دعا خبراء وسياسيون وأكاديميون إلى بناء مشروع قومي عربي يقابل المشاريع (الإيراني والصهيوني والغربي) التي تحاول ملء الفراغ في المنطقة.
ورأى المشاركون في ندوة عقدها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «إيران وقضايا المنطقة»، أن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي «تعتمد فرز المصالح بقراءة الحدث».
وتالياً أبرز وقائع الندوة:
سياسيون: الدعوة إلى بناء مشروع قومي عربي لملء الفراغ بالمنطقة
أدارها- د.خالد الشقران
حررها وأعدها للنشر - جعفر العقيلي وبثينة جدعون
أيار 2015
ملء الفراغ
قال رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة إن هناك فراغاً في الإقليم ولا يمكن عدّ أيّ دولة صاحبة قرار فيه، رغم أن الأطراف القوية كـ «إسرائيل» وتركيا وإيران تحاول أن تملأ هذا الفراغ.
وأضاف أن أنقرة وطهران وتل أبيب عواصم تتخذ قرارها بنفسها، مشيراً إلى أن عبد الناصر كان في السابق يتخذ قرارات للسيطرة على الشعوب العربية، وحاول صدام حسين ملء هذا الفراغ ولكنه فشل، أما الآن فلا يوجد من يسد هذا الفراغ.
وتساءل أبو عودة عن الدور الذي قامت به جامعة الدول العربية عندما تفككت دول مثل سوريا واليمن والعراق وليبيا، مشيراً إلى أن هذا الأمر كشف فشل العالم العربي في ما يسمى «الدولة القطرية»، أو دولة الأمة، لأنه أسقط عنصراً مهماً هو المواطنة.
ورأى أن القضية الفلسطينية أعطت للشعوب العربية، مبرراً للقول إن الأنظمة فشلت في إعادة الأرض، فأصبحت الانقلابات العسكرية تبرر ذاتها.
وقال أبو عودة: «لقد عشنا سابقاً ضمن أنظمة سلطوية من دون ديمقراطية أو تعددية»، وأضاف أن الهويات الفرعية تنتشر في ظل غياب التعددية السياسية.
وأكد أن «إسرائيل» لا يمكن وحدها أن تملأ الفراغ في المنطقة، وبالتالي أصبح الأمر مرتبطاً بإيران وتركيا، مضيفاً أن الصفقة النووية بين إيران وأميركا قد تفتح الطريق أمام تعاون في مجالات أخرى، إذ قالت أميركا إنها ستعترف بإيران بوصفها طرفاً نافذاً بالإقليم، ما يعني أن إيران مرشحة لملء هذا الفراغ.
وتابع أبو عودة أن أوباما أشار إلى الاستدارة نحو المحيط الهادئ، كما أن أوروبا الغربية والشرق الأوسط كانت مركزاً بالنسبة لأميركا منذ الحرب العالمية الثانية، ففي الشرق الأوسط يوجد النفط و«إسرائيل».
لعبة ذكية
قال الكاتب السياسي د.لبيب قمحاوي إن مفهوم الفراغ وملئه ابتدأ مع آيزنهاور، وكان نتيجة انسحاب القوى الاستعمارية التي ملأت الفراغ بالشرق الأوسط في السابق، والذي نشأ نتيجة فشل التجربة القومية العربية في إعادة التماسك إلى المنطقة.
وأضاف أن سقوط الخيار القومي جعل المنطقة مفككة، وفتح الباب أمام التيار الديني والمذهبي الذي استعملته القوى المذهبية (تركيا وإيران) للولوج في المنطقة، مشيراً إلى أننا نتطلع إلى دخول التيار الإسلامي كبديل عن التيار القومي الذي فشل في التحقق.
وأكد قمحاوي أن إيران تستطيع القيادة السياسية بمنطلق شيعي مذهبي وليس بمنطلق إسلامي، أما تركيا فتجربتها العثمانية لم تشفع لها، وبالتالي دخلت من الباب المذهبي، مشيراً إلى أن موقف إيران مما يجري الآن ومحاولة ملء الفراغ يعدّ موقفاً تاريخياً أقرب إلى صلب القومية الفارسية، وهنالك عداء تاريخي بين القومية الفارسية وبين العرب لا المسلمين.
وأضاف أن الفارسيين يحمّلون الفتح العربي مسؤولية سقوط الإمبراطورية الفارسية، وهم يرون أن الدولة العربية التي أصبحت دولة إسلامية قد امتصت علوم وخيرات الحضارة الفارسية تماماً كما امتصت أميركا علماء ألمانيا بعد سقوط النظام النازي.
أما القضية في تركيا بحسب قمحاوي، فليست قومية، بل هي قضية سياسية، فثمة حزب نجح في الانتخابات ويتبنى إعادة إحياء الخيار العثماني كوسيلة للهيمنة على المنطقة.
وأوضح قمحاوي أن موقف تركيا قد يختفي بين ليلة وضحاها إذا ما سقط الحزب الحاكم بالانتخابات، بينما إيران لن يختفي موقفها وسيبقى دائماً موجوداً، مؤكداً أن الخطر الحقيقي هو الفارسي الإيراني أكثر من التركي العثماني الذي يعدّ خطراً مؤقتاً.
وأضاف أنه لا يوجد إجماع داخل تركيا على موضوع الخلافة العثمانية أو على أن تسير تركيا بهذا المسار الذي يدخل من الباب المذهبي، أي من الدين، لأن هنالك تياراً علمانياً قوياً جداً داخل تركيا.
وتابع قمحاوي أن إيران لعبت «لعبة ذكية» عبر الدخول من القضية الفلسطينية ومحاربة «إسرائيل» والادعاء بأنها دولة المقاومة، وأن الأجهزة أو التنظيمات التابعة لها خصوصاً حزب الله في لبنان، هي تنظيمات مقاومة، كما أن النظام السوري يدعي بأنه نظام مقاوم.
وقال إن العاطفة العربية تجاه كل من يعادي «إسرائيل» هي عاطفة قوية جداً، وهنالك دعم حقيقي لإيران من هذا الباب، متسائلاً عما إذا كان هذا الأمر يكفي لنسلّم المنطقة لإيران، إذ إن الاستعمار الإيراني يلغي القومية العربية ويلغي أي ارتباط بين العرب وهذه الأرض أو أجزاء منها ويفتّتها على أساس مذهبي.
وأشار إلى أن التجربة التركية من خلال الحقبة العثمانية استفادت من كون العثمانين خلفاء على دولة إسلامية، فقد تشربوا واستفادوا كثيراً من العلاقة التي ربطتهم بالإسلام، وتحديداً الإسلام السني، في حين أن الفرس يعدّون هذه العلاقة خسارة لهم، وذلك وفقاً لخلفية تاريخية وواقع سياسي مختلف.
ورأى قمحاوي أن المقومات التي تملكها إيران في ما يتعلق بتنفيذ مشروعها بالمنطقة تعدّ أقوى بكثير من تلك التي تملكها تركيا.
«شرطيّ بعمامة»!
دعا الوزير والسفير الأسبق في إيران د.بسام العموش إلى تسمية المشاريع الثلاثة في المنطقة: «الصهيوني والغربي والفارسي»، بدلاً من «التركي والفارسي والصهيوني»، موضحاً أن هناك نقاط التقاء واختلاف بين المشروعين الصهيوني والغربي.
وأشار إلى رد أربكان على سؤال وجهه له أحد قادة حماس: ماذا تمثل فلسطين بالنسبة لكم؟ بقوله إنها تمثل المرتبة الرابعة، بعد تركيا، وقبرص، والاتحاد السوفياتي، والأتراك في أوروبا.
ورأى العموش أن إيران تريد أن تكون «شرطي المنطقة» لكن «بعمامة»، وقال إن معظم سكان إيران تاريخياً كانوا من السنة، وفي عهد الصفويين انقلبت المعادلة، مشيراً إلى أن لدى الإيرانيين طموحاً بأن يكون لديهم سلاح نووي، وأن إيران استخدمت القضية الفلسطينية شكلياً لصالح تحقيق طموحاتها التي تتغطى بغطاء مذهبي، في ظل غياب مشروع عربي لمواجهتها.
وقال العموش إنه يؤمن بالتعددية الدينية والطائفية، ففي الخليج وتحديداً في العراق، يكون في العائلة الواحدة السني والشيعي معاً، مشيراً إلى أنه عندما أُسقط نظام صدام حسين استفادت دولتان هما «إسرائيل» وإيران. ورأى أن الأحزاب العربية فاشلة، بالرغم من إيمانه بالعمل الحزبي، فالإسلاميون لا يوجد لديهم مشروع دولة أو مشروع تحالفات، سواء على مستوى النقابات أو الانتخابات.
وأضاف العموش أن تصورات الإسلاميين، وتحديداً «الإخوان المسلمين» تبدو «غير واقعية»، كما ثبت فشل الأحزاب القومية. ورأى أن تنظيم القاعدة لم تصنعه أميركا، لكنها استغلته في محاربة الاتحاد السوفياتي، في حين أن «داعش» صنيعة الاستخبارات الإيرانية والسورية والعراقية.
كما رأى العموش أن الأردن يواجه خطر المنظمات التكفيرية ممثلة بالقاعدة وداعش، بالإضافة إلى الخطر الإيراني، مسستدركاً بقوله إن الأردن «يعي هذا الخطر».
وأضاف أن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعتمد على فرز المصالح بقراءة الحدث والمصلحة، ودعا إلى تقوية الطموح العربي المستقبلي، وإعادة قراءة التاريخ.
عدوّ آخر
قال أمين عام حزب البعث العربي التقدمي فؤاد دبور إنه لن يقف مع الفرس إذا ما احتلوا دولة عربية، مشيراً إلى أن شاه إيران كان قبل الثورة يعدّ عموداً أساسياً للولايات المتحدة في المنطقة.
ودعا دبور إلى التمييز بين الهيمنة والسيطرة التي تقوم بها الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبين العلاقات الاستراتيجية ما بين الدولة الإيرانية وبعض الدول والأقطار العربية، وتحديداً أقطار المقاومة، وبخاصة سوريا ولبنان اللتان «دفعتا ثمن تحرير جنوب لبنان من الصهاينة».
ورأى أن حزب الله دخل سوريا للدفاع عن هذه الدولة التي «تواجه حرباً كونية لإسقاطها»، وليس من أجل أي هدف آخر، مؤكداً أنه ليس وارداً أن تكون هناك هيمنة شيعية في سوريا.
وتساءل دبور: لماذا نريد أن نخلق عدواً آخر غير العدو الصهيوني؟! فالقواعد الأميركية التي جاءت إلى المنطقة جاءت تحت هذه الذريعة، مضيفاً أن مليارات الدولارات دُفعت ثمناً للسلاح الذي تنتجه المصانع الأميركية والفرنسية والبريطانية وغيرها أمام الخطر الإيراني وليس الصهيوني، وبالتالي فإن الهدف من الدفع باتجاه تكريس فكرة أن إيران دولة معادية للعرب ولها أطماع في الأراضي العربية، هو أن تبقى الولايات المتحدة مهيمنة ومسيطرة على النفط العربي، وأن تحمي الكيان الصهيوني، وأن تفتح مصانعها لبيع السلاح الذي يقتتل به العرب الآن.
ولفت دبور إلى أن حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل المقاومة التي قاتلت في غزة باستخدام السلاح الإيراني ليست شيعية، وبالتالي علينا أن لا نحكم على الأمور من منطلق طائفي أو مذهبي، وأن لا نخلق من إيران التاريخ والجغرافيا عدواً حتى فنبتعد بالتالي عن العدو الصهيوني الذي يمثّل العدو الحقيقي المهدِّد أمتنا ومستقبلها.
النفوذ والتمدُّد
قال أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة البلقاء التطبيقية د.محمود جبارات إن الدولة في إيران لها مقومات معروفة ومحددة بالجغرافيا والسياسة والمكون الطبيعي من السكان والمذهب، وأن هذه الدولة تملك منذ البدايات مشروعاً سياسياً سواء في عهد الشاه أو في عهد الخميني.
وأكد أن إيران تملك مشروعاً سياسياً محدد المعالم، وأنها تحاول باستمرار زيادة مساحة نفوذها على حساب المنطقة العربية، مشيراً إلى أنه لها في عهد الشاه محاولات في الإمارات والخليج العربي وفي هرمز وأفغانستان والباكستان، وفي عهد الشاه أيضاً ورغم علمانيته وثورة مصدّق، استمرت طهران حارساً لقوى الاستعمار الجديد في الخليج.
وأضاف جبارات أن الثورة الإيرانية تقوم على مقومات داخلية، مشيراً إلى أن 84% من سكان إيران يتحدثون اللغة الفارسية، وأن المذهب السني تراجع مقابل زيادة التشيع في إيران، كما كات الثورة قد استفادت من حزب «توده» الذي كان ناشطاً ضد نظام الشاه.
وأوضح أن عهد الإمام الخميني شهد مشروعاً لتصدير الثورة، وكانت نتائجه حرب الخليج الأولى، ثم سياسة الاحتواء المزدوج للعراق وإيران، ويالرغم من ذلك استمرت إيران بطريقة مختلفة بعد أن انهار تصدير الثورة بشكل مسلح خارج إيران على حساب المنطقة العربية، وتغير هذا المشروع لصالح قوى ناعمة امتد فيها المذهب الشيعي الذي تأسس في دول عربية مثل العراق وسوريا ولبنان ثم اليمن.
وقال جبارات إن إيران ما تزال تحاول زيادة نفوذها بالمنطقة وتعزيزه، في ظل فشل قيام دولة قطْرية، وعدم وجود مركزية عربية، وفشل مشروع نظام الدولة القادرة على أن تكون دولة مركزية، ما أدى إلى استمرار النفوذ الإيراني واتساعه.
وأضاف أن إيران تعدّ دولة منظمة وذات أداء عالٍ، إضافة إلى أنها تملك النفط والنفوذ من خلال المذهب الشيعي بالمنطقة.
وأشار جبارات إلى أن نفوذ حزب الله واضح في كل من سوريا ولبنان، أما في اليمن فعدد الذين ينتمون للمذهب الاثني عشري لا يتعدى 2-5% من عدد السكان، مضيفاً أنهم استمروا بالرغم من ذلك بالسيطرة على الرئاسة.
وشدّد جبارات على أن هذا التنظيم وهذه القدرة على النفوذ يدفعان إيران لزيادة تعزيز دورها الإقليمي.
وبخصوص المشروع النووي قال إن إيران استطاعت من خلال اتفاقها مع الدول 5+1 عام 2013 تعزيز نفوذها مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي أصبحت الشركات الأميركية والبريطانية والفرنسية تتهافت على إيران لتستفيد من الاستثمارات القادمة إليه.
وأوضح جبارات أن تمدد حزب الله في لبنان مستمر، وكذلك في سوريا واليمن، ويمكن أن يستمر بمناطق أخرى بالخليج العربي، حيث ما تزال إيران تقدم له تسهيلات لها علاقة بالاقتصاد، مضيفاً أن هذا الأمر غير معهود في مذهب يعدّ إسلامياً من جهة، ومنفتحاً من جهة أخرى.
أما بالنسبة إلى علاقة إيران مع الغرب، فقال جبارات إن إيران تدرك أن مصالحها مرتبطة بالغرب، مضيفاً أن كل الرؤساء الإيرانيين منذ العام 1979 يقولون إن أميركا هي «الشيطان الأكبر»، ورغم ذلك ما تزال «الصديق الحميم»، إذ تعاونت إيران مع الولايات المتحدة في احتلال العراق.
وبيّن أن إيران تحاول أن تزعزع اليمن وتسيطر عليه، وتحاول أن تمد نفوذها لباب المندب، مضيفاً أن هذا كله في محاولة من إيران ووعي منها بموضوع المشروع الأميركي المتمثل في تحجيم القوى الصاعدة (روسيا والصين).
ولفت جبارات إلى أن تحجيم نفوذ روسيا والصين أميركياً يتم عبر إيران، وذلك من خلال عبور شاحنات النفط إلى الشرق عن طريقها، ومن خلال علاقة إيران بجمهوريات الاتحاد السوفياتي.
ورأى جبارات أنه لا يوجد أي ضرر من أن تكون هناك علاقة سياسية بين الأردن وإيران، وذلك لأن إيران دولة تحترم سيادتها وتحترم سيادة الدول الأخرى، كما أنه لا يوجد هناك مذهب اثني عشري بالأردن تستفيد منه إيران، ولا توجد لدينا حدود مشتركة معها، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات بين الدولتين يكون على ضوء مصالح متقابلة.
الخطر التركي
قال رئيس تحرير شبكة الأردن العربي محمد شريف الجيوسي إن «إسرائيل» هي التي تمثل الخطر على المنطقة. وأضاف أن إيران دولة شيعية من قبل قيام الثورة الإسلامية فيها، وأنه ليس لإيران دور في الجمهوريات السوفياتية سابقاً، بعكس «إسرائيل».
وأوضح الجيوسي أن سر الخصومة ما بين دول الخليج وإيران يعود إلى الجزر المحتلة قبل قيام الثورة الإسلامية، مضيفاً أن صراعنا مع إيران هو صراع مصالح وحدود وليس صراع وجود، فهم موجودون في المنطقة كما نحن موجودون منذ آلاف السنين.
وأشار إلى أن المذهب الشيعي منتَج عربي في الأساس وليس منتَجاً فارسياً، وأن إيران ليست دولة فارسية بحكم تشكيلتها الديمغرافية، إذ إن 45% منها فرس والباقي عرب وأكراد وتركمان، كما أن الصفوية ليست منتجاً فارسياً، بل هي منتج تركي أذربيجاني نسبة إلى صفي الدين الصوفي التركي الأذري.
وأضاف الجيوسي أن تركيا ليست دولة سنية، فالمكون الأكبر فيها هم الشيعة والعلويون، مشيراً إلى أن السلطان سليم الذي فتح بلاد الشام هدم مقام ابن حنبل في حلب وأقام مكانه مقام ابن عربي، في حين أن إيران كانت سنية في الوقت الذي كانت فيه بلاد الشام شيعية.
ورأى أن تركيا تشكل خطراً على العرب وآسيا، فهي عضو بحلف الناتو وترأست قوات الحلف في أفغانستان، مضيفاً أن «داعش» هي صناعة أميركية بحتة، وليست صناعة أميركية سورية كما يقال، كما أن حزب الله لم يدخل سوريا إلا بعد ثلاث سنوات من الحرب عليها.
السنّة أمة وليست طائفة
قال الأمين العام للحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إن إشكالية إيران تكمن في أنها تمثل جغرافيا ثابتة وتنتمي للأمة الإسلامية، وأضاف أن مشروع إيران-الدولة قائم على قضيتين هما: الاستخدام الطائفي، وعقدة العرق التاريخية، كما أن محرك المشروع الإيراني قائم على مفهوم الدولة العالمية، وأدواته المرشد الأعلى للثورة والحرس الثوري.
وتابع الشناق بقوله إن إيران اختارت أن تكون العلاقة بينها وبين العرب قائمة أولاً على أساس الصراع بالاستخدام الطائفي، وثانياً أن هذه العلاقة تقوم على اعتقاد إيران بأن كل ما هو سنّي في العراق «مع صدام حسين»، وهذا ما سهّل سيطرتها على العراق، فالحرب الحقيقية هي تلك التي تُشَنّ على العرب السنّة، لذا ارتاحت إيران باحتلال العراق من قِبل القوات الأميركية.
وأكد أن مشروع الطائفة الشيعية هو مشروع قائم على أساس الثأر والعداوة للعرب السنة، لافتاً إلى أن هذا الأمر يزجّ المنطقة العربية في صراع طائفي مذهبي، إذ إن زجّ هذه المنطقة بما يشبه ما شهدته الإمبراطورية الرومانية من صراع ديني، يؤدي إلى إعادة ترسيم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي. مضيفاً أن إيران تريد التمدد والهيمنة والتوسع، فهي تسيطر على جماعات تنتمي لمذهبها الطائفي وتسيطر من خلال هذه الجماعات على الجغرافيا العربية (العراق، لبنان، اليمن..)، لكنها لن تستطيع التحكم والسيطرة على هذه الجغرافيا، لأن السنّة أمة وليست طائفة.
وأوضح الشناق أن الأردن في ظل هذا الموج الكبير لديه نقاط قوة وفي الوقت نفسه نقاط ضعف، إذ لم يُعرف عنه بأنه انحاز لطائفة أو لمذهب، أو أنه ضد الأكراد والقضية السورية، ولم يدخل في صراع المكوّنات، وبالتالي لديه أوراق قوية ليلعب دوراً ما.
ورأى الشناق أن «إسرائيل» لا تمثل مشروعاً في المنطقة على على اعتبار أن الكيان الصهيوني لم يولد من رحم الأمة، وأنه وُلد ليموت.
مشروع قومي عربي
قال الكاتب الصحفي بسام بدارين إن حزب الله دخل الحرب في سوريا على أساس: «لن تسبى زينب مرتين»، مضيفاً أن هذه رسالة سلبية للسنّة، كما أن «المسرحيات» التي تعرضها طهران عن القدس و»اللجان الزاحفة» مقلقة للعرب، وأن تسليح إيران لبعض الفصائل الفلسطينية بين الحين والآخر هو «لأغراض سياسية».
وأكد بدارين أن «داعش» صنيعة النظام السوري والاستخبارات الإيرانية والإسرائيليون، وأن إيران هي مصدر المشكلة الطائفية في العراق عبر إقصاء السنة واستهدافهم وعرقلة خطط التنمية بمحافظة الأنبار السنية، وأنها «تغذّي وتحمي الأداء الطائفي العنيف والإجرامي الذي لا يقوم به إلا الصهاينة».
وقال بدارين إن المشروع الإيراني الفارسي سيتفق مع المشروع الصهيوني، ليس على المستوى الرسمي فقط وإنما على المستوى الشعبي أيضاً، مؤكداً أن الحاجة ملحّة لمشروع قومي عربي، مضيفاً أنه يرى بارقة أمل بخطوات الملك سلمان، فهناك «لغة جديدة» بالسعودية بهدف ملء الفراغ اليوم.
صورة العربي بالمناهج الإيرانية
قال الخبير في الشؤون الإيرانية د.نبيل العتوم إن العربي في الكتب المدرسية الإيرانية يُصوَّر على أنه «إنسان غير حضاري»، كاذب، مخادع، ليس له تاريخ أو تراث يوازي ذلك الموجود في إيران، أما الجندي العربي فهو جبان، مغفل، غير مؤمن، متآمر. أما المنطقة العربية فهي بحسب مضامين تلك الكتب، لا تحمل مقومات إيران وتراثها المادي والروحي، وتمتاز بفقر الطبيعة وأبرز ما فيها الصحراء والجِمال وأشجار النخيل، فضلاً عن تصويرها على أنها أحادية التضاريس وتفتقر إلى التنوع.
وأضاف العتوم أن محتوى الكتب المدرسية الإيرانية، يقود إلى تكوين أفكار سلبية مسبقة عن العربي، تتمحور حول فكرة الصراع من منظور مذهبي، مما يعكس مصطلحات قاموس الفكر السياسي الإيراني، حيث وُضعت هذه الكتب المدرسية استناداً إلى روح التعصب للقومية الفارسية ، فهي تتضمن وقائع تاريخية مشوّهة ومزوّرة في أحيان كثيرة، تم إخضاعها مسبقاً لأيديولوجيا السياسة.
ومن الأمثلة التي أوردها العتوم في هذا السياق، تعريف الكتب المدرسية الإيرانية للفتح الاسلامي، بأنه «اجتياح واحتلال»، ووصفها الفاتحين العرب بأنهم «غزاة طامعون»، كما أن هذه الكتب لا تشير لعظمة الاسلام وما قدمه لإيران، وهي تعتبر بلادَ فارس وشعبها موحّدين للإله قبل مجيء العرب.
وأكد العتوم أن الكتب المدرسية سعت متعمدة إلى عدم تعريف الطلبة الإيرانيين بالحضارة العربية الإسلامية، واختزلت النظرة لهذه الحضارة من خلال الصراع المذهبي بنظرته الضيقة، مشوّهة التاريخَ العربي وسير الخلفاء المسلمين الذين وصفتهم بأقبح الصفات.
ووصف العتوم هذا النهج بأنه «إفراز للحقن العنصري التي قامت عليه الثورة الإسلامية من خلال ثورتها الثقافية التي ركزت فيها على تغيير الكتب المدرسية بما ينسجم مع مبادئ الثورة ومرتكزاتها؛ وهي للأسف تثير العصبيات وتفرّق ولا تجمع».
بوصلة الصراع
قال الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية مروان شحادة إن المسألة الطائفية حَرفت بوصلة الصراع، فالصراع الحقيقي هو مع العدو الصهيوني، مضيفاً أن هناك مشكلة ما بين النظم السياسية العربية وبين المركز أو النظام الدولي وعلاقته بهذه النظم.
وأضاف أن الحركات الإسلامية بأطيافها كافة جاءت بعد سقوط الخلافة العثمانية وتَشكّل الدولة القطْرية، وأن هذه الحركات عانت الأمرّين من النظم السياسية الناشئة، وبالتالي فإن المشكلة لا ترتبط بإيران فحسب، وإنما هناك النظام الدولي الذي يتزعمه الصهاينة بطريقة أو بأخرى وعلاقته مع الدول بالمنطقة.
وقال شحادة إن إيران استطاعت في ظل حصار جائر وظالم أن تبني دولة قوية، بصرف النظر عن تفكير الإيرانيين وعقيدتهم، فإيران «هي التي كانت أداة الولايات المتحدة الأميركية في موضوع الطائفية».
وتساءل: لماذا لم يتم تصنيف أيّ فصيل شيعي شارك بالقتال في العراق وفي سوريا ضد الشعوب بصرف النظر إن كانت سنّية أو غير ذلك، بأنه منظمة إرهابية، بل تم تقديم الدعم لهذه الفصائل؟
وأضاف شحادة أن الإسلاميين، بمن فيهم المعتدلون، بدأوا يدركون هذه المسألة، لأن تصنيف المعتدل على أنه إرهابي سيدفع بالكثير من الحركات الإسلامية المعتدلة وعلى رأسها «الإخوان المسلمين» نحو العنف والتطرف، واتخاذ خيار القتال والقوة لإحداث التغيير.
وتساءل عن الكيفية التي تنظر فيها الحركات الإسلامية نحو هذه المسألة، مضيفاً أنها تنظر إلى إيران والنظم العربية بنفس الزاوية، أي بمعيار الإيمان والكفر، وإلى العلاقة مع الغرب بمعيار الولاء على اعتبار أنه مجتمع كافر، لذا يجب أن يتم إعادة تفكيك هذه العلاقة.
ورأى شحادة أن إضعاف النفوذ الإيراني وتفكيكه في المنطقة، يستدعي من أهل السنة الالتفات لأنفسهم، إذ إن الكيان السني أصبح مهدداً.
وأضاف أن إيران أصبحت تجلس على طاولة مفاوضات الكبار، وتم تهميش العرب، مشيراً إلى أن ما جرى في «عاصفة الحزم» يمثل ردة فعل لإيصال رسالة للولايات المتحدة بأن العرب يريدون إعادة التحالف بينهم، في حين أن هذه النظم أصبحت مرتبطة بالولايات المتحدة والنظام الدولي في غياب الإرادة السياسية.
وقال شحادة إن الإسلاميين صُنفوا على أنهم إرهابيون، رغم أنهم مكوّن من النسيج الاجتماعي والحضاري لهذه الأمة، داعياً إلى إعادة النظر في تصنيف الحركات الإسلامية «حتى لا نعطي الفرصة للتطرف».
وأوضح أن الدولة العثمانية لم تكن عدوة للأمة، مؤكداً أن هذا يعدّ من المغالطات التاريخية، لأن العثمانيين بَنَوا حضارة إسلامية عبر خمسة قرون.
ولفت إلى أن إيران لها حضارة منفصلة هي الحضارة الفارسية، كما أن الدين الشيعي المذهبي فيه انحرافات شرْكية في العقيدة.
تغيير الوضع العربي
قال الكاتب والباحث حمادة فراعنة إن هناك ثلاث دول قوية وكبيرة تحيط بالمنطقة العربية هي تركيا وإيران وأثيوبيا الموجودة في منطقة القرن الإفريقي والتي لها تأثيرها على العالم العربي، خصوصاً السودان ومصر.
وأضاف أن قطاعاً واسعاً من المفكرين والسياسيين، يتناسون نتائج الحرب الباردة، فقبل الحرب الباردة كان هناك معسكران يقودان الكرة الأرضية وبعدها أصبحت الولايات المتحدة الأميركية وحدها، مشيراً إلى أن نتيجة الحرب الباردة كانت هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفياتي، وفشل التيار القومي، لأن التيار اليساري فقد مرجعيته التفكيرية.
وتابع فراعنة أن صدام حسين لم يدرك هذه النتيجة، فاجتاحته نتائج الحرب الباردة وتمت تصفيته، أما ياسر عرفات فوافق على مؤتمر مدريد من دون تمثيل فلسطيني من شخصيات فلسطينية وكان عضواً بالوفد الأردني المشترك.
وأشار إلى ما قاله نتنياهو عن نتائج الحرب الباردة على المشروع الاستعماري، من أنها أرغمت العرب أن يجلسوا معهم على الطاولة من دون شطب نتائج حرب حزيران.
وأوضح فراعنة أن هناك أربعة تيارات في العالم العربي: اليساري، والقومي، والليبرالي، والإسلامي الذي كان جزءاً من الحرب الباردة وحليفاً للولايات المتحدة بكل مكوناته باستثناء حزب التحرير الإسلامي.
وأضاف أن الولايات المتحدة تسعى للتفاهم نحو طرفين: ولاية الفقيه، وحركة الإخوان المسلمين.
وقال فراعنة إن الإحساس بالخطر دفع السعودية نحو المبادرات العملية الميدانية، بدعم الخزينة المصرية وتسليح الجيش اللبناني، وإلى التدخل العسكري باليمن لإحباط مشروع ولاية الفقيه.
وأكد أن الرد على كل البرامج والمخططات سواءً التركية أو الإيرانية أو الأثيوبية يكون بتغيير الوضع العربي وليس بفتح معارك مع الدول المجاورة، مضيفاً أن هذه الدول قوية وجارة، وتوجد روابط مشتركة بيننا وبينها.
وبيّن فراعنة أن المشكلة بالعالم العربي تكمن في غياب التعددية سواء كانت قومية من خلال اضطهادنا للأفارقة والأمازيغ في العالم العربي، أو مذهبية، أو دينية، مؤكداً أن التعددية السياسية هي ما نفتقده.
وقال إن علينا أن نتعامل مع إيران من جانبين، الأول جانب الدولة التي يجب أن نسعى لتوطيد العلاقات معها، والثاني الجانب السياسي الحزبي، فولاية الفقيه تنظيم حزبي موجود في العالم العربي من خلال الشيعة، وليس كل الشيعة هم مع ولاية الفقيه.
وأضاف أننا يجب أن نتعامل بواقعية لا أن نستحضر أعداء جدداً، مع الإدراك بأن هناك مخاطر من قوى إقليمية تسعى نحونا وتسعى لتوطيد وتعزيز نفوذها على حسابنا كعرب.
وقال فراعنة إنه لا يوجد بلدان مستقلة في العالم، فالعالم أصبح قرية صغيرة، والتدخلات ما زالت قائمة وموجودة، فالولايات المتحدة تحكم الكرة الأرضية.
وأضاف أن الأردن بحاجة لأن تكون علاقته مع جميع الأطراف متوازنة، وندّية، ومتكافئة، ومبنية على الاحترام المتبادل، مشيراً إلى أن الأردن الضعيف بإمكانياته، اتخذ قراراً شجاعاً بعدم المشاركة في «حفر الباطن».
ولفت إلى أن من يقرأ كتاب الملك عبد الله الثاني «فرصتنا الأخيرة» يجد أنه تحدث عن حجم الضغوط التي مورست على الأردن للمساهمة في إسقاط نظام صدام حسين، وكيف كان يتهرب من هذه المطالب، كما أن الأردن رفض وما يزال يرفض التدخل بالشأن السوري الداخلي.
ولفت فراعنة إلى وجود العشرات إن لم يكن المئات من المعتقلين من محاولات التهريب من سوريا والعراق نحو الأردن أو محاولات التهريب من الأردن إلى العراق وسوريا، مضيفاً أن السياسة الأردنية حكيمة بهذا الاتجاه، وربما يكون الملك عبد الله الثاني هو الوحيد الذي تحدث عن الحل السياسي منذ بداية الأزمة السورية، ثم أصبح الرئيس أوباما يتحدث عن هذا الحل لإنهاء الصراع.
ودعا فراعنة إلى أهمية أن تكون للأردن مصلحة مع كل الأطراف، و»هذا له ثمن»، مضيفاً أنه ليس هناك قرار سياسي لدى الدولة الأردنية بتصفية حركة الإخوان المسلمين، بل هنالك عزم ومطالبة وإلحاح وضغوط لمشاركة الأردن على الأرض وفي الميدان في مواجهة النظام السوري وهذا لم يكن قائماً ولن يقوم، مضيفاً أننا يجب أن ندرك أن الضغوط على الأردن كبيرة، واحتياجاته كبيرة، وبالتالي يجب أن نأخذ هذه الزاوية بعين الاعتبار.
وأضاف أنه إذا كان هنالك مشروع توسعي إيراني فإنه سيصطدم بالمصالح العربية وبالسنّة بما أنهم الأغلبية.