مركز الرأي للدراسات
اعداد : حسني عايش
كانون ثاني 2013
صار الإنسان المعاصر، ولعوامل معروفة، يعيش طويلاً، ولكنه –مع ذلك– يبقى «مجعلكا» طيلة الوقت، فما من شخص لا يشكو من علة ما. وفي قمة تلك العلل يأتي مرض السكري، والكوليسترول، والضغط... ومرض السرطان بأنواعه وأشكاله ودرجاته، والإيدز أو مرض فقدان المناعة المكتسبة.ولكثرة الإصابات المرضية وحب الإنسان للحياة أو البقاء برزت ظاهرة أدوية المكملات الغذائية العشبية وازدهرت تجارتها. صار العشابون غير المؤهلين علمياً أطباء «يحشون» مختلف أنواع الأعشاب ويجففونها أو يطحنونها أويخلطونها ويقولون: إنها مكملات غذائية تشفي من هذا المرض أو ذاك دون رقيبأو حسيب.وبما أن عقل الإنسان –أي إنسان– في حالة المرض الصعب أو المستعصي يصغر ويصبح مستعداً للاستهواء فإنه يركض وراء كل وصفة يظن أنها تشفيه. ويزيد من ركضه ورائها تبرع أحد الزملاء أو الأصدقاء أو الأقارب أو الجيران أو الناس المصادفين بالحديث عن الوصفة العشبية التي شفي بها هو، أو شفيت بها أمه، أو شفي به أبوه أو صديقه...والغريب أو العجيب والمثير تخصص بعض الفضائيات ودور النشر، في هذا الطب، وبزنستها فيه، بادعائها أن لديها علاجاً للبواسير دون جراحة؛ وخلطة لتصغير حجم الأنف؛ أو الصدر أو تكبيره أو تدويره؛ أو تطويل أو تقصير أي عضو؛ وخلطة لتشغيل خلايا البنكرياس؛ وعلاج الروماتزم؛ والسرطان؛ والإيدز؛ واعتلال الأعصاب؛ وانحناء العمود الفقري؛ والضعف الجنسي؛ وتبييض البشرة؛والعقم؛ والصلع؛ والشيب؛ وحب الشباب؛ وقصر القامة؛ وآلام الظهر، والنقرس، وعرق النسا، والعقم، والصرع المزمن، وجلب الحبيب، وحل المشكلات المالية والتجارية، وفك السحر والمس والحسد والغيرة والعين والجان والتوابع وخلطة سرية للعروس ليلة الدخلة؛ وخواتم للتنحيف تلبس بأصابع القدم؛ وتفسيرالأحلام والأبراج لمعرفة ما يخبئه لك القدر؛ وطرد الجن من البيوت ؛ بل وعلاج المشكلات الجسمية والنفسية والاجتماعية كافة على يد الشيخة هنادي وأم رضوان، أو الشيخ الروحاني الكبير أبو عمر، أو الإدريسي، والحاجة عبير العباسي، والشيخة سلطانة العراق.. وزيادة في اللعب بالعقول يذكر المدعيأن له وكلاءً في كذا وكذا عواصم ومدن عربية وغير عربية، وإذا لم تصدق فدقق. وأضاف محدثي: وعندما اتصلت بأحد الأرقام المذكورة فيما إذا كان صاحبه مستعداً للقـَسَم بضمان نجاح العلاج لما يُدعى من مرض، أو بإعادة الثمن المدفوع إذا فشل، رفض رفضاً قاطعاً.
ومنهم –حسب محدثي– من يعالج أو يبزنس بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، دون التزام بالصدق مع المريض، وفيما إذا كانت لديه أرقام هواتف أو عناوين لأشخاص شفاهم بهذا العلاج للاتصال بهم فيرفض مستنكراً هذا الطلب وكأنك في نبرته متهم لا تصدق القرآن الكريم، والحديث الشريف، مع انك لا تصدقه هو. إن القرآن الكريم كتاب الدين المقدس عند المسلمين، ليس كتاب طب عام أو كيمياء أو فيزياء وإلا كان قابلاً للدحض كما في حالة العلم، أو كان كتاباً مقرراً في كليات الطب والعلوم في العالم،بل كتاب دين، وإن كانت فيه والحديث الشريف إشارات طبية وعلمية. إن علاج الأمراض –دينياً– يعني أن للأمراض أسباباً أو عوامل دينية: إسلامية أو يهودية أو مسيحية أو بوذية أو هندوسية.. لا بيولوجية أوعضوية أو بيئية. لو كان الأمر كذلك لكان الآخرون جميعاً ـأي أتباع الديانات الأخرىـ مرضى حتى يؤمنوا أو يستقيموا داخله. والحقيقة أن هذه العقلية الكافرة بالقوانين العلمية التي أودعها الله في الكون فلا تتبدل أو تتحول «ولن تجد لسنة الله تبديلاً 62/33) ولن تجد لسنة الله تحويلاً (43/35) معششة أيضاً في السياسة، فقد عزا (الدكتور؟) محمد بديع –المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر– هزيمتي سنة 1956 و 1967 لمصر الى الانتقام الإلهي الشامل منها أي من شعبه ووطنه،
