ورشة عمل نحو إعلام خالٍ من خطاب الكراهية

01/11/2015


ادار الندوة - هادي الشوبكي
حرّرها - جعفر العقيلي وبثينة جدعون

دعا سياسيون وأكاديميون وخبراء وإعلاميون، إلى تعزيز الانفتاح على الآخر المختلف، وتطبيق المساواة، والابتعاد عن التهميش والإقصاء، وذلك في سياق التصدي لخطاب الكراهية.

وأكد المشاركون في ورشة عمل بعنوان «نحو إعلام خالٍ من خطاب الكراهية»، نظمها مركز «الرأي» للدراسات بالتعاون مع مؤسسة «أنا أتجرأ للتنمية المستدامة»، على أهمية المواطنة وعلى دورها في محاربة خطاب الكراهية، وطالبوا بإصدار قانون رادع لمناهضة خطاب الكراهية، وبتدريب كوادر أجهزة الإعلام ووسائله للتمييز بين خطاب الكراهية والرأي.

وخلصت الورشة إلى ضرورة إيجاد خطاب فكري إعلامي معتدل وسطي لتصحيح المفاهيم المغلوطة ولمجابهة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر بالتوازي مع الإصلاح على المستويات كافة ومحاربة للفساد، وتعزيز النهج الإصلاحي الذي بدأ في الأردن ضمن استراتيجية وطنية شاملة.

تالياً أبرز وقائع الورشة التي ناقشت مفهوم خطاب الكراهية ومضامينه، ودور أدوات الاتصال في التصدي لهذا الخطاب ومواجهته..

دور الإعلام

قال الزميل طارق المومني، رئيس تحرير «الرأي» ونقيب الصحفيين الأردنيين، إن ما تشهده المنطقة العربية من أحداث أدى إلى شيوع خطاب الكراهية، وإن علينا في الأردن أن نعمل لمنع تسلل هذا الخطاب إلى مجتمعنا وإلى وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي.

ولفت المومني إلى أن واجب وسائل الإعلام أن تنبه لخطر هذه الآفة، وأن يكون خطابها متسامحاً يقبل الآخر والتنوع والاختلاف.

وشدد على ضرورة ألا تُستَغَلّ أي مسألة مهما كانت بسيطة، للّعب على الوتر الطائفي أو الإقليمي، داعياً العاملين في مجال الإعلام إلى تجنب استخدام مصطلحات وألفاظ من شأنها أن تساهم في الإقصاء أو التهميش أو تعزيز خطاب الكراهية، ذلك أن الإعلام يشكل الرأي العام ويساهم في تغيير كثير من الرؤى داخل المجتمع.

ونبّه المومني إلى الخطورة الناتجة عن تحوّل وسائل التواصل الاجتماعي عن الهدف الذي أنشئت لأجله، والمتمثل في تعزيز القيم الإيجابية والتماسك المجتمعي، بحيث غدا بعضها من عوامل الهدم والتقسيم في المجتمعات.

«أنا أتجرأ»

قدّم المؤسس والمدير العام لمؤسسة «أنا أتجرأ للتنمية المستدامة» إياد الجبر، تعريفاً بهذه المؤسسة، موضحاً أنها منظمة أردنية غير ربحية، انطلقت بشكل غير رسمي في عام 2007، ثم تم تسجيلها رسمياً في عام 2013.

وبيّن الجبر أن خطاب الكراهية هو الخطاب الذي يدعو لأعمال العنف أو الكراهية، ويوجِد مناخاً من الأحكام المسبقة التي قد تشجّع على ارتكاب جرائم الكراهية، مشيراً إلى أن لغة خطاب الكراهية غالباً ما تعتمد على التشويه والتعبريات غير اللائقة، وهي لغة انفعالية لا تعتمد على العقل، بل تعتمد على بعد انفعالي بسيط.

ولفت إلى أن خطاب الكراهية بدأ يتسلل إلى المجتمع، وهو ما دفعهم إلى تصميم مشروع لمواجهة هذا الخطاب في مطلع عام 2014 وبدأوا تنفيذه في مطلع العام الجاري، حيث أنه مستمر من خلال الحملة الالكترونية، ومن خلال محاولتهم استدامة المشروع عبر الشراكات مع المؤسسات الوطنية.

وأوضح أن المشروع قام على اختيار 50 شاباً وشابة من أنحاء المملكة، وتدريبهم من خلال مخيمين واحد في شمال المملكة والآخر في جنوبه، ثم إطلاق حملة إلكترونية بعنوان «التصدي لخطاب الكراهية على شبكة الإنترنت»، وقد كشف تقييم المشروع أن مخرَجاته إيجابية على أرض الواقع، وهو ما يدعو إلى التحرك ليس فقط للتصدي لخطاب الكراهية، بل وأيضاً تقديم خطاب بديل مبني على المنظومة الأخلاقية والقيمية التي نؤمن بها.

وبحسب رأيه، فإن خطاب الكراهية جاء متأخراً بعد إجهاض ما يسمى «الربيع العربي»، متسائلاً: هل كان خطاب الكراهية ممنهجاً؟ وإن كان كذلك فمنذ متى؟

وأشار إلى دراسة أجريت في خمس دول عربية، معظمها كان لديها مشكلة ضمن ما يسمى «الربيع العربي»، ولكن في الأردن ليس هناك دراسة واضحة تحدد حجم خطاب الكراهية، سواءً كان إلكترونيا أو سواه.

وكشف أنهم وجدوا عبر مشروع مؤسسة «أنا أتجرأ» الذي تواصلوا فيه مع شباب من جميع المحافظات بالمملكة بين 18 و30 سنة، أن 82% من الشباب يعتقدون أنهم تعرضوا لخطاب كراهية، وهي «نسبة عالية».

وأضاف أن الشباب عندما كانوا يُسألون عن مدى معرفتهم بخطاب الكراهية، يقعون بالفخ في التمييز بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، وأنهم رأوا أن التصدي لخطاب الكراهية يعدّ استكانة.

وبيّن أن مفاهيم الشباب تجاه هذه المسألة تطورت بعد التدريب، فـ85 % منهم قالوا إن مهاراتهم تحسنت بالاستماع، و26% قالوا إن رقابة ذاتية تشكلت لديهم، في حين أن 25% منهم أصبحوا يدركون الخط الفاصل بين خطاب الكراهية وحرية التعبير. وأكد أن معظمهم تحسّن من حيث البعد المعرفي والسلوكي.

وقال الجبر إن المطلوب هو تطوير خطاب بديل ممنهج نحدد فيه ماذا نريد أن نقدم للشباب، فالخطاب البديل يقوم على عبارات مقبولة على نطاق واسع.

وأشار إلى أن خطاب الكراهية تم ربطه بخطاب التطرف العنيف، فالغلو يبدأ في التفكير الذي يخرج عن طوره الطبيعي فينحرف، والتطرف يبدأ سلوكياً مع الآخر، وباستمرار تغذيته يتحول إلى إرهاب واستحلال لدم الآخر.

ودعا الجبر إلى أجراء دراسة تحدد أعداد طلبة الثانوية العامة والجامعات الذين التحقوا بالمنظمات الإرهابية، وتتقصى أسباب التحاقهم بها.

وأكد أنه يجب أن يكون هناك قوانين تحدد مقدار الحرية لدى السياسي، مشيراً إلى أن لدينا مصطلحات تأصلت وفقاً لما أراده الغرب منها، مثل مصطلح «الإرهاب»، وهو مصطلح مخفف للإسلام المتطرف، فقد خرجوا به كي لا يثيروا حفيظة الجميع، داعياً إلى توخي الحذر عند التعامل مع مثل هذه المصطلحات.

وأوضح الجبر أن مصطلح «الإرهاب» مسيّس، ولا يُقصد منه محاربة الإرهاب كإرهاب، فالإرهاب ليس حكراً على دين معين، والثقافات الأوروبية تمارس الإرهاب والكراهية ضد الآخر، وبالتالي نحن بحاجة لتأصيل المصطلح وتعريبه، كما أن مناهجنا بحاجة إلى إعادة نظر وإصلاح.

وعرض جبر لبعض المقاربات الدولية التي أكد أنه ينقلها بحيادية، ويستخدم المصطلحات التي تستعمل بها بصرف النظر عن مدى موافقتنا عليها، داعياً إلى إيجاد مقاربة وطنية محضة لا تكتفي بالتصدي لخطاب الكراهية، وإنما تقدم خطاباً بديلاً له، ومنها:

- تدريب جهات فاعلة محلياً على القدرات التقنية للطروحات المضادة.

- إنشاء حوار داخل المجتمعات للتصدي للتطرف العنيف لتوليد محتوى الخطاب البديل بما يناسبنا وبثقافتنا.

- إشراك الصحفيين والمجتمع المدني للعمل معاً على كيفية عودة الفرص مع ملاحظة أن الإعلام قد يكون ضحية.

- إنشاء محور مركزي للمعلومات على المحتوى البديل.

- تطوير الأدوات القانونية وتفعيل القانون للتصدي لخطاب الكراهية.

محتوى بديل لخطاب الكراهية

قالت د.فاطمة العقاربة، مديرة التخطيط الاستراتيجي والتدريب لمشروع التصدي لخطاب الكراهية، إن خطاب الكراهية ينتج من كلمات وتعابير تنطوي على شتم شخص ما أو نبذه أو السخرية منه، وهو ما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية ونفسية مختلفة.

وأضافت أن هناك انتشاراً لخطاب الكراهية عبر «الفيس بوك» و»الواتساب» و»التويتر» و»السناب شات»، وأن المطلوب هو توجيه المستخدمين الذين ينتمون إلى شرائح عمرية مختلفة، وتوعيتهم وإرشادهم وإقامة ورشات العمل المتخصصة لمعالجة هذه الظاهرة جذرياً. ورأت أن جميع الجهات والأطراف يمكنها المساهمة في ذلك (البيت، والمدرسة، والمجتمع المحلي، والمؤسسات المعنية)، مشيرة إلى الدور الأساسي للإعلام في تخليص الخطاب من الكراهية وصبغه بقيم المحبة.

وكشفت العقاربة أن مؤسسة «أنا أتجرأ» رصدت خطاب الكراهية في الصحافة المكتوبة في خمس دول عربية، مشيرة إلى الانتشار الكبير لمصطلحات هذا الخطاب، ففي الصحيفة الواحدة هناك ما معدّله ستّ خطابات كراهية يومياً، مما يؤدي إلى التحريض والتجييش.

وأوضحت عقاربة في هذا السياق أن مصطلحات خطاب الكراهية تكررت 491 مرة في العراق (16%)، و492 مرة في البحرين (16%)، و1228 مرة في اليمن (40%)، ووصلت النسبة في مصر إلى 44%، وفي تونس 15%، فكان المجموع العام 3386 مصطلحاً يتم تداولها ضمن خطاب الكراهية في الدول العربية الخمس.

وقالت العقاربة إننا بحاجة للعمل على موضوع خطاب الكراهية ضمن سياسة عامة، لنخرج بقانون تنفيذي يجرم هذا العمل.

كيف ينشأ هذا الخطاب؟

قال وزير التربية والتعليم السابق، الباحث د.إبراهيم بدران، إن خطاب الكراهية هو الخطاب الذي لا يرحب بالآخر، ولا يظهر الجانب الإيجابي له أو إمكانية التعايش أو التعاون معه، وهو يسم الآخرَ بالشرور والأعمال السيئة ويدعو دائماً إلى الحذر منه، وذلك باستعمال الكلمات السيئة أو بنشر أي مواد سلبية عنه.

ورأى أن الإشكال هو ليس في تعريف خطاب الكراهية، لأن أي خطاب غير ودي أو غير إنساني أو غير تعايشي أو غير وطني يندرج في هذا الخطاب، لكن الإشكال هو بما وراء خطاب الكراهية؛ لماذا ينشأ هذا الخطاب وكيف ينشأ؟

وعدّد بدران 10 أسباب رئيسة لنشوء خطاب الكراهية؛ هي: الصورة الخاطئة عن الآخر، والخوف من المنافسة، والتصور أن الآخر هو ضدك أو عدوك، والثقافة العامة والتربية والتعليم.

ومن هذه الأسباب أيضاً: الكيفية التي نقرأ بها التاريخ، فهناك بحسبه كثير من الشعوب تظل أسرى لأحداث التاريخ، والإعلام، وغياب المعلومة، كثير من المواقف تبنى على اساس غياب المعلومة، والأفكار المسبقة.

كما رأى بدران أن من أسباب خطاب الكراهية غياب تعريف الأجيال بالجوانب الجمالية لمكونات المجتمع، ذاهباً إلى أن التربية والتعليم والثقافة تغفل هذه المسألة، فإذا كان المجتمع مكوناً من السنة والدروز والكاثوليك مثلاً، فمن الضروري تبيان الأماكن الجمالية لدى هذه المكونات، حتى يعرف الطفل أن كل مكون له خصوصيته والجوانب الجمالية الإيجابية الخاصة به.

ولفت إلى أن غياب التجديد الوطني يسهم في تأجيج خطاب الكراهية، فالمجتمعات تتغير وتتبدل، وتكون بحالة وتصبح بحالة أخرى، وهو ما يتطلب من المثقفين والمفكرين والقوى السياسية ومن الدولة أيضاً تجديد الحالة. وأضاف في هذا السياق: «نحن الآن في عصر المواطنة وعصر القانون ودولة القانون ودولة المواطنة، وجميع من هم في الوطن هم مواطنون متساوون متكافئون، وبالتالي هذا التجديد يجب أن يكون من آن لآخر حتى لا تبقى الأجيال الناشئة تعيش الماضي وتعيش رؤيتها بالماضي».

أخلاقيات المهنة

أشار الوزير والعين السابق د.محمد جمعة الوحش إلى قانون المواقع الإلكترونية والإخبارية، إذ كان من المدافعين والمؤيدين لهذه المواقع على خلاف عدد من زملائه حين كان عضواً في مجلس الأعيان، ليكون هو أحد ضحايا هذه المواقع «التي انطلقت بباطل ودون وجه حق على الإطلاق» حينما أصبح وزيراً للتربية والتعليم.

وقال الوحش إن خطاب الكراهية هو استثارة وتحريض وصولاً إلى عداوة قاتلة، وقد تتخذه دولة ضد دولة، أو طائفة ضد طائفة، أو حزب ضد حزب، أو فرد ضد فرد، أو مسؤول ضد مسؤول. متسائلاً عن أخلاقيات المهنة، أيّ مهنة، خاصة مهنة الصحافة، وتحديداً عندما تتاح مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي للتعليقات، فـ»المصيبة في التعليقات وليس في الخبر أحياناً».

وأوضح في هذا السياق: «أحياناً يكون الخبر عادياً، ولكن التعليقات تنطلق بأسماء حقيقية وأسماء مستعارة، فإذا كانت الأخلاقية ومنظومة السلوك لا تمنع مثل هؤلاء الأفراد أن يبثوا سمومهم في المجتمع، أليس هناك رادع قانوني لمحاسبة المسؤولين عن هذه المواقع؟».

ورأى أن التعليقات التي تبث السموم هي صورة عما يجري في البيوت والغرف المغلقة، وأن صورة المجتمع الأردني تغيرت بصورة سلبية باتجاه اغتيال الشخصية، واغتيال الحزب، واغتيال المسؤول، واغتيال الدولة، فـ»إن لم يكن هناك رادع أخلاقي، يجب أن يكون قانون».

وقال الوحش إن المناهج الأردنية لا تنطوي على أي خطاب كراهية يتعلق بالبعد الديني أو الطائفي أو العرقي، باستثناء ذلك الموجه للصهيونية وللاستعمار الغربي.

وأشار إلى أن مجلس التربية والتعليم الذي يضع السياسات التربوية يمثل كل أطياف المجتمع، ويضم المسلم المتدين، والمسيحي، والعلماني.

وأكد أن المشكلة ليست بالمناهج، وإنما بالقائمين عليها، مضيفاً أن هناك من يطوع المناهج الجامعية والمدرسية، وفي المدارس الخاصة أيضاً، لغايات سياسية بحتة عبر الحضّ على الكراهية.

وشدّد الوحش على أننا بحاجة إلى قوانين رادعة تضبط كل من يقوم بخطاب كراهية ممنهج في المدرسة والجامعة والكنيسة والمسجد.

