مركز الرأي للدراسات
اعداد : عارف مرشد
حزيران 2013
النكبة في اللغة هي المصيبة إذا كانت قوية وشاملة، ونقول نكبَ الإناءَ إذا أراقَ ما فيه؛ وكانت هزيمة عام 1948 جديرة أن تُعتبر نكبة لأنها أراقت ما في فلسطين من شعب وخير.
النكبة (مصطلح فلسطيني) يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره. وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح، إقامة الدولة اليهودية (إسرائيل). وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية واحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وطرد 850 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، وينتمي هؤلاء اللاجئون إلى 531 مدينة وقرية فلسطينية تم تحويلها إلى مدن يهودية وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية.
في عام 1917 احتلت القوات البريطانية المتجهة من مصر جنوبي بلاد الشام (فلسطين) من الدولة العثمانية، وفرضت عليها حكما عسكريا استمر حتى العام 1920 وهو عام فرض الانتداب على فلسطين الذي استمر حتى العام 1948، وفي 29/11/1947 اصدرت الجمعية العمومية قرارها بتقسيم فلسطين، ومنح قرار التقسيم العرب حوالي 43 % من مجموع مساحة فلسطين، ومنح اليهود 56 % علماً بأن عددهم لم يتجاوز 33 % من السكان ودول القرار مدينة القدس.
رحب اليهود بمشروع التقسيم بينما شعر العرب بالاجحاف ورفض الأردن كباقي الدول العربية هذا القرار، وفي اليوم التالي لقرار التقسيم بدأت عصابات «الهاجاناه» اليهودية بدعوة جميع اليهود في فلسطين بين سن 17 و25 عاماً إلى الخدمة العسكرية وبدء العمل بالاستحواذ على المناطق المعدة لإقامة الدولة اليهودية عليها.
وفي 15/5/1948 ابحر المندوب السامي البريطاني (الن غوردن كاننجهام) من حيفا إلى بريطانيا وتم الإعلان عن قيام دولة اسرائيل ودخل الجيش العربي الأردني الأراضي الفلسطينية في نفس اليوم مع جيوش الدول العربية الأخرى عملا بقرار للجامعة العربية يقضي بإرسال قوات عربية إلى فلسطين فور انتهاء الانتداب البريطاني عليها، لانقاذ عرب فلسطين من الاحتلال والإرهاب الصهيوني. واستطاع الجيش العربي الأردني حماية مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية وبخاصة مدينة القدس الشرقية والحرم الشريف من الوقوع تحت الإحتلال الصهيوني، ويتفق المؤرخون على أن الفضل يعود لجلالة الملك عبدالله ألاول بن الحسين والجيش العربي الأردني في إنقاذ الضفة الغربية من الوقوع تحت الاحتلال الصهيوني عام 1948 والحيلولة دون سقوط مدينة القدس الشرقية واعلانها عاصمة للدولة العبرية، كما وأن مواقفة الشجاعة هي التي ساعدت العرب في أول حرب لهم مع إسرائيل ولو لم يتدخل الجيش العربي الأردني بناء على أوامر مشددة صادرة عن الملك وتلكأ في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية كما كانت ترغب في ذلك الحكومات الاجنبية لخسر العرب كامل التراب الفلسطيني عام 1948 بدلا من 1967 ولاصبحت الضفة الغربية من الأراضي الأصلية التي قامت عليها إسرائيل ولأصبحت القدس العربية العاصمة الموحدة لإسرائيل منذ عام 1948.
كانت القوات العربية قد تعرضت لسلسلة من الهزائم واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية وانتهت المعارك بتوقيع الدول العربية المتحاربة مع إسرائيل على اتفاقيات هدنة، مع العلم أن العراق الذي شاركت قواته في حرب عام 1948لم ير موجبا لعقد اتفاقية هدنة، بداعي انه لا حدود مشتركة له مع اسرائيل، بعد انسحاب قواته من ارض المعركة.
لقد اعتمدت الحركة الصهيونية على ركيزتين أساسيتين لفرض صورة ديموغرافية تجعل من اليهود أكثرية على حساب العرب الفلسطينيين وأرضهم. تمثلت الركيزة الأولى بارتكاب المجازر لطرد غالبية الفلسطينيين من أرضهم، واستطاعت العصابات الصهيونية ارتكاب 44 مجزرة في عام 1948 بدعم بريطاني مطلق.
أما الركيزة الثانية لفرض الديموغرافيا الإسرائيلية فتجلت في القيام بعملية إحلال للمهاجرين اليهود في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي هذا السياق استطاعت الحركة الصهيونية جذب 650 ألف يهودي من مختلف أنحاء العالم ليصبحوا المادة البشرية لإسرائيل 1948 بعد القيام بعملية تطهير عرقي مبرمجة ومدروسة بشكل محكم.
واتبعت الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل سياسات محددة لفرض إستراتيجيتها المتمثلة في فرض واقع تهويدي، فمن جهة سعت المنظمات الصهيونية المختلفة إلى تهيئة الظروف لجذب غالبية يهود العالم إلى فلسطين المحتلة بعد طرد أهلها ومصادرة أرضهم.
ولم تتوقف تلك السياسات بعد إنشاء إسرائيل، حيث لعبت الزيادة الطبيعية لليهود في فلسطين وموجات الهجرة اليهودية دوراً في ارتفاع مجموع اليهود في فلسطين المحتلة ليصل إلى ستة ملايين واثنين وأربعين ألف يهودي بحلول عام 2013، 40 % منهم هم من اليهود الغربيين الأشكناز، و36 % من اليهود الشرقيين السفارديم، في حين شكل اليهود من مواليد فلسطين المحتلة نسبة 24 % من إجمالي اليهود داخل حدود فلسطين التاريخية.
وقد رافق العمل الصهيوني لتحقيق الأهداف الصهيونية الاستراتيجية في فلسطين مصادرة واحتلال مزيد من الأرض الفلسطينية وتهويدها بغية تغيير معالمها الجغرافية والعمل بعد ذلك على فرض فكرة يهودية الدولة الصهيونية ببعديها الديموغرافي والجغرافي.
كما تشير الدراسات المختلفة إلى أن العصابات الصهيونية قد طردت في عام 1948 850 ألف فلسطيني شكلوا آنذاك 61 % من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 1,400,000 فلسطيني، ليطلق عليهم لقب لاجئين ويصبح مجموعهم في بداية العام الحالي 2013 ستة ملايين لاجئ فلسطيني.
وتركز معظم اللاجئين الفلسطينيين إثر نكبة عام 1948 في المناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، أي في الضفة والقطاع 80.5 % في حين اضطر 19.5 % من اللاجئين الفلسطينيين للتوجه إلى الدول العربية الشقيقة، سوريا والأردن ولبنان ومصر والعراق، بينما توجه العديد منهم إلى مناطق جذب اقتصادية في أوروبا وأميركا، وكذلك إلى دول الخليج العربية، وقد تغيرت الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني بعد طرد الجيش الإسرائيلي لنحو 460 ألف فلسطيني في عام 1967 إثر احتلال الضفة والقطاع، ليطلق عليهم لقب نازح ويصبح مجموعهم خلال العام الحالي 1.6 مليون نازح فلسطيني.
ويُشار إلى أنه قد صمد في المناطق الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل والبالغة 78 % من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بـ27000 كم2، نحو 151 ألف عربي فلسطيني تركزت غالبيتهم في الجليل الفلسطيني، ووصل عددهم في عام 2013 إلى 1.6 مليون عربي فلسطيني.
ورغم أن الأقلية العربية تشكل أكثر من 20 % من السكان فإنها لا تمتلك سوى 2 % من الأرض التي أنشئت عليها إسرائيل.
إن نكبة فلسطين هي نكبة فصل الشعب عن أرضه وطرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم وفصولها، بدأت حين خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد إنهاء الحكم العثماني وأصدرت على لسان وزير خارجيتها وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 الذي «ينظر بعين العطف» إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وخلال 28 عاما من حكم الانتداب البريطاني، سنت بريطانيا القوانين واتخذت الاجراءات التي سهلت انشاء هذا الوطن حتى أصبح دولة عام 1948 فقد كان عدد اليهود بفلسطين عند فرض الانتداب البريطاني 56 ألف من اصل سكان فلسطين البالغ 673000 نسمة (أي 9% من مجموع السكان وغالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية) وما ان انتهى الانتداب عام 1948 حتى أصبح عددهم 650 ألف يهودي نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة أهالي فلسطين ومقاومتهم وثوراتهم وأهمها ثورة 1936، وهكذا أصبح اليهود يمثلون ما نسبته 33 % من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة.