الاشكاليات القانونية والواقعية لقانون منع الجرائم رقم »7« لسنة 1954

يثير قانون منع الجرائم رقم «7» لعام 1954، والذي لازال ساريا حتى يومنا هذا العديد من المخالفات التي ترافق تطبيقه نظرا للاشكاليات القانونية والواقعية وانعكاساتها السلبية على حقوق الأفراد وحرياتهم، بالاضافة الى شبهة عدم الدستورية التي تحوم حوله نظراً لما يحتويه من قواعد قانونية تشكل خروجاً على مبدأ هام من المبادئ التي تقوم عليها دولة القانون، والذي يعتبر ضمانة هامة من الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات، حيث منح القانون الحكام الإداريين صلاحية ممارسة بعض الاختصاصات التي تدخل ضمن صلاحيات السلطة القضائية المستقلة وأهمها التوقيف والتحقيق.كما ويشكل هذا القانون انتهاكاً واضحاً لضمانات المحاكمة العادلة، اذ تتنافى نصوصه مع احكام الدستور الاردني الذي كفل الحرية الشخصية للأفراد حيث نصت المادة (7) منه على: « أن الحرية الشخصية مصونة».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحامية نسرين زريقات 

ويشكل قانون منع الجرائم بصورته الحالية مخالفة صريحة للمواثيق الدولية والاقليمية التي التزمت بها المملكة الاردنية الهاشمية والتي حرصت على ضمان حق الأفراد في الحرية الشخصية وحقهم في محاكمة عادلة، وفي مقدمة هذه المواثيق ما جاء في المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمصادق عليه والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006، وكذلك ما جاء في المادة (14) من الميثاق العربي لحقوق الانسان والمصادق عليه والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 16/5/2004 وكذلك ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعديد من المواثيق الدولية.

الاشكاليات التي تضمنها قانون منع الجرائم الساري المفعول:

تضمن هذا القانون العديد من الاشكاليات القانونية الشكليه والموضوعية بالاضافة الى الاشكاليات الواقعية ونتائجها على الفرد والمجتمع تمثلت في:

الاشكاليات القانونية الشكلية والموضوعية:

* اولا: تضمن القانون تفويض الحاكم الإداري «المتصرف» صلاحيات مطلقة في إصدار القرار في الحبس دون تحديد مدة لهذا الحبس أو دون تحديد ضوابط، اذ يستطيع الحاكم الاداري إصدار أمر التوقيف للإمتناع عن تقديم الكفالة مما يبرر الاستمرار في توقيف الشخص لأجل غير معلوم.

* ثانيا: منح الحاكم الإداري صلاحية مطلقة في تحديد مبلغ الكفالة وشخص الكفيل حيث أجازت المادة السابعة للمتصرف أن يرفض قبول أي كفيل لا يرضى عن كفالته لأسباب يدونها بالضبط، كما له صلاحية تحديد نوع الكفالة من مالية أو عدلية مما يجعل عملية تقديم الكفالة نوعاً من المستحيل الواقعي والقانوني فضلاً عما يتخللها من إجراءات ودفع رسوم وغيرها، وبعكس ذلك يبقى الشخص المكفول قيد التوقيف لحين تقديم الكفالة المطلوبة وفقاً للمادة الثامنة التي تجيز له إذا تخلف الشخص الذي صدر قرار بتكليفة.. أن يعطى تعهداً بمقتضى المادة الخامسة.... يسجن وإذا كان مسجوناً يبقى الى أن يقدم التعهد المطلوب».

*ثالثا: العبارات الفضفاضة التي رافقت كافة مواد القانون والتي تشير الى الصلاحيات المطلقة والواسعة مثل المادة (3) عبارات فضفاضة ومطلقة (إذا كان لديه ما يحمله على الاعتقاد) (رأى أن هنالك أسبابا كافية) (فيجوز له أن يصدر) (ليبين إذا كان لديه أسباب تمنع من ربطه) (إما بكفالة كفلاء أو بدون ذلك) (خلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها)

*رابعا: فوضت المادة الثالثة الحاكم الإداري صلاحيات واسعة في تحديد من هو الشخص الذي يعتبر خطراً على السلامة العامة ولم يحدد القانون في الفقرة (1) أسسا موضوعية يتبعها الحاكم الإداري ليقتنع بأن هذا الشخص يشكل خطراً على السلامة العامة أو على وشك إرتكاب جريمة وما هي معايير ذلك.

خامسا: المخالفة الجوهرية التي منحت الحاكم الاداري صلاحيات سماع الشهود والتحقيق وإصدار الاحكام دون أي ضمانات للمحاكمة العادلة ودون مراعاة إختصاص القضاء فضلاً عن أن الاحكام الصادرة تعتبر من قبيل القرارات الإدارية التي لا يقبل الطعن بها إلا أمام القضاء الاداري مما يشكل عقبة أمام من يسلك هذا الطريق.

الاشكاليات الواقعية ونتائجها على الفرد والمجتمع:

* اولاً: التوقيف إجراء خطير يؤدي إلى سلب الفرد حريته وله العديد من الانعكاسات على حياته وسلوكه، ولا بد أن يكون صادراً من سلطة مختصة وهي السلطة القضائية، وأن يحاط بضمانات قضائية تكفل عدم التعسف بإستخدامه ولا يجوز اللجوء إلى الاحتجاز (التوقيف) في الظروف العادية، لأنه يتعارض مع المواثيق الدولية والمبادئ الدستورية الثابتة، التي تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وأن توقيف أشخاص أكملوا محكوميتهم يتعارض مع المبدأ القائل بعدم جواز معاقبة الشخص عن نفس الجرم مرتين بالإضافة إلى أن ذلك يعتبر تعدياً على إختصاص السلطة القضائية، هذا بالاضافه الى ان القانون لم يتطرق من قريب او بعيد الى عقوبات بديلة او محاولة ايجاد بدائل اصلاحية لاصحاب السوابق الذين يعتبرون من وجهة النظر المدافعة عن هذا القانون السبب وراء سن هذه القواعد القانونية والانطلاق من الاستثناء الى الاصل اذ الاصل صلاح المجتمع والاستثناء وجود اصحاب سوابق ، ولا يتواءم هذا القانون مع الدور الحضاري والحقوقي والتحول التنموي لدور الحاكم الاداري اذ يجب الخروج من الذهنيه التقليدية تجاه الحكام الاداريين.

* ثانياً:لم يتم لهذه اللحظة بلورة رؤيا واحدة حول مضمون هذا القانون اذ الاصل العام ان يتعامل قانون منع الجرائم مع اثار الجريمة ان وجدت لا ان يعدد المراجع وينزع الاختصاصات على حساب السلطة القضائية،كما انه لماذا يتم اقرار بدائل للتوقيف وعقوبات بديلة في تعديلات قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية الاخيرة وتغيير فلسفة العقوبة من عقابية الى اصلاحية، وبالمقابل تبقى صلاحيات الحكام الاداريين بموجب قانون منع الجرائم على حالها.

* ثالثاً: المؤشرات الواقعية بكافة اشكالها تشير الى أن قانون منع الجرائم اصبح من قبيل التزيد بل واصبح يجلب العديد من الانتقادات الداخلية والخارجية للاردن، فمن الداخل لم يسبق أن تم التحدث عن إيجابيات أضافها هذا القانون وان وجدت فهي فردية مقتصرة على دور تقليلدي يقوم به الحكام الاداريون في إنهاء بعض القضايا هذا من جهة بل جميع المختصين في الاردن يكاد يجمعون على الاشكاليات التي تضمنها هذا القانون والتي ثبت عدم نجاعتها إذ كثيراً ما سمعنا عن إنتقادات أثيرت حول هذا القانون، والرفض الاجتماعي لتشريع ما أحد موجبات التعديل أو الالغاء لهذا القانون.

رابعاً: تشير الاحصائيات الصادرة عن مديرية الامن العام في تقارير المركز الوطني لحقوق الانسان للاعوام 2015و 2016 و2017 الى ارتفاع اعداد الموقوفين الاداريين عام 2017 ليصل الى (34952) مقارنة ب (30138) شخصا عام 2016 و (19860) شخصا عام 2015.وهذا الارتفاع في اعداد الموقوفين يؤدي الى ارتفاع الكلفة المالية على خزينة الدولة اذا علمنا ان تكلفة ايواء النزيل الشهرية بحسب مديرية الامن العام (750) دينارا ،اضافة الى التوقيف /سلب الحرية واجراءات الطعن به وتقديم الكفالات يؤدي الى زيادة الاعباء المالية على اسر النزلاء.

 

الخلاصة

وعليه فإن القول بإلغاء هذا القانون و/او تعديله على اقل تقدير نجد له مبررا، ذلك أنه قانون مرحلي أملته ظروف إجتماعية وتاريخية في بداية إرساء دولة القانون والمؤسسات، وأن هذه الظروف لم تعد قائمة في وقتنا الحالي، وذلك بتطور المجتمع الأردني ونضوج دولة القانون والمؤسسات، وتعزيز دور القضاء وتطبيق الأحكام الواردة فيه وهذا كله يتنافى مع توجه الدولة الأردنية نحو تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات.