بيروت - أ ف ب
نواف سلام الذي كلّفه رئيس الجمهورية جوزاف عون أمس الاثنين رئاسة الحكومة المقبلة، هو دبلوماسي مخضرم تبنّت ترشيحه بشكل رئيسي قوى سياسية معارضة لحزب الله الذي أضعفته المواجهة الأخيرة مع اسرائيل في الداخل.
ويجمع سلام البالغ 71 عاما والذي انتخب العام الماضي رئيسا لمحكمة العدل الدولية، بين خبرات سياسية وحقوقية ودبلوماسية تخطت نطاق البلد المتوسطي الصغير، ما يجعله من خارج الطبقة التقليدية الحاكمة في لبنان المتهمة بالفساد وبتغليب منطق المحاصصة على بناء الدولة.
وحظي سلام الذي يتحدر من عائلة بيروتية عريقة تعاطت الشأن السياسي منذ بداية القرن الماضي، بتأييد 85 نائبا من إجمالي 128 يشكلون اعضاء البرلمان.
وامتنع نواب حزب الله وحليفته حركة أمل عن التصويت لأي مرشح، ما يعني أن سلام سيبدأ مهامه من دون أن يحظى بدعم الكتل الشيعية في بلد يستند نظامه السياسي على المحاصصة بين الطوائف.
ويأمل داعمو سلام، وخصوصا القوى السياسية المناوئة لحزب الله، أن يشكل وصوله الى رئاسة الحكومة فرصة لإحداث تغيير في أداء المؤسسات الرسمية وطي صفحة تحكّم فيها حزب الله بالحياة السياسية، عدا عن تنفيذ العناوين العريضة التي أعلنها الرئيس المنتخب جوزاف عون في خطاب القسم.
وكان عون تعهد الخميس «بدء مرحلة جديدة»، يكون للدولة فيها حق «احتكار حمل السلاح»، ويكون اللبنانيون جميعهم «تحت سقف القضاء والقانون»، بعيدا عن منطق المحسوبيات والمحاصصة.
وجاء ذلك بعدما استنزفت مواجهة مفتوحة مع اسرائيل استمرت لعام حزب الله، الذي خسر جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية وعددا من قادته على رأسهم أمينه العام السابق حسن نصرالله. وأضعفت الحرب حزب الله في الداخل بعدما كان القوة السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية في لبنان.
وليست هذه أول مرة يُطرح فيها اسم سلام المقل جدا في الظهور الإعلامي لرئاسة الحكومة في لبنان، لكنها المرة الأولى التي توحدت خلفه كتل سياسية وازنة من توجهات مختلفة في مرحلة مصيرية من تاريخ البلاد.
«انسجام اصلاحي»
ويقول الأستاذ الجامعي علي مراد لوكالة فرانس برس إن «التفاف قوى سياسية ومن خلفيات مختلفة حول ترشيح سلام يعكس التغييرات الحقيقية التي يعيشها لبنان».
ويرى أن تسميته «بما يمثله من قيمة دولية، ومن الموقف الثابت في الموضوع الفلسطيني، وبما يمثله من كفاءة شخصية وانسجامه الاصلاحي مع خطاب العهد» يشكل «المسار الحقيقي» المطلوب.
وشكل العام الماضي تحولا في مسيرة سلام، بعد انتخابه في شباط رئيسا لمحكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، لولاية مدتها ثلاث سنوات.
وكان يشغل عضوية المحكمة ذاتها منذ شباط/ فبراير 2018.
وفي قرار وصفه الفلسطينيون بأنه"تاريخي» واعتبرته اسرائيل «كاذبا»، اعتبرت المحكمة بقيادة سلام في 19 تموز/يوليو أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية «غير قانوني» ويجب أن ينتهي «في أسرع وقت ممكن».
ويرى أستاذ العلوم السياسية عماد سلامة إن «دوره في لاهاي يعزز مكانته كإصلاحي قادر على معالجة الفساد وعدم الكفاءة، ما يجعله متوافقا مع مطالب المواطنين اللبنانيين بالمساءلة والشفافية».
وشهد لبنان بدءا من العام 2019 تظاهرات شعبية غير مسبوقة مناوئة للطبقة الحاكمة، لكنها فقدت زخمها تباعا على وقع انتشار جائحة كوفيد ومن ثم انفجار مدمر في مرفأ بيروت صيف العام 2020.
وتم حينها اقتراح اسم سلام مرارا لرئاسة الحكومة من دون أن يحصل على الدعم السياسي اللازم.