مشكلة المياه في الأردن وآفاق المستقبل

01/04/2008

مركز الرأي للدراسات

اعداد : أ.د. الياس سلامه

4/2008


تبحث هذه الدراسة بعد المشكلة المائية في الأردن، وتورد بعض الأفكار عن البعد الإقليمي لموارد منطقة الشرق الأوسط ككل.

قد تكون أهم الخصائص الطبيعية لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وللأردن بشكل خاص وقوع معظم أراضيها ضمن المناخ شبه الجاف، ولهذا السبب فإن الأردن بطبيعته شحيح الموارد المائية. وبعد التطورات التي جرت في النصف الثاني من القرن الماضي أصبح بالامكان القول أن الأردن يعاني من عجز مزمن في موارده المائية، وان مستقبل الوضع المائي سيكون حرجاً ومحدداً لكثير من طموحاته في تنمية موارده الزراعية والصناعية، وحتى في تزويد المواطنين بالكميات الكافية من المياه المنزلية للمحافظة على الصحة العامة.

وقد تلوثت المصادر المائية بسبب النشاطات البشرية سواء الزراعية منها أو الصناعية أو التمدنية، وبدأت مرحلة التصحيح البيئي وعلاج ما تلف من مياه سطحية وجوفية. وبخصوص الموارد المائية أود أن أذكر بما يلي: - يقع الأردن في منطقة فقر في مصادره المائية، وتفاقم هذه المشكلة يؤدي في ضوء ازدياد عدد السكان إلى أزمة تزويد محلي للغذاء تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.

- لا تكفي مصادر المياه الأردنية إلا لري جزء بسيط من أراضيه، وحيث أن لمياه الشرب أولوية على بقية الاستعمالات فإن الاستعمال المتزايد للأغراض المنزلية الناتج عن الارتفاع في مستويات المعيشة والازدياد في عدد السكان سيتم على حساب الاستعمالات الأخرى وخاصة الزراعية منها.

- تتمتع المياه في المناطق الجافة التي يقع الأردن ضمنها بقيمة وأهمية تفوقان تلك التي تتوافر في دول المناخ المعتدل، ولذلك فإن محاذير مشددة يجب أن تلازم أي تخطيط لاستغلال المصادر المائية، أو تغيير نوعيتها.

- وتكمن مشكلة الموارد المائية في الأردن في عناصر التطور الاقتصادي والاجتماعي والنمو السكاني. فالنمو السكاني وما يتضمنه في معادلة الموارد والسكان هو المحدد الرئيسي لأوجه التطور الاقتصادي والاجتماعي كافة. واختلال معادلة الموارد والسكان وعلى رأسها الموارد المائية هو العائق الرئيسي في الوصول إلى مستويات أفضل من التطور، وهو العائق الرئيسي في سرعة الوصول إلى المستوى الجيد.

- فالخلل الرئيسي ليس في تنفيذ المشاريع، أو تخصيص الأموال فحسب، وإنما في المحاولة المزدوجة الهادفة أيضاً للتخطيط للاتي:

1. غطية الفروق بين المستوى الحالي للاستهلاك والمستوى المرغوب فيه للحياة الصحية المتمدنة.

2. تغطية احتياجات الزيادة السكانية: وهذه معادلة مركبة يحتاج حلها إلى المزيد من الموارد المائية، والمزيد من المشاريع والأموال، والمزيد من السرعة في التنفيذ.

وإذا ما حدث نقص في توفير العناصر الواردة أعلاه فإن الأزمة سوف تتفاقم، إذ يتراكم فوق المحاولة المزدوجة الهدف أي تغطية زيادة الاستهلاك الناتج عن ارتفاع مستوى المعيشة واحتياجات الزيادة في عدد السكان عنصر جديد هو تغطية التقصير في المشاريع، لأن أي نقص مائي يلحق بتغطية الزيادة في عدد من السنوات يسجل عجزاً على السنوات التي تليها.

- تتفاقم أزمة المياه أيضاً بمركبة أخرى وهي أن شبكات المياه والمشاريع تحتاج إلى تجديد واستبدال بعد انقضاء فترة على إنشائها، وألا فستكون النتيجة زيادة في إنتاج المياه لتغطية الفاقد بسبب اهتراء الشبكة وتآكلها وتردي نوعية المياه نتيجة دخول الملوثات إليها.

موارد المياه في الأردن

تستقبل الأراضي الأردنية كمية أمطار تتراوح بين 30ملم/عام في المناطق الجنوبية الشرقية و 600ملم / عام في المناطق الشمالية الغربية. إلا أن هذه المعلومة لوحدها قد لا تكفي لبيان شح الموارد المائية في الأردن.

