دراسة تحليلية للورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك من وجهة نظر قانونية دولية

30/10/2016

اعداد : العين تغريد حكمت

تشرين أول 2016

 

المقدمة:

في سابقة نادرة في توجهات الملوك والقادة في مخاطبة شعوبهم مباشرة والتواصل معهم بالكلمة المكتوبة على شكل رسائل، أصدر جلالته الأوراق النقاشية الخمس السابقة لأبناء وبنات شعبه. وقد حملت في ثناياها الكثير من المفاهيم والمفردات والقيم والمضامين السياسية والإجتماعية والرسائل متضمنة ملامح الرؤية الإصلاحية الثاقبة لجلالته لتعزيز وتعميق النهج الديمقرطي بطرق عملية غير تقليدية متوجّا إياها بالورقة السادسة.

دراسة تحليلية من وجهة نظر قانونية دولية:

صادق الأردن على الإتفاقيات الدولية الواردة ضمن الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وبشكل خاص الإتفاقيتين الرئيسيتين المكونتين لهذه الشرعية:

- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

- والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية والثقافية

- إضافة إلى العهد الدولي لإزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (وهذا لا يتطلب مصادقة لأنه معاهدة شرف)

لقد كان الأردن، وبتوجيهات من جلالة الملك، من أوائل الدول التي قدمت تعهدات طوعية بموجب الفقرة (18 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المنشىء لمجلس حقوق الإنسان والخاص بالإلتزامات من أجل تعزيز حقوق الإنسان) ووفاء لإلتزامات الأردن وتعهداته في المراجعة الدورية ومواءمة التشريعات الأردنية مع الإتفاقيات التي صادقت عليها المملكة، خاصة ما ورد منها في الجزء الثاني، المادة (2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على (أن تتعهد كل دولة طرف في هذا الميثاق بأن تكفل لكل الأفراد الخاضعين لسلطتها جميع الحقوق المنصوص عليها في هذا الميثاق، دون تمييز من أي نوع على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الإجتماعي أو الثروة أو النسب)، وإتخاذ التدابير التشريعية بإعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد طبقا لإجراءاتها الدستورية.

ورغبة من جلالته بمواءمة التشريعات الوطنية مع العهود والمواثيق التي وقّع وصادق عليها الأردن، أصدر جلالته الورقة النقاشية السادسة بعنوان:

سيادة القانون ومفهوم الدولة المدنية

والورقة تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن هناك رؤية ثاقبة تدعمها إرادة سياسية جادة وقوية لدى صانع القرار الأول في البلاد لتعزيز وتعميق النهج الديمقراطي بطرق عملية غير تقليدية، إسهاماً من جلالته في مسيرة الإصلاح التي رسم خطوطها جلالة الملك، وهي التي تدفعنا بقوة إلى البدء في تنفيذها للإستجابة والإستفادة من اللحظة التاريخية التي يمر بها الأردن والمنطقة العربية بصورة عامة، وذلك لتعزيز وتطوير بناء الدولة لمواجهة المتغيرات المتسارعة التي تجتاح المنطقة هذه الأيام.

الورقة السادسة جاءت خارطة طريق تحدد مسارنا كأردنيين نحو المستقبل بوعي وإدراك لتحديات الواقع ورؤية واثقة لتحقيق طموح الأردنيين والأردنيات لتعزيز السلام والأمان والإزدهار والكرامة والقدرة على مواجهة الصعاب.

وكي نتمكن من تحقيق ذلك، طرح جلالته موضوعاً رئيسياً في هذه الورقة لضمان الحقوق الفردية والعامة وتوفير الإدارة العامة النموذج لبناء مجتمع آمن وعادل لبيان مدى إلزامية هذه العهود والمواثيق للدول الأعضاء، خاصة أن الدول وافقت عليها دون تحفظ.

الدولة المدنية:

جاءت هذه الورقة في الوقت المناسب لتضع القواعد الأساسية للدولة المدنية والإطار الناظم لها في فترة هامة للتمييز بينها وبين الدولة العلمانية. وقد وضع جلالته النقاط على الحروف لتوضيحها.

وأكد جلالته، في هذا السياق، أن اللّغط الكبير حول مفهوم الدولة المدنية ناتج عن قصور في إدراك مكوناتها وبنائها.

فالدولة المدنية هي دولة تحتكم إلى الدستور والقوانين التي تطبق على الجميع دون محاباة ولا مسايرة، وهي دولة المؤسسات التي تعتمد نظاماً يفصل بين السلطات بحيث لا تتغوّل إحداهما على الأخرى.

وترتكز على التسامح والسلام والعيش المشترك وإحترام التعددية والرأي الآخر بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو الفكرية.

الدولة المدنية تحمي الحقوق والحريات الدينية وتكرس التسامح وخطابات المحبة وإحترام الآخر وتحفظ حقوق المرأة والأقليات.

وكما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 2: «فلكل شخص الحق في كافة الحقوق المنصوص عليها في هذا الإعلان دون تمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين». وكما ورد في المادة (7): «كل المواطنين سواء أمام القانون، ولهم الحق في حماية القانون دون تمييز، وأي مخالفة تعتبر إنتهاك لهذا الإعلان».

وأهم ما ورد من جلالته:

أن الدولة المدنية تستند إلى الدستور في ظل الثوابت الدينية والشرعية لتكون قادرة على الصمود في وجه التغيرات التي تجتاح العالم.

وبنفس الوقت لا تعارض بين ترسيخ هيبة الدولة وسيادة القانون مع حقوق الإنسان.

وتحقيق هذا المبدأ يتطلب منظومة أمنية تجمع ما بين ترسيخ سيادة القانون وتعميق مبدأ الأمن دون المساس بهيبة الدولة وكرامة المواطن، مع التأكيد على أهمية استمرار التواصل بينهما. والعلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان هي في النهاية علاقة تكاملية.

سيادة القانون:

وّضح جلالته أن سيادة القانون بالتوازي مع الإلتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان سيحقق الأمن والاستقرار وهيبة القانون وأن من يخرق القانون، سواء كان من المواطنين أو من منفذي القانون، ينبغي معاقبته.

وعدم الإفلات من العقاب هو ما يحقق سيادة القانون ويعزز الثقة بالدولة ويحمي حقوق الإنسان.

الدولة الأردنية تدعوا إلى تطبيق ما تنص عليه المواثيق، وتدعوا إلى تطوير مفهوم الدولة بما يتزامن مع المتغيرات الحديثة.

الدولة المدنية ليست دولة عسكرية ولا دينية ولا طائفية، بل دولة تستند إلى الدستور في ظل الثوابت الدينية والشرعية.

الدولة المدنية ليست بعيدة عن قيم المجتمع وعقيدته والحكم الرشيد، بل ترتكز إلى المواطنة وتقبل الآخر.

كما أشار جلالة الملك في ورقته إلى أن إعلانات الولاء والتفاني للأردن تبقى مجردة في غياب الإحترام المطلق للقوانين، وأن الدولة مسؤولة عن تطبيق القانون وإنفاذه والمواطن يتحمل مسؤولية ترسيخه في حياته اليومية. والقانون يطبق على المسؤول قبل المواطن.

الحصانة ومكافحة الفساد:

مبدأ سيادة القانون يكون سلوكاً وتصرفاً لإتاحة الفرص للكفاءات في مواقع الإدارة بعيداً عن المحسوبية والواسطة التي تفتك بالمسيرة التنموية وتشعر المواطن بالظلم والإحباط وعدم العدالة، مع إشارة جلالته إلى عدم التركيز على الولاءات الفرعية والمناطقية على حساب الوطن، بحيث يكون الأردن دولة المؤسسات التي لا يتقدم فيها إلا أصحاب الكفاءات، لأن القيادات تتشكل بالخبرة لا بالنسب ولا القرابة والمحاصصة ولا ترضخ إلا للقانون بحيث يتقدم الصف الإداري جيل قيادي بلا ولاءات فرعية، مع التركيز على الشباب ودعمهم بعيداً عن الأفكار الظلامية.

وهذا يعني أننا بدأنا نبني المستقبل، فأي شخص، أياً كان، ابن من كان، وأياً كان المنصب الذي يحتله، ومهما طال الزمن، ستتم محاسبته إذا أخطأ، وسنعمل جميعاً على إرساء دعائم ثقافة المسؤولية بدلاً من ثقافة الحصانة والإفلات من العقوبة.

القضاء:

العدالة نوعان: عدالة السماء وعدالة الأرض. عدالة السماء مطلقة ولا حدود لها، أما عدالة الأرض نسبية وعرضة للخطأ والصواب. وإيمانّا من جلالته بأن القاضي هو يد العدالة السماوية على وجه الأرض, وإذا فقدنا ثقتنا في القضاء فقدنا كل شيء وانتقلنا من عالم تسوده قوة القانون إلى عالم يسوده قانون القوة وشريعة الغاب، ودرءا لاي خطأ، أكّد جلالته في ورقته بأنه لا بد من صيانة وتطوير القضاء وترسيخ ثقافة النزاهة وتطبيق الإلتزام بمدونة السلوك واحترام سيادة القانون، ما يعزز من عماد الدولة المدنية.

ولأن للسلطة القضائية دوراً رئيسياً في تعزيز سيادة القانون، سواء من خلال الرقابة القضائية التي تمارسها بخصوص دستورية القوانين والأنظمة أو الرقابة التي تتولاها على القرارات الإدارية المخالفة سواء بالإلغاء أو بالتعويض، فقد جاء الاهتمام الخاص بمرفق القضاء وتهيئة البيئة الملائمة لذلك وتطوير التشريعات، ليبقى القضاء حارساً للعدالة ومعززاً لدولة القانون، خاصة في ضوء المتغيرات الإقليمية وما يشهده الإقليم من نزاعات وحروب وتدخلات دولية.

وهذا يتطلب توفير الإمكانيات للقضاة وتحسين أوضاعهم وتطوير معايير الجدارة والكفاءة للارتقاء بعملية التقاضي وإنفاذ الأحكام وتفعيل الرقابة والتفتيش والتدريب، لضمان استقلالية السلطة القضائية وإقامة العدل وتطبيق القانون على الجميع.

ولضرورة الإسراع في عملية التطوير قبل أن يفوت الأوان في هذا الوقت العصيب، أمر جلالته بتشكيل اللجنة الملكية لتطوير القضاء وتحديث التشريعات وسرعة التقاضي والنهوض بالكادر الوظيفي للقضاة.

أخيرا، لقد جاءت هذه الورقة خارطة طريق للأردن الحديث وبرنامج عمل لدعاة وأنصار الإصلاح والديمقراطية.