مركز الرأي للدراسات
اعداد : د.عطية محمد عطية
نيسان 2013
إن قاطرة مكافحة العنف في جامعاتنا ليس مهمة سهلة، والطريق فيها معقدة، ليست مفروشة بالورود؛ بسبب تعدد ألوان طيف الطلبة وما يحكمهم من تجاذبات، واصطفافات، وتخندقات وأجندات، ومراوحتها سلباً وايجاباً من فئة لأخرى.
ولسنا نغالي إذا قلنا، ليس هناك يد سحرية بمجرد وضعها على هذا الملف الساخن نقفز عنه إلى ملف آخر من اشكاليات التعليم العالي. فالمشكل أكبر من هذا وأعقد. وإذا لم يتمكن الجميع من المساهمة في الحلول، فإننا مقبلون على خيارات صعبة تتمثل بالمفاضلة بين أمرين عسيرين؛ أحلاهما أشد مرارة من الحنظل. ومن نازع في ذلك أو تناكر أو تمارى، كان أشبه بمن يعطل عقله وفكره؛ بسبب مبلغه المنقوص من العلم. ومن المؤسف، أن التعاطي الخاطئ منذ البداية مع هذا الملف وعدم التعامل معه بحزم واقتدار قد فاقم من تداعياته التي باتت تؤرق الوطن حكومة وشعباً. وتقدح في جامعاتنا التي بلغت شأواً في فارقة فريدة من التميز والإحتراف على صعيد الجامعات العربية لم تبلغه السوابق من الجامعات العربية المتقدمة عليها، ما أهلها أن تكون صاحبة شوكة في التعليم قياساً بغيرها وبزمن تدشينها.
ومن منطلق النزاهة، فإن صورة هذا السلوك المشوه للطلبة تختلف حدتها من جامعة أردنية لأخرى؛ بحسب الوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والجغرافي لطلبة هذه الجامعات، مع ملاحظة شيوعها بشكل واضح في جامعات الحواضر الرئيسية.
السلوك العام للطلبة في الجامعات
لقد ألقى الجانب المظلم من العولمة في ظلاله على مخرجات سلوك الطلبة في الجامعات كافة. ما يمكننا تسميته بالسلوك المشوه العابر للقارات. فتوارت تقاليد محمودة وبرزت أخرى غريبة مستهجنة عن قيم المجتمع وثقافته، تحت وطأة تأثير الفراغ والشعور بعقد النقص أمام تفوق الآخر. وقد عبر ابن خلدون في مقدمته عن هذا بقوله: (إن الأمم المغلوبة تقلد الأمم الغالبة في نمط تفكيرها، وسلوكها، كما تقلد الطبقات الفقيرة الطبقات الأغنى في المجتمع). فعيش سكان الأرض اليوم بفضل التقنية المتسارعة أشبه بالسكن في قرية صغيرة، بل وإن شئت قل في عمارة واحدة. وما من حدث يقع في أي بقعة من العالم إلا وتراه على شاشات التلفاز في بث حي ومباشر عبر الأقمار الصناعية من خلال الفضائيات المتعددة، فانعكس على مخرجات سلوك أبنائنا وطلبة جامعاتنا بالسلب باختيار منهم في غياب التوجيه والإرشاد التربوي والنفسي، عبروا عنها في هذه الصور الغريبة التي نراها صباح مساء بسبب الفراغ الفكري وضعف الوازع الديني. وليس غريباً أن يرى الآحاد منا دخول بعض الطلبة إلى صفوفهم الدراسية بلا كتب ولا كراسات ولا أدوات قرطاسيه، وقد استبدلوها بحملهم للأجهزة الخلوية وعلب السجائر والنظارات الشمسية. وإنك لو سألت أحدهم ما الذي حملك أن تأتي للجامعة بلا أدوات العلم الخاصة بالتعليم؟ لربما أخرج لك من جيب بنطال الجينز الصغير أو من حقيبتها دفتر حلزوني صغير لا يتجاوز حجم كف اليد. وكأني بالطالب يرد على السائل في مضمر من الخطاب: لا يستحق العلم بأكثر من هذا في نظري. وليس هذا فحسب، بل ناهيك عن إضاعة الوقت في الإنترنت دون جدوى، وكذلك في المكالمات الهاتفية، أو التجمهر غير البريء في ساحات الجامعة، ومقاصفها لساعات طويلة. وارتداء غريب الملابس الجديدة البالية التي يزينها رقاع في أقبالها وأدبارها، مزركش بعضها بالرسومات والآخر منها ببقع من الدهان وما شابه ذلك. فأما عن قصات الشعر فحدث ولا حرج. ولك أن تسأل هذه الشريحة من الطلبة التي تمثل 20 % تقريباً، بعد أن كانت في الماضي جيوباً معزولة هنا وهناك والنسبة مرشحة للزيادة مع الأيام. إذا كان هذا هو الجانب المظلم من العولمة حسب ثقافتنا فأين الجانب المضيء منها في مخرجات سلوككم؟ وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فإذا طلبت من الطالب تقريراً أو بحثاً في مادة ما ربما أحضره لك من مكاتب الوراقين ومكتبات الجامعات المنتشرة دون جهد مقابل مبلغ من المال. صحيح أننا لم نبلغ بعد ثقافة استكتاب الرسائل الجامعية بالأجر كما هو الحال في بعض الأقطار المجاورة؛ ومن هنا ندق ناقوس الخطر فالمستقبل قد يدفع باتجاه الفوضى إذا لم نسارع بالإصلاح قبل فوات الأوان. والغرابة أنك إذا اتجهت صوب المكتبة لترصد الحركة فيها فإنك لا تعدم أن تجدها خاوية على عروشها، إلا من عدد يسير من الطلبة الذين تحملوا أمانة العلم والمسؤولية بسبب نضجهم ولهؤلاء منا كل احترام وتقدير.
وإذا دُعيّ الطلبة إلى محاضرة علمية حتى وإن كان المحاضر عالماً تكاد تجد المدرجات فارغة. وبالمقابل فإن المدرجات تكون ممتلئة عن آخرها لو كان هناك لقاء مع فنان، فأي مفارقة عجيبة هذه! ناهيك عن شيوع ظاهرة الشللية بين الطلبة التي أفضت في السنوات الأخيرة إلى تكرار فوضى الشغب والعنف والتصرفات غير المسؤولة الأشبه بالانفلات الأمني في غياب الرقابة الصارمة من عمادات شؤون الطلبة، على خلفيات جهوية، أو قبلية، أو طائفية، أو إقليمية أو عرقية، أو معاكسات بعض الطلبة للجنس الآخر. أو نتيجة غياب العدالة بين الطلبة في الدرجات -فماذا بعد- والدرس الذي يستفاد من هذا السلوك المشوه، أن الطالب هنا سريع التأثر بما يحدث في الجامعة من تجاذبات، فتراه يميل إلى هذه الكتلة تارة وإلى الكتلة الأخرى تارة أخرى، في كل حالة تشنج كونه يعيش بلا هوية ناضجة. ويبقى السؤال هنا: هل يستوي هؤلاء الطلبة مع الآخرين ممن يطالبون بالإصلاح الحقيقي؟.
