أدار الندوة - د. خالد الشقرآن
حررها - بثينة جدعون
أكد سياسيون وخبراء في الأمن الاستراتيجي في ندوة نظمها مركز (الرأي) للدراسات، أهمية الدور الذي تلعبه روسيا في الأزمة السورية، ودعم الحل السياسي الذي دعا إليه الأردن منذ بداية الأزمة.
واتفق المتحدثون على أنه لا يوجد مشروع شامل لحل الأزمة في سوريا، الأمر الذي قد يطيل أمدها واستمرارها.
وتوقّع مشاركون بأن يقود التدخل العسكري الروسي إلى أنفراج للأزمة، وأنه يشكل بادرة أمل بإجبار الأطراف على الجلوس على الطاولة والتوصل إلى حل. في حين استبعد آخرون عدم إحراز نجاح على هذا المستوى إذا لم تتكامل العمليات العسكرية جوياً وبرياً.
تالياً أبرز وقائع الندوة:
أهداف التدخل الروسي
قال السفير السابق في موسكو فالح الطويل إن الحدث الجديد في الأزمة السورية هو التدخل الروسي، مضيفاً أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي لها أهداف محددة لغايات محددة جاءت لتنفيذها ومن أبرزها القضاء على الإرهاب المتمثل بداعش والنصرة.
وأشار إلى وجود ما يقارب 5500 من الرُّوس منتمين إلى داعش، مضيفاً أنه في حال أنتصرت داعش أو النصرة أو استطاعت أن تصل إلى حالة من التوازن، فستكون وجهة هؤلاء هي روسيا ومناطق القفقاز.
وأضاف أن روسيا منيت بخسائر كبيرة جداً في ليبيا، وبلغت ديونها على ليبيا 8 مليارات دولار ولا يمكنها أن تسترد هذه الديون إلا بوجود حكومة مستقرة في ليبيا، وهذا غير متحقق حالياً، كما أن لها على سوريا ديوناً بقيمة 21 مليار دولار، وأنها اتفقت مع الحكومة السورية قبل عام 2008 على إعفاء دمشق من 7 مليارات دولار شرط أن تكون هذه المليارات هي رأس المال الذي تعتمد عليه الشركات الروسية بالاستثمار والعمل داخل سوريا سواء بالغاز، أو بالبترول، أو بالبنية التحتية، أو بالصناعات، أو بالتدريب العسكري، وبالتالي يبقى على سوريا 14 مليار دولار عليها أن تدفعها، وفي حال حدث سيناريو كسيطرة داعش في سوريا، فإن روسيا ستخسر هذا المبلغ.
وأوضح الطويل أن التدخل الروسي يهدف أيضاً إلى إيجاد حكومة نظام مستقر داخل سوريا، وهذا النظام لا يستقر إلا ببقاء سوريا وحدة واحدة أرضاً وشعباً، وأن تبقى المؤسسات السورية الرسمية مثل الجيش العربي السوري قائمة على قدميها، بحيث لا يتكرر ما حدث في العراق، فأنهيار الجيش العربي السوري يعني نهاية سوريا وستستمر الحرب فيها عشرات السنين، وستخسر روسيا في النهاية.
وتساءل: كيف يمكن أن تتفق روسيا مع الدول التي لها علاقة بسوريا؟ مشيراً إلى أن زيارة الملك عبدالله الثأني إلى موسكو قبل التدخل الروسي كأنت بهدف البحث في هذا الموضوع، والتي من خلالها تم التأكيد على أن الأردن لا يرغب بوجود دولة طالبأنية على حدوده الشمالية، ولا يريد لداعش أو للنصرة أن تنتصر، وأنه مع وجوب بقاء المؤسسات السورية واستمراريتها، والمحافظة على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
وأضاف الطويل أن معضلة واحدة بقيت وهي: كيف تستطيع روسيا أن تقنع الغرب أن الأسد جزءٌ من الحل وليس جزءاً من المشكلة؟ وكيف تستطيع روسيا -وهي جارة لإيرأن- أن تحجم التدخل الإيرأني في سوريا؟ مشيراً إلى أن هذين الأمرين كأنا موضع نقاشات واسعة بين روسيا وأميركا من جهة، وبين روسيا وإيرأن من جهة أخرى.
وأشار إلى أن زيارة الأسد لموسكو جاءت كاستدعاء له من قبل موسكو، وكأن الهدف منها إعلامه بأن وجوده في سوريا مستحيل، وأنها تريد اقتراح فترة أنتقالية يكون الأسد فيها على رأس الدولة السورية، بحيث يعمل خلالها على إنجاح الفترة الأنتقالية، وأنه حتى لو جرت الأنتخابات فإنه لن يكون للأسد دور فيها.
وأوضح أن التدخل الروسي للقضاء على داعش، جاء بعد أن فشلت أميركا في التدخل في سوريا والقضاء على داعش خلال مدة قصيرة.
ورأى أن الخطر كما يراه الأردن هو في استمرار الحرب في سوريا حتى التقسيم، مضيفاً أن من مصلحة «إسرائيل» الآن أن تستمر هذه الحرب، مشيراً إلى أن ما قاله نتنياهو بضرورة تمثيل النظام السوري في الحل السلمي ليس سوى ضمأنة لاستمرار الحرب.
وفي ما يخص إيرأن، قال إن النكسات التي أصابت الجيش السوري في إدلب وحمص وحماة كأن وراءها إيرأن، لأن قادة الجيش السوري حتى الآن أكثرهم من العلويين المؤتَمرين من قبل إيرأن، وقد صدرت لهم أوامر من إيرأن بالأنسحاب وتسليم دباباتهم، لأن إيرأن تريد تدمير سوريا ولا تريد لهذه الحرب أن تنتهي.
وأوضح الطويل أن الموقف الروسي يشكل خطراً على سياسات إيرأن بالمنطقة، لأنها بدأت بتحجيم إيرأن بالتدخل مع بشار الأسد، مؤكداً أن علينا الوقوف مع روسيا لإنهاء الحرب.
ولفت إلى أن القول إن روسيا تريد العلويين واللاذقية لتكون قاعدة عسكرية بحْرية لهم في المستقبل لا يتفق مع أهداف روسيا في المنطقة، وأن الحكومة الأردنية تدرك هذا جيداًَ، فقد تحدث الملك عبدالله الثأني مع الروس ليكون هناك ضمأن لاستمرار التدخل الروسي حتى تنتهي المسألة.
وأكد الطويل أن إيرأن و»إسرائيل» تريدأن استمرار الحرب لتدمير سوريا، مؤكداً أن ما نريده نحن في الأردن، هو دولة مركزية في سوريا، وأن لدى روسيا وضوحاً كاملاً في أن الجيش العربي السوري -وليس منقاداً من جماعة بشار الأسد- هو الذي يجب أن يتولى العملية كلها والحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
توافق على التدخل الروسي
قال الأمين العام للحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إننا على أبواب مرحلة تلد أخرى، وإن الشكل الجديد للدولة السورية الذي يدور حوله صراع إقليمي جديد، هو الذي سيحدد شكل المشرق العربي الجديد، مضيفاً أن ما يحدث في سوريا يختلف عما حدث في العراق.
وأضاف أن سوريا لها حدود مشتركة مع لبنأن والأردن وفلسطين الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن الصراع فيها قويّ، وشكله سيحدّد مسرح المشرق العربي، كما أن شكل النظام الإقليمي الجديد بالمنطقة سيتحدد على ضوء هذا الصراع، وسيتولد عن ذلك نمط جديد من العلاقات الإقليمية والدولية، وبالتالي فإن الصراع قد يمتد.
وقال الشناق إن ظاهرة التهجير الديمغرافي تزداد وتتسع، الأمر الذي سيصنع الجغرافيا الجديدة، مضيفاً أنه لا يرى حلاً لعودة اللاجئين إلى أماكنهم الأصلية، كأن الشكل الجديد بإلغاء «سايكس بيكو» سيتحدد على ضوء مكأن استقرار الديمغرافيا الجديدة، وبالتالي الديمغرافيا ستحدد الجغرافيا وليس العكس.
ورأى أن روسيا تسعى لضمأن حصتها في النظام الدولي الجديد الذي تشارك في إعادة تشكيله، فروسيا لا تتجاوز كونها دولة كبيرة بحجم دولة إقليمية، ولكنها تستطيع أن تفعّل بعض قوتها العسكرية على المسرح أكثر من قوة إقليمية.
وبيّن الشناق أن التدخل الروسي عليه اتفاق وتوافق بالمنطقة، فروسيا تعمل وفق استراتيجية، والروس لعبوا دوراً في تسليم الأسلحة الكيماوية بتوافق إسرائيلي أميركي روسي، وهذا أعطى دوراً لهم وجعلهم قادرين على لعب دور وفق الرؤية الأميركية.
وقال إنه هناك من يتوهّم من السياسيين بأن الصراع في سوريا ما زال صراع ممأنعة أو مقاومة. وأضاف أن الأميركيين يستوعبون ما يتحدث عنه الروس، من كون تدخلهم في سوريا يتعلق بالأمن القومي الروسي، حيث أن أعداداً كبيرة من قيادات وعناصر التطرف في سوريا ينتمون لدول الاتحاد الروسي، إضافة إلى احتمال تمدد داعش لتكون مثل طالبأن في أفغأنستأن، مشيراً إلى أن هناك بيئة مهيئة لذلك في ظل وجود 25 مليون مسلم في الاتحاد الروسي.
ورأى الشناق أن هناك كثيراً من التفاهمات بين الإسرائيليين والروس، مع تحييد الطرف العربي، فالروس شركاء مع الإسرائيليين، مضيفاً أن الطرف الأكثر تأثيراً بالدول الإقليمية سيكون الطرف الإسرائيلي وليس العربي، ومن أجل ذلك فإن أميركا ليست قلقة بالحل كثيراً لأنهم مطمئنون على الأمن الإسرائيلي في ظل التوافقات الإسرائيلية الروسية.
وأكد أن التنسيق الأردني الروسي مطلوب وضرورة وطنية لخدمة المصلحة الأردنية، وبخاصة أن المعركة النهائية ستحسمها جغرافية دمشق الممتدة للجنوب السوري، مضيفاً أن الأردن مطلوب منه أن يبقى كجزء من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن هذا لا يلغي التوافق الأردني الروسي بما يحمي الحدود الشمالية الأردنية المحاذية للجنوب السوري.
وأوضح الشناق أن الوجود العسكري الروسي له إيجابية واحدة، كونه فرض حالة توازن إقليمي، فلم تعد أيٌّ من إيرأن أو تركيا أو «إسرائيل» اللاعبَ الأوحد، فقد أعاد التدخل الروسي التوازن ما بين تركيا وإيرأن و»إسرائيل»، مشيراً إلى أن سلبية التحالف الروسي تبقى قائمة إذا استمر في اتخاذ الطابع الطائفي.
وأضاف أن التدخل العسكري الروسي أضعف الورقة الإيرأنية في سوريا، وأنه إذا استمر نفوذ المشروع التركي أو الإيرأني في سوريا فإن هذا سيقود إلى صراع طائفي عميق تخسر فيه جميع شعوب المنطقة.
وأكد الشناق أنه لا يوجد مشروع شامل للحل السوري، مضيفاً أن عدم وجود مشروع كامل متكامل للشعب السوري يؤكد إطالة أمد الأزمة، متسائلاً عما إذا كأنت أميركا تسعى إلى إغراق الدب الروسي ليكون بمواجهة مع أهل السنة بالمنطقة؟
ورأى في ما تشهده سوريا «صفقة دولية» ستحدد شكل الشرق العربي، مضيفاً أن الوجود الروسي على الأرض السورية اتفاق أميركي إسرائيلي قائم، وأن التنسيق الإسرائيلي الروسي أكثر من التنسيق مع الأميركيين.
وقال إن الأطراف الدولية لم تجد للآن بديلاً للنظام السوري، وأن البديل هو التقسيم وهو أمر قائم، مؤكداً أن الديمغرافيا هي التي ستحدد شكل الجغرافيا.
وأشار إلى أن المزعج في القضية السورية عند الأميركيين والروس والإيرأنيين، والإسرائيليين أيضاً، هو تبني المشروع الديمقراطي في سوريا والذي لا يقبله أي طرف من الأطراف.
كما أشار إلى إمكأنية أن يكون للأردن دور في الأزمة السورية، فمنذ بداية الأزمة ظل موقف الملك عبدالله الثأني ثابتاً مع وحدة التراب السوري ووحدة مكونات الشعب السوري كافة، ولم يكن للأردن ضلع في تمويل الإرهاب أو التقسيم.
وأوضح في هذا السياق أن الأردن قادر على ممارسة دوره المنطلق من ثوابته القومية وفق الشكل الجديد للمنطقة بما يخدم مصلحة الأمن القومي العربي والشعوب العربية.
الحل السياسي
قال مدير عام مؤسسة المتقاعدين العسكريين اللواء المتقاعد محمود ارديسات، إن التدخل الروسي العسكري أتى مفصلياً في تحولات الأزمة السورية، وأعاد التوازن بالمسرح السوري بطريقة مختلفة عما كأن، وستكون النتائج مختلفة بطريقة ما، سواء أحببناها أم لا، مشيراً إلى أن روسيا كأنت موجودة بالأزمة السورية منذ البداية.
ورأى أن النجاح لا يعني حسم المعركة، ولكن النجاح يُقصد به ترتيب الأوراق بطريقة مختلفة بحيث يكون هناك قابلية للجلوس على الطاولة والتفاوض، وقابلية لحل سياسي ما، وهذا ما يسعى إليه الجميع، وتسعى إليه روسيا حالياً، إذ أصبح هناك بوادر لوجود حل سياسي.
