المناهج الدراسية وفرية الدعشنة

05/11/2015


إعداد: طه عبد الوالي الشوابكه

المقدمة: في ظل ما يشاع من جدل طابعه التجني على مناهجنا الدراسية الحالية بعيدا عن الموضوعية والإنصاف وردا على سلسلة المقالات ذات العلاقة رأيت - كدارس ومهتم وعامل في سلك التعليم لثلاثة عقود مضت - إن من واجبي الإدلاء بدلوي بغية تسليط الضوء على جملة من الحقائق من شانها وضع الأمور في نصابها القويم حول مناهجنا الأردنية حفاظا عليها كمنجز وطني يحق لجميع الأردنيين الدفاع عنه بعيدا عن التملق أو المجاملة لأي شخص كان, وللرد على من يغمزون ويلمزون مناهجنا بعين الريبة والتشكيك منذ عام ونيف تقريبا.
إن ما سنورده لاحقا من حقائق يتحصن بها المنهاج الدراسي الأردني من شانها دحض ما يزعمه النُحاة الجدد حين نحتوا (متوهمين) مصطلح (الدعشنة) في مناهجنا الأردنية مثلما أشاعوا زعما أيضا ترسيخها لنهج الأحادية والتلقين وإقصاء الآخر وما إلى ذلك مما احتواه قاموسهم الذرائعي المحشو باللغو وضبابية الرؤية, وكأني بهم يتحدثون عن مناهج ميتافيزيقية مطوية في رحم الغيب لا تتواجد بالمجان في كل بيت بين أيدي جميع الناس باختلاف مستواهم التعليمي والاجتماعي, ليأتي حديثهم - سبحان الله - نشازا يقوض صدق فريتهم.
العرض: لإعداد هذه الدراسة (التحقيق) قام الباحث بالتمعن والتحليل لبعض مضامين هذه المناهج للوقوف على مدى صدق المدعين من عدمه, مدعما تحليله بالحقائق والشواهد الملموسة, وللتعرف على واقع حال هذه المناهج اختار الباحث محتويين تعليميين للصف الثامن ( احدث طبعة 2014) يمثلان (منهاجين دراسيين) من المناهج الإنسانية, وقد اختيرت هذه المباحث كون المباحث الإنسانية أكثر قابلية للدس والشبهات (إن صدقنا جدلا أن واضع المنهاج قد فعلها حقا).
استنادا على ما تقدم, نسوق أهم ما أفضى إليه هذا التحقيق بحسب كل محتوى تدريسي:

أولا: بالنسبة إلى محتوى اللغة العربية وتحديداً محتوى (القواعد والتطبيقات اللغوية الجزء الأول):


• ركزت افتتاحية الكتاب (المقدمة) (ص6) على أهمية اللغة العربية كمكون وكمرتكز حضاري ثقافي للأمة العربية شأنها في ذلك شأن كل الأمم, وحيث اللغة هي الوعاء الذي يحوي فكر أية امة من الأمم مع تحفظنا (فلسفيا) على هذا الرأي المضمر في جدلية (أيهما أصوب مقولة اللغة وعاء الفكر أم الفكر وعاء اللغة؟).
• لقد جاءت المقدمة مُحفزة ومُرشدة للمعلمين والطلبة لانتهاج أسلوب الحوار والنقاش والتفكير والاستنتاج, كما جاءت مُحفزة لأهم حلقات العملية التعليمية لمواكبة التسارع المعرفي والتقني, كذلك ركزت على ضرورة امتلاك الطلبة لمهارات (القراءة, الكتابة, التحدث, والاستماع).
• دعت المقدمة المعلمين إلى إشاعة السلوكات الايجابية بين الطلبة لتهذيب نفوسهم وزيادة دافعيتهم نحو التعليم والتعلم.
• حثت المقدمة المعلمين والطلبة والمشرفين على ضرورة تفعيل دور الحاسوب في عمليتي التعليم والتعلم لما يحققه ذلك من أهمية التنويع في مصادر المعرفة واحترام ذاتية المتعلم بحسب وقته وقدرته المتاحة له لجعله متعلما نشطا فعالا, لا مجرد متلق سلبي.
