أدارها: د.خالد الشقران
حرّرها: جعفر العقيلي وبثينة جدعون
لم تقتصر مداخلات المشاركين في ندوة عن وثيقة التماسك الاجتماعي على تشخيص الظواهر التي تؤشر إلى تراجع قيمة «التماسك»، بل ذهبوا باتجاه اقتراح حلول عملية و»سهلة التطبيق».
وأكد عدد من أعضاء جماعة عمّان لحوارات المستقبل في الجلسة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات، أن إصدار وثيقة التماسك الاجتماعي من قِبل الجماعة جاء كجزء من تجسيد فلسفة الجماعة بوصفها جماعة تغيير اجتماعي تهدف إلى بناء الوعي المجتمعي من خلال التعامل مع قضايا الناس، وبذلك تركز على رأس المال الاجتماعي، ومنظومة القيم، وتقديم الحلول على مستويات متعددة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو مؤسسات الدولة.
وشددت الندوة على أن علاج الاختلالات الاجتماعية يبدأ أولاً من الإقرار بأن الإصلاح يبدأ من الذات ومن الأبناء. وأوصت بتعزيز القيم والعادات الاجتماعية الإيجابية، وإعادة تنمية المجالس المحلية وتبني «لجنة الحيّ»، والتركيز على العلاقات الوظيفية بين أفراد المجتمع، وتعزيز الثقة والتضامن بين أفراد الأسرة والجيران وصولاً إلى الحي كوحدة اجتماعية.
تالياً أبرز وقائع الندوة:
دوافع إصدار الوثيقة
قال رئيس جماعة عمّان لحوارات المستقبل بلال التل؛ إن وثيقة التماسك الاجتماعي جاءت كجزء من تجسيد فلسفة الجماعة بوصفها جماعة تغيُّر اجتماعي تهدف إلى بناء الوعي من خلال التعامل مع قضايا المجتمع برؤية نقدية تهدف إلى تعظيم الإيجابي في مجتمعنا ومعالجة السلبي. وأضاف أن إصدار هذه الوثيقة يمثل توفير مرآة صادقة، تضع أمام أبناء مجتمعنا منظومتنا السلوكية بكل ما فيها من اختلالات من دون تجميل أو تجزئة، بحيث يعرف الجميع أدوارهم في إحداث هذه الاختلالات وفي معالجتها، مبيناً أن هذا هو الدافع الأول لإصدار هذه الوثيقة.
وأضاف أن الدافع الثاني يتمثل بالعمل على نقل الحديث عن هذه الاختلالات، من الهمس في الصالونات والجلسات الخاصة إلى الحديث العلني الجاد، بهدف تشكيل رأي عام جاد، يطلق جرس إنذار ينبه إلى خطورة هذه الاختلالات، والعيوب التي أصابت الكثير من جوانب سلوكنا الاجتماعي، وأصبحت تشكل خطراً على تماسكنا الاجتماع، موضحاً أننا بدأنا جميعاً نلمس هذا الخطر مجسَّداً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية التصدي لها من خلال معالجة الاختلالات الاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في حدوث مثل هذه الأزمات.
وبيّن التل أن وثيقة التماسك الاجتماعي بهذا المعنى تمثل أحد صور اهتمام جماعة عمان لحوارات المستقبل بهموم المجتمع، وسعيها للمساهمة في حل مشكلات هذا المجتمع بصورة عملية، بحيث تجسد أحد أهم مزايا الجماعة بوصفها جماعة لا تتوقف عند حدود الكلام ولا تكتفي بالتشخيص، بل تربط القول بالعمل، وتنتقل من مرحلة التشخيص إلى مرحلة العلاج.
وأضاف أن وثيقة التماسك الاجتماعي تطرح لكل مشكلة من المشاكل الاجتماعية التي تتناولها حلاً مما يجعلها تمثل خريطة طريق لحلّ مجمل مشاكلنا الاجتماعية، وأولها تأسيس الأسرة والأسس التي تقوم عليها، مروراً بمراسم وطقوس الزواج (الجاهة والخطوبة والزفاف) والآثار الاقتصادية والاجتماعية لها، وكذلك الاهتمام بالطفولة وتنشئتها في مجتمعنا، كما اهتمت الوثيقة بمراسم العزاء وما يرافقها من مظاهر غريبة على قيمنا الأردنية والعربية الأصيلة، وصولاً إلى مكونات الذوق العام وما أصابها في مجتمعنا من اختلالات.
وأشار التل إلى أن جماعة عمان لحوارات المستقبل تشكل «صورة نموذجية مصغرة لأفضل ما في المجتمع الأردني»، من حيث أعضاء الجماعة الذين يمثلون الاتجاهات الفكرية المختلفة والمستويات الأكاديمية من التخصصات المختلفة، ومن حيث أنهم يمثلون مناطق الأردن وشرائحه الاجتماعية المختلفة، وبالتالي فإن اقرار وثيقة التماسك الاجتماعي من قبل جماعة عمان يمثل حالة من حالات «التوافق الوطني».
وأكد أنها وثيقة وطنية شاملة لكل أبناء الوطن ومناطقه، وليست لمنطقة واحدة أو فئة اجتماعية بعينها، إضافة إلى أنها غير مقتصرة على قضية واحدة كإطلاق الرصاص في المناسبات، وإن كانت الوثيقة أولت هذه القضية ما تستحقه من اهتمام، فالوثيقة تناولت مجمل السلوك الاجتماعي ومظاهره في المنزل والمكتب والسوق، وكذلك العلاقات والطقوس والعادات الاجتماعية.
المحاور
وأوضح التل أن وثيقة التماسك الاجتماعي تتكون من محاور عدة، أولها: محور بناء الأسرة، الذي يقوم على عدد من الحقائق أهمها: أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وسلامة بناء الأسرة تقود إلى سلامة بناء المجتمع كافة، ولذلك فإن الوثيقة تدعو إلى بناء الأسرة على أسس سليمة وواضحة في إطار مفهوم الشراكة والمشاركة، بين القطبين المؤسسين للأسرة وهما الرجل والمرأة، وتحذر من ظاهرة تحول الزواج إلى مشروع أو عبء اقتصادي، لافتاً إلى أن مجتمعنا بدأ يعاني من هذه الظاهرة، عبر بروز مشاكل اجتماعية منها ارتفاع نسبة العنوسة بسبب عزوف الشباب عن الزواج نتيجة ارتفاع تكاليف الزواج، وكذلك الارتفاع الحاد والملحوظ في نسبة الطلاق، وما ينجم عنه من تمزق اجتماعي.
وأكد أن ارتفاع نسبتي العنوسة والطلاق في مجتمعنا أدى إلى تكاثر الانحرافات الاجتماعية كالتشرد وعمالة الأطفال والمخدرات وبنات الليل.... إلخ، مضيفاً أن الوثيقة أولت اهتماماً كبيراً لهذه القضية وطرحت حلولاً عملية لمشكلة تكاليف الزواج، فبعض هذه الحلول له علاقة بسلوكنا الاجتماعي الذي يشجع على التبذير والإسراف، سواءً في الجاهات أو حفلات الخطوبة والزفاف، وفي كلف الأثاث والمساكن، كما أن بعضها له علاقة بالتكافل الاجتماعي من خلال دعوة الوثيقة إلى إنشاء صندوق وطني للزواج يموَّل من صناديق المسؤولية الاجتماعية، ومن الوقفيات.
وقال التل إن الوثيقة تتضمن مقترحات حول كلف المساكن، مشيراً إلى أن من أهم ما تضمنته الوثيقة في موضوع الزواج دعوتها إلى إقامة معاهد للتدريب على الزواج وجعل الالتحاق بها شرطا أساسياً من شروط إتمام مراسم الزواج.
وأضاف أن المحور الثاني من محاور الوثيقة يركز على تنشئة الطفل الأردني من خلال التحذير من تسليم أطفالنا إلى عاملات المنازل، ووجوب الاهتمام بتنمية شخصية الطفل تنمية سليمة عبر توفير دور حضانة نموذجية، إضافة إلى دعوة رجال الاقتصاد إلى إنتاج ألعاب خاصة بالطفل الأردني تسهم في تنمية شخصيته، وكذلك الاهتمام بمناغاة الطفل وبأدب وفنون الأطفال المختلفة.
وتابع التل أن المحور الثالث من محاور الوثيقة يتحدث عن الأفراح وطقوسها في بلدنا، حيث تدعو الوثيقة إلى إحياء الأفراح وفق الطقوس والتقاليد الشعبية الأردنية التي تسهم في إعادة لحمة مجتمعنا الاجتماعية، كما تدعو إلى إحياء مفهوم «لمّة العيلة» في الأعياد والمناسبات المختلفة، ومفهوم الزيارات العائلية على مستوى الأقارب والأصدقاء بعيداً عن التكلف والتكلفة الاقتصادية.
وقال إن الوثيقة أكدت على أهمية تحرير أفراحنا من شبح الموت من خلال الامتناع عن إطلاق الرصاص والألعاب النارية، وتحرير هذه الأفراح من أن تكون مصدراً لإزعاج الناس سواءً من خلال المواكب التي تغلق الطرقات، أو المفرقعات، أو الموسيقى الصاخبة.
وبيّن التل أن المحور الرابع من محاور وثيقة التماسك الاجتماعي ركّز على الأحزان، بخاصة المآتم وما أصبح يرافقها من طقوس، حيث تدعو الوثيقة إلى إعادة الوقار إلى مآتمنا واحترام مشاعر الناس وخاصة أهل المتوفى، والتخلص من الكثير من العادات مثل عادة التقبيل والعناق وهدر الوقت.
وأشار إلى أن المحور الخامس من محاور الوثيقة يتناول الذوق العام وما أصابه من اختلالات في مجتمعنا، بخاصة على صعيد احترام مشاعر الآخرين وحريتهم وحرمة الجوار وحرمة الطرقات وما أصابها من تشوهات.
المفاهيم الاجتماعية
وأكد التل أن «جماعة عمان» تسعى من خلال هذه الوثيقة إلى المساهمة في المحافظة على الشخصية الوطنية الأردنية بالعودة إلى المفاهيم الاجتماعية الأصيلة للمجتمع والسلوكات المعتدلة التي تفرز الشخصية الوطنية، مضيفاً أن الوثيقة لا تكتفي بالدعوة إلