مركز الرأي للدراسات
اعداد : د. أيّوب أبو ديّة
4/2009
يستورد الأردن نحو 95 % من إجمالي احتياجاته من مصادر الطاقة التقليدية، وقد ارتفعت فاتورة النفط باضطراد من 610 مليون دينارفي عام 2002 إلى 1776 مليون دينار خلال عام 2005، فأصبح يشكل استيراد النفط نحو 23,9 % من مجموع مستوردات الأردن السلعية. وهذه الفاتورة الضخمة من مادة استهلاكية واحدة فقط تشكل حافزاً كبيراً للبحث عن مصادر جديدة للطاقة موضوع هذه الدراسة.
وفي ضوء تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية بمعدل يفوق كثيراً ما كان متوقعاً له، وذلك لازدياد الطلب على الكهرباء في مواجهة ارتفاع أسعار مشتقات البترول. بات ضمان ثبات أسعار الكهرباء أمراً مهماً آخر. ومن المعلوم أن المصدر الرئيسي لإنتاج الكهرباء في الأردن أصبح من الغاز الطبيعي المستورد من مصر (إضافة إلى الديزل كنظام تشغيل احتياط). إذ دخل الغاز الطبيعي عام 2004 في خدمة محطة العقبة الحرارية، ثم تلاها استخدام الغاز الطبيعي في محطات الريشة ورحاب والسمرا والمناخر في شرقي عمّان وغيرها.
ولما كان استهلاك الطاقة الكهربائية في تزايد، فعلينا النظر جدياً إلى ترشيد الاستهلاك بالدرجة الأولى، وبخاصة في مؤسسات الدولة والقطاع العام حيث لا يشعر المستهلكون بمقدار التبذير الذي تتم ممارسته، ففي مبادرة نوعية لإحدى الجامعات الخاصة في الأردن تم توفير 20 – 30% من استهلاك الديزل بمجرد مراقبة درجة حرارة الهواء في داخل القاعات. وهذه تجربة ينبغي أن تعمم على نطاق واسع في الأردن كأجراء أولي لا يحتاج إلى رأس مال إنما يتطلب درجة أساسية من الوعي.
إلى جانب ترشيد استهلاك الطاقة ينبغي البحث عن مصادر بديلة، إذ تشير الإحصاءات الأخيرة أن نحو 13% من سكان الأردن استخدموا الأجهزة الكهربائية للتدفئة في عام 2007 (الرأي، 10/4/2008، ص 24) ويتوقع لهذه النسبة أن تزيد بوتيرة مرتفعة.
ولا تتوقع الدراسات مبدئياً ارتفاع تسعيرة الكهرباء نتيجة لإدخال الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، فضلاً عن اعتدال سعر الغاز المستورد من مصر المتفق عليه لعقود طويلة الأجل. (الطاقة في الاقتصاد الأردني، المركز الأردني لأبحاث وحوار السياسات، أيار 2006). ونأمل أن تكون هذه التوقعات صحيحة وإلا سوف تستفحلّ أزمة الطاقة.
ولكن الأمر الذي يقلقنا هو مدى ضمانة استمرارية تدفق الغاز أو ثبات سعره لأجل بعيد؟ فمن سيضمن عدم ارتفاع أسعار النفط، وبخاصة في ضوء التوتر السياسي العالمي الذي جعل سعر البرميل يتجاوز المئة وعشرين دولاراً. وقد قفزت أسعار النفط في الأردن، وفي الكثير من الدول، بمعدلات فلكية، حيث بلغ سعر لتر الديزل 600 فلساً، أي تضاعف سعره فجأة، وهو مرشح للارتفاع، الأمر الذي استدعى إعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية للطاقة، وفي مصادر الطاقة بمجملها، حيث تتطلع الاستراتيجية الجديدة إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة من 1% عام 2007 إلى 10% عام 2020، فضلاً عن إضافة حصة 6% للطاقة للنووية. فهل الاستراتيجية هذه طموحة بما يكفي؟
في ضوء التوترات العالمية، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العالم وفي ضوء التوجه نحو استخدام الوقود الحيوي الذي أدى إلى أزمة في إنتاج المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها. فهل بقي من عذر للتوجه وبسرعة نحو مصادر الطاقة البديلة والنظيفة، وللتوجه وبزخم يتجاوز طموح الاستراتيجية الوطنية، إذا أمكن ذلك ضمن ما هو متاح تكنولوجياً ومالياً، فما هي مصادر الطاقة البديلة المتجددة باستمرار والتي تضمن لنا مستقبلاً أميناً من حيث توفير مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة الضامنة لاستدامة بقائنا؟
أحد هذه المصادر هو: الطاقة الكهرومائية، ويتم توليدها من مياه الأنهار الطبيعية أو الاصطناعية بعمل سدود تجمع المياه خلفها، ثم يسمع للمياه بالسقوط الحر لتحرك توربينات تقوم بدورها بتوليد الطاقة الكهربائية، كسد الفرات في سورية الواقع بالقرب من مدينة الرّقة الذي يولـّد 880 كيلو واط ساعة من الكهرباء. وهناك مشروع قناة البحرين (البحر الأحمر – البحر الميت) الذي يقدر له أنه ينتج نحو 850 كيلو واط ساعة من الكهربائية عند تشغليه، ومشروع السد العالي في مصر، وغيرها من مشروعات كهرومائية.
تعتبر الطاقة الكهرومائية طاقة نظيفة لا تؤدي إلى تلوث في الهواء، ولكن مساحة المشروع الكبيرة تؤثر على البيئة المحلية وتغير من معالمها، فمجال أثرها يمتد من البيئة الطبيعية والاصطناعية إلى مجال البيئة الاجتماعية والجمالية ونحوهما، فضلاً عن أن تخزين المياه يُحدث بعض الحركات الزلزالية بفعل الضغط المرتفع على القشرة الأرضية الذي يحفز حركة الصفائح التكتونية التي تطلق الطاقة الهائلة المختزنة على جهتي الفالق على شكل هزات أرضية. كما يمكن أن يهدد السد المناطق المنخفضة إذا انهار بفعل خطأ إنشائي أو عمل عدواني. وهناك مشكلات ضخ مياه العقبة إلى منطقة مرتفعة قبل أن تنحدر إلى منخفض البحر الميت.
ولكن ماذا بشأن طاقة الرياح بوصفها طاقة متجددة ونظيفة، وقد شرع الأردن في استثمارها؟
لقد استخدمت الرياح في الماضي لتوليد الطاقة من خلال استخدام أشرعة السفن ونواعير المياه وطواحين الحبوب ولصناعة الورق، وقد تطورت اليوم بحيث أصبحت المراوح تدور كيفما تغير اتجاه الهواء، وأصبحت تنتج طاقة بسعر ينافس التعرفة التقليدية للكهرباء، وبخاصة في المناطق التي تتوافر فيها سرعة عالية للرياح.
وهناك مزارع للرياح في البحار حيث سرعة الهواء أعظم وحيث يكون ضرر المزارع على البيئة أقل ما يمكن، ويتوقع أن يتم في المستقبل التوسع في مجال إقامة مزارع لحصد الرياح في البحار off-shore لتجنب الأضرار بالبيئة الطبيعية، كالضرر بالبيئة الطبيعية والجمالية، ولاجتناب التلوث الضوضائي والبصري ونحو ذلك.
لقد تطورت تقانة توليد الكهرباء من الرياح بحيث أصبحت تنتج الكهرباء على نطاق تجاري في السبعينيات من القرن العشرين، على أثر المقاطعة العربية لأوروبا عقب حرب تشرين 1973، فيما كانت المحاولات الأولى في الدنمارك خلال الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى الستينيات حيث تم إنتاج نحو 200kw ورفدت الشبكة الدنماركية الوطنية للكهرباء.
وبمرور الزمن زادت كفاءَة تحويل طاقة الرياح إلى طاقة ميكانيكية بتطور الأنظمة، وقد تحسنت كفاءَة هذه التقانة في مقابل تدني الكفاءَة إلى النصف خلال العمل على مدى العام لتذبذب سرعة الرياح. ومن المتوقع في عام 2010 أن يُنتج التوربين الواحد بقطر 180 متراً ما يعادل 8 – 12 MW نتيجة استخدام الشفرات المتطورة الخفيفة الوزن. وهذا الحجم الهائل للشفرات يؤشر إلى مدى التطور الهائل الذي يصاحب مشروعات توليد الكهرباء من طاقة الرياح والذي يعكس توجه العالم الجدي والطموح في هذا المضمار. ولو لم تكن هذه الصناعة مربحة ومنافسة ومرغوبة لما تتطورت إلى هذا الحد الرفيع.
وقد تزايد إنتاج الطاقة الكهربائية من مزارع الرياح بمقدار 30% سنوياً في الخمس سنوات الأخيرة بحيث أصبح العالم ينتج نحو 60GW عام 2005، وتنتج أوروبا حالياً من طاقة الرياح نحو 3,5% - 3,3% من مجمل استهلاكها من الطاقة الكلية، فيما تقود ألمانيا وإسبانيا هذا الإنتاج على الترتيب، وغدا مجموع إنتاجهما يكافئ نصف إنتاج أوروبا (Dr. Kalogirou, Arab Water World, sep. 2007). وقد بلغ إنتاج أوروبا وحدها نحو 40,500 MW وهو أكثر من نصف إنتاج العالم بمجمله (المصدر : Cube) وهذه الكمية من إنتاج الكهرباء تكفي لحاجة 50 مليون مواطن في أوروبا.
لقد برعت في تسخير طاقة الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية كل من إسبانيا وألمانيا على وجه التحديد، وغدت هذه التقانة المتطورة اليوم اقتصادية ومنافسة، وبخاصة في ضوء تطور صناعتها وارتفاع أسعار النفط عالمياً. كما تطورت صناعة مراوح الرياح بحيث أصبح ممكناً أن توضع اليوم مراوح لحصد الرياح فوق المنازل السكنية أو بالقرب من المجمعات السكنية، وهي كافية لتوليد حاجة المنزل من الطاقة الكهربائية! وهناك مشروع بناء قيد الإنشاء في دبي وسيقوم بتوليد ما يزيد عن حاجته من الكهرباء من طاقة الرياح والخلايا الضوئية. ونحن نستغرب كيف يسمح للمشاريع الكبيرة بأن تقام في الأردن وهي غير منتجة لطاقتها ذاتياً؟
ونتساءَل هنا: هل يحق للشعب الأردني إنتاج الطاقة الكهربائية في ظل امتيازات شركات الكهرباء الأربع؟ ولماذا لا تشتري الشركة من الكهرباء التي يمكن أن تنتجها المشاريع الخاصة، وبخاصة في وقت الذروة حيث الحاجة تكون عظيمة؟ ولماذا لا توضع تعرفة تصاعدية على غرار استهلاك المياه، وبحيث تأخذ بعين الاعتبار ساعة الذروة فتخفض تعرفة الكهرباء خارج تلك الأوقات، على غرار ما فعلت كندا في السنوات الأخيرة عندما غدا استهلاك الكهرباء في فصل الصيف أكثر من فصل الشتاء لأول مرة في تاريخها، نتيجة ازدياد استخدام مبردات الهواء في فصل الصيف والتي تعمل على الكهرباء. وكانت هذه الظاهرة إحدى نتائج مشكلة الانحباس الحراري العالمية.
إن الخطط الوطنية للطاقة قد انطلقت من قمقمها أخيراً، وبات مشرع الكمشة في جرش لتوليد الطاقة الكهربائية من الرياح على الأبواب بعد أن تم طرح العطاء، ويتوقع له أن يبدأ قريباً بطاقة 30-40 MW، وهذا جهد مبارك، ولكن ماذا بعد ذلك؟
إن مشروع الفجيج لطاقة الرياح مرتبط بالبنك الدولي ويتوقع أن يبدأ تشغيله بين عامي 2013– 2009، وحال المشاريع الأخرى أسوأ، مثل مشاريع طاقة الرياح في مناطق: الحرير ووادي عربة ومعان والمفرق والأزرق، فإن توقعات إنجازها يمتد إلى عام 2020 وربما أكثر. فهل هو مقبول حالنا ونحن نتباطئ في إنتاج الطاقة الكهربائية من الرياح على هذه الشاكلة؟
أما طاقة الشمس بوصفها مصدراً للطاقة المتجددة والنظيفة، فتتنوع استخداماتها من السخانات الشمسية للمياه، التي هي منتشرة في الأردن على نطاق واسع، إلى الطباخ الشمسي والمركبات الشمسية بأنواعها (جوية وبحرية وبرية)، إلى توليد الكهرباء لتزويد الشبكات الأرضية وتشغيل خدمات الأماكن النائية التي تفتقر إلى الشبكة الكهربائية، إلى تشغيل البرادات والأجهزة الكهربائية والحواسيب والآلات الحاسبة وغيرها. وتجربة المراكز الحدودية في الأردن تجربة ناجحة أرجو أن تنداح مدى وتتجذر في ثقافتنا الوطنية.
أصبحت الطاقة الشمسية مصدراً مهماً للطاقة النظيفة التي تستخدم لتسخين الماء، كما هي الحال في السخانات الشمسية التي تعمل على تسخين الماء لتزويد المنازل بالماء الساخن. كذلك تستعمل الطاقة الشمسية لتقطير الماء المالح للحصول على ماء صالح للشرب، وهناك محاولات مهمة اليوم في العالم لاستخدام الطاقة الشمسية في تشغيل مضخات الماء (ينفق الأردن نحو 16% من طاقته في تشغيل المضخات) وفي تقطير الماء المالح للاستخدامات الزراعية وفي شحن بطاريات الكهرباء التي تدير القوارب والمركبات المختلفة، الأرضية منها والفضائية.
لقد تطورت صناعة تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء، كعمل الخلايا الضوئيةPhoto Voltaic cells المرتفعة التكلفة والتي يحاول العلماء اليوم خفض سعرها بحيث تصبح منافسة للطاقة الأحفورية التقليدية، وذلك لتزويد المنازل والمشاريع المختلفة بالكهرباء ولسد حاجتها من الطاقة. وقد أصبحت اليابان وألمانيا وإسبانيا من الدول الأوروبية المتقدمة في هذا المضمار.
من مشكلات هذا النظام الحاجة إلى تخزين الطاقة، فضلاً عن ضرورة تنظيف اللواقط باستمرار، كما تواجه هذا النظام مشكلة التوقف عن العمل في الليل وخلال أيام الغيوم الكثيفة.
ولكن هذه المشكلات يمكن تجاوزها وبخاصة في ضوء التقانة المتطورة، وفي ظل عدم استقرار سوق النفط عالمياً، إذ ينبغي أن نبدأ بتأسيس المشاريع التجريبية لبناء كوادر قادرة على إدارة مشاريع المستقبل، وبخاصة لأن الأردن تتوافر فيه شدة شمسية تزيد عن تلك التي تسقط على أوروبا بمعدل 3 – 5 مرات.
وقد دخلت أنظمة متطورة للسخانات الشمسية على الأردن، الأنابيب المزدوجة المفرغة، وغدت داعماً مهماً لتسخين المياه بحيث غدا الاستثمار فيها يسترد ما ينفقه المستثمر في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات في أقصى تقدير، وبخاصة في ضوء القفزة الأخيرة في أسعار الديزل وفي ضوء الخطوات الحكيمة بإلغاء الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على المعدات الموفرة للطاقة. وقد بات ضرورياً إدغام هذا النظام في الأنظمة التقليدية المستخدمة في الأردن للتدفئة والتبريد، فليس من المعقول أن نؤسس لمشاريعنا أنظمة تقليدية تعتمد على الديزل اعتماداً تاماً في الوقت الذي لا نستطيع توفير ثمن الديزل، وبخاصة في المدارس الحكومية ومشروعات الإسكان الخاصة بذوي الدخل المحدود والمتوسط.
أما طاقة المد والجزر التي تتولد من انحسار مياه البحار وارتفاعها كلما اقترب القمر من الأرض أو ابتعد عنها، وإذا كان هذا الفرق كبيراً يبلغ عدة أمتار فإن الظروف تكون ملائمة لتوليد الطاقة الكهربائية كما فعلت بريطانيا وهولندا وكندا وغيرها من الدول. فهل هذا ممكن في العقبة؟
أما طاقة أمواج البحر التي يتم توليد الكهرباء من قوة الأمواج وحركتها المستمرة، فقد برعت فيها بريطانيا ودول أوروبا الشمالية، وهي طاقة نظيفة. ولكن ربما لا تكفي مساحة شطوطنا لهذه المشاريع، فلن نتحدث عنها طويلاً.
