد إجراء التعديل الدستوري عام 1943م (عام الاستقلال ) الذي عالج المواد المتعلقة بالاستعمار الفرنسي.

ووفق المادة التاسعة منه وضعت أنظمة للأحوال الشخصية بعدد الطوائف المعترف بها قانونياً وعددها، في ذلك الوقت، خمس عشرة طائفة هي: 1. المارونية.

2. طائفة الروم الأرثوذكس.

3. الروم الكاثوليكية الملكية.

4. الطائفة الأرمينية الغريغورية الأرثوذكسية.

5. الطائفة الأرمينية الكاثوليكية.

6. الطائفة السريانية الكاثوليكية.

7. الطائفة السريانية الأرثوذكسية.

8. الطائفة الإنجيلية.

9. الطائفة الشرقية النسطورية.

10. الطائفة اللاتينية.

11. الطائفة الكلدانية.

12. الطائفة اليهودية.

13. الطائفة السنية.

14. الطائفة الشيعية.

15. الطائفة الدرزية.

وأنشئت لهذه الطوائف هيكلية تشبه إلى حد بعيد الهيكلية السياسية التي من صلاحيات الدولة، وأقرت المادة العاشرة من الدستور حرية التعليم في جميع المراحل، وسمحت للطوائف بأن تتبنى مناهج تعليمية خاصة مختلفة مما أدى إلى تكريس الطائفية وتعزيز مظاهر الإنقسام والفوضى.

أما المادة الخامسة والتسعون فقد كرست الطائفية من خلال النص على العدالة في توزيع المناصب بين الطوائف، وشجعت بصورة مباشرة الانخراط في الطائفية والتمسك بها بشكل رسمي .

أما الوثيقة الرسمية الثانية التي ساهمت في تكريس الطائفية فقد تمثلت بالميثاق الوطني، وهو وثيقة وطنية سياسية غير مكتوبة تبناها رئيس الجمهورية بشارة الخوري المسيحي الماروني، ورئيس الوزراء رياض الصلح المسلم السني، بعد وصولهما إلى الحكم عام 1943م، بموافقة الحركة الوطنية في سوريا، وبتشجيع من ممثل الحكومة الفرنسية.

وانبثقت طائفية الميثاق الوطني من خلال ما تضمنه من مبادئ رئيسية أهمها أتفاق الطرفين المسيحي والإسلامي على توزيع مناصب الدولة الرئيسية على الطوائف، بالإضافة إلى تقاسم الوظائف ذات المسؤولية في الدولة حسب أهميتها لكل طائفة، ومما أكد طائفية النظام السياسي في لبنان إعتباره أن شرعية ولادته مستمدة من الميثاق الوطني وقد أسس أعرافاً لا يمكن تجاوزها، فتوزعت السلطات بين الطوائف، وجاء تشريع قوانين ليراعي المجتمع الطائفي، وإعطاء الضمانات للطوائف.

تطور النظام السياسي اللبناني واعتبر أن للطوائف اللبنانية حقوقاً في النظام يجب أن تنالها، وساعد على ذلك الدستور والميثاق الوطني، فلاحظ الزعماء التقليديون المسلمون (اغتراب) الشارع الإسلامي عن الدولة اللبنانية عندما طرحوا مسألة المشاركة عام 1973م.

اتفاق الطائف

هو الاتفاق التاريخي الذي وافق عليه النواب اللبنانيون بتاريخ 22/10/1989 في مدينة الطائف، بالمملكة العربية السعودية وتمت المصادقة على وثيقة الاتفاق من قبل مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/11/1989.

وهو وليد المؤسسة البرلمانية والتحكيم العربي والدعم الدولي والأمريكي بشكل خاص لتهيئة المنطقة للدخول في مفاوضات السلام العربية - الإسرائيلية وهو ما احتاج اليه اللبنانيون بعد طول نزاع، كما بين سليم الحص في دراسة له بعنوان لبنان بعد اتفاق الطائف : الإيجابيات والسلبيات حيث يؤكد الحص على إن نصّ الاتفاق ليس جامدا بل هو خاضع للتطوير في المستقبل ومن الخطأ النظر الى معادلة الطائف على أنها هدف في ذاته لأنه لم تلغ الطائفية السياسية التي تعتبر الإشكالية الأساسية في المجتمع اللبناني، ولكنها أتت بصياغة جديدة لآلية الطائفية السياسية من اجل إضفاء المزيد من التوازن على صيغة المشاركة في الحكم انه ينبغي اعتبار مرحلة ما بعد اتفاق الطائف مرحلة انتقالية يؤمل ان تنتهي في يوم من الأيام بتحقيق حلم الشعب اللبناني بنظام لا تمييز فيه، تسوده العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الواحد، ويكون ذلك بإلغاء الطائفية السياسية من النظام. ووجد انه استطاع ان يلامس ما كان يحمل في نفوس الناس على مر السنين من افكار إصلاحية تنادي بوضع السلطة في مجلس الوزراء مجتمعا باعتبار المسؤول امام المجلس النيابي وبالنص على نهائية الكيان اللبناني في اطار الهوية العربية وبالتوجه سياسياً وتربويا على بناء لبنان الواحد والإبقاء على النظام اللبناني بوجهه الليبرالي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا وثقافياً ''.

وبالعودة الى الميثاق الوطني وتطبيقاته منذ أظهرت عدد من نقاط القصور كان من أبرزها :

* التوجه نحو جعل النظام اللبناني نظاماً برلمانياً ويمليه النواب هم الذين أجازوا الاتفاق وأيدوه.

* تحول الحكم الى شراكة بين قوى سياسية كانت الحرب أفقدتها الى حد بعيد الصلة الكافية لجمعها وهم النواب والمليشيات دون تجاوز هاتين الفئتين على القوة النامية التي كسبت مواقع في المجتمع عن طريق غير طريق الميليشيات وهي القوة التي أجبرت على السلام والوحدة.

* الفوضى الدستورية المتجلية شكلا في ما سمى حكم الترويكا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وظهور ثنائية السلطة التنفيذية لحود - الحريري ومن ثم لحود - السنيورة، والتمديد للحود ثلاث سنوات بعد فترة الرئاسة الدستورية ، وحدوث الفراغ الدستوري الرئاسي والإخفاق بعقد مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية 14 مره .

إلا ان الميثاق من جانب آخر حقق بعض المنجزات وتوقف عندها، فأوقف الحرب ولم يحقق السلام الحقيقي، وبسطت الدولة سلطتها وبقي السلاح في يد المقاومة وانسحبت سوريا عام 2005 من لبنان وقبلهاانسحبت إسرائيل من جنوبه عام 2000، فهدمت الدويلات ولم يكتمل بناء الدولة وتوقفت الدورات الاقتصادية المناطقية بسبب : أولاً: التطبيق المشوه لاتفاق الطائف ثانياً: تطورات الوضع الإقليمي ومؤتمر السلام ( انابوليس) الذي أعاد ربط وضع لبنان بالتجاذبات الإقليمية.

ثالثاً: الخلل الجوهري في النظام الطائفي .ومن الملفت أن الإتفاق حاول أن يرسي قاعدة التوازن الطائفي، لمرحلة عدم التوازن التي سادت قبل الحرب الأهلية...

وبعد أكثر من 19 سنة على الاتفاق، لا زالت الأمور بعيدة عن هذا التوازن، وأدت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في موازين القوى السياسية وضعاً أغرى ويغري بعض الفئات بفكرة استبدال الهيمنه الطائفية، بهيمنة طائفة أخرى الأمر الذي أدى الى اصطدام بمأزق تاريخي للنظام الطائفي اللبناني وفقدان التوازن بين هذا النظام والديمقراطية.

لم يقدم النظام الطائفي الضمانات الكافية لأبناء الطوائف، واستمر يخدم مصالح النخب الطائفية، ولذلك كان لا بد من البحث عن بديل اقل طائفية، بل بديل غير طائفي يركز على الديمقراطية، والشفافية في السياسة الإدارية، وضمان الحريات العامة، وأولوية تطوير الموارد البشرية . لقد وجد لبنان نفسه أمام مآزق سياسية بعد اتفاق الطائف جعله يبتعد شيئاً فشيئاً عن أهداف الاتفاق.

الطريقة التي غادر فيها الرئيس اللبناني موقعه، الفراغ الذي نشأ حالة الانقسام التي يعيشها لبنان، فغدا، يعيش حالة من الشلل السياسي يكاد يكون كاملاً فخلو موقع الرئاسة، ووجود حكومة مختلف على شرعيتها بعد استقالة وزراء الشيعة وضع البلاد ليس في حالة فراغ دستوري بل أحدث شرخاً عميقاً في البنية السياسة التي نشأت على أساسها الدولة، منذ الاستقلال.

لغة الحوار

لقد ساعدت لغة الحوار '' المتصارعة'' على تعميق المأزق في الحياة السياسية إضافة إلى مأزق ارتباط الأزمة اللبنانية بالتسويات الإقليمية حيث ان أزمة القيادة ذات مستويات مختلفة سواء على مستوى الأحزاب أو السلطة أو النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالإضافة الى أزمة الفكر السياسي والانتماء الديني والطائفي والمذهبي وأزمة الهوية للقيادية اللبنانية.

وللتعرف على أزمة النظام السياسي اللبناني لابد من ذكر أهم السمات الطائفية في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وكيف عالجها اتفاق الطائف وما هي صفات النظام بعد 19 عاماً. لقد كرست الطائفية وجودها في السلطة التشريعية بموجب قوانين الانتخاب، حتى استقر آخر قانون انتخابي عام 1960، ومن خلال العرف والميثاق وتشكيل اللجان داخل المجلس النيابي وبتقسيم عدد المقاعد النيابية بنسب 6 للمسيحيين و5 للمسلمين، وظاهرة توزيع الطوائف على 26 دائرة انتخابية. ( بني هذا التقسيم على اساس التعداد السكاني عام 1931).

وبالنسبة لمجلس النواب تم تعزيز دوره في مجال التصويت على القوانين والانتخابات الرئاسية وخاصة تشكيل الوزارات وكان هدف التعديل هو أعادة قدر من التوازن بين الرئاسات الموزعة طائفياً وعمل الاتفاق على حماية مجلس النواب وذلك من خلال الحد من حق مجلس الوزراء في حل المجلس كما ظهر في البند الخامس ضمن الإصلاحات السياسية لمجلس الوزراء.

اصلاحات سياسية

وعالج الاتفاق موضوعا هاما يتعلق بإجراء إصلاح مهم على مستوى قانون الانتخاب حيث اختيرت المحافظة كأساس للدائرة الانتخابية مع وجوب إعادة النظر بالتقسيم الإداري بعد ان كان القضاء أساس الدائرة الانتخابية.

وزيادة عدد المقاعد من 99 مقعدا الى 108 مقاعد بعد ان كان الاقتراح في نص الوثيقة التي أعدت من قبل اللجنة الثلاثية العربية 128 مقعدا ولكن هذا الاقتراح لقي معارضة مسيحية مدعومة من نواب مسلمين، خوفاً من دخول نواب بالتعيين مقربين من السوريين (حركة امل) و(الحزب التقدمي الاشتراكي) والذي تبنى مطلبهم النواب المؤيدون لوجهه نظر الجبهة الوطنية وطالب الاتفاق ان يستحدث مجلس للشيوخ مع انتخاب اول مجلس نواب على أساس وطني طائفي تتمثل فيه جميع العائلات وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية وصدر قانون الانتخاب اللبناني عام 2000 الذي يواجهه الان رفضاً من قبل التيار الوطني الحر ومسيحي قوى 14 آذار . وهناك مواد ونصوص تحد من آلية ممارسة السلطة من قبل المجلس ويمكن ان تنزع عنه صفة '' الإناطة'' التي تعني ضرورة : التحكم في آلية ممارسة السلطة بشكل دقيق. فالمادة (53) تعطي لرئيس الجمهورية قدرة على التحكم في مسار ممارسة السلطة الإجرائية والفقرة الأولى منها تجيز له ان يترأس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء وممارسة حق التصويت لكن حضوره يعني إبقاء شراكته كاملة في السلطة التنفيذية .

والفقرة (11) تجيز له عرض أي أمر طارىء على مجلس الوزراء خارج جدول الأعمال الأمر الذي يجعله مشاركا أساسيا في ترتيب الأوليات المطروحة للمناقشة والبت في مجلس الوزراء اما الفقرة (12) من المادة (53) نفسها، منحته الحق في دعوة مجلس الوزراء استثنائيا كلما رأى ذلك ضرورياً.

ان الفقرات الثلاث السابقة من المادة المشار اليها تفسح المجال لتكريس أعراف دستورية لاحقة وهو ما يعني وجود ثنائية داخل السلطة التنفيذية تتوزع بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وإلى إختلال صيغة التوازن في الحكم التي سادت مختلف الحقبات الحكوميةو التي غالبا ما أظهرت فتورا في العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية عند نشوء أي أزمة حكومية او وطنية الأمر الذي دفع بالأطراف المساندة لرئيس الوزراء الى المطالبة بالمزيد من الصلاحيات الدستورية لإعادة التوازن .