• وعندما دخلنا إلى مضمون الدروس نفسها - وبعد اختيارنا للنصوص عشوائيا بدون تقصد - لاحظنا مثلا في الوحدة الأولى (ص 11) تحت عنوان (أقسام الكلام) أن الدرس جاء ثريا وزاخرا بأمثلة ومفاهيم منتقاة بعناية من صميم اللغة العربية تدعو إلى التأدب والتهذب, مثل طرح السلام والتحية بقول جامع (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته), بما تحمله هذه التحية من أمنيات السلام والرحمة للآخرين, وهكذا تتوالى بقية الأمثلة المتضمنة وفق هذا النسق الايجابي المرغوب, (ملاحظة: لمن يريد الاستزادة عليه الإطلاع على تفاصيل ومضامين المقرر الدراسي مدار البحث بشكل تفصيلي أكثر وبحسب قدرته ووقته).
• في الصفحة (18) وتحت باب (النشاط) يحث المحتوى الدراسي - مدار البحث - الطلبة على التعاون فيما بينهم من خلال الدعوة إلى العمل وفق نظام المجموعات, فمثلا في النشاط رقم (1) من ذات النشاط يُطلب من الطلبة التمييز بين الأفعال الثلاثة من خلال (آية من آيات سورة مريم من 4 - 6 ) التي تحثهم على التضرع إلى الله وطلب العون منه سبحانه (إيمانا بوحدانيته وقدرته) مستأنسين بما ورد على لسان نبي الله زكريا (عليه السلام), كذلك في آية أخرى (200) من نفس النشاط وتحديدا من سورة آل عمران قال تعالى (يا أيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون), فلنتدبر ما احتوته هذه الآية من معان سامية تجلت في محاربة الجزع واليأس والحض على الثبات والإصرار على بلوغ المسعى وتحقيق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة بما يفهم من ذلك (استنتاجا لا تلقينا وحشوا) من عدم الركون إلى الواسطة والمحسوبية التي تبعث على التواكل وتضعف من وحدة وبنية المجتمع, أليس الظلم مؤذنا بخراب العمران؟ (كما قال العلامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع).
• في النشاط رقم (2) يُطلب من الطلبة ذكر أسماء ثلاثة من شهداء معركة الكرامة, كما يُطلب منهم الرجوع إلى المواقع الالكترونية (الحوسبة) للحصول على إجابة ربما تكون أكثر شمولية وتنوعا, وفي ذلك تمجيد لقيم الشهادة وتوقير للشهيد الذي ضحى بنفسه دفاعا عن وطنه وأهله ضد المعتدين, مثلما فيه أيضا حث للطالب على ممارسة دوره في الحصول على المعلومة وهكذا في بقية المناشط من (3 - 7), حيث نلمس بوضوح ما يهدف إليه هذا النشاط من إكساب المتعلم تنوعا وثراء معرفيا يطال مختلف مجالات الحياة (من النباتات إلى الحيوانات إلى أدوات العمل اليومية إلى معرفة أسماء الزملاء والزميلات تعميقا للعلاقات الاجتماعية في وسط اجتماعي يعيش فيه الطالب), وإذا ما انتهينا إلى المطلوب في المنشط رقم (7) من ذات النشاط حيث يهدف المنهاج إلى شيوع التعاون ومد يد العون بين أبناء العروبة (أي الدعوة إلى الوحدة العربية), فماذا عسانا أن نفهم من تضمين الدرس دعوة الشاعر احمد شوقي لإغاثة منكوبي سورية إبّان الاحتلال الفرنسي؟ وكأن الزمن يكرر نفسه اليوم حين نجح المنهاج وافلح واضعوه في إعداد منهاج قادر على استشراف الأحداث المستقبلية, أليست هذه نقطة قوة للمنهاج بدلا من أن تعد مثلبة تضعف من جودته؟ أليس المنهاج بهذه القدرة الاستشرافية الخلاقة حريصا على تلمس هموم الأمة وهو لذلك جدير بالاحترام والثناء وليس العكس؟
•في الوحدة الرابعة صفحة (61) في درس (همزتا الوصل والقطع) و(أسماء الاستفهام: من, ما, كيف, متى), تضمن المحتوى درسا يحوي قيما حياتية يتشبث بها كل إنسان سوي يحترم إنسانيته وكينونته, سواء أكان (مسلما, مسيحيا, يهوديا, عربيا أم غير عربي), فقد تضمن الدرس دعوة صريحة لتنفيذ وصية المتوفى (الأمانة) والرأفة بالأشقاء الصغار الضعاف وإعالتهم والوقوف إلى جانبهم لتجاوز صعوبات الحياة المعقدة والمتعددة خصوصا بعد فقد المعيل الرئيس لهم, كما دعا الدرس إلى إحسان تنشئتهم ليكونوا أعضاء نافعين خيرين لوطنهم وأمتهم وهو هدف استراتيجي بالغ الشأو تتوخاه كل الأمم الحية وتحرص على تحقيقه كمنجز استراتيجي بعد انتهاء سنوات السلم الدراسي كاملة بفضل مناهجها الدراسية, هذا وقد جاء النص مقتبسا بتصرف عن احد أمهات الكتب (المرجع في الإملاء لراجي الأسمر) ولم يأت مقتبسا من مرجع هامشي مجهول الهوية.
