ندوة " التعديلات التشريعية: إصلاح أم مصلحة؟"

05/07/2015


وقال المحامي ديّات إن التعديلات الدستورية التي تمت عام 2011 هي «باكورة مسيرتنا نحو الإصلاح»، مضيفاً أن تبعات ما سمي «الربيع العربي» ساهمت في تحفيز دول المنطقة لتتبنى وتيرة متسارعة في إجراء تعديلات تشريعية وفي اقتراح وتقديم مشاريع قوانين لتتواءم مع التعديلات الدستورية وللوصول إلى الإصلاح المنشود شعبياً ورسمياً، وربما لإثبات جدية هذه الدول وعزمها على تحقيق إصلاح فعلي يلمسه المواطن.
وبيّن ديّات أن التعديلات التي تجري على القوانين هي حاجة طبيعية ونتيجة حتمية لمواكبة التطور والتغير في المجتمع، وهي تخدم مصلحة، والأصل أنها تنشد إصلاحا، إلا أن ذلك لا يمنع من الإقرار أن الكثير من التعديلات التشريعية قد تمت بسبب وتحت وطأة ظروف استثنائية على المستويين الوطني والإقليمي، بحيث تعرضت بعض المبادئ والضوابط الدستورية إلى تجاوزات بسبب ما اتصفت به تلك التشريعات من عجلة وسرعة في إعدادها وإقرارها.

دعت ندوة قانونية متخصصة إلى إعادة النظر في منظومة التشريعات الوطنية وتحديثها لتتوافق مع متطلبات العصر من جهة، ولإزالة تعارض القوانين وتنازعها من جهة أخرى.

وطالبت الندوة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات والجمعية الأردنية لحقوق الإنسان بعنوان «التعديلات التشريعية: إصلاح أم مصلحة؟»، بالعمل على إعداد دراسة وطنية متخصصة بالاشتراك مع المؤسسات والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان والمتخصصين فيها، لبيان أثر الاتفاقيات الموقّعة بخصوص حقوق الإنسان على القوانين النافذة، وتحديد تلك التي بحاجة إلى تعديلات لمساعدة المشرع في إيجاد مرجعية واضحة في التشريع متى تعلق الأمر بحقوق الإنسان.

ورأى المشاركون أن من الضروري البناء على التعديلات الدستورية التي أجريت على الدستور عام 2011 بوصفها باكورة المسيرة الإصلاحية المنشودة.

وحضّت الندوة التي شارك فيها مختصون وحقوقيون وممثلون لعدد من الجهات الحكومية والتشريعية والمدنية، على توعية المواطن بالآثار القانونية التي تترتب على أفعاله، خصوصاً تلك التي يجرّمها القانون بالرغم من صغر الفعل من وجهة نظر مرتكبه.

وكانت الندوة التي قدم فيها عضو الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان المحامي نزار أنطون ديّات ورقة أساسية استند إليها المنتدون في مداخلاتهم ونقاشاتهم، تناولت الأسباب الموجبة للتعديلات التشريعية ومدى دستوريتها، وأثر التعديلات على الحقوق المكتسبة، والأثر الرجعي للتشريعات المعدّلة، ومواءمة التشريعات المعدّلة مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. واستُعرضت لهذه الغاية قوانين معدّلة، منها قانون ضريبة الدخل، وقانون الاستملاك، وقانون الاستثمار، وقانون المالكين والمستأجرين.

 

أدار الندوة: عمر العساف

حررها وأعدها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون

 

الأسباب الموجبة للتعديلات ومدى دستوريتها

أوضح ديّات أن الأسباب الموجبة أو المذكرات الإيضاحية لا تعدّ ضمن السلّم القانوني للدولة وليس لها قوة إلزامية، وعلى الرغم من ذلك فإن أهميتها تكمن بأنه يُستَدل منها على الدوافع التي اعتمدها المشرّع في وضع مشروع القانون والغاية والهدف منه، وذلك للوصول إلى نية وقصد المشرع.

 

ونظراً لكون الأسباب الموجبة لمشروع أيّ قانون تصاغ مع المشروع ذاته، فإن هذا الأمر يُبرز بحسب ديّات أهميةَ الصياغة القانونية الأصولية لمشاريع القوانين أو الأسباب الموجبة لتحديد أهداف ومقاصد مشاريع القوانين من خلال إيراد تعابير واضحة للنصوص القانونية بصورة لا تقبل التأويل ممزوجة أو حاملة لرغبة صاحب القرار السياسي لخدمة هدف عام محدد ووفقا للمصطلحات القانونية المستعملة ضمن النظام القانوني للدولة، ومعبّرة عن القصد المرجو منها، وملتزمة بالضوابط الدستورية والفقهية والنظام العام للدولة، ومدروسة الأثر على مجموع التشريعات المكونة للنظام القانوني للدولة بما فيها الاتفاقيات الدولية النافذة، وهي أمور يجب أن تستمر قائمة في التشريع خلال جميع المراحل الدستورية وصولاً إلى نفاذه، ذلك أن تغيُّب أي منها يعني تأثّر النص وأثره وقصده.

 

وقال ديّات إن هناك تشريعات خالفت بعض هذه القواعد في الصياغة من خلال الخروج عن المصطلحات الواردة في النظام القانوني الأردني، ومنها قانون ضريبة الدخل رقم 34 لسنة 2014 الذي حمل تعريفات ومفاهيم جديدة ليست ضمن المفاهيم أو المصطلحات المستعملة ضمن النظام القانوني الأردني، بحيث أعطت من خلال استخدامها في غير مكانها معنى آخر مستحدثاً، فظهرت مصطلحات مثل «الدخل من الوظيفة» الذي دمج بين مفهوم الدخل من الوظيفة (الراتب) والدخل من العمل (الأجر) ضمن مفهوم واحد، في حين أن «الوظيفة والراتب» وفقا للنظام القانوني بالأردن تعبيران يخصّان الموظف العام، أما «العمل والأجر» فيعبّران عن تنظيم علاقة العمل بين أشخاص القانون الخاص، لكن تعريف «الدخل من الوظيفة» في قانون ضريبة الدخل جاء شاملاً للمفهومين.

 

وأوضح ديّات أن تعريف «نشاط الأعمال» جاء مخالفاً لقانون التجارة الأردني والنظام القانوني الأردني الذي يقوم على التفريق بين التاجر وغير التاجر والعمل التجاري وغيره من الأعمال التي لا تعدّ تجارية.

 

وتابع بقوله إن الأمر تكرَّر في قانون الاستثمار رقم 30 لسنة 2014، ففي المادة الثانية منه قام المشرع باستعمال مصطلح «النشاط الاقتصادي» الذي جاء خارج مصطلحات النظام القانوني، بل واستثنى من التعريف الأعمال التجارية من دون أن يعلم أحد إنْ كان هذا الاستنثاء مقصود أم لا.

 

ومن التعديلات التي أشار إليها ديّات وأدّت إلى عيب تشريعي بسبب عدم دراسة أثر التعديل على القوانين النافذة ضمن النظام القانوني، ما ورد في المادة 279 من قانون العقوبات المعدلة بموجب القانون رقم 8 لسنة 2011 والتي نصت على: «يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من أجرى مراسيم زواج أو كان طرفا في إجراء تلك المراسيم بصورة لا تتفق مع أحكام قانون الأحوال الشخصية أو أي تشريعات أخرى نافذة»، في حين أن نصها السابق كان يقضي بما يلي: «يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من.... أو 2.زوّج فتاة أو أجرى مراسيم الزواج لفتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها أو ساعد في إجراء مراسيم زواجها بأيّة صفة كانت، أو 3... »

 

وقال ديّات إن المادة 109 من الدستور أعطت الطوائف المسيحية الحق في تطبيق قانون الطائفة على أمور الأحوال الشخصية الخاصة بالمسيحيين، وهو القانون الذي يحدد سن الزواج للرجل أو المرأة المسيحية، وحيث أن النص على عدم جواز تزويج المرأة التي لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها لم يتم تثبيته في قانون العقوبات، وإنما ورد في قانون الأحوال الشخصية المطبق على المسلمين، فإن ما ورد في المادة 279 من قانون العقوبات، المعدلة، يعني أن المرأة المسيحية تستطيع أن تتزوج بالسن الوارد في قانون الطائفة التي تُجري الزواج وهو لدى معظم الطوائف المسيحية المعترف بها أقل من 18 عاماً، في الوقت الذي كان الهدف والغاية المرجوة من التعديل المواءمة مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة وحقوق الإنسان.

 

وأوضح أن عدم دراسة أثر إزالة نص تحديد سن الزواج من قانون العقوبات ووضعه في قانون الأحوال الشخصية المطبق فقط على المسلمين، أدى إلى السماح للفتاة المسيحية الأردنية بالزواج وهي في سن أقل من 18 عاماً، كون التعديل فوّض أمر تحديد سن زواجها لقانون طائفتها الذي ينص على سن أقل من 18 عاماً، وهو أمر لم يكن مقصوداً بالتعديل على الإطلاق كون غاية التعديل هي عدم السماح بتزويج المرأة الأردنية قبل بلوغها 18 عاماً.

 

ومن التشريعات التي وردت فيها صياغة غير مألوفة بحسب ديّات، ما ورد في المادة (134/ب) من قانون خدمة الضباط في القوات المسلحة الأردنية رقم 35 لسنة 1966 والتي نصت على: «بالرغم مما ورد أو سيرد في أيّ تشريع آخر...»، فقد جاء في القرار التفسيري رقم 1/2002 إن المشرع بإيراده عبارة «بالرغم مما ورد أو سيرد في أي تشريع آخر..» في الفقرة (ب)، قد قصد تحصين هذا النص ضدّ أي تعديل أو إلغاء يرد في أيّ تشريع لاحق، وأن تعديل هذا النص غير العادي وغير المألوف أو إلغاءه يستدعي أن يضع المشرّعُ النصَّ القانوني الذي يبين بكل جلاء ووضوح أنه قصد تعديل هذا النص أو إلغاءه، وتخلى عن تحصينه ضد التعديل أو الإلغاء.

 

وبيّن ديّات أن رئيس مجلس الأعيان اقترح في عام 2014 تقديم توصية إلى الحكومة بأن تكون الأسباب الموجبة لمشاريع القوانين أكثر تفصيلا. وأوضح أن الأسباب الموجبة لإصدار قانون ضريبة الدخل رقم 34 لسنة 2014 جاءت على صفحة واحدة بثلاثة بنود ذات عبارات عامة، وعلى الرغم من أنها نصت على المبادئ الواردة في الدستور كضوابط لفرض الضريبة إلا أنها ليست كافية في قانون مهم مثل قانون ضريبة الدخل الذي جاء اقتراحه في ظل تبرير الحكومة أن المصلحة المرجوة منه هي إصلاحية تتبنى الضوابط الدستورية في فرض الضرائب وترسم حدوداً جديدة للمساواة والعدالة الضريبية والاجتماعية، في الوقت الذي ظهرت فيه مصلحة مستترة أعلنتها الحكومة تتعلق بشرط صندوق النقد الدولي بوجوب إقرار قانون الضريبة بالصيغة الواردة من الحكومة وقبل نهاية عام 2014 كشرط للحصول على فائدة اقتراض بنسبة 7% بدلا من 12%، وهو الأمر الذي دفع مجلس الأعيان إلى التصويت عليه بيوم واحد ونُشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي وقبل نهاية السنة بيوم.

 

ورأى ديّات أن الكثير من نصوص هذا القانون فيها مغالاة ومخالفات للضوابط الدستورية، بل وتشويه لبعض المبادئ المالية، بالإضافة إلى وجود غاية معلنة وغاية مستترة كان يجب إيرادها ضمن الأسباب.

 

وشدد ديّات على أن الأسباب الموجبة التفصيلية تَظهر أهميتها في المساهمة في التطبيق الصحيح للنص، مدلّلاً بما ورد في القرار التفسيري رقم 1/2008 الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين، حيث لم يستطع الديوان تحديد فيما إذا كان الاقتطاع الوارد على الأرباح الصافية القابلة للتوزيع رسماً أم ضريبة، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة الديوان على تفسير تفسير نص البند (1) من الفقرة (ج) من المادة (6) من قانون مجلس التعليم والتدريب المهني والتقني رقم (58) لسنة 2001.

 

أثر «عدم رجعية القانون» على الحقوق المكتسبة

قال ديّات إن قاعدة عدم سريان القانون على الماضي المعروفة بمبدأ عدم رجعية القانون، تستند إلى اعتبارات الاستقرار والعدالة، فإذا مارس المخاطبون بالقانون نشاطهم في ظل قواعد قانونية، وتحددت مراكزهم القانونية وفقا لهذه القواعد، وجب كفالة الاستقرار لهذه المراكز، ولذلك فإذا ما حلت قواعد قانونية جديدة محل القواعد المذكورة، وجب أن تظل هذه القواعد الجديدة بمنأى عن المراكز التي نشأت في ظل القواعد القانونية القديمة محافظة على هذا الاستقرار المنشود.

وأضاف أن هناك استثناءات على هذه القاعدة، وفقا للفقه، تتمثل في حالة النص الصريح على الرجعية وتعلّق النص الجديد بالنظام العام وحالة التشريعات التفسيرية وحالة القانون الأصلح للمتهم في التشريعات الجزائية.

 

وبيّن أن المحكمة الدستورية فسرت هذا المبدأ في قرارها رقم 2/2014 عندما أجابت عن تساؤل فيما إذا كان يجوز أن ينص قانون ذو أثر مالي على سريان مفعوله بأثر رجعي لتعديل مراكز قانونية اكتملت في ظل سريان قانون سابق، وكذلك فعلَ من قبلها الديوان الخاص بتفسير القوانين في القرار التفسيري 2/2005 لتفسير القانون واجب التطبيق فيما يتعلق باحتساب نسبة الفائدة واجبة الدفع في ضوء إعلان بطلان قانون الاستملاك المؤقت المعدل رقم (61) لسنة 2001. وعلى ضوء ذلك فإن ضوابط مبدأ عدم الرجعية بحسب ديّات هي: إن عدم الرجعية هو الأصل، وإن الرجعية هي الاستثناء، وإن الاستثناء لا يكون إلا بناء على نص في القانون أو لأمر تقتضيه الضرورة أو المصلحة العامة.

 

وأشار ديّات إلى أن عدداً لا بأس به من القوانين تعرضت لطعون تتعلق بمخالفة مبدأ عدم جواز رجعية القوانين كونها كانت مؤثرة على حقوق ترتبت لأصحاب مصلحة في ظل قانون سابق، وعلى الرغم من أن جزءاً منها جاء ضمن الاستثناءات المقررة فقهاً وقانوناً إلا أنه تعرّض إليها من زاوية أخرى مرتبطة بمشروعية المصلحة أو دستوريتها ومدى ارتباطها بالإصلاح، كون الاستثناء يجب أن يتم اللجوء إليه في أضيق حدود ممكنة، ولمصلحة عامة ومعتبرة وذات أهمية.

 

ومن هذه القوانين التي توقف ديّات عند نصوصها: قانون وضع الأموال غير المنقولة تأمينا للدين، حيث نصت المادة 15/2/أ منه بصيغته المعدلة على أنه «لا يجوز للمدين الطعن بإجراءات التنفيذ على المال غير المنقول بعد سنة من تاريخ تسجيله باسم المزاود الأخير ما لم يكن الطعن بالتزوير».كما نصت المادة 15/3/أ من القانون نفسه على أنه «تعدّ جميع التبليغات التي أجرتها دوائر تسجيل الأراضي قبل نفاذ أحكام هذا القانون المعدل صحيحة ومنتجة لآثارها ما لم يطعن فيها بالتزوير»، هذا في الوقت الذي كان فيه الطعن بإجراءات التنفيذ قبل التعديل خاضعا للتقادم الطويل، وكانت هناك مراكز قانونية قد تحققت للأشخاص بالحق في الطعن ببطلان إجراءات المزاد بسبب بطلان التبليغات.

 

وتابع ديّات بقوله: على الرغم من ذلك فإن القانون قد نص على الرجعية من خلال إيراد نص المادة 15/3/أ ومسَّ مراكز هولاء بإخضاعهم للتقادم المنصوص عليه في المادة 15/2/أ (مدة سنة)، واعتبرَ جميع التبليغات التي تمت قبل نفاذ التعديل صحيحة ولا يُطعن بها إلا بالتزوير لتحقيق مصلحة في ظاهرها عامة تتعلق بثبات الأوضاع القانونية وتحديد الملكيات، في حين أن الدافع الحقيقي وراء إضافة هذه المادة هو تزايد دعاوى الطعن في إجراءات البيع بالمزاد العلني التي تمت أمام دوائر الأراضي بعد أن صدر اجتهاد مستقر من محكمة التمييز حول بطلان تبليغ الإشعارات بواسطة الشرطة أوبالإلصاق، وبالتالي فإن معاملة التنفيذ تكون باطلة.

 

وذهب ديّات إلى أن التعديل في حقيقته يبدو تصحيحاً لممارسة خاطئة صادرة عن موظفي دائرة الأراضي التابعة للسلطة التنفيذية، وبالتالي فإنه يمثل -بهذه الغاية والطريقة والإسقاط للرجعية- تجاوزاً على روح الدستور ومخالفة لضابط الضرورة والمصلحة ولأصول التشريع أيضاً.

 

وتوقف ديّات أيضاً عند قانون المالكين والمستأجرين رقم 11 لسنة 1994، الذي يعدّمن القوانين الجدلية على المستوى الشعبي كونه يمثل علاقة بين طرفين تتنافر مصالحهما بصورة كبيرة أدت بالدولة إلى أن تكون دائما متدخلة في هذا القانون.

 

وقال ديّات إن كثرة عدد التعديلات التي جرت على القانون في السنوات الأخيرة قد أدت إلى التساؤل حول أثر الحقوق التي رتبتها القوانين السابقة على القانون الساري حاليا، فقد مر على القانون ومنذ عام 1994 خمسة تعديلات؛ أربعة منها في السنوات الخمس الأخيرة.

 

ورأى أن عدم تبني المشرع سياسية واضحة حول العلاقة بين المالك والمستأجر، وعدم وجود تصور واضح لقانون يحقق الحد الأدنى من القبول، زجّ المجتمع في فوضى تشريعية وتخبّط أدّيا إلى تعدد الأحكام المطبقة على عقود الإيجار وفقا لتاريخ تحريرها.

 

وأضاف أن القانون كان واضحا في تبني فكرة الرجعية في جميع التعديلات، إلا أن التعديلات كانت «فوضوية»، فكانت الرجعية ملموسة في مكان ومنعدمة في مكان آخر، وانعدمت السياسة الواضحة والرؤية الصحيحة لحاجات المجتمع للتشريع، فكان التشريع كلما تبنى حلاًّ عاد وألغاه أو عدل فيه بحيث أصبحت العلاقة الإيجارية محكومة بأكثر من حكم واحد تبعا لتاريخها، الأمر الذي يعدّعيباً تشريعياً كون عيوب التشريع لا تقف عند حد الشكل، بل تتعداه لتطال المضمون.

 

وأوضح ديّات أن قانون الاستملاك الساري حاليا، سبق أن عُدل بموجب قانون رقم 12 لسنة 2004 المعدل لقانون الاستملاك، والذي حل محله القانون المعدل رقم 36 لسنة 2004 بعد أن أقره مجلس الأمة وصدّق وفقا للدستور. وكان القانون المؤقت قد نص على سريان الأحكام التي عُدلت من خلاله على دعاوى الاستملاك المنظورة في المحاكم حين نفاذه والتي لم يصدر فيها قرار ما لم تكن مرفوعة لإصدار قرار الحكم فيها، كما تسري هذه الأحكام على إجراءات الاستملاك التي لم يصدر قرار بتنفيذها. إلا أم مجلس الأمة أقرها بصورة مخالفة تماماً، حيث لم يوافق على النص المقترح، وإنما اقترح وأقر حكما مخالفا للرجعية بحيث نص على عدم سريان الأحكام المعدلة على القضايا المنظورة أمام المحاكم.

مواءمة التشريعات مع اتفاقيات حقوق الإنسان

أكد ديّات أن الاتفاقيات الدولية وفقا للنظام القانوني الأردني، هي أَولى بالتطبيق من القانون الوطني، إلا أن هذا الأمرلا يضعها فوق الدستور، رغم أن هناك فقهاء يرون أن مفهوم حقوق الإنسان، صار مستعلياً على الوثائق الدستورية، وأن مفاهيم حقوق الإنسان باتت تجد من التوافق الدولي أبعادها المرجعية، لذلك فلم يعد دور الدستور تكريس مفاهيم حقوق الإنسان بقدر ما أصبح وضع الأطر والضوابط التي تقيد أداء الدولة بمؤسساتها المختلفة على النحو الذي يكفل أفضل حماية للمواطنين في مواجهة سلطات الدولة.

 

واستعرض ديّات بعض القوانين أو التعديلات التي مست بشكل مباشر بعض حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية أو الدستور الأردني. ومنها المادة 66 من قانون ضريبة الدخل رقم 34 لسنة 2014 وتحديدا الفقرة (ب) منها:

 

«يعاقب بغرامة تعويضية تعادل مثل الفرق الضريبي كل من قام بالتهرب الضريبي أو حاول التهرب أو ساعد أو حرّض غيره على التهرب من الضريبة بأن أتى أي فعل من الأفعال التالية:

 

ب- بالإضافة إلى العقوبة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة، إذا زاد مقدار الفرق الضريبي على خمسين ألف دينار وحتى مائة ألف دينار تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر ولا تزيد على سنة، وإذا زاد مقدار الفرق الضريبي على ذلك تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة».

 

وقال ديّات إن هذا النص والنصوص الشبيهة فيه والتي تفترض ارتكاب المكلف لجرم التهرب الضريبي وترتب عليه عقوبات جزائية لمجرد ظهور فرق في قيمة الضريبة، تعدّ غير دستورية، لكونها تخالف قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي»، كما تعدّ إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات وتخالف نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

وأكد أن الدستور يكفل للحقوقِ التي نص عليها الحمايةَ من جوانبها العملية، ويضمن أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعي، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته.

 

وأضاف ديّات بقوله: حيث أن الدستور كفل في المادة 101/ 4 الحق في أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة، وحيث أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً من الناحية الدستورية بوسائل إجرائية إلزامية تعدّ وثيقة الصلة بالحق في الدفاع وتتمثل في حق المتهم في مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة، والحق في دحضها بأدلة النفي، ولكون النص المذكور قد أخلّ بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجهاً بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه بغير دليل، ومكلفاً بنفيها خلافاً لأصل البراءة، فإن عمله يُعد انتحالاً لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية، وإخلالاً بموجبات الفصل بينها وبين السلطة التشريعية، ومناقضاً كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه في كل وقائعها وعناصرها، ومخالفاً بالتالي لنص المادة (101/4) من الدستور.

 

وبشأن المادة 7 من قانون المالكين والمستأجرين (يستمر حق أفراد أسرة المستأجر الذين كانوا يقيمون معه في المأجور قبل وفاته في العقارات المؤجرة لغايات السكن قبل 31/8/2000 في إشغال المأجور وفقا لأحكام هذا القانون. كما يستمر حق ورثة المستأجر الشرعيين أو أحدهم وزوجته في إشغال العقارات المؤجرة لغير غايات السكن...)، فقد أوضح ديّات أن المشرع، وإن قرر في مجال تنظيم العلاقة بين المالكين والمستأجرين، من النصوص القانونية ما ارتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون صورياً، بالإضافة إلى أنه لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة، على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني فى مواجهة المؤجر، كذلك لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشيء المؤجر، ولا يجوز أن يقوم النص على افتراض أن الدستور يغلب دوما مصالح المستأجر وورثته على حقوق المالك.

 

وأوضح أن النص السابق ينحدر بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، ويحصرها بتقاضي الإيجار، مرجّحاً على الملكية مصالح لا تتكافأ معها، ناقلاً منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً ممتداً غير معتد بإرادة مالكها، وهو ما يعد التواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها؛ وإهداراً لتوازن لا يجوز أن يختلّ بين أطرافها وإخلالاً بالعدالة الاجتماعية.

 

وقال ديّات إن قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين أصبحت على ضوء تعديل المادة 279 من قانون العقوبات، مخالفة لاتفاقية «سيداو» وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كون تزويج المرأة فيها ممكن قبل بلوغها سن الرشد، فضلاً عن أن قوانين الأحوال الشخصية، سواء الخاصة بالمسلمين أو بالمسيحيين، مخلّة بمبدأ المساواة فيما يتعلق في إدارة الأسرة والولاية على الأبناء والإرث.

 

وأوضح أن الحرية الدينية في الأردن المكفولة بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان غير مطبقة في الأردن ومتحفَّظ عليها في الاتفاقيات الدولية، ولكن تطبيقها في الأردن مرتبط بالنظام العام للدولة الذي تُعدّ الشريعة الإسلامية جزءاً منه ومكوناً رئيسياً في المجتمع، والذي لا يسمح للمسلم بتغير ديانته ولكنه يقر للمسيحي تغيير ديانته إلى أي ديانة أخرى، وهو أمر متى تعلق بالمساواة بالحق فإنه يُعدّ إخلالا واضحا بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الأردنيين، فمبدأ المساواة يقضي أنه يحقّ لأيّ من أبناء الديانتين تغيير دينه، أو منع أبناء كلتا الديانتين من تغيير دينه، أما اختلاف الحكم بسبب اختلاف الدين في ظل المراكز القانونية الواحدة، ففيه عدم مساواة كون المسيحي يملك الحق في تغيير ديانته دون المسلم.

 

وأشار ديّات إلى مخالفة قانون الجنسية لاتفاقية «سيداو» والإعلان العالمي لحقوق الإنسان القائم على المساواة في المراكز القانونية، حيث أن المرأة الأردنية لا تستطيع منح أولادها المتولدين لها من زوج غير أردني الجنسيةَ الأردنية، في حين أن الأولاد يتبعون جنسية والدهم قانونا بصرف النظر عن جنسية الزوجة.

 

المناقشات والمداخلات

- مواكبة التطور التشريعي

قال القاضي في محكمة التمييز د.محمد الطراونة إن من يكتشف الثغرات بالقوانين والتشريعات هما القاضي والمحامي، وليس المواطن أو منظمات المجتمع المدني، وذلك لأن القاضي والمحامي يواجهان هذه الثغرات خلال عملهما اليومي.

وأضاف أن القوانين الرئيسية في الأردن عمرها أكثر من 55 عاماً، وأن الأردن لا يواكب التطور التشريعي.

وأشار إلى أن وزارة العدل انتهت من إجراء تعديلات على 189 مادة في قوانين العقوبات لمعالجة الثغرات التي كانت موجودة، مؤكداً أن المشرع وليس القاضي هو الذي يصنع التشريع، وأن مجلس الأمة الحالي هو أكثر مجلس قام بدوره التشريعي منذ عام 1989.

 

وقال الطراونة إن تعريف القانون هو انعكاس تنظيمي لمجتمع معين في فترة معينة، مضيفاً أنه ليس هناك حتى الآن معالجات لقضايا راهنة مثل تلك الناتجة عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفي الوقت الذي دعا فيه إلى استمرار المراجعة الشاملة للتشريعات في حال بروز مشاكل جديدة، قال إن الأفضل هو إصدار قوانين جديدة تواكب المستجدات بدلاً من تعديل 189 مادة على قوانين العقوبات، لافتاً إلى غياب الثقافة القانونية والمعرفة بالقوانين لدى الناس، فمثلاً قد يُعَدّ إطلاق العيارات النارية بالأعراس جريمة قتل عمد يعاقَب عليها الجاني بالسجن 15 سنة، لكن كثيرين لا يعرفون ذلك.

 

وأشار الطراونة إلى أن التعديلات الدستورية التي جرت العام 2011، تستتبع تعديل عدد من التشريعات وجوباً.

وقال إن الاجتهاد القضائي منذ العام 1959 المتعلق بالتشريعات الجمركية والمالية والترانزيت عمل على تطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الخصوص وإن تعارضت مع نص وطني، وبخصوص بعض اتفاقيات حقوق الإنسان هناك اجتهاد أخير أصدرته الهيئة العامة يعطي الأولوية لتطبيق الاتفاقية الدولية التي يصادق عليها الأردن إذا عورضت مع نص وطني.

 

وختم الطراونة مداخلته بالإشارة إلى أن هناك فئات مهمّشة في المجتمع يطالها عنف تشريعي، مثل المرأة والطفل وذوي الاحتياجات.

 

- منزلة الاتفاقيات الدولية

قال رئيس مركز الجسر العربي للتنمية وحقوق الإنسان د.أمجد شموط إن التشريعات الوطنية تعاني من الفوضى والتشوه في الشكل والمضمون.

 

وأضاف أن هناك نصاً عرفياً في كثير من القوانين، وخاصة المتعلقة بالمراكز الوطنية والتبعيات على حقوق المواطنين الاقتصادية والمدنية والسياسية، كما أن هناك تخبطاً واستعجالاً واضحاً من قِبل أصحاب القرار والجهات ذات العلاقة في إقرار القوانين، مما أدى إلى إجراء تعديلات عليها في فترات متقاربة وإقرارها كل مرة من جديد بصورة مختلفة.

 

ولفت شمّوط إلى أن الأردن صادق على العديد من الاتفاقيات، لكن من دون أن يطبقها أو يأخذ بها بما يعود بالفائدة على المواطن، كما أن هذه الاتفاقيات غير مقبولة لدى القضاء الأردني، متسائلاً عن السبب في ذلك.

 

وذكر أنه لا يوجد هناك نص في الدستور يحدد منزلة الاتفاقيات الدولية، فالوزن القانوني والمركز القانوني غير واضحين، مشيراً إلى أن قرار التمييز مثلاً قيل إنه متعلق بالاتفاقيات التجارية وليس بحقوق الإنسان، وبالتالي فإن المواطن الأردني سيُحرم من الحقوق.

 

وأضاف شمّوط أننا بحاجة إلى مراجعة واستعراض لتشريعاتنا الوطنية لتصويبها، مطالباً بتشكيل لجنة مركزية أو عليا تضم في عضويتها ممثلين لوزارة العدل وخبراء من القانونيين والمحامين والنشطاء الحقوقيين لمواءمة التشريعات الدولية ومراجعتها، ليتم تسكينها وتوطينها في القوانين الوطنية لنستفيد منها. كما طالب أن يكون لهذه التشريعات وزنٌ بالدستور أسوة بما هو معمول به في كثير من الدول.

 

- تشريعات تدوم طويلاً

قال رئيس وحدة التشريعات بالمركز الوطني لحقوق الإنسان المحامي عيسى المرازيق إن المركز معني بمراجعة التشريعات، مشيراً إلى أن هذه التشريعات تعاني من مشاكل فنية وضعف في الصياغة، وإلى حاجة مجلسَي النواب والأعيان إلى بعض الإمكانات الفنية.

 

وعدّ مرازيق مركز الدراسات التشريعية في مجلس الأمن خطوة تسهم في تخفيف الضغط ومساعدة الجهة التشريعية لتصدر تشريعات مضبوطة تدوم طويلاً.

وقال إن القضاء يطبق الاتفاقيات الدولية بشكل خجول، وأكد أهمية التوسع بالندوات المتعلقة بالتشريعات، والاستعانة بالإعلام في نشر مخرجاتها.

 

- النظام العام والحقوق

قال المحامي نزار ديّات إن القضاء هو الذي يطبق القوانين ويفسرها، مضيفاً أننا اليوم بحاجة إلى أن نفتح الطريق أمام المحكمة الدستورية، وأن نجعل الوصول إلى المحكمة الدستورية بعيداً عن العوائق الواردة في القانون الحالي التي هي بحاجة من الناحية الفعلية إلى إقناع قاضي الموضوع بجدية الطلب، ومن ثم إقناع قضاة الاستئناف (وعددهم ثلاثة) إذا رُفض الطلب، ومن ثم إقناع قضاة التمييز (وعددهم خمسة)، فنحن بحاجة إلى إقناع 8 أشخاص لغايات الإحالة.

 

وأشار إلى أن اللجنة التي شُكلت في السابق لدراسة مدى الحاجة لمحكمة دستورية، خلصت في حينه إلى أننا لسنا بحاجة لمحكمة دستورية لسببين: أن القضاء يفصل في مدى مخالفة أيّ نص أو أيّ تشريع للدستور متى طعن أمامه بهذا الطعن من خلال دعوى قائمة، وأن إنشاء محكمة دستورية يستوجب وجود نص في الدستور على إنشائها (الدستور قبل تعديلات 2011)، وهو أمر غير ملحّ في حينه بحسب رأي اللجنة، هذا فضلاً عن أن التعديل ومداه هو مسألة تحتاج إلى قرار مستند إلى دواع جوهرية وحساب للإيجابيات والسلبيات بما يحقق الصالح العام للمواطنين على أساس أن التغيير الحقيقي هو الذي يستجيب لحاجات موضوعية ولا يكون لمجرد التغيير فقط.

 

وأضاف ديّات أن ربط الإحالة بمحكمة التمييز فيه مشكلة، كون قرارات محكمة التمييز تشكّل سوابق قضائية لا يجوز الرجوع عنها إلا بقرار من الهيئة العامة للمحكمة بصرف النظر عن تغير أشخاص قضاتها، الأمر الذي يجعلها ذات رأي مسبق حول الدفوع الدستورية التي تتعلق بنقاط سبق أن تعرضت محكمة التمييز لدستوريتها في بعض القرارات قبل إنشاء المحكة الدستورية، فكيف لها أن تقضي بالإحالة أو عدمها في ظل رأيها المسبق، فلقد كان من الممكن اختيار أسلوب آخر مرن من الأساليب المطبقة في النظم القانونية غير هذا الأسلوب الذي يعدّ الأعقد والأطول.

 

وتابع ديّات بقوله إن الطريق يجب أن تكون سهلة أمام المحكمة الدستورية لإرساء ضوابط مفهومة.

ولفت إلى أن القضاء يقوم بتغطية الكثير من الثغرات التشريعية التي تساعد المحامين بأن يقدموا استشارة دقيقة، ففي السابق كان المحامون غير قادرين على إعطاء استشارة في مسألة من مسائل التأمين تتعلق بتغطية الراكب في السيارة الخصوصي من غير عائلة المؤمن لعدم وجود نص أو لتعارض الاجتهادات القضائية.

 

وبالنسبة إلى الاتفاقيات الدولية، أوضح أن هناك فكرة رئيسية تدور حول النظام العام، داعياً إلى وجوب تأطيرها، إذ إن حدود النظام العام مرتبطة بشخص مَن يطبقه، فبإمكان هذا الشخص أن يوسّع أو يضيّق في مفهوم النظام العام، إضافة إلى أن الفكرة غير مفهومة بصورة واضحة الحدود لدى معظم المتعاملين في القانون.

 

وتساءل ديّات: مَن يقيّد مَن؟ وهل الدستور يحدد النظام العام، أم إن النظام العام يحدد الدستور؟ علماً أن الدستور هو الذي يخلق ويحدد ركائز النظام العام.

 

وأكد أن فكرة النظام العام تطغى على الحقوق، ليس بسبب الشريعة الإسلامية، بل لأننا لا نعرف أين ينتهي حد الدستور وأين يبدأ حد النظام العام، متسائلاً عن الحد الذي يفصل بين حد الحق وحد المخالفة للنظام العام، فمثلاً حد الحرية الشخصية المنصوص عليه في الدستور بأنها مصونة، هو حد مطلق، والقيود التي وردت عليها جاءت انطلاقاً من فهم واضع القيد لمفهوم النظام العام، وهو أمر قد يضيق فيها أو يوسع في حدودها وفقاً للحدود المرسومة في فكر واضع النص، وفي ظل عدم وجود ثقافة فعالة باتجاه حدود الحقوق والحريات فإنها تبقى مرهونة لفكر واضع النص ومطبقه.

 

وأوضح ديّات أن ديوان التشريع في الغالب يقدم مشروعاً بنكهة المصالح حكومية، وليس بنكهة المتوازنة لضمان الصالح العام، فهو مثلاً يقدم مشروعاً ما مبنياً على خدمة المصالح التي يرغب التوجه الحكومي بخدمتها، في حين أن السلطة التشريعية هي السلطة التي يجب أن تمارس دورها الرقابي بالموازنة بين المصلحة التي ترجوها السلطة التنفيذية من المشروع وبين الصالح العام، والمواءمة والموازنة مع الحقوق والحريات.

 

وأضاف أن هناك ممارسة مزاجية في تعاطي مجلس النواب مع القوانين تبعاً لشعبيتها (شعبية القوانين)، وأنه من النادر أن يكون هناك نائب لديه مستشار قانوني، وأن النائب يعتمد على معرفته الشخصية في تحليل وتعديل نصوص أي مشروع، الأمر الذي قد يؤدي إلى خروج القانون بشكل مشوه من الناحية القانونية، خصوصاً في القوانين المتخصصة التي تعتمد نصوصها نظرية قانونية واضحة المعالم والتدرج والارتباط، إذ إن إدخال أي تعديل عليها قد يؤدي إلى هدم الفكرة المتوخاة منها.

 

- صلاحيات المشرع

قال الكاتب خالد صايل الخريشة إن القوانين والأنظمة التي سُنّت في الأردن أيام الانتداب وبعده سُنّت بمنظور حكومي رسمي، وكان الهدف منها الحفاظ على الأمن، فالناحية الأمنية كانت تؤخَذ بالحسبان في جميع القوانين والتشريعات.

وأضاف أن هذا له ما يبرره، لأن الجهة المنتدِبة أو الحكومة الأردنية يهمها هذا الموضوع وتتعامل بهذه الروح وبهذه الفكرة، مشيراً إلى أن هناك مستجدات طرأت بعد انتهاء الاستعمار، لكن القوانين بقيت لفترة طويلة بالروح نفسها وبالمركزية نفسها التي سُنَّت أو شُرعت فيها.

 

وتابع الخريشة أن هناك مطالب باللامركزية برزت بعد ذلك، لأن المركزية عبءٌ ومظهر من مظاهر التخلف، فبعد الاستعمار الذي كان يطبق المركزية استجدّت أشياء كثيرة على الحياة تتطلب الاتجاه نحو اللامركزية.

 

وطالب الخريشة أن تكون هناك صلاحيات للمشرع، وأن يكون هناك مشرعون لا مركزيين، وأن تُنقَل كثير من الصلاحيات إلى الميدان وإلى المديرين، وأن تكون هناك تنمية إدارية للموظفين.

 

وأشار إلى أن قانون الأحزاب يتغير باستمرار، في حين أن قانون البلديات يمثل قانوناً مركزياً، داعياً أن تؤخذ أمور مثل الأخطاء الطبية بجدية، بحيث تُشرَّع لها قوانين تأخذ بمنظور الصالح العام وحقوق الناس وواجباتهم والعقوبة التي يُلحقها الشخص بالمجتمع والإنسان.

- الخبرة القانونية للنائب

قال عضو مجلس نقابة الصحفيين الزميل موفق كمال، إن الأردن فيه عدد كبير من وسائل الإعلام الإلكتروني والورقي وهناك شيوع لمواقع التواصل الاجتماعي، لكن لا يوجد لدينا قارئ من عامة الناس، فالمواطن عموماً لا يقرأ وإذا قرأ لا يطبّق، إضافة إلى أن العصبية والجهوية التي ما زالتا موجودتين داخل الجامعات.

 

ورأى أن موضوع التشريعات مهم جداً وأن أثره على الإنسان طويل الأمد، داعياً إلى وجوب وجود تعديل دستوري لتشريع القوانين.

 

وأشار إلى أن معظم أعضاء مجلس النواب يفتقرون إلى الخبرة القانونية،لافتاً إلى أن الدول الغربية يكون لدى كل نائب فيها أكثر من مستشار قانوني ومراكز دراسات وأبحاث تعينه وتساعده، داعياً إلى عقد دورات للنواب حول كيفية التعاون مع الإعلام وإيصال وجهة نظرهم بطريقة صحيحة.

 

- تشوّه تشريعي

قال الباحث في مركزالدراسات والبحوث التشريعية في مجلس النواب د.غسان الحايك إن المركز حديث النشأة، ودوره ليس توجيهياً، بل يقوم بتقديم الخدمة المعلوماتية للنواب من أوراق عمل وأوراق سياسات وبحوث متخصصة ومقترحات، مضيفاً أن المركز يقدم الإيجابيات والسلبيات، إذ إن معظم دراساته مقرونة بدراسات إقليمية من أجل نقل الخبرة المكتسبَة في دول أخرى.

 

وأشار إلى أن هناك تشوهاً تشريعياً، فالتشريعات تعاني من مطبات، لذلك لا تستجيب لاحتياجات المواطن، في حين أن القاعدة القانونية تأتي لتحقيق احتياجات المواطن، مضيفاً أن المواطن أو الشخص العادي هو المقصود، ويجب الاستفادة من التشريعات في احتياجاته اليومية، كما أن معظم القواعد القانونية لا تستجيب لبعض الفئات، فهي في كثير من الأحيان تأتي متعارضة مع مصالحهم واحتياجاتهم.

 

أما بالنسبة إلى الاتفاقيات الدولية، فأوضح أن معظم الحكومات «المتصالحة مع نفسها تشريعياً»، حُدد في دستورها أن القاعدة الدولية لها الأولوية في التطبيق على القاعدة التشريعية، مشيراً إلى أن الدستورالأردني فيه مادة تتحدث عن هذا الأمر.

 

وطالب الحايك بإجراء تعديل دستوري يثبت الأولوية للقاعدة الدولية على القاعدة التشريعية، إذ إن القضاء تائه عند التطبيق بين القاعدتين التشريعية والدولية، والأردن هو الذي يتحمل عبء المسؤولية إذا كان هناك مطبّ تشريعي وقع به القاضي.

 

- الإصلاح والمصلحة

قالت نائبة رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان المحامية فاطمة الدّباس إن التعديلات التشريعية التي حدثت في الأردن جاءت استجابة للشارع والحراك السياسي في بداية ما يسمى «الربيع العربي»، مضيفة أن التعديلات جاءت في ظاهرها العام والواضح بهدف الإصلاح ومصلحة المواطن، ولكنها في باطنها وتفاصيلها تصب في «مصلحة الحكومة وصناديقها».

 

وأضافت أن المطالب تحققت بإنشاء محكمة دستورية، لكن الأسلوب الذي اعتُمد للطعن أمام المحكمة لم يرقَ إلى المطلوب بأن يكون اللجوء إليها غير مقيد بالشروط التي نص عليها الدستور والقانون.

 

وأشارت الدبّاس إلى أن التعديلات الدستورية في جوهرها تنص على المساواة، متسائلة إن كانت الاتفاقيات الدولية أقل منزلةً من التشريعات المحلية أو من الدستور؟

 

وبخصوص الهيئة المستقلة للانتخاب، قالت إن كثيرين طالبوا بسحب البساط من تحت وزارة الداخلية، ولكن الهيئة ظلت تُشكّل بقرار من السلطة التنفيذية ولا تعمل إلا بإشارة من وزارة الداخلية. كما أن هناك مطالبات بتعديل قانون الانتخاب، لكن نظام الصوت الواحد ما زال معمولاً به في هذا القانون.

 

وأضافت أن هناك تعديلات جرت على القوانين الاقتصادية بهدف الإصلاح الاقتصادي، ولكنها في الحقيقة تخدم فكرة صناديق الجباية للحكومة.

 

وطالبت الدّباس بإجراء تعديلات تشريعية، والخروج من المصطلحات القديمة، وإعادة النظر في قانون منع الجرائم وقانون «الإرهاب».

 

- الطعن أمام المحكمة الدستورية

قال رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان د.سليمان صويص، إن المواطنين طالبوا بتعديل القوانين المفصلية المتعلقة بحقوقهم الأساسية مثل حق الانتخاب، مستذكراً أن المواطنين والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني طالبوا قبل حوالي عقدين من الزمن بتعديل قانون الصوت الواحد والتخلص منه، مضيفاً أننا عندما اقتربنا من التخلص منه، عدنا في اللحظة الأخيرة إليه، «فالقانون ما زال مفروضاً على المواطن رغم تكرار المطالب بتعديله».

 

وقال إن التعديلات الدستورية رغم أهميتها، لم تلامس حدود الإصلاح الذي كان يطالب به المواطن والمجتمع المدني، مشيراً إلى أن التعديلات الدستورية تمت في عام 2011، ومن المفترض أن كل ما جاء بعد 2011 يحترِم وينفِّذ ويطبِّق هذه التعديلات، فالمادة 128 تنص على أن أيّ قانون يتعلق بحقوق أو حريات يجب ألّا يمس جوهر هذه الحقوق والحريات، ولكن بعد أشهر من إقرار التعديلات الدستورية قامت الحكومة بتعديل قانون المطبوعات والنشر ولم تحترم الفقرة الأولى من المادة 128 التي تنص على أنه «لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها».

 

وأضاف أن الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان تلقت شكاوى في الأعوام 2013 و2014 و2015 تشير إلى أن هناك وقائع تعذيب تمارَس من قبل أجهزة السلطة التنفيذية، تناقض ما تنص عليه المادة 8 من الدستور التي عُدلت في العام 2011، من عدم جواز تعذيب المواطن جسدياً أو نفسياً...

 

وتساءل صويص عن الفائدة من إقرار تعديلات دستورية نتغنى بها أمام الهيئات الدولية، بينما لا يستفيد منها المواطن على أرض الواقع.

 

وقال صويص إن قانون المحكمة الدستورية يشترط الجديةَ لقبول الطعن، وهو ما رأى بعضهم أنه يحدّ من إمكانية تنقية القوانين المخالفة للدستور. وأضاف أن شرطَ الجدية الذي وضعه المشرع الأردني بخصوص الطعون الدستورية هو نفسه متبَع في كثير من الدول المتقدمة، مع فارق أن الدول الأخرى تتيح المجال أيضاً أمام الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني للطعن في دستورية القوانين، وهو الأمر غير المطبق في قانون المحكمة الدستورية الأردنية.

 

- حدود الحق

أوضح ديّات أن مرحلة اقتراح التعديلات الدستورية شهدت مطالبات بإقرار حقوق والتوسع ببعضها في الدستور، إلا أن تلك المطالبات كانت تصطدم بمدى قناعة وفكر اللجنة المكلفة، حتى لو كان الأمر مجرد إدراج الاقتراحات في مسودة التعديلات.

 

وأضاف أن الاقتراح جاء من السلطة التنفيذية، وأُرسل إلى مجلس النواب، ودرسته اللجنة القانونية التي شاركت الجمعية بأعمالها لغايات الدراسة، وكان السؤال عما إذا كان المعروض للتعديل هو الدستوركاملاً أم مواد محددة منه، مضيفاً أنهم اضطروا لاستفتاء ديوان الرأي والتشريع وجاء الرد كالآتي: «على المجلس أن يتقيد بالتعديلات المعروضة عليه فقط، ولا يتعرض لأي مادة غير مطروحة للتعديل»، ورأى أن إعطاء أولوية للاتفاقيات الدولية في التطبيق هو «أمر واجب»، وأنه لا خوف من أي آثار سلبية لها ما دمنا نقوم بالتحفظ على ما لا يلزمنا منها أو لا يلائم مجتمعاتنا، ولكن تضييق مخرجات الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان وفقاً للفهم الشخصي لمطبق القانون أو واضعه ينطوي على مشكلة رئيسية تؤدي إلى تشويه تطبيقه، فحدود الحق الذي التزمنا به ضمن أيّ معاهدة يجب أن تكون واضحة المعالم حتى لا تصبح مرهونة بيد شخص وفكر مطبق القانون أو شارعه.

 

وأشار إلى وضوح النص الدستوري بالنسبة إلى القوانين المؤقتة، إذ يجب أن تُعرض على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها، وهو أمر غير مطبق من ناحية شرط البت بها.

 

ولفت ديّات إلى أن التمسك بالشكل الدستوري على حساب المضمون يجعل بعض نصوص القوانين وكأنها قرارات إدارية مصاغة بنصوص ضمن قانون، فقد بات من الملاحظ في التشريعات تصحيح أخطاء الإدارات والموظفين العمومين في شأنٍ معين من خلال إيراد نص ضمن قانون يصحح الإجراء الذي وقع خطأ من قِبَل الإدارات العامة أو موظفيها على حساب المراكز القانونية للناس.

 

- دوافع سياسية

قال أستاذ القانون في جامعة اليرموك د.عبد الرؤوف الكساسبة إن الدستور هو وثيقة تحدد شكل الدولة ونظامها السياسي.

 

وتساءل عما إذا كانت الاتفاقيات الدولية تتوافق مع ضمير الجماعة، مضيفاً أنه لا يمكن بأي صورة من الصور أن نضع النظام العام في إطار محدد، فالنظام العام يتكلم عن ضمير الجماعة وأفكار الناس ويختلف من مكان إلى آخر، كما أنه يُعد سلطة تقديرية واسعة.

 

وأضاف الكساسبة أن وضع نص في الدستور يحدد المرتبة التشريعية للاتفاقيات قد يكون أحياناً لمصلحة المواطن،اوضده مشيراً إلى أن عدم وضع النص في الدستور يعطي القاضي صلاحيات يحمي الأفراد من تطبيق بعض الاتفاقيات الخارجة عن المألوف في المجتمع كالاتفاقيات التي تخص المثليين والإجهاض.

 

وأشار إلى أن دوافع كثير من الاتفاقيات الدولية التي توقَّع، هي دوافع سياسية أكثر من كونها قانونية، لافتاً إلى أن ديوان التشريع والرأي عمله يقع في الشق الإداري وليس القانوني.

 

أما بخصوص المادة 166 من قانون ضريبة الدخل، فقال الكساسبة إن التشريعات العالمية تضع عقوبات قاسية للتهرب الضريبي وهذا يعدّ جريمة، فالحقوق تنظَّم ولا تقيَّد، مؤكداً أن جميع هذه التشريعات لا قيمة لها إن لم يكن هناك رادع حقيقي للناس، فالحقوق تُنتزع ولا تُكتسب ولا تُمنح، كما أن كثيراً من النواب لا يلجأ إلى أهل الاختصاص بالاستشارة لمناقشة أي قانون.

 

- مؤسسات المجتمع المدني

تساءل عضو الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان المحامي عبد الله الرماضين عما إذا كانت هناك إرادة حقيقية سياسية تشريعية حكومية لإصدار تشريعات حقيقية في دولة مدنية في الأردن.

 

وأضاف أنه إذا كان الإجابة بنعم، فإن لجنة من مؤسسات المجتمع المدني تشكلت في عام 2011 قبل التعديلات الدستورية، ووضعت مخرجات وتعديلات قيل إنها جيدة في المرحلة الحالية، ولكن سرعان ما ضُرب بها عرضَ الحائط، متسائلاً: هل هناك صوت مسموع لمؤسسات المجتمع المدني؟

 

- دور الإعلام في الانتخابات

قال رئيس لجنة الحريات في مجلس النواب النائب خير الدين هاكوز إننا نتحدث عن مجلس النواب وكأن كل نائب عنده مستشارون وناصحون يقدمون له كل شيء.

 

وأضاف أن اللجنة بدأت تقديم بعض النصائح وإرشاد النواب، مؤكداً أنه مهما كان التحصيل العلمي للنائب ومهما كانت تجربته غنية، فإن هناك قوانين مختلفة يحتاج فيها لبعض النصح والإرشاد لأداء واجبه التشريعي، لافتاً إلى أن هذا الأمر يجعل بقية المجالس النيابية في العالم تتميز عن مجلس النواب الأردني.

 

وبخصوص قانون الأحزاب، أوضح هاكوز أن هناك لجنة مشتركة تشكلت من اللجنة القانونية ولجنة الحريات، وقامتا ابجولة استمعتا من خلالها إلى آراء الأحزاب.

 

ودعا هاكوز إلى تعديل قانون البلديات، مضيفاً أن علينا التسهيل على المواطن بحيث يستفيد من هذا القانون، لكي يتم تسهيل عملية اللامركزية في المستقبل.

 

وأوضح أنه إذا حصل خطأ في تطبيق قانون اللامركزية على جميع محافظات المملكة، فإنه من الصعب تحمل هذه الأخطاء ضمن الإمكانات المتاحة، مشيراً إلى أن اللّامركزية ضرورية في الأردن، ولكن يجب أن تتم على مراحل.

 

وأكد هاكوز على دور الإعلام في الانتخابات من حيث توجيه الناخبين نحو انتخاب المرشح المناسب والذي لديه خبرة في الناحية القانونية، مشيراً إلى أن المجلس الحالي فيه تركيبة جيدة ومتنوعة من القانونيين والإداريين.

 

 

التوصيات

على الرغم من التطور الذي شهدته عملية التشريع في الأردن، إلا أن المشاركين أشاروا إلى أن هناك ممارسات يجب إبعادها عن عملية التشريع بسبب آثارها السلبية عليه وعلى عملية الإصلاح بشكل عام. ومن التوصيات في هذا المجال:

1.الابتعاد عن العموميات في الأسباب الموجبة للقوانين، والعمل على إصدار الأسباب الموجبة بصورة أكثر تفصيلية حتى تكون عاملا رئيسيا ومساعدا في عملية إقرار التشريع وتطبيقه، وضرورة اعتبار الأسباب الموجبة ضرورة موضوعية في التشريع لا شكلية إجرائية ليست ذات جدوى.

 

2.العمل على أن تتضمن الأسباب الموجبة بصورتها التفصيلية الهدف الرئيس من التشريع والقصد من كل مادة إذا أمكن.

 

3.وجوب توحيد المصطلحات المستخدمة في النظام القانوني الأردني، والابتعاد عن الترجمة في مشاريع القوانين.

 

4.عدم اللجوء إلى تصحيح أخطاء الإدارات العامة من خلال تعديل التشريعات لإضفاء الشرعية على تصرفات مورست بصورة مخالفة للقانون (المقصود هنا المخالفات التطبيقية وليس الجرائم)، والعمل على تأهيل الإدارات القانونية في الإدارات الحكومية حتى تكون قادرة على تحمل مسؤولياتها في النصح والإرشاد.

 

5.الابتعاد عن استخدام النصوص القانونية التي تؤدي إلى سريان النصوص القانونية بأثر رجعي، وتضييق العمل بهذا الاستثناء إلى أضيق حد مع وجوب اشتراط أن تحدِّد الأسباب الموجبة للقانون الذي يحوي نصاً يسري بأثر رجعي على الأسباب الداعية لسريان أي نص بأثر رجعي وأثر ذلك، وكذلك الأثر المترتب على عدم الأخذ به حتى يكون المشرع قادرا على الموازنة بين الآثار، وأن يشترط الدستور في أقرب تعديل أغلبية الثلثين في التصويت على أي نص يسري بأثر رجعي.

 

6.التمسك بالمفاهيم الموسعة لا الضيقة الخاصة بحقوق الإنسان، والعمل على إرساء مفهوم التوسع في تفسير الحق من خلال النص على التوسع في تفسير تلك الحقوق في الدستور، وإدخال مفاهيم المحاكمات العادلة وضمانات المحاكمات العادلة وحق الأشخاص في عرض نزاعاتهم على القاضي الطبيعي، والابتعاد قدر الإمكان عن الهيئات الإدارية المشكلة ضمن الإدارات للنظر في النزاعات التي تحدث مع المتعاملين معها أو المحكومين بقانونها، لافتقارها إلى ضمانات الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، والابتعاد أيضاً قدر الإمكان عن تحصين قراراتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

 

7.تعديل الأحكام الخاصة بالمحكمة الدستورية في الدستور، ومن ثم تعديل قانونها بحيث يكون المرور إلى المحكمة الدستورية أيسر وأقل قيوداً، خصوصاً في ما يتعلق بشرط جدية الطلب، فإنّ ترْك تقدير جدية الدفع الدستوري لقضاة المحاكم النظامية هو في حقيقته قضاء بالموضوع والأصل أن تقدر المحكمة فقط ارتباط الدفع بموضوع الدعوى كون الجدية مفترضة من خلال الارتباط بموضوع الدعوى ودفع رسوم الطلب وتحمل تبعات رده.

8.إعداد دراسة وطنية متخصصة بالاشتراك مع المؤسسات والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان وال تخصصين فيها، وذلك لدراسة التشريعات الأردنية وبيان أثر الاتفاقيات الموقعة بخصوص حقوق الإنسان على القوانين النافذة، وتحديد تلك التي بحاجة إلى تعديلات لمساعدة المشرع في إيجاد مرجعية واضحة في التشريع متى تعلق الأمر بحقوق الإنسان.

9.دعوة الإعلام إلى المساهمة بشكل أكبر في إبراز أثر التعديلات المقترحة على القوانين أو أثر المشاريع الجديدة للقوانين، من خلال نشر دراسات حولها أو إعداد ندوات متخصصة عنها بهدف مساعدة المشرّع وتوعية المواطن قبل إقرار التعديل أو القانون.

10.تثقيف المواطن بالآثار القانونية الناشئة عن أي تعديلات قانونية أو تشريع قوانين جديدة.

11.توعية المواطن بالآثار القانونية التي تترتب على أفعاله، خصوصاً تلك التي تكون بنظر القانون مجرَّمة.