مرجعية النظام

والمتابع للمشهد اللبناني يلاحظ ان اتفاق الطائف وما تبعه من تعديلات دستورية بخصوص صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ومجلس النواب والقضاء، ساعد على تكريس الانفصال بالممارسة لأنه افقد النظام المرجعية والفيصل الذي يتحكم إليه عند الحاجة الى إصدار قرار حاسم حول أي موضوع خلافي.

وظهرت السمة الطائفية من خلال تخصيص أعلى منصب قضائي، للطائفة المارونية وتوزيع باقي المناصب القضائية على الطوائف، بنسبة التوازن الطائفي كما تظهر السمات الطائفية حيث ظهرت من خلال تقسيم المناصب العليا في الجيش بين الطوائف، فقائد الجيش ماروني ورئاسة الاركان للدروز .... إضافة الى قبول الطلاب في المدرسة الحربية وفق طريقة المحاصصة بين عدد من الزعماء السياسيين والطائفيين.

أما الجنود فيدخلون عن طريق التطوع، وكان يطبق التوزيع الطائفي حيث شكل المسلمون أغلبية أفراد الجيش، أما ثلثا الضباط فمسيحيون.

ومع اتجاه النظام السياسي اللبناني إلى الانهيار مع بداية الحرب الأهلية عام 1975م، تفكك الجيش، ولم يبق منه عملياً إلا ثلث عدده الأصلي، وللتخفيف من حدة الطائفية في قانون الدفاع، أجرى الياس سركيس رئيس الجمهورية خلال فترة حكمة (1976م 1982م) إصلاحاً دستورياً نقلت بموجبة سلطة القيادة العليا للجيش من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، ومجلس الدفاع الأعلى....وما لبث ان تعرض للتفكك بعد اتفاقية 17 أيار عام 1983م مع إسرائيل في عهد رئاسة امين جميل، وفي عام 1988أنقسم الجيش عندما ترك أمين جميل الرئاسة، وجرى تعيين العماد ميشيل عون رئيساً للحكومة العسكرية .

وكانت الأحزاب السياسية اللبنانية قد بدأ تشكلها مع إعلان الدولة اللبنانية عام 1920م، وبسبب تعددها وكثرتها لا يوجد معيار واحدة يمكن اعتماده في تصنيفها.

ولكن يمكن تقسيم الأحزاب المعبرة عن الطوائف إلى قسمين:

أولاً: الأحزاب المسيحية:

1-حزب الكتائب.

2- حزب الكتلة الوطنية.

3-الوطنيون الأحرار.

4-القوات اللبنانية 5- حزب المرده .

ثانياً: الأحزاب الإسلامية الطائفية الرئيسية،

ومثلت الطوائف الرئيسية، السنة، والشيعة، والدروز، ومن هذه الأحزاب:.

1- الحزب التقدمي الاشتراكي(درزي)

2- حركة أمل (شيعي)

3- حزب الله.(شيعي(.

4- اللقاء الوطني (سني)

5- جماعة الاخوان المسلمون (فتحي يكن/ سني) اضافة الى عدد من الاحزاب الملحقة بطائفة او مذهب .

وجاء أتفاق الطائف ليعالج سمة الطائفية التي تكرست عبر النصوص الدستورية والأعراف والتقاليد التي ورثها النظام، منذ ولادته عام 1920م، الذي أكد على هوية لبنان العربية وعدم التبعية، ونقل السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وطالب بتشكيل لجنة عليا لمحاولة التخلص من الطائفية، وحل الميليشيات العسكرية وتسلم الجيش زمام السلطة .

تعديل قانو ن الانتخاب

وتعديل قانون الانتخاب باعتماد المحافظة كدائرة انتخابية، صوناً للانصهار الوطني، والتعبير الصحيح عن إرادة العيش المشترك، ونص على أن توزع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين (6 الى 6) بدلاً من 6 إلى 5 وزيد عدد المقاعد النيابية ليصبح 128 مقعداً، بدلاً من 99 مقعداً .

وطالب الاتفاق إنشاء يستحدث مجلس للشيوخ وانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي .

إن الواقع التعددي الطوائفي كما تم التعبير عنه في اجتماع الطائف هو الذي اسقط المطالبة بالإلغاء الفوري للطائفية، وأرجأ عملية تحديد مهل معينة لبلوغ هذا الإلغاء، ولكن معالجة الطائفية ليست مستحيلة ما دامت المعطيات التاريخية تفيد بوضوح أن الطوائف اللبنانية مارست لقرون طويلة العيش الواحد (أي أهم بكثير من العيش المشترك) ويمكن استلهام العيش الواحد، من تراثها التاريخي في سبيل بناء لبنان كدولة لكل مواطنيها. والسؤال الان هل اللبنانيون أمام جمهورية ثالثة.... بعد 19 عاماً من اتفاق الطائف وهذا السؤال برسم القوى الفاعلة على الساحة الللبنانية والإقليمية والدولية .

ماذا يقولون !!؟

يؤكد علي غندور عضو المبادرة الوطنية اللبنانية على ضرورة تصحيح العلاقة السورية - اللبنانية، فخلال 30 عاما لم يكن هناك توضيح لهذه العلاقة التي قامت على أساس الوطن الواحد وبدون تبادل للسفراء، وشكلوا دولة واحدة منذ عام 1921، وكانت العملة بالليرة السورية وكان البنك المركزي للبلدين هو بنك سوريا ولبنان، فقد استمر التلاحم الاقتصادي الى ما بعد الاستقلال اللبناني .

ان سنوات ما بعد عام 1948 شهدت قطيعة بين البلدين اثناء حكومة خالد العظم في سوريا، ورياض الصلح في لبنان لكن هذه القطيعة اقتصرت على الجوانب الجمركية، واستمر الحال الى أن برزت بعض القضايا أثناء تواجد القوات السورية في لبنان، كترسيم الحدود وقضايا اخرى متعددة لكنها لم تؤثر على ضعف العلاقة مع سوريا.

ويتابع غندور... لقد مر لبنان منذ تأسيسه بأزمات متعددة لا زالت تعصف به، فمنذ عام 1931 لم يكن هناك تعداد للسكان....ولم يتأثر النظام السياسي بالديمغرافيا ولا بتوزيع المناصب السياسية والوظائف البسيطة، ولا باختيار العاملين في الجيش اللبناني... وكانت كلها قائمة ومبنية على اساس التوزيع الطائفي رغم الشكوى من هذا الوضع.

ومنذ الميثاق الوطني عام 1943، ساد جو في لبنان لم يعد معه المسيحي اللبناني ينظر الى فرنسا، ولا ينظر المسلمون الى سوريا، وبقي الميثاق الوطني، وبقي العرف اللبناني سائداً، لأن الدستور على سبيل المثال، لم ينص على أن رئيس جمهورية لبنان يجب ان يكون من الطائفة المارونية، ولا الشيعي رئيساً للبرلمان، وما بقي هذا العرف حتى الحرب الأهلية الكبرى عام1975 .

والميثاق الوطني.. هو النص غير المكتوب الذي نظم اسس الحكم في لبنان بين قيادات الموارنه والسنة والشيعة، وأكد على الاستقلال اللبناني... وأرخ لعهد نظّم اوضاع اللبنانيين بمكوناتهم كافة من وطنية وثقافية ومدنية وطائفية وسياسية ليعيشوا وفق تطلعاتهم المستقبلية وسجل العرف في هذا الميثاق ان يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس المجلس النيابي شيعياً، وفي توزيع المناصب على الفئات الطائفية 6 مسيحيين و5 مسلمين أي بنسبة 6- 5.

ويستعرض علي غندور مفاصل سياسية مهمة، فعندما انتقل السلاح الفلسطيني الى لبنان مطلع سبعينيات القرن الماضي، اعتبر المسلمون هذه مناسبة لتصحيح أوضاع الميثاق الوطني، واقتربوا من العرف الذي ارساه الزعيم الدرزي، كمال جنبلاط الذي اصبح بتحدث باسم المسلمين، وكان يتزعم الجبهة الوطنية للمعارضة في لبنان.

وفي سنوات 1975-1976 وما بعدها، انقسم الجيش اللبناني واندحرت القوات الموالية للكتائب في بيروت وحاول جنبلاط ان ينقل المعركة الى الجبل، وجاء اجتماع ''عرمون'' وطالب الموارنة بدخول الجيش السوري الى لبنان لوقف ''اندحارهم '' في لبنان، إلا ان السوريين رفضوا الدخول الى لبنان، الا بموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل.. وجاءت الموافقة، وسمح للجيش السوري بدخول لبنان بغطاء عربي.( قوات الردع العربية ). في حين عارض، في البدايات، المسلمون والفلسطينيون ذلك . في عام 1982.

دخلت اسرائيل الى لبنان، وانكفأ الجيش السوري الى البقاع والداخل اللبناني، وغادر الفلسطينيون الى تونس واحتلت اسرائيل بيروت والجبل، وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي ، وحرب حركة أمل والقوات الاشتراكية، وسقوط اتفاق 17 أيار.. ظل الجيش السوري في مواقعه لكنه بقي بعيدا عن الجنوب اللبناني.

جاء اتفاق الطائف عام 1989، ومهندسه المرحوم رفيق الحريري، لإجراء تعديلات على النظام الطائفي، وتم بموجب هذه التعديلات تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية، واصبح النظام اللبناني ديمقراطيا توافقيا بين السنة والشيعة والموارنة بغض النظر عن العدد، فانخفض عدد المسيحيين وأصبح الوضع مناصفة بينهما بدلاً من 6-5.

ونص الإتفاق على تشكيل لجنة لإلغاء الطائفية في لبنان، لأن كل طائفة تريد ان تستولي على القطعة الأكبر من الكعكة ... إلا ان اللجنة لم تشكل ولم تباشر عملها، و حتى تشكل التعددية الطائفية الموجودة في لبنان غنى ثقافياً وحضارياُ يجب ان تكون المساواة هي التعبير السياسي والاجتماعي بين المواطنين وليس قائما على أسس طائفية، لأن اللبناني عندما يولد يصبح على رأسه سقف الطائفة لا يعرف أين يؤدي به.

ان اتفاق الطائف حاول إلغاء الطائفية، ولكنه بعكس ذلك منح بعض الأمتيازات للطوائف، وفشلت فكرة تشكيل مجلس شيوخ الى جانب المجلس النيابي إلا ان هذه الفكرة تعثرت رغم انه كان لها ان تمتص بعض الاحتقان الطائفي.

ويضيف غندور... لبنان قاوم، وكانت هناك مقاومة بدأت مبكرا بقيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الشيوعي قبل حزب الله الذي انبثق عن حركة ''امل'' بعد اختفاء او مقتل موسى الصدر الذي اسس ''حركة المحرومين'' في لبنان.

من جانب آخر إضاف غندور ان الحريري متحالف مع طرف من الموارنة، (جعجع). والمعارضة متحالفة مع الجنرال عون.

فكل فريق وطائفة لها مرجعية، وهناك جهات تفاوضت مع إسرائيل. وأننا ونقف اليوم أمام مشكلة كبيرة اذا لم يتم التوصل الى اتفاق.

إن الاتفاق يحتاج الى موافقة الخارج: سوريا السعودية إيران أمريكا فرنسا، والمؤثرون فيه هم سوريا وإيران وإذا أردنا ان نصغر المسألة فإن اتفاقا سوريا سعوديا،إذا ما اجتمعوا على حل، فإن طرفي الصراع سيصلان الى حل قبل انعقاد القمة العربية في دمشق.

وفي قراءة سريعة للمشهد، فأن اللبنانيين يرغبون بحل الخلافات القادم من الخارج فهم لا يريدون الدخول في حرب أهلية جديدة... وأوكد هنا ان حزب الله لا يمكن وبالمطلق ان ينجرّ الى الحرب أهلية في لبنان.

ويحدد غندور ثلاث قضايا رئيسية تشكل قضايا الخلاف بين الفرقاء وهي انتخاب رئيس الجمهورية وليس هناك مشكلة حو ل هذا الموضوع . وتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب وعدد الوزراء وهذا ايضاً ليس مشكلة.

والقضية الثالثة قانون الانتخاب.

وهناك محاولات وتفاصيل على هذا الصعيد لكنها لا تعد عقبة تحول دون الاتفاق.

وحول الاغتيالات في لبنان يقول غندور.. لها منفذ ومخطط وهناك اتهامات تحاول وسائل الأعلام الترويج لها وهناك من يقف وراء الفتنة وهم ليسوا أصحاب فكر لكنهم أصحاب مصالح.. وهناك محاولات لوأد المحكمة الدولية في التحقيق باغتيال الحريري التي يجب دعمها وآخر ما طغى على وضع احداث نهر البارد.

وأعرب غندور عن اعتقاده بأن الحل قادم وبوقت قصير لكن الخوف ان يتم ذلك بطريقة الترقيع.

كما اكد على ان احد سبل الخروج من المأزق اللبناني هو في فصل الدين عن الدولة لأننا لا نرى سياسيين يتحدثون في الدين او رجال دين يتحدثون في السياسة الا في لبنان.

واختتم غندور حديثه بأنه يعمل من خلال ''المبادرة الوطنية'' التي تتشكل من شخصيات سياسية ونواب وصحفيين بهدف تقديم المشورة للسياسيين للخروج بلبنان من الوضع الراهن.

عودة لبنان الى محيطه العربي

وأشار الأب جورج شيحان - رئيس المركز الماروني في الأردن الىأن المميز والإيجابي في الواقع اللبناني الحاضر هو ان كثيرين في العالم العربي ينظرون بكثير من الأهمية والشوق الى ان يعود لبنان الى حضوره الفاعل في محيطه العربي.

ولكن بحكم الموقع الجغرافي هو محط تجاذب وكل مرة كانت الإدارة المحلية في لبنان سيدة قراراتها وكان الشعب في الداخل والمنطقة عامة ينعم بالسلام وعندما تتفاعل التداخلات الخارجية تتعثر المسيرة ويحدث على مثال ما نحن عليه اليوم. ودعا الأب شيحان الى :

1. تفعيل مقررات السينودس من اجل لبنان الذي اطلقه البابا يوحنا بولس الثاني لطريقة حل وسبيل عيش السينودس الذي وضع القضايا الأساسية في موقعها وافسح في المجال للكلام الجدي عن الخلل المتزايد منذ اقرار اتفاق الطائف. لعل اهم ما يمكن عمله اليوم في اطار السينودس ليس الجانب السياسي بل الجانب الاجتماعي ودور الكنيسة في اعادة ربط الناس بها على الأصعدة كافة والسينودس فرصة تاريخية للعمل الجدي للحفاظ على الوجود المسيحي الفاعل وعلى تدعيمه في اطار الوحدة الوطنية.

2. التأكيد على الحوار المسيحي- الإسلامي في كافة القضايا الخلافية والتمسك بثوابت الوجود المسيحي الحر المنفتح على الجميع في اطار السيادة الوطنية.

3. تفعيل طاقات المجتمع المدني بكافة مؤسساته وللمسيحيين دور بارز في حركة المجتمع المدني وفي نشاطاته المتنوعة.

4. محاورة الشباب (جيل الحرب) والعمل على إعادة ربطه بأطر العمل السياسي الديمقراطي.

5. العمل على رفع معنويات الناس لا من خلال التعاطي في الأمور السياسية - المعطلة اصلا بل في تنفيذ مشاريع اجتماعية وإنمائية تعيد الى الناس الثقة بالنفس والثقة بالمجتمع ما دامت الثقة بالدولة مفقودة.

في الختام، السند الأكبر للبنانيين، مسيحيين ومسلمين، هم اللبنانيون انفسهم. فلن يساعدهم احد اذا هم لم يساعدوا انفسهم وبوسائلهم الذاتية .... والتاريخ، اذا احسنا فهمه، يبقى خير دليل.

لا غالب ولا مغلوب

وقال النائب بسام حدادين يبدو ان المحاولات الجارية لحل الأزمة اللبنانية على قاعدة ( لا غالب ولا مغلوب) ستلقى مصير المحاولات العربية والدولية التي سبقتها العلنية منها وغير العلنية، اعني الفشل.

ويبدو، ايضا، ان هذه المحاولات لن تتوقف وستظهر اشكال أخرى من المحاولات (الوساطة) لأنها الوسيلة الوحيدة لإبقاء طرفي النزاع في حالة مراوحة في نفس المكان، دون الوصول الى مرحلة الحسم والإبقاء على بالوسائل غير الدستورية.

لقد برعت القوى اللبنانية المتصارعة (المعارضة والموالاة) في ادارة معاركها السياسية وبناء تحالفاتها الداخلية (اللبنانية) والخارجية (العربية والإقليمية والدولية) وأظهرت كفاءة عالية في استخدام الأوراق المتاحة، وصاغت خطابها السياسي بدرجة عالية من الدقة والحنكة السياسية ووظفت ببراعة ادوات ووسائل الأعلام والمنابر على اختلافها لخدمة رؤيتها وتجيش الرأي العام الداخلي والخارجي لأسنادها.

كل طرف من الأطراف المتصارعة (الموالاة والمعارضة)، يحاول اقناعنا بأنه قدم تنازلات لكن الطرف الآخر لم يقابله بالمثل، والحقيقة ان الطرفين لم يقدما تنازلاً جدياً واحداً. يغير من مسار خارطة الطريق التي رسمها كل طرف لأهدافه المعلنة وغير المعلنة

إذا دققنا بما يقوله كل طرف عن الآخر، نجد ان كل ما يقال صحيح، مع الأخذ بنظر الاعتبار الشحنات الزائدة من المبالغة لغايات الدعاية والتحريض.

وما يقال في معرض كشف المستور او ستر المكشوف، يشمل عناوين في غاية الخطورة، ويكشف كم حجم التداخل والتعقيد الذي يلف عناوين الخلاف : الأستقلال، سيادة الدولة، والطائفية، الديمقراطية، الوصاية، التبعية، اسرائيل ...الخ.

يبدو لي كمراقب ان قوى 14 آذار (الموالاة) كسبت معركة تقديم نفسها كصاحبة مشروع الدولة الواحدة وسيادة القانون ونجحت في كسب المعركة دولياً وعربياً الى حد بعيد وكسبت المعركة ببعدها الحضاري وقد نجح رئيس الحكومة (السنيورة) بتقديم نفسه كنموذج حضاري منسجم بخطاب وطني متوازن.

في المقابل، فقد نجحت المعارضة وخاصة بعد حرب تموز على تقديم نفسها كقوة مقاومة وممانعة يحسب حسابها، وقد ظهر دور حزب الله كقائد وموجه للمعارضة وظهرت الطائفة الشيعية، باعتبارها تتحكم بالواجهة السياسية للبنان وتسعى لدور فعل في إدارة الدولة والحكم.

وظهر حزب الله باعتبارة حليفاً لإيران وسوريا بالسراء والضراء، في المقابل ظهر التنسيق الواضح بين الموالاة والغرب (أمريكا وفرنسا) لكن هذا التنسيق لم يظهر باعتباره تحالفاً بالسراء والضراء.

ويبدو للمراقب ايضا ان الدول العربية عاجزة عن فعل أي شيء إزاء الملف اللبناني باستثناء سوريا طبعا بسبب الجوار والحضور السياسي وغير السياسي الهائل الذي تشكل عبر عقود.

اخيرا كمراقب يبدو لي ان الملف اللبناني الشائك سيظل مفتوحاً واغامر بالقول ان رئيسا جديدا للبنان لن ينتخب حتى موعد الأنتخابات النيابية القادمة التي سيسعى كل طرف الى كسبها حينها سيكون كل طرف قد استنفد الطرف الآخر حتى النهاية وتكون قد نجحت المعارضة في كسب الوقت وحرمت الأغلبية لن تستلم وستظل تلعب كما المعارضة في كل اوراقها وتهيئة الشارع ليوم الحسم. لكن حرمانها من ورقة الرئاسة وشل الحكومة الذي اضعف قدرتها على الكسب في معركتها مع المعارضة. وليس امام اللبنانيين سوى ان يعملوا منذ الآن على ملف الأنتخابات النيابية لإجرائها في موعدها الدستوري ويتسلح حينها الفائز بقوة معنوية كبيرة لأدارة البلاد حتى لو لم يكن يمتلك الثلثين في مجلس النواب وهذا هو المتوقع على كل حال.

احتكام المعارضة الى الشارع

وقال رئيس مركز القدس في الاردن عريب الرنتاوي قد بلغ الاحتقان في لبنان حدا ينذر بانتقال المواجهات السياسية إلى اشتباكات في الشارع، بعد أن وصل التصعيد ذروة غير مسبوقة، وقد تميزت التحضيرات لإحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري هذه السنة بـ:

(1) بلوغ المبادرة العربية طريقا مسدودا في ظل استمرار تخندق الفرقاء حول مواقفهم وشروطهم المسبقة، وذلك بعد أسابيع قليلة على سقوط المبادرة الفرنسية التي بدت لبعض الوقت، مبادرة إنقاذية..

(2) تلويح المعارضة بالاحتكام إلى الشارع والنزول إليه، وقيامها ببعض البروفات على هذا الطريق من نوع الاعتصامات والمظاهرات والإضطرابات ذات الطابع المطلبي.

(3) لجوء الموالاة إلى بعض مفردات الحرب الأهلية، من نوع أهلا بالمواجهة والحرب إن فرضتا علينا، ولا مشكلة في الحصول على السلاح والتدرب عليه، وتسيير قوافل من المسلحين في بعض الشوارع والمفترقات وإطلاق النار الكثيف الذي تعدى طابعه الاحتفالي بخطاب هذا الزعيم او جولة لذاك، إلى استهداف مراكز للمعارضة ومقرات لرموزها كما حصل بإطلاق النار على دارة نبيه بري في عين التينة.

وبعد التأجيل الرابع عشر للاستحقاق الرئاسي، لا يبدو أن لبنان يقترب من لحظة الخروج من عنق الزجاجة، وليس مستبعدا أبدا أن يمر تاريخ السادس والعشرين من شباط / فبراير الجاري، موعد الجلسة المقبلة لمجلس النواب المقررة لانتخاب رئيس عتيد، كأي يوم آخر في لبنان، كما ليس من المستبعد أبدا، أن تلتئم القمة العربية المقبلة ولبنان من دون رئيس، هذا إن قدّر للقمة أن تلتئم في الزمان والمكان المقررين لها.

ظاهريا، يبدو الخلاف بين اللبنانيين منحصراً في العناوين التالية: الموالاة تدعم ترشيح العماد سليمان لرئاسة الجمهورية على أن تبدأ العملية السياسية الوفاقية بانتخاب الرئيس، ولاحقا تأتي قضايا تشكيل الحكومة وهوية الرئيس ومضمون البرنامج الوزاري ومبادئ قانون الانتخاب الجديد، أما المعارضة، فتوافق على انتخاب العماد سليمان، وإن كان بعضها قد بدأ يسحب أو يلوح بسحب ترشيحه لقائد الجيش ويتهمه بالانحياز لفريق الأغلبية، وتطالب بالاتفاق على هوية رئيس الوزراء ''التوافقي أيضا''، وتوزيع الحقائب الوزارية والاتفاق على برنامج عمل الحكومة وبيانها الوزاري.

الموالاة، ترفض منح المعارضة ''الثلث الضامن أو المعطل'' والمعارضة لا تكتفي برفض إعطاء الموالاة لنصاب الثلثين في الحكومة، بل وتصر على الثلث المعطل / الضامن كذلك، وهي إذ ''حرمت'' من ترشيح العماد ميشل عون ذي النفوذ والتمثيل المسيحي الأكبر من منصب رئاسة الجمهورية لصالح رئيس توافقي، تصر على حرمان سعد الحريري، ذي النفوذ والتمثيل السني الأكبر من منصب رئيس الحكومة، وتصر على رئيس وزراء توافقي بالمثل.

أما قانون الانتخاب، فيكتفي الطرفان بالقول أنهما يريدان قانونا جديدا للانتخاب، مبنياً على أساس اعتماد الدائرة الصغيرة: القضاء، أساسا، في حين تبدو مواقف الفريقين مختلفة حول عدد آخر من العناوين من بينها تحديد موعد الانتخابات المقبلة، حيث تطالب المعارضة بتبكيرها فيما تصر الموالاة على إجرائها في موعدها المقرر.

وإذا كانت العناوين السابقة تختصر الأزمة اللبنانية في بعدها الداخلي، إلا إن الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة اللبنانية تحتل مكانة أكثر أهمية، بل وتلعب دورا مقررا في إيصال لبنان إلى شاطئ الأمان أو دفعه إلى قعر الهاوية التي يبدو أن الأطراف المحلية تتمترس على حافتيها.

فلبنان الذي تحول إلى ''عقدة اتصالات ومواصلات'' للموفدين والزائرين من مختلف عواصم الأرض، عاد ليكون ساحة مناسبة لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية، وأرضا تلتقي فوقها العديد من خطوط التماس بين المحاور والمعسكرات المصطرعة.

فالولايات المتحدة، ومعها بدرجات متفاوتة ومواقع متباينة أطراف أوروبية وعربية، تقف بقوة خلف فريق الموالاة وحكومة السنيورة وائتلاف الرابع عشر من آذار، بيد أنها - واشنطن - تتميز عن باقي حلفائها وشركائها، بانتهاجها سياسة أقصائية في التعامل مع الملف اللبناني، فواشنطن التي قبلت بـ''تلزيم'' للبنان لأصدقائها الجدد المقربين في الإليزيه: ساركوزي وكوشنير، كانت لها تحفظاتها الواضحة على المبادرة الفرنسية حيال الاستحقاق الرئاسي، خصوصا لجهة مكافأة أنصار سوريا وحلفاء إيران من اللبنانيين أو لإشراك سوريا في حل الأزمة اللبنانية والإقرار بدورها هناك، مع ما يحتمله ذلك من إمكانية الإفراج عن سوريا المحاصرة والمعزولة عبر البوابة اللبنانية.

وواشنطن استقبلت ترشيح العماد ميشيل سليمان بكثير من التحفظ، قبل أن تعود لإسقاط بعض تحفظاتها عليه، وهي التي طالبت على لسان رئيسها بانتخاب رئيس للبنان من فريق الأكثرية البرلمانية وبأغلبية النصف زائد واحدا، متعهدة بدعم أي رئيس جديد وتسويقه إقليميا ودوليا وتوفير شبكة أمان له ولمؤيديه من اللبنانيين.

وواشنطن استقبلت بحذر حتى الآن، المبادرة العربية حول لبنان، وهي تصر على إعطاء هذه المبادرة تفسيرات متطابقة مع آراء فريق الأكثرية والموالاة، بل وتشير كافة التقديرات والمعلومات إلى أن واشنطن ليست في عجلة من أمرها في مسألة انتخاب رئيس جديد، وأنها تفضل الانتظار والفراغ على أمل الوصول إلى رئيس متطابق مع فريق الأكثرية، على استعجال الاستحقاق بانتخاب رئيس توافقي.

في المقابل، يبدو لبنان رأس جسر للنفوذ الإيراني في المنطقة، بل وأهم ساحة لاختبار هذا النفوذ بعد ''عراق ما بعد صدام''، فمن خلال حزب الله شمالا - وحماس جنوبا - تبدو إيران على مقربة من الصراع العربي الإسرائيلي، و''واحدة من دول الطوق''، في جيبها جزء لا بأس من أوراق الحرب والسلام، الاستقرار والتصعيد في هذه البقعة من العالم.

ولبنان من منظور سوري، يمكن أن يكون ورقة القوة الأكبر، ويمكن أن يتحول إلى ''الخاصرة الرخوة والضعيفة''، يمكن أن يكون ذخرا للإستراتيجية السورية في الإقليم ويمكن أن يكون عبئا عليها، ولهذا فليس واردا في حال من الأحوال التخلي عن الدور السوري في لبنان، أو أن تترك دمشق حلفائها في لبنان نهبا للفريق الآخر وحلفائه، قبل أن يتم إغلاق عدد من الصفقات والتسويات التي تبدأ بالمحكمة الدولية ولا تنتهي بملف الجولان المحتل.

وتلعب السعودية دورا متزايدا في لبنان، خصوصا من خلال علاقاتها التحالفية مع تيار المستقبل وعدد واسع من الفعاليات اللبنانية من مختلف الطوائف، وقد تحول لبنان إلى ساحة يتنفس عليها الخلاف السعودي - السوري، وتحديدا من اغتيال الرئيس الحريري وبالأخص بعد حرب تموز / آب 2006 و''خطاب أنصاف الرجال''.

وقد فشلت جميع المحاولات التي بذلت للتقريب ما بين الرياض ودمشق، وفي كل مرة كانت تفشل فيها واحدة من هذه المحاولات أو تصطدم بطريق مسدود، كان الوضع اللبناني يتأزم على الفور، وترتفع نبرة الخطابة والرطانة المحلية، ويتحول التراشق الإعلامي بين فريقي 14 آذار والثامن منه، إلى حالة من القلق والاستنفار الأمني.

وثمة معطيات عدة تؤكد بأن السعودية لم تبد ارتياحها للمبادرة الفرنسية، والتي كادت تتحول إلى مبادرة فرنسية سورية مشتركة، قبل انهيارها وبلوغ التأزم بين دمشق وباريس حد الإعلان عن وقف الاتصالات، كما أن السعودية تدعم بقوة تفسيرا للمبادرة العربية يسقط معظم مطالب المعارضة، وقد لوحظ مؤخرا أن الرياض تقوم بحملة دبلوماسية إقليمية ودولية للضغط على سوريا بهدف إرغام دمشق على ممارسة ضغوط على حلفائها في لبنان لتمرير مطالب الأغلبية النيابية وحلفاء السعودية.

وكان لافتا إقدام السعودية مؤخرا بتغطية العجز في ميزانية المحكمة الدولية، وإبلاغها الأمم المتحدة التزامها بدفع مستحقات الأعوام الثلاثة المتوقع أن يستغرقها عمل المحكمة الدولية، كما كان لافتا ربط المملكة لحضورها قمة الرياض بإقدام سوريا على تسهيل مهمة انتخاب رئيس لبناني جديد، بل وتلويح بعض أصدقاء المملكة بأن القمة لن تعقد ما لم يمر الاستحقاق الرئاسي اللبناني بهدوء، وإن عقدت، فبتمثيل متدن من قبل دول عربية رئيسة كالسعودية وربما مصر وعدد آخر من دول ''الاعتدال العربي''.

وينعقد إجماع المراقبين للأزمة اللبنانية على القول بأن ''وفاقا سعوديا سوريا'' بات متطلبا ضروريا وشرطا مسبقا لحلحلة العقد المستعصية في لبنان، وهو أمر يحتل مكانة الصدارة في تحركات العديد من العواصم العربية التي تسعى في بذل مساعيها الحميدة وتكثف جهود الوساطة بين العاصمتين.

وإلى أن يتحقق وفاق كهذا، فإن من غير المتوقع أن يتقدم لبنان على طريق التهدئة والاستقرار، بل ربما يشهد قريبا استئناف مسلسل الاغتيالات وتنوع أهدافها، مثلما قد نشهد احتكاكات بين أنصار الفريقين على إيقاع التصعيد الكلامي، السياسي والإعلامي من جهة، وفي مناخات التسلح والتدريب وعودة ''النبرة المليشياوية'' لأمراء الحرب الأهلية وزعماء الطوائف.

هل ينزلق لبنان الى الفتنة؟

اشار محمد خروب المستشار والمحلل السياسي في صحيفة الرأي وردا على هذا السؤال الذي تقدم المشهد اللبناني المأزوم بعد ان ارتفعت وتيرة التصريحات الحادة التي يقصف بها رموز الفريقين المتواجهين 8 و14 آذار بعضهما بعضاً في اشارة لا تخلو من دلالة مع ان الأمور توشك على الخروج على اتفاق السيطرة وتستدعي شياطين الماضي حيث ما يزال أمراء الحرب او معظمهم يلعب ادوارا لتلك التي لعبوها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وان كانت الساحة اللبنانية قد شهدت ولادة لاعبين جدد مثل حزب الله الذي يبرز الآن كأحد اقوى القادرين على التأثير في مسار الأزمة الراهنة التي جسدت انقساما لبنانيا غير مسبوق أفقيا وعامودياً بعد ان دخلت الطائفة الشيعية على الخط التقليدي الذي طبع الصراع السني المسيحي وخصوصا الماروني رغم ان الدروز لعبوا دورا مؤثرا في تاريخ لبنان الا ان القرار في النهاية كان ثنائيا وبات الآن ثنائيا ايضا ولكن هذه المرة اسلاميا (سنياً شيعياً) في تراجع الدور المسيحي وتحديدا بعد اتفاق الطائف (1989).

وهو الذي يتجلى الآن في ازمة انتخاب رئيس الجمهورية رغم ان '' كرسي'' قصر بعبدا مخصص للطائفة المارونية..

لا نذهب باتجاه تطويق الأزمة بل وان التدخلات الإقليمية والدولية تجعل لبنان ساحة ومختبرا للصراعات الدائرة بين معسكرين يدعم احدهما فريقا لبنانيا بشعارات وتفسيرات وقراءات معينة فيما يقف المعسكر الآخر بصلابة الى جانب الفريق اللبناني الثاني مدافعا وداعما وحاضنا على اكثر من صعيد ...

هذا الصراع الإقليمي والدولي لا يلغي ابدا ان الأمور على الساحة اللبنانية تأخذ طابع الشحن الطائفي ولا سبيل للخروج من نفق الأزمة الذي لا يلوح في نهايته أي ضوء سوى التوافق وإعادة الاعتبار للمقولة اللبنانية الشهيرة ''لا غالب ولا مغلوب'' حيث لا تحتمل المعادلة اللبنانية ''التاريخية'' أي انتصار لأحد الفريقين او شعور الفريق الثاني بأنه قد هزم وبات في قفص الحصار ودفع الأكلاف ...

قد يري البعض أننا نذهب في اتجاه الأستنتاجات السهلة او الرغبة في عدم توصيف الأشياء وتسميتها بأسمائها الحقيقية ثم الاصطفاف الى جانب هذا الفرق او ذاك..

ليس هذا هو واقع الحال وليس هو هاجسنا بالتأكيد .

فقط اردنا الإضاءة على تفصيلات وتعقيدات المشهد اللبناني الذي يكاد ان ينذر بكارثة جديدة ستفوت في اكلافها وتداعياتها ما لحق ببلاد الأرز في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وبخاصة ان العالم قد تغير كثيرا بعد ان وصل اللبنانيون الى الطائف وقد انهكتهم الحروب وأصلتهم الى ''الجدار'' .

تفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم بعد ان تفككك الإتحاد السوفياتي وخرجت واشنطن جريحة ومتوترة ومستفزة بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 وفرضت لعبة المحاور وتصنيفات عالم الأخيار وعالم الأشرار نفسها على الجميع وكان لبنان بعد العراق وافغنستان هو الساحة التي سيتقرر على ضوئها مستقبل كثيرمن الملفات والقضايا.

من يحكم لبنان ؟؟

واشار حازم مبيضين الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة الرأي ان هذا السؤال كبير يؤشر على واقع بلد الأرز أنه يحتمل العديد من الإجابات المتباينة بتباين المجيبين عن السؤال، لكن المؤكد أن لبنان محكوم من قبل العديد من القوى التي لا تمتلك اي واحدة منها القوة أو القدرة أو الشرعية لحكمه منفردة أو بمعزل عن القوى الأخرى المتواجدة والمتصارعة على الساحة اللبنانية سواء كانت تلك القوى داخلية بأجندات متباينة أو خارجية تتحرك على تلك الساحة من خلال لبنانيين ارتضوا أن يكونوا أدوات لها ، سواء تستروا بالدين أو القومية أو باي مبررات يرتضونها ويرفضها المجتمع اللبناني مثلما يرفضها العقل والمنطق . صحيح أن هناك تفاهماً تاريخياً تضمنه الدستور اللبناني ينص على تقاسم المناصب الرئيسة الأولى بين الطوائف الثلاثة الكبرى، فيمنح رئاسة الحمهورية للموارنه ، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية ، ويمنح الشيعة رئاسة المجلس النيابي، لكن موازين القوى تؤكد أنه من غير الممكن تسنم واحد من هذه المناصب دون رضى الطوائف الاخرى، ولنا في أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس الذي انتهت ولايته اميل للحود أكبر دليل، إذ أنه حتى لو توافق أبناء الطائفة المارونية على شخصية بعينها، فانه لابد أن تحظى هذه الشخصية بموافقة الطائفتين الشيعية والسنية.

وحين نطرح السؤال، سنسمع إجابة عن حكم بندقية المقاومة للشارع اللبناني سواء لجهة التعاطف أو لجهة الخشية من عواقب المخالفة، لكن المؤشرات تدل على أن هذه البندقية محكومة لرغبات ومصالح الولي الفقيه في طهران، بحكم الانتماء الطائفي لقيادة هذه المقاومة المتمثلة بحزب الله . وسنسمع أيضا أن حكومة فؤاد السنيورة هي من يحكم، مع اتهامها بالخضوع للمخططات الاميركية، والرضوخ لاملاءات بعض الدول العربية المناكفة لسورية ودورها في لبنان، وسنسمع أن الموالين لهذه الحكومة، أو بعض أطرافها يمتلكون قوة في الشارع لكنهم لا يطلقون لها العنان حفاظا على وحدة البلد ومستقبل ابنائه، وسنسمع أن لمخابرات هذه الدولة أو تلك أصابع قادرة على تحريك أدواتها في لبنان سواء كانت هذه الأدوات أحزابا أو صحفا أو شخصيات سياسية قادرة على التمويه على انتمائها الفعلي برفعها الصوت عن مصلحة البلد.

وسنسمع الكثيرعن حكم لبنان من خلال الثروات التي توزع بغير حساب على الأنصار والمحازبين وعن توريث المواقع لغير مستحقيها ، وعن الانتماء الطائفي البغيض الذي يجري تسييسه من خلال إنشاء أحزاب لاتضم إلا أبناء الطائفة التي ينتمي إليها مؤسسوها ، وسنسمع أكثر من كل ذلك أن لبنان محكوم من قوى خارجية تتصارع على تلك الساحة الرخوة لتحسين مواقعها في ساحات أخرى يصعب عليها اللعب فيها كما في لبنان .

والمؤكد أن لبنان محكوم بكل ما ذكرناه وأنه لهذا السبب لا يمكن الحسم فيه، وقد أثبتت تجربة الحرب الاهلية التي اندلعت لسنين طوال أن لبنان غير قابل للحكم إلا بصيغة التوافق ولا غالب ولا مغلوب.