مركز الرأي للدراسات
اعداد : م. محمود صبري
كانون الثاني 2013
نحن حين نتكلم في موضوع المشكلة الاقتصادية لا نفعل ذلك من قبيل الادعاء بوجود أفكار وحلول لهذه المشكلة لدينا (نحن غير المختصين) أكثر مما يعرفه الخبراء أو كثير من القائمين على الأمر، لكننا ندعو الجميع إلى المشاركة وطرح الحلول العملية وحث أصحاب القرار لتنفيذ ما هو ممكن منها. واني أرى أن في ما أطرحه الآن هو أفكار قد تكون جديدة وغير تقليدية ومن الممكن تنفيذها إضافة إلى الحلول التقليدية المعروفة.
والمشكلة الاقتصادية برغم كونها عالمية الاّ أن لكل بلد خصوصيتها وظروفها التي تستطيع التعامل معها لحل المشكلة بشرط أن يكون هناك إرادة سياسية لا يشوبها الفساد. وفي وضعنا الخاص في الأردن لا بد من البحث عن هذه الحلول بطرق تقليدية وغير تقليدية.
أما الطرق التقليدية فهي كثيرة ومعروفة جرى الحديث عنها وتم تطبيق جزء منها. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن أيّاً من هذه الطرق يجب أن لا يؤثر كثيراً بطريقة سلبية على المواطن المحتقن الذي يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة نعرفها جميعاً. ومنها الحد من التوظيف في القطاع العام كي يلجأ الناس إلى الإبداع والبحث عن الرزق بمشاريع خاصة أو بتوسيع وتقوية المشاريع الموجودة. ومنها ضغط النفقات لا سيما في المؤسسات المترهلة غير المنتجة اقتصادياً وتلك التي تستحوذ على مخصصات كبيرة ودون الحاق الضرر بكفاءتها. ومنها زيادة النفقات الرأسمالية الإنتاجية لا سيما في استخراج الطاقة والأبحاث العلمية، على حساب النفقات الخدمية وأيضا دون أن يؤثر ذلك على كفاءتها أو بالحد الأدنى المحتمل. وهناك الكثير الكثير. وأننا نرى أن ما تم تطبيقه منها غير كاف ولا يتّسم بالجدية في كثير منه.
أما بالنسبة إلى الطرق غير التقليدية فلا بد من طرح هذا الموضوع على الرأي العام واستقبال الاقتراحات ودراستها. ولدينا علماء ومبدعون في كل المجالات وليس في هذا المجال وحده. ولدينا أمثلة وحالات كثيرة في دول كانت أسوأ حالا منا وأصبحت دولاً يشار اليها بالبنان في نجاحاتها الاقتصادية.
ومن بعض ما يمكن طرحه:
• فتح أبواب الاستثمارات على مصراعيها لمن يريد، مع تشجيع أكبر للمستثمر المحلي، واعفاء تام من الضرائب والرسوم لمدة لا تقل عن خمس سنوات، لا يتم بعدها ذبح هؤلاء المستثمرين بل يمكن أن نأخذ منهم نسباً بسيطة تشجعهم على البقاء والاستمرار. وهنا نستذكر حالة دبي التي تنتج من النفط والغاز أقل من نظيراتها في دول الخليج، الاّ أنها متميزة عنها في مجال الاستثمار بشكل أبرزها بشكل واضح على الصعيد العالمي.
• بيع أراضي الدولة (غير الزراعية ولا المشجرة) للمستثمرين لا سيما في مجال العقارات للمساهمة في حل مشكلة الإسكان بطريقة غير مرهقة للمواطنين الذين يصعب على معظمهم تأمين سكن رخيص لهم. وكذلك الأراضي الزراعية. وأراضي الدولة لا يستفيد منها أحد حالياً. وإذا تم بيعها للاستثمار فإن الدولة ستستفيد كثيراً وكذلك المستثمرين، وكذلك الدولة مرة أخرى تستفيد منهم فضلاً عن حل مشكلة الإسكان والبطالة.
• استرداد أموال الفساد: وهنا لا بد من مراعاة الواقعية والممكن في هذا المجال. فليس من السهل ولا من الممكن أن نجبر أحداً من أصحاب هذه الأموال التي جنوها بغير وجه حق لأنهم سينكرون ذلك ولا يمكن إثبات هذا الإدعاء في المحاكم إلاّ ما ندر وبصعوبة بالغة وبوقت طويل. والحل هو أن يطلب إلى هؤلاء (وهم معروفون لا سيما للأجهزة الأمنية) أن يجلبوا أموالهم للاستثمار في البلد وتشغيلها في مشاريع إنتاجية. وهذا يمكن أن يوافقوا عليه إذا تم ذلك بضغط من الحكومة تحت التهديد بفتح ملفاتهم جميعاً بلا استثناء. وإن ظن هؤلاء أن فتح ملفاتهم سيقلب الطاولة على الجميع فإن من تمت محاكمته من هؤلاء تم علاج الأمر معه بهدوء دون قلب لأي طاولة، وهم سيعاملون بالمثل. وأظن أنهم سيستجيبون لهذا الحل وسيكون هذا انجاز تاريخي للنظام وللدولة الأردنية.
• في مجال الزراعة والمشاريع الصغيرة: قام الاقتصاد الصيني العظيم على هذا النوع من المشاريع في البداية، ثم سار نحو الصناعة والتكنولوجيا حتى أصبحت الصين دولة تتنافس على المركز الأول في الاقتصاد العالمي. ونحن إذا شجعنا ودعمنا المشاريع الصغيرة والزراعية الصغيرة بمنح أراض زراعية للمختصين في الزراعة وغيرهم من القادرين لزرعها إن أمكن لا سيما بالنباتات الطبية وغير التقليدية، أو لتربية من الدواجن والحيوانات والنحل بل وحتى التماسيح وغيرها من الحيوانات التي يمكن تصريفها والانتفاع بها أو بمنتجاتها وتدر دخلاً عليهم وعلى البلد.
• اعفاء كل المستثمرين في المجالات السابقة من كل أو معظم الضرائب إن أمكن.
• فتح الملف الأمني الإقليمي والقومي لدى دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية لإلقاء الضوء على ما يقوم به الأردن من حماية لهذا الأمن حيث يدفع ثمنا باهظاً في دعم قواته المسلحة وأجهزته الأمنية للحفاظ على هذا الأمن الذي يحمي هذه الدول من الإرهاب والتهريب والمخدرات عبر حدودها الشمالية. ولا بد من دعم هذه الدول للأردن اقتصادياً مقابل هذه الخدمات والتضحيات. ولا يجب اعتبار هذا الدعم منّة من تلك الدول بل واجباً قومياً وأخوياً ومصلحةً مشتركة. وفي حالة رفض هذه الدول فلا يجب على الأردن أن يأبه ويسهر على حراسة تلك الحدود الطويلة على حساب ماله الشحيح وأرواح أبنائه وجهودهم التي طالما تم بذلها لهذه الغاية. والعلاقات الأخوية بيننا وبين تلك الدول تملي عليها هذا الواجب لا سيما في محنة طاحنة كالتي نمر بها. وأمن الأردن واستقراره هو من أمن تلك البلدان كما هو معروف. فلم إدارة الظهر للأردن ولمصلحة من في هذا الظرف العصيب.
• من أين سيتم تغطية العجز في أموال الضرائب؟ الجواب هو لدى الأخوة الخليجيين كما أسلفنا حيث لا بد من تكثيف الدعم خلال المرحلة الإنتقالية التي قد تستغرق سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد، ثم يخف الدعم شيئا فشيئا حتى يقف الأردن قوياً على رجليه بعد هذه الكارثة الاقتصادية التي نعيش. ويكون ذلك ضمن برنامج متفق عليه مع الإخوة الداعمين وباطّلاعهم على مراحل تنفيذه كي تطمئن قلوبهم. وإن تعذر هذا الأمر فنحن مستعدون لشد الأحزمة على البطون خلال هذه الفترة التي لا بد أن تقودنا إلى الانفراج إن سارت الأمور بإخلاص ونزاهة وبعداً عن الفساد. وإن لم نستطع ذلك فاننا بكل أسف لا نستحق أن نعيش وليكن ما يكن بعدها.
• انشاء هيئة مستقلة من الخبراء وأساتذة الجامعات من غير ذوي المصالح والشركات لمتابعة خطوات الحلول والبرامج المتفق عليها، مع الاستعانة بذوي المصالح والشركات و»الحيتان» للاستنارة برأيهم فقط وذلك لخبرتهم الاقتصادية، ودون اعطائهم حق التدخل بأي شكل. ويكون لهذه الهيئة سلطة اصدار القوانين والأنظمة.
وأخيراً لا بد من التأكيد على أن أي حل لأي مشكلة مثل المشكلة الاقتصادية، لا بد وأن يكون مقروناً بإرادة سياسية قوية ومخلصة ومتابعة حثيثة، وبغير ذلك فلن يكون هناك أي حل، وستؤدي المشكلة الاقتصادية بالاقتصاد وبالبلاد إلى فقدان الأمن الذي نتميز ونفتخر به في الأردن، و إلى الخراب والدمار لا سمح الله.