الساعة

التحوّل إلى نظام التصويت الإلكتروني خطوة على طريق تعزيز الحاكمية الرشيدة في العملية الانتخابية

05/03/2013

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د.قيس الخلفات

آذار 2013

كان من إفرازات تنامي ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي اجتاحت العالم في أواخر القرن الماضي إلى بدايات هذا القرن تطوير أنظمة إلكترونية تنفذ عمليات رئيسة وحيوية في شركات الأعمال الخاصة والمؤسسات الحكومية والبرلمانية والمرافق العامة تتميز بدرجة عالية من التنظيم المتكامل، والسرعة الفائقة، والرفاهية، والشفافية، والنزاهة في تطبيق الإجراءات والمخرجات المتأتية منها.

وقد حققت هذه الأنظمة درجة عالية من المصداقية والثقة لدى الإنسان المستفيد منها في كثير من دول العالم خصوصاً في قطاع الأعمال الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على الأنظمة الإلكترونية في تطبيق الوظائف الإدارية والإنتاج السلعي والخدمي والنشاط التجاري. ولعلّ التجارة الإلكترونية خير مثال يضرب على غزو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لقطاع الأعمال. كما ويسجل للأنظمة الإلكترونية الفضل في تحسين الخدمات المصرفية، وقد امتدّ هذا الفضل ليشمل الإدارة الحكومية فظهر ما يسمى بالحكومات الإلكترونية (E-Government) وانتقلت التقنية لتغزو السلطة التشريعية فأصبح هناك أنظمة إلكترونية لإدارة العملية الانتخابية والتصويت تستعمل في كثير من دول العالم وبأشكالٍ وتقنياتٍ مختلفة تناسب النظام الديمقراطي في الدولة المُطبِّقة لها.

تتناول هذه الدراسة بحثاً وصفياً تحليلياً لأهمية ودواعي ومتطلبات تطبيق نظام إلكتروني للتصويت (E-Voting System) في الانتخابات سواء أكانت برلمانية، أم بلدية وإدارة محلية، أم نقابية، أم طلابية، أم انتخابات غرف التجارة والصناعة مع بيان الاجراءات التطبيقية لهذا النظام والفوائد التي يمكن جنيها جراء تطبيقه كبديل استراتيجي عن الأنظمة التقليدية التي تجري بموجبها الانتخابات والتي يحوم حولها بعض إشارات التشكيك في نزاهتها، ودقة وصحّة إجراءاتها، وتضاؤل شفافية إظهار إجراءاتها وعملياتها ونتائجها أمام المعنيين والرأي العام، وهذا ما دفع بالعديد من دول العالم إلى تبني أنظمة تصويت إلكترونية آمنة ومحصّنة تتجاوز ما يصدر عن المشككين بالنزاهة ومدّعي التزوير لتقرر أن تعمل وفقاً لمواصفات الحاكمية الرشيدة (Good Governance) بدءاً من مواد الدستور مروراً بقانون انتخاب توافقي وممثل لكافة فئات المجتمع، ونظام لدعم القرار الانتخابي، وانتهاءاً بالمؤسسات القائمة على الانتخابات إدارةً ورقابةً وتشريعاً، والمؤسسات ذات العلاقة الدستورية والقانونية بالعمل البرلماني؛ الأمر الذي أدّى –في نهاية المطاف- إلى تقليص فجوة التوافق الرسمي-الشعبي، وترسيخ جذور الاستقرار الوطني، وحشد الطاقات باتجاه تحقيق التنمية الشاملة المستديمة.

لم يقتصر نطاق هذه الدراسة على الأردن تحديدا أو أي دولة بعينها فحسب ذلك أنّ نظام التصويت الإلكتروني نهج عام متاح يمكن لأي دولة نامية لم تلحق بركب الحاكمية الرشيدة في العمل السياسي والمشاركة الشعبية أن تطبقه ضمن منظومة إصلاحية شاملة.

• أهمية الدراسة:

تأتي أهمية هذه الدراسة من خلال جملة من المسوّغات المرتبطة بواقع حال الحاكمية الرشيدة في العملية الانتخابية، والحاجة للتحول إلى نظام تصويت إلكتروني محصّن في الدول النامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، ويأتي في مقدمة هذه المسوّغات ما يلي:

أولاً: تعزيز الشفافية والنزاهة:

ظهور الحاجة إلى مزيد من الممارسات التي تعزز الشفافية والنزاهة في إجراء الانتخابات سواءاً أكانت برلمانية، أم بلدية وإدارة محلية، أم نقابية، أم طلابية، أم انتخابات غرف التجارة والصناعة؛ فالنظام الإلكتروني للتصويت يحدّ من التدخلات البشرية (المقصودة وغير المقصودة) ويقلّل من الأخطاء المصاحبة للعملية الانتخابية التي تجرى بشكل تقليدي لاعتمادها على الأدوات الورقية واليدوية بشكل يفوق إلى حد كبير الاعتماد على الأدوات الإلكترونية. ويتيح نظام التصويت الإلكتروني للمرشحين والمراقبين فرصة الاطلاع المباشر والكامل على إجراءات التصويت حتى لحظة إظهار النتائج وفي زمنٍ قياسي.

ثانياً: تقليل الاحتقانات وتعظيم الاستقرار الداخلي

يعد تطبيق نظام إلكتروني يتمتع بخصائص الدقة والحياد والشفافية في خضمّ حراكات شعبية تعمّ معظم الدول العربية أداة فاعلة بأيدي الأنظمة السياسية لجلب مزيد من الثقة والتأييد الشعبيين، وتهيئة أجواء ملائمة للحوار بديلاً عن العنف والتصادم والتخندق، فضلاً عن دورها في تعظيم فرص الالتقاء والتوافق على المبادرات الإصلاحية المطروحة مما يرسّخ الاستقرار المجتمعي والإيمان بأنّ «التطوير شكل من أشكال التغيير».

ثالثاً: الاستفادة من عوائد الأنظمة الإلكترونية:

إن التوجّه نحو حوسبة وأتمتة العمليات الحيوية في أي دولة يقدّم فرصاً حقيقية للنمو والازدهار في ميادين عديدة لما لاستخدامات تكنولوجيا المعلومات من فوائد معروفة في توسيع آفاق التفكير على المستوين الفردي والمؤسسي، فضلاً عما تقدّمه تطبيقات تكنولوجيا المعلومات من مزايا وحلول اقتصادية على كافة الصعد الاستثمارية والمعرفية لما تتمتع به من خصائص التنظيم، والدقة، والسرعة، والحماية، وتخفيض النفقات، وتعظيم الإيرادات. ويعدّ نظام التصويت الإلكتروني أحد أهم الأنظمة التي من شأنها تحسين البيئة الاستثمارية الوطنية لما يخلقه من أجواء الثقة، والأمان، والتفاعل التي تفضي إلى توسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية.

رابعاً: إبراز البـُعد الحضاري التنموي

لا شكّ في أن الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات لإدارة الشأن العام تعكس صورة حضارية عن الدولة أمام محيطها الإقليمي ومحيطها العالمي الأوسع فتحظى بثقة الدول الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان وتظهر بشكلٍ محفّز لجذب المستثمرين إليها، وتجعلها أكثر استهدافاً من المساعدات والمنح التنموية الدولية وأكثر تأهيلاً للدخول في تحالفات اقتصادية إقليمية ودولية.

خامساً: الحاجة إلى توسيع نطاق تحليل البيانات وإجراء الدراسات

يتيح نظام التصويت الإلكتروني ميزة لا توفرها أنظمة التصويت التقليدية ألا وهي ميزة الحصول على بيانات تصنيفية واسعة تتيح إجراء عمليات تحليل إحصائي معمقة يمكن الاعتماد عليها في الوصول إلى استنتاجات من شأنها تطوير آليات اتخاذ القرار وتزويد صانعي ومتخذي القرارات بنافذة معلوماتية مهمّة يمكن استخدامها في تطوير نظام التصويت نفسه، وتطوير قانون الانتخاب المطبّق، وتحسين الممارسات الحكومية حيال مسيرة الإصلاح، فضلاً عن الفائدة المتحققة من هذه المعلومات فيما إذا تم إتاحتها للدارسين والباحثين الجامعيين والاستشاريين لاستخدامها في دراساتهم وبحوثهم التطويرية.

• أهداف الدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

1. إبراز دواعي وأهمية تطبيق نظام التصويت الإلكتروني كأحد أدوات تعزيز صفات الحاكمية الرشيدة في ممارسة العملية الانتخابية (المشاركة، الشفافية، المساءلة).
2. التعريف بمزايا نظام التصويت الإلكتروني بالمقارنة مع نظام التصويت التقليدي استناداً إلى معايير الدقة، والحياد، والسرعة، والكلفة، والمرونة، والأمن المعلوماتي، ونطاق الإحصاء والتحليل.
3. تعريف متخذ القرار والهيئات المعنية بإجراء الانتخابات بآلية التشغيل والإجراءات التطبيقية لنظام التصويت الإلكتروني، ومستلزمات وشروط تطبيقه، وتعليمات أمن وحماية العمليات والمعلومات التي يحتويها النظام.

• الدول التي يطبق فيها نظام التصويت الإلكتروني:

يطبق نظام التصويت الإلكتروني وبتقنيات مختلفة في أكثر من ثلاثين دولة في العالم ومن أهمها: الولايات المتحدة الأميركية، أستراليا، النمسا، بلجيكا، البرازيل، كندا، استونيا، فرنسا، ألمانيا، الهند، ايرلندا، النرويج، البرتغال، اسبانيا، سويسرا، هولندا، المملكة المتحدة، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، الأرجنتين، كوستاريكا، بنما، فنزويلا، البيرو، كولومبيا، جنوب أفريقيا، روسيا، السويد، سكوتلاندا.

وكما يظهر فإنه وحتى تاريخ إجراء هذه الدراسة لم تتخذ أي من الدول العربية قراراً باعتماد نظام تصويت إلكتروني في العمليات الانتخابية التي تجريها على الرغم مما تنفقه هذه الدول على البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها المتقدمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ بمقدور الكفاءات البشرية العربية إنتاج نظام تصويت إلكتروني متميز وتطبيقه عملياً بمستوىً لائق، وفيما يتعلق بالأجهزة اللازمة لتشغيل هذا النظام فيمكن استيرادها من الدول المصنّعة لمثل هذه الأجهزة وملحقاتها.

• دواعي تطبيق نظام التصويت الإلكتروني والحاكمية الرشيدة:

تنشأ العلاقة بين تطبيق نظام التصويت الإلكتروني وممارسة الحاكمية الرشيدة من خلال التقاء مزايا هذا النظام مع الصفات الثلاث الرئيسة التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على الحاكمية الرشيدة وهي المشاركة، والشفافية، والمساءلة.

• المشاركة Participation

يلتقي نظام التصويت الإلكتروني مع صفة المشاركة في مفهوم الحاكمية الرشيدة عند نقطة حجم المشاركة؛ بمعنى أنّ نظام التصويت الإلكتروني يتيح أكبر قدر من المشاركة اللامحدودة للناخبين في عملية الاقتراع مقارنةً بالنظام التقليدي الذي يعتمد الصناديق أداة للاقتراع بطاقةٍ استيعابية محدودة يقررّها حجم الصندوق، ويسهّل النظام أيضاً عملية المشاركة حينما يعطي فرصاً أكبر لذوي الاحتياجات الخاصة من الأشخاص المعوّقين، والأميّيين، وكبار السنّ، والمرأة الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى مراكز الاقتراع أولاً، وصعوبات في ممارسة الاقتراع ثانياً.

كما وتشير الدراسات إلى أنّ الشباب في مقتبل العمر يكونون أكثر دافعيةً للتعامل مع الأنظمة الإلكترونية مقارنةً بالأنظمة اليدوية نتيجةً لاعتمادهم على تكنولوجيا المعلومات والأجهزة المتطورة في ممارسة حياتهم اليومية، وبالتالي فإن قابليتهم نحو الانتخاب بنظام تصويت إلكتروني ستكون أكثر فيما لو كان نظام التصويت التقليدي هو الخيار الوحيد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن اعتبار تطبيق نظام التصويت الإلكتروني سبباً مستقلاً ووحيداً لتوسيع المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية، حيث أنّ حجم المشاركة الشعبية يتبع إلى متغير خصائص النظام الديمقراطي الكلّي، ونظام التصويت ما هو إلاّ أداة من أدوات تطبيق النظام الديمقراطي؛ إلاّ أنّ ذلك لا ينفي المساهمة التي يمكن لنظام التصويت الإلكتروني أن يقدمها في التحفيز على المشاركة لبعض فئات المجتمع كما أسلف ذكره سابقاً.

• الشفافية Transparency

نظام التصويت الإلكتروني يتيح للناخب، وللمرشّح (فرداً مستقلاً أو قائمة)، وللمراقبين، وللرأي العام، ولوسائل الإعلام مواكبة عملية التصويت خطوةً بخطوة، والتقاط المعلومات بالملاحظة المباشرة دونما الحاجة إلى البحث، وطرح الأسئلة، ونقل المعلومات؛ فهذا النظام يعتمد في عملية التصويت على شاشات تبيّن عملية اختيار الناخب للمرشّح (فرداً مستقلاً أم قائمة)، وآلية احتساب عدد الأصوات لكل مرشّح لحظة بلحظة وبشكل متزامن بحيث يمكن لكل من ذكر سابقاً أن يراقب ويتابع الإدلاء بالصوت ودخوله في اللحظة نفسها إلى حساب المرشح الذي قام الناخب بمنحه هذا الصوت.