• في صفحة (66) من موضوع (القاعدة الثالثة) تحت عنوان الدرس الموسوم ب ( في أل التعريف المتصلة بالاسم)، لاحظوا - وبأقل الجهد - مضامين النص من أوله إلى آخره, ستجدون انه حافل بالحض على العمل والنشاط كي يحقق المرء طموحاته وأمانيه, كما اشتمل النص على دعوة صريحة لنبذ التملق والرياء كمرض خطير من الأمراض الاجتماعية التي تعاني منها الأمة اليوم.
• في الصفحة (68) درس (همزة القطع) حرص المحتوى التدريسي على إيراد درس مقتبس من (المستطرف للأبشيهي) يحث الطلبة على التعامل الإنساني بينهم وبين الآخرين, وهو درس يصلح لكل زمان ومكان ولكل امة من الأمم كما يحض هذا النص على سلوك منهج التسامح والشجاعة الأدبية المتمثلة بالاعتذار للآخر عن الخطأ إذا ما وقع بما في هذه الدعوة من التسامح ونبذ التعصب للرأي الواحد والابتعاد عن التطرف والتسلط وظلم الآخرين.
في الصفحة (75) من درس أسماء الاستفهام, يورد الكتاب مثالا من القرآن الكريم للإجابة على سؤال مضمونه (مَن أهلُ الجنة؟), جاءت الآية المختارة (من سورة المؤمنين 2- 5) زاخرة بمديح المؤمنين الخاشعين المُعرضين عن اللغو المؤدين للزكاة الحافظين لفروجهم والثناء عليهم لتعزيز هذه الخصال في نفوس الناشئة.
بعد الذي ورد من تحقيقات - لمواضيع مختارة عشوائيا كما أسلفنا - ماذا يمكن للمرء العاقل الموضوعي أن يستنتج؟ يأتي الجواب (الاستنتاج) من وجهة نظري على النحو الآتي:
إن ما أثير ولا زال حول مناهجنا الدراسية الأردنية من تهم ومثالب تتكرر ولا تنفك تدعي أن مناهجنا الأردنية تدعو إلى (التطرف والدعشنة) لهو اتهام باطل ممجوج لم نكن لنسمع به لولا ظهور هذا التنظيم الإرهابي مؤخرا, وربما نسي أو أُسقطت في أيدي المشككين التهمة القديمة (الغربنة) لما مضى عليها من زمن ولى واندثر.
• إن خطورة التهم الموجهة للمنهاج لا تكمن في صدقيتها وموضوعيتها بقدر ما تكمن خطورتها في كونها فرية تثار من شخوص يحسبهم الوطن فوق كل شبهة, وهم بما لهم من الموثوقية والإرث القديم على مدى سنوات طويلة يحاولون استغلال تاريخهم ليصدقهم العامة في كل ما يقولون, الأمر الذي كنا نتمنى معه أن يتوخوا الدقة والموضوعية واضعين مخافة الله نصب أعينهم مراعين وطنهم وأهلهم فيما يدعون, ليأتي العتب عليهم كبيرا جدا, وما دروا أن معدل انتشار الإشاعة يتناسب طرديا مع أهمية الشخص الذي يطلقها وقدرته على التأثير في نفوس العامة, إلا إذا كنا في قدرهم ومنزلتهم واهمين.


ثانيا: كتاب التربية الإسلامية الجزء الأول للصف الثامن, الطبعة 2014, وهي أيضا أحدث طبعة جرى توزيعها على المدارس:
• بنظرة متأملة في قائمة محتويات الكتاب نلاحظ أنها تحتوي على مواضيع حياتية مهمة, وان كان المحتوى التدريسي يخص التربية الإسلامية البحتة مما يستدعي الإغراق والإسهاب في كل التفاصيل للدين الإسلامي كحق مشروع لأي شعب وأية امة إلا أن المحتويات جاءت ذات مضامين عمومية تكاد تكون مشتركة وقابلة للقسمة على جميع الأمم والديانات مما يعني أن شبهة التطرف والتعصب والفئوية والإقصاء ووو... هي محض فرية لا أساس لها إلا في عقول مروجيها, وباستفاضة أكثر نسوق لكل أردني ولكل مهتم حصيف بعض هذه الحقائق المنبثقة من الخطوط العريضة لمنهاج التربية الإسلامية:
• الوحدة الأولى: تتحدث هذه الوحدة عن بعض مضامين القرآن الكريم وعلومه فمثلا (وردت سورة الإسراء التي فيها حض ودعوة لهداية الناس إلى سواء السبيل بالحسنى والموعظة الحسنة كما تحض على الجزاء العادل (أي شيوع منهج الثواب والعقاب ليأخذ كل ذي حق حقه), كما تحث على السعي في الدنيا بهدف إعمار الأرض والتزود للآخرة كدار مقر طلبا لحسن الخاتمة, كذلك احتوت الوحدة نفسها (الأولى) على ترجمة (تحليل) معاني القرآن, إذا, من خلال التأمل والاكتفاء بهذه الوحدة (فقط) كدليل ووفق ما احتوت عليه من مضامين ايجابية فانا نتساءل:

أين التطرف والدعشنة في المنهاج؟


لعلي وبدون شخصنة أرى فيها أنها محض ظاهرة يقال عنها تارة الحسننة (حسني) وتارة الذقننة (ذوقان) في ائتلاف صريح للقوتين الغاشمتين المتربعتين على سدة الفهم في دنيا التأليف التربوي, وهذا ( لعمري) ما نخشى منه إن بقيت هذه اللازمة تتكرر من هذين الخبيرين جزافا.
• الوحدة الثانية: الحديث الشريف وعلومه وما اندرج تحت هذا الموضوع من مواضيع كفرائض وسنن ينبغي معرفتها من كل مسلم صغيرا كان أم كبيرا, وهو حق لا جدال فيه لكل طالب يدين بالإسلام, كما جاء الموضوع داعيا إلى الكسب الحلال الطيب وداعيا إلى أعمال البر وجزاؤها, كما بين الحديث كيف يكون الإيمان طيبا للنفس والجسد, كما جاء موضحا لحقوق الزوج على زوجته والعكس صحيح لبناء أسرة سليمة متماسكة تكون لبنة وبذرة حميدة لنماء المجتمع بأسره, فأين التطرف وأين الدعشنة وأين الدعوة إلى الفردية والإقصاء...... الخ من التهم والأباطيل؟
• أما مواضيع (أسس بناء المجتمع الإسلامي وآداب طلب العلم) والتي من أهمها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم (الأولى والثانية), وما فيها من عبر ودروس تكسب الطلبة العزيمة والإصرار على بلوغ الأهداف السامية كما تكسبهم الصبر وتحمل الأذى ومواجهة الصعاب ومقارعة الشدائد مما يوضح غاية المنهاج ومقاصده الحميدة في تخريج جيل قوي روحيا وجسديا وعقليا وهو من الأهداف العليا أيضا التي لا مساومة عليها, فمن يكره أن يكون أبناؤه بهذه الخصال الطيبة؟ وللوقوف على صدقية ما نقول بشكل أكثر وضوحا, دعونا نسوق بعض النماذج (على سبيل المثال لا الحصر مثلما أسلفنا في غير مرة) وعلى النحو الآتي:
• في الدرس الرابع وتحت عنوان (الكسب الطيب الحلال) والمقرر دراسته على سبيل (افهم وأحفظ) لاحظ عزيزي القارئ (ص55), في حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن أبي هريرة رضي الله عنه حين قال: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ), ثم ذكر (الرجل يطيل السفر أشعث اغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ), وهنا أتساءل وربما غيري يتساءل أيضا: ما الذي يمكن أن يستنتجه كل من يتمعن في هذه النصوص الربانية والأحاديث النبوية المذكورة سابقا أكثر من كونها نصوصا تدعو إلى الكسب المشروع وليس الاعتداء وسرقة ممتلكات الآخرين؟
• لاحظ (ص 58 ) - كمثال أيضا - في آخر الصفحة يوجد مستطيل يؤطر نشاطا استكشافيا من نوع (استنتج) حيث الاستنتاج ضرب من ضروب العمليات العقلية العليا (انتبهوا لطفا حين أقول العمليات العقلية العليا بعكس ما يشيعه المشككون من خلو المنهاج من هذا النوع من العمليات العقلية وإنها بحسب زعمهم تركز فقط على المستويات العقلية الدنيا أي الحفظ والتذكر), يقول النشاط (استنتج أنت ومجموعتك أمرا آخر يرشد إليه الحديث الشريف), لاحظوا أيضا آلية تنفيذ النشاط حين قال (أنت ومجموعتك) بمعنى أن واضع المنهاج ومقرروه كانوا حريصين على تفعيل إستراتيجية تعليمية تمارسها أرقى النظم التربوية في العالم المتحضر وهي إستراتيجية ذات فاعلية في عملية التعليم والتعلم تسمى (العمل الجماعي أو التعاوني أو team work ), ولم يترك الأمر إلى التفرد والتلقين كما يدعي المدعون والمطبلون من خلفهم بلا قياس أو تثبت أو تمحيص.
• لاحظ (ص59), في آخر الصفحة, حيث يوجد (نشاط ختامي), يطلب هذا النشاط الرجوع إلى المواقع الالكترونية network، وقد طلب المحتوى أن يُعد الطالب تقريرا عن مخاطر واحدة من الآفات الآتية (المخدرات, المُسكرات, التدخين): انظروا إلى أهمية الدعوة لتجنب هذه المخاطر والتي نعاني منها الأمّريّن اليوم مع فئة الشباب من أبنائنا, ثم يطلب النشاط قراءة التقرير المُعد من قبل الطالب على مرأى ومسمع جميع طلاب المدرسة والمدرسين عبر الإذاعة المدرسية, أليس في ذلك دعوة لكل طالب للبحث والتقصي وتذويت التعليم (التعلم الذاتي إلى حد التمكن والإتقان من قبل المتعلم نفسه) من خلال بحث الطالب نفسه عن المعلومة دون التركيز على نخبة بعينها من الطلاب في الغرفة الصفية، محمود وعلي ولؤي والباقي نيام لما يعتريهم من إهمال وتهميش؟ أليس في قراءة الطالب لتقريره الذي أعده أمام الحشود نوع من توظيف تعلمه في ممارسة فعلية للمسؤولية الاجتماعية مثلما فيه من تعويد الطلبة على تعميم المعرفة لا أن تُحجر وتمنع عن الآخرين؟ أليس في ذلك دعوة إلى عدم الركون والتسليم بما يلقيه المعلم على أسماع الطلبة كمصدر أوحد (ملقن) لهم وهي سُبّة كتبت على نظامنا التعليمي طيلة عقود مضت اسمها (chalk &talk) وها هي تتغير شيئا فشيئا بالتدريج بفضل هكذا مناهج بينما المشككون لا يريدون الاعتراف بذلك عملا بالطُرف الشعبية التي تقول (عنزة ولو طارت) أو (أبود والقرود السود) أو(جمل عبّود أجرب) ؟ أليس في ذلك استخداما امثل لتكنولوجيا التعليم والشبكة العنكبوتية النافذة الأكثر اتساعا على عوالم المعرفة؟ أليس في ذلك دعوة للتحلي بالإيثار والتفاني لدى الطلبة حين يقومون مع أقرانهم بتوليد معارف إضافية بكل روح ايجابية فترسخ المعرفة أكثر لديهم؟ أليس في ذلك تربية سليمة لشحذ وتقوية شخصية الطالب حين يعتاد الوقوف أمام حشد كبير من الجمهور بكل اعتداد وجرأة ليصبح يوما بعد يوم شخصية قيادية مؤثرة لها وزنها وأهميتها في بناء المجتمع؟ أليس في ذلك إيثار وحب للآخرين من خلال ممارسة الطالب لعملية النصح والإرشاد والتوعية ضد مخاطر وآفات المجتمع؟....الخ من التساؤلات حول العديد من الفضائل التي اشتمل عليها المنهاج ويضيق المقام عن ذكرها.