إلا أن معرفة أن 2ر3% فقط من مساحة الأردن تستقبل معدل أمطار يزيد على 300ملم/عام، قد يعطي صورة أوضح عن الوضع المائي، حيث أن هذه الكمية هي الحد الأدنى الضروري لنمو القمح، تحت ظروف الزراعة البعلية. كما أنه يبين أيضا أن 83% من الأمطار في الأردن تهطل على مساحات تقل فيها كمية الأمطار عن 300ملم/عام وهذا يعني أن الأردن لا يستطيع الاستفادة الا من 17% فقط من مياه الأمطار التي تهطل فوقه استفادة مباشرة، وذلك باستثناء مشاريع الري والسدود ووسائل جمع المياه الأخرى.

أما 83% من مياه الأمطار فيستفاد منها جزئياً في المراعي، أو أن القليل منها ينساب إلى السدود أو القيعان أو يتسرب إلى المياه الجوفية ويرفدها، وهناك خاصية أخرى لموقع الأردن وهو أن مقدرة المناخ على التبخر تتراوح من 1800 ملم/عام في المناطق الشمالية الغربية إلى 4200 ملم/عام في المناطق الجنوبية الشرقية، وهذه الأرقام تساوي 3 أضعاف إلى 140 ضعفا كمية الأمطار في تلك المناطق.

ونفذت في الأردن الكثير من المشاريع لتطوير المصادر المائية، فقد أنشأت سدود كثيرة لجمع مياه الفيضان واستغلالها للأغراض المختلفة وحفرت مئات الآبار الجوفية وأنشأت قنوات الري الممتدة لعشرات الكيلومترات. ووصلت شبكات التزويد المائي إلى ما يقارب 99% بالمائة من السكان. كما أنشأت محطات معالجة المياه العادمة المنزلية والصناعية وأصبحت تخدم أكثر من 70% من السكان. ووضعت التشريعات المائية والبيئية لخدمة المصادر المائية والحفاظ عليها من التلوث والنضوب.

لم يحالف الحظ كافة المشاريع المنفذة فقد أتى بعضها دون الطموحات وفشل بعضها الآخر مثل مشروع سد الكرامة وأصبح بعضها الآخر عالة على الاقتصاد الأردني والبيئة والصحة في الأردن مثل مشروع استخدام المياه غير المتجددة لأغراض الزراعة ومحطات المعالجة العاملة بطريقة التنقية الطبيعية مثل محطة الخربة السمراء ومادبا والرمثا والعقبة وغيرها قبل إنشاء المحطات الجديدة الفعالة.

وعلى الرغم من كل المشاريع المنفذة والتشريعات الموضوعة وإجراءات الحماية المتبعة يبقى شح المصادر المائية هو العائق والتحدي الأساس في تطور الأردن.

ويضع هذا التحدي الأخصائيين والسياسيين تحت ضغوط شديدة وقلق على مستقبل الأردن الاقتصادي وخاصة في ضوء المشاكل الكثيرة التي يعاني منها هذا القطاع مثل شح الموارد، ازدياد الطلب، نضوب المصادر والتلوث والاستغلال الجائر للمياه غير المتجددة دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق أجيال المستقبل في هذه المصادر.

استعمالات المياه الحالية

وتوقعات الاحتياجات المستقبلية

تبلغ الاحتياجات المائية المتوقعة في عام 2010، 2020 للأغراض المنزلية والصناعية باعتبار أن نمو السكان طبيعي أي دون موجات الهجرة. 400 و 550 مليون متر مكعب سنوياً.

أما الاحتياجات لأغراض الزراعة فهي حالياً 580م م م/ سنوياً، وتخضع العديد من الاحواض المائية للضخ الجائر مثل الضليل والأزرق والديسه ووادي العرب والمخيبة. والمصادر المائية القابلة للتطوير قليلة وشحيحة ومشتركة مع دول أخرى. وقد أدى الاستغلال غير المدروس والجائر لبعض الأحواض التي تردي نوعية مياهها.

فاستغلال مياه الأزرق بجلبها إلى عمّان، واستغلال جزء منها في الزراعة في منطقة الأزرق أدى إلى هبوط سطح الماء، وبدأت علامات تسرب المياه المالحة إلى أحواض المياه الجوفية تظهر في المناطق المختلفة. كذلك اتلف في الستينات والسبعينات حوض الجفر بالضخ الزائد غير المدروس، وأصبح وضع منطقة الضليل حرجاً نظراً لأن الكمية المستخرجة من المياه تزيد على معطيات الحوض المائي وإمكانياته.