كما ويعزز نظام التصويت الإلكتروني الشفافية في عملية التصويت، والفرز، وإعلان النتائج لكونه لا يتطلب الانتقال المادي للأصوات من حيز إلى آخر كانتقال صناديق الاقتراع من مركز الانتخاب الفرعي إلى مركز الفرز والتجميع؛ فالنظام الإلكتروني يجمع الثلاث خطوات في خطوة واحدة، فعندما يدلي الناخب بصوته إلكترونياً ينتقل هذا الصوت مباشرةً إلى حساب المرشح المفتوح على شاشة العرض المركزية التي تعكس عدد الأصوات الواردة إلى وحدة البيانات المركزية الواقعة تحت إشراف الهيئة المعنية بإدارة الانتخابات.

ويدعم نظام التصويت الإلكتروني وجوهاً أخرى للشفافية ترتبط بوضوح إجراءات التصويت أمام الناخب لاعتماده على دليل يبيّن خطوات الإدلاء بالصوت دون أن يتأثر برأيٍ أو مداخلة بشرية تحيط به في موقع الاقتراع حيث أن نظام التصويت الإلكتروني يعزل الناخب عن محيطه داخل موقع الاقتراع، ويقلّل من فرص احتكاكه بالغير تبعاً للعزل أولاً، ثم تبعاً لغياب أعضاء لجنة الاقتراع -الذين لا لزوم لهم في نظام التصويت الإلكتروني- ثانياً، وذلك لكون أجهزة النظام ستقوم مقامهم في تنفيذ إجراءات الاقتراع والمهام الموكلة لهم في هذا السياق.

ويوفّر نظام التصويت الإلكتروني وجهاً آخر للشفافية من خلال المعلومات التي يقدمها حول التعريف بالناخبين الذين صوتوا لكل مرشح (فرداً مستقلاً أم قائمة)، مما يقلل دواعي الاعتراض على النتائج التي تحدث حينما تخالف نتيجة المرشح في الانتخابات توقعاته القبلية حول النتيجة التي سيحصدها.

• المساءلة Accountability

تلتقي صفة المساءلة كإحدى صفات الحاكمية الرشيدة مع مزايا نظام التصويت الإلكتروني في عدّة نقاط منها:

- نظام التصويت الإلكتروني يتيح المساءلة المرحلية المباشرة خلال تطبيق إجراءات التصويت، والفرز، وإعلان النتائج حيث لا تقتصر فرصة المساءلة على مرحلة ما بعد انتهاء العملية الانتخابية وحسب.
- ويتميز النظام بالدقة وبالتالي فإن فرص حدوث أخطاء بشرية ستكون شبه معدومة وستقلّ الحاجة إلى المساءلة لارتفاع معدّل النزاهة، وتبقى حدود الأخطاء المرتبطة بهذا النظام محصورة في بعض الأخطاء الفنية سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة مثل: أعمال التخريب والتدمير، أو التعطّل والتعطيل.
- يوفّر نظام التصويت الإلكتروني إمكانية إعادة التحقق من سلامة وصحة إجراءات التصويت لأنه يوفّر نظام التصوير والتسجيل لكل حالة تصويت.

• لماذا نظام التصويت الإلكتروني؟

يتميز نظام التصويت الإلكتروني بعدة مزايا تجعله مفضلاً على نظام التصويت التقليدي لأنه:

- أكثر دقة وحياداً ونزاهة: من المعلوم أن الاحتساب بالأنظمة الالكترونية أكثر دقة من الاحتساب بالطرق اليدوية، كما وأنّ الأنظمة الإلكترونية تمنح المستخدم شعوراً بالأمان والثقة من خلال التفاعل مع الأجهزة والحلول الإلكترونية، إضافة إلى قدرتها على توفير نتائج أكثر دقة خصوصاً أنها تحدّ من التدخلات والأخطاء البشرية لأن العمليات تتم ذاتياً وفق النظام بدون الحاجة للاستعانة بعاملين للقيام بإجراءات الاقتراع، ونقل المعلومات، والفرز، واستخراج النتائج؛ الأمر الذي يزيل هواجس الغموض والشك التي قد تنتاب الناخب أثناء التصويت التقليدي، وهي من جانب آخر تمنع ازدواجية التصويت وتكرار التصويت وتحول دون التحايل الهادف إلى أن يقوم الشخص بالتصويت عن غيره.

- أكثر مرونة واستيعاباً: يتميز النظام الإلكتروني للتصويت بمرونته وطواعيته للمبرمجين؛ الأمر الذي يمكّنهم من التطوير والتغيير على وظائفه وأدواره وطريقة تعامله مع البيانات حسب الحاجة والرغبة، في حين أن نظام التصويت التقليدي يتسم بالجمود والثبات على إجراءات محددة يصعب التغيير فيها، كما وأن النظام الالكتروني يتميز بطاقة استيعابية لا محدودة في استقبال الأصوات وتخزينها وتجميعها وعرضها في أزمانٍ قياسية ثابتة في حين أن نظام التصويت التقليدي محدود الاستيعاب (عدد الأصوات في مركز الاقتراع مرهون بعدد الصناديق وسعتها)، كما أن الوقت المستغرق في الإدلاء بالصوت الواحد أكثر من الوقت المستغرق للإدلاء به وفقاً للنظام الإلكتروني، فضلاً عن أن النظام الالكتروني سهل الاستخدام ومريح ويقود المستخدم بتسلسل وسلاسة.

- أكثر سرعةً وأقل كلفة: من المعلوم أن الأنظمة الالكترونية ذات سرعة فائقة ولا مجال لمقارنتها بالزمن الذي تستغرقه الأنظمة التقليدية، فهي ليست سريعة فقط في استقبال وتخزين ونقل صوت الناخب؛ بل هي سريعة جداً في إظهار النتائج الكلية للانتخابات مع انتهاء الدقيقة الأخيرة من الزمن المحدد للاقتراع، كما يعدّ نظام التصويت الإلكتروني أقل كلفةً من نظام التصويت التقليدي لأنه يقلل من الحاجة إلى البشر (العاملين وأتعابهم المالية)، والتكاليف الإدارية، والتكاليف اللوجستية (قرطاسية، صناديق، أحبار، أقفال، أوراق، وسائط نقل)، وعدد كبير من رجال الأمن.

- أكثر أمناً للمعلومات: يتمتع نظام التصويت الإلكتروني وفقاً للمواصفات التي تحددها هذه الدراسة بدرجة عالية من الأمن المعلوماتي الذي يمنع التدخلات المقصودة وغير المقصودة في البيانات المدخلة، والبيانات المنقولة، والبيانات المخزّنة والمعروضة أثناء وبعد عملية التصويت، كما ويتيح النظام الإلكتروني لإدارة الانتخابات والمراقبين سهولة الرجوع إلى البيانات ومراجعتها بأي وقت، دونما المساس بثباتها ومصداقيتها، ودونما الحاجة -كما هو الحال في النظام التقليدي- إلى إعادة فرز الأصوات ورقياً؛ الأمر الذي يجعلها عُرضة للتلف والضياع وفقدان بعضٍ من خصائصها الفيزيائية والكيميائية مع مرور الزمن.

- أكثر فائدة للتحليل الإحصائي والبحث: يتميز نظام التصويت الإلكتروني بقدرته على تحليل نتائج الانتخابات وتقديم تقارير احصائية فيما إذا تم ربطه بنظام تحليل إحصائي لتطبيق بعضاً من المقاييس والاختبارات الإحصائية التي يمكن الاستفادة من نتائجها في دعم متخذ القرار، ومراجعة وتطوير العملية الانتخابية برمّتها. كما ويمكن أن تشكّل هذه البيانات مادة خام للباحثين في المجالات الأكاديمية والتطويرية لإنتاج معرفة جديدة.

- أكثر ملاءمة لفئة الناخبين غير القادرين: يتميز نظام التصويت الإلكتروني بقدرته على توفير التقنيات التي تراعي الفروق الفردية في القدرات بين الناخبين؛ فهو يتيح خيار التصويت ببصمة الصوت للمكفوفين والأميين كتابةً وقراءة، والأميين إلكترونياً، ومبتوري الأيدي، ويتيح خيار التصويت ببصمة أصابع اليد لفاقدي النطق والسمع، وخيار التصويت ببصمة العين أيضاً.

- أكثر قابلية للتجريب القبلي& Demonstrating Piloting: من المزايا التي ترتبط بنظام التصويت الإلكتروني ميزة إجراء التجريب القبلي للنظام من خلال عقد يوم انتخابي افتراضي وغير رسمي لإحدى الدوائر الانتخابية لتجريب النظام، والتأكد من سلامته وصلاحيته للاستعمال، ومطابقته للمواصفات، ومنح الناخبين فرصة التدرّب على استعماله قبيل موعد إجراء الانتخابات الرسمية بشهر على الأقل.

• تحديات أمام نظام التصويت الإلكتروني:

1. مقاومة التغيير Change Resistance: الطبيعة السيكولوجية للإنسان تقضي أن يقاوم التغيير في مختلف مجالات الحياة وخصوصاً السياسية منها بغض النظر عن شكل ومدى هذا التغيير، وتظهر مقاومة التغيير هذه بنسب متفاوتة بين الأشخاص لتشتد عند أصحاب بعض مراكز القوى والنفوذ السياسي الذين لا تتوافق اتجاهاتهم وتطلعاتهم مع استحداث أنظمة إلكترونية من شأنها تعزيز ممارسات الحاكمية الرشيدة؛ فالذهنية التقليدية المحافظة تميل غالباً إلى التقليد الذي اعتادت عليه ولا تبادر إلى التكيف مع ما هو جديد خوفاً من أن يمسّ ذلك قدراً من قدراتها ونفوذها الرسمي والشعبي فتتجه نحو التشكيك بقدرة هذه الأنظمة على العمل بدقّة وكفاءة، واتهامها بالتعقيد وصعوبة التكيف والاستعمال من قبل بعض فئات المجتمع.

2. ضآلة الثقافة الإلكترونية وخصوصاً لدى فئة كبار السن: الأمر الذي سيجعل من استقطاب كبار السن لاستخدام هذا النظام تحدياً أمام إدارة الانتخابات، لذا يتوجب أن يسبق تطبيق النظام -وخصوصاً في المرة الأولى- حملات توعية وتثقيف بجدوى هذا النظام والغاية من إحلاله مكان النظام التقليدي وتدريب الناخبين على تطبيقاته للحصول على المزيد من كسب التأييد له لدى هذه الفئة ممن يحق لهم التصويت بموجب القانون النافذ.

3. الكلفة الناتجة عن تدمير وتخريب وتعطيل أجهزة النظام الإلكتروني: حيث من المحتمل أثناء عمليات النقل والتركيب وحتى الاقتراع أن تتعرض الأجهزة للعبث والاستخدام الخاطئ أو التخريب المقصود؛ الأمر الذي سينتج عنه كلفة جديدة إما لأغراض صيانة هذه الأجهزة أو استبدالها بأخرى جديدة، وقد تتسبب هذه الأعمال في توقف عملية الاقتراع في أحد المراكز أو أكثر مما يتطلب أن يكون لدى إدارة الانتخابات خطة طوارئ بديلة لاستئناف الاقتراع بشكل طبيعي وبالمواصفات نفسها لحين انتهاء العملية الانتخابية رسمياً.

• إجراءات عمل نظام التصويت الإلكتروني:

يعمل نظام التصويت الإلكتروني -بحسب مقتضيات هذه الدراسة- وفقاً للإجراءات التالية:

- بعد أن تنتهي الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات في الدولة من عمليات تسجيل الناخبين، تقوم بإصدار وتسليم بطاقة ذكية ممغنطة لكل ناخب (Smart Voting Card) تبيّن اسم الناخب، ورقمه الوطني، والدائرة المسجّل بها، واسم مركز الاقتراع وعنوانه، وأي بيانات من شأنها التثبت من شخصيته في يوم الاقتراع المحدّد.

- تُجري إدارة الانتخابات -قبل فترة لا تقل عن سنة- تبصيم أصابع اليد للناخبين الذين يحق لهم التصويت ببصمة الأصبع، والناخبين الذين يحق لهم التصويت باستخدام بصمة الصوت أو العين (أيهما أقل كلفة وأكثر ملاءمة).

- بعد أن تستكمل إدارة الانتخابات شراء الأجهزة ونظام التسجيل الإلكتروني المباشر (Direct Recording Electronic System “DRE”) والأنظمة الملحقة بها والتي ستستخدم في الاقتراع، والفرز، واستخراج النتائج، وتقوم بتركيبها في مراكز الاقتراع، وربطها بوحدة البيانات المركزية (Central Data Warehouse) وشاشة عرض النتائج الكليّة(Main Data Show Screen) ، ومن ثم تقوم بتجريبها بشكل غير رسمي ضمن دائرة إنتخابية افتراضية (Virtual Electoral District).

- بعد أن تنتهي المدة القانونية للترشح والانسحاب تقوم إدارة الانتخابات بإدخال بيانات المرشحين وصورهم الشخصية على النظام ولكل دائرة انتخابية لاستخدامها في عملية التصويت وعمليات توزيع الأصوات الواردة في وحدة البيانات المركزية وشاشة العرض الوطنية.

- في يوم الاقتراع يحضر الناخب إلى مركز الاقتراع مصطحباً بطاقة التصويت الذكية والهوية الشخصية ويبرزهما عند الدخول لمركز الاقتراع الذي تم تحديده على وجه البطاقة الذكية التي بحوزته، وبعد أن تتم المطابقة العينية بينهما يوجّه الناخب إلى غرفة الاستقبال حيث يتم إجراء انتخاب تمثيلي (demo) أمامه لتدريبه على عملية التصويت قبل التطبيق الفعلي الرسمي لها، وبعد أن يتأكد الموظف المسؤول عن هذه العملية من إجادة الناخب لإجراءات التصويت يقوم باصطحابه إلى الجهاز المخصص للتصويت الرسمي والموضوع في غرفة زجاجية محصّنة ومعزولة مدعّمة بكاميرا مراقبة متحركة (Motion Sensor Security Camera)حيث يجلس على المقعد المخصص للناخب أمام الجهاز ويقوم بالخطوات التالية:

5/1- يمرر الناخب البطاقة الذكية في المكان المخصص للقارئ الضوئي (Card Reader) ليتمكن الجهاز من قراءة بياناتها والتثبت من أحقية الناخب بالتصويت، ويجيز له استكمال خطوات التصويت اللاحقة.

5/2- في حال أجاز الجهاز للناخب الانتقال إلى الخطوة اللاحقة بظهور الضوء الأخضر بدلاً من الضوء الأحمر، يضع الناخب -صاحب خيار التصويت ببصمة الأصبع- أصبعه المعتمد للتصويت في الخانة المخصصة لقراءة البصمة (Finger Print Reader)، أو بصمة الصوت للفئات المعتمدة لهذا النمط من التصويت من خلال اتباع الأوامر الصوتية المسجلة سابقاً والتي ترد له من خلال السمّاعتين المثبتتين على الأذنين وعبر الميكروفون الموصول بهما حيث يطلب منه النظام أن ينطق باسم المرشح أو القائمة التي يرغب بالتصويت لهما، وإذا لم يكن لدى الناخب خيار محدد يقوم النظام الصوتي بسرد أسماء المرشحين أو القوائم على مسمع الناخب ليختار ما يريد نطقاً.

5/3- أما فيما يتعلق بالناخب الذي يقوم بالتصويت بواسطة بصمة الأصبع تتفعل شاشة الاختيار (Touch Screen) ويظهر أمام الناخب الصور الشخصية لمرشحي الدائرة أو قوائمها الانتخابية وأسماؤهم، ويطلب منه الجهاز وضع أصبعه على الشخص/القائمة الذي يريد التصويت له.

5/4- بعد أن يلمس أصبع الناخب المرشح/القائمة التي يرغب بالتصويت لهما، تظهر الشاشة رسالة مفادها التأكد من اختيار الناخب ويطلب النظام منه لمس كلمة تأكيد الاختيار أو العودة للشاشة السابقة لإعادة الاختيار، وتبقى هذه الخطوة موضعاً للتكرار طالما أن الناخب لم يؤكد اختياره. ويسري هذا الإجراء على المقترعين ببصمة الصوت حيث تطلب منه الأوامر الصوتية إعادة تأكيد اختياره للمرشح/القائمة بإعادة نطق اسمه أو رمزه أو أي دالّة عليه معتمَدة في النظام.

5/5- إذا أكّد الناخب اختياره يظهر الجهاز رسالة تفيد بقبول اختياره ويتم تسجيل الصوت لصالح المرشح/القائمة في بطاقة الذاكرة الخاصة بمركز الاقتراع وفي حساب المرشح في وحدة البيانات المركزية معاَ، ويظهر ذلك مباشرةً على شاشة العرض الوطنية، ثم يقوم النظام أوتوماتيكياً بإلغاء بطاقة التصويت الذكية منعاً لاستخدامها مرة أخرى.

5/6- يقوم الناخب بعد انتهائه من عملية التصويت وقبل خروجه من مركز الاقتراع بتسليم بطاقة التصويت الممغنطة إلى الموظف المعني في المركز وذلك لاعتمادها كأداة تحقق أخرى من عدد الناخبين حيث يجري مطابقة عدد البطاقات المستلمة مع عدد الأصوات المبيّنة على شاشة العرض المركزية.

- تنتقل جميع الأصوات المعتمدة من مراكز الاقتراع إلى وحدة البيانات المركزية التي تقوم بعرض حركات ورود الأصوات من المراكز حركة بحركة من خلال شاشة وطنية رئيسية تعرض عدد الأصوات التراكمي لكل مرشح/قائمة مع كل حركة إدخال وفقاً للنظام الالكتروني المصمم والمطبّق لهذه الغاية والذي يستند إلى شبكة إتصال (network) تجمع مراكز الاقتراع مع وحدة البيانات المركزية.

- تستمر عملية ورود الأصوات كما ورد سابقاً لحين انتهاء المدة الزمنية للاقتراع التي حددتها الصلاحيات الممنوحة لإدارة الانتخابات بموجب القانون، ومع انتهاء آخر دقيقة من مدة الاقتراع يغلق النظام مركزياً عملية الاقتراع في كافة المراكز وتظهر وحدة البيانات المركزية على الشاشة الوطنية نتائج التصويت النهائية والتي يمكن طباعتها ورقياً لتعلن رسمياً خلال مؤتمر صحفي تعقده إدارة الانتخابات وفقاً للبروتوكلات المتبعة في هذا المجال.

• ضمانات أمن ونزاهة التصويت الإلكتروني:

1. ضرورة توفير نظام رقابي يعمل بالكاميرات المتحرّكة في كل مركز اقتراع على أن تكون موصولة بغرفة المراقبة والسيطرة المركزيةCentral Control Room) ) التي يحق للمرشحين أو مندوبيهم التواجد فيها بالإضافة إلى المراقبين الخارجيين وبطبيعة الحال الموظفين المعنيين بالرقابة في جهاز إدارة الانتخابات على أن يتيح هذا النظام التسجيل الكامل لعمليات الاقتراع لضمان إمكانية الرجوع إليها في حالات إعادة التحقق والاعتراض وحيث لزم الأمر.

2. أن يتصف النظام الالكتروني للتصويت بالمواصفات التالية:

2/1. الحماية الإلكترونية لمنع حالات القرصنة والاختراق والتلاعب بالأصوات أثناء انتقالها من مركز الاقتراع عبر شبكة الاتصال إلى وحدة البيانات المركزية (Central Data Warehouse)، أو في الأصوات المخزّنة في الوحدة نفسها.

2/2. أن لا يمنح النظام صلاحية الدخول إلى وحدة البيانات المركزية لأي شخص؛ بمعنى أن تكون هذه الوحدة لأغراض قراءة البيانات فقط (Read Only).

2/3. أن تكون شبكة الاتصال مدعّمة بأقوى أنظمة الحماية ضد الاختراق، والقطع، والتشويش، والتمويه.

2/4. أن يتمتع بطاقة استيعابية كبيرة وقدرة عالية على التحميل بما يمنع حالات التأخر والتعطّل نتيجة للحمل الزائد (Overload)على شبكة الاتصال.

2/5. أن يكون النظام خاضعاً لعملية تدقيق أنظمة المعلومات والمخاطر المتعلقة بها (IT Audit Systems).

3. إتخاذ تدابير الحماية اللازمة لمنع مصممي النظام وأصحاب الخبرة في آلية تشغيله من استغلال ذلك في اختراق النظام والقيام بأعمال غير مشروعة تمسّ نزاهة وأمن عملية الاقتراع.

4. أن يكون لدى إدارة الانتخابات خطة طوارئ بديلة للتعامل مع حالات التعطّل المفاجئ للنظام، واحتياطي من الأجهزة البديلة وقطع الغيار اللازمة، وفريق فني مؤهل للتعامل مع الصيانة حسب مقتضى الحالة الفنية لنظام التشغيل.

5. السماح للمرشحين أو مندوبيهم، والمراقبين، ووسائل الإعلام التواجد في قاعة وحدة البيانات المركزية لمتابعة حركة الأصوات الواردة إلى شاشة العرض الرئيسية وأعداد المصوّتين التراكمية.

6. إتاحة الفرصة للمرشحين لاستلام قوائم ورقية مستخرجة من النظام تحتوي أسماء الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لكل مرشح أو قائمة.

إن نجاح عملية التحول إلى نظام التصويت الإلكتروني الذي تطرحه هذه الدراسة يعتمد على توجهات وممارسات وإنجازات قبلية؛ فأولاً -وقبل كل شيء- يجب أن يكون مسبوقاً بإرادة سياسية متجهة نحو تطبيق الحاكمية الرشيدة في جميع مفاصل النظام الديمقراطي وفي مقدمتها قانون انتخاب ممثّل ومتوافَق عليه من كافة فئات الشعب وأطيافه، وداعم لحياة سياسية حزبية طويلة الأجل، وتوفير ضمانات الأمن والنزاهة وحظر المال الأسود (Dirty Money) في العملية الانتخابية، وإيجاد نظام لإدارة المعرفة ودعم القرار الانتخابي (Knowledge Management and Electoral Decision Support System) ، وثانياً توفير بيئة تشريعية وموارد بشرية ملائمة لتلبية متطلبات هذا النظام، وثالثاً توفير الوعي الكافي في المجتمع حول أهمية هذا النظام، ومزاياه، واتصافه بصفات الحاكمية الرشيدة، ورابعاً البدء في تطبيق هذا النظام تدريجياً بشكل يواكب النمو في وعي الناخب الأردني، والنمو في العمل الحزبي، وتراجع درجة حدة القوى المقاومة للتغيير، وهذا كله يعدّ القاعدة التي ترسّخ الاستقرار والتوافق الوطنيين، وتتوّج مسيرة الإصلاح السياسي.

ا