بشكل عام وإضافة لما تقدم:


• لقد واكبت عن قرب آلية بناء وتصميم وإعداد بعض المناهج التي طالها الغمز واللمز, حيث بنيت بشكل موزون وصارم وبأقصى حدود القدرة البشرية, ومن خلال منهجية علمية تترجمها سلسلة من الإجراءات والتعليمات والأسس المدشنة من قِبل أجهزة الوزارة المعنية (كمديرية المناهج وغيرها) بلا أي مساومة أو مجاملة أو تقصير مقصود.
• إن الحوار المتبادل وجلسات النقاش المستفيض لتمحيص كل محتوى تدريسي يراد اعتماده في مناهج وزارة التربية والتعليم والذي يسبق ويتخلل إقرار المنهاج بصورتيه التجريبية ثم النهائية المعتمدة هو حوار جدي ونقاش علمي طابعه التروي والتأني مع الحزم بما يتخلله من الأخذ والرد والحذف والإضافة والتعديل من قبل واضعي المناهج وبمشاركة رؤساء مجالس التربية وعضوية مجموعة من أهل الخبرة الميدانية الطويلة من أصحاب التأهيل العلمي والمعرفي الدقيق, وجلهم خبرات وقيادات تربوية ومجتمعية متخصصة تستند إلى خلفيات ثقافية ومؤهلات علمية متنوعة حازوها بجدارة من أرقى الجامعات والمعاهد العلمية محليا ودوليا, ناهيك عن تمتع لجان مجلس التربية والتعليم بميزتين ايجابيتين رايتهما عيانا في لجان تأليف المناهج حيث أنها لجان ذات خبرات متجذرة راسخة في مجال علوم التربية والتعليم, إضافة إلى أنها لجان لها اليد الطولى في تطوير التعليم في الأردن وفي بناء إستراتيجية التربية والتعليم الأردنية المتناغمة مع الاستراتيجيات الوطنية الأخرى طويلة المدى لتكون جميعها استراتيجيات ناظمة لسيرورة المجتمع الأردني ومنسجمة انسجاما تاما مع فلسفة الدولة الأردنية ودستورها اللذين يؤطران مسيرتها لتظل حافلة بالرقي والتطور جنبا إلى جنب مع باقي قطاعات الدولة الأردنية.
- إن غالبية المشتغلين بإعداد وإقرار المناهج الدراسية في المملكة الأردنية هم (وبشهادة الجميع) تربويون ومن أقدم معلمي المملكة ولا يعيبهم اليوم أنهم أصبحوا من القامات الوطنية الشاهقة المُعترف لها بعلوّ كعبها في مجال صناعة المعرفة كما قال (بيتر دراكر) عن المعلمين.
-إن هذه الأسماء التي نقر بجهودها ومشاركتها في بناء وإعداد المحتوى التدريسي قد سُطّرت أسماؤهم على مقدمة كل محتوى تدريسي بحسب جهد وتخصص كل واحد منهم, مما يعزز من صدقية وموثوقية مناهج التربية والتعليم الأردنية وينأى بهذه المناهج عن أي نقيصة أو اعتوار قد تطول هذه الأسماء بذم أو قدح.