ومن باب الاحتكام للغة العقل، ليس من الحكمة على صاحب القرار أن يذهب معهم مذهب التسلط والقمع، وخاصة إذا كانت دوافعهم في الإصلاح مأمونة، فهؤلاء لم يكُ مأذوناً لهم نتيجة تراكمات وميراث المراحل السابقة من حرية التعبير، وما يمكن علاجه بالكلمة لا يصلح معه العصا، ومواجهة العنف بالقوة لا تستقيم شرعيته إلا في الحالات التي لا تسلم من شبهة الفساد المدعومة بأجندة خارجية، السكوت عنها قد تدخل البلاد في منزلق خطير.
ومن الحلول المقترحة:
- التأكيد على الجانب الأخلاقي في الجامعات كافة.
- ضرورة تعميق الوازع الديني في نفوس الطلبة، وفق خطاب حضاري غير منفر، يقوم على الوسطية والاعتدال في فلسفة الثواب والعقاب أو الترغيب والترهيب؛ بما ينسجم وأهداف رسالة عمان.
- تطوير مساق الثقافة العسكرية باستحداث التدريب العسكري الرمزي في الجامعات.
- تأهيل الأمن الجامعي سيكولوجياً، ليكون مرناً في التعاطي مع حالات العنف الجامعي.
- ضرورة محاكمة الجامعة لنفسها ذاتياً؛ بإخضاع برامجها ومناهجها ونظمها وطرائق تدريسها للتقويم المستمر، بما ينسجم مع متطلبات العصر وسوق العمل.
محاكمة نقدية للجامعات
إن محاكمة عقلية بين يدي ما يجري في الجامعات من العنف، تفرض علينا الاعتراف بخطورة هذا المشكل، الذي يسيء إلى سمعة التعليم العالي في الأردن، الأكثر تميزاً واحترافاً على امتداد الوطن العربي. والاستجابة للتصدي لهذه الظاهرة عبر بوابة الإصلاح الشامل الذي يطال قطاعات الحياة كافة. وهذا لا يتأتى إلا بتغيير العقلية ونمط الشخصية والثقافة والسلوك، والنظرة للحياة من حولنا، وما طرأ عليها من مستجدات متسارعة. ويتصدر رأس الشروط الموضوعية للإصلاح استقلال القضاء ونزاهته واحترام حقوق المواطنة، ومساواة الجميع أمام القانون وعدم تجاوزه، وتجفيف منابع الفساد، واحترام آدمية الإنسان؛ بهدف فرض هيبة الدولة ومؤسساتها بالعدل والشفافية من غير ظلمٍ واستبداد.
ومن هنا جاز لنا القول، لم تعد الجامعات تمتلك مفاتيح التعامل مع طلبتها بسبب التخبط في إدارة مواردها البشرية والتعثر في تحقيق أهدافها. فبدلاً من أن تقود المجتمع نحو الأفضل وتحل اشكالياته على التراخي، نراها حاضنةً لكل ما يسود المجتمع من هموم وتجاذبات.
واتكاءً على بيروقراطيتها، فشلت في إبراز الهوية الوطنية الجامعة وفاقمت من أزمة الهوية، ما عجّل من تزايد حالتها المرضية وأضعف جهاز المناعة فيها؛ وباتت تربة خصبة لأمراض اجتماعية وسياسية واقتصادية وجهوية وثقافية، تزداد تفاقماً تبعاً لشدة حدتها. لم تكن مألوفةً في سيرتها الأولى أو في عقود آبائها الأولين. وليس أدل على ذلك، من استسلامها للمشاجرات ابتداءً حتى تطورت للعنف بواقع حركة تمرد مصحوبة بألوان القوة غير الشرعية مرة كل أسبوع على مدار السنة، قد تبدأ بأبسط الأمور من تحديقٍ غير بريء لسبب ما، يحمل في رمزيته التحقير للآخر، فالملاسنة المصحوبة بقوادح القول ومرذول العبارات وخوارم المروءة، فتشابك في الأيدي وما تستلزمه من أدوات حادة قد تأتي على تحطيم البنية التحتية وما عليها من منشآت، ثم سرعان ما تنتقل من ساحة ما لتطوق الحرم الجامعي بأكمله، وقد تتعداه إلى خارج الجامعة.
وهناك من الشواهد ما يدلل على امتداد تداعيات الحدث الواحد في بعض الأحايين إلى جامعات أخرى. ينتج عنه خصومة بين أبناء الوطن الواحد. وقد فات الجميع أن هذا التشبيك وسرعة الانتقال هو لون من ألوان عصبية الجاهلية الأولى، التي تفرق ولا توحد وتهدم ولا تبني.
ومن الدروس المستفادة هنا، تفاوت الجامعات في عدد حالات العنف بها، فمنها من شاعت بها واستوطنتها، وثانية لم تسمع به إلا نادراً في فترات متباعدة، وثالثة تقع في منزلة بين المنزلتين، لكل منها خصوصيتها في أسباب العنف تبعاً لخصوصية ثقافة طلبتها وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
قراءة سيكولوجية في ضروب الطلبة ودوافعهم في العنف
لا يمكننا النظر إلى كافة الطلبة الذين يشاركون في موجات العنف في سلة واحدة. وفيما يلي اطلالة تحليلية على خطاب بعض هذه الجماعات في محاولة استنطاق مضمر خطابها لتسهل علينا أدوات التعامل معها.
1 - هناك طائفة من الطلبة ما انفكت تقف وراء موجات العنف لأتفه الأسباب، لكونها تعيش تحت وطأة الضغوط الاقتصادية الحرجة، ليست قادرة معها على تلبية احتياجاتها اليومية، لأجل هذا، لم تعد تشعر في راحة ضمير أو اطمئنان بال. فأضحى الآحاد منهم في حالة من الاغتراب عن الذات عطلت طاقاته الفكرية ففشل دراسياً أو يكاد. استسلم للقلق ينوء في حاضره بأعباء مستقبله المجهول، يعيش بائساً يائساً حزيناً، مما عكر عليه صفو حياته فأورثه وهناً نفسياً؛ حيثما وليت وجهك نحو أحدهم ألفيته متذمراً شاكياً متشائماً يستقبل نهاره متأففاً ويستدبره ضجراً. يتمنى لو كان من أبناء الطلبة المخملية ليعيش عيشة أقرانه من أبناء هذه الطبقة بما لديهم من السيارات الفارهة ويرفل بأجمل الثياب. يعيب على والديه إنجابهم له. غلّف نفسه بظلمة الشكوى وعدم الرضى؛ حتى بات القلق والاكتئاب والنظرة السوداوية للحياة تلازمه، يتحرى القبح والسوء في جوانب حياته كافة. فلم يعد يستهويه جمالٌ ولم يبصر عناصر الخير في مجتمعه إلا نادراً؛ مما حمله على كراهية نفسه ومجتمعه، فتجسد ذلك عنده في ضعف الولاء والانتماء للهوية الوطنية الجامعة، فاستعاض عنها بالشللية ورفع شعارات الولاء الثانوية الضيقة اثباتاً للذات ولو بشكل سلبي، من غير إعمال للعقل وادراك تداعيات هذا السلوك في غياب النضج، مما جعله عرضة للاستجابة لكل ظاهرة عنف في جامعته.
واستناداً على ما تقدم، فإن هذه الطبقة في أمس الحاجة لتحقيق الرضى عن حياتها ابتداءً؛ لبلوغ الأمل النفسي والتفاؤل بالقادم من الأيام. (Psychological Satisfaction) .
ومن الحلول الثانوية المقترحة لتصويب ما اعوج من سلوك هؤلاء:
وجوب تحسين أوضاعهم الاقتصادية؛ لإشباع حاجاتهم بوسطية واعتدال، عن طريق المزاوجة بين الدراسة وتكليفهم ببعض الأعمال بالتنسيق مع بعض مؤسسات المجتمع المدني، بمبالغ رمزية. وهذه الآلية تدخل في إطار علاج العنف بالعمل Occupational Therapy.
وهذا الضرب من الطلبة يحتاج إلى طرق علاج متعددة منها:
- العلاج السلوكي (Behavior Therapy) .
- العلاج الاجتماعي (Social Therapy).
- العلاج الديني (Religious Therapy).
وهذا من اختصاص عمادات شؤون الطلبة في الجامعات بالتعاون مع الجهات المعنية من أهل الاختصاص. وليس خافياً على أحد أن سلوك هؤلاء الطلبة بالكلية يعزى إلى الاضطرابات النفسية (Psychological Disorders).
بسبب سوء التوافق (Maladaptive) المؤطر بمرجعيات الحقد والحسد والغيرة وتمني زوال النعمة من الآخر الذي يظهر عليه الثراء من الطلبة. وتوافقاً مع هذه الآلية العلاجية، سيتم اكسابهم مهارات الثقة بالنفس واحترام الذات وقبول الآخر، كما تعزز فيهم مصداقية الولاء والانتماء لهوية الوطن الأم. وبهذا نصل إلى خصائص التوافق الحسن المرجوة في شخصيتهم (Well-Adjustment) وننأى بسلوكهم عن التوافق السيء(Mal- Adjustment) الذي كان عليه سلوكهم بالأمس القريب. ومما يجدر ذكره أن الطالب حين يتمتع بحسن التوافق يكون بصحة نفسية جيدة، ما يعني السيطرة على الانفعالات التي تعيد له التوازن في شخصيته وتزيد من دافعيته في الطموح والعمل والإبداع، وتراه يدور حول الجماعة الصالحة لا ينفك عنها مما يشعره بالأمن والطمأنينة وحسن الولاء والانتماء، بعكس سيء التوافق الذي يميل للشلة الفاسدة ورفاق السوء، فيركن إلى الإحباط الذي يدفعه إلى المزيد من العدوان، يتخذ من التمرد والعنف وسيلة للتعبير عن مشاعره العدائية بسبب شخصيته السيكوباثية.
ومما تجدر ملاحظته في هذا السياق، أن هؤلاء شرذمة قليلة في الجامعات، في حين لا تتجاوز أعدادهم في الجامعات الكبيرة عدة مئات في كل جامعة، يلتحق أغلبهم في كليات الآداب والعلوم المالية والإدارية والدراسات الاجتماعية والقانون والعلوم. ومن الأسباب غير المباشرة لعنف هؤلاء ارتفاع خصوبة المواليد ومعدلات الإعالة في أسرهم مع قلة الراتب، ناهيك عن ما يعصف بأبنائها من بطالة، مما يوجب التخطيط الجيد في ضبط الزيادة السكانية بما يتناسب ومعدلات النمو الاقتصادي.
2- أما الضرب الثاني من الطلبة فدوافعهم تختلف عن الفئة الأولى، فهم يرون أن متاعب المجتمع الاقتصادية وما طرأ عليه، من أنماط السلوك الغريبة سببه ظلم المجتمع الذي تدهورت فيه منظومة قيم العدالة والمساواة والشفافية والموضوعية في ظل غياب النزاهة. وهنا يأتي تحركهم على شكل هبات احتجاجية في بعض المناسبات، للمطالبة بالإصلاح الحقيقي قد لا تخلو أحياناً من بعض مظاهر الشغب كردة فعل. ومن الحلول الثانوية المقترحة هنا:
استحداث مجالس برلمانية مصغرة في الجامعات كافة تكون من مهامه تدارس التحديات الاستراتيجية التي تواجه الأردن، يتفرع منها عدة لجان تختص كل لجنة في استشراف الحلول المناسبة لكل تحد.
تفهم احتياجات الطلبة الاقتصادية ومحاولة توفير الحد الأدنى منها عن طريق صندوق دعم الطالب، لتمويل جانب من نفقات دراسته وفق استراتيجية مدروسة وممنهجة.
3- وهناك ضرب ثالثٌ من الطلبة لسان حالهم يقول إلى أين نحن ماضون وذاهبون إليه من مستقبل مجهول؟، ولماذا نحاسب كشعب من دفع استحقاقات على نتائج لم نكُن يوماً شريكاً في مقوماتها. ولماذا هذا التباطؤ في الإصلاح ومحاسبة المفسدين؟ ولماذا هذا التدخل في انتخابات مجالس الطلبة؟. ولماذا لم نأخذ الدروس والعبر من مكرور تشكيل الحكومات المتعاقبة؟.
وللإجابة عن هذه التساؤلات تراهم يقولون: إذا كان للحكومات ضروراتها في فرض كل شيءٍ على الشعب دون مشاركة في صنع القرار؛ فإن للأخير حساباته في مواجهة التشدد الحكومي. ومما شجع على رفع وتيرة مطالب هذه الفئة وارتفاع سقوف خطابها تأثرها بربيع الشارع العربي، الذي كسر حاجز الخوف إلى غير رجعةٍ. والعاقل هنا من يتعظ بغيره من الدول ولا يجدف عكس التيار. ومطالبهم هنا عملٌ مشروع وليس تخندقاً في الاتجاه المعاكس. وخاصة بعد أن ارتفعت الأسعار وطال الغلاء كل شيء وزادت معدلات التضخم وعمَّ الفساد واتسعت البطالة، وما يلحق بها من فقر ازدادت معه معاناة الناس في تغطية مصاريف الحياة من فواتير المياه والكهرباء والمواصلات والهواتف ونفقات التعليم والعلاج والمسكن والملبس وتعدد مسميات الضرائب، حتى بات الناس في خوفهم من تشكيل كل حكومة وما تحمله من مفاجآت غير سارة في خوف دائم، يخشى معها أن يتحول الخوف إلى كوابيس ليلية. لذا فإنهم يحملون الحكومات المتعاقبة سبب هذا كله لفشلها في خطط التنمية الحقيقية وتوزيع مكاسبها على محافظات الوطن. فأحياناً تمر بعض مظاهراتهم بسلام، بيد أنك لا تعدم أن ترى في بعضها الآخر تدخل بعض القوى الغامضة المحسوبة على قوى الشد العكسي المناهضة للإصلاح الحقيقي، أو بعض الأجهزة الأمنية من خلال دفع بعض الطلبة الموالين لها باعتراض هذه التظاهرات؛ بهدف اغتيال شخوص هذا الضرب من الطلبة وحمل الرأي العام على الاعتقاد بشيطنتهم، وعندئذٍ يخيم على الجامعة أجواءٌ مشوهة تعكس حالة الغضب والاحتقان. يختلط معها الحابل بالنابل، وتعم فوضى الأجندات والمصطلحات ويكثر أهل الوشاية والشللية المحسوبة على أطيافٍ متعددة. وهنا قد تسوء حالة من المشاعر المتضاربة ويجد أصحاب الأجندات المشبوهة في هذا الوضع تربة خصبة لتفريخ بيوض فتنهم تحت عباءات ومسميات متعددة؛ كستار الدين تارة، والغلو في الوطنية تارة أخرى. وقد يحدث عنف يخرج عن نطاق السيطرة، مما يتطلب تدخل الأجهزة الأمنية وما يصاحب ذلك من قمع باسم الحفاظ على أمن الجامعة. وهنا يدخل الطلبة على اختلاف دوافعهم وأطيافهم في دوامة العنف والعنف المضاد، الذي يغيب معه ثقافة الاستماع إلى الرأي والرأي الآخر مما يسيء بالمجمل إلى الجامعات الأردنية.
إن هذا الواقع الذي وصلنا إليه في جامعاتنا قد صنعه سوء فهمنا للواقع الذي نعيش فيه. لأجل هذا كله، نحذر من خطر قائم يهددنا إذا لم نسارع للاستجابة لظاهرة العنف في الجامعات بالحكمة والعقلانية المؤطرة بمرجعيات صرامة الحزم الرادع. ومن الحلول الثانوية المقترحة لتخفيف حالات العنف بما ينسجم ومطالب هذه الفئة من الطلبة نورد ما هو آتٍ:
- ضرورة مساءلة الحكومات المتعاقبة على كل تقصير وفشل في خطط التنمية.
- تطبيق قانون من أين لك هذا بشفافية على الجميع.
- المصداقية في مكافحة الفساد وتجفيف منابعه.
- الاعتراف بحقوق المواطنة للجميع.
- احترام القوانين وسيادتها على الجميع.
- وقف العمل في استثناءات القبول الجامعي والتعليم الموازي.
- استعادة الأمن داخل حرم الجامعة من خلال تفكيك التجمعات الطلابية من دعاة الغلو والتطرف وإشاعة الفتنة بالفصل التام وتطبيق العقوبات الرادعة بحقهم، ولو استدعى ذلك القيام بالفصل الجماعي، علماً أن هذا ليس الخيار الأمثل، إلا بعد استنفاذ كل طرائق وأساليب الشروط الموضوعية العلاجية. وبهذا يتم امضاء الحكم الحازم على وجه الإلزام بحق كل من تسول له نفسه العبث في أمن الجامعات واستقرارها. ولا يفوتنا الإشارة هنا، أن المطالبة بإنزال أقصى العقوبة الرادعة بحق الخارجين عن القانون ليس غريباً ولا مستهجناً فالجزاء من جنس العمل، فهذا الاستحقاق هو الموجب لكسر شوكة هؤلاء وفلج شكيمتهم بعد أن نالت منهم سهام الشبهات وعدم الاحتكام للغة العقل وليست لهم مطالب إصلاحية.
- كف يد الأجهزة الأمنية في اختيار مجالس الطلبة، لأن هذا التدخل يفرز الشللية والمحسوبية ولا يعكس إرادة الطلبة في الإصلاح الحقيقي.
- وقوف الأجهزة الأمنية على مسافة واحدة من أطياف الطلبة كافة.
- الحد من سطوة رؤساء الجامعات وعمادات شؤون الطلبة على مجالس الطلبة.
- عدم قبول مناداة بعض الطلبة بالإصلاح المفتوح دون ضوابط غير مضمونة خوفاً من الانفتاح على المجهول بما لا يحمد عقباه.
4- وهناك ضرب آخر من الطلبة قد ينتج عنهم العنف الذي يطل برأسه في بعض الأحايين من جامعة لأخرى، عقب فرز الفائزين في مجالس الطلبة تعزى لأسباب جهوية، أو اقليمية، أو مذهبية، أو عشائرية، أو عرقية، تثور معها أزمة الهوية مجدداً قد تكون مصحوبة بهتافات غير مسؤولة، كتلك التي تجري في بعض مباريات أكبر فريقين لكرة القدم. وتفسير ذلك سيكولوجياً يرتد إلى الموروث الثقافي المجتمعي الذي يخشى الاستماع إلى الرأي والرأي الآخر. كما يزيد من حدته تفاقم صعوبة الوضع الاقتصادي. فعدم استقرار البيوت اقتصادياً يفضي إلى احتقان داخل البيت الواحد، فما ظنك بأحوال البيوت على صعيد الوطن بأكمله، وما تعانيه من ضغوط واستحقاقات مالية تفرغ على شكل ترديد شعارات وهتافات من باب التنفيس.
ومن الحلول الثانوية المقترحة هنا:
- تشجيع ثقافة التسامح ونبذ التطرف والعنصرية.
- القبول بنتائج فرز صناديق الانتخابات في حال نزاهة العملية الانتخابية.
- الاعتراف بحقوق فسيفساء مكونات المجتمع الذي أكسبه لمسة جمالية عز نظيرها في دول أخرى صبت في مصلحة الوطن منذ عقود.
- التصالح مع الذات عبر منظومة التربية منذ الطفولة، بهدف تعزيز ثقافة قبول الآخر.
- غرس ثقافة المصداقية في مناصحة الرأي والمشورة بين الطلبة، حتى تجتمع كلمتهم على الألفة والتناصر، وايثار العاقبة والتعامل مع الآخر على خلفية حسن الظن من باب الحكمة والموعظة الحسنة. فالعلاقة بين مكونات المجتمع تكاملية وليست اقصائية.
- المكاشفة والمصارحة بين الطلبة في الأمور المتنازع بشأنها، التي هي محل سوء فهم من غير تكلف أو مخادعة أو إيثارة عصبية أو مشاحنة؛ بهدف منع الطلبة من ثقافة التغلب والتجاذب والتنافر والعداء، فهذا أصلح وأقوم في تصويب السلوك والقضاء على الهواجس وما تحمله من الكراهية والتشكيك.
5- وهناك ضرب خامس من الطلبة ينشأ عنه العنف نتيجة غياب الثقة المتبادلة بينهم وبعض الإدارات الجامعية المغلقة على نفسها، المسكونة بالخوف من سياسة الأبواب المشرعة؛ بسبب افتقارها لمهارات التواصل، مما يحمل بعض الطلبة كردود فعل على افتعال المزيد من المناكفات والاستقطاب والعناد؛ بسبب التهميش والإقصاء والتعامل بفوقية. فيلجأ بعضهم للاستقواء بالعشيرة أو الشلة أو الحزب أو كتل المجاميع المحافظية طلباً للنجدة في مواجهة هذا الاحتقان.
6- هناك ضرب سادس من الطلبة لا نستبعد وجوده تحركهم أجندات خارجية، ما انفكت تسعى إلى تشويه صورة الأردن وأمنه واستقراره، بهدف الإساءة إليه عبر الفضائيات وكأنه بلد يعاني من الفلتان الأمني ساحته مفتوحة على كل الاحتمالات. وهذا يندرج من باب تصدير الأزمة من بعض دول الجوار حتى ينشغل الجميع بصراعاته. فكم من طالب هو مجرد واجهة لقوى وتحالفات ومصالح أجندات وتصارع ارادات تختبئ خلفه جماعات منظمة دور الطالب هنا في منزلة الحرب بالوكالة عن هذه الجماعات بهدف تعميق شرخ الفتنة عن طريق بوابة العنف الجامعي.
7- لعل من أسباب العنف الجامعي في بعض مظاهره تعود إلى عدم حسم اشكالية الهوية والمواطنة. الأمر الذي يتطلب الحل الجذري لهذين الملفين العالقين بشكل جذري، ووقف التماري فيهما بالكلية، حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع بين الطلبة في قابل الأيام. فالأصل الذي يجب أن يكون عليه أن المواطنة للجميع، والمطلوب تحصين الوحدة الوطنية. فالهوية الأردنية هي الجامعة لكل الأردنيين من شتى الأصول والمنابت. وبهذه العقلية التنويرية التي تستوعب الآخر يتم وأد كافة الهويات الثانوية الفرعية لصالح الهوية الجامعة، تختفي عندها الجغرافيا الطائفية التي تحدد سلوك بعض الطلبة.
وهذا يتطلب تفعيل دولة المواطنة والقانون وعدالة تكافؤ الفرص، وفق الكفاية والاقتدار وليس على أساس المحاصصة.
متلازمة المكرمات والعنف الجامعي
إن مكرمات الطلبة على اطلاقها نظام مكرس لخدمة العنف الجامعي. واستعادة أجواء الثقة بين الطلبة، تستوجب إما غربلتها أو تعديل أسس القبول فيها، وضرورة إدراجها ضمن قوائم التنافس الحر.
وهذه قراءة عقلانية ضمن الحلول المقترحة في أسباب العنف الجامعي، فرضتها تداعيات المتغيرات على أرض الواقع. كما تحظى هذه الرؤية بالرضى والقبول على الصعيد الشعبي والأكاديمي ومؤسسات المجتمع المدني.
وليس خافياً على أحد، أن نسبة كبيرة من الطلبة الذين يقفون وراء العنف الجامعي ينتسبون إلى تلك القوائم التي تخرج من عباءة المكرمات؛ بسبب ثقافتهم المشوهة القائمة على سلوك المغالبة وليس التوافق. ولمزيد من التأصيل، فإن شريحة لا بأس بها من هؤلاء الطلبة إذا اعطوا من الامتيازات الحكومية وهم على مقاعد الدراسة رضوا وربما كان بعضهم من أهل الغلو في الولاء والانتماء، وإذا لم يعطوا فهم يسخطون وانقلبوا من معسكر لآخر، وليس هنالك من وسيلة للتعبير عن سلوكهم سوى العنف الذي اتخذ في بعض الأحايين طابع العسكرة، ما دفع بسمعة الجامعات إلى الهاوية.
وليس غريباً أن ترى بعضهم يتهم الدولة بالفساد ويطالب بالإصلاح، ما يستدعي ذلك من التطاول على هيبة الدولة ومؤسساتها لكونه قد أمن العقوبة مسبقاً، وخاصة أن بعضهم يمتلك أنياباً أو مخالب حادة على خلفية اعتبارات متعددة يمثل بعضها إرثاً تاريخياً متوارثاً من الفساد الذي اكتسب صفة الشرعية في قاموسهم الاجتماعي.
وحقيقٌ بنا القول، لا يجوز أن تكون المواطنة وفقاً لحسابات المصلحة الشخصية على صعيد الفرد والأسرة. وهذه الثقافة ليست حكراً على بعض الطلبة بل لها جذور ممتدة لعقود في شرائح اجتماعية اعتادت على أعطيات الدولة وهباتها المباشرة وغير المباشرة، فإذا انقطعت أو جفت انقلبوا ضد الدولة في تلون عجيب. والخطير في هذا المشكل، أن شخصية بعض هؤلاء الطلبة ليست محصنة من مخاطر الفتنة الجهوية، أو المذهبية أو الإقليمية أو العرقية ونحو ذلك، مما تسبب بتصدعات في جدار الوحدة الوطنية بين طلبة الجامعات.
وهذه النماذج من الطلبة يخشى عليهم كما يخشى منهم أيضاً في حالة اختلاط الأوراق وتعدد الأجندات وتشابكها، خاصة أن بعضهم لا يرى المواطنة عقداً اجتماعياً يقوم على تكافؤ الفرص والعدالة ومساواة الجميع أمام القانون.
واتكاءً على ما تقدم، فإن خيار التعاطي الأمثل مع هؤلاء يكمن في ضرورة وقف سياسات قبول المكرمات على حالاتها السابقة، وضرورة اخضاعها للتنافس الحر في القبول الموحد مع التمني أن يكون هذا اعتباراً من العام الدراسي 2012-2013 وهذا من أبجديات المساواة في المواطنة.
وأخيراً، فإن منطق العقل يقتضي القول أن طلبة المكرمات ليسوا سواء؛ فمنهم من يقطر أدباً وخلقاً وعلماً، فهم على منازل ودرجات مختلفة كلهم ذهبوا ضحية الفئة المشاغبة منهم.
