مركز الرأي للدراسات
اعداد : د.محمد ناجي الكعبي
ايلول 2013
تتميز التقييمات المختلفة للجامعات والتي شاعت خلال السنوات العشر الماضية وعلى اختلاف أنواعها ونتائجها بالموضوعية (objective) إذ لا دخل للآراء الشخصية (subjective)، ولكن النتائج (المراتب) التي تحرزها كل جامعة تختلف باختلاف التصنيف على الرغم من موضوعية هذه التقييمات، وسبب هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف منهجيات (Methodologies) كل تصنيف من هذه التصنيفات.
والسؤال الأهم الواجب طرحه: لماذا تهتم الحكومات وإدارات الجامعات والاقتصاديون والطلاب والأساتذة والباحثون ومراكز الأبحاث والشركات والمصانع...في العديد من دول العالم بموضوع تصنيف الجامعات؟ وقد يجد البعض غرابة في هذا السؤال الذي جمع بين الحكومات والاقتصاد والجامعات والطلبة. والجواب ببساطة يعود إلى رغبة جميع هؤلاء في ضمان وظائف ومراكز مرموقة، لذا فإن البعض منهم يهتم بهذه التصنيفات، أما الباحثون فيستخدمونها لإيجاد سبل للتعاون الدولي الذي يفترض أن يكون ضمن الخطط الاستراتيجية للمؤسسات التعليمية. أما الحكومات فتهتم بهذه التصنيفات إدراكا منها للدور الحيوي للجامعات في إحداث نمو اقتصادي من خلال اكساب الطلبة للمهارات والعلوم التي تُعينهم على العمل والإبداع. فالجامعات في العالم هي المنابر التي تخرج العلماء والقادة والمبدعين والمخترعين، وهي المسؤولة عن رُقي أو انحطاط المجتمع وبالأخص من الناحيتين العلمية والاقتصادية.
سبق لي أن نشرت مقالة صحفية بعنوان (دراسة لواقع المواقع الإلكترونية للجامعات الأردنية وشقيقاتها العربيات) تناولت فيها موضوع تصنيفات وترتيب المواقع الإلكترونية للجامعات الأردنية بنوعيها الرسمي والخاص في كل من صحيفة الرأي الأردنية وموقع أخبار الجامعة الأردنية. وأظهرت في تلك المقالة ترتيب المواقع الإلكترونية للجامعات الأردنية على المستوى الوطني، والعربي والعالمي.
ونوهت في تلك المقالة إلى ضرورة قيام الجامعات بالاستعانة بذوي الخبرة في مجال استرجاع المعلومات (IR) وبالأخص هؤلاء المهتمين بموضوع محركات البحث وتصميم المواقع الإلكترونية، والمتخصصين بتقنيات ما يُعرف بمحرك البحث الأمثل (Search Engine Optimization-SEO) للرفع من مرتبة تلك المواقع. فالمطلوب من هذه المواقع أن تكون منابر لدعم المجتمع من خلال نقل المعرفة العلمية والعملية والثقافية من هذه الصروح الأكاديمية إلى المجتمع، وضرورة توافر مبدأ الشفافية من خلال إبراز هذه المواقع للنتاج الفكري ممثلاً بعدد البحوث التي ينجزها الباحثون العاملون في هذه الجامعات، والذي يمثل واحداً من العوامل الأساسية لتحديد رتبة كل جامعة في العالم، ونجد أن عدداً من الجامعات الأميركية قد قام بتقديم عروض مغرية لعلماء من دول فقيرة للتدريس في الجامعات الأميركية بسبب امتلاك هؤلاء لبحوث متميزة، أي أن بحوثهم عالية الاقتباس (Highly Cited) وهذا الجانب غائب في عالمنا العربي، باستثناء بعض الجامعات في دول الخليج العربي والتي أولت هذا الجانب الاهتمام اللازم، لذا نرى تربع ما بين3 إلى 4 جامعات سعودية على المراكز الأولى قياساً بشقيقاتها العربيات.
يركز مقال اليوم بالدرجة الأولى على التقييمات الخاصة بالجامعات وليس بواجهاتها الإعلامية / الخدمية (الموقع الإلكتروني). لذا لابد لنا أن نتعرف أولا على مستويات هذه التصنيفات، إذ يمكن أن يكون التصنيف على مستوى الجامعة بمختلف الاختصاصات المتوفرة في الجامعة، كما يمكن تصنيف الجامعات وفقا لحقول المعرفة ممثلة بالحقول التالية: العلوم الطبيعية والرياضيات (Natural Sciences and Mathematics)، الهندسة/ التكنولوجيا وعلوم الحاسوب (Engineering/ Technology and Computer Sciences)، وعلوم الحياة والزراعة (Life and Agriculture Sciences) والطب السريري والصيدلة (Clinical Medicine and Pharmacy)، والعلوم الاجتماعية (Social Sciences). ويمكن أن يقوم الترتيب (تصنيف) للجامعات على أساس التخصصات التالية: الرياضيات (Mathematics)، الفيزياء (Physics)، الكيمياء (Chemistry)، علوم الحاسب الآلي (Computer Science)، الاقتصاد/الأعمال (Economics/Business).
تقوم تصنيفات الجامعات لا التصنيفات الخاصة بمواقع الجامعات، وبصرف النظر عن مستواها سواء كانت على مستوى الاختصاص أو حقول المعرفة أو تنظر للجامعة كوحدة متكاملة بالاعتماد على مجموعة من المؤشرات لتحديد مرتبة كل جامعة ضمن التصنيف، ومن هذه المؤشرات عدد البحوث والكُتب المؤلفة على مستوى الجامعة والاختصاص والأساتذة، ومستوى هذه البحوث ومستوى المجلات التي نشرت فيها، مستوى الهيئة التدريسية وإنتاجيتهم، علامات الطلاب، المعلومات الخاصة بالأشخاص الذين نالوا جوائز وتكريمات كجائزة نوبل والجامعات التي تخرج منها هؤلاء سواء في مرحلة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة، كون التصنيف لا بد أن يعطي للجامعة التي تُخرج المبدعين والمخترعين وزناً ومرتبة أعلى من الجامعة التي لا تخرج أي مبدع. ويمثل التنوع في جنسيات الطلبة دليل حالة صحية في الجامعة ونجاحها في استقطاب طلاب من دول أخرى... لذا يتطلب إجراء هذه التصنيفات التعامل مع كم هائل من البيانات التي يستحيل تحليلها يدويا ولا بد لنا من الاعتماد على الأنظمة الحاسوبية القادرة على التعامل مع هذا الكم.
تُعنى الجامعات التي تهتم بسمعتها في دول العالم المختلفة بثلاثة تصنيفات مشهورة ومعتمدة عالميا لتصنيف (ترتيب) الجامعات، فالأول يُدعى تصنيف (ترتيب) شنغهاي (Shanghai Ranking)، أما الاسم الرسمي الكامل لهذا التصنيف فهو الترتيب الأكاديمي لجامعات العالم Academic) Ranking of World Universities) والمعروف عالميا من خلال المختصر الإنجليزي (ARWU). وقد بُدأ باعتماد تصنيف (ترتيب) شنغهاي (Shanghai Ranking) لأول مرة سنة 2003، والذي كانت نتائجه تُحدث سنويا دون نشرها، وقد بدأ هذا التصنيف وبشكل سنوي منذ سنة 2009م بنشر النتائج الخاصة بترتيب أولى الجامعات على المستوى العالمي من قبل ترتيب شنغهاي الاستشاري (Shanghai Ranking Consultancy).
ويعد هذا التصنيف أول تصنيف ينشر ترتيب الجامعات في مختلف دول العالم، إذ يقوم بترتيب 1200 جامعة حول العالم وفقا لإنجازاتها وأدائها، لكنه يقتصر على نشر نتائج أول 500 جامعة من أصل 1200 جامعة يقوم بتحليل بياناتها. ويشرف مجلس استشاري دولي (InternationalAdvisory Board) مؤلف من عدد من العلماء المشهورين عالميا، والباحثين وقادة التعليم العالي بالإشراف ومساعدة فريق العمل المسؤول عن هذا التصنيف. ومن خلال البحث ضمن موقع هذا التصنيف وجدنا بأن جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية (http://just.edu.jo) هي الجامعة الوحيدة على صعيد المملكة التي قامت بالاهتمام بهذا التصنيف وأرسلت البيانات الخاصة بها كما ذلك ورد في (http://www.shanghairanking.com/grup/grup-2012-list.html)، على الرغم من عدم إحراز جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية لأي موقع فقد كان لها شرف المحاولة والمساهمة. ووفقا لتصنيف (ترتيب) شنغهاي (Shanghai Ranking) المنشور في الصفحة التالية على شبكة الإنترنت (http://www.shanghairanking.com/ARWU2013.html) والذي يُظهر المستوى الأكاديمي لأول 500 جامعة على مستوى العالم. اقتصر الوجود العربي على أربعة جامعات عربية وهي على التوالي: جامعة الملك سعود (http://ksu.edu.sa) وجامعة الملك عبد العزيز (http://www.kau.edu.sa) وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن (http://www.kfupm.edu.sa) وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (http://www.kaust.edu.sa).
أما التصنيف الثاني فهو بريطاني يُدعى تصنيف «كيو إس لترتيب جامعات العالم» (QS World University Rankings) المعروف عالميا والموجود ضمن الموقع الإلكتروني (http://www.topuniversities.com/university-rankings/world-university-rankings/2012).
ووفقا لهذا التصنيف فقد احتلت جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية (http://just.edu.jo) المرتبة الأولى أردنيا والمرتبة (601+) على المستوى العالمي، تلتها الجامعة الأردنية (http://www.ju.edu.jo) المرتبة الثانية أردنيا والمرتبة (601+) أيضا على المستوى العالمي. أما التصنيف الثالث فيُدعى تصنيف تايمز لجامعات التعليم العالي العالمية (Times Higher Education World University Rankings) والموجود ضمن الموقع (http://www.timeshighereducation.co.uk)، وهذا التصنيف خلا من ذكر أي جامعة عربية، إذ لم توفق أي جامعة عربية في إحراز أي مرتبة ضمن أول 400 جامعة عالمية منشورة في هذا الموقع.
يلعب العامل الاقتصادي دوراً حاسماً في الرفع من مستوى الجامعات أو انحدارها، وقد أشار عدد من المختصين في هذا المجال إلى أن تحليلاً سريعاً لنتائج التصنيفات للسنوات الأخيرة يُظهر بأن هنالك إتجاها بتحول التميز من الجامعات الغربية باتجاه الجامعات الشرقية (الآسيوية) والتي تلقى دعما من حكوماتها كما هو الحال في الصين والبرازيل والسعودية، وعلى الجانب الآخر يعاني البعض من الجامعات البريطانية مثلاً من المشاكل الاقتصادية. ما يهمنا هنا جامعاتنا سواء كانت رسمية أو خاصة، فالجامعات عموماً عليها أن تركز على الاستثمار الأكاديمي والبحثي والنوعي وليس الاستثمار المالي، فالجامعة مصنع العلماء والمبدعين والمهندسين والأطباء..وليست مشروعاً تجارياً. لا يمكن لنا أن نضع جميع الجامعات الرسمية في خانة واحدة، وكذلك الحال مع الجامعات الخاصة، فمثلا تتوافر اليوم جامعات خاصة في الوطن العربي تتفوق في مستواها الأكاديمي على الكثير من الجامعات الرسمية (الحكومية)،كون هدفها الأساس هو التميز وفائدة الطلبة والسعي للسمعة الطيبة والإرتقاء بمستوى التعليم وليس لكسب المال، كما هو الحال مع جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا (www.psut.edu.jo) في الأردن، والجامعات العربية التالية كجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (http://www.kaust.edu.sa)، وجامعة الأمير سلطان (www.psu.edu.sa)، والجامعة الأميركية في بيروت (www.aub.edu.lb)، والجامعة الأميركية في الشارقة (www.aus.edu) والجامعة الأميركية في دبي (www.aud.edu) والجامعة الأميركية بالقاهرة (www.aucegypt.edu).. .
نخلص مما سبق إلى ضرورة سعي الجامعات للرفع من مكانتها وسمعتها، مستعينين بأشخاص ملمين بهذا الجانب، وعدم الاقتصار على أشخاص ملمين بقوانين وقرارات هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي فقط بُغية الحصول على الاعتماد وحسب، بل يجب أن تتشكل لجان تضم أشخاص ملمين بمتطلبات الهيئة المذكورة إضافة إلى خبراء في مجال استرجاع المعلومات (IR) وبالأخص هؤلاء المهتمين بموضوع محركات البحث وتصميم المواقع الإلكترونية، والمتخصصين بتقنيات ما يُعرف بمحرك البحث الأمثل (Search Engine Optimization-SEO) للرفع من مرتبة مواقع جامعاتهم. ولا تحتاج هذه العملية إلى تكاليف عالية. ومما لا شك أن رفع مرتبة أي موقع لأي جامعة سينعكس بشكل إيجابي على سمعتها المحلية، والإقليمية والعالمية وبالتالي على إيراداتها المالية وقوة جذبها للطلبة والأساتذة والباحثين المتميزين. لذا علينا العمل مع مختصين يكونون على علم ودراية بالعوامل التي تساهم بشكل فعال في الرفع من مرتبة أية جامعة على الصعيد الوطني والعربي والعالمي ضمن التصنيفات الثلاثة آنفة الذكر، إذ يتوجب على الجامعات في المملكة الاقتداء بما أقدمت عليه جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية (http://just.edu.jo) من تعاون مع تصنيف (ترتيب) شنغهاي (Shanghai Ranking) مثلا كخطوة أولى لنيل مراتب متقدمة ضمن التصنيفات العالمية للجامعات.
وهذه دعوة لباقي الجامعات إلى إنشاء لجان متخصصة بهذا المجال إن توفر المختصون ضمن الجامعة أو الاستعانة بالمختصين في هذا الجانب من خارج جامعاتنا. وهناك دور يمكن أن تلعبه هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وذلك بسعيها لحث الجامعات في المملكة على تزويد هذه التصنيفات العالمية بالمعلومات المطلوبة للمشاركة بهذه المنافسة كخطوة أولى نحو النجاح والاقتداء بالجامعات الأفضل، والتي حُكماً تمثل خطوة مضافة للإرتقاء بهذا البلد الأمين نحو الأفضل.