الساعة

سلطة الحوكمة في الاوراق النقاشية الملكية

 حازم قشوع


قد تستوقف البعض احيانا مشاهد عامة يستنتج منها دلالات سطحية غير عميقة فتجده يتفاجأ في استخلاصات نهاية المشهد،لكوننا غير قادرين على تحديد البواطن من وراء ذلك أو الدوافع خلف ذلك الاتجاه او تجنح بهذه الرغبة الناتجة عن ذلك التوجه اذا ما كان الأمر معدا سابقا ومقصودا.

لكن اذا كان لايحمل سمة التخطيط والاعداد وهو غالبا غير ذلك خصوصا في الدول النامية فالأمر يستوجب دراسته ضمن مساق التعليل والتحليل لنتمكن من تحديد الخلل والذي يطلعنا على من أين نبدأ بعملية الإصلاح والتنمية.
لكن قبل ذلك يجب تعليل لماذا احدثت هذه المدخلات نتائج لا تنسجم مع تصورات المعادلة وتقديراتها ؟ ولماذا بات عليها واجب تقديم مبررات عدم الوصول إلى ذلك الاستهداف المطلوب؟ وبدلا من قيام هذه المجتمعات بتسخير كل الوقت والجهد بإنجاز ما يمكن انجازه والوصول بالمسيرة التنموية للمنازل المطلوبة وبدلا من قيام هذه المجتمعات بتوظيف مجهوداتها الوطنية لخدمة مسيرة التطوير والتنمية تنشغل بمجهودات هامشية ويكون عملها تبرير الاخفاقات وتصرف الوقت والجهد بالدفاع عن نهجهها وتبرير مواقفها باعتبارها متهمة بالتقصير والفساد هذا من وجهة النظر الشعبية، والتي لم يصل لها غير ذلك فهي ترى الصورة التي وصلتها وأشاهد الامور منقوصة ومبتورة لذا تبقى المسافة بين الحكومة والشعب في ازدياد مطرد ويشوبها عدم الثقة نتيجة الوهن في قنوات التواصل غير المباشرة وحتى الوجاهية.


ويعود ذلك لعدم انسجام فريق العمل مع معادلة الإخراج او عدم ولاء فريق العمل للمؤسسة وبالتالي لبرنامج العمل على فرضية وجود مثل هذا البرنامج.


وفي دول العالم النامي التي لا تبني استراتيجيات ذاتية بسبب التدخلات الموضوعية الاقليمية الدولية والتي تؤثر سلبا على مجمل الخطط الذاتية اذ تسبب لمسيرتها انحرافا عن بوصلتها التنموية المصممة ذاتيا لفرض واقع جديد تعيد معه هذه الدول الخطة تلو الاخرى للمركب الجديد الذي يفرضه العامل الموضوعي للتكيف مع الواقع الجديد والذي كونته التدخلات الناتجة عن الظرف الاقليمي او الدولي الناشىء.


هذه الخطط بحلتها الجديدة ستبنى على اسس مرنة استجابة للحالة الموضوعية هي بظني من تتحمل السبب المباشر المؤثر على عدم وجود خطط تنبثق من استراتيجيات الدول النامية لتبقى سياستها تراوح وفق معادلة الفك والتركيب الناشئة وهي برامج لا تحمل سمة واضحة او دلالة عملية لكثرة الاهواء المتداخلة وازدحام قوى النفوذ والمصالح في إطاره فتولد ولادة غير طبيعية و تكون غير متزنة مع طبيعة المجتمعات المحلية.


وإزاء ذلك تبقى هذه المجتمعات حاملة سمات الاستهلاك وتدور في فلك دول اقليمية تقدم لها الحماية ودول منتجة تقدم لها ما تستهلكه مجتمعاتها لتبتعد عن بناء مقومات الاستقلال.


وهي الاجابة العلمية على سؤال عن سبب التباطؤ بمسيرة الانجاز ولماذا يكون لدينا إخفاقات هنا او عمل غير ناضج هناك ويعود ذلك لعدم وجود عامل الحماية اللازمة لميزان العامل الذاتي الذي يقوم بحفظ قيم الاستمرارية والاستدامة.


اما عن السبب الثاني وهو اسلوب التعامل وفق ردات الفعل وضمن معادلة تسمح بالتفرد بالقرار وفردية الأداء اذ يسيطر غالبا على إجوائها المزاجية اكثر من الموضوعية وفق نسق لا يميزه الطابع الجماعي الذي يحفظ القرار بغلاف الاتزان العلمي كما يقدم للاداء الحماية اللازمة لذا كان دائما يشكل التفرد بالعمل والفردية بالاداء التحدي الأبرز للتنمية والتطور لاعتبارات يبرزها عامل افتقار الفردية للضوابط المؤسسية القادرة على ايجاد الحماية المطلوبة وتوفير الديمومة لتعظيم رسالة الانجاز مهما كانت تطلعاتها وظروفها المحيطة.


اما السبب الثالث للوصول إلى منجز هو الولاء للمؤسسة وهو العامل الاهم الواجب على المجتمعات النامية إدراكه والوقوف على اسبابه وايجاد حلول ناجعة له قبل ان يتمدد وينخر في جسم الدولة ويقودها لمآلات عقيمة لذلك كان يجب ايجاد الوسائل الضابطة واستخدام السياسة الرادعة وعلى موظف القطاع العام الالتزام بعمله باطار مؤسسته دونما ابتغاء منفعة خاصة من وراء انجاز عمله،لان مخرجات هذه المؤسسة ستكون متواضعة بسبب بحث العاملين اجرا خارج نطاق العمل لتقديم ذات الخدمة للمواطن الذي يراجع طلبا لخدمة،وينطبق هذا على القطاع الخاص باعتباره صاحب ولاية الإنتاج بمنظومة الدولة وهو مطالب بتقديم اسهامات بكافة المجالات لتتمكن الدولة من هضم الطاقات الشبابية من خلاله.


ان منظومة الحوكمة شاملة تسعى من خلال اطرها ومحاورها والتي تبدأ بايجاد نظام الإعداد والتخطيط ومنظومة تبلور الولاء للمؤسسة ونظام يحتوي على الهيكلية الادارية والوصف الوظيفي ودائرة للاخراج واخرى للرقابة والتقييم وذلك للارتقاء بالمنهج الإداري للدولة ورفع من مستوى الانتاج وسويته.لذا يعول على هذه المنظومة معالجة الاعتلالات ورفع مستويات المؤسسات لتسهم ببناء ظروف افضل للعطاء والانتاج في القطاع العام كما الخاص.


قد نكون بينا فى هذا الاطاراهمية تشكيل ضوابط تحفظ عقل الميزان الذاتي لمعادلة صنع القرار وهو الحل الذي تبدأ منه معادلة الاصلاح الاداري والمالي في المجتمعات النامية وهي حلول مدروسة كانت انطلقت منها كثير من الدول لرحاب اوسع واخرى قامت بتعظيم مسيرة الانجاز فيها.


لكن اذا كان الظرف الاقليمي والدولي صاحب الثقل الذي تتكئ عليه ميزان معادلة الانجاز او الرؤية الاستراتيجية للإنجاز في المجتمعات النامية،إذن كيف يتم التخفيف من وطاءة هذا العامل على الميزان الاستراتيجي للتنمية.


من هنا يتم الانتقال بالارادة الذاتية او ما يعرف بسيادة الدول من الطور الوطني الى منزلة تضاد المصالح الدولية حيث يحدث الاشتباك الدولي للمصالح والذي يعرف بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول بين ما هو محتكر المعرفة في مجالات التصنيع و التكنولوجيا وحتى بذلك الاقتصاد المعرفي الجديد وهي ما نسميها بالدول عظيمة المعرفة او الدول العظمى وبين الدول الوسيطة والتي تقوم بايجاد حمايات جغرافية او اثنية والتي تعرف بالدول الاقليمية وبين الدول النامية او المستهلكة لكل المنتجات النفغية وحتى التدميرية...


وهي معادلة ليست بسيطة الحساب بل معقدة جدا لكونها تخلط القيم والمصالح في بوتقة واحدة وتضاف إليها المبادىئ الصالحة للاستغلال حسب مقتضيات المرحلة حيث تشكل القيم عواطف الشعوب والمصالح تمثل الاستمرارية لحضور هذه المجتمعات على المسرح السياسي اضافة الى السماح لها بتحقيق فرص معيشية مناسبة لشعوبها حتى لو كان ذلك باعطائها ادوارا وظيفية لها مهام محددة تقوم بها ضمن الاطار الدولي للخدمة لذا كانت المبادئ بين الدول عنوانا لحديث يفيد نسج الخطوط العامة لعلاقة جديدة معنونة ابوابها بالدور المطلوب وبالمساق المحدد.


مع كل ما ذكرت فان قواعد المعادلة تتبدل بتبديل أماكن القوة أي قوة التأثير في مجريات الاحداث من طرف يملك شرعية أصدار القرار أي يملك قوة التأثير وأطراف أخرى متداخلة يميزها القدرة على التاثير على هذا الطرف او ذاك وطرف آخر متلقي يملك مشروعية القبول لهذه النتيجة لتحويلها لحيز الواقع.


لذا كانت معادلة العلاقة بين الدول لا تبنى وفق العواطف او التطلعات الشعبية بقدر ما يتم نسجها وفقا مصالح ومنافع يمكن ان يجنيها هذا الطرف من ذاك بعيدا عن اية اطر قيمية او اثنية او حتى عرقية وهذا ما يجيب على اسئلة يسوقها البعض عن حال الامة ومقومات وحدتها و هويتها الجامعة وحال ظروف التنسيق والعلاقات البينية المتواضعة بين اقطارها.


ولأن حال الدول يقاس بالاهمية من منظور دولي بواقع قدرتها على التأثير بتنفيذ معادلة سياسية او التخفيف من وطاءته فان مقياس بقاء الدول النامية مرهونة بمدى قدرتها على القيام بواجبها تجاه هذا الدور او قدرتها على التداخل مع ذاك.
وغالبا ما تكون هذه الأدوار غير منسجمة مع نسق الرغبات الشعبية التي لا ترى بالصورة غير ما وصلتها عبر الوسائل المعروفة لذا تصبح الحماية مبنية على ضوابط دولية ولا تحمل سمة الحواضن الشعبية.


ومن هنا تأتى اهمية استدراك معادلة تمزج ما بين مقتضيات البقاء في المشهد السياسي و متطلبات المرحلة والتطلعات الشعبية وكيفية إيجاد حالة تربط هذه المحاور الثلاثة ضمن حلقة اتصال واحدة لما فيه مصلحة الدولة ومكانتها.


كما تبرز مقدرة النظام السياسي على التعامل مع هذه المحاور الثلاثة بالتكيف مع هذا المستجد وبتكييف الحالة الشعبية معه وبما يحفظ للنظام السياسي الدور والمكانة.


أضف الى ذلك كان لابد لاي مجتمع اراد التكيف مع هذه المعادلة ان يتصالح مع نفسه اولا وان يصالح ويصارح شعبه ثانيا بالامكانات المتوفرة لديه او مايمكن توفيرها لتجنيب مسيرة الانجاز المنعطفات الاقليمية او المنزلقات الدولية بصورة واقعية عقلانية بالتصور والتقديم والتي قد لا تلبي التطلعات لكنها قد تحفظ المنجزات ،وبما يسهم في توفر مناخ يحفظ بدوره الاستراتيجية البنائية الذاتية من اية منعطفات قد تحدث اختراقا موضوعيا يعرضها للانزلاق او يدخلها مغبة الهدم ،وهي ذات الاستراتيجية التي تشكل البوصلة التنموية لمسيرة النماء باعتبارها تحفظ سياسة تراكم الانجاز وتضعها ضمن اطار شكلته الرؤية الوطنية ما انبثق عنها من مهمات وسياسات.مايستوجب تشكيل الالية الوطنية للحوكمة لتقوم بمتابعة الشأن الاداري الداخلي او الذاتي بكل ما فيه من جهة وتعمل في ذات السياق على حفظ نسق المواءمة وحفظ ميزان الاتزان لحالة الاستراتيجية الوطنية مع ظرورف اسقاطات المستجدات الاقليمية والدولية من جهة اخرى على ان يتوفر لهذا التشكيل الجديد الصلاحية المناسبة لتجعله قادرا على ايجاد منظومة العمل المستهدفة وبما يسمح لايجاد بيئة افضل للاستثمار وقادرة على هضم الحالة السياسية بكل تعقيداتها بما يتلاءم مع قدرتنا على الاستيعاب الإيجابي،وهو برنامج العمل الذي قد نستنبطه حكما من الأوراق النقاشية الملكية والتي جاءت لإثراء المشهد السياسي والاقتصادي بقراءة واقعية وتدفع في اتجاه تطوير المسيرة الوطنية وتعطيها القدرة على الاستمرارية عن طريق توفير مناخات الحماية اللازمة بما يجعلها قادرة على المنافسة وضمن مفهوم وسياق الاقتصاد الانتاجي الذي يوفر حياة افضل للاردنيين ومكانة أعلى لرسالتنا ودورها البناء في خدمة الانسانية.