إعداد : القاضي بشير الصليبي
منذ أن تولى جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية وهو يولي القضاء اهتماماً كبيراً وقد تجلى اهتمام جلالة الملك بالقضاء من خلال إطلاق العديد من المبادرات والاستراتيجيات منها:
1- اللجنة الملكية لتطوير القضاء وذلك بتاريخ 29/ 8/ 2000 والتي على أثرها تم إطلاق خطة تطوير القضاء للأعوام 2001 – 2003.
2- إستراتيجية تطوير القضاء للأعوام 2004-2006.
3- إستراتيجية تطوير القضاء للأعوام 2007-2009
4- إستراتيجية تطوير القضاء للأعوام 2010-2012
5- رؤية السلطة القضائية لأستراتيجة البناء 2012-2014
6- تجسيداً للرؤية الملكية السامية نحو تطوير القضاء فقد تم عقد المؤتمر القضائي الأول بتاريخ 24/ 6/ 2004 وكذلك تم عقد المؤتمر القضائي الثاني بتاريخ 15/ 2/ 2010 تحت الرعاية الملكية السامية وقد خرجت هذه المؤتمرات بالتوصيات التي من شأنها تجسيد الرؤية الملكية للتطوير.
7- ونجد أن جلالة الملك في عام 2016 قد أطلق الورقة النقاشية السادسة والتي على أثرها تم تشكيل اللجنة الملكية لتطوير القضاء وسيادة القانون.
ونجد ان الاستراتيجيات والبرامج التي تم عملها والبحث بها قد جاءت تجسيداً للرؤية الملكية السامية نحو سلطة قضائية مستقلة يكون أساسها العدالة والنزاهة والكفاءة وأن تكون ضامنة للحقوق والحريات والتي عمادها سيادة القانون والتكامل مع سلطات الدولة الداعمة لجهود الإصلاح والتنمية الشاملة من خلال بيئة مؤسسية وكوادر مؤهلة متخصصة.
الأصل أن يتولى القضاء في الدولة محاكم تخضع من حيث تشكيلها وتنظيمها إلى السلطة القضائية بصرف النظر عن أشخاص المتقاضين ونوعية المسائل التي تعرض على القضاء سواء كانت مدنية أو تجارية.... الخ ، وهذا يشكل المفهوم التقليدي للعمل القضائي.
في العقدين الآخرين من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين حدثت تطورات وظهرت مستجدات متسارعة في مختلف الميادين ، سواء كانت اقتصادية أو تجارية ، وكذلك التطورات التي حصلت في مجال التجارة العالمية ، ونظام العولمة وكذلك التوسع الهائل في استخدام شبكة الانترنت والتجارة الالكترونية ، كل هذه المتغيرات المتسارعة شكلت تحدياً لمختلف أنظمة وأوجه الحياة البشرية ، وأيضاً شكلت تحدياً للأنظمة القضائية في مختلف دول العالم وقدرتها على تحقيق العدالة ، والتي أساسها صيانة الحق والحفاظ على قدسية القانون وحسن تطبيقه.
إن مشكلة تحقيق العدالة تبقى مشكلة جوهرية يواجهها رجال القانون ، الأمر الذي يستدعي البحث فيها ومعرفة أسبابها ، وفي سبيل تحقيق العدالة ، ومواجهة التطورات التي تواجه الإنسانية بدأت التشريعات في مختلف دول العالم البحث عن الوسيلة المُثلى من اجل تحديث الأنظمة القضائية وتطويرها.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه الأنظمة القضائية يتمثل في ازدياد عدد القضايا الواردة إلى المحاكم وطول الوقت الذي يستغرقه نظر الدعوى ، وكذلك الاحتقان في عدد القضايا الموجودة في المحاكم ، وهذا يؤدي إلى تأخير العدالة والذي يترتب عليها عدم استقرار المراكز الاجتماعية والقانونية والاقتصادية.
يتعين على المحاكم في سياق إقامتها للعدل ، أن تكون ذات فعالية في سرعة تحقيق العدالة دون أن تتأثر المبادئ القضائية الأخرى ، والتي تمت الإشارة إليها في الدساتير والتقاليد القضائية والقانونية.
