ندوة "السياسات الاقتصادية للحكومة"

24/08/2015

أدار الندوة: د.خالد الشقران
حررها وأعدها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون
آب 2015

ناقشت ندوة نظمها مركز «الرأي» للدراسات، السياسات الاقتصادية للحكومة، وأثرها على الاستقرار الاجتماعي والمستوى المعيشي للمواطن، والمقاربات العملية نحو تعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني وزيادة النمو.

وشددت الندوة على أهمية دراسة آثار القرارات الاقتصادية في أي قطاع على بقية القطاعات، وعدم الارتهان لردات الفعل، والتوجه للأسواق الجديدة، والتركيز على القطاعات الأردنية الواعدة.

وخلصت الندوة التي شارك فيها عدد من الخبراء والمهتمين بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي وأعيان ونواب، إلى ضرورة تعاون الحكومة مع القطاع الخاص لوضع مصفوفة تحدد كيفية حل المشاكل التي تواجه الاقتصاد الوطني، واتباع سياسة حلّها في القطاع نفسه واحدة واحدة، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لتسويق الأردن، و»قتل» البيروقراطية، وتحسين أسلوب صنع القرار الاقتصادي، ومناقشة القضايا الصعبة التي لم يعد تأجيلها ممكناً.

تالياً وقائع الندوة:

تنافسية الاقتصاد الأردني

 

قال العين د.محمد الحلايقة إن الاقتصاد الوطني يعاني من مشكلات مزمنة، مضيفاً أن ميزانيات جميع الحكومات في تاريخ المملكة الحديث لا تخلو من عجز و مديونية، لكن المديونية انتقلت مؤخراً إلى «المربع المرعب»، وأصبحت «غير مسبوقة كرقم مطلق أو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي».

ورأى الحلايقة أن هناك قضيتين أساسيتين في الجانب الاقتصادي الاجتماعي، هما الفقر والبطالة، فرغم كل الجهود والبرامج ما يزال «الانجاز» أقل من المستوى المأمول، وما زالت هناك مشكلة في مخرجات التعليم العالي.

وأوضح أن هذه الظواهر تفاقمت في السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت ما أُطلق عليه «الربيع العربي»، والهجرات التي توالت على الأردن الذي تحمّل عبئها، والذي لم يحصل على الحجم المطلوب من المساعدات لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين.

ولفت إلى أن الأردن عانى من ارتفاع سعر النفط، الذي نشأ عنه عجز كبير في ميزانية شركة الكهرباء، ثم عانى من انقطاع الغاز المصري،قبل انخفاض اسعار النفط مؤخراً.

وقال إن الحكومة الحالية اتخذت عدداً من الإجراءات الجريئة، مثل رفع الدعم عن سعر بعض المواد وخاصة المشتقات النفطية، وإصدار قانون جديد لضريبة الدخل أُقرّ على عجل، وهو قانون له تبعات لا تسرّ القطاع الخاص، وقانون الاستثمار وقانون الشراكة مع القطاع الخاص.

وأضاف أن الناس يتساءلون: بما أن الفاتورة النفطية تشكل العبء الأكبر على الميزانية، ألا يُفترَض أن يكون قرار الحكومة بتحرير أسعار المحروقات ذا نتائج إيجابية تنعكس على المالية العامة وعلى حياة المواطن؟

وكشف الحلايقة أن هذه الخطوة لم تنعكس بشكل واضح على المؤشرات الاقتصادية والتنموية باستثناء انخفاض عجز الموازنة ولكن المديونية لازالت تشكل نسبة 80-85% من ناتج المحلي الإجمالي، وهذا مؤشر مرعب.

ورأى أن هناك إشارتين طيبتين لازمتا الاقتصاد الوطني، هما الاحتياطات الأجنبية بالبنك المركزي والسياسة النقدية، وتماسك الجهاز المصرفي وثباته رغم كل الهزات.

وختم مداخلته بقوله إن السياسات الحكومية انصبت في الفترة الأخيرة على تعزيز موارد الخزينة، وتخفيض العجز ، وتسديد المديونية التزاما بمذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي، لكن هذه السياسة كان لها تأثير سلبي مباشر على تنافسية الاقتصاد الأردني.

واليوم نرى ان قطاع الصناعة يعاني من فقدان اسواق تصديرية رئيسة اضافة الى ارتفاع كلف الانتاج نتيجة اسعار الطاقة والتحرك الحكومي لمعالجة هذه المشكلة بطيء.

 

كلفة النجاح

 

قال العين د.جواد العناني إن «كل نجاح له كلفة»، فحتى استقرار سعر صرف الدينار على مستويات عالية مقارنة بالعام الماضي له كلفة، بمعنى أن جزءاً من التحسن الظاهري للاقتصاد الوطني نجم في الدرجة الأساسية عن تخفيض قيمة المستوردات الفعلية بحوالي نصف مليار دولار، ولو طرحنا هذا المبلغ من الناتج المحلي الإجمالي فإن معدل النمو سيكون ثابتاً.

وأضاف أن جزءاً من التحسن في الميزان التجاري نتج عن ارتفاع سعر صرف الدينار، مما أدى إلى أن تبدو فاتورة الاستيراد أقل مما هي عليه بالفعل، لكن جزءاً من «الكلفة» هنا تتمثل في أن الحكومة خسرت جزءاً من دخلها بسبب تخفيض الاستيراد، فعند تقييم المستوردات بالدينار، ستكون حصيلة ضريبة الجمارك وضريبة المبيعات التي تفرض على المستوردات أقل.

ولفت إلى أن هناك فرصاً لم تُستثمر، فرغم أن الأردن واحة أمن واستقرار، إلا أن هذا لم ينعكس إيجاباً لا على السياحة ولا على جذب الاستثمار.

وبشأن ارتفاع أرصدة الودائع الأجنبية في البنوك الأردنية، عزاه العناني إلى ارتفاع سعر الفائدة على الدينار مقارنة بالدولار، لكن السؤال هنا: إذا رفعت الولايات المتحدة الفوائد على الدولار، وهو أمر متوقع في أيلول المقبل، فماذا سنفعل حينئذ؟

وأشار إلى ما قاله وزير المالية في مؤتمر صحفي من أن معدل الزيادة بالأسعار في العام 2014 بلغ 2.8-2.9%. ارتفاع نسبة تكاليف المعيشة وهو غير المخفض الذي يستعمل حتى نحول الناتج المحلي الإجمالي من رقم اسمي إلى رقم فعلي، ومعدل النمو كان 3.5%. وفي الربع الأول من هذا العام كان 2%، ولا يُعتقَد أنه سيزيد في الربع الثاني، وربما سنشهد تحسناً في الربع الثالث بسبب الإنفاق في شهر رمضان والعيد وموسم افتتاح المدارس، كما أن الحكومة سددت الرديات التي كانت عليها للأراضي والضرائب، وقيمتها أقل بكثير من الفاتورة التي كانت الحكومة تدفعها قبل تعويم أسعار المشتقات النفطية.

وأبدى العناني تفاؤله إلى حد ما، لكنه توقع ألا يزيد معدل النمو مقارنة بالعام الماضي (4.5%)، لذلك فإن كل التوقعات للنفقات غير مبنية على أساس أنه سيكون نمو 6.5-7%.

وأشار إلى طريقة احتساب الدخل في الأردن، موضحاً أن كل دول العالم تحتسب الدخل بحيث يشمل ذلك المواطنين والمقيمين الذي أمضوا 9 شهور على الأقل في البلد، فإذا حسبنا عدد الزيادات بعدد السكان في ضوء ما تقوله الحكومة، وإذا زاد عدد السكان 2-3%، فإنه ليس هناك نمو بمعدل دخل الفرد، بل ربما يكون هناك تراجع.

كما أشار إلى ما ذكره البنك الدولي من أن معدل دخل الفرد شهد تراجعاً بمقدار 1.5% في عام 2014، معتقداً أن هذه النسبة ستتكرر في عام 2015.

وختم العناني بقوله إن الصورة ليست مطمئنة إلى الحد الذي تراه الحكومة، وإن المواطن يشعر بالتناقض لأن حصته في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت .

 

التغيير الهيكلي

 

قال العين د.طاهر كنعان إن التركيز ينصبّ على الاقتصاد الكلي، بينما لا يوجد هناك اهتمام موازٍ بالتغيير الهيكلي الذي يعنيه النمو.

وقارن بين الأردن والدول الناجحة كالنمور الآسيوية، موضحاً أن حجم الادخار الذي موّل النمو بالبلدان الآسيوية لا يقل عن معدل 30-40% من الدخل يُدَّخَر ويُعاد استثماره. أما في الاقتصاد الوطني فإن الناتج المحلي يُستهلك بالكامل تقريباً، وهناك سنوات لا يوجد فيها ادخار ونمو، ويعتمد الاستهلاك على تحويلات العاملين والمساعدات الأجنبية.

وأوضح أن معدل الاستثمار وتراكُم رأس المال ليس بالحجم الكافي أو المطلوب لبلد مثل الأردن يمتلك كل هذه الطموحات الكبيرة.

ولفت إلى أننا مجتمع استهلاكي في الدرجة الأولى، وأننا ننقل عادات الاستهلاك من الدول الأغنى منا مثل دول الخليج.

وقال إن الإنفاق على البنى التحتية يتفاوت بحسب المنطقة، فما يُنفَق على الشوارع والخدمات في المناطق الفقيرة لا يوازي ما يُنفَق عليها في غرب عمان.

ورأى أن الأردن يعاني نقصاً بالادخار، ونقصاً بالاستثمار أيضاً، وأن هناك انشغالاً مبالَغاً به عن العمل الحقيقي الذي مارسته الدول الناجحة بكل تجاربها، من تجارب الثورة الصناعية بأوروبا إلى تجارب الثورة الصناعية بأميركا ودول شرق آسيا.

ودعا إلى وضع خطة هيكلية للتغيير، «فنحن نشكو من بطالة الخريجين، بينما هناك نصف مليون عامل أجنبي يعملون في البلد»، مشيراً بذلك إلى مخرجات التعليم العالي، ومقترحاً عدم الربط بين علامة الطالب في التوجيهي وقبوله في الجامعة، وأن تضع الجامعات مقاييس القبول عبر اختبارات تعقدها للطلبة الراغبين بالالتحاق فيها.

واقترح أن تقتصر شروط دخول الجامعة على حمل الطالب شهادة الثانوية العامة، على أن يكون قد حصل عليها قبل مدة لا تزيد على سنة من تاريخ رغبته بالالتحاق في الجامعة.

ودعا إلى إعادة العمل بخدمة العلم، وذلك بتقديم خدمات وطنية وعدم اشتراط التدريب العسكري لبناء جيش احتياطي، فالشباب الذين يلتحقون بخدمة العلم يقومون بما تكلفهم به الدولة، كالعمل في الأرياف والزراعة والبنى التحتية، وهذا معمول به في أوروبا. وهو ما من شأنه توعية الجيل الشاب بقيم المواطنة، والإسهام بتغييرٍ هيكلي في المجتمع والاقتصاد.

وقال إن البرلمان أقرّ قانون الشراكة بين القطاعَين العام والخاص، وإنه من الجيد أن تشارك الحكومة في المشاريع، ولكن الإطار العام للرؤيا التنموية للسنوات العشر المقبلة، يكشف عن عدم وجود مشاريع مهمة وعن عدم عناية بالفرص الاستثمارية التي قد تُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد.

ورأى أن هناك حيزاً لم يملأه الفكر الجدي بالتفاصيل والجزئيات بعيداً عن موضوعات الاستقرار الاقتصادي والعجز والموازنة.

وبشأن اللجوء السوري، قال كنعان إن هناك مليون ونصف المليون من الجسم البشري الذي أضيف للسكان يمكن تحويله إلى فرصة لتطوير هيكلي بالاقتصاد الوطني إذا كانت هناك مساعدات تغطّي كلفته ونفقاته.

المؤشرات الاقتصادية

قال النائب محمد أرسلان إن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى نوع من التراجع، لكن المؤشرات قد تقول شيئاً، بينما يمكن أن نرى الأمور بطريقة مغايرة في سوق العمل والإنتاج، فكيف يمكننا الربط بين الملموس في الشارع وبين المؤشرات؟

وأضاف أن المؤشرات لغرفة صناعة الأردن تقول إن عدد المنشآت الصناعية ازداد خلال الأعوام الأخيرة بنسبة جيدة، ولكن في حقيقة الأمر هناك العديد من الشركات الصناعية التي توقفت عن العمل تماماً، وهي شركات مصدِّرة وتوظّف العديدمن الموظفين.

ورأى أن هذه الظاهرة مرتبطة بعدم وجود سياسة واضحة، وبظروف قسرية فُرضت علينا نتيجة إغلاق الحدود والأحداث التي تشهدها المنطقة، ووقف بعض قنوات التصدير للمناطق الشمالية.

وأوضح أن الفترة الماضية شهدت ثورة لإصلاح القطاع العام وإصلاح القطاع الخاص وتعزيز التنافسية، لكن هذه القضايا لم يعد لها أولوية الآن، كما أن رجال الأعمال والعاملين في القطاع الخاص لاحظوا أن الحكومة ابتعدت عن إعطاء الأولوية للتخطيط.

وأشار إلى أن الحكومة أصدرت مجموعة من القرارات «المتناقضة» في الموضوع الاقتصادي والضرائب وأن سياسات العمل «الحالية» أوصلتنا لهذه المرحلة.

واستدرك بقوله إن هناك بعض الجوانب الإيجابية في ما يتعلق بالموازنة وإيرادات الدولة، وإن بعض الأمور «تحسنت»، ولكن «هناك تأثير سلبي كبير على الاستثمار في نهاية المطاف».

وقال إننا نتحدث عن تحرير الطاقة منذ سنوات، فلماذا لا نحرر الطاقة، لنجعل الطاقة الشمسية والشركات تعمل بالشكل الصحيح، مشيراً إلى أن «هناك تعليمات»، ولكنها «لا تعطي الحرية الكافية للقطاع الخاص»، إضافة إلى وجود بعض التعقيدات في التنفيذ.

ورأى أن الاستثمار «خجول» في هذا القطاع، وأننا بحاجة لثورة بيضاء لجذب الاستثمارات.

كما رأى أن هناك «هدراً للطاقات» في ديوان الخدمة المدنية الذي «يهيمن على القدرات والكفاءات الأردنية بطريقة بيروقراطية».

وتساءل: لماذا استقبلنا اللاجئين السوريين، وقبلهم العراقيين، بينمنا رفَضنا المستثمرين! فهناك مشكلة بسبب عدم الاستفادة من الكفاءات السورية ورؤوس الأموال السورية، والعراقية كذلك.

وبشأن تقييم السياسات الحكومية، أوضح أن هذا ليس مقصوداً به الحكومة الحالية فقط، بل كل الحكومات، فليس هناك بوصلة اقتصادية متفق عليها من قبل أي حكومة، وهناك قرارات لا تتفق مع السياسات العامة.

وأكد أرسلان أننا بحاجة إلى عملية تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للقرارات والقوانين الحكومية.

وقال إن هناك قسماً بوزارة المالية تم استحداثه، وهو تابع للحكومة، بينما الأصل أن تكون هناك جهة ثالثة غير حكومية لتقييم أثر السياسات الحكومية على القطاعين الخاص والعام والشارع والاقتصاد بشكل عام.

ورأى أننا لم نستغل كون الأردن من أكثر دول المنطقة استقراراً خلال السنوات الخمس الأخيرة، «فهذه ميزة اقتصادية لم نستفد منها»، ولم نحقق الإنجازات التي يمكن تحقيقها في ظل هذه التنافسية بسبب غياب سياسات حكومية اقتصادية واضحة.

ودعا أرسلان الحكومة ووزارة الصناعة والتجارة إلى البحث عن أسواق جديدة، فهناك القارة الإفريقية التي تمثل سوقاً كبيراً وفيها دول ناشئة، «لكن الحكومة لم تقم بالعمل اللازم بالتشارك مع القطاع الخاص لفتح أسواق مع هذه الدول».

 

إدارة الاقتصاد الوطني

 

قال مدير عام جمعية البنوك في الأردن د.عدلي قندح إن سوق الصرافة «غير منظم»، وإن قانون الصرافة يناقَش حالياً في لجنة الاستثمار بمجلس النواب، وهو قانون جديد.

وأضاف أن المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني تتمثل في إدارة الاقتصاد، إلى جانب العجوزات الاقتصادية (الميزان التجاري والمدفوعات والمديونية).

وتابع بقوله ، إن إدارة الاقتصاد والموارد معضلة رئيسة تواجه القطاعَين الخاص والعام، وإننا نقنع أنفسنا بأن الأردن يعاني من نقص الموارد، ولكن في حقيقة الأمر هناك تحت الأرض «أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها بعد».

وتوقف قندح عند الجوانب المضيئة، قائلاً إن النظام المالي في الأردن ينقسم إلى جزأين: المؤسسات المالية والبنوك، وسوق رأس المال، وأضاف أن النظام المصرفي «منضبط بصورة جيدة» بفضل الإدارات الموجودة في هذا النظام، والبنك المركزي أيضاً. وأوضح أن القطاع المصرفي سليمٌ ومعافى، لديه سيولة جيدة وسيولة فائضة، وهو يقدم القروض لجميع القطاعات الاقتصادية، ويقوم بمبادرات كثيرة لمساعدة كل الأطراف لتمكينها من الحصول على تمويل بشكل أفضل.

أما سوق رأس المال الممثل بالبورصة، فهو بحسب قندح، السوق الوحيد في المنطقة والعالم الذي لم يتعافَ من الأزمة المالية العالمية «رغم وجود مميزات كثيرة تؤهله للتعافي من جديد».

وقال قندح إن بورصة عمان تعاني من مشكلات تتعلق بالتشريعات وبالأمور المؤسسية التي تنظم العمل فيها، وكشف أن البورصة فقدت في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام 30% من قيمتها، وأن حجم التداول انخفض بمقدار 70-80%.

وأشار إلى الحديث عن تحويل البورصة إلى شركة مساهمة عامة مملوكة من الحكومة، ثم تدار بعد ذلك من القطاع الخاص. أما الأدوات المتداوَلة في البورصة، فهي تقتصر على أدوات تتعلق بالأسهم، وهناك نقص بالأدوات الأخرى مثل المشتقات وغيرها في هذا السوق.

ورأى أن هناك فرصة لتمكين هذا القطاع من الوصول للأموال عن طريق ما يسمى «بورصة للتميز»، ولكننا بحاجة لتطوير سوق رأس المال بشكل أفضل، من ناحية التشريعات والمؤسسات والأدوات المالية.

وبشأن دور القطاع الخاص في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل، أوضح قندح أنه لم ينل العناية المناسبة، ملقياً بالمسؤولية على القطاع الخاص نفسه وعلى الحكومة التي يمكنها أن تسنّ التشريعات وتوفر الحوافز.

وقال إن استقطاب الاستثمارات يعاني من مشكلة أيضاً مرتبطة بإدارة الاقتصاد والموارد، لافتاً إلى أن واقع السياحة في الأردن غير مقبول «رغم الإمكانيات والموارد»، وأن قطاع السياحة بكل مكوناته غير مستغَلّ بالطريقة الصحيحة.

ومثال ذلك بحسب قندح، أن المواقع السياحية الدينية من المفترض أن تكون مورداً أساسياً للقطاع السياحي، فلماذا لا يكون المغطس مركز جذب؟ فأيّ كاهن من طائفة اللاتين يمكنه أن يتكلم بعدد من اللغات، أي أنه يستطيع أن يقيم عدداً من القداديس بلغات مختلفة، وهو ما يتيح للسائح الأجنبي أن يحضر قداساً باللغات اللاتينية والفرنسية والإيطالية مثلاً، وأن يشاهد مسرحيات عن الأمور الدينية، وبذلك فإننا نجعله يمدد إقامته بطريقة لائقة وجاذبة.

وحول قطاع الطاقة المتجددة، قال قندح إن الجمعية حاولت تأسيس شركة لإنتاج الطاقة المتجددة، واستقدمت شركة أجنبية، لكنها واجهت مشكلة مع الحكومة تتمثل في اختيار الأرض.

وأكد أن التشريعات في الأردن تمثل «معضلة كبيرة»، وأن سوق العمل بحاجة إلى دراسته وتنظيمه.

أما بشأن قطاع التجارة والصناعة، فقد اقترح قندح أن يُطلَب من أي تاجر يريد الحصول على رخصة للاستيراد من وزارة الصناعة، زيارة هيئة الاستثمار لمساعدته في إنشاء مصنع لتصنيع البضاعة التي يريد بدلاً من استيرادها، وبهذه العملية يمكن توفير عملة أجنبية وخلق فرص عمل جديدة.

وختم قندح حديثه بقوله إن هناك قطاعات ومؤسسات أخرى كثيرة يمكن مناقشة حالها واتخاذ قرارات سريعة بشأنها، مثل «الملكية» التي تعدّ من أعمدة الاقتصاد الأردني، والتي «تخسر رغم أنها تقدم خدمة ممتازة». واقترح قندح لحلّ مشكلتها التخلص من الموظفين الفائضين عن الحاجة، وعدم إلزامها بشراء الوقود من مصفاة البترول التي تبيعها الوقود بأضعاف السعر الموجود بالسوق.

السياسات الاقتصادية

 

تساءل الخبير الاقتصادي د.خالد الوزني عن السياسات الاقتصادية للحكومة، فيما إذا كانت موجودة أصلاً، وهل توجد سياسات اقتصادية للحكومة الحالية خلال السنوات الثلاث الماضية؟

وقال إننا عندما ننظر إلى السياسات المالية والنقدية والتجارية والتشغيل والإنتاج، نجد أن الموضوع يقتصر على النظر إلى أمور محددة، والعمل على تحقيق مؤشرات محددة بصرف النظر عن أثرها الجزئي أو الكلي.

وأضاف أن السياسة النقدية بالأردن تسير بشكل رصين وجيد، وتعي الظروف، وتعمل على السياسات التوسعية في ظل الكساد وفقاً للنظرية الاقتصادية التي تقول إن مواجهة الكساد تكون باللجوء إلى سياسات توسعية لتحريك عجلة الاقتصاد، وهذا له علاقات باجتهادات البنك المركزي وفهمه للوضع الاقتصادي.

ورأى أن السياسة المالية في الأردن محكومة باتجاه واحد له علاقة بصندوق النقد الدولي، موضحاً أن الصندوق لا يضع السياسات، وإنما تضعها الحكومة لتسد الدَّين الذي تأخذها منه.

وقال إن باستطاعة الحكومة أن تنتهز وجود برنامج مع صندوق النقد الدولي لتعِدّ برنامجاً إصلاحياً رصيناً يحقق الأهداف نفسها، ولكن بشكل يتناسب مع الوضع الاقتصادي للدولة.

وأكد أنه لا توجد سياسات اقتصادية، ولا تجارية أيضاً، لأن تغير الميزان التجاري له علاقة بعدد من المؤشرات الخارجية، مثل ارتفاع وانخفاض سعر العملة بالأردن مقابل العملات الأخرى، فهي مثبتة أمام الدولار، وتتأثر باليورو واليوان، فاختلاف الميزان التجاري مرتبط باختلاف العملة أو باختلاف أسعار النفط.

وبشأن سياسة التشغيل، قال الوزني إن تقرير الاستراتيجية الوطنية للتشغيل يؤكد أن من بين 182 ألف عاطل عن العمل عام 2012 لم يبقَ سوى 10 -15 لم يعيَّنوا بعد، أي أنه «لا توجد بطالة».

وأوضح أن الإصلاح الاقتصادي يعني أن تكون المؤشرات الاقتصادية أفضل بعد ثلاث سنوات مثلاً، مشيراً إلى أن المسألة الأساسية التي أولتها الحكومة اهتمامها تتعلق بالعجز والمديونية. وأقرّ بأن العجز تراجع بشكل كبير، راداً ذلك إلى انخفاض أسعار النفط، مما خفف من عجز الوحدات المستقلة، إلى جانب أن المساعدات الخارجية شكلت 15-20% من إجمالي إيرادات الدولة في الأعوام 2013-2015. بمعنى أنه «لا يوجد تسديد أو عجز يسدَّد بنيوياً من الاقتصاد، إنما ظاهرياً من خلال حقْن هذا الاقتصاد بمساعدات مختلفة، مثل المساعدات التي أتت من أجل اللاجئين السوريين».

وبيّن الوزني أننا إذا أخذنا العجز بقيمته المطلقة، يصبح الإنجاز أنّ الدَّين ينمو بأقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف أن الحكومة نجحت بشكل كبير في معالجة الكثير من التشوهات، أما قرارها برفع الدعم عن المشتقات النفطية والذي جاء ضمن سياسة الترغيب والترهيب بأن الدينار «قابل للهبوط إن لم ننقذ البلد»، فهو «مطلوب اقتصادياً، لكنه مجحف تنفيذياً».

وأوضح في هذا السياق أن الحكومة حولت 250 مليون دينار كانت تدعم بها المشتقات المالية إلى صافي إيراد يتجاوز 500 مليون من المواطن لخزينة الدولة. وهذا لا يعيبه شيء لأن الضرائب هي المورد الرئيس للدولة، بمعنى «أنا أدفع الضريبة لأهيئ مناخاً استثمارياً أستطيع العيش به»، فهذا واحد من إجراءات النجاح.

أما مسألة الكهرباء، فقد تمت معالجتها «بطريقة مشوهة»، بحسب الوزني، الذي تساءل عن مدى إسهام ميناء الغاز في تخفيض خسائر شركة الكهرباء، لأنها ربحت 33 مليون دينار في عام 2009 بسبب الغاز المسال، واليوم تخسر أكثر من مليار دينار، ليس بسبب استهلاك المواطن أو القيمة التي يدفعها، بل بسبب توجّهنا نحو الوقود الثقيل، بدلاً من البديل الأساسي المتمثل في الطاقة المتجددة.

وقال إن الحكومة تتحرك بردّة الفعل، كما حدث مؤخراً عند لقاء جلالة الملك بالقطاع الخاص، إذ تحركت الحكومة بعد ذلك. وأضاف: «لو أن الحكومة بدأت منذ ذاك الوقت تتحدث عن الاستثمارات وكيف نتحمل أزمة اللجوء وكيف نأتي بالمستثمرين السوريين، ولو أنها أخرجت قانونَ استثمار حضارياً في ذلك الوقت، ولو تمّ حث المسؤولين على تجاوز الروتين.. لو حدث كل ذلك لكانت الصورة مختلفة الآن، ولأتت استثمارات جديدة يستفيد بها الأردنيون».

ورأى أن التركيز انصبّ بشكل أساسي على زيادة إيرادات ضريبة الدخل وتخفيض العجز، وقال إن أكبر مؤشر على ذلك هو خطة 2020-2025، فالأولويات الاستراتيجية والمبادرات ذات الأولوية فيها تدور حول: تعزيز إدارة إيرادات الضريبة، وتحسين عملية التحصيل، وتوسيع استخدام الأنظمة الإلكترونية لتحصيل الإيرادات، والحد من الإعفاءات، وتشديد أحكام الإعفاءات.

وتابع الوزني بقوله: «هذا هو البند الأول في خطة 2020-2025 لتنشيط الاقتصاد الأردني، ورغم أهميته إلا أنه يجب ألّا يكون هنا»، فإذا كان المراد هو جذب المستثمرين، يجب أن أعرّفهم بالمناخ الاستثماري في الأردن، ثم يأتي لاحقاً الحديث عن الضريبة.

وبشأن السياسات الاقتصادية، قال الوزني إن الاقتصاد لا يمكن أن يعمل إلا بجناحين متوازنين صحيين: القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ويجب أن يكونا قويين، «الحكومة يجب أن تكون قوية بالتنظيم والتشريع والتنفيذ.. لا نريد حكومة ضعيفة، لأنها عندئذ لن تكون قادرة على محاسبة المستثمر الذي يحتكر أو يطغى على المستهلك».

وأشاد بالدعم المستمر من جلالة الملك للقطاع الخاص، ليكون شريكاً حقيقياً في العملية التنموية والاقتصادية.

وأشار إلى أن هناك «تحالفاً تشريعياً تنفيذياً» أدى إلى إصدار قانون لضريبة الدخل «غير مرضيّ عنه»، وهو ما دفعَ إلى التوجه نحو تعديله. ورأى في هذا السياق أن الاستقرار التشريعي هو أهم بند في التنافسية، «فإذا أتى المستثمر للأردن عام 2015 ورأى أن قانون الضريبة سيتم تعديله سيوقف مشروعه ليطّلع على التعديل سواء أكان إيجابياً أم سلبياً».

وتوقف الوزني عند موضوع الاستقرار أو التماسك الاجتماعي، قائلاً إن النتائج «غير مجدية» في ما يشعر به المواطن جراء السياسات الحكومية والحديث عن البطالة والمخدرات والعنف المجتمعي. وأضاف أن هناك مشكلة اجتماعية ولّدتها الضغوط جرّاء التركيز على مسائل مثل العجز والموازنة، من دون تفكير بالنمو والتنمية.

أما المؤشرات المتعلقة بالاحتياطات الأجنبية، فتساءل الوزني حولها: «هل هي مما ولّده الاقتصاد أم مما جاء كمساعدات للأردن، أم إن المساعدات المخصصة للسوريين أضيفت إلى الاحتياطات»، فإذا كان الأمر كذلك فإنه «غير كافٍ لحماية الدينار»، فحماية الدينار تكون بـ«جذب الاستثمارات».

وفي موضوع التنافسية، تساءل أيضاً: «هل المشكلة بالموانئ أم بإدارة الاقتصاد؟»، فدبي مثلاً لا يوجد بها موارد كالبوتاس وتحلية المياه والسياحة والبترول، لكن بها إدارة تستورد البشر للإنتاج، ويبلغ الناتج المحلي لها 100 مليار دولار رغم أنها مدينة وليست دولة، في حين أن الناتج المحلي للأردن 33 مليار دولار.

 

الاقتصاد «إدارة» قبل أن يكون «موارد»

 

قال الكابتن والخبير البحري محمد الدلابيح إن الاقتصاد هو «إدارة» قبل أن يكون «موارد»، مضيفاً أنه لا توجد ثقة بين الحكومات والمواطن في المجال الاقتصادي.

ومن الأمثلة التي أوردها الدلابيح أن حكومة أعلنت في عام 2009 أن الصخر الزيتي سيُستخرَج خلال 12-18 شهراً وأن الأردن سيعتمد على البترول الزيتي، لكن العام 2015 يوشك على الانتهاء ولم يتحقق شيء من ذلك.

كما أن الحكومة أكدت أن تخفيض الدعم عن المشتقات النفطية سينعكس إيجابياً على الاقتصاد ويقوي الدينار، لكن شكوى المواطن ازدادت بسبب ارتفاع الأسعار، وبسبب تراجع فرص العمل.

ومن أسباب عدم ثقة المواطن بالحكومة كما يرى الدلابيح، عدم وضوح المعادلة التي تعتمدها الحكومة لحساب أسعار النفط.

وقال إن الآثار والكلف الناتجة عن الاضطرابات والغرامات البحرية وتَذبذب أسعار النفط تُضاف على الفاتورة وتوزَّع على المواطن، فإذا انخفض سعر البرميل عشرين دولاراً مثلاً لا ينخفض السعر في الأردن بالمقدار نفسه، لأن «المصاريف عالية»، وحتى باخرة الغاز التي استؤجرت بمبلغ 153 ألف دولار باليوم (550 مليون دولار في 10 سنوات)، ستنعكس كلفتها على المواطن.

وأوضح أن هناك تشوهات كثيرة يجب أن تعالَج، مستعرضاً أسباب الانهيار الاقتصادي باليونان في سياق تحذيره مما يُخشى أن يؤول إليه الوضع الاقتصادي محلياً، ومنها: الرواتب الخيالية، وتعدد الرواتب التقاعدية للشخص الواحد، وإنفاق الأموال في مشاريع استهلاكية لا إنتاجية.

وقال الدلابيح إن الهيئات المستقلة تنشأ في الدول الأوروبية للاستعاضة عن الوزارات، داعياً إلى إلغاء هذه الازدواجية في الأردن، «فمثلاً لا داعي لوزارة النقل في ظل وجود هيئة لتنظيم قطاع النقل وهيئة لتنظيم قطاع النقل البحري، وكذلك الحال بالنسبة لوزارة السياحة، فلا ضرورة لها في ظل وجود هيئة لتنظيم السياحة».

كما دعا إلى توظيف الأموال في بناء المصانع والإنتاج بدلاً من توجيهها نحو بناء الطرق والجسور والمولات.

 

المشروع الاقتصادي

 

قال النائب خير أبو صعيلك، رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، إن نسبة النمو الحقيقي الإجمالي لسنة 2014 كانت 3.1% مقارنة بـ2.8 خلال العام الذي سبقه، وإن هذا النمو جاء مدفوعاً بشكل أساسٍ من «نمو قطاع المال والتأمين والعقارات».

وبشأن مساهمة القطاعات الاقتصادية في النمو، رأى أبو صعيليك أن هناك نمواً في قطاعات التجارة والمطاعم والفنادق وإنتاج الخدمات الخاصة، بينما كان هناك تراجع في قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والنقل والاتصالات. وهو ما يؤشر بحسب أبو صعيليك «على أن عقل الدولة في ذلك الوقت كان يتجه لدعم الاقتصاد الخدمي على حساب الاقتصاد الإنتاجي».

وأضاف بقوله إن الظروف السياسية في المنطقة وإغلاق الحدود مع العراق وسوريا، وبخاصة أن السوق العراقي هو السوق الأكبر للصادرات الأردنية، وظهور تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على جزء من الأراضي والمناطق الحدودية، كل هذا أدى إلى حدوث أزمة مالية شبيهة بالأزمة المالية العالمية التي حدثت في عامَي 2007-2008.

ورأى الذي كان عضواً في اللجنة التوجيهية للخطة العشرية، أن هناك تياراً بالدولة يدفع باتجاه الخدمات وقطاع المال على حساب الاقتصاد الإنتاجي، مشيراً في هذا السياق إلى أن الصناعة تساهم بحوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي و20% من القوى العاملة في الأردن، وأنها المحرك الأساسي للاقتصاد، «فإذا اشتغلت الصناعة، يشتغل قطاع التأمين وقطاع النقل وقطاع العقارات.. إلخ».

وقال إن لا صناعة من غير طاقة، ولأن الطاقة مكلفة، فعلى الحكومة أن تستثمر في هذا الجانب، وأن تهتم بالطاقة المستدامة والطاقة البديلة، لتوفير طاقة رخيصة تستطيع المصانع معها المنافسة، وخاصة في السوق السعودية.

وأثنى على الجهود التي بذلها مجلس الأمة لإقرار عدد من القوانين الاقتصادية «الإصلاحية بامتياز»، وفي مقدمتها قانون ضريبة الدخل، وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، وقانون المعاملات الإلكترونية، وقانون الاستثمار.

وأشار إلى النقد الموجّه للبيئة التشريعية في السنتين الأخيرتين، قائلاً إن معظمه كان نقداً إيجابياً، وإن بعض النقد يقع ضمن «المناكفة السياسة للحكومة، والرغبة بالانقضاض على المناصب العليا بالدولة».

وقال إن هناك خلطاً أحياناً عند توجيه النقد، بين النص التشريعي والتطبيق، داعياً إلى «ثورة بيضاء» بالاقتصاد والاستثمار كما تحدث جلالة الملك، ولكن «كيف يمكن القيام بهذه الثورة إذا كان الثوار «محافظين».

ودعا أبو صعيليك إلى تكثيف جهود الدبلوماسية الأردنية لترويج البترا والبحر الميت والمغطس وسواها، لتعزيز «الاقتصاد السياحي». كما دعا إلى القضاء على بيروقراطية الموظف الحكومي.

وتوقف عند ضعف الشراكة الحقيقية بين البرلمان والحكومة والقطاع الخاص. وقال في هذا السياق: «منذ ثلاث سنوات لم تتلقَّ لجنة الاقتصاد والاستثمار بمجلس النواب سوى اقتراح واحد من القطاع الخاص، وكل المقترحات كانت تأتي من غرف الصناعة والتجارة وغرفة صناعة عمان»، وقال إن اللجنة «قادت حواراً وطنياً بامتياز عند مناقشة القوانين قبل إقرارها»، فقانون ضريبة الدخل نوقش لمدة عام كامل وعُقد لأجله 108 اجتماعات، وتمت مناقشته تحت القبة على مدار 13 جلسة.

ورأى أنه كان على الحكومة أن تقوم بهذا الدور، كاشفاً أن مجلس النواب سيتقدم بمقترح قانون للحكومة حول آلية إصدار التشريعات بالحكومة.

وشد على أهمية أن تكون هناك دراسة الأثر قبل دراسات القوانين الاقتصادية.

وأوضح أن الدَّين ليس ضاراً دائماً، «الولايات المتحدة وبلجيكا، تبلغ قيمة الدَّين أكثر من 100% من الناتج الإجمالي المحلي، ومع ذلك فإن نسبة البطالة ونسبة محركات النمو أفضل مما هي في دول أخرى، وفي المقابل هناك دول لا يوجد عليها دَين، لكن الفساد ينخرها والبطالة في ازدياد فيها».

ورأى أبو صعيليك أن نمو الدَّين بنسبة أقل من الناتج الإجمالي، «خطوة جيدة» قامت بها الحكومة، ولكنها «غير كافية، ويجب البناء عليها».

وقال إن قانون الصرافة تتم مناقشته من قبل لجنة الاقتصاد والاستثمار بمجلس النواب، بهدف تنظيم صناعة الصرافة في البلد، وأوضح أن هناك مادة مقترحة في القانون تتيح للحكومة الاطّلاع على الحسابات، لكن اللجنة رفضت ذلك المقترح، وتم تعديل المادة بالتوافق مع ممثلي قطاع الصرافة ومحافظ البنك المركزي.

وأشار إلى أن الحكومة تقدمت بمادة في قانون الصرافة تسمح بفتح فروع لشركات الصرافة الأجنبية بالأردن، لكن اللجنة رفضت ذلك.

أما بشأن «التحالف التشريعي التنفيذي»، فرأى أن مثل هذا التحالف «غير موجود»، مستشهداً بعدد من الأمثلة منها أن الحكومة قدمت مقترحاً لوضع ضريبة على القطاع الزراعي مقدارها 20% لكن مجلس الأمة خالفها في ذلك وأعفى القطاع من الضرائب. ومنها أن الحكومة تقدمت لزيادة الضريبة على الصناعة من 14 إلى 20% لكن المجلس رفض زيادة الضريبة أيضاَ. ومنها أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لزيادة الضريبة على الاتصالات، وخالفها المجلس في ذلك.

أما قانون الاستثمار الذي تقدمت به الحكومة فـ»يختلف تماماً عن القانون بعد مناقشته في مجلس الأمة»، بحسب ما أوضح أبو صعيليك، مؤكداً أن هذا القانون «متقدم» ويتحدث عن مبادئ عامة، وأن على الحكومة أن تتخذ الفرصة بالتطبيق.

ودعا إلى تخفيف حدة النقد على البيئة التشريعية، لأن المطلوب هو استقرار هذه البيئة، وتساءل: «هل يعقل أن نعدّل في قانون لم يطبَّق؟»، في إشارة إلى قانون ضريبة الدخل.

وقال أبو صعيليك إن الحكومة «تتراخى» أحياناً على بعض القوانين التي يتم إنجازها بمجلس الأمة، ومثال ذلك أن المجلس قرر في قانون ضريبة الدخل أن تكون ضريبة الدخل على الصناعة 14% مخالفاً بذلك الحكومة التي أرادتها أن تكون 20%، فقامت الحكومة بفرض رسوم جمركية يدفعها الصناعيون على الصادرات التي تأتي للأردن، بمعنى أن الحكومة عوضت الفرق في مقدار الضريبة بقرار منها، وليس بموجب التشريعات التي يقرها مجلس الأمة.

وفي ما يتعلق بعمل هيئة الاستثمار، أوضح أن النواب تقدموا بملاحظات «جوهرية» على تطبيق قانون الاستثمار من قبل الهيئة، لاعتقادهم أنه يطبَّق بصورة «تخالف القانون».

 

الكلفة الاقتصادية

 

قال الخبير الاقتصادي مروان الدباس في معرض حديثه عن الإنفاق الحكومي، إن الفاتورة الصحية تبلغ 500 مليون دينار سنوياً، منها هدر بالأدوية يصل إلى 250 مليون دينار.

وأوضح أن كلفة أزمة السير على الاقتصاد تزيد على 400 مليون دينار سنوياً، داعياً إلى اعتماد بدائل وحلول مثل الأنفاق والجسور.

كما أشار إلى التأخر في تنفيذ المشاريع وكلفته على الاقتصاد، وتسببه في هدر الموارد، مؤكداً أن النجاح يكمن في «حسن إدارة الموارد».

وقال الدباس إن قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعاني من مشكلة التمويل، وإن التمويل مرتفع الكلفة، داعياً إلى الاهتمام بهذا القطاع الذي يعد أساسياً في اقتصاديات الدول المتقدمة مثل اليابان وكوريا.

توصيــــات

 

• أبو صعيليك

دعا أبو صعيليك إلى أن يكون هناك «ثوار جدد بالمشروع الاقتصادي»، و»تكثيف الجهود الدبلوماسية لتسويق الأردن، وقتل البيروقراطية، وإيجاد شراكة حقيقية بين الحكومة ومجلس الأمة من خلال «الحكومة البرلمانية».

•الحلايقة

قال الحلايقة إن كثيراً من الأنظمة ستصدر عن قانون الاستثمار، لأنه ينطوي على تفاصيل كثيرة. وأضاف أن هناك عنصراً مهماً في الأنظمة، هو صلاحيات مندوبي الدوائر، فحتى الآن «لم تُسَمِّ كل الوزارات الموظفين المخولين بالموافقة على المشاريع».

وفي معرض حديثه عن السياسات الاقتصادية، قال الحلايقة إن علينا عدم الارتهان لردة الفعل، فالتحديات تستدعي ألّا نبقى «نعمل بالقطعة وبردة الفعل». وضرب مثالاً على ذلك أن الحكومة تحركت لحل مشاكل الاستثمار في العقبة بعد قيام جلالة الملك بزيارة المدينة واجتماعه مع مجلس مفوضي سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة وزيارته الى مجلس الوزراء ، فهذا «أسلوب غير منتج»، ونحن بحاجة «للقيادة والمبادرة والإبداع»، ويجب أن نعود «لنحدّد دور الحكومة» التي هي أكبر مشغّل، وبالتالي نتحدث عن نفقات جارية «ضخمة جداً»، وكل إيرادات الحكومة (ضريبية وغير ضريبية) لا تغطي 80-85% من الإنفاق الجاري، وهذا «تحدٍّ كبير» بحسب الحلايقة.

ولفت إلى أن بدايات الإصلاح المالي تكون ببرنامج على مدى 10 سنوات مثلاً، لرفع نسبة تغطية الإيرادات حتى تصل 90-95%، أو أن تغطَّى النفقات الجارية من الإيرادات. أما «أن نستدين لنغطي الرواتب والتقاعد فهذه مشكلة».

وقال الحلايقة إن إنفاق الحكومة كبير، وإن المخصص للإنفاق الرأسمالي الذي يحرك النمو لا يأتي إلا بالمساعدات، ونتيجة لسوء الإدارة المالية المتعاقبة «فإن الحكومة ليس لديها أموال للقيام بانفاق راسمالي كبير» وقد ساهمت المنحة الخليجية بتعزيز الانفاق الراسمالي ولكن نسبة نمو الاقتصاد لازالت ضعيفة.

وأوضح أن العجز انخفض ظاهرياً، وأن أسعار النفط ساعدت على ذلك، لكن المديونية ارتفعت مقابل ذلك.

ولفت إلى أن قطاع الخدمات مولِّد لفرص العمل، ويولّد قيمة مضافة، ويأتي بعائد ضريبي للحكومة، وأن الخدمات الطبية والعلاجية ساهمت في هذا الجانب في فترة من الفترات، وكذلك التعليم.

وقال إنه بينما يتم الإعلان أن القطاع الخاص «شريك»، إلا أنه لا يأخذ دوره ولا يُستجاب لشكواه في كتير من الاحيان، والتحديات التي تواجهه كثيرة في ما يتعلق بالبيروقراطية الحكومية.

ودعا الحكومةَ إلى التواصل المستمر مع القطاع الخاص، ووضع جدول زمني لمعالجة قضاياه، رغم أن هناك مطالب للقطاع الخاص لا تستطيع الحكومة تنفيذها كالإعفاءات الضريبية، ويحسب للحكومة إجراءاتها في قطاع السياحة.

واستغرب الحلايقة أن تُزاد الضريبة على قطاع ينمو ويأتي بقيمة مضافة ممتازة مثل قطاع الاتصالات، «فهذا لا يجدي»، بل يجب تعزيز القطاعات الناجحة، فبعد الضربة انخفضت أرقام ربحية قطاع الاتصالات من 100 مليون إلى 25 مليون دينار فقط، ويقال إن الربحية في عام 2015 لن تتجاوز 18 مليون.

وشدد الحلايقة على أهمية تحديد عدد من القطاعات التي يمكن أن تكون قاطرة النمو الاقتصادي.

ولفت إلى أن الضغوطات الخارجية على الأردن كبيرة جداً، وأن المؤسسة الأردنية بشكل عام بقيت متماسكة في ظل هذه الضغوطات، ولكن هذا لا يكفي لتخفيف الضغط الاجتماعي في الأطراف والمحافظات، حتى في عمّان الشرقية، فهناك فروقات البنية التحتية.

وأيّد الحلايقة ما ورد في رؤية الأردن 2015 متمنياً أن تتحقق، داعياً الحكومة على وضع مصفوفة بالتعاون مع القطاع الخاص، لمعرفة كيفية حل المشاكل التي تواجه الاقتصاد الوطني.

• العناني

قال العناني إن الحكومة بدأت بفضل جلالة الملك تخوض في القضايا الصعبة التي تتطلب إدارة سياسية اجتماعية. وتساءل في هذا السياق: هل أسلوب صنع القرار الاقتصادي المتبع في الأردن هو الأسلوب الأفضل، أم إننا بحاجة إلى إعادة نظر شاملة بأسلوب صنع القرار؟

وأوضح أنه لا يجوز اتخاذ أي قرار اقتصادي مهم إلا بعد دراسته ودراسة البدائل الممكنة ودراسة تأثيره على فئات الناس وقطاعاتهم المختلفة، ثم يكون الاختيار بالتوافق بين الجهات المعنية.

وكمثال على ما يحدث من «عشوائية» قال العناني إن الحكومة قررت زيادة الضرائب والرسوم على قطاع الاتصالات بشكل «عشوائي»، وعندها وقف المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي كنت أتشرف برئاسته آنذاك ضد قرارها، واقترح أن تدعو الحكومة الشركات العاملة في القطاع وأن تطلب منها 40 أو 50 مليون دينار مثلاً.

وأضاف أن الحكومة لم تدرك أن هناك أجيالاً جديدة من الخدمات سوف تأخذ من إيرادات هذه الشركات، مثلاً استعمال (Viper) يقلل من المردود المتأتي من الاتصالات الدولية الذي يعد مورداً أساسياً لهذه الشركات.

ولفت إلى أن الحكومة اتخذت قراراً بتجديد أو تمديد امتياز شركة الكهرباء الأردنية، في الوقت الذي لم يوضع فيه أي شرط على الشركة لتبنّي الطاقة المتجددة رغم صدور قانون الطاقة المتجددة والأنظمة الذكية. مضيفاً أنه آن الأوان لفتح حوار مع شركة الكهرباء حول إعادة نظم الإنتاج والتوزيع على أساس إدخال الطاقة المتجددة كعنصر أساس لتزويد الناس بالكهرباء.

وشدد العناني على أهمية دراسة آثار القرارات الاقتصادية في أي قطاع على بقية القطاعات، فرفع أسعار الكهرباء قد أدى إلى رفع أسعار المياه حكماً، لأن المياه تستخدم 12% من الطاقة الكهربائية بالأردن.

كما دعا إلى تحسين أسلوب صنع القرار الاقتصادي، وهذا ينطبق على التشريعات، والأسباب الموجبة لها، والتي ما زالت أسباباً ضعيفة.

ورأى أننا ما نزال وسط عراك أساسي بين ضبط الموازنة من ناحية والتنمية من ناحية أخرى، وأن رؤية 2020-2025 وُضعت للانتهاء من هذه الحلقة المفرغة، وأن الخطة الاقتصادية والاستثمار يجب أن يؤخَذا بمنتهى الجدية.

وفي ضوء هذه الحقائق، قال العناني إن الحكومة «نجحت إلى حد ما»، ولكن مواجهة المديونية تستدعي اتخاذ قرارات «أكثر جرأة».

وأكد أن كلفة الريعية والإرضائية عالية، وأنه لا بد من إعادة النظر بكفاءة العاملين في القطاع العام، فهو يوظّف حوالي 45% من القوى العاملة الأردنية، وما لم يعزز الجهاز الحكومي قدرته على الأداء لا يمكنه مواجهة الاعتداءات على الدولة، والجريمة، والتهريب.

وختم العناني بقوله إن الأوان آن لمناقشة القضايا الصعبة التي لم يعد تأجيلها ممكناً، وإن الحكومة دخلت مرحلة التحدي لمواجهة الناس بالقضايا وفتح حوارات وطنية ليعرف المواطن ما الذي يجري.

• أرسلان

قال أرسلان إن تطوير الاتفاقيات المعقودة بين الحكومة وشركات توزيع الكهرباء قد أدت إلى تسهيل قيام القطاع الخاص بالاستثمار في الطاقة المتجددة، في حين أنه رأى أن من الضروري أن يكون هناك توسعاً في الاتفاقيات لتشمل حوافز جديدة للمستثمرين في الطاقة المتجددة، وذلك بموافقة الحكومة وشركات التوزيع لتضمن زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في انتاج الكهرباء والتي بات الطلب عليها بازدياد.

وأكد أننا بحاجة لوضع استراتيجيات حقيقية في غياب كامل للشراكة بين القطاعَين العام والخاص، داعياً إلى وضع هيكلية تضمن الشراكة الحقيقية بين القطاعين.

وفي موضوع التأهيل والتدريب، رأى أرسلان أن المشاريع الخاصة بالتأهيل فشلت، في ظل متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، وأن التدريب والتأهيل بحاجة للمراجعة ويجب أن يديره القطاع الخاص.

وشدد على أهمية التوجه للأسواق الجديدة، والتركيز على القطاعات الأردنية الواعدة، «فهناك قطاعات واعدة تم التخلّي عنها، وكان يمكن أن تكون مصدّرة بقوة»، مثل قطاع التعدين.

ورأى أن هناك تراجعاً وخروجاً عن سياسات السوق المفتوح الذي ابتدأنا به في الفترة 2000-2003، رغم أن النتائج بالمؤشرات في الفترة 2002-2007 كانت ممتازة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

• كنعان

وتساءل كنعان: لماذا لا يكون مؤشر المديونية هو نسبة الدَّين الخارجي للصادرات وليس للناتج المحلي، وهنا تكون قدرة البلد على تصدير السلع والخدمات معبّرة عن قدرته على سداد الدين.

• الوزني

دعا الوزني إلى إحياء فكرة ملتقى السياسات الاقتصادية الأردني الذي كان من بين التوصيات في إحدى دورات المجلس الاقتصادي الاستشاري، ليكون جهة مستقلة لمأسسة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام.

• قندح

دعا قندح إلى اتباع سياسة حلّ المشاكل في القطاع نفسه واحدة واحدة وبشكل منفصل، فالسياسة الشمولية بأن يتم تنفيذ كل استراتيجية أو خطة «بالحرف» لا تسير بالشكل الصحيح، ما عدا البرامج التي ينفذها صندوق النقد الدولي.

• الدلابيح

شدد الدلابيح على أهمية المكاشفة بين المسؤول والمواطن، كي تعاد الثقة بين الطرفين، على أن يكون هناك «وجود حقيقي لشخصيات اقتصادية وازنة داخل الحكومة تستطيع تنفيذ التوجهات الإصلاحية».

• الدباس

قال الدباس إن المجلس الاقتصادي الاجتماعي هو الجهة المؤهلة للعمل كخلية أزمات، ففيه كفاءات ومكونات اقتصادية.

ودعا إلى وضع مصفوفة اقتصادية تحدد مؤشرات النمو الاقتصادي للسنوات القادمة.