وقد امتد الاستغلال أيضا إلى منطقة قاع الديسي، سهل الصوان، والذي يحوي مياهاً ليست كلها متجددة. أي أن الأردن أخذ يستنزف احتياطي مياهه غير المتجددة أيضاً.

-ومياه الديسي - سهل الصوان- المدورة مياه عذبة من الدرجة الأولى صالحة للاستعمالات المنزلية، وتستغل حالياً لزراعة الحبوب وغيرها، وهو مشروع غير مجد اقتصادياً بالمقاييس العالمية، ولا يخدم مصالح الوطن على المدى البعيد.

كذلك تعرضت الموارد المائية للتلوث، وأصبح العامل الرئيسي الذي يحد من المصادر المائية ويلوثها هو محطات معالجة المياه العادمة المنزلية، وما تصرفه من مياه شبه معالجة إلى الأودية والسدود.

والأمثلة على ذلك كثيرة، منها خربة السمراء التي أدت إلى تلوث وادي الضليل وسيل الزرقاء وسد الملك طلال إلى درجة أصبحت مياهها غير صالحة حتى لأغراض الزراعة، وجعلت الحياة على امتداد هذه المجرى المائي الرئيسي في الأردن صعبة، وغير مستوفية للشروط الصحية.

ومن الأمثلة أيضا محطة: جرش، العقبة، الطفيلة، الكرك، الرمثا، المفرق، ابو نصير وغيرها، وقد لوثت المياه المصروفة من هذه المحطات موارد مياه سطحية وجوفية رئيسية جاعلة كمية المياه المتوفرة للاستعمالات المختلفة في الأردن أكثر شحاً، لأن تلويث هذه المصادر جعلها غير صالحة لمعظم الاستعمالات.

وبالإجمال فإن المياه العادمة المنزلية شبه المعالجة أخذت تؤدي إلى تلف أحواض مائية سطحية وجوفية متعددة. كذلك فقد أخذت مكاب النفايات الصلبة تؤدي إلى تلويث مصادر المياه السطحية والجوفية في مناطق مختلفة من المملكة.

ويتضاعف سكان الأردن كل حوالي 20 عاماً، وهذا يعني تضاعف كميات المياه ومشاريع المياه المنزلية في الفترة نفسها على الأقل. يضاف إلى ذلك رفع كميات التزويد للوصول إلى المستويات المقبولة صحياً، وإصلاح الشبكات والمشاريع المائية المتوافرة وصيانتها.

ويمكن تقدير كمية الجهد والمعدات والأجهزة الضرورية للوصول إلى المستويات المقبولة صحياً بعد حوالي 20 عاماً بأضعاف ما هو موجود حالياً في مشروعات التزويد المنزلي.

يتبين من الاستعراض السابق أن الأردن يعاني من نقص في موارده المائية، وأن زيادة كمية المياه المتاحة أو التي يمكن جعلها متاحة أصبحت ذات كلفة عالية، أي أن المشروعات معتدلة الكلفة لم تعد موجودة أو ممكنة.

فالموارد المائية المتاحة والتي يمكن ستطويرها سوف لن تغطي الاحتياجات المنزلية والصناعية المتزايدة مع بقاء الاستعمالات الزراعية ثابتة بعد سنة 2010، هذا عند اعتبار الزيادة الطبيعية في عدد السكان، وبقاء نمط استهلاكهم شحيحاً على ما هو عليه الآن.

هذا وبعد تنفيذ جرّ مياه الديسه إلى التجمعات السكانية وإيقاف الزراعة في منطقة الديسه لضمان استمرارية عطاء الحوض المائي (وبالطبع سوف تستخدم المياه العادمة المصروفة بعد الاستعمالات المنزلية وبعد معالجتها، في الزراعة مما سوف يعوض عن فقدان إنتاجية منطقة الديسه ولربما ستزيد الإنتاجية عن ذلك بكثير). وبعد تنفيذ مشروع قناة البحرين اي البحر الأحمر الميت وما يرافق ذلك من إنتاج طاقة ومياه محلاه لن يبقى للأردن حّل سوى تحلية مياه البحر لتغطية الاحتياجات المتزايدة.

لقد أصبح الأمر يتطلب تغيير سياسات المياه إلى رفع كفاءة الاستعمال أكثر من محاولة إيجاد واستغلال مصادر جديدة. لقد أصبح التحدي الذي يواجهنا هو تطوير التكنولوجيا الضرورية لتلبية حاجات أنظمة تزويد المياه واستعمالها، ومعالجة المياه العادمة وإعادة استعمالها. أما لذا استمر الوضع الحالي فإننا سنشهد الأحواض المائية تتهاوى واحداً تلو الأخرى نتيجة للاستنزاف والتلوث.

وتجعل الزيادة المطردة في عدد السكان مواجهة هذا التحدي أمراً صعباً، إذا لم يكن شبه مستحيل، وقد استنزفت إمكانيات السياسة التقليدية في تطوير مصادر جديدة، وأصبح تغيير السياسات المائية وطرق الإدارة إلى ادارة الحلول الجذرية والى وضع الاستراتيجيات الديناميكية الواقعية أهم ما يتطلبه هذا القطاع.

بدأت في الأردن حديثاً مجموعة من المشاريع الإسكانية والمدن الصناعية والمنطاق الصناعية. ووضعت هذه جميعاً في مناطق يتعذر معها تأمين المياه بشكل لا يؤثر سلباً على الاستعمالات القائمة حالياً على تلك الموارد المائية. الا يجدر بنا التفكير بأن المشاريع الإسكانية الجديدة والمشاريع الصناعية يمكن ان تنشأ حيث تتوفر المياه أو قربها.

هل أجريت أية دراسة على إمكانية إنشاء تلك المشاريع الصناعية والإسكانية بالقرب من الديسه وجعل السكان ينتقلون إلى هناك والاستغناء عن جر مياه الديسه إلى التجمعات السكانية وبهذا نقلل من الضغوط البيئية والاقتصادية والاجتماعية عن مناطق التجمعات السكانية الحالية.

وهناك في ادارة الموارد المائية عنصر هام أصبحت دراسته وتقييمه وتغيير طرق معالجته ضرورة وطنية ألا وهو تسعيرة المياه. فأسعار المياه للاستخدامات كافة يجب أن تعكس الكلفة الحقيقية لهذه المياه.

ومن المتوقع أن يستغل المزارع المياه بحرص اكبر إذا ما كان ثمنها يعكس كلفتها الحقيقية. فالاستمرار في سياسة الدعم الحالية سيؤدي بنا إلى عدم المقدرة على تلبية الاحتياجات. كذلك فإن مستغلي موارد المياه غير المتجددة في الضليل والأزرق وقاع الديسي - سهل الصوان يدفعون فقط كلفة ضخ المياه ولا يدفعون أي شيء مقابل استنزاف موارد مياه الشعب، واحتياجات المستقبل، والأجيال القادمة من هذه الموارد.

إن وضع أسعار محددة وعادلة لمثل هذه الموارد المائية سيؤدي حتماً إلى توفير جزء من الكميات المستغلة، وقد يؤدي أيضا إلى إعادة النظر في الجدوى الاقتصادية للمشروعات الزراعية، وستصبح مشروعات المياه الضخمة في العقود القادمة في ضوء شح الميزانيات، والتأثيرات البيئية السلبية اقل جاذبية وأصعب تطبيقاً، ومن هنا فإن السياسة المائية أصبحت تتطلب الإقلال من الاستهلاك بدل رفع كميات التزويد.

إن التغير إلى سياسة اقتصادية مائية أكثر كفاءة لن تكون مهمة سهلة. إلاّ أن هذا التغير يجب أن يبدأ ويستمر، علماً بأن التكنولوجيات لهذا التغيير متوافرة. ولهذا فإن تخصيص الأموال والاستثمار في رفع كفاءة استعمالات المياه ستجعل بعض المشروعات المكلفة، وغير المناسبة بيئياً مثل تلك التي نفذت في أواخر القرن الماضي غير ضرورية. وقد أصبح المطلوب أيضا إيجاد معادلة للالتزام الأخلاقي تجاه مواردنا المائية المتناقصة أولا بأول، وتجاه البيئة الطبيعية التي نعيش فيها، وهذا الالتزام الأخلاقي يفرض علينا تحمل المسؤولية، ليس فقط تجاه الأفراد والمجتمع بل تجاه البيئة بعناصرها كافة من مياه وتربة وهواء، وكائنات حية تعيش في هذه البيئة.

ويفرض الالتزام الأخلاقي علينا التحول من غزاة للأرض إلى مواطنين محبين نحميها. أن حالة فوق الإشباع بالسكان والتمدن والتصنيع العشوائي بالإضافة إلى ضعف التعامل الأخلاقي مع مياهنا، ونقص المقدرة في مؤسساتنا، وتعدد هذه المؤسسات وتضارب مصالحها تشكل أسبابا تؤدي إلى نقص مواردنا المائية وشحها، وضياع الأمن المائي والغذائي اللازم للأجيال القادمة.