مسؤولية جماعية

قال الكاتب والخبير في الحركات الإسلامية مروان شحادة إن خطاب الكراهية والتحريض على العنف واستخدامه، ساد في السنوات الأخيرة على الخطابات الأخرى، كالتسامح والمحبة والتعاون وقبول الآخر والتعددية... إلخ.

وأضاف أن المسؤول عن ذلك ليس فحسب الجماعات التي توسم بالجماعات الإرهابية، وإنما هناك مسؤولية تقع على عاتق الدول الكبرى ابتداء، إضافة إلى أسباب ثقافية وسياسية ربما تكون مباشرة أكثر من سواها في نشوء خطاب الكراهية وديمومته.

ولفت إلى أن الأمر وصل إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج هذا الخطاب، موضحاً: «استخدام التكنولوجيا لدى الجماعات التي توصف بالإرهابية فاقت قدارت الذين صنعوا هذه التكنولوجيا والمبرمجين، إذ نجحت هذه الجماعات في توظيف وسائل الاتصال الجماهيري، ليس فحسب لنشر أيديولوجيتها وأفكارها، وإنما أيضاً في التحريض وبث خطاب الكراهية والتجنيد وجمع التبرعات وتوجيه الرسائل.

وأضاف أن وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت من الأدوات الفاعلة البديلة لوسائل الإعلام التقليدية، أي تلك التي تتعامل بمهنية واحترافية في الأخبار وفي نقل الرسائل والحملات الإعلانية.

ورئ إن هناك من ربط خطاب الكراهية بالجماعات الإسلامية، وبجماعات الإسلام السياسي،

ولفت إلى أن مسؤولية مواجهة خطاب العنف والكراهية مسؤولية جماعية تبدأ بالأسرة وتنتقل للمدرسة، وتتجسد بوسائل الإعلام الحديثة، وأنه لا بد من جهود شعبية ورسمية لبث رسائل فاعلة ومؤثرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والرد على خطاب الكراهية بلغات عدة، لأن هناك خطاباً تحريضياً ممنهجاً يستهدف تشويه صورة الحضارة للإسلام والمسلمين، خدمةً لأهداف سياسية وتحقيق مصالح معينة.

وقال شحادة إن «داعش»بالرغم من انحراف الفكر الذي تتبناه، نجحت في سلب العقول والقلوب من خلال وسائل متعددة على رأسها الاتصال الشخصي، كما نجحت إعلامياً في التأثير على الشباب، والدليل على ذلك أن الذين ينفذون عمليات انتحارية تكون أعمارهم بين 16 و23 سنة.

وأضاف أن التنظيمات الإرهابية ممثلة بـ»القاعدة» و»داعش» يخوضون معركة إعلامية وحرباً إلكترونية بالتوازي مع المعركة العسكرية، فإذا تتبعنا مسار استثمارهم للإعلام وللخطاب الإعلامي نرى بأنهم يعدون المعركة الإعلامية أكبر وأهم من المعركة العسكرية.

وأشار شحادة إلى أن هذه التنظيمات تستطيع أن تتحكم بالصوت والصورة والكلمة ومضمون الرسالة الإعلامية باستخدام وسائل حديثة ربما فاقت تكنولوجيا هوليوود، مستشهداً بمشهد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة واستخدام «داعش» أسلوب الدراما والقصة والتصوير والإخراج، وكذلك إصدار «عودة الدينار الذهبي»، فمن شاهد هذا الفيلم ومدته ساعة يجد احترافية عالية في إيصال الفكرة ومحتواها، إذ إن لديهم قدرة على إرسال رسائل ضمنية مبطنة من دون أن يذكروها.

ورأى شحادة أن مواجهة الخطاب المتشدد تحتاج إلى تشخيص المشكلة وإلى فهم الخطاب الإسلامي الذي لا بد أن يستند إلى النص القرآني والحديث النبوي، بمعنى آخر إلى التشريع أو مصادر التشريع، فالاختلاف يأتي في التأويلات التي تتطرف، أي تخرج عن منهج أهل السنة والجماعة، سواءً الرسمية أو الشعبية، فهي التي أوصلتنا لما نحن عليه، وإلى التعامل مع الخطاب أيضاً بمقاربات فكرية.

وأوضح شحادة أن هذه الجماعات تقدم طرحاً بديلاً للمشاريع القومية والوطنية والعلمانية التي فشلت في إيصال الجماهير لمبتغاها، وعززت مفاهيم الاستعمار والتبعية والفساد وعدم وجود برامج إصلاح.

ودعا إلى طرح خطة وطنية شاملة تتناول القضايا كافة، وإلى تجديد الخطاب الديني وفهم وتشخيص الأفكار، مؤكداً أن هذه الخطة يجب أن تكون شمولية وليست إعلامية فحسب.

المجتمع الأردني

تناول الأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية العالمية د.حمدي مراد خطاب الكراهية من منظور إسلامي وواقعي وسياسي، قائلاً إن الله سبحانه وتعالى خلق البشر متساوين، ذكراً وأنثى، شعوباً وقبائل، يقول تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13)، ومنهج التعارف يلغي أي فهم للكراهية أو التضادية أو العداء أو التنازع، وإنما يكرس التلاقي المشترك لمسيرة الحياة الإنسانية والبشرية على حدّ من هذا التساوي الذي ساوانا الله تعالى فيه، وإن تعددت ألسنتنا وتنوعت أفكارنا وتلونت أشكالنا.

وأضاف مراد أن الله سبحانه وتعالى جعل العلاقة الإنسانية بين البشر هي العلاقة الأولى، ومن هنا كان خطاب الله لرسوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107). فليس الأمر خاصاً بالمسلمين أو المؤمنين، وإنما هو للعالمين، فهذه الرحمة تعني أن الرسول يحمل رسالة أخلاقية عالية تطفو فوق المعتقدات والأفكار.

وأكد مراد أن الله تعالى منع التعدي على الآخر أو إقصاء هذا الآخر بسبب معتقده كما جاء في الآية الكريمة: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة: 256)، فالإكراه يحمل مفهوم الكراهية، أما حينما يدع المؤمنُ الناسَ أحراراً في تفكيرهم واعتقادهم، فإنه ينسجم مع الخطاب الإلهي. كما أشار إلى البُعد السلوكي في قوله تعالى: «وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190).

وأضاف مراد أن الله تعالى خلق البشر بألوانٍ وألسنةٍ وأفهام مختلفة، وجعل العلاقة بينهم تقوم على الإنسانية، أي أن أعرّفك بنفسي اقتنعتَ بي أم لم تقتنع، وهنا يجب ألا يشكل عدم الاقتناع مثلاً أي نصيب من الكراهية أو الغلو أو السلوك المتطرف أو الإرهاب الذي يشكل أخطر أنواع إقصاء الآخر والقضاء عليه وإهلاكه.

وشدد مراد على أنه لا يصح بحال من الأحوال أن نحاسب الآخرين بسبب معتقدهم وفكرهم، انطلاقاً من قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة: 256)، ومن قوله أيضاً: «فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (البقرة: 113). فهناك جانبان؛ الأول أن تنسجم معي أو لا تنسجم، وأن أنسجم معك أو لا أنسجم، على قاعدة التنوع في التفكير والتعدد في الرأي الذي لا يصح أن يصل إلى مرحلة الاعتداء أو الإقصاء. والثاني أن نفهم أن الحساب في تقرير مسألة أأنا على حق أم أنت، هو عند الله فقط، الذي يحكم بيننا يوم القيامة.

وأوضح مراد أن المجتمع المدني هو المجتمع الإنساني، وأن النبي أقام مجتمعاً مؤصلاً بمظلة إسلامية وفيها حرية الأديان السماوية الثلاثة، بل وأيضاً حرية الاعتقاد خارج الأديان الثلاثة، وبتفكير مشترك ضمن قانون يقنن العلاقة مع الآخر ويقيمها على التساوي في المواطنة.

ورأى أن دور الإعلام مهم في هذه المرحلة، وأن السلطة الإعلامية باتت تشكل السلطة الأولى في عصرنا وتسهم في إقصاء شعوب وإسقاط أنظمة.

وأضاف أن الصهيونية العالمية اشتغلت على الكراهية حينما صدرت بروتوكولات حكماء بني صهيون وترجمتها على أرض الواقع، وأن هناك متطرفين في فهم العقيدة اليهودية كرسوا هذه الكراهية على المستوى العالمي وبذروها بشكل أو بآخر في المجتمع الإنساني.

وبيّن أن الأردن باعتبار قيادته هاشميةً عربيةً إسلاميةً، فهم الخطاب الإسلامي ووعاه، فصدرت ثلاث رسائل إنسانية تقوم على المحبة والوئام والعلاقة الطيبة والتسامح والحياة المشتركة الكاملة بصرف النظر عن المعتقدات، وهي رسالة عمّان و»كلمة سواء» وأسبوع الوئام بين الأديان وأتباعهم الذي تبنته الأمم المتحدة.

ورأى مراد أن التحامل على «الفيسبوك» يذكّر بالتحامل على التلفاز والمذياع، موضحاً أن هذه وسائل مشروعة على أن يحسن استخدامها، فالسكّين مثلاً قد تُستخدَم لصنع أشهى المأكولات وقد تكون أداة جريمة. وأضاف: «إننا لا نَحمل على (الفيسبوك) لأن التواصل مفتوح لمن شاء، بل نحمل على ثقافتنا التي تستعمل (الفيسبوك)».

ورأى مراد أن الدعوات إلى فصل الدين عن السياسة تشكل نوعاً من الهروب، فهذا المقترَح فيه إقصاء لا يُفهم منه إلا أن الدين يعدّ مشكلة وخطراً وأنه متهم وبالتالي لا بد من إبعاده. ولفت إلى أن الفكر الديني الإسلامي أو المسيحي أو البوذي إذا كان يعطينا فرصة المساهمة في السياسة مساهمة ديمقراطية في ظل مجتمع ودولة مدنية يعيش فيها الكل ضمن منظومة قانون عادل، فلن ينادي أحد بفصل الدين عن السياسة.

مصادر خطاب الكراهية

قال مساعد مدير عام هيئة الإعلام د.عبدالله الطوالبة إن علينا أن نتصدى لخطاب الكراهية في مجتمعاتنا قبل أن نوجه السهام إلى خطاب الآخر الذي يكرهنا.

وأضاف أن خطاب الكراهية يفصح عن نفسه بطريقة واضحة وتدميرية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فستطالُ آثاره الجميع بلا استثناء.

ورأى أن ثمة مصدرين رئيسين لخطاب الكراهية في واقعنا العربي: الثقافة العربية، والواقع العربي نفسه. وتساءل: أين هو الخطاب الإسلامي وأين هو الفكر الإسلامي؟ ومتى اتفق المسلمون في تاريخهم؟ لافتاً إلى أنه يتحدث عن الخطاب الديني وليس عن الدين نفسه.

وقال إننا نتاج ثقافة لا تؤمن بالحوار، وإننا الأمة الوحيدة في التاريخ التي لم تتصالح مع تاريخها ولم تستطع فهم هذا التاريخ، وهو ما نلاحظ تجلياته الآن في العراق على سبيل المثال. فنحن في القرن الحادي والعشرين وما زالت فضائياتنا تناقش الخلاف بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ولا يوجد على وجه الكرة الأرضية إنسان يقتل على الاسم والهوية إلا عند العرب، سواء في في العراق أو اليمن أو سوريا أو ليبيا، وما يحدث بهذه الدول مرشح أن يمتد إلى دول عربية أخرى.

وأوضح أن خطاب الكراهية جاء نتيجة الاستبداد المسيطر والظلم المهيمن في مجتمعاتنا، وبسبب ثقافتنا أحادية الجانب التي لا تعرف الحوار، فنحن بحسبه «الأمة الوحيدة التي ما يزال مفهوم الدولة بعقلها ملتبساً، فالدولة قامت على أساسين هما الدين والقبيلة، وما يزال هذا المفهوم ملتبساً في العقل العربي الذي لم يحسم إشكالية السلطة السياسية، بالإضافة إلى واقع الفقر والاستبداد والتخلف والعيش في كنف الماضي».

وقال إن لدينا مشكلة في فهم الإعلام، فالإعلام يعمل بواقع يؤثر ويتأثر به، فمن أبجديات الإعلامي أن تتم مراعاة عادات وقيم المجتمع الذي تخاطبه الوسيلة الإعلامية.

وأشار إلى أن لغتنا العربية غنية جداً، وبإمكان أي شخص إرسال رسالته من دون شتائم وقدح، فالإعلام مهنية، ومعلومة، وسقف. ودعا إلى فصل الدين عن السياسة كخطوة أولى لمواجهة خطاب الكراهية.

الواقع والتاريخ

قال اللواء المتقاعد د.محمد فرغل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة الأردنية، إن الإعلام يعكس الواقع، وإن واقعنا مأزوم، داعياً إلى البحث عن أسباب الأزمة وتحديدها ومعرفة الكيفية التي يمكن أن نتعامل فيها مع خطاب الكراهية.

وأضاف فرغل أننا لا نستطيع فصل الواقع عن تاريخ المنطقة، فهناك شعور حقيقي لدى شعوب المنطقة بالظلم والاضطهاد والفشل، وهذا لم يأتِ من فراغ، وأن مصطلح «الآخر» لم نوجده نحن، بل أوجده الغرب، والصور النمطية بدأت في الغرب وليس في الشرق.

وأشار فرغل إلى أن مسيحيي المنطقة ينتمون إلى الثقافة العربية الإسلامية، وأن غير المسلمين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية وتحت حمايتها.

وأكد أن الشعور بالغبن والاضطهاد والفشل والإحباط يولد شعوراً برفض الآخر وعدم قبوله، وأن هذا مرتبط أساساً بتصرف الآخر تجاه المنطقة، مستذكراً ما قاله صموئيل هنتغنتون في «صدام الحضارات» من أنه لا يوجد مسلم جيد على وجه الأرض، فمن هنا بدأ خطاب الكراهية. كما أشار إلى مقولة برنارد لويس بأن المسلمين نوعان: جيد وسيئ، وأن الغرب بنى استراتيجيات في التعامل معنا اعتماداً على هذه المقولة.

وأكد أن الدول المتنفذة استغلت الاختلافات والخلافات المذهبية والطائفية بيننا وأجّجتها لتحقيق أغراضها السياسية ولخدمة مصالحها، كما هو حاصل في العراق الذي أصبح خطاب الكراهية متجذراً فيه.

وشدد على دور الإعلام الذي يستطيع أن يكسب القلوب والعقول، وأن يغير الفكر أيضاً.

ولفت إلى أن هناك أزمة هوية حقيقية، مرتبطة بفشل الدولة الوطنية أو القطْرية في منقطتنا، كما إن هناك عودة للهوية القبلية.

ودعا فرغل إلى وضع استراتيجيات لتحصين المجتمع الأردني ضد خطاب الكراهية، وإلى تطوير ثقافة الحوار، وقبول الآخر، وتجديد الخطاب الديني، وقال: «نريد دولة مدنية لديها إمكانية لتقديم الدين الاسلامي بصورته الصحيحة للعالم». ورأى أنه يمكن اعتماد رسائل عمان الثلاث كأساس للاستراتيجيات بالتعامل مع الآخر وتحصين المجتمع.

وأكد أن وسائل الإعلام كسلطة ووسيلة للسلطة في الوقت نفسه، لا بد أن تضطلع بدورها ضمن الأطر القانونية والتشريعات المعمول بها.

وقال فرغل إن عدم انسجام الأقليات غير الأوروبية وغير الأميركية داخل مجتمعات الغرب، وشعورها بالرفض والتهميش هو واقعٌ لا يمكن إنكاره.

وأضاف أن الجميع متوافق على أن هناك حاجة لجهد وطني ممنهج ضمن استراتيجية وطنية، تشمل التوجيهات الملكية لمكافحة التطرف، على أن يكون جزء منها مخصصاً للإعلام، كون الإعلام «مقصّراً كثيراً ودوره شبه غائب».

ورأى أن هناك ضرورة لمحاولة خلق حالة من الشراكة بين الإعلام الخاص والإعلام الحكومي أساسها المصلحة الوطنية.

الضوابط القانونية قبل الأخلاقية

قالت الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني عبلة أبو علبة إن استراتيجية الاستعمار تاريخياً هي تفتيت الدولة المستعمَرة وتقسيمها، وهذا ينطبق على كل حالات الاستعمار التي مرت بها المنطقة العربية.

وأضافت أن هشاشة المجتمع جاءت نتيجة التاريخ الاستعماري، وغياب الديمقراطية السياسية والاجتماعية، وتكريس الاستبداد. ولهذا ليس من المستغرب أن نجد في مجتمعاتنا هذه الثنائية الحادة التي تحول دون القبول بالآخر أو التفكير به أو بمصالحه، بديلاً عن مصالح الوطن والتفكير بالوطن والشعب الواحد.

وأضافت ان هناك إشكالية كبرى في قراءة التراث، لأننا لا نقرأ هذا التراث وفقاً للتحولات الاجتماعية في زمنها، بل نسقط وجهة نظرنا وأحوالنا على ما كان، وهذا «أسوأ أنواع القراءات»، فليس المطلوب أن نظل في مربع «هذا صحيح وهذا خطأ» بقدر ما المطلوب أن نقدم قراءة موضوعية، تستند إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الزمن الذي وقعت به هذه الحادثة أو تلك.

وأوضحت أبو علبة أن نلسون مانديلا لجأ إلى استراتجيية المصالحة إنسانياً وسياسياً بعد تحرر شعبه من نظام الحكم العنصري وليس قبل ذلك، بمعنى أن هناك بيئة ملائمة لإشاعة خطاب المصالحة، وهناك عدد من دول أمريكا اللاتينية حذت هذا الحذو بعد أن تخلّصت من نظم الاستبداد وليس قبل ذلك.

وأعربت عن خشيتها من أن يُفهَم من الدعوة إلى خطاب المصالحة لدينا، أن هناك رغبة في التصالح مع نظام عنصري موجود على أرض فلسطين أو مع منظمات إرهابية مثلاً.

وفي الجانب السياسي، توقفت أبو علبة عند «الثورات» التي بدأت في عام 2011، قائلة إن هناك أصواتاً خرجت علينا لتقول إن هذه مؤامرة غربية، وعندما جرت انعطافات سلبية في تلك «الثورات» خرجت علينا الأصوات نفسها لتقول إن هناك مؤامرة غربية.

وأوضحت في هذا السياق أنه لا يوجد لدينا ثقة بقدرة الشعوب على إحداث أي تحولات، وإن تلك الأصوات تتجاهل أن الشعوب قادرة على صنع مستقبلها وعلى تصحيح مسار تاريخها، من دون أن تنفي أن هناك أيضاً تدخلاً من قوى الغرب لحماية مصالحها وفرض هيمنتها.

وأشارت إلى البعد الأخلاقي في خطاب الكراهية، متمنيةً أن يكون هناك بعد سياسي للتسمية، ومؤكدة أن هذا الخطاب عنصري بامتياز، ضد الآخر، سني وشيعي ورجل وامرأة، وأن علينا أن نقاومه ليس فقط بالضوابط الأخلاقية والتوعية رغم أهميتها، وإنما بالضوابط القانونية والدستورية قبل ذلك.

سيادة القانون

قال بادي بقاعين (من مركز «المحفزون للسياسات العامة») إن أسلوب التنشئة الاجتماعية له دور في إذكاء خطاب الكراهية، كما أن عدم مراقبة ما يشاهده الأبناء عبر الفضائيات قد يكون له نتائج وخيمة. وذكر أن هناك دراسة لإحدى الفضائيات كشفت أن تعابير مثل «قتل» و»محاولة قتل» تتكرر بمعدل 22 ألف مرة في الأسبوع. وهو أمر ينبغي الانتباه إليه. وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي دخلت معظم البيوت الأردنية في ظل غياب أي رقابة عليها، داعياً إلى سيادة القانون، وإلى مواجهة خطاب الكراهية بتمتين المنظومة الأخلاقية.

ودعا إلى الحديث عن السلم الاجتماعي والنتيجة الفضلى للبلد بدلاً من الحديث عن خطاب الكراهية، وأن ننظر إلى هذا الخطاب على أنه نتيجة ومسبب لمشاكل أخرى أقلها انعدام السلم الاجتماعي.

الكراهية الدينية

قال الكاتب والوزير السابق د.زيد حمزة إن مفهوم الكراهية المقصودة بهذا اللقاء أوسع بكثير من مسألة اغتيال الشخصية.

وأضاف أن الكراهية علمياً وطبياً ليست كلها شراً، فهي إفراز هرموني طبيعي مثل الفرح والغضب وأي عواطف ومشاعر أخرى تنتاب الإنسان، لكن الحديث ينبغي أن يتركز على مصدر هذه الكراهية والجهة التي توجَّه إليها، بخطاب أو من دون خطاب.

وأوضح أن هناك كراهية موجهة ضد العدو المعتدي كالعدو الإسرائيلي، وقد تكون موجهة لحكومات اعتُبرت ظالمة فولّدت الكراهية ضدها، وحكاية الصراع الطبقي هي جزء من هذا المفهوم.

ورأى حمزة أن الكراهية محور هذه الندوة لا يمكن علاجها بالوعظ والإرشاد، بل لا بد من تجفيف منابعها، ومنها الكراهية الدينية رغم أن لا فائدة أو مبرر أو منطق يدفع العائلة لتعلّم أبناءها كراهية الآخرين، لكن هذه الكراهية موجودة، ويتم استغلالها اجتماعياً وسياسياً على نطاق واسع فيما يسمى الصراع الشيعي السني.

وقال إن كراهية التكفيريين للآخر ليس لها تبرير على الإطلاق، ولا يجوز أن نسمع أصوات الذين يبررون للتنظيمات التكفيرية الإرهابية القاتلة المجرمة ما تفعله.

وأكد أن الكراهية الدينية هي الخطر الحقيقي، وأنها نشأت وتتم رعايتها من دول وحكومات وبتمويل منها، ودعا إلى إصلاح المناهج وإلى أن تتجنب وسائل الإعلام تمرير أي خطاب ينطوي على كراهية.

التكفير والتخوين

قال مدير تحرير شبكة «أخبار العراق» سعد الكناني، إن الإنسان يولد محباً للحياة، ولكن عوامل مجتمعية داخلية وخارجية تجعله يفضّل خطاب الكراهية والتطرف على الحياد.

وأضاف أن الكراهية شعور هدام ولها تأثيرات فتاكة خاصة على مجتمعاتنا، ومن أسبابها: الاختلاف العقائدي أو الفكري والسياسي والعرقي والقومي، وتسييس القوانين، وعمليات التهميش والإقصاء.

وتابع الكناني: «عندما كنا نتحدث بهذا الموضوع نربطه بما وقع على شعبنا الفلسطيني من ظلم اجتماعي وإنساني نتيجة الاحتلال الإسرائيلي»، واستذكر الدولة الإفريقية راوندا التي بلغ عدد ضحايا الكراهية فيها 800 ألف شخص سنة 1998 نتيجة خلاف قبلي.

وأوضح أن موضوع الكراهية أصبح يتصدر وسائل الإعلام، وأن بالإمكان السيطرة على هذه الوسائل من خلال حزمة قوانين تسنّها الحكومات.

وتحدث الكناني عن مسلسل أنتجه سنة 2005 بعنوان «رياح السموم»، يتناول خطاب الكراهية في وقت امتداد تنظيم «القاعدة»، وأضاف أن هناك دولاً ممولة لهذا الخطاب لأغراض التجنيد السياسي والمصالح، ففي العراق على سبيل المثال هناك أكثر من 27 محطة فضائية مدعومة وممولة من الولايات المتحدة وإيران في سبيل نشر خطاب الكراهية، وهناك وسائل إعلامية تفرض واقعاً مريضاً في الوسط الاجتماعي العراقي لغرض تخريب نسيجه، وهو ما ينعكس على الواقع الإقليمي أيضاً.

وأشار إلى أنه حين أصدر كتابه «الاحتواء الصفوي للعراق في ظل الاحتلال الأميركي» سنة 2006 وُجهت له جملة من الانتقادات منها أنه مارس خطاب الكراهية، وكان رده أن الكتاب يتضمن رأيه ولا علاقة له بخطاب الكراهية، إذ «يمكن أن أعطي رأيي من دون التجاوز على حدود الآخرين، ومن حقي التحدث عن الحقائق من باب التوعية» بحسب تعبيره.

وقال الكناني إن خطاب الكراهية هو توليفة تتكون من عنصرين: التكفير والتخوين، فـ»رجل الدين يكفّر والإسلام السياسي يخوّن»، وأضاف أن ما يحدث في العراق نتيجة التشرذم الاجتماعي والطائفي والديني مثالٌ حي على خطاب الكراهية، حتى إن الطائفة الواحدة أيضاً تجزأت إلى طوائف.

وبيّن أن هناك دعوات أُطلقت للمصالحة الاجتماعية، ولكن كيف تحدث هذه المصالحة في ظل دولة راعية لخطاب الكراهية، إلى جانب وجود عامل مؤثر هو الاحتلال الأميركي والإيراني على حد سواء، والتوافق في المصالح لجعل هذه المنطقة منطقة إثنية، وهو ما امتد إلى سوريا، فأصبحت الساحتان السورية والعراقية ساحة واحدة لما تعانيانه من مشاكل طائفية وعرقية متشابهة، وهذه كلها تؤدي إلى تطبيق بعض مفردات نظرية برنارد لويس.

وأكد الكناني أن أفضل طريقة لتقويض خطاب الكراهية هو المصالحة المجتمعية عبر الحوار، ودعم الصحافة المستقلة، وإصدار حزمة من القوانين والأنظمة تركز على الوعي وتمنع الأنشطة التي تؤدي إلى الكراهية والغبن والإقصاء والتهميش.

ودعا إلى النظر للإنسان كقيمة عليا، وأن تراقَب منابر الخطابة بالمساجد ويحدَّد مفهوم خطابها قبل أن يُتلى على المتلقين.

غياب ثقافة الشراكة

قال رئيس تحرير صحيفة السبيل عاطف الجولاني إن المنطقة تعيش حالة من غياب ثقافة الشراكة وقبول الآخر، سواء على مستوى الحكومات أو القوى السياسية أو الأفراد.

وأضاف أن من الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى خطاب الكراهية تلك المتعلقة بحالة الهيمنة والاحتلال والتبعية والاستبداد، كما أن الاحتقان والصراع الطائفي يلعبان دوراً مهماً في تأجيج خطاب الكراهية.

وأوضح أن بعض التطبيقات لا تعبّر بالضرورة عن الدين وعن المعتقد، وهنا يمكن لوم التطبيق ولكن لا يجوز لوم الفكر الذي ينشأ عنه التطبيق. وحتى عندما نعبّر عن الفكرة علينا اختيار أفضل طريقة للتعبير عنها. يقول تعالى: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (الإسراء: 53)، ويقول: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة: 83)، وحتى مع أشدّ الناس عداء كفرعون، خاطبَ الله تعالى موسى عليه السلام وهارون: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا» (طه: 44)، ويقول تعالى: «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (النحل: 125)، و»تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ» (آل عمران: 64).

وأكد الجولاني أن الإسلام يعترف بكل الديانات الأخرى، ويعترف بالآخر، لكن الآخر لا يعترف بالإسلام كدين سماوي، وهناك مبالغة في جلد الذات وإعفاء الآخرين من المسؤولية.

ولفت إلى أن دولة المواطنة هي التي تلغي حالة خطاب الكراهية وتحقق حالة الشراكة، وأن وثيقة المدينة هي أول وثيقة تتحدث عن دولة المواطنة بين جميع المواطنين على اختلاف أديانهم، ورغم ذلك يتم اتهام المسلمين بأنهم لا يعرفون فكرة المواطنة!

وأشار إلى أن التطرف أحد أسباب إشاعة خطاب الكراهية، والتطرف لا يكون دينياً فقط، فهناك تطرف علماني، وتطرف قومي.. إلخ. ورغم أن حالة التطرف حالة عامة تسود المنطقة الآن، إلا أن الحديث عنها يقتصر باتجاه معين هو التطرف الديني، وفي هذا إشكالية ينبغي التنبه لها.

وأكد الجولاني أن تكريس ثقافة الشراكة وقبول الآخر ضروريان لتحجيم ظاهرة خطاب الكراهية.

المحافظة على الُّلحمة الوطنية

قال مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة الأوقاف أحمد عزت إن الكراهية بلغت حداً أن يقتل الفرد نفسه، وأضاف أن الأسرة أصبح ينطبق عليها قوله تعالى: «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى» (الحشر: 14)، وكذلك حال الجماعات الإسلامية والدول العربية أيضاً.

وفي موضوع مواجهة الكراهية، أوضح عزت أن هناك منطلقات في القرآن، منها قوله تعالى: «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» (الفتح: 10)، و»يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم» (يونس: 23)، و»وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلّا بِأَهْلِهِ» (فاطر: 43)، لكن هذه المنطلقات والمفاهيم مغيبة بالوقت الحاضر.

وأكد عزت أن نظرة الإسلام للآخر نظرة إيجابية وعقلانية، فلا إكراه في الدين، لافتاً إلى أن «رسالة عمّان» ركّزت على هذه النقطة وبينت أبعادها.

ورأى أنه لا يمكن تحقيق شيء من المحبة والمصالحة في ظل غياب العدالة، فـ «العدل أساس الملك»، وعدم وجود العدالة يؤدي للتطرف والارهاب، معرباً عن خشيته من العودة إلى عصر الجاهلية الأولى.

ودعا عزت إلى المحافظة على الُّلحمة الوطنية، وألّا نجعل أي جماعة تشعر بأنها مهمشة، وإن وجدت مثل هذه الجماعة فإن علينا أن نعيدها لطريق الصواب.

المواجهة والتحصين

قال مدير البرامج في الإذاعة الأردنية ورئيس جمعية المذيعين حاتم الكسواني، إن خطاب الكراهية لا يكون فقط بعدم قبول الآخر، بل برفض فكره ومعتقداته وقيمه، والأهم تشويه صورته النمطية، كما فعل الغرب بصورة الإنسان العربي النمطية بالكاريكاتير والأفلام السينمائية التي أبرزته وأظهرته بصفات سلبية منها أنه مخادع وغبي.

وأضاف أننا عندما نتحدث عن خطاب الكراهية يجب أن نأخذ في الحسبان وسائل الإعلام في الفضاء المفتوح والعابر للحدود، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي لا رقيب أو حسيب عليها، ومحطات التلفزة والإذاعات التي ليس هناك سيطرة على ما تقدمه من مفاهيم وقيم، مشيراً إلى أنه لا يوجود ميثاق شرف إعلامي يمنع بث خطاب الكراهية في وسائل الإعلام العالمية.

وأوضح الكسواني أن هناك إعلاماً عابراً إلينا باتجاه واحد، بخاصة أن الإعلام العربي هو إعلام متلقٍّ لا مرسل، حتى إننا نأخذ أخبارنا من وكالات الأنباء الأجنبية.

وأشار إلى أن مواجهة خطاب الكراهية تتطلب المشاركة في الخطاب الإعلامي، ولكن لأننا متلقون فقط فإن علينا التفريق بين خطاب الكراهية وخطاب المواجهة والتحصين، ومن حقنا أن نحشد ونحصّن المجتمع لمواجهة خطاب الآخر الوافد إلينا.

وقال إن خطاب أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال عامة لا يخلو من تدخلات، فكل وسيلة إعلامية لديها أجندة خاصة ومفاهيم تعمل على ترويجها عند الجمهور، وهناك جهات تتدخل لوجود حوار على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وتنشئ من خلاله خطاب الكراهية، داعياً إلى إيجاد خطاب مصالحة ووئام بين أفراد المجتمع بفئاته الدينية والاجتماعية والسياسية.

وبيّن الكسواني أن أجهزة الإعلام تعاني من الانزياح في استخدام المصطلحات، فمصطلح «الإرهاب» من وجهة النظر الأميركية له دلالة مختلفة عن تلك الموجودة في القرآن الكريم: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (الأنفال 60)، بمعنى أن تردعوا عدو الله من الاعتداء عليكم.

وأشار إلى أن بعض أجهزة الإعلام العربية تصف من يسقط شهيداً من الفلسطينيين بـ»القتيل»، أو تقول إن جيش «الدفاع الإسرائيلي فعل كذا وكذا» بدلاً من استخدام تعبير «جيش الاحتلال»، داعياً إلى إنشاء جهة وطنية لصناعة المصطلحات وتبنيها وتوجيه أجهزة الإعلام لاستخدامها، بما يخدم المصلحة العامة.

التشاركية

دعا رئيس جمعية سند للفكر والعمل الشبابي سلطان الخلايلة، الشباب إلى توجيه خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع التحاق الشباب الأردنيين بالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة في العراق وسوريا، واصفاً مثل هذا الخطاب بالإيجابي.

وأضاف أن الأحزاب الموجودة على الساحة الأردنية بامتداداتها الخارجية، أوجدت ظاهرة العنصرية السياسية، فمن يراقب الوقفات والمسيرات لنصرة الأقصى مثلاً يرى تعدداً في ألوان الرايات التي تخفق أما الكاميرات من الأصفر إلى الأخضر والأحمر.

ورأى الخلايلة أن إنهاء خطاب الكراهية يكون في خلق تشاركية بين الجميع، وقبول الآخر، وعدم إقصائه.

الكراهية الدينية

قال مفتي العاصمة د.محمد الزعبي إن خطاب الكراهية أشد ضرراً من الرصاصة القاتلة، مضيفاً أن الكراهية الدينية أصبحت هي الحاضنة الخصبة لتنامي خطاب الكراهية بين الناس، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة التجييش والتحريض والإقصاء ثم الاتهام وصولاً إلى التكفير ثم التفجير والقتل.

وأكد أننا بحاجة ماسة إلى خطاب ديني ينطلق برسالة الإسلام السمحة التي تسعى لخير البشرية جميعاً، انطلاقاً من قوله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة: 256)، فهذه الآية نفت الخطاب الإكراهي الديني لكل الناس، مشيراً أن هذا الخطاب يجب أن ينطلق لتكريم الإنسان بصرف النظر عن لونه أوجنسه أو معتقداته، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه».

وشدّد على أننا بحاجة لخطاب ديني يقوم على الرفق واللين والنصح، امتثالاً لقول الله تعالى: «ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (النحل: 125)، وبالتالي نحن بحاجة لخطاب يتمثل بقول الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.

وأيضاً بقول الشاعر:

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ.

وأشار الزعبي إلى أننا بحاجة لخطاب ديني مبني على المسامحة، فالله عز وجل قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (آل عمران: 159)، وقد تمثّل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية عندما قال لمعشر قريش بعد فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

الفضائيات الدينية وخطاب الكراهية

قال الأستاذ الجامعي د.محمد حويلة إن المجتمعات المفككة مجتمعات مجزأة لا يمكن أن تنمو، مشيراً إلى أن الإعلام له دور مهم في هذه القضية، داعياً إلى التفريق بين حرية التعبير وبين الخطاب الشائع في مجتمعاتنا العربية.

وطالب بوجوب أن يكون هناك قانون لتجريم خطاب الكراهية، وبخاصة في وسائل الإعلام، فالفضائيات الدينية المنتشرة لها دور في انتشار خطاب الكراهية، إضافة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي وما يسمى «الإعلام الجديد» لها دور كبير في شيوع هذه الظاهرة التي ستكون لها سلبيات على مجتمعنا.

مسؤولية السياسة

رأى مسؤول وسائل الاتصال الحديثة بكنيسة الكاثوليك الأب محمد جورج شرايحة أن السياسة هي المسؤولة عن إيجاد خطاب الكراهية وتأجيجه بهذه المرحلة الخطيرة التي تعيشها منطقتنا العربية.

وأضاف أن السياسة هي التي زجت الدين بهذا الخطاب، مؤكداً أن الدين بشكل عام بريء من هذه التهمة التي ألصقت له، سواء الممارسات المسيحية في بورما أو الجماعات التكفيرية في البلاد العربية أو اليهودية في فلسطين المحتلة.

ورأى أن المسؤول عن بث هذا الخطاب هو الدولة الصهيونية التي تريد من خلاله أن تشرّع يهودية الدولة، عبر وجود شيعية الدولة وسنية الدولة ومسيحية الدولة في البلاد العربية، بحيث يتم تقسيمها بما يتلاءم مع الفكر الصهيوني.

وقال إن المسيحية هي ديانة المحبة ولا يجوز لأيّ سلطة دينية سياسية أن تطالب بغير ذلك، ولا يجوز للإسلام إلا أن ينادي برسالته السمحة.

وأضاف شرايحة أن الشيعة عاشوا في البحرين والسعودية منذ مئات السنين ولم يكن هناك مشاكل كالتي نسمع عنها الآن، مشيراً إلى إن السياسة المتطرفة هي التي زجت الدين في هذا المستنقع، وأن الدين بعيد عن ذلك كل البعد.

منظومة القيم

رأى مدير إذاعة «حسنى» حسام غرايبة، أن إصرارنا على استخدام الوسائل نفسها في ظروف مختلفة تاريخية واجتماعية، أمر لا يليق بنا، إذ لا بد من تطوير وسائل معينة للنهوض بمجتمعاتنا.

وأضاف أن أوروبا شهدت كثيراً من التصارع والاقتتال والحروب، وأن مجموع ما مات من الأوروبيين هو أضعاف ما يموت حالياً في العالم العربي بسبب الأحداث الجارية، لكن الأوروبيين استطاعوا في النهاية أن يتواصلوا ويتفاهموا ويجدوا منظومة قيم مشتركة يجتمعون عليها.

وقال إن البيض في أميركا لا يحبون السود والعكس صحيح، ولكن ليست المشكلة في الحب أو الكراهية، وإنما في وجوب الالتزام بقيم وقوانين المجتمع الذي تعيش فيه، فإذا تجاوزت هذه القوانين ستحاسَب، مشيراً إلى أن جميع وسائل الإعلام هناك تعمل ضمن هذه القوانين.

وشدّد على دور الإعلام في إشاعة منظومة القيم، وعلى أهمية سيادة القانون واستقامة ميزان العدل، فبحسب أمين معلوف، فإن الإنسان ينزع لهويته ويدافع عنها عندما يشعر أن ميزان العدالة اختل.

ورأى غرايبة أننا نسير نحو مزيد من التمزق لأنه لا يوجد ميزان عدالة ولا منظومة قيم نستطيع أن نتوافق عليها. وأوضح أننا جميعاً مسؤولون عن خطاب الكراهية، ولهذا نحن بحاجة إلى قوانين واضحة وإلى تطبيقها بعدالة، وإلى إعلام يستطيع أن يمارس دوره بحرية وكفاءة.

ودعا إلى إيجاد قوانين وضوابط مرجعية بخصوص خطاب الكراهية، ووضع تعريف حقيقي لمصطلحات هذا خطاب، إلى جانب التوعية بمنظومة القيم التي نحتكم لها، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني لمراقبة كل ما يخلّ بالآداب العامة والتصدي لخطاب الكراهية في المجتمع.

وأوضح غرايبة أن الشباب العربي كان يحلم بالمشروع الوطني من خلال تجربة حرية ديمقراطية حقيقية، لكن العالم الغربي انكفأ على الديمقراطية ورفض نتائجها، وهو ما جعل الشباب العربي لا يؤمن بالحل السلمي، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى السلاح، وبالتالي فإن الغرب يتحمل مسؤولية كبيرة عمّا يحدث لنا.

وأضاف أنه من الجيد أن نطور مناهجنا، لكن في الوقت نفسه يجب ألا نتهمها، إذ إن أغلب الشباب الذين التحقوا بـ «داعش» مثلاً، هم من تونس، وكذلك من فرنسا.

فصل الدين عن السياسة

طالب الزميل في «الرأي» د.ماجد جبارة بفصل الدين عن السياسة، مؤكداً أن كل ما نعانيه الآن من ويلات، ومن إقصاء للرأي الآخر، سببها عدم فصل الدين عن السياسة.

وأضاف أنه من غير المقبول أن نترك الدين يتدخل بالسياسة، ونخرج بأفكار مشوهة وغير بناءة، مشيراً إلى أن الدول الأوروبية لم تنجح ولم تستطع أن تحقق كل مكتسباتها إلا عندما فصلت الدين عن السياسة.

مواقع التواصل الاجتماعي

قال المعدّ ومقدم البرامج في قناة «رؤيا» فؤاد الكرشة، إنه لا وجود لخطاب كراهية مباشر في المناهج التربوية، ولكن هناك إشارات ناعمة فيها ترتبط بخطاب الكراهية، وهي تتحول إلى توجيه غير مباشر في المستقبل نحو الكراهية والرغبة في إقصاء الآخر.

وبيّن أن قناة «رؤيا» تعاملت مع الموضوع الذي أثير مؤخراً حول أحد برامجها، بمهنية، وقدمت وجهة نظرها مع اعتذارها عما حصل. ودعا في هذا السياق، أساتذةَ الجامعات والمستنيرين والمتوازنين والمعتدلين لمواجهة أي خطاب كراهية ديني أو إقليمي أو مناطقي.

المؤلفات الإبداعية وتمرير الأجندات

قال الزميل في «الرأي» إبراهيم السواعير إن هنالك أجندة تمرَّر من خلال بعض المؤلفات الإبداعية والأعمال المسرحية، وإن هناك روايات تمثل خطراً على القراء الذين يتلقون النص الإبداعي بفرحة غامرة، وليس المراد الحجر على فكرة الكاتب تجاه الكون والحياة، لكن هنالك ضمير اجتماعي عام لدى المجتمع، وهنالك في المقابل إرهاب بالعادات والتقاليد.

وأضاف بقوله: إذا أرادت أي وسيلة إعلام أن تتخذ أسلوب التنوير بطريقة ما يضجّ المجتمع، فهذا إرهاب المجتمع ضد الإبداع، وهو يحتاج لتعامل ذكي مع المجتمع، لافتاً إلى أن هناك إرهاباً فكرياً يتمثل في ما يكتبه الإعلامي وينشره لتمرير أجندته.

وقال السواعير إن الأردن قائم على التنوع الثقافي، وإن كل هذا المزيج بالدولة الأردنية وُجد من أيام الجد المؤسس. ولفت إلى أن المجتمع يتطور والقراءة تتطور، مطالباً بشيء من الانفتاح غير المنساب.

 

برنامج رسل الوسطية

عرّف أمجد الكريمين (منسق وحدة التسويق والترويج لدى هيئة شباب كلنا الأردن/ إحدى برامج صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية) ببرنامج «رسل الوسطية والاعتدال في الإعلام الاجتماعي» الذي عكفت الهيئة على إطلاقه مؤخراً، والذي يسعى لتشكيل نواة من الشباب تمتلك العلم والمعرفة والمهارات اللازمة لإيصال خطاب فكري معتدل يعتمد على الحقائق وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وذلك من خلال تقديم رسائل ومواد إعلامية، وإدارة التفاعل معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتنفيذ جلسات حوارية وإدارتها، وتصميم المبادرات التي تنسجم مع هدف البرنامج في المجتمعات المحلية وتنفيذها بالطرق المناسبة.

وحول آليات عمل البرنامج، قال إن الهيئة بصدد إطلاق وإعداد محتوى علمي واضح ودقيق لغايات استخدامه في مجالات تدريب النشطاء الشباب وليكون مرجعية وطنية في ظل تضارب الخطاب الوسطي المتداول الآن من خلال مجموعة من الخبراء.

وأضاف أنه سيتم اعتماد تدريب فريق وطني شبابي من النشطاء، واستثمار قاعدة بيانات لإبرز القيادات الإعلامية الشابة والمؤثرة على المستوى الوطني عبر فتح قنوات الاتصال مع الجهات الإعلامية لتدريب الشباب وصقل خبراتهم، وإنتاج مواد إعلامية لغايات استثمار الموهبة في خدمة المجتمع، إضافة إلى تبني المبادارت الشبابية لتحقيق الأهداف الوطنية.

وأشار الكريمين إلى خطاب الملك عبدالله الثاني في الجلسة العامة لاجتماعات الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي حذّر فيه المجتمع الدولي من أخطار آفة الإرهاب وتمددها إلى عقول الشباب وخطورتها على مستقبلهم ومستقبل التنمية والسلام والأمن في العالم.

وشدد على أهمية توظيف الطروحات التي يحملها خطاب مواجهة التطرف والإرهاب بحيث يتم تطويرها إلى برامج ومبادرات على مستوى عالمي ووطني وإقليمي تستهدف الشباب في الدرجة الأولى، وتركز على نشر ثقافة التسامح والتنوع واحترام حقوق الإنسان ونبذ العنف والقيم الإسلامية النبيلة.

وأشار إلى أن الهيئة باشرت بتنفيذ سلسلة من جلسات النقاش والحوار والتدريب بهذا الخصوص، تاكيداً منها على أن للشباب دوراً كبيراً ومهماً في ترجمة الرؤى الملكية على أرض الواقع، وأن عليهم مسؤوليةً تجاه ذلك عبر تعزيز أدوارهم وتكثيف جهودهم الرامية إلى نشر الثقافة السليمة البعيدة عن الجهل والظلام الاجتماعي بمحتوياته.

قانون مناهض للكراهية

قال مثنى بشير عربيات، رئيس ائتلاف شباب السلط وضابط ارتباط «هيئة شباب كلنا الأردن» في مدينة السلط، إنه لا يوجد حتى اليوم تجارب حقيقية لمناهضة خطاب الكراهية على أرض الواقع.

وأشار إلى الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام الذي يقوم أحياناً بالترويج لـ»داعش» عبر بث بعض ممارساتها، مضيفاً أن الإعلام أحياناً يرتكب جريمة بحق الوطن، وأننا بحاجة لقانون مناهض للكراهية يتضمن الهوية الأردنية الجامعة لنا جميعاً.

قال د.حسن كريرة، مدير الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف، إن الخلاف موجود منذ بداية الخليقة، لكن المشكلة تكمن في كيفية إدارة الخلاف، وفي التعامل مع الآخرين بالرغم من التباينات والاختلافات.

ورأى أن علينا أن نبدأ بأبنائنا منذ نعومة أظفارهم إذا أردنا أن يكون هناك تغيير والمضي نحو الأفضل.

 

التوصيــــات

تفعيل القوانين الرادعة لخطاب الكراهية أياً كان.

الانفتاح على الآخر المختلف.

تطبيق المساواة، والابتعاد عن التهميش والإقصاء اللذين يساعدان على تفشي خطاب الكراهية.

اعتماد رسائل عمّان الثلاث كأساس للاستراتيجيات في التعامل مع الآخر وتحصين المجتمع.

عقد جلسات ودورات للأجيال الشابة لتعليمهم إدارة الحوار والنقاش في ما بينهم من جهة، وبينهم وبين الآخر من جهة أخرى، بهدف غرس قيم التعاون والتسامح والمحبة.

التأكيد على أهمية المواطنة وعلى دورها في محاربة خطاب الكراهية.

التوجيه لإصدار قانون لمناهضة خطاب الكراهية.

الدعوة إلى تدريب كوادر أجهزة الإعلام ووسائله للتمييز بين خطاب الكراهية والرأي.

ضرورة إيجاد خطاب فكري إعلامي معتدل وسطي لتصحيح المفاهيم المغلوطة ولمجابهة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام.

تطبيق أحكام الدستور المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، والتركيز على مفهوم الوسطية بالإسلام لأنه أساس إقامة العدل في الارض.

تعزيز ثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر بالتوازي مع الإصلاح على المستويات كافة ومحاربة للفساد.

تنمية ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر في منظومة التعليم والمؤسسات التربوية، والعودة لمنظومة القيم، وتعزيز سيادة القانون، وتعديل القوانين الموجودة لتنسجم مع الأهداف الوطنية.

تعزيز النهج الإصلاحي الذي بدأ في الأردن ضمن استراتيجية وطنية شاملة.

تحديد المصطلحات التي تتعلق بخطاب الكراهية، وتشكيل مؤسسات مجتمع مدني تستطيع مراقبة خطاب الكراهية الموجود والتصدي له.

إنشاء جهة وطنية لصناعة المصطلحات وتبنيها وتوجيه أجهزة الإعلام لاستخدامها، بما يخدم المصلحة العامة.