وليس الى أسباب وعوامل قيادية وإدارية وإرادية وعلمية وتكنولوجية..وسياسية، متجاهلاً امتلاك إسرائيل لها وانتصارها علينا بها. ماذا يقول –سماحته– في اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب– رضي الله عنه – وفي مقتل عثمان بن عفان – رضي الله عنه– وفي مقتل علي بن أبي طالب – كرّم الله وجهه– وفي معارك... صفين والجمل وكربلاء... الإسلامية، أكانت انتقاماً إلهياً؟ لمن وممن؟ وإلى مثل ذلك ذهب أحد الوزراء الشباب السابقين في تفسير ما يجري في البلاد من تدهور عام في بلده بنسبته إلى معصية الله، وكأن الازدهار والصلاح في كوستاريكا والدانمارك الأسعد بالعالم ... دليل على إطاعتهما لله. وزيادة في الإغراء والصيد في الماء العكر (المرض) يدعي بعض الأطباء (الدينيين) أنه حاصل على شهادة مصدقة أو على دبلوم المعالجة بالقرآن، أو أنه خريج الأكاديمية الملكية البريطانية، أو عضو في المجموعة الدولية للمعالجة بالطاقة الحيوية... وإذا لم تصدق فاذهب واسأل. لا أحد يتحدث عن الكوارث التي تصيب الناس الذين يصدقون، والأموال الطائلة التي تهدر على هذا «الطب» المنفلت من كل قيد علمي. ويدخل في ذلك أو يستوي مع هؤلاء الدجالين خريجو كليات الطب المعتمدة الذين يحولون الطب من رسالة الى تجارة ببيع عينات الدواء المجانية للمرضى أو بالإكثار من الأدوية الموصوفة لمرض عابر، أو بالسمسرة لدواء، أو لمختبر، أو بالايقاع بالمريض بعمليات جراحية غير لازمة أو لا يملكون القدرة الفنية على إجرائها . إنهم مجرمون لا أطباء ويجب مصادرة شهاداتهم ورخصهم للعمل. لا اعتراض على الطب العربي أو الهندي أو الصيني... التي أثبتت التجربة والعلم فعاليته الى اليوم ولا على الأعشاب الطبية التي تمر في بوتقته العملية الدوائية الكاملة وتتحول إلى أدوية كما هو الحال في صناعة الأدوية. ولكن الاعتراض على هذه الادعاءات الكبرى لعلاج الأمراض المستعصية التي يعجز العلم والعالم حتى اليوم عن إيجاد علاجات حاسمة لها، وكأن أصحاب هذه الادعاءات أنبياء مُيزوا بالمعجزات الألهية القادرة على إبطال القوانين العلمية. لو كان لادعاءاتهم أية مصداقية على أرض الواقع لهرعت مئات الملايين من الناس من مختلف أنحاء العالم (للسياحة) العلاجية عندهم، في الأردن أو البحرين أو مصر أو السعودية. إن تصديق المرضى لهذه الادعاءات وإقبالهم عليها طرديا ً بمقدار سخفها يجعل هذا الدجل أشبه بالنهر المجنون الذي يشرب منه الجميع بعدما تمكن أصحابها دون إثبات منهجي علمي، توفير أدوية فعالة لجميع هذه الأمراض القاتلة وإقناع كثير من الناس بذلك!!! يا سبحان الله ما أقدرهم على تطويع علوم الغيب والشهادة!!! لكنهم – كما تلاحظون – لم يقتربوا من مرض الأيدز لأنه مرض حديث لم يأت له ذكر في أدبياتهم، ولا إلى الأمراض التي يمنع التطعيم وقوعها مثل شلل الأطفال أو التفوئيد أو الحصبة ... ولا إلى أمراض العيون والأذن... لأنه لا مجال كبير للخداع فيها. وأضاف صاحب قناة فضائية أغلقها بسبب الخسارة التي تسبب له الصدق بها، أنه كان يقدم عميد كلية صيدلة في أرقى جامعة أردنية، مختصا ً بالطب العشبي أو العشب الطبي. ولما كان يتحدث بمعقولية وعلمية فلم يكن يتصل بالقناة إلا آحاد لا يعود إتصالها بالقناة بعائد يذكر. ولما أحللنا نصاباً مكانه –على سبيل التجريب– جاءتنا في يوم واحد خمسة آلاف رسالة نصية واتصال. قد تقولون: لماذا أغلق القناة بعد ذلك؟ فنجيب: لأنه طبيب محترم أصلا ً ولا يستطيع المضي في هذه الأكذوبة. يبدو أن الجميع –حكومات ونقابات طبية وصيدلية وكليات طب وعلوم وعلماء وعقلاء وأطباء محترمون ما خلا وزير الصحة الأردني الذي أغلق فضائيتين– لا يجرؤون على التصدي لهذا الدجل الشامل، وإلى ضبط هذه الظاهرة المنفلتة وعلمنتها ما دامت تتمسح بالدين، وتقف ورائها قوى خفية ولكن مسلّحة بالمنابر وبسيف التكفير. إن كل حكومة ونقابة أو جهة ذات علاقة تبث هذه القنوات والإذاعات وتصدر الكتب والاعلانات من بلادها أو تصل اليها، مسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن هذا الدجل، أي عن النتائج السلبية لهذا «الطب» المنفلت إذا لم تتصدى له. لا يجوز السماح له بالعمل المطلق بحجة احترام حرية التعبير، فحرية التعبير لا تتضمن السماح بحرية الكذب كأن»يصرخ واحد في السينما المزدحمة: نار. نار» هكذا دون اندلاع نار، فيتدافع الناس للهرب ويدوسون على بعضهم البعض ثم نسامح الكاذب بحجة حرية التعبير.» وإلى أن يتم الضبط والربط فإنني أنصح كل مريض يلجأ إلى أصحاب هذه الأدوية «الجذابة» أو إلى طبيب يستعجل إجراء عمليات جراحية ليست ملحة ولازمة أن يطلب منهم كفالة مالية بحسن التنفيذ – على الأقل – مساوية لثمن الدواء أو لكلفة العملية، ومصادرتها في حال فشل الدواء أو فشلت العملية. «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا»