مركز الرأي للدراسات
د. هزاع عبد العزيز المجالي
تشرين الثاني 2014
اولاً: البعد التاريخي للوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس
لم تكن الولاية على الأوقاف الإسلامية والحرم القدسي محل جدل، عندما كانت المدينة خاضعة لإدارة إسلامية خلال الحكم العثماني لفلسطين، والذي استمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. فقد كانت الكلمة الأخيرة في شؤون المقدسات من اختصاص الخليفة العثماني. غير أن الأمور ما لبثت أن تغيرت بعد دخول الجيوش البريطانية بقيادة الجنرال (إدموند اللنبي) عام 1917م. إلى المدينة إثر انسحاب الجيوش العثمانية منها. فقد أصبحت القدس خاضعة لإدارة عسكرية أجنبية، ما لبثت أن تحولت إلى مدنية بعد قرار فرض الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، وإيكال أمر إدارة شؤونها للسير (هربرت صموئيل(.
ويشير المؤرخون في تلك الحقبة إلى أن الهاشميين بدأوا منذ عام 1923 بالمساهمة في ترميم الأماكن المقدسة في مدينة القدس على يد الشريف حسين بن علي، بناء على ما يوصف بأنه «عقد شرعي وأخلاقي» مستمد من دور الهاشميين السابق في إدارة شؤون المقدسات بمكة المكرمة.
وخلال الحقبة الفاصلة بين بداية الانتداب البريطاني على فلسطين ونهايته عام 1948 لم تكن قضية الإشراف على الأوقاف والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس محل تنازع، إلا أن الوضع بدأ في التغير مع صدور قرار تقسيم فلسطين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في/ تشرين الثاني 1947 فقد منح القرار القدس وضعا خاصا يميزها عن المناطق التي خصصت للعرب وتلك التي خصصت لليهود.
ومع انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى بتوقيع اتفاقات هدنة بين الأردن وإسرائيل في/ شباط 1949 م، أصبحت المدينة ومقدساتها وأوقافها خاضعة لحكم أردني مباشر بحكم الأمر الواقع، بعد أن تمت الوحدة بين الضفتين (مؤتمر أريحا) كانون الاول 1949 الذي اتفق فيه على إلحاق الضفة الغربية بإمارة شرق الأردن. ومهد لاحقا لقيام المملكة الأردنية الهاشمية على ضفتي نهر الأردن.
واستمرت تبعية الضفة الغربية والقدس للأردن إداريا وقانونيا رغم احتلالها من قبل إسرائيل بحرب عام 1967م. ولم يؤد نشوء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 م، والإقرار بأحقيتها بتمثيل الشعب الفلسطيني بالقمة العربية عام 1974 إلى تغيير هذا الوضع. وظل كل الموظفين المدنيين العاملين بالأوقاف والتربية والصحة بالقدس والضفة الغربية تابعين للإدارة الأردنية. وعلى الرغم من اعلان الملك الراحل الحسين بن طلال عام 1988م، فك الارتباط مع الضفة الغربية، لكنه أبقاها على الأماكن المقدسة بالقدس تحت الرعاية الأردنية.
ثانياً: السند القانوني لحق الوصاية الأردنية وفقاً للقانون الدولي العام
مفهوم الوصاية
لم يتناول مفهوم الوصاية إلا بعد قيام الأمم المتحدة بأنشاء مجلس للوصاية بهدف رعاية مصالح شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي بصفته نظاماً إستعمارياً غير مباشر تحتفظ فيه الدولة المستعمَرة بموجب اتفاقية تعقدها مع الحكومة المحلية بتسيير شؤونها في (نظام حكم محلي) ذاتي باستثناء الإدارة العسكرية والخارجية فهي تبقى مسيًرة من المحتل كما حدث في بلاد عديدة في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية خضعت لفترات طويلة للاستعمار والانتداب.
وقد تطرق القانون الدولي لمبدأ الوصاية في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، الفصل الثاني عشر بالمواد من (75) ولغاية (84) وهي الأقاليم التي تقتطع من دول الأعداء نتيجة للحرب العالمية الثانية، أو الأقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دولة مسؤولة عن إدارتها.
نستنتج مما سبق ان القانون الدولي عرف مفهوم الوصاية القانونية بصفته نظام حماية يبيح لدولة ادارة شؤون دولة اخرى تخضع لها، فهل ذلك يعني ان القانون الدولي لم يتطرق إلى الوصاية أو الحماية للممتلكات الدينية والثقافية أو ما يسمى بالاعيان الدينية للدول التي تخضع لأي شكل من أشكال الاحتلال؟ الاجابة بالتاكيد لا، لأن القانون الدولي الانساني هو من تطرق بشكل مفصل لهذا الموضوع بما يسمى (بحماية الأعيان الدينية والثقافية) سواء اثناء الحروب او في مرحلة الاحتلال من خلال اتفاقيات (جنيف ولاهاي) المتعددة.
اتفاقية السلام الاردنية
الإسرائيلية عام 1994م
عند توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بوادي عربة عام 1994 م، أصر الأردن على تضمينها فقرة تنص على توليه رعاية الأماكن المقدسة بالمدينة، على أن يتم نقل الوصاية الأردنية إلى السلطة الفلسطينية، عندما يتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى إتفاق نهائي.
وقد أكدت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994م، في المادة (9 /2) بإحترام إسرائيل للدور الأردني الخاص في الأماكن المقدسة في القدس. وعند انعقاد المفاوضات النهائية ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور للأردني التاريخي في تلك الأماكن. كما نصت الإتفاقية في البند الأول على أنه سوف يمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الدخول إلى الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.
اتفاقية الوصاية على الأماكن المقدسة
بين الأردن والسلطة الفلسطينية
قام جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس في 31 أذارمن عام 2013م، بالتوقيع على اتفاقية بعمان تؤكد على حق الوصاية الهاشمية على كامل الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وتفوض الاتفاقية جلالة الملك بأن له الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ على القدس، خصوصاً المسجد الأقصى، المعرف على أنه كامل الحرم القدسي الشريف، وعليه وبموجب اتفاقيتي السلام الأردنية الإسرائيلية والاتفاقية الأردنية الفلسطنية انتقلت الوصاية الدينية من الأطار الديني التاريخي المعنوي إلى الأطار القانوني واصبح بذلك جلالة الملك عبدالله الثاني صاحب الولاية القانونية في الدفاع عن الأماكن المقدسة امام المحافل الدولية ضد أية خروقات إسرائيلية للالتزامات المترتبة عن تلك الاتفاقيات.
التكييف القانوني للاجراءات الإسرائيلية
في القدس والاماكن المقدسة المحتلة
عرف القانون الدولي الانساني في المادة (42) من قواعد لاهاي لعام 1907 الاحتلال على النحو التالي: «تعتبر الأرض محتلة عندما توضع عملياً تحت سيطرة الجيش المعادي. ويشمل الاحتلال فقط الأراضي التي تم فيها تأسيس تلك السيطرة وأمكن مزاولتها». لا تكتسب القوة المحتلة حق السيادة على الأراضي المحتلة، بموجب قانون الاحتلال، وهي مطالبة باحترام القوانين والمؤسسات القائمة إلى أقصى درجة ممكنة. ويُفترض، في هذا الصدد، أن الاحتلال مؤقت وأن القوة المحتلة ستحافظ على الوضع السابق للاحتلال في الأراضي المحتلة.
وإذا ما اعتبرنا أن حالة الاحتلال الاسرئيلي للقدس تعتبر وفقاً للقانون الدولي حالة مؤقته تعقب انتهاء الحرب وتنطبق عليها القواعد القانونية للإحتلال الحربي سواء بعد حرب عام 1948م، أو حرب حزيران عام 1967م، التي تضمنت صدور قرار تقسيم 1947م، رقم (181) من الجمعية العامة في الأمم المتحدة وبعد حرب عام 1948م، وقرار تقسيم القدس إلى قسمين شرقية وغربية على ان يكون الجانب الشرقي من مدينة القدس التي كانت تحت الحكم الأردني بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين والتي من ضمنها القدس القديمة التي تحوي على جميع المقدسات الاسلامية، مثل المسجد الأقصى، والمسيحية، مثل كنيسة القيامة، واليهودية مثل حائط البراق.
فإن ذلك يؤكد أن الحالة الفعلية المؤقته للإحتلال الإسرائيلي وفقاً لقرارات الامم المتحدة وتؤكد على عدم جواز قيام الدولة المحتلة بالضم أو السيطرة أو التغير على أي من معالم الأرض المحتلة، وتحدد صلاحياتها وسلطاتها العسكرية والمدنية بادارتها باعتبارها اراضي محتلة فقط دون إساءة لإستخدامها وإستغلالها بما يحقق مصالحها باعتبارها ادارة عسكرية تباشر سلطة واقعية وليس سيادة قانونية ليس لها الحق باجراء أية تغيرات ولو كانت مؤقته في التشريعات والقوانين.
فالسيادة القانونية الدائمة على الإقليم المحتل لاتنتقل من دولة السيادة الأصلية إلى دولة الإحتلال إلا بطريقة الإتفاق أو التنازل أو بطريقة الضم وهو ما لم يحصل منذ احتلال القدس، بل أن إسرائيل أقرت من خلال اتفاقيتي أوسلو والقاهرة الموقعتين مع السلطة الفلسطينية في 13/ 9/ 1993 و1/5/1994 واللتين تنصان على أن الأراضي التي شملتها الإتفاقيات هي أراضي محتلة.
وقد تضمنت نصوص اتفاقية لاهاي 1954م، بأنه: "على المحتل أن يتخذ جميع التدابير والإجراءات المتوافرة لحماية واحترام معتقداتهم الدينية، وحقوقهم في مباشرة عباداتهم، وأن كل حجز أو تخريب أو أنتهاك متعمد لمثل هذه المنشأت والمباني التاريخية محرم ويجب أن يحاكم فاعله". ولئن كانت إسرائيل قوة محتلة وفقاً لأحكام القانون الدولي والتي اعتبرها قوة احتلال مؤقت قامت بإحتلال القدس وباقي الأراضي العربية بالإستناد للقوة المحتلة، وبالرغم من تأجيل البحث في قضية القدس للمفاوضات النهائية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية بصفتها دولة محتلة لازالت ملزمة بتطبيق إتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي الاعيان الدينية والثقافية والتاريخية والآثرية حيث مازالت تضرب بعرض الحائط كافة القوانين و المواثيق الدولية بما تقوم به من سرقة ونهب وتغير للمخطوطات والممتلكات الثقافية والدينية في القدس وغيرها من الأماكن المحتلة في فلسطين.
ثالثاً: الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها لوقف الاعتداءات على المقدسات الإسلامية في القدس
كما اشرنا سابقاً إلى أن جلالة الملك اصبح صاحب الولاية القانونية في اتخاذ الاجراءات القانونية على كافة الاصعدة وامام جميع المحافل الدولية في حالة الاعتداء على أي من المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، لذا سوف نحاول وبايجاز التطرق إلى الوسائل التي يمكن اللجوء اليها لوقف الاعتداءات الإسرائيلية والتي غالباً ما تلجأ اليها الدول في حالة وجود أية نزاعات فيما بينها وهي:
الوسائل الدبلوماسية والوسائل القانونية
1- الوسائل الدبلوماسية: تلجأ الدول بالعادة إلى الوسائل الدبلوماسية لحل الخلافات فيما بينها، وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة في المادة (33) منه على ضرورة أن تلتمس الدول حل خلافاتها بالطرق السلمية من خلال المفاوضة والتحقيق والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية، وقد لجأ الأردن إلى استخدام كافة الوسائل الدبلوماسية الودية مع الجانب الإسرائيلي سواء كان ذلك بالطرق الدبلوماسية الرسمية المباشرة من خلال الحكومة الأردنية أو على مستوى اعلى من خلال جلالة الملك أو حتى الوساطة الخارجية مع الدول التي لها تاثير على إسرائيل لكن الاعتداءات والمضايقات الاسرائيلية لم تتوقف وكانت أخرها اغلاق المسجد الاقصى امام المصلين ومن ثم اعادة فتحه أمام الضغوطات التي مارسها جلالة الملك شخصياً لاعادة فتح المسجد.
وامام تعنت الجانب الإسرائيلي والتمادي في الاعتداءات بما في ذلك طرح موضوع اعادة النظر في الوصاية الهاشمية على المقدسات أمام الكنيست الإسرائيلي لم تترك إسرائيل للأردن من خيار سوى اللجوء إلى استدعاء السفير الأردني في إسرائيل و التوجه إلى الأمم المتحدة لوقف تلك الممارسات غير القانونية و تقديم شكوى امام مجلس الأمن لادانة إسرائيل ودفعها لايقاف الممارسات غير القانونية بحق الاوقاف الإسلامية وعلى رأسها القدس الشريف وبالفعل تمت مناقشة الشكوى، وقد عبر أعضاء مجلس الأمن عن دعمهم وتقديريهم لدور الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. ودعوا إسرائيل لاحترام ذلك الدور وعدم التدخل فيه، وطالبوا إسرائيل بتجنب الإجراءات الاستفزازية المحيطة بالأماكن المقدسة وعدم تغيير الوضع الراهن لها.
كما تبنت منظمة اليونسكو المعنية بالمحافضة على التراث الثقافي والتاريخي العالمي مشاريع القوانين التي تقدمت بها كل من الأردن وفلسطين في دورتها (95) المنعقدة في باريس حول ادانة وعدم قانونية الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية معتبرة أن تلك المخالفات غير قانونية وغير شرعية ومخالفة للقوانين والمواثيق الدولية في المحافظة على التراث الانساني في العالم.
-2 الوسائل القانونية: إن الدول تلجأ بالعادة إلى التحكيم أو القضاء الدولي عند وجود خلاف أو نزاع قانوني فيما بينها حول حقوق يدعي كل منهما أنه صاحب الحق القانوني والشرعي بها. إن ثبوت حقيقة الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف ليست محل جدل أو خلاف قانوني استناداً لمعاهدت السلام الموقعة مع الجانب الإسرائيلي التي تعترف صراحة -المادة (9) من الاتفاقية- بالوصاية الأردنية وأن أي اخلال بهذه الاتفاقية بموجب القانون الدولي سوف يعرض الجانب الإسرائيلي للمسؤولية الدولية التي عرفها القانون الدولي بأنها "عمل غير مشروع، طبقاً للقانون الدولي يتم بموجبه تعويض الدولة التي لحقها الضرر من جراء هذا العمل وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً".
وعليه فإن الأردن ليس معنيا بأي شكل من الأشكال بالتحكيم القانوني أو القضائي طالما أن الخلاف المثار يتعلق بخرق التزامات مترتبة عن اتفاقية دولية موقعة بين الطرفين، لذا فإن للأردن الحق -الدولة المتضررة- اللجوء إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة للمطالبة بإتخاذ إجراءات دولية أوعقوبات بحق إسرائيل تفرض عليها الإلتزام بمعاهدة السلام وكذلك القوانين والمواثيق الدولية. أما فيما يتعلق بموضوع نية إسرائيل أصدار قرار من الكنيست الإسرائيلي بالغاء حق الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس فإن ذلك يعتبر أيضاً خرقاُ واضحا لاتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية وكذلك مخالفاً لأحكام وكافة المواثيق الدولية و القانون الدولي وعلى الاخص (اتفاقية فينا) لقانون المعاهدات 1969م، التي تؤكد على الزامية المعاهدات لأطرافها وإلا سوف تتحمل الدولة المخالفة المسؤولية الدولية عن افعالها، كما لايجوز لها التحلل من التزاماتها بحجة أنها أصبحت مجحفة أو أنها أكرهت عليها تحت تأثير ظروف خاصة لأن هذا يؤدي إلى فوضى دولية، ولقد أكدت اتفاقية (فيينا) ذلك وقررت أولوية أحكام المعاهدة على القانون الدولي وعليه فان أي قرار للكنسيت الإسرائيلي لن يكون له أية تبعات أو آثار قانونية على مشروعية الوصاية الأردنية على كافة الأماكن والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.