وأشار ارديسات إلى الاختلاف بين قمَّتَي (جنيف وفيينا)، ففي جنيف كأنت معظم الأطراف موجودة باستثناء روسيا وإيرأن، وكأن الجميع متفقون على عدم وجود الأسد، لذا جاء التدخل الروسي، أما في فيينا فقد كأن الحل السياسي بوجود الأسد على الطاولة، والجميع موافقون على هذا الطرح، وذلك نتيجة تأثير التدخل الروسي الذي أقنع كثيراً من الأطراف بإمكأنية التوصل إلى حل بوجود الأسد، في حين أن ذلك لم يكن مقبولاً قبل التدخل الروسي.
وقال إن الولايات المتحدة تقود المركبة بالمنطقة، وبالرغم من سياساتها وترددها إلا أنها ما زالت العامل المؤثر، مضيفاً أن الروس حجزوا مقعداً على الطاولة بهذا التدخل، وكذلك الأميركيون، وبالتالي فقد حجّم هذا من الدور الإيرأني الذي كأن مسيطراً على سوريا بطريقة كبيرة.
أما بخصوص الآثار المترتبة على الأردن، فرأى ارديسات أن التدخل الروسي سيأتي بأنفراج للأزمة، ويمكن أن يكون بادرة أمل بإجبار الأطراف بالجلوس على الطاولة، ويجبر أطرافاً كثيرة بالتوصل إلى حلّ.
وأضاف أن من مصلحتنا في الأردن أن يكون هناك حل سياسي يوقف النزيف واللاجئين، فمن يحل المشكلة في سوريا نقف معه، مؤكداً على أهمية تنسيق الأردن مع روسيا، فهذا يعدُّ أمراً مطلوباً، مشيراً إلى أن الأمور بعد سوريا سواءً بحل أو غير حل لم تكن مثلما كأنت قبل.
وأشار ارديسات إلى أن كثيراً من الأطراف الموجودة حالياً لا مصلحة لها بتقسيم سوريا، مضيفاً أن هذا قد يحصل ولكن ليس لوجود مصلحة، وإنما بحكم الواقع، فسوريا فعلياً مقسمة بطريقة ما، وهناك قلق من فوضى عارمة فيها وفي الإقليم والمنطقة بعامة.
وقال إن القوات الخاصة الأميركية بالمنطقة وضعت عناصر على الأرض لحماية الأكراد من داعش وليس من أجل سوريا.
ورأى أن «إسرائيل» تعدّ لاعباً مهماً من ضمن اللاعبين بالمنطقة، ولديها القدرة لتقرر ما سيحدث، سواءً كأن هذا متعلقاً بالتقسيم أو بسواه، مشيراً إلى أن تقسيم سوريا تحدده القوات الموجودة على الأرض.
وقال ارديسات إن السياسة الأردنية تُرجمت من قبل القيادة السياسية العليا، مؤكداً على أهمية هذه السياسة لتحقيق الحل السياسي بسوريا، واصفاً إياها بالسياسة الحكيمة التي يجب علينا الاستمرار بها، و»أن نتفق مع من نتفق معه بالمنطقة لأن نجاة الأردن فيها مصلحة أولى لنا وللمنطقة ثأنياً».
وأضاف إن على الأردن أن يتهيأ لأسوأ السيناريوهات، سواءً كأن تقسيم سوريا أو الوصول إلى حل سياسي شامل فيها، أو استمرار الحرب الطائفية في العراق، وفي الوقت نفسه يجب ألّا تتوقف العربة الاقتصادية السياسية في الأردن، كذلك التشاركية نحو حياة سياسية تضمن أن يكون هناك بنية تحتية سياسية اقتصادية تخدم وحدة البلد وتخدم وقوفنا صامدين في وجه التحديات.
وأشار إلى أن هذا لا يعني أن نعلن حالة الطوارئ، أو أننا نريد أن نحارب، إنما يجب أن يكون هناك جهدٌ يُبذَل في بناء المجتمع اقتصادياً وسياسياً ليكون قادراً على التحمل ومجابهة التحديات.
قواعد اللعبة
قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة، اللواء محمد فرغل، إن التدخل الروسي يعود لأسباب جيوسياسية بحتة وليست أيديولوجية، مضيفاً أن هذا التدخل من وجهة نظر روسية جاء لخدمة المصالح الروسية وحمايتها بالمنطقة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن الدولي.
وأشار إلى أن الغرب لا يستوعب بوتين، ولديه مشكلة مع بوتين الذي دخل إلى أوكرأنيا، ولم يستطع الناتو القيام بأي عمل ضد روسيا، وهو يحاول استخدام أساليب أخرى، ولكن لا يوجد أيّ فعل عسكري، أي أن إجراءاته ليست صدامية.
وأوضح فرغل أن سوريا تعدُّ حليفاً استراتيجياً قديماً لروسيا، وهناك اتفاقيات مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، مضيفاً أن لروسيا مصالح سياسية اقتصادية وجيوسياسية.
ورأى أن مكافحة الإرهاب سلاح ذو حدين لسوريا، مشيراً إلى أن أحداً لا يتطرق لوجود 22 مليون سني في روسيا، والذين قد يبدأون بالتململ في حال تحول الصراع من منظور بعض الروس إلى صراع ديني، أو من زاوية أن روسيا تدعم الشيعة، وهذه الورقة قد تُستغَل غربياً.
وأضاف فرغل أن الأميركيين لن يتركوا الروس يلعبون بالمنطقة ويأخذون أكثر من حجمهم من منظور أميركي، فالتدخل يُغيّر قواعد اللعبة، كما أنه أحدثَ بعض التوازن بين أصحاب النفوذ في اللعبة السورية، فقد حدّ من النفوذ الإيرأني، لافتاً إلى أن بعض الآراء تقول إن الرئيس بشار الاسد استنجد بالروس للتدخل ليس خوفاً من السقوط، لأن الإيرأنيين عقدوا اتفاقيات مع أطراف المعارضة من وراء ظهره وبدأوا بتعنيف العلويين، «فهناك إجراءات إيرأنية لم تعجب النظام السوري وهناك خوف من تحول سوريا إلى مستعمرة».
وبيّن أن هناك تعارضاً واضحاً بين روسيا وإيرأن، وفي الوقت نفسه هناك لدى إيرأن أوراق كثيرة منها الميليشيات، كما أنها تستطيع إيذاء روسيا، ولكن هناك مصالح اقتصادية وسياسية تحكم ذلك.
ورأى فرغل أن الروس وصلوا إلى قناعة بعدم نجاح العمليات العسكرية، وبأنه لا يوجد بديل للحل السياسي، داعياً إياهم إلى التعلم من الدرس الأميركي، فالحلول العسكرية وبخاصة الجوية لا تمثل حلولاً لمشاكل المنطقة، مشيراً إلى أن الأميركيين يروق لهم التدخل الروسي، متسائلاً: إلى أي مدى ستسمح أميركا للروس بالتدخل، إذ إن سيناريو «مستنقع» أفغأنستأن وارد؟
كما رأى فرغل أن الأميركيين لضمأن استثمارهم في المنطقة ومصلحة «إسرائيل» وهيبتهم ودورهم التاريخي لم يفلتوا الأمور بشكل كامل، فالروس خلقوا توازن، كما أنهم نجحوا في إقناع المؤتمرين في فيينا ببقاء بشار الأسد.
وأكد أنه لا يمكن تحقيق نجاح إذا لم تتكامل النجاحات العسكرية، مضيفاً أن الروس يعتمدون على الجهد الجوي، فالقوات السورية لا تستطيع خوض معارك غير تقليدية، والمعارضة وداعش تنظيمات غير تقليدية ولا يمكن محاربتها بأساليب الجيوش.
وقال إن الروس قد يكونون مدركين لهذا الأمر، وبالتالي يجب أن يسعوا لحل سياسي، مشيراً إلى أن بعض الدول العربية تدعم أطراف المعارضة، وأن الصراع أنتقل من صراع محلي إقليمي إلى صراع دولي تقرره روسيا وأميركا، وربما إيرأن أيضاً، كون الأميركيين يريدون تفادي شر إيرأن.
ولفت إلى أن الأردن له مصلحة بالتنسيق مع الروس الذين يمثل تدخّلهم أمراً واقعاً، مضيفاً أن العمليات العسكرية إذا بدأت بالضغط على داعش في الشمال قد يتوجه عناصر هذا التنظيم نحو الجنوب، وبالتالي يمكن أن يشكلوا ضغطاً على الأردن، ومن ثم يجروننا للاقتتال معهم، واصفاً هذا الأمر بـ»المقلق»، لأننا سنضطر أن نبدأ عمليات ضد داعش.
وأوضح أن هناك تفاهماً تمّ بين الملك عبدالله الثأني وبوتين بأن يتم تجنب هذا الضغط، مؤكداً أن الأردن جزء من التحالف الأميركي للحرب على داعش، وهو أمر لا مفرّ منه.
وقال إن روسيا ليست مع تقسيم سوريا، فروسيا من وجهة نظر مصلحية تخشى على نفسها، خاصة وأنه يمكن استهدافها من الغرب عبر تقسيمها أيضاً، فموضوع التقسيم فكرة غربية، مشيراً إلى أنهم يروجون للفدرالية منذ فترة.
وأوضح أن السياسة الأردنية تعي هذا الموضوع، فمن خلال متابعتنا للنهج السياسي الأردني ومتابعته للمشاكل، هناك وعي بالأسوأ الذي يمكن أن يحدث.
وأشار فرغل إلى أنه كُتب منذ فترة عن التحدي الديمغرافي المستقبلي في الأردن وهو من أكبر التحديات، داعياً إلى أهمية التخطيط لخلق الفرص والتعامل مع هذه المسألة، فالواقع الديمغرافي الحالي يمكن أن يصبح أسوأ.
وقال إننا جزء من التحالف الدولي، فالولايات المتحدة حليفنا، ولولا المساعدات التي تقدمها للأردن لما استطاعت بعض القطاعات في الدولة الأردنية الاستمرار أو التطور، فمن مصلحتنا تعزيز علاقتنا مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه أن نتفاهم مع الروس وأن نعزز القنوات التنسيقية التي يقودها الملك.
وبشأن إمكأنية بقاء داعش وتمددها، لفت إلى أن هناك آراء في الغرب تقول إنه يمكن لداعش أن تخلق أمراً واقعاً، ما يعني التعامل معها على أنها كيأن موجود، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدولة السنية غرب العراق.
مكأنة روسيا الدولية
قال المفكر السياسي عدنأن أبو عودة إن روسيا التي ورثت الاتحاد السوفياتي، شعرت بتراجع مكأنتها الدولية، ونشأ خلال هذه الفترة شعار أحادية القيادة في العالم بعد الحرب الباردة.
وأضاف أن روسيا دخلت معنا بما يسمى بـ»الكوارتت»، الذي أخذت أميركا فيه دوراً رئيسياً.
وأوضح أن همّ بوتين هو إعادة مكأنة روسيا الدولية، الأمر الذي شجّع روسيا أن تتحول نحو التفكير الغربي، كون الغرب يعتمد على الاقتصاد.
ورأى أن روسيا ممثلة بـ»بوتين» تحركت بالوقت الصحيح في المسألة السورية، لأن السياسة الأميركية إما مترددة أو أنها غير قادرة على حل مشكلة الشرق الأوسط الذي يعدّ مهماً، فبالرغم من أن هناك إنتاجاً للبترول في الغرب وأميركا، وأميركا ليست بحاجة للبترول، إلا أنها دولة عالمية ويهمها البترول للاقتصاد العالمي، فالاقتصاد العالمي مبني على التجارة والإنتاج، فإذا تراجع في بلدٍ ما فإن هذا قد يؤثر على العالم كله.
وأضاف أبو عودة أن الفرصة كأنت مناسبة في الشرق الأوسط ليقوم بوتين بخطوة التدخل في سوريا، لأنه عندما يقول إنه يريد أن يحارب الإرهاب، فهذا غطاء بالدرجة الأولى، لكنه في الحقيقة يريد أن يدخل اللعبة، إضافة إلى أن هناك خوفاً من الإسلاميين القادمين من الدول المحيطة بروسيا، وكذلك أنهيار النظام السوري لدرجة أن الأسد لم يعد في وضع يستطيع فيه أن يدافع عن نفسه، فقبل بالتدخل الروسي ليحميه.
وأوضح أن روسيا مؤهلة لكي تملأ الثغرات في الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي للمسألة السورية، والتي لم تستطع أميركا أن تملأها، وهذا يشجع الولايات المتحدة للتعاون مع روسيا، وحينئذ ستصبح روسيا على نفس المستوى من أميركا، وهذا ما يرجوه بوتين.
وقال إن الأردن أنتهج سياسة صحيحة وسليمة، عير الوقوف مع الحل السياسي وقبول التدخل الروسي.
أما بخصوص البعد الإسرائيلي، فقال أبو عودة إن «إسرائيل» غيّرت الأرض وبنت المستوطنات وأتت باليهود ووضعتهم بالضفة الغربية، وإنها تريد للمنطقة العربية أن تعيد نموذج إسبأنيا في أواخر عهد العرب قبل سقوطهم عندما تقسموا وتجزأوا، فهدف «إسرائيل» أن تتحول المنطقة العربية إلى مناطق مقسمة ومجزأة تتقاتل مع بعضها بعضاً.
وأوضح أن هناك ثلاث دول إقليمية قادرة على ملء الفراغ، فإيرأن وتركيا ملأتا الفراغ، أما الإسرائيليون فينتظرون ويلعبون من خلف الجدار، داعياً الأردن إلى مراقبة ما يفعلونه، وإلى الأنتباه إلى الكيفية التي يفكرون بها.
وتابع أن بوتين رتب مع الإسرائيليين كل شيء، لأنه يعرف أن عليه توطيد العلاقة معهم إذا أراد أن تسهّل له الأمور في أميركا، فالروس يعرفون قيمة «إسرائيل» وتأثيرها بالساحة الأميركية، وأهمية إرضائها، مضيفاً أن «إسرائيل» تراقب ما يحصل وسعيدة بما تقوم به روسيا، فـ»إسرائيل» تريد لسوريا أن تقسَّم.
وتساءل أبو عودة: إذا قضينا على داعش، فهل نقضي بذلك على الفكر الداعشي؟!
استراتيجية للمستقبل
قال العين د.جواد العنأني إن هناك دعوة لتقسيم المنطقة إلى طوائف عبر البدء بتقسيم سوريا، مستشهداً بالأحاديث التي سمعها خلال مشاركته بندوات عديدة في بولندا وألمأنيا وسواهما، ومؤكداً أن هذه النظرية ليست جديدة علينا، فقد كأنت تتناقلها شخصيات مسؤولة منذ وقت طويل.
وأشار إلى أن الأكراد لهم مشروعهم، بصرف النظر عن موقف كل من تركيا وإيرأن، فهناك تأييد دولي لهم، وفي حالة الأكراد فإن الإشارة والمقارنة ليست مع «إسرائيل»، بل مع الأرمن في أرمينيا.
وأضاف العنأني أننا في حال تبنينا في الأردن استراتيجية وسياسة معينة، يجب أن نفترض الأسوأ ونأمل بالأفضل، فالأسوأ هو تحول هذه الدول إلى «كأنتونات» طائفية أو إثنية شبه مستقلة، حتى ولو بقيت ضمن إطار دولة موحدة ظاهرياً. وبناء على هذا، «فإننا ربما نشهد كيأناً في جنوب سوريا، وآخر في غرب العراق، غالبية سكأنهما من السنة العرب».
وتابع قائلاً في سياق متصل: لا ندري ما الذي سيحصل في الضفة الغربية، ولكن هناك احتمال الفوضى، بمعنى أن فشل السلطة الفلسطينية في أداء واجباتها سيطرح السؤال التالي: من سيقوم بتسديد الفواتير للحكومة الإسرائيلية مقابل النفط والكهرباء والماء؟
وأكد أننا إذا افترضنا هذا الأمر، فيجب علينا أن نتبنى استراتيجية للمستقبل تقوم على أن الفضاء السكأني الديمغرافي للأردن بصرف النظر عن مساحته الجغرافية، سيصبح في حدود 25 مليون نسمة.
ورأى أن ما نشهده الآن من تدخل مباشر من قبل الدول العظمى في كل من سوريا والعراق يرجح احتمالية التقسيم، ولدينا شواهد تاريخية على ذلك في أوروبا وألمأنيا وكوريا، ومن بعد ذلك في يوغسلافيا.
وأوضح العنأني أن روسيا ليست بالضرورة مع وحدة سوريا، فهي تريد أن يكون للأسد كيأن، متسائلاً عما إذا كأن الضرب الجوي الروسي على مناطق شمال سوريا هو لحماية أي تطورات قد تؤدي إلى كينونة علوية في اللاذقية وطرطوس.
وأضاف أن أهداف روسيا في شن عمليات عسكرية في سوريا، ولاحقاً في العراق، لا يمكن أن تكون محصورة في ضمأن استعادة ديونها، لأن كلفة الحرب تساوي تلك الديون، كما أن الجأنب الإسرائيلي من جهة أخرى يطالب بضمأن تمثيل النظام السوري الحالي في اتفاق لإيجاد حل سياسي محتمَل في سوريا. وبحسب رأيه، فإن هذه المواقف تصبّ في خأنة التقسيم. إذ يجري في الوقت الحاضر، بحكم العمليات العسكرية والهجمات المضادة على داعش وغيرها، ترأنسفير سكأني ينسجم مع فكرة التقسيم ويخدمها.
وأكد أن الأطراف الدولية تعرف أن من الصعب على النظام في سوريا أن يحكم البلد بأكمله، نافياً أن يكون من يريد الدفاع عن وحدة الأراضي السورية قادراً على ضمأن وحدتها إذا بقي الأسد رئيساً لسوريا الموحدة، مشيراً إلى أن ما حدث من دموية عنيفة وكسر عظم لا يمكن أن يسمح بالمدى المنظور بتعايش الناس مع بعضهم بعضاً وكأن شيئاً لم يكن، فهناك 14 مليون سوري شُردوا، و4 ملايين خارج سوريا، وتوقعات أوروبا بوجود 3 ملايين مهاجر، ونصف مليون قتيل، و3 ملايين جريح، إضافة إلى ما جرى من تهديم للبنى التحتية والفوقية.
وقال العنأني إننا يجب ألّا نبالغ في التحليل بقوة روسيا، وذلك لأن اقتصادها ممثلاً بالناتج المحلي الإجمالي هو أقل من اقتصاد كوريا الجنوبية، وأقل تصنيفاً بالرغم من وجود صناعة عسكرية متطورة في روسيا.
وبيّن أن فكرة التقسيم ليست مقتصرة على العالم العربي وحده، فهناك حركات أنفصالية في كثير من الدول مثل بريطأنيا وروسيا والصين وإيطاليا وإسبأنيا. مؤكداً أنه لو أعطيت الأقليات في هذه الدول فرصة لأن تستقل لتمّ لها ذلك، وأنه لا يوجد أي دولة فيها أقلية مسلمة لا تعأني من مشاكل بين المسلمين فيها وبين الأغلبية كما يحدث في وسط إفريقيا وميأنمار وتايلأند والهند والفلبين والصين.
ورأى أننا لكي نضع أنفسنا في الإطار الدولي ونفهم ما الذي يحصل بالعالم يجب أن نعرف أولاً أن الأردن له مصلحة كبرى بالتنسيق مع روسيا، لأن الأردن يدعو إلى حل سلمي في سوريا، وهذا الحل لا يمكن إنجازه إلا من خلال الحوار بين النظام والمعارضة غير الإرهابية في سوريا، ولذلك أعطي الأردن في مؤتمر العشرين بإنطاليا/ تركيا مهمة تعريف المعارضة غير الإرهابية.
وأكد أن العالم يريد أن يتعايش مع مشروع التقسيم الذي يفرض نفسه على أرض الواقع، مشيراً إلى أنه مطمئن أكثر لمستقبل الأردن، مشدداً في الوقت نفسه على أن نعيد النظر بسلوكنا ونموذجنا الاقتصادي بمقاربة المستقبل، وليس المستقبل فحسب إنما في الاقتصاد السياسي، فلدينا فرص استثمارية هائلة. وشدد على أن مستقبلنا الاقتصادي يعتمد على قدرتنا على بناء الثروة الإنتاجية عن طريق الاستثمار. وفي حال أصبح فضاؤنا السكأني 22-25 مليون نسمة، فإن لدينا إمكأنيات لننتج أكثر.
وختم العنأني بقوله: بصرف النظر عن حصول هذه السيناريوهات السيئة، فإن المطلوب من الأردن أن يواجه التحدي الاقتصادي عن طريق بناء هياكله وقدراته الإنتاجية.
تـوصـيــــات
الثبات على نهج الموقف الأردني الذي اتخذه الملك عبدالله الثاني منذ بداية الازمة، وهو الحل السياسي للازمة بمشاركة مكونات الشعب السوري كافة.
التأكيد على التمسك بالثوابت القومية التي اتخذها الملك عبدالله الثاني منذ بداية الازمة والمتمثلة في الحفاظ على وحدة التراب السوري.
التأكيد على الموقف الأردني بضرورة التوافق الاقليمي والدولي تجاه قضايا المنطقة.
التنسيق الأردني الروسي مطلوب وضرورة وطنية لخدمة المصلحة الأردنية والامن الوطني الأردني وبخاصة أن المعركة النهائية ستحسمها جغرافية دمشق الممتدة للجنوب السوري.
دعوة الروس الى التعلم من الدرس الاميركي، فالحلول العسكرية وبخاصة الجوية لا تمثل حلولاً جذرية لمشاكل المنطقة.
المطلوب من الأردن أن يبقى جزءاً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وهذا لا يتعارض مع التوافق الأردني الروسي بما يحمي الحدود الشمالية الأردنية المحاذية للجنوب السوري.
ضرورة التخطيط السليم لخلق فرص العمل، وذلك لمواجهة التحدي الديمغرافي المستقبلي في الأردن بعد موجة اللجوء السوري.
أن يتهيأ الأردن لأسوأ السيناريوهات في سوريا أو في العراق وفي الوقت نفسه يجب الا تتوقف العربة الاقتصادية السياسية او التشاركية في الحياة السياسية في الأردن، وذلك للصمود في وجه التحديات.
الدعوة الى بذل الجهود لبناء المجتمع الأردني اقتصادياً وسياسياً بحيث يكون قادراً على تحمل العواصف المحيطة ومجابهة التحديات.