المشهد السياسي المحيط والاوراق الملكية

08/05/2018

اعداد :د. حازم قشوع

من المفيد ونحن مازلنا نعيش اجواء التغيير في الجغرافيا السياسية و اشكال الانظمة ان نلتفت لبدايات تنفيذ مشروع التغيير ولا اتحدث عن بداية التخطيط لانه يصعب على اي سياسي معرفته او تحديد بداياته لكن ما يمكننا تحليله والحديث حوله هو شكل المشروع وكيفية تنفيذ مشتملاته وماهية دوافعه واهدافه المرحلية التي يستهدفها والغايات الاستراتيجية التي يسعى لتطبيقها.


ويتفق محللون ان ميزان التحول في استخدام مشروع التغيير والتغير بدأ الحديث حوله في المجتمع الدولي عندما تم اعتماد مصطلح المواطنة ورفع مطبخ القرار شعار «لا ديموقراطية بلا مواطنة» وبدأت الولايات المتحدة بتكريس هذا النهج على النموذج الامثل لترسيخ معاني السلم الاهلي وتعظيم جوانب المجتمع المدني وسيادة القانون وهو ما اعتبرته النموذج الافضل الذي يتعين نشر نهجه وتعميمه على المجتمعات فضلا عن ان مجتمع المواطنة او ما يعرف بمجتمع المعرفة يعتبر السمة المجتمعية التي تتوحد في سماتها المجتمعات في العالم كما يسعى المجتمع الى توحيد التشريعات والنظم الادارية اضف الى ذلك شكل المجتمع وسمته.


هذه الصورة التي قرأها بعض السياسيين واستوقفتهم معانيها تحدثت عن مدى توفر الارادة في تعزيز وحدة المجتمع بتشكيل مجتمع المواطنة والا فان مالات عدم تطبيقه ستسمح بولادة تقسيمات اثنية تتشكل منها الجغرافيا السياسية للدول وهنا وقف الجميع ليستفهم عندما تساءلوا الى اين سيذهب العالم ؟والى اين سيتجه نهجه ؟بينما لم يكن يتخيل احد ان ساعة صفر التطبيق باتت وشيكة لدرجة كبيرة وان ثمة ترتيبات تم اعدادها وخططا سيجري تنفيذها باستخدام وسائل واليات ووجود بدائل تحفظ وصول مشروع التغيير والتغير الى اهدافه ومراميه والتي مازلنا نجهل الكثير منها الى هذه اللحظة خصوصا وان جميع الانظمة التي يستهدفها هذا المشروع تشكل حالة بنائية داخل جسم المجتمع الدولي ولا تشكل حالة مستعصية لابد من التخلص منها او ازالتها الامر الذي يبعث حالة من الاستغراب والتساؤل عن ماهية هذا التغيير الذي لابد من بلورته ؟ وهي الدوافع التي يستند اليها؟ وهو ذلك السؤال الذي سيبقى برسم الاجابة لحين استكمال ترسيم المشهد السياسي بانظمته وجغرافيته القادمة.