ومن باب الاحتكام للغة العقل، فإن الشفافية تقتضي القول أن ثلث المقاعد الجامعية محجوزة، والثلث الآخر مقاعد خاصة، والثلث الأخير يخضع للتنافس الحر فأين العدالة؟!.
واتكاءً على ذلك، فإن العنف الجامعي يرتد في بعض جذوره إلى هذا الظلم المجتمعي الذي يجب أن ينتهي.
عمادات شؤون الطلبة في الجامعات بين الواقع والطموح
تشكل عمادة شؤون الطلبة أحد أهم أركان الإدارة الجامعية. وكلما كان القائمون عليها من أهل الكفاية، تحقق أداء ما أنيط بها من مسؤوليات بشكل أفضل. غير أننا نلحظ بعين ثاقبة أن بعض هذه العمادات تعاني من البيروقراطية، وإن شئت الفوضوية، تعمل بلا استراتيجية واضحة في فلسفتها، ولا أهدافها، ولا برامجها. وليس غريباً أن نجد التنافس والتباغض بين فريق عمل بعض هذه الإدارات؛ مما يوقعها في تخبط مستمر تجعلها غير قادرة على إدارة الأزمات الطارئة، والعجز عن متابعة ما يجري داخل الجامعة بين أوساط الطلبة في الظاهر والباطن. ولعلك تندهش إذا علمت أن تصريف بعض الأعمال خارج حرم الجامعة في بعض هذه الإدارات؛ -في غياب احترام المؤسسية- قد يتم من خلال العلاقات الشخصية عبر شبكة من المصالح المشتركة. كما يعاني بعضها من التذبذب في نشاطاتها من عام إلى آخر مداً وجزراً حسب سياسات هذا العميد أو ذاك. ومن جملة الانتقادات التي توجه إلى بعضها أن أوجه نشاطاتها تقوم على أهداف ضبابية عامة، وليست أهدافاً سلوكية مرتبطة بتهذيب الطلبة نحو الأفضل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الآليات التطويرية التي تجعل هذه العمادات مع تقديرنا لمجهودها تسير بالشكل المرضي؟ وللإجابة نقول: أنّ الأمر يحتاج إلى ضرورة إصدار قوانين ولوائح جديدة وتشريعات ناظمة، في توصيف عمل هذه الإدارات؛ بما يعود بالنفع على الطلبة والجامعة والوطن.
فهذه العمادات لا تُحسن إلا ما تعارف من مسلمات عملها في الأمور التقليدية الآتية:
- تعريف الطلبة الجدد بالجامعة وكلياتها ونظمها وقوانينها وتنظيم بعض الزيارات للمرافق الهامة بالجامعة.
- التعريف بالجامعة من خلال النشرات، والمطويات، واللقاءات المباشرة.
- التعريف بالبرامج الدراسية، والأنشطة الأكاديمية.
- تنظيم بعض النشاطات اللامنهجية التي يغلب عليها الطابع الرياضي والفني والسياحة الترويحية والإعداد للمؤتمرات بالتنسيق مع الكليات.
- وضع الترتيبات الخاصة للعديد من المناسبات كحفلة التخرج واليوم المفتوح واليوم العلمي لكل كلية ونحوه.
- الإشراف على طباعة كتاب دليل الخريجين بالتنسيق مع الكليات الأخرى.
- المساهمة في تقسيم الطلبة إلى مجموعات؛ بهدف إرشادهم بالتعاون مع الأقسام المعنية في الكليات.
- الإشراف على مساكن الطلبة داخل الحرم الجامعي.
- تذليل الصعاب أمام الطلبة فيما يخص القبول والتسجيل.
وفيما يلي عرض لما يفترض أن تقوم به هذه العمادات مستقبلاً من أعمال إبداعية خلاقة خدمة للصالح العام، خلاف عملها التقليدي المشار إليه آنفاً، تأتي من باب الحلول المقترحة التي يفترض أن تقوم بها للتقليل من ظاهرة العنف:
أ- التركيز على تفعيل سلوك الطلبة، ومحاولة نقلهم من السلبية إلى الإيجابية مع تعزيز هذه الإيجابية في مخرجات سلوكهم، عبر منظومة من البرامج الدينية والنفسية المعدة مسبقاً.
ب- العمل على إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم، والكشف عن ميولهم، وتنمية قدراتهم، ومهاراتهم المنهجية، واللامنهجية، وهذا من أدبيات طرائق التعليم المعاصر.
جـ- السعي الجاد نحو إثارة اهتمامات الطلبة، وتدريبهم على التفكير المستقل، وتشجيعهم على المبادأة في الإبداع من خلال انتساب الآحاد منهم لما يروق له من ألوان النشاطات اللامنهجية المتعددة.
د- تعميق العلاقات الإنسانية والأخوية بين الطلبة بصرف النظر عن جنسياتهم، لتكون قائمة على التسامح، والمحبة، والإيثار، والتعاون، بهدف التخفيف من التباغض بينهم على خلفية دوافع متعددة.
هـ- التعريف بأقطار الطلبة الوافدين ومظاهر الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية فيها؛ مع استحباب رفع أعلام الدول العربية في داخل الحرم الجامعي؛ لتعزيز هدف سيكولوجي عظيم في نفوس الطلبة من شتى الجنسيات.
و- الاهتمام بالحياة النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، للطلبة وتقديم المشورة لهم. والعناية بشؤونهم الحياتية اليومية بما يكفل علاج مشاكلهم بسهولة ويسر، مع الاحتفاظ بسرية بعضها.
ز- تأهيل الطلبة على فن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية، من خلال محاضرات متخصصة تزرع فيهم ثقافة التطوع، وعمل الخير، الذي غاب عن سلوكياتنا.
ح- تقديم برامج تثقيفية بعنوان (إعرف وطنك) بالتعاون والتنسيق مع المجلس الأعلى للشباب، والثقافة العسكرية، ووزارة السياحة، وبعض مؤسسات المجتمع المدني؛ تتمحور حول إبراز مكانة البعد الحضاري والديني والسياحي للأردن. فكم من طالب يجهل أن بلده تحتل موقع الصدارة على صعيد العالم في وفرة اليورانيوم، والفوسفات، والبوتاسيوم، والزيت الصخري أو أن بلده فيها من الجامعات اثنتان وثلاثون جامعة.
ط- يتربع على رأس التغيرات المعول عليها؛ زرع ثقافة حرية التفكير المستقل والمسؤول القائم على احترام الرأي والرأي الآخر؛ لأجل تعميق مفاهيم الولاء، والانتماء للوطن. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال القنوات التالية :
- إطلاق طاقاتهم الفكرية، والخيالية الإبداعية، وزرع ثقافة النقد الذاتي الذي يبني ولا يهدم، ولا يقوم على دوافع عدوانية.
- إشراكهم في تقييم البرامج الدراسية، وتقييم الخطط الدراسية، وتسجيل ملاحظاتهم عليها سلباً وإيجاباً.
- الاستئناس بآرائهم في تقييم أعضاء الهيئة التدريسية، والإدارية، ورؤساء الأقسام، وعمداء الكليات، حتى تصل لرئيس الجامعة بشرط الموضوعية والنزاهة.
- أخذ رأيهم في تقييمهم للمؤتمرات والندوات العلمية، والنشاطات المنهجية، واللامنهجية.
- تكريس ثقافة التطوع وأعمال البر والخير في أنفسهم عبر محاضرات خاصة تثقيفية.
- إشراك الطلبة في مجالات الخدمات الاستشارية، وقضايا المجتمع ومشكلاته.
- تقديم دورات في التنمية السياسية تؤسس إلى إطلاق اتحادات طلابية في هذه الجامعات، تقوم على الانتخابات الحرة دون تدخل من الجهات الرسمية، تسهم في تكوين مجلس برلماني مصغر في كل جامعة، لتدارس العديد من القضايا الهامة. تتفرع منها عشرات اللجان تتصدى كل لجنة في مناقشة قضية ما من قضايا المجتمع وهمومه.
- تفعيل دور الشباب في الحفاظ على البيئة، وزرع الأشجار، مع استحباب أن يخصص لكل جامعة منطقة جبلية محددة يتم تشجيرها بجهود الطلبة، وبمساعدة الوزارات المعنية، وسلاح الهندسة الملكي في القوات المسلحة إذا استدعى ذلك.
- المنافسة بين عمادات شؤون الطلبة في مجال الأدب والفنون والرياضة ونحو ذلك، ولابأس من اختصاص كل جامعة بلون من ألوان هذه الأنشطة.
- استحداث برامج تلفزيونية بالتعاون مع الفضائيات للمسابقات الثقافية على صعيد الكليات والجامعات.
نرى فيما عُرِضَ آنفاً لفتة سيكولوجية حكيمة تدفع باتجاه تغيير عقلية الشباب ونظرتهم للحياة، وتَحْمِلُهم على المشاركة الفاعلة لتطبيق القرارات التي شاركوا في صياغتها؛ وتصرفهم إلى المفيد من الأعمال الهادفة؛ وتفرغ انفعالاتهم وتنأى بهم عن ظاهرة العنف، والتمرد، والشللية؛ غير المسؤولة التي طفت على سطح جامعاتنا.
ليس خافياً على أحد أن العنف الجامعي مرآة عاكسة على واقع المجتمع، ومراوحته بين مد وجزر يدلل على مزاجية سلوك من يدفع بهذا الاتجاه. وهذا الملف لا يمكن السكوت عنه خشية تفكيك مكونات فسيفساء النسيج الاجتماعي، والرجوع به إلى المربع الأول عصر ما قبل الدولة. فهو مشروع فتنة ينساق إليه بعض الطلبة على غير هدىً.
إن ما تعانيه الجامعات الأردنية منذ عقد ونيف من تنامي هذه الظاهرة، التي بدأت بالمشاجرات حتى استقرت عند مسمى التوصيف المشار إليه في عنوان هذه الدراسة؛ مما لا يجوز لوزارة التعليم العالي أن تقف موقف اللامبالاة، فاستحقاقات مجابهته لا نستطيع منه تفلتاً، وعلاجه ليس تطوعاً ولا اختياراً.
ولما كان الإصلاح لا بد أن يوطأ له بمقدمات دالة على مصداقيته فإننا نسوق الحلول الرئيسية الآتية:
- استحداث مادة الأردن والتحديات الاستراتيجية كمتطلب اجباري، بديلاً عن التربية الوطنية التي فشلت في تحقيق أهدافها. على أمل أن يتحقق من خلال هذه المادة مساهمة الطلبة في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات المجتمع المحلي الذي تتموضع فيه الجامعة، بالإضافة إلى المساهمة في إيجاد الحلول المناسبة للتحديات الاستراتيجية. وخطوة كهذه تندرج ضمن المشاركة الشعبية في صنع القرار، والعمل على تطبيق ما تم التوافق عليه من رؤى واجتهادات. وهذا يستدعي العمل بما هو آتٍ:
- ضرورة إطلاق مركزاً للدراسات الاستراتيجية في كل جامعة، بهدف توسيع رقعة مساحة الطلبة في مناقشة التحديات والحلول المناسبة، بالتعاون والتنسيق مع أعضاء هيئة التدريس.
- تفعيل دور البرلمانات الجامعية المصغرة المفترضة، والتي من مهامها التعاطي مع كافة الملفات الوطنية بديموقراطية وشفافية.
- العمل على توفير نوافذ إعلامية لإبراز مساهمات الطلبة في الاستجابة للتحديات وما تتطلبه من حلول مناسبة.
- تقسيم طلبة هذه المادة على عدة لجان تطال التعليم والصحة والسكان والطاقة والمياه والزراعة والصناعة والتعدين والبيئة والفقر...
واعتقد جازماً، أن هذه الخطوة تدفع الطلبة على بناء عقلية تنويرية صاحبة خطاب حضاري متجدد يراعي الواقع والتطورات المتلاحقة من حوله، ينتقل معها من الحفظ إلى إعمال العقل. وهو ما يمكن تسميته علاج العنف بالعصف الفكري في الاستجابة للتحديات.
وبالمقابل، فإننا نرى أن عدم إقحام الطلبة في مشاريع كهذه قد يدخل في إطار الخيانة الرمزية للوطن. ويفترض أن تخصص الوحدة الاولى لهذه المادة في تقديم قراءة موجزة عن تطور النظام السياسي في الأردن وما حققه من منجزات.
تشكيل لجان لمكافحة العنف على مستوى الأقسام في كل كلية، من مختلف أطياف الطلبة لنزع فتيل الأزمة قبل انفجارها. ويحسن هنا استقطاب الطلبة الذين لهم قدم صدق في المواطنة الحقة، ممن تؤمن بالحرية المسؤولة المؤطرة بمرجعيات احترام هيبة الدولة ومؤسساتها.
إلغاء نظام الصوت الواحد في انتخابات مجالس الطلبة.
التوافق بين العشائر والكتل الطلابية على ميثاق شرفٍ لاحترام القانون ومكافحة العنف.
منح الجامعات مرونة وضع أسس قبول خاصة لكل جامعة.
تقييد العمل الحزبي والسياسي داخل الجامعات، والسماح به بشكل متدرج على التراخي. ليس لأننا نمانع هذه الخطوة الإيجابية، بل لأننا لم نصل إلى ثقافة النضج السياسي المسؤول الذي يغلب المصلحة الوطنية العليا على كل اعتبار. فالوطن ليس بحاجة إلى بروسترايكا أردنية، قد تدخلنا إلى مستقبل مجهول غير مأمون العواقب. وتجعل الجامعات على صفيح ساخن بسبب التجاذبات.
وتأتي هذه الرؤية على خلفية إن الطلبة متنازعون في رؤيتهم للديموقراطية بين ممارسة مسؤولة وأخرى غير مسؤولة. إذ ليس من الحكمة اطلاق الديموقراطية المفتوحة قبل تأهيل بعض الطلبة على احترام أدبيتها، مما يوجب تأمين الظروف الملائمة لكل إصلاح.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن تغول يد الأجهزة الأمنية لا يحل المشكل بل يزيده تعقيداً، وأن ممارسة الديموقراطية في بعض الأحايين لا تهدى بل تنتزع انتزاعاً.
تشجيع الطلبة على ثقافة المبادأة في إطلاق المشاريع الصغيرة الإنتاجية. بعد تقديم دراسات جدوى وضمانات. يتم تمويلها من قبل المصارف والشركات الكبرى ومؤسسة الضمان الاجتماعي والجامعات الأهلية، ومن صدقات وزكاة أهل الخير. وفق آلية ممنهجة، كأن تخصص هذه المؤسسات 2 % من صافي أرباحها للطلبة عبر مؤسسة يتم التوافق على اسمها بولاية وزارة التعليم العالي. تقوم إما بدعم المشاريع الريادية للطلبة، أو تقديم القروض المكفولة دون فوائد مع فترة سماح قد تمتد إلى 3 سنوات؛ تهدف إلى تدشين مشاريع إنتاجية رائدة تتفجر معها الطاقات الإبداعية للعديد من الطلبة، وهو ما يمكن تسميته هنا علاج العنف بالإنتاج. ويستفاد من هذه الرؤية اكتشاف المواهب وتعزيز ثقافة الإنتاج والتوكل لا التواكل والعمل لا التمني، الذي يفضي بالكلية إلى عدم الاستسلام للواقع في صورته غير الوردية إلى مستقبل واعد.
إعادة الاعتبار لمؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام (المقروء والمسموع والمرئي) لتقديم برامج ودورات تثقيفية تقدح بالعنف.
يضاف إلى ذلك، ما يمكن لدور العبادة أن تقدمه من خطب ودروس تدعو للوسطية والاعتدال ونبذ التعصب والفرقة. كما لا يفوتنا في هذا السياق، التأكيد على دور الأسرة في حمل الأبناء على التسلح بثقافة التسامح والصبر واحترام الرأي الآخر. وهذا يستدعي الثورة البيضاء في عقولنا التي تنشد الالتفاف إلى ما يجمعنا والنأي عن كل ما يفرق وحدتنا؛ مما يغرس في الأبناء ثقافة الثقة بالنفس والتوافق على أخلاق الإختلاف وأدب المناصحة وجماليات الاستماع للآخر دون تشنج أو غلظة أو مقاطعة. وهذا السلوك يضمن اتجاه البوصلة نحو المصلحة الوطنية العليا. ويعبر عن هذه الآلية بالعلاج الأسري Family Therapy في تخفيف العنف الذي يستبدل الطاقة الانفعالية من السلب إلى الإيجاب.
وباعتقادي، أن ما يضخ في بعض بيوتنا من تخوف حول أزمة الهوية ونحو ذلك، قد يشكل أحد الأسباب غير المباشرة للعنف.
إشاعة ثقافة مقاومة العنف باللعب Play Therapy حيث تفيد في توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية بين الطلبة وتحطم من أسوار العزلة الاجتماعية، كما تحسن من نفسية الطالب وتصوب من نظرته لنفسيه وللحياة من حوله. فالعلاج باللعب هنا، يفيد في دراسة وتشخيص وعلاج بعض مشاكل الطلبة؛ لأجل هذا شاع استخدامه في المدارس والجامعات الغربية.
وهو يفيد في صرف الطلبة إلى مختلف الأنشطة الرياضية وما قد تحتاجه من أنشطة اجتماعية أخرى، إذ تعد هذه الطريقة أحد دعائم الحاجات النفسية الفطرية Psychological Needs التي تدعم من ركائز الحاجات الاجتماعية Social Needs فتحول الطاقات الكامنة من غير المقبول إلى المقبول من الأفعال والسلوك، وتحقق لصاحبه الشعور بالرضا، وتحمُل الإحباط إن وجد في قابل الأيام، وتكسبه مهارات التواصل والمثابرة والتفاؤل وضبط النفس والظن الحسن بالآخر؛ تحت تأثير افرازات هرمون Serotonin الذي يشكل مفتاح السعادة عند الإنسان المتزن نفسياً يقل معه افراز هرمون Adrenaline المسبب للتوتر. كما يؤدي العلاج باللعب إلى اكتشاف المواهب الرياضية في فنون الرياضة مما يؤهلها المشاركة في النشاطات الرياضية الدولية.
التوصية بإعادة الاعتبار للتجنيد الإجباري لمدة عام واحد، بصورة ممنهجة ومغايرة وبأدوات مبتكرة غير مطروقة سابقاً، نراعي فيه استقراء أحدث الاتجاهات في التغيير من العقلية والسلوك نحو الأفضل، بما ينسجم وثقافة التنمية المستدامة ومن صور ذلك:
- التدريب العسكري لمدة ثلاثة أشهر.
- يليه تعليم المجند ثلاثة أشهر أخرى مهنة تعينه على كسب العيش الكريم؛ بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة الوطنية للتدريب والتشغيل في القوات المسلحة ومؤسسة التدريب المهني. ولقد بات من متطلبات الحياة المعاصرة ضرورة فعل ذلك إلى جانب التسلح بالشهادة العلمية لأجل مستقبل أفضل.
- يليه إشغال المجندين لمدة ثلاثة أشهر ثالثة في التشجير الزراعي؛ بهدف مكافحة التصحر والوصول بأردن أخضر بحلول عام 2035 م.
- تقديم دورات تثقيفية للمجندين في أعمال التطوع والطوارئ والإسعافات الأولية في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وبهذه الطريقة سيقبل المواطن على خدمة العلم بسهولة ويسر في نفسية المحب وليس الكاره، مما يدفع إلى طرد الكآبة عن النفس طوال مدة التجنيد. وهو ما يمكن تسميته العلاج بالتجنيد للتخفيف من العنف المجتمعي.
وختاماً، فإن هذه القراءة هي صفوة ما تطمئن إليه النفس ويرجحه العقل من أجل أردن أكثر اشراقاً تحت القيادة الهاشمية التي تمثل صمام الأمان لهذا الوطن.