الفعالية والاستعجال في أعمال المحاكم مشكلة مرتبطة عادةً بأذهان الناس كون المحاكم ليس لديها الفاعلية والاستعجال في فصل القضايا.
عدم الفعالية والاستعجال في أعمال المحاكم في مختلف دول العالم ، تمثل معضلة أو معيقاً يؤدي إلى عدم الوصول للهدف ، أو يؤخر الوصول إليه ، وينطوي على مخالفة ما يجب أن يكون أو ما نرغب في أن يكون ، وعادةً ما تكون تلك المعضلة ذات آثار سلبية « نفسية وواقعية « ، وقد تُثير حولها ألواناً من القلق ، وتستغرق الوقت والجهد والمال ، كما تتسم غالباً بنوع من الالتباس والصعوبة وتكون في كل الأحوال بحاجة إلى حلّ.
إن تعاملنا مع مشاكل العمل القضائي ينبغي ألاّ ينصب عليها ذاتها ، وإنما يجب أن يتجه إلى حلها ، أي أن التركيز يجب أن يكون على الحل وليس المشكلة ، وقد تبدو هذه الحقيقة بديهية لا تستحق الذكر ، لكننا في معظمنا حين نواجه مشكلة فإننا ندور حولها ذاتها ، ونهدر الوقت والجهد ونحن نتحدث عنها أو نفكر في أسبابها وأعراضها وآثارها ، ونعيش أجواءها ، بدلاً من أن نسعى في حلّها ، مع أن الاستغراق في المشكلة ذاتها يلهينا عن البحث عن حلّ لها ، حتى ننسى في خضم ذلك أن المطلوب هو الحل ، وليس الاستمرار في اجترار المشكلة ، فبقدر أهمية تحديد المشكلة فإن تحديد الحل المطلوب وتحديد الموارد المادية والمعنوية اللازمة لهذا الحل أكثر أهمية ، وهذا ما يغيب في كثير من الأحيان عن الأذهان ، من أكبر المشاكل حين لا نعرف أن لدينا مشكلة ، أو حين نعرف بوجود المشكلة ثم ننكرها ، وينطبق ذلك على الأنظمة القضائية التي تُعاني من المشاكل التقليدية في العمل القضائي ، ثم تظل هذه الأنظمة مصرّةً على التغزل بذاتها إمعاناً في إنكار المشكلة. كيف لمن لا يعرف أن لديه مشكلة أو لا يعترف بها ، وهو يلمس أعراضها ومظاهرها ، دون أن يسعى في حلها ؟
يمكن القول أن المشاكل التي تواجه العمل القضائي تظل تتكرر بوجوه وألوان متعددة ذات جوهر واحد ، وإنما تقول لك إنك كنت تعالج المشاكل الطارئة وليس السبب، أو تقول لك أنك تعالجها بنفس الأسلوب في كل مرة ، فتعود لتظهر لك من جديد كل مرة.
في الحقيقة أن كثيراً جداً من المشاكل لا تجد لها حلاً في الواقع بقدر ما تجد الحلّ داخل نفوسنا ، وفي أسلوب تفكيرنا ، ونظرتنا إلى الأشياء ، وتكيفنا معها ، واستعدادنا لتغيير بعض أفكارنا أو قناعاتنا ، حيث يغلب أن تأخذ المشكلة حجمها من خلال ما نضيفه نحن عليها، حيث أن بعض المشاكل لا تُحل إلا بإلغاء الحالة التي أوجدتها أو التي وجدت فيها ، وذلك منعاً لتفاقم الآثار واستشرائها وتعاظمها.
إن عدد القضايا التي ينظرها القاضي في الأردن يومياً يتراوح ما بين ( 25 – 40 ) قضية ، بالإضافة إلى الأعمال التي يقوم بها القاضي مثل اتخاذ قرارات بالطلبات التي تُعرض عليه بصفته الإدارية والقضائية مثل قرارات استبدال عقوبة الحبس بالغرامة ، والنظر في طلبات الكفالة ، وغيرها من القرارات التي تعتبر ملحقة بالقضايا الجزائية ، وكذلك قيام القاضي بإجراء الكشف المستعجل ، والنظر في الطلبات المستعجلة ، وغيرها من القرارات الملحقة بالقضايا المدنية.تعتبر هذه الجهود التي يقوم بها القضاة كبيرة ، إذا ما قورن ذلك بعدد القضاة في الأردن.
وفي عام 2006م بلغ عدد القضاة في الأردن ( 646 ) قاضياً موزعين على مختلف درجات المحاكم ، منهم من يقوم بأعمال النيابة العامة ، وأعمال المحامي العام المدني ، وكذلك يوجد قضاة مبتعثين إلى الخارج لإكمال دراستهم ، ومن ضمن هذا العدد قضاة معارون إلى دول عربية شقيقة. وفي عام 2014 بلغ عدد القضاة العاملين من مختلف الدرجات 915 قاضيا.
إن البحث عن طرق فعالة لمعالجة مشاكل عملية التقاضي أصبح اليوم يتعدى حدود الدول ، إذ أن المحاكم الأمريكية تقوم بتعديل وتكييف برامج تم تطويرها في بلدان أخرى لتلائم الاحتياجات الأمريكية ، في حين تطبق محاكم في دول أخرى حلولا بديلة عن التقاضي تم تطويرها في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما هو الحال في الأردن ، حيث تم تطبيق برنامج إدارة الدعوى المدنية ،وذلك وفق نص المادة 59 مكرر والتي تم إدخالها بموجب القانون رقم 20 لسنة 2005 والمعدل لقانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 ، و برنامج الوساطة كأحد الحلول البديلة للنزاعات ، بموجب قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية رقم ( 12 ) لسنة 2006.
أدرك المحامون وأساتذة القانون والقضاة في الولايات المتحدة الأمريكية المشاكل التي تواجه مسألة تحقيق العدالة ، وقد تولدت هذه المشاكل من كثرة عدد القضايا الواردة إلى المحاكم، واستمرارها وتوالدها والتفاوت بينها في النوع ، والحجم ، وتأثير ذلك على المتقاضين والمصالح الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية كتب الكثير حول معايير أداء المحاكم من حيث المشاكل التي تواجه عملية التقاضي والبحث عن الحلول لها ، واقترحت مناهج متعددة في تحديد المشاكل ومعرفة أسبابها ، وتعداد البدائل المطروحة لعلاجها واختيار الأفضل منها.
لقد طورت المحاكم الفدرالية ومحاكم الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة أساليب جديدة لتحقيق أهدافها ، وقد تضمنت هذه الأساليب دمج طرق بديلة لحل النزاعات ، إن المحاكم التي تتبنى برامج الحلول البديلة للنزاعات تعي جيداً الفوائد التي قد تنطوي عليها والهواجس المحتملة بسببها ، كما أنها تدرك التحدي الذي يواجهها لتحسين فعالية المحاكم ، وتمكين الناس من استخدامها ، وأن لا تمس المبادئ الأخرى التي يقوم عليها النظام القضائي.
و يرفع أكثر من 96 بالمائة من القضايا امام المحاكم الأميركية كل سنة في محاكم الولايات أي أنها تنظر في أمر أكثر من 90مليون قضية سنويا،فقد أصبحت المحاكم الأمريكية تدرك التحدي الذي يشكله هذا الكم الهائل من القضايا وسعت جاهدة لتحسين فعالية المحاكم وتمكين الناس من استخدامها ، بحيث لاتمس هذه الجهود المبادئ الأخرى الذي يقوم عليها النظام القضائي الأمريكي، وأصبحت الولايات داخل الولايات المتحدة الأمريكية بما لها من أنظمة قضائية على مستوى الولاية تلعب دورا» في تطوير واختبار طرق حكم مبتكرة للقيام بمسؤوليات الحكم الأساسية في حدود الأطر الدستورية.
المحاكمات على يد هيئة محلفين عنصرا أساسيا في نظام العدالة الأميركي فان هيئات المحلفين لا تقرر سوى اقل من خمسة بالمائة من النزاعات المطروحة امام معظم السلطات القضائية و في حين ينظر القاضي في أمر بعض القضايا بدون هيئة محلفين، فان الأكثرية الساحقة من القضايا تحل عبر مفاوضات بين الطرفين المعنيين و يعرف هذا النوع من حل النزاعات بين الإفراد أو بين مؤسسات الإعمال بعملية التوصل إلى «تسوية» أما في القضايا التي تتعلق بالجرائم فتعرف هذه العملية باسم المساومة حول الادعاءات(plea bargining) و قد تعرضت المساومة حول الادعاءات لانتقادات واسعة النطاق وذلك نتيجة لعدم توفر الموارد الكافية للمدعين العامين و محامي الدفاع أو نتيجة اجتهاد دون حدود للادعاء العام ، هذا النوع من الحلول يوفر طريقة سريعة لحل القضايا التي لا تشكل الوقائع فيها موضع خلاف و لتركيز موارد نظام المحاكم الجنائية على القضايا التي تكون فيها الحاجة إلى بحث و هذا النوع من الحلول يكون بمثابة طريق لتسريع حل القضايا عندما يكون خاضعا لسياسة توجيهية مناسبة و لمراقبة قضائية دقيقة.
طورت المحاكم الفدرالية و محاكم الولايات خلال السنوات العشرين الأخيرة أساليب جديدة لتحقيق أهداف المحاكم و قد تضمنت هذه الأساليب دمج طرق بديلة لحل النزاعات مثل الوساطة و التحكيم في إجراءات المحاكمات و تضمنت أيضا محاكم متخصصة أو جداول اعمال لمعالجة أنواع معينة من النزاعات أو المخاصمات(بما في ذلك نزاعات الإعمال و النزاعات العائلية و الأمور المتعلقة بالأولاد) و تضمنت أيضا إجراءات متخصصة مصممة لمعالجة المشاكل التي تشكل أساس النزاعات القانونية التقليدية مثل التعدي على الممتلكات و العنف المنزلي و الإمراض العقلية) كثيرا ما تسمى «محاكم حل المشاكل».
محاكم الولايات في الولايات المتحدة في سياق اقامتها للعدل ، يتعين عليها جميعا ان تتقيد بمبادئ معينة تم الإشارة إليها في الدساتير و التقاليد و القانون و قد تم تحديد و وصف هذه المبادئ بشكل أكثر تفصيلا في معايير أداء المحاكم البدائية (TCPS) و في معايير أداء محاكم الاستئناف (ACPS) التي طورتها لجان قومية من القضاة و المحامين و المركز القومي لمحاكم الولايات. (و تشكل المعايير السابقة الذكر معايير طوعية يمكن للمحاكم اعتمادها لقياس أدائها ، كما ان تطويرها حظي بدعم على شكل هبات من مكتب مساعدة العدالة ومعهد العدل للولايات وهذه المبادئ هي:
أولا: على المحاكم أولا و قبل كل شيء إتباع القانون و إسناد قراراتها بصورة حصرية إلى عناصر ذات صلة قانونية بالقضايا(( تسبيب الأحكام)).
ثانيا: يجب إن تكون محايدة و ان تعامل الجميع بالتساوي دون أي تمييز بينهم(( مبدأ حياد القاضي)).
ثالثا: على المحاكم الاحتفاظ باستقلالية قراراتها و شؤونها الإدارية ، يجب إن تكون خاضعة للمساءلة و المحاسبة في ما يتعلق بقراراتها،و عملياتها، و استخدامها للموارد العامة.
رابعا: عليها إن تكون مفتوحة امام الجميع و ان تقوم باعمالها بصورة علنية.
خامسا: يجب أن تكون ذات فعالية و استعجال.
