مركز الرأي للدراسات
المحامي الدكتور جهاد الجراح
آذار 2015
مسألة تعيين رئيس ديوان المظالم كحالة تطبيقية من وجهة قانونية..
تابعت كغيري ما أثير مؤخراً بشأن مسألة مدى قانونية تعيين رئيس ديوان المظالم، وأي النصوص القانونية هو الواجب التطبيق في مسألة التعيين هذه، ووجدت أن هذا الأمر بحاجة إلى إجلاء غموض بعض النقاط القانونية التي يمكن أن تكون غمَّت على البعض بحسن نية أو بسوئها.
ونقطة الابتداء في هذا الموضوع، أن التصدي لمسألة قانونية يمكن ان ينطبق عليها أكثر من نص قانوني هي مسألة في غاية التعقيد - كما يعرف المختصون في هذا الأمر - وهي تسمى في الاصطلاح القانوني مسألة تنازع القوانين، ويتهيب الكثيرون الخوض فيها، ومن ناحية ثانية فإن الأمر بحاجة إلى إعمال قواعد التفسير القانونية لكي نصل إلى المقصود بالنصوص، فلا يكتفى بالأخذ بظاهر النصوص، وإنما الأخذ بالعلّة والغاية من النص، كما يتوجب ربط النصوص مع بعضها وتقديم البعض على البعض الآخر وفقاً لقواعد المطلق والمقيًّد والخاص والعام وغيرها من مبادئ التنازع والتفسير.
وفيما يخصّ المسألة المعروضة، فإنه يمكن القول ابتداءً أن البعض يسمي الدولة الحديثة بدولة الإدارة نظراً لأن الإدارة العامة هي أداة تحقيق التنمية، وهذه التسمية للدولة المعاصرة لها دلالتها الناطقة بخطورة واهمية وظيفتها الإدارية، وحتى تقوم الدولة بهذه المهمة لابدَّ من إسناد هذه الوظيفة لمن هم اهلٌ لها وهو ما يعرف بمعضلة الكفاية في الوظيفة العامة، وهذا ما نصَّ عليه المشرع الدستوري الأردني في البند الثاني من المادة (22) من الدستور الأردني بقوله:"التعيين في الوظائف العامة.. يكون على اساس الكفايات والمؤهلات".
وتتنوع طرق إسناد الوظيفة العامة لشاغليها وتتنوع طبقاً لذلك الشروط الواجب توافرها في هؤلاء الموظفين وكذلك اختصاصاتهم ومسؤولياتهم، بل والمدّة الزمنية لشغل هذه الوظائف، وكل ذلك تبعاً لكل طريقة من هذه الطرق، ومن هذه الطرق بشكل عام: الانتداب والإعارة والنقل وكلها تخصّ موضوعنا المثار، ولذا سيكون الحديث عن طرق التعيين التي لها علاقة بهذا الموضوع وهي: التعيين والحلول والوكالة (الإنابة) والتي يمكن ربطها بموضوعنا على النحو التالي:
اولاً: التعيين
و تتميز هذه الطريقة بأن الموظف يعيَّن أصيلاً في موقعه، ومن ناحية أخرى يكون بصفة دائمة، ويتوجب أن تتحقق في الموظف الشروط المحددة سلفاً لإشغال الوظيفة، وهذه الطريقة في التعيين (أصالةً) هي التي وردت شروطها في الفقرة (ز) من المادة (4) والفقرة (ب) من المادة (5) من قانون ديوان المظالم، حيث يتطلب هذان النصان ضرورة تفرغ من يعين رئيسا لديوان المظالم، (أي من يعيَّن رئيساً أصيلاً لديوان المظالم).
ثانياً: الحلول
وهي طريقة للتعيين في موقع معيّن في حال شغور الوظيفة العامة من الموظف الأصيل وبحيث ينص القانون مسبقاً على هذه الحالة ويحدد من يقوم بالحلول محل الموظف الأصيل المتغيّب وبصورة آليّة وحتى دون صدور قرار بالتكليف، وإذا صدر هذا القرار يكون قراراً كاشفاً وليس منشئاً وكل ذلك محدّد مسبقاً بنصوص القانون التي توقّعت ونظّمت الحلول ولحين زوال المانع المؤقت أو تعيين خلفاً للموظف الأصيل.