فاذا كانت الرؤية من تشكيل المشهد السياسي القادم تقوم على احداث تشكيل شرق اوسطي تتغير فيه الطبيعة النمطية السائدة فاما يتم تشكيل المجتمعات على قوام المواطنة او ان الحال المشكل لطبيعة المجتمع تستند الى مكونات اثنية ،ومن هنا بدأ العمل على ايجاد معادلات تخلط عبرها اوراق المعادلة السياسية برمتها بادخال هذه المركبات المجتمعية في حالة من المخاض السياسي المتوسط والعميق لخلخلة المستقرات المجتمعية. على ان يراعي عبر هذه الاهتزازات اسقاط دوامات طاردة واخرى جاذبة تشكلها الحمايات الاقليمية التي تجسدها القوى المحورية في الاقليم الامر الذي ستكون مخرجاته حالة جديدة من المجتمعات وعناوين جديدة من الانظمة ضمن قياس تحفظه قدرة الدولة على الاستيعاب الديموغرافي والجغرافي وهذا مرده للسمة التي يراد تشكيل الدولة خلالها ان كانت تقف على منزلة المواطنة او تقبع عند الخانة الاثنية.
وبدأت تتشكل في المنطقة مناخات التغيير والذي بدا وكأنه جاء منسجما مع رغبات الشعوب في الحرية والديموقراطية والمشاركة الشعبية في الفترة الاولى بينما استند الى فرض الايقاع في القوة في الفترة الثانية وما رافقها من مناخات التغيير والتغير واستخدم في الفترة الثالثة سياسة الاحتواء الاقليمي والهضم الفئوي وذلك ضمن ثلاث فترات زمنية استخدم فيها ثلاثة انماط سياسية ساعرضها لتبيان الحال من خلال الوقوف عند بعض مفاصل المشهد السياسي لايجاد اضاءات معرفية حول كيفية استخدام ادوات معادلة التنفيذ وهو الذي سيمكننا من التعامل بدقة اكثر ان صحة هذه القراءات مع مقتضيات الحالة السياسية الراهنة والتي تحمل دلالات تاريخية بكل ما تحوي هذه الكلمة من معنى وبما قد تحمله من توازنات سيكون لها تبعات جمة في المستقبل المنظور والمتوسط والتي يمكن قراءتها حسب مايلي :

اولا-مرحلة التغيير الناعم


هذه المرحلة التي تم فيها تسخين المجتمعات لتقوم بتغيير انظمتها حيث حملت بعضها شعاراً تناول تغيير النظام بينما اكتفت اخرى بالحديث حول اصلاح النظام تحت دعاوى مكافحة الفساد والمشاركة في صناعة القرار وغيرها من الشعارات الوطنية المطلبية.وغابت عن مشهد التغيير الشعارات القومية والوحدوية والاسلام السياسي النمطية فيما تمثلت اهدافها الضمنية بتغيير محتوى الانظمة الامنية الى انظمة ايدولوجية ضمن المشروع الاستراتيجي للدولة الاقليمية التوسعية وادواتها التي شكلتها وحدة بعض الحركات الحزبية مع الحركات الشبابية اضافة الى قنوات اعلامية نافذة ودول محورية قادرة واخرى مركزية داعمة بحيث شكل هذا الاطار الجامع الذي يشكل المركز الاستراتيجي والنهج التنظيمي والرسالة الاعلامية اضافة الى الدعم المالي بغية انجاز مشروع التغير والتغيير.


وحملت هذه المرحلة في طياتها نمطا سياسيا جديدا بالشكل والالية حيث قامت على تظاهرالحركات الشبابية لاكتساب التعاطف الشعبي باعتبارها حركات ذاتية ترنو لتحقيق الافضل للشعوب عبر الارتقاء برسالة التنمية وبما ينهى حالة القبضة الامنية ويكبح جماح الاستفراد في القرار وبما يحد من التغول على المؤسسات الدستورية في الدولة ويقف الهدر في المال العام ويحد من الفساد....وبعد قيام هذه الحركات الشبابية لدورها تمتطي الحركة الأيديولوجية الاخرى المشهد المجتمعي وتخطف المشهد والسلطة.
ومع ان هذا النمط السياسي استطاع اختراق المجتمعات والتأثير عليها لكنه لم يستطع من تشكيل حالة تمكن هذه الحركة الأيديولوجية من قيادة المرحلة وهذا يعود لسببين أولهما ذاتي لما تمثله هذه الحركة الايديولوجية من فكر منغلق اراد اختزال السلطة لذاته وخطف القرار بطريقة احادية فكان ان رفضته الشعوب وتكالبت عليها الغالبية العظمى من المجتمعات ليتم من بعد ذلك انهاء دورها في السلطة واضعاف مكانتها في المجتمع.


واما السبب الموضوعي والذي بظني كان الاساس فهو مرده لدور الانظمة الامنية ذات الصفات المشتركة التي عملت للحد من المد الايديولوجي الذي اراد ان يحل مكانها وقد جاء ذلك بمساعدة دول اقليمية كانت قد عارضت تشكيل ايجاد تيار ايديولوجي موحد يحكم الطابع العام للمنطقة يكون بديلا عن العقدة الامنية التي تتشكل منها الانظمة السياسية في الاقليم.


وعلى الرغم من كل ما ذكرت الا ان حركة التغيير الناعم لم تتمكن من ايجاد نجاحات تحافظ على الاستمرارية لمسيرة التغيير وان كانت قد حققت انزياحات في مستقرات المجتمعات ووسعت الهوة بين الانظمة والشعوب الا انها فشلت في قيادة التغيير وان كانت قد وصلت لسدة القرار بواقع افتقارها للخبرة والقدرة التي تؤهلها لقيادة الدولة هذا لان القيادة الشعبية والياتها مغايرة لادارة السلطة ودفة الحكم لتنتهي مرحلة التغيير الناعم دونما نتائج تذكر ويتراجع مشروع الدولة المحورية التوسعية معها وينحسر المد الايديولوجي الذي كان مرافقا بالشكل السياسي والمضمون الشعبي.

ثانيا–مرحلة التغيير الفض


وفي هذه المرحلة انتقلت المناخات الاقليمية من مناخات الايديولوجية المعتدلة السلمية التي سعت لامتلاك السلطة ضمن الجغرافيا السياسية القائمة الى مناخات الايديولوجيا المتطرفة المعنفة التي هدفت لايجاد جغرافية سياسية جديدة في المنطقة وخلق واقع جديد تستطيع عبره تعبئة الشاغر الذي فرضه فشل الايديولوجيا السلمية بتشكيل واقع جديد و ظروف انحسار المد الشعبي لهذه الحركة الايديولوجية السلمية حيث سعت حركة الروافض الى تشكيل جسم ايديولوجي متطرف بالرسالة والاسلوب وحتى بالنهج الفكري فعمدت الى استخدام الارهاب كاللغة للمخاطبة والخروج عن المألوف كمنهاج حياة بينما عملت حركة الروافض ضمن اسلوب علمي حديث على استهداف فئة الشباب في الاستقطاب خصوصا من تلك البيئة الجغرافية التي تسمح بذلك واستخدمت شبكات التواصل الاجتماعي لتوجيه رسائلها وطرح افكارها لفرض واقع جديد يغير من شكل الحالة المدنية للمناطق التي تستهدفها رياح التغيير الى واقع مناطقي جديد يقوم على اساس المناطقية الاثنية او المذهبية حيث استخدمت اسلوب يقوم على العنف وعلى دلالاته اسست على الارهاب بالمعنى المنهجي وعلى التطرف في المضمون الفكري.


ولقد شكلت حركة الروافض مناخات الطرد الاقليمي المركزي التي بدورها تشكلت منها دوائر سياسية صغرى في اطار حمايات مناطقية اثنية واخرى استراتيجية في الاتجاه المذهبي المستهدف والذي ينتظر ان يبلور حالة التضاد الاقليمي المذهبي بين اتجاهين يمتلك كل منها مشروعا توسعيا مذهبيا مرتكزا فى دولة محورية اقليمية تشكل له الحماية اللازمة والرافعة السياسية التي تتشكل حولها عنوان الاستقطاب القادم و التي بدورها ستحفظ لمشروعها التوسعي سبل التمدد المقرون بسياسة « تفكيك المجتمعات لغايات استقطاب بعض الفئات» بحيث ينسجم هذا الاطار الاقليمي المشكل مع هذا التوجه المذهبي او ذاك وان كان كلاهما لا يتشكل من حالة عروبية لكنهما يقومان باستمالة دول او فئات عربية تدور بهذا الفلك او ذاك.


ولقد شكلت مناخات الطرد المركزي التي شكلتها قوى الروافض بيئة جاذبة للشباب الباحث عن الغيبيات والذي سئم مرحلة المراوحة وعاصر فترة انحسار الامة وشاهد تفككها للدرجة التي باتت فيه غير قادرة على الدفاع عن مقدساتها وحتى هويتها فاخذ في البحث عن ذلك المخلص فوجده في قوى الروافض التي بدات في التمدد بالعنف والقوة واستفحلت باستقطابها جيل الشباب الناقم واستشرت في استيلائها على منابع النفط حيث عظمت موجوداتها من واقع تصديرها بمساعدات الجوار الاقليمي.
ولقد ادت حركة الغبار الكثيف الذي رافق عمليات الهرج والمرج السياسي والاعلامي لتشكل حركة الروافض المساحة الاوسع في الوسائل الاعلامية المختلفة وكما على الصعيد الشعبي والحال نفسه في الجانب الرسمي لكن حركة الروافض على الرغم من سيطرتها على مساحات شاسعة في العراق وسوريا وامتلاكها لاحدث اسلحة وتقنيات حديثة في التواصل الا انها لم تستطع اعادة رسم الجغرافيا السياسية الجديدة التي يبدو ان صانع القرار العالمي يريد تجسيدها الى حيز الواقع لخلق واقع جديد.