في الوقت الذي تختلف فيه أساليب انشاء هذه البرامج في كل من المحاكم و المناطق القضائية المختلفة إلا أنها تعكس تصميم قيادات المحاكم الأميركية على تحقيق المبدأ الخامس من المبادئ المذكورة أعلاه و هو المبدأ الخاص بجعل إجراءات المحاكم على اكبر قدر ممكن من الفعالية و الاستعجال ضمن حدود المبادئ الأخرى و هي أيضا بمثابة الاستجابة لمطالبة الجمهور بتطوير وسائل أفضل لحل النزاعات فعلى سبيل المثال كشف استطلاع للرأي الأميركي اجري لحساب جمعية المحامين الأميركيين في سنة 1999 إن 78 بالمائة من الذين أجابوا على أسئلة الاستطلاع يعتقدون « إن المحاكم تمضي وقتا أطول من اللزوم للقيام بمهامها» و إن 77 بالمائة يعتقدون إن «اللجوء إلى المحاكم مكلف أكثر مما ينبغي» ، كما إن 56 بالمائة من الذي شملهم الاستطلاع يفضلون الإحكام القائمة على أساس خدمة المجتمعات بدلا من السجن.
و قد تكررت نفس هذه النتائج في استطلاع لاحق أجرته على المستوى القومي شركة هيرست لحساب المركز القومي لمحاكم الولايات فقد بين ذلك الاستطلاع إن نصف المشتركين فيه تقريبا يعتقدون إن محاكمهم المحلية تقوم بعمل متوسط أو ضعيف في معالجة القضايا الجنائية و إن أكثر من 50 بالمائة يشعرون إن المحاكم تقوم بعمل متوسط أو ضعيف بالنسبة لقضايا المشاكل العائلية أو جنوح الأحداث و إن أكثرية ضئيلة جدا تقول إن المحاكم تقوم بعمل جيد أو ممتاز في النزاعات على العقود و الخدمات و الأذى الجسدي.
ظهر اعتماد إجراءات الحلول «البديلة» أو المكملة» للنزاعات في المحاكم نتيجة الجهود الرامية إلى إيجاد طريقة أفضل و أسرع و اقل كلفة للبت في أمر الدعاوى.
التسوية التي يتم التوصل إليها في مرحلة مبكرة بين الأطراف المتنازعة سواء كان ذلك قبل المحاكمة أوخلالها، من شأن ذلك تجنب التكاليف الباهظة التي تنجم عن عمليات التحضير السابقة للمحاكمة و اختصار الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق تسوية.
وبشكل عام أصبح هناك اهتمام باللجوء إلى الوساطة (أي اعتماد شخص «محايد» مدرب مهنيا لمساعدة الطرفين على التوصل إلى اتفاق) لحل نزاعات مؤسسات الأعمال و قضايا الطلاق و حضانة الأطفال و النزاعات حول الأذى الجسدي و الإضرار الاقتصادية و قضايا الشكاوي الصغيرة وعندما تكون قيمة موضوع الخلاف اقل من 5000دولار (و النزاعات حول المياه،و النزاعات بين المستأجرين و أصحاب العقارات، و تستخدم الوساطة أحيانا كذلك لتحديد مبلغ التعويضات التي ينبغي على المجرم او الجانح من الإحداث دفعها للضحية. و بإمكان الفريق الذي لا ترضيه نتائج الوساطة عادة طلب مواصلة الدعوى و النظر في القضية بدون تغريمه.
أما إجراءات التحكيم (تحويل مسؤولية القرار حول النزاع إلى شخص «محايد» أو أكثر يختارهم الطرفان المتنازعان على أساس خبراتهم التقنية) فكثيرا ما تشترطها عقود البناء و الخدمات الطبية و خدمات الوساطة المالية و التوظيف و تكون قرارات التحكيم في العادة ملزمة بالنسبة للفريقين و لا يمكن اعادة النظر فيها.
وهناك إجراءات أخرى تستخدم اقل مما تستخدم الإجراءات السابقة، كالتقييم الحيادي المبكر (تعيين خبير للمسائل التي تدور حولها القضية و مقدار الإضرار على أساس بيان مفصل يقدمه كل من الفريقين)، أو المحاكمات السريعة امام هيئة محلفين(و هي عبارة عن عرض موجز للأدلة و الحجج امام هيئة محلفين غير رسمية) و تعتمد هذه الإجراءات عادة في قضايا أو نزاعات معقدة تنطوي على مبالغ كبيرة من المال.ومن الحلول البديلة للنزاعات المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية المفاوضات قبل المحاكمة والمشرف القضائي الخاص والخبراء المحايدون.
و تبين عمليات التقييم التي أجريت أن الحلول البديلة للنزاعات تعتبر بشكل عام «أفضل» من عملية المقاضاة الاعتيادية من حيث مستوى شعور المتخاصمين بالارتياح للنتيجة و الرضا عنها و امتثالهم لشروط الاتفاق الذي يتم التوصل إليه.
وعند الحديث عن التطوير والتحديث فإنه لا بد من الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المملكة الأردنية الهاشمية كغيرها من الدول التي تعاني الوقت الحالي من أزمة اقتصادية عالمية ، ونجد إن المملكة الأردنية الهاشمية ومنذ تأسيسها وبحكم موقعها الإقليمي قد تأثرت بالعديد من المشاكل الإقليمية والتي أثرت على الأردن من الناحية الاقتصادية إلا أن الأردن تمكن من تجاوز المشاكل السابقة واستطاعت المملكة أن تشق طريقها بقوة وأن تحقق تقدماً في جميع المجالات على الرغم من قلة الموارد.
نحن الآن في الأردن نعيش أزمة اقتصادية تختلف بخصائصها وافقها الزمني وإمكانات ووسائل تجاوزها ونتائجها عن الأزمات السابقة حيث أن وطأتها شديدة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وصعوبات المواجهة وقد عبرت هذه الأزمة عن نفسها في العديد من القضايا والمشاكل فهناك التضخم وارتفاع معدلات البطالة وركود اقتصادي بجميع القطاعات وهناك أزمة طاقة وتفاقم مشكلة المديونية وقيام الحكومة بالحد من الأنفاق العام.
إن الأزمة الاقتصادية التي نعيشها أصبحت أثارها تشكل قيوداً شديدة على حركة النمو والتنمية والتطوير وبحكم الصلات والروابط الوثيقة بين الاقتصاد ومختلف القطاعات فإن الأزمة الاقتصادية تستحق المعرفة والتحليل والمناقشة من قبل أعضاء اللجنة الملكية لتطوير القضاء وسيادة القانون وذلك بتحليل أثار الأزمة وتقييمها ومعرفة الآفاق الممكنة من اجل التغلب عليها على النحو الذي يخدم المشروع الملكي في التطوير والتحديث ، ونجد أنه برغم الصعوبات الاقتصادية إلا أن الحكومة قد استعدت لدعم وتنفيذ مخرجات اللجنة الملكية لتطوير القضاء.
ونجد إن القضاء الذي يقوم على الفاعلية والاستعجال والقادر على القيام بمتطلبات العدالة الناجزة يعزز موقف الأردن على الصعيد الدولي وذلك عند قياس معايير الأداء القضائي وكذلك تعزيز موقف الأردن أمام المؤسسات الدولية وامام الجهات المانحة وتعزيز فرص الاستثمار ، ونجد إن الأردن قد حقق المرتبة (38) من أصل (99) دولة من دول العالم في مؤشر سيادة القانون لعام 2014 الصادر عن مشروع العدالة العالمي والمرتبة (31) في مؤشر استقلال القضاء من ناحية فعلية.
لذا فإن اللجنة الملكية لتطوير القضاء أمامها فرصة لفحص القواعد والأسس التي استندت إليها الاستراتيجيات السابقة وكذلك مقارنة أهداف هذه الاستراتيجيات مع النتائج التي حصلنا عليها.
كذلك نجد أن الاستراتيجيات السابقة تحتاج لمراجعة وتقييم وهل حققت الكفاءة والفاعلية وهل تم قياس الأداء المتحقق ومقارنته بالأهداف وهل تم تشخيص الصعوبات ومراجعتها وتحديد أسبابها وكيفية معالجة ذلك.
السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والمجتمع والإعلام يتطلعون إلى مخرجات اللجنة الملكية لتطوير القضاء وسيادة القانون وهناك تفاؤل بأن تكون مخرجات اللجنة موحدة وشاملة وكاملة وتقوم على استشراف بالمستقبل.