أما الطاقة الحرارية الجوفية، فتوجد بعض المياه الجوفية الحارة قريبة من المواد المنصهرة في باطن الأرض بفعل البراكين النشطة فتحول المياه إلى أبخرة تشق طريقها إلى سطح الأرض حيث يتم توليد الكهرباء منها. وهذه الحالات قد جعلت الفيلبين وآيسلاندا مثلاً تنتجان الكهرباء من بخار الماء الجوفي.
وترتفع درجة الحرارة كلما نزلنا في باطن الأرض، فعند عمق بضعة كيلومترات تحت سطح الأرض تكون درجة الحرارة نحو 250 درجة مئوية. وبشكل عام ترتفع درجة الحرارة درجة مئوية واحدة لكل نحو 36 متر عمق. وتفتح هذه الظاهرة آفاق عدة منها الاستفادة من هذه الطاقة في تدفئة المنازل شتاءً أو لتبريدها بتمرير الهواء الخارجي الحار في فصل الصيف في الطبقات القريبة من السطح، والتي تحافظ على درجة حرارتها معتدلة وثابتة تقريباً خلال الفصول كلها.
يتواجد في الأردن مئات المواقع التي يمكن الحصول من الآبار الارتوازية على مياه من أعماق تزيد عن 250 متراً، وتزيد درجة حرارة هذه المياه عن عشرين درجة مئوية، وترتفع لتصل إلى أكثر من ستين درجة مئوية في الغالب، بينما تزيد درجة حرارة مياه بعض الآبار عن درجة الغليان. وكنا نأمل أن تدمج الاستراتيجية الوطنية للطاقة هذا المخزون الحراري الذي لا ينضب في خطط مستقبل مصادر الطاقة في الأردن. كما نأمل أن يتم اختيار مواقع مشاريع الإسكان والمشاريع الصناعية الضخمة بحيث تكون قريبة من هذا المخزون الجوفي الحار.
وتتنوع استعمالات هذه المياه، فمنها ما هو للشرب أو العلاج أو الزراعة، ويمكن الاستفادة من الحرارة المرتفعة لتدفئة المنازل وبيوت البلاستيك، كما يمكن استخدامها للزراعة ولتدفئة مزارع الدجاج وحظائر الحيوانات بأنواعها وتربية الأسماك وما إلى ذلك.
وبالرغم من شروع الأردن في طرح عطاءَات محطات توليد الرياح كمشروع الكمشة في جرش، وغيره، وبالرغم من انطلاق مشاريع تجريبية للاستفادة من الطاقة الحرارية الجوفية، فإن وتيرة العمل لا تتناسب مع تعاظم وتيرة ارتفاع أسعار الوقود التقليدي وأزمة الطاقة التي نعاني منها، فشتان بين هذه الوتيرة وتلك، الأمر الذي سيفوت علينا فرصة الوصول إلى محطة القطار في الزمن المناسب!
خلاصة القول إننا مطالبون بتنويع مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بحيث لا نصبح رهينة لأي جهة كانت إذا تقلبت الأوضاع السياسية في العالم. ولا بأس من الدخول في معترك إنتاج الطاقة النووية على أن لا تكون المصدر الرئيس، وعلى ألا تثنينا عن إقامة البنى التحتية لمشاريع توليد الطاقة من الرياح على نطاق واسع، وينبغي ألا تثنينا كذلك عن بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية لإنتاج الطاقة من أشعة الشمس والطاقة الحرارية الجوفية معاً.
والأهم من ذلك كله أن نسعى إلى أن تتخصص مراكز البحوث في الأردن في مجالات إنتاج الطاقة، فلن يجدي نفعاً أن تظل مراكزنا تشتغل اشتغالاً سطحياً بالتخصصات كافة، فنحن ندعو إلى تأسيس جهة رسمية ما للتنسيق بين هذه المراكز البحثية والجامعات بحيث نرى في القريب العاجل مركزاً متخصصاً لطاقة الرياح في الجامعة الهاشمية، مثلاً، وآخر للطاقة الشمسية في الجامعة الأردنية، وآخر للطاقة الحرارية الجوفية في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وآخر للطاقة الكهرومائية في جامعة اليرموك، وآخر للطاقة المصانة (ترشيد الاستهلاك في الطاقة) في الجمعية العلمية الملكية، وآخر للطاقة النووية في جامعة الحسين، وهكذا، بحيث تتركز الجهود والأبحاث فتصبح أعمق وأكثر فعالية وإنتاجية من ذي قبل.