ثالثا- التغيير بالاحتواء الاقليمي


ولانه تشكل في المنطقة ثلاث قوى اقليمية كان المجتمع شرعنها اذ قامت بدور تشكيل الحمايات المعتمدة بحيث تمتلك كل منها قوة استراتيجية عسكرية واقتصادية قادرة على المساعدة اضافة الى مشروع توسعي يسعى للاستقطاب الفئوي واحتواء بعض البلدان والسعي لحل مشكلات مستعصية كالقضية الفلسطينية والقضية الكردية والقضية الامازقية وقضية عربستان وغيرها من القضايا التى يمكن حلها واحتواؤها من منظار اقليمي.


لذا فان المستقبل المنظور ينتظر ان يعمل على بلورة تحالفات اقليمية تقوم بتوسيع نفوذها وربما تمددها الجغرافي وهضمها لتكتلات ديموغرافية جديدة تساعدها على الاحتواء ويسعفها في بسط سيطرتها على اماكن الحماية التي تظلها.


وفي وسط هذه الاجواء الاقليمية قام الاردن بطرح مبادرة جادة لتشكيل قوة اقليمية رابعة الا ان هذا الطرح على اهميته لم يجد الى الان البيئة التي قد تساعده على تشكيل هذه القوة المحورية التي كان الغاية منها ان تحدث اتزان التمثيل الاقليمي لتعمل جنبا الى جنب مع القوى الاقليمية غير العربية الاخرى التي تتشكل منها الحمايات الاقليمية لتقوم هذه القوى العربية الاقليمية على تشكيل الدور المحوري العربي في المنطقة وبما يمكن النظام العربي من الدفاع عن هويته وحفظ مكانته والمطالبة في حقوقه ورفعة قضاياه،الامر الذي هو بحاجة الى ايجاد ارضية عمل تسمح في ولادة هذه القوة الاقليمية الرابعة والتي احسب انها بحاجة لتهيئة ظروف تكوين تكفل لها النشأة ومبادرة موضوعية تضمن لها الجدية في التوجه فان التحديات المستقبلية تحديات عميقة لا تستطيع البلدان العربية منفردة التعاطي معها لذا يبدو ان الضرورات ستقتضي تشكيل هذه القوة الاستراتيجية لتتمكن من مواجهة هذه المرحلة بكل ما فيها من متغيرات خصوصا وان الحالة التاريخية الاستثنائية تتطلب جهودا إستثنائية تمكنها من صناعة التاريخ مجددا وهو ذلك الامر الذي طالما تمناه الشعب العربي ويتطلع اليه الجميع وهو ما بينته موغيرينى ممثلة الاتحاد الاوروبي في القمة العربية التي عقدت في الظهران ليكون شكل الاتحاد الاوروبي نموذحا يحتذى فان ما هو قادم بحاجة الى استدراك وليس فقط الى قراءة.


وفي ظل هذه الاجواء السياسية الدقيقة والمرحلة التاريخية التي تشهدها المنطقة وما رافقها من اهتزازات طالت المستقرات المجتمعية نجح الاردن في تقديم مثال في الانجاز عندما حافظ على منجزاته الوطنية من جهة وشرع في الاعتماد على الذات الوطنية من جهة اخرى الامر الذى جسده جلالة الملك عبدالله الثاني عندما قدم رؤيته الاصلاحية والتنموية عبر الاوراق الملكية والتي حرصنا على تحويلها الى خطة عمل استراتيجية قابلة للتنفيذ.