مركز الرأي للدراسات
اعداد :أ.د. ماهر لطفي سليم
كانون ثاني 2014
مقدمة
يعد موضوع الحاكمية (Governance) من الموضوعات الحديثة نسبيا، إذ بدأ استخدام هذا المصطلح بشكل واسع في الشركات بدايةً التسعينات من العقد الماضي وبالتحديد عام (1972)، وجاءت الحاكمية آنذاك لسد الفجوة التي يمكن أن تحدث بين مديري الشركات من جراء الممارسات السلبية التي يمكن أن تضر بالشركات وبالصناعة.
وقد انتقل هذا المفهوم إلى الجامعات عام 1983 ليعبر عن الأزمة الحقيقية التي تمر بها الجامعات والحلول المقترحة لها، تلك الأزمة التي تتمثل في أن هناك إدارات جامعية وضعتها السلطة التنفيذية فوق الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، لتكون مهمتها اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون هؤلاء، دون أن يكون لأي منهم (الطلبة، أعضاء هيئة التدريس) رأي حول مناقشة هذه القرارات أو الاعتراض عليها. وهو ما يضعف تطور الجامعة بوصفها المؤسسة الأكاديمية المفترض فيها إعادة صياغة التوجهات الثقافية والعرفية والعلمية للمجتمع، بسبب وضع القرار في يد طرف واحد من أطراف المؤسسة الجامعية، ووضع باقي الأطراف من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في وضع المٌلتقي لهذه القرارات والملتزم بتنفيذها دون مناقشة. فعلى سبيل المثال تؤخذ القرارات المتعلقة بالمناهج التعليمية دون أن يكون للطلبة حق المشاركة في صياغة خطط هذه المناهج والهدف منها، وكذلك الاتحادات والأسر الطلابية باعتبارها كيانات الهدف منها تدريب الطلبة على المشاركة في الحياة العامة وتعزيز قيم الديمقراطية واحترام الآخرين.
إنّ النهوض بالتعليم الجامعي يتطلّب منظومة متكاملة للحاكميّة الجامعيّة، تشمل جميع قيادات اتخاذ القرارات ومصادره. لذا، تُعد حاكميّة الجامعات مفتاح بلوغ التعليم العالي لأعلى المستويات قيمة ومضموناً. ويقتضي النهوض بوظائف الجامعة (التدريس، البحث العلمي، خدمة المجتمع) تطوّر الحاكميّة والأداء المؤسسي فيها بما يضمن الشفافيّة، والمساءلة، والمشاركة المؤسّسية لجميع الأطراف، وفق المرجعيّة التشريعيّة الناظمة للعمل، بحيث تسير القرارات الأكاديميّة الجامعيّة حسب الأصول العلميّة في مجالس حاكميّة الجامعة، كما أن ما تُعانيه بعض الجامعات من ضعف في الحاكميّة بسبب تعدّد الجهات الرقابيّة وجهات التدخّل، والعلاقات الشخصيّة يؤدي إلى عدم احترام توصيات مجالس الحوكمة فيها وقراراتها، وبذلك تضيع هذه الجامعات بين المزاجيّة وسرعة التغيّرات، وينعدم العمل المؤسّسي والأصول الأكاديميّة فيها.
وتأسيساً على ما سبق، نجد أن الجامعات العربيّة تحتاج إلى إدراك أهميّة تبنّيها معايير الحاكميّة، والغرض الذي من أجله تم إنشاء هذه الجامعات ودورها في عمليّة التنمية والمساهمة في التحوّل إلى الاقتصاد المعرفي وعالم المعلوماتيّة، وعلى وزارات التعليم العالي والبحث العلمي العربيّة وضع وثيقة في شكل قواعد ملزمة أو استرشادية تستلهم منها الجامعات مسؤولياتها ذات العلاقة بالحاكمية. إن مثل هذه الوثيقة ستشكّل خريطة طريق للجامعات، وعلى الجامعات القيام بعمليّة إصلاح لنظامها الإداري وتبنّي هياكل تنظيميّة أكثر كفاءة وأكثر عصريّة.
وبذلك فإنّ إرساء قواعد الحاكميّة في إدارة شؤون الجامعات يحتاج إلى إدارة التغيير أكثر من التغيير نفسه، لأن كثيراً من المتطلّبات ليست بحاجة إلى تعديل التشريعات القانونيّة، وإنّما إلى تفعيل ما هو موجود وتطبيقها بشفافية ضمن سياسة تعظيم الانجاز، وتوسيع أبواب المساءلة ومراقبة الأداء في الإصلاح الحقيقي للتعليم الجامعي وتطويره بمنهج إدارة حكيمة تكون الواقعيّة أساس مقوماته، والرؤية المستقبليّة من أهم مستلزماته.
وإنّ تبنّي نظام الحاكميّة في الجامعات يتطلّب وجود تعدّدية وشمولية واضحة في أنماط الحاكميّة، إضافة إلى المشاركة الواسعة لأصحاب المصالح عند مستوى القرارات الاستراتيجية وتخصيص الموارد، ووجود آليات رقابية بين أصحاب المصالح تمكّنهم من التعامل مع الإدارة التنفيذيّة وتوجيه سلوكهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر لابد من وجود رقابة داخليّة مشكّلة من مجلس الحاكميّة وتقدّم تقريرها عن مدى الالتزام بالأنظمة والتعليمات، ومدى كفاية وكفاءة نظام الرقابة الداخلي بالجامعة.
لذا، يمكن القول بأن حاكميّة الجامعات هي منظومة متكاملة مكوّنة من مجموعة من العناصر البشريّة والماديّة المتكاملة والمتفاعلة التي تخلق الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يُسبّب فقدانها خللاً كبيراً في عمليّات الجامعة، ومن ثم مخرجاتها .
وبعامة، لتطبيق الحاكمية في الجامعة أهمية بارزة في عالمنا المعاصر وفي عصر الحكمة القادم، إذ أن تطبيقها يعمل على تعظيم قيمة الجامعة وقدرتها التنافسية وبخاصة في مجال مخرجاتها ووضعها الاقليمي والعالمي، وبذلك فهي تعمل على تحديد الاتجاه الاستراتيجي للجامعة عن طريق اتخاذ القرارات الاستراتيجية الصائبة للمحافظة على الموارد والمكاسب المادية والمعنوية للجامعة، وبذلك يخلق تطبيق الحاكميّة مناخاً جيداً للعمل الجماعي الذي يسعى لبلوغ غايات محددة، وهي موجهة للاستخدام الأمثل لموارد الجامعة وتعزيز المساءلة، كما وأن حُسن توزيع المهمات والخدمات وإدارتها، وتطبيقها، يخفف من أوجه الاختلاف في الجامعة ويزيد من حالات الاندماج والتفاعل بين أصحاب المصالح، وبذلك تكمن أهمية الحاكمية في أنها منظومة شاملة إذا ما استثمرت في الجامعات وفق منهج علمي منظم، فإن ذلك يكسبها القدرة على التكيف مع متغيرات البيئتين الداخلية والخارجية. وتقليل وجهات النظر المختلفة وزيادة الإندماج مع أصحاب المصالح بما يسهم في تحقيق الميزة التنافسية في جودة مخرجاتها المادية والمعنوية وفي سمعتها الأكاديمية والعلميّة المحلية والاقليمية والدولية، ومدى حصولها على الاعتماد العالمي.
وبناءً على ذلك فإن الحاكمية ليست مجرد إدارة شاملة للجامعة بل هي أوسع نطاقاً وأعم مفهوماً، فهي منظومة متكاملة تتمثّل في مجموعة التشريعات التي تهدف إلى تحقيق جودة العمليات والمخرجات، والإدارتين الأكاديمية والإداريّة وغيرهما، وذلك من خلال اختيار الاستراتيجيات المناسبة لتحقيق غايات الجامعة، وهي أيضاً مجموعة متكاملة من العناصر البشريّة والماديّة المتكاملة والمتفاعلة التي توجد الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يسبب فقدانها خللاً كبيراً في عمليات الجامعة، ومن ثم في مخرجاتها.
وتأسيساً على ما سبق، أصبحت الحاكمية مسألة بالغة الأهمية في مجال التعليم العالي الذي واجه ويواجه تغييرات جذرية خلال العقود الأخيرة، منها:
-تزداد الضغوط على مؤسسات التعليم العالي من تنامي الطلب الاجتماعي على التعليم العالي والمرتبطة بزيادة النمو السكاني، وخاصة مع عدم إمكانية تلبية هذا الطلب لجميع المتقدمين نتيجة للطاقة الاستيعابية المحدودة للجامعات.
-ظهور برامج جديدة من التعليم قدمت من المؤسسات التعليمية المختلفة سواءً الحكومية أو الخاصة.
إضافةً إلى أنماط جديدة من التعليم كالتعليم الإلكتروني والتعلم المدمج والتعليم عن بعد.
-ضعف البنى البحثية وقلة فرص البحث العلمي. والذي يتخذ عدة أشكال منها التوسع في البرامج ( ولا سيما الدراسات العليا) التي تقل متطلباتها البحثية من مختبرات وكوادر إضافةً إلى ضعف ثقافة البحث العلمي لدى مؤسسات القطاع العام والخاص، وضعف الصلة بين المشاريع البحثية الجارية في الجامعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقضايا القطاعات الانتاجية.
-إنَّ التصنيف العالمي زاد من الضغوط من أجل تطبيق الحاكمية في الجامعات. فالتصنيف العالمي لكبارالجامعات يرتبط بثلاثة عوامل متصلة هي: تركيز الموهبة، وتوفر التمويل والحاكمية. إن الاستقلالية التي تسمح للمؤسسات بإدارة مواردها الخاصة بها باقتدار، وعلى القدرة لاستجابة بسرعة لمتطلبات السوق العالمية المتغيرة، ولكن هذه العوامل ليست كافية للترشيح والحفاظ على الجامعات ضمن التصنيف العالمي. بل هناك حاجة إلى غيرها من السمات الحاسمة للحاكمية. مثل القادة الملهمين، والرؤية الاستراتيجية القوية للاتجاه المؤسسي، وفلسفة النجاح والتميز، والتطوير والتغيير التنظيمي.
وأمام كل هذه التحديات تشكل حاكمية الجامعات دافعاً لإحداث التغيير ومواجهة التحديات، إذا أنّ كيفية إدارة المؤسسات هي من بين العوامل الأكثر حسماً في تحقيق أهدافها.
لذا أصبحت حاكمية الجامعات عنصراً حيوياً من شأنها أن تسمح للقائمين على تلك المؤسسات بتصميم وتنفيذ ورصد وتقييم كفاءة وفاعلية الأداء.
مبادئ الحاكمية
تقوم الحاكمية على ثلاثة مبادئ هي :
-الشفافية، وتعني تصميم النظم والآليات والسياسات والتشريعات وتطبيقها، وتُعد من المعايير العالمية المهمّة في تصنيف الدول وترتيبها وحتى الجامعات ، إذ أنها آلية لقياس درجة تطبيق الحاكمية في المجتمع، وهي تجيز للأفراد الحصول على المعرفة والمعلومات المتعلقة بالحاكمية بحيث تمكّنهم من اتخاذ القرارات ذات التأثير المشترك . وتعني الشفافية الوضوح لما يجري ويدور داخل الجامعة، مع سهولة تدفق المعلومات الدقيقة والموضوعية وسهولة استخدامها وتطبيقها فعلاً من قِبل العاملين في الجامعة. إن هذا الوضوح يعني أن طلبة الجامعات يستطيعون وبكل سهولة الإفصاح لقيادة الجامعة عما يدور بخلدهم وعن مشكلاتهم واحتياجاتهم، مما يولّد حواراً منتجاً ما بين قيادات الجامعة والطلبة. وتشكل اللقاءات المفتوحة تحدياً لتفكير الطلبة وتحفّزهم على المشاركة وتسهم في تغطية قيم الحوار والتواصل البنّاء ما بين قيادات الجامعة وطلبتها .
-المشاركة، وهي إتاحة مجالس الحاكميّة للهيئتين الأكاديمية والإداريّة، والطلبة، والمجتمع، المشاركة في رسم السياسات، ووضع قواعد العمل في مختلف مجالات الحياة الجامعيّة ، وإتاحة الفرص لطلبة الجامعة أن يكون لهم دور في عملية صنع القرار ، ولابد الحاكمية الجيدة أن تحتوي على كل مضامين المشاركة لمساندة قيادة الجامعة ومجالس الحاكميّة فيها كأنموذج في تطبيق سياسات الجامعة.
-المُساءلة، وتعني تمكين ذوي العلاقة من الأفراد داخل الجامعة وخارجها من مراقبة العمل دون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل أو الإساءة إلى الآخرين ، فضلاً عن تطبيق الأنظمة والتعليمات بكل شفافية على جميع العاملين في الجامعة وعلى طلبتها ، وتُعد المُساءلة الوجه الآخر للقيادة، ودونها تكون القيادة دكتاتورية ، وهي التزام يُلزم الآخرين بالمحاسبة أو الإجابة عن المسؤولية التي تسند إليهم .
مجالات الحاكميّة
?أكّدت العديد من الدراسات أن مجالات الحاكميّة في الجامعات متنوعة ومختلفة ، ولكنها مرتبطة بحلقات سلسلة واحدة، تجمع بين كل منها لتؤثر في الآخر وتتأثّر به، وتعمل على تحقيق اهدافها جميعها وهي :
المجال الأول: تأسيس فكرة الالتزام وثقافته: إذ تقوم فلسفة الحاكمية على إثراء فكرة الالتزام واخصاب ثقافته، وهو فكر ارتقائي بنائي، قائم على تأسيس المضمون التعليمي والأخلاقي واسع المدى .
المجال الثاني: تحقيق المصداقية وزيادة عناصر الثقة: إذ أن تحقيق المصداقيّة وزيادة الثقة في البيانات والمعلومات التي يتم نشرها عن الجامعة، وما تتضمنه تقارير، وايضاح ما يحدث ويتم فيها تُعد من أهم مجالات الحاكميّة وتنعكس إيجابياً على عمليات الجامعة ومخرجاتها .
المجال الثالث: تحسين الشفافية وتحقيق الوضوح: إذ تستخدم الحاكمية كأداة تنوير واستنارة وإلقاء الضوء على الجوانب المختلفة القائمة بالجامعة، وبالتالي التقليل من الضبابية، وعدم الوضوح، واللبس، والظلمة. وكلما كانت الحاكمية قوية كانت أكثر فاعلية، كونها تحسن من درجة الشفافية والوضوح .
المجال الرابع: توفير عناصر الجذب الاستثماري المحلي والدولي: إن الحاكمية ليست هدفاً بذاتها ولكنها وسيلة للوصول إلى تحقيق أهداف متعددة تتعلق بالجامعة واستراتيجيتها .
المجال الخامس: تحقيق العدالة وتطبيق مبدأ (على قدم المساواة): إذ تقوم الحاكمية في هذا المجال على تهيئة الفرص المتاحة للجميع وعلى تطبيق هذا المبدأ مما يزيد من الشعور بالعدالة والإنصاف، وبالتالي الأمان، وبما يقضي على حالات العجز والطمع والفساد .
المجال السادس: حُسن إدارة الجامعة: إذ تعمل الحاكميّة على إدارة الجامعة وخاصة فيما يتعلق بعمليات التخطيط، أو التنظيم أو التوجيه أو المتابعة بكفاءة وفعالية، ومن ثم تزداد بمقدرته الإدارية للجامعة من خلال تحديد الأهداف الخاصة بكل نشاط، وتحديد البرامج التنفيذية، وحشد الموارد والإمكانات الكفيلة بتنفيذ هذه الأهداف .
المجال السابع: زيادة الفاعلية والاهتمام: إذ تقوم الحاكمية بدور شديد الأهمية في زيادة الفاعلية للجامعة، ويجعل حاضرها ومستقبلها واعداً من خلال عدة وسائل منها: جودة المخرجات والارتقاء بنوعيتها، واكتساب مزايا تنافسية بخرّيجيها .
وفضلاً عن المجالس المختلفة، فإن الجامعة تراقب من خلال عدة لجان من أهمها اللجنة المالية، والتي عليها أن تقدم تقاريرها إلى المجلس العام حول الأنشطة والتصرفات المالية التي حدثت في الجامعة، ولجنة المراجعة التي تتألف من عضوين غير تنفيذيين وثلاثة أعضاء تنفيذيين، ومن مهماتها مراجعة أنظمة الرقابة الداخلية بالجامعة، وإدارة المخاطر، ومراجعة فعالية كفاءة النظام المالي في الجامعة، والتقرير عن مراجعة حسابات الجامعة، والتوصية بتعيين المرجع الخارجي .
ومن بين المهمات الرئيسة في إدارة الجامعة المراجعة الداخلية التي يجب عليها ومن خلال لجنة المراجعة، أن تقدم تقاريرها إلى المجلس العام، وإلى المدير التنفيذي للجامعة حول كفاءة إدارة المخاطر وملاءمتها، والرقابة الداخلية، وترتيبات الحاكمية في الجامعة، لذلك على المراجعين الداخليين بالجامعة تقديم ضمانات معقولة (Reasonable assurance) حول هذه الأمور.
نماذج الحاكمية
هناك أربعة نماذج واضحة للحاكمية تتلخص في الآتي:
-النموذج الأكاديمي Academic Model
- نموذج الشركات The corporation model
- نموذج أصحاب المصالح Stakeholder
- نموذج الأمناء model Trustees
تُعد نماذج الحاكمية التي يقودها الأكاديميون النماذج الأكثر تمسكاً بالتقاليد، وهي نماذج قائمة على الإفتراض بأنه يتعين أن تخضع الجامعات لحاكمية الموظفين الأكاديميين. وهناك عدة طرق لتبني مثل هذا النهج، منها: من خلال منح سلطات اتخاذ القرار للمجلس أكاديمي أو لمجلس الأمناء، أو من خلال وجود تمثيل فعال للموظفين الأكاديميين في مجالس الحاكمية، أو عبر تعيين أحد الأكاديميين البارزين كرئيس أو مسؤول في المؤسسة. ففي الحاكمية الأكاديمية، يكون للموظفين الأكاديمين التمثيل الأوسع والرأي الأقوى في تحديد رسالة الجامعة.
إن الحاكمية من خلال مجلس الأمناء، مقابل الحاكمية من خلال نموذج أصحاب المصلحة، تمنح الإدارة سلطات مجلس الأمناء، وهذا يأتي عادة على هيئة مجلس أمناء له أعضاء غير منتجين داخل الجامعة، كما وأن هؤلاء لا يمثلون مختلف أصحاب المصلحة. ويكون لمجلس الأمناء عادة مسؤوليات منها ما يتعلق بواجب الأمانة وأخرى تتعلق بالغاية الواجبة لحماية الوصاية، بما في ذلك الإعلان عن أية عوامل تشكل تضارباً في المصالح والوصاية. إنَّ نموذج أصحاب المصالح يحدث عندما تكون الحاكمية مسندة إلى مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك الطلبة، الموظفون الأكاديميون، الخريجون، الشركات الداعمة، الحاكمية، والمجتمع المحلي.
مراحل تطبيق الحاكمية في الجامعات
أكّدت العديد من الدراسات التي بحثت في حاكميّة الجامعات أن هناك مجموعة معايير تعكس وتوضّح القيم التي تسود وتؤثّر في حاكميّة الجامعات هي:
- وجود قوانين وأنظمة وتعليمات توضّح أفضل أساليب ممارسة سلطة مجالس الحاكميّة في الجامعة (مجلس الأمناء، مجلس الجامعة، مجلس العمداء، مجالس الكليات، مجالس الأقسام) وقيادتها الإدارية.
-مدى المشاركة النسبيّة للموظّفين والمجتمع المحلّي من غير أعضاء مجالس الحاكميّة والمديرين في صنع القرارات، وفي توجيه مسار العمل في الجامعة.
-مدى تحمّل مجالس الحاكميّة والموظّفين في الجامعة لأدوارهم.
-مدى وجود لجان رئيسة تابعة لمجالس الحاكميّة تتناول الأعمال التي تحتاج إلى بحث ودراسة تفصيليّة.
-مدى درجة الإفصاح عن رواتب أعضاء مجالس الحاكميّة والموظّفين ومكافآتهم، وما يتّصل بها من إنجازات وأعمال تم القيام بها.
درجة تطبيق معايير ضمان الجودة المحليّة والعربيّة والإقليميّة.
وتُعد المعايير أعلاه مرتكزات أساسيّة لخمس مراحل مقترحة لتطبيق الحاكمية في الجامعات، والتي تتمثل في الاتي:
المرحلة الأولى: إشاعة ثقافة الحاكميّة وتكوين الرأي العام المؤيّد لها: وهي أهم المراحل إذ يتم فيها توضيح معالم الحاكميّة وجوانبها، وأبعادها والمفاهيم الخاصّة بها، ومناهجها وأدواتها ورسائلها. وفي هذه المرحلة يتم التفريق بين الحاكميّة بوصفها ثقافة وسلوكاً والتزاماً، وبين الحاكميّة بوصفها أساساً للمعاملات النزيهة.
المرحلة الثانية: مرحلة بناء الحاكميّة: في هذه المرحلة يتم وضع بنية أساسية قوية قادرة على استيعاب حركتها ومقتدرة على التفاعل مع متغيّراتها ومستجدّاتها، وهي بنية مركّبة ومتشعّبة وممتدة. تتكوّن من بنية أساسية فوقية للحاكميّة، وتشمل مجالس الحاكميّة وجهات الإشراف على تطبيقها على مستوى الجامعة. وبنية أساسية تحتية للحاكميّة، تشمل الأساس القاعدي، والأخلاقي، والقيمي.
المرحلة الثالثة: وضع خطّة إجرائيّة للحاكميّة: وفي هذه المرحلة يتم تحديد الأعمال والمهمّات والواجبات.
المرحلة الرابعة: تنفيذ الحاكميّة وتطبيقها: وتُنفّذ بشكل دقيق مع التطوير والمراجعة المرحليّة لكل خطوة، وفيها تبدأ الاختبارات الحقيقيّة، وقياس مدى رغبة كافّة الأطراف لتطبيق الحاكميّة واستعدادهم.
المرحلة الخامسة: متابعة الحاكميّة وتطويرها: في هذه المرحلة يتم التأكد من حُسن تنفيذ جميع المراحل السابقة، إذ تُعد الرقابة والمتابعة الوسيلة والإدارة الرئيسة التي تستخدمها الجامعة من أجل حُسن تنفيذ الحاكميّة، وهي رقابة ذات طبيعة اشتقاقيّة تكامليّة لها وظيفتان: الأولى: وقائية ابتكاريّة والثانية:علاجيّة.
دور الطلبة في الجامعات التي تطبق الحاكمية
تتميّز الحاكميّة في الجامعات عن أي نظام إداري آخر بأن الطالب هو محورها الأول ومحور جميع عملياتها، فإذا كانت الحاكميّة تقوم على مشاركة الطلبة في صناعة السياسات والقرارات والآليات التي تسمح للجامعة بتحقيق أهدافها في تقديم خدمة تعليميّة متميّزة ومراقبتها وتقييمها ومن ثمّ تطويرها، فكيف يمكن ترجمة هذا في حيّز التطبيق العملي وبشكل إجرائي يمكن على أساسه قياس مستوى مشاركة الطلبة في إدارة الجامعة.
يتطلّب هذا في البداية وجود نظام لمحاسبة جميع الأطراف، يتحدّد فيه دور كل طرف ومسؤولياته، ويُقيم أداؤه بطريقة مُعلنة وشفافة، وفقاً لطبيعة الدور وحجم المسؤوليات المنوطة به، وهو ما يعني في هذه الحالة إعادة صياغة العلاقة بين إدارة الجامعة وطلبتها.
وفي هذا الإطار يمكن أن تتنوع مهمات وأدوار الطلبة بين المشاركة في وضع سياسة الجامعة والقرارات الإدارية فيما يتعلق بالأمور الأكاديمية وغير الأكاديمية، التي تؤثر عليهم بطريقة مباشرة، فممارسة الطلبة لهذا الدور تُعد من الأمور المهمة لتنمية شخصياتهم، وتدريبهم على التفكير والفهم العميق للمشكلات، وتسهم في بناء حالة من التوافق بين الطلبة وأعضاء الهيئتين التدريسيّة والإداريّة، وهو ما يُنمي انتماءهم وولائهم للجامعة، كما ينمي قدراتهم المستقبلية على التعامل مع مشكلاتهم المجتمعيّة، ومن ثم انتماءهم وولائهم للمجتمع.
ومن بين ما يُلقى على الطلبة من مهمات إيجابيّة في إطار تطبيق الحاكميّة في الجامعة ومشاركتهم في مسؤولية وضع خطط الأنشطة الطلابيّة خارج قاعات الدراسة، أو في أماكن تواجد الطلبة في الكليات وأماكن مُزاولة للأنشطة، والتي يجب أن تتمتّع بأوسع قدر من الحرية.
مما يمنحهم إحساساً حقيقياً بالمسؤولية، ويشعرهم بأن لهم دور مهم في الجامعة، وأن لآرائهم الأثر الكبير في تطوير الجامعة وتفعيل دورها الداخلي والخارجي.
كذلك فإن لمشاركة الطلبة لإدارة الجامعة في اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير البرامج التعليمية، أو في إدخال برامج تعليميّة جديدة، تلبّي احتياجاتهم واحتياجات المجتمع المحلي، أثرها البالغ في شعورهم بالدور المُلقى على عاتقهم، كما وأن مشاركتهم في تقييم الإدارة الجامعيّة، وتقييم أساتذتهم، وفي تقييم البرامج التعليميّة سيّولد لديهم احساساً بالمسؤوليّة، وهو ما سوف يكون له مردود مفيد جداً على تطوير العملية التعليمية بكاملها والذي سيؤدي في النهاية إلى جودة المخرجات، كما ويجب أن يُعطى الطلبة في ظل تطبيق الحاكميّة فرصة كبيرة للمشاركة في إعادة تشكيل المناخ الجامعي بمنحهم أكبر مساحة لتكوين الكيانات التي يريدون تكوينها وليست المفروضة عليهم فقط، مثل الأُسر الطلابية، بجانب بناء اتحاداتهم الطلابية بشكل ديمقراطي، وهو ما يدربهم عملياً على مهارات القيادة الحكيمة والمشاركة السياسية.
هذه المسؤوليات وأوجه المشاركة المتعددة يجب أن يمارسها الطلبة في ظل أعلى سقف متاح من الحرية، حتى تتضح فيه مسؤولياتهم، ويمكن بناءً على هذا تقييم آدائاتهم ومحاسبتهم، وهو الشيء الذي لن يتحقق إلا إذا كان هناك إيمان حقيقي داخل المجتمع الجامعي بأن الشباب قادر بمبادراته وإبداعاته على أن يسهم مساهمة حقيقية في تطوير العملية التعليمية، وتطوير الجامعة، بل وتطوير المجتمع.
الاثار السلبية التي قد تنتج عن عدم تطبيق الحاكمية في الجامعات
تعد الحاكمية الجامعيّة من أهم الأنظمة الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة، جودة القيادة والإدارة والأداء، وجودة العمليات، والمخرجات، كما أن التعليم العالي بمؤسساته يمثل الأرضية المناسبة لتطبيق قواعدها ومبادئها، وخير مثال على ذلك نجاح المملكة المتحدة في تطبيقها للحاكمية في جامعاتها، إذ أسهم ذلك وبشكل واضح وفاعل في بلوغ تلك الجامعات مراكز متقدمة في التصنيف العالمي للجامعات.
لذا، عند تطبيق الحاكمية في الجامعات يجب أن يشمل ذلك جميع مكوناتها، انطلاقاً من أن الجامعة تعد نظاماً متكاملاً، ومكوناً من مجموعة من العناصر المتداخلة والمتشابكة والمتفاعلة التي تسعى لتحقيق أهداف محددة. ولكن في حال عدم تطبيق الجامعات للحاكمية فإن ذلك سينعكس سلبياً على قواعد الحاكمية ومبادئها وبالتالي على عملياتها ومخرجاتها وقياداتها وإدارتها، وعلى بيئتيها الداخلية والخارجية، ويتمثل ذلك في الآتي:
الشفافية: إن غياب الشفافية سيؤدي إلى:
-عدم قدرة الجامعة على الوصول إلى ترتيب متميّز ضمن التصنيف العالمي للجامعات، إذ تعد الشفافية من المعايير المهمة في التصنيف العالمي للجامعات.
-عدم أو ضعف تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات على جميع العاملين في الجامعة والطلبة بدقة وموضوعيّة.
-عدم قدرة الأفراد على الحصول على المعرفة والمعلومات المتعلقة بالحاكمية تمكنهم من اتخاذ القرارات الدقيقة والموضوعية وسهولة استخدامها وتطبيقها فعلاً من قبل العاملين في الجامعات.
-غياب الحوار المنتج والمستمر ما بين قيادات وإدارات الجامعة أنفسهم، وما بين منتسبي الجامعة، أو بينهم وبين الطلبة، وانعدام الاتصال والتواصل بين جميع الأطراف في جميع عمليات الجامعة.
-عدم القدرة على تحديد الأدوار والمهمات للقائمين بالعملية التعليمية والإدارية بدقة وشفافية وموضوعيّة.
-عدم القدرة على اختيار القيادات والإدارات الجامعية، وكذلك أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية بشفافية وعدالة وموضوعيّة.
•المُساءلة: إن غياب المُساءلة سيؤدي إلى الآتي:
-عدم القدرة على تطبيق الأنظمة والتعليمات بكل شفافية وموضوعيّة على جيمع العاملين في الجامعة وطلبتها.
-عدم وجود تقارير دقيقة تقدمها لجان المراجعة والمراقبة في الجامعة لمعرفة مدى فعالية وكفاءة النظام المالي في الجامعة، وإعداد تقارير دقيقة عن مراجعة حسابات الجامعة.
-عدم وجود آليات مراقبة بيد أصحاب المصالح تُمكنهم من التعامل مع الإدارة التنفيذية وتوجيه السلوك من خلال آليات الانتخاب المتكررة.
-عدم قدرة الجامعة الإفصاح للمجتمع أو منتسبي الجامعة عن قوائمها المالية مرفقاً به تقارير منفصلة من قبل مراجعي الحسابات، بسب عدم وجود نظام متكامل للتقييمين الداخلي والخارجي ومتابعة العمل.
المشاركة: إن غياب المشاركة سيؤدي إلى الآتي.
-عدم مشاركة قيادات الجامعة وإدارتها، والهيئتين الأكاديمية والإدارية والطلبة والمجتمع في رسم السياسات العامة للجامعة، أو الأنظمة والتعليمات.
-عدم إتاحة المجال للطلبة في صنع القرارات الخاصة بالجامعة أو المشاركة في إعدادها.
-عدم مشاركة أصحاب المصالح في القرارات الإستراتيجية للجامعة.
-عزوف أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية والطلبة عن المشاركة في أنشطة الجامعة كافة وفي تحمل المسؤولية المجتمعية.
وتأسيسا على ماسبق ،فعند الامعان في القواعد الثلاث للحاكمية كنظام نجد أن هناك تفاعلات تحدث مابينها، وإن إنعدامها أو ضعفها سيؤدي إلى خلل في التفاعل، وهذا سيؤدي إلى الآتي:
-زيادة قوة الفساد، إذ تكون قواعد الحاكمية وتفاعلاتها ضرورية لمحاربة الفساد ومقاومته والتخلص من أضراره. وانتشار الفساد الأكاديمي الذي يعد أكبر تهديداً لمشروعات الإصلاح القائمة في الجامعات، والذي تتجسد أبرز مظاهره في المتاجرة بالسلطة الأكاديمية للانتفاع الشخصي.
-زيادة الطرد الاستثماري وبخاصة في الجامعات الخاصة، أو الشراكة مع المؤسسات الاقتصادية، إذ لا يستطيع أي مستثمر أن يستمر في جامعة ما تعاني من انتشار الفساد، وبالتالي عدم الاستمرار والتواجد في الجامعة.
-فقدان الجامعة لمصداقيتها سواء بالنسبة لعملياتها أو مخرجاتها.وشيوع حالات اللامسؤولية، وعدم الالتزام العملي أو الأخلاقي أو المهني، في ظل ضياع كامل الحقوق والالتزامات.
-زيادة حالات الاغتراب والانفصال عن الواقع، إذ يميل الجميع إلى استخدام التزييف والتزوير واستخدام كافة الأساليب غير المشروعة لإظهار الأمر على غير حقيقته، مما يؤدي إلى خلق واقع زائف مصطنع لا يُعبر عن حقيقة أوضاع الجامعة.
-زيادة عدم الالتزام وعدم الشعور بالواجب وعدم الرغبة في تحقيقه، بحيث لا يلتزم العاملون بالتعليمات النافذة وسيادة الرشوة والمحسوبية وانقلاب المعايير.
-شيوع أعمال الشغب والعنف الطلابي، بسبب غياب المُساءلة والمشاركة والشفافية.
-عدم القدرة على تشكيل مجالس الحاكمية بشكل ديمقراطي وإن وجدت فهي غير قادرة على القيام بمهماتها على أكمل وجه وعلى تحمل مسؤوليتها.
-الإنغلاق، وعدم الانفتاح على المجتمع وتقصي احتياجاته، وعدم تحمل الجامعة لمسؤولياته المجتمعية.
-عدم وجود رؤية أو سياسة واضحة لتنمية قدرات القائمين على العمل الجامعي والارتقاء بمهاراتهم وقدراتهم العلمية وتغيير أنماط تفكيرهم، بدءاً بالطالب وانتهاءً برئيس الجامعة، وهذا سينعكس سلباً على العملية التعلمية والبحثية.
التوصيات
انطلاقاً من أن حاكمية الجامعات تعد منظومة متكاملة من مجموعة من العناصر البشرية والمادية المتكاملة والمتفاعلة تولد الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يسبب فقدانها خللاً كبيراً في عملياتها ومن ثم في مخرجاتها، ومن نتائج هذه الدراسة، يمكن التوصية بالآتي:
-التوسع في أعداد أعضاء مجالس الحاكمية في الجامعات العامة ومجلس الأمناء بخاصة بحيث يتناسب ذلك وحجم الجامعة مع التركيز على أعضاء المجتمع المحلي من ذوي الاختصاصات المرتبطة بتخصصات برامج الجامعة.
-تفعيل مجالس الحاكمية في الجامعات بحيث تتحمل مسؤولياتها المجتمعية والوطنية بكافة مجالاتها.
-العمل على تطوير التشريعات التي تتضمن الاستقلال الحقيقي للجامعات من مختلف الجوانب الإدارية والمالية.
-إشاعة ثقافة الحاكمية بما تتضمنه من مبادىء الشفافية، والمساءلة والمشاركة. الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الارتقاء بأداء الجامعات وكفاءتها وبالتالي وصولها الى العالمية في التصنيفات المختلفة.
-مراجعة أنظمة حاكمية الجامعات ومفاهيمها ومدى تطبيقها، سنوياً من أجل تعديل البنود غير الفاعلة، ووضع أنظمة تتماشى مع وضع الجامعة ومتطلبات الطلبة والموظفين بوضوح، ومع التوجهات العالمية في حاكمية الجامعات.
- إعداد برامج توعوية للطلبة ولأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية وبخاصة الجدد منهم من خلال ندوات ومحاضرات وورش عمل عن الحاكمية ومبادئها ومجالات تطبيقها.