و بتطبيق هذه الحالة على موضوعنا نجد أن الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون ديوان المظالم حدّدت أقدم مساعدي رئيس الديوان ليحل محلّه في حالة شغور مركز الرئيس، ولكن هذه المادة قيّدت هذا الحلول بمدة زمنية لا تتجاوز الثلاثة اشهر، وحيث أن أقدم مساعدي الرئيس تولّى هذه المهمة عندما شغر مركز رئيس الديوان لمدة تزيد على ثلاثة اشهر، فتغدو والحالة هذه كل القرارات التي تصدر عنه بعد مرور الثلاثة اشهر صادرة ممن لا يملك حق اصدارها.
ثالثاً: الوكالة او الإنابة
و تؤدي هذه الطريقة الى ممارسة الاختصاصات والصلاحيات من غير صاحب الاختصاص الأصيل بذلك في حال شغور مركز الموظف الأصيل وذلك لتأمين حسن سير المرفق العام وتجنُّب شلل الإدارة العامة.
و تتميز هذه الطريقة في التعيين بما يلي :
أ. عدم تطلّب انطباق الشروط المطلوبة في تعيين الموظف الأصيل على الموظف الوكيل وإلّا كان الموظف الوكيل أصيلاً بدل أن يكون وكيلاً، وبالتالي فإن شرط التفرغ المنصوص عليه في قانون ديوان المظالم هو للرئيس الأصيل وليس للرئيس المكلّف.
ب. تكون مدة ممارسة الموظف الوكيل محدّدة بمدة زمنية لحين عودة الأصيل أو تعيين خلفاً له، وقد أوجب المشرع الأردني أن تكون هذه المدة قصيرة نسبياً بحيث لا تتجاوز سنة واحدة (المادة 92 من نظام الخدمة المدنية).
ج. يطلق على شاغل الوظيفة العامة بالوكالة (مكلفاً بمهام القيام باعمال الموظف الأصيل) وليس معيناً، لأن التعيين يكون للأصيل والتكليف للوكيل.
و للتدليل على ما سبق، فإنه يتطلب شروطاً معيّنة فيمن يعيّن عميداً أصيلاً في الجامعات الأردنية ومن هذه الشروط أن يكون برتبة أستاذ دكتور، ولكن قوانين الجامعات الأردنية أجازت تكليف أحد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة ممن لا يملك رتبة الأستاذية ليقوم بوظائف العميد بالوكالة.
كما أود التنويه هنا إلى أن ما أثير في بعض الوسائل الإعلامية من حيث أي النصوص هي الواجبة التطبيق، هل هو نص قانون ديوان المظالم أم نصوص نظام الخدمة المدنية ؟
في الإجابة عن هذا التساؤل نقول ان تنازع القوانين يثور حينما ينظم نصيّن قانونيين مسألة واحدة، وبحيث يكون هناك تعارض بين هذين النصّين، وهو ما لم يحصل في حالتنا هذه، وذلك لأن قانون ديوان المظالم لم ينظّم مسألة شغور منصب رئيس الديوان لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، فكيف نطبّق نصوص هذا القانون مع مسألة لم ينظّمها إلا إذا أراد البعض تمديد مدة الثلاثة أشهر ليّا للنصوص ودون سند قانوني، فالمسألة ليست مفاضلة-كما صوَّر البعض - بين قانون ونظام، ولا هو تنازع بينهما، وبناء على ذلك فهو لا يشكل مخالفة لمبدأ تدرج القاعدة القانونية، فصحيح أن القانون أعلى مرتبة من النظام، ولكن القانون لم ينظم المسألة المثارة، وبالتالي لا مناص من تطبيق التشريع الذي ينظم هذه المسألة وهو نظام الخدمة المدنية وتحديدا المادة 92 / ا منه والتي تنص على انه :
اذا شغرت في اي دائرة وظيفة من وظائف الفئة العليا او ما في حكمها او تغيب شاغلها لأي سبب، فيجوز اشغالها بالوكالة من موظف آخر من موظفي الدائرة نفسها أو من دائرة أخرى عند الضرورة للقيام بمهام تلك الوظيفة وأعمالها بالاضافة الى وظيفته الأصلية لمدة لا تزيد على سنة واحدة.
وهذا النص ناطق بما فيه، وبمعنى آخر فلا تنازع ولا تعارض بل تكامل ما بين القانون والنظام.
و أخيراً أجد نفسي ملزماً بالقول أن شغل الدكتور نوفان العجارمة لمنصب رئيس ديوان المظالم لم يضف له قيمة معنوية أو مادية، إلا التوفير على الخزينة من خلال عدم تعيين رئيس لمدة انتقالية حتى يخرج مركز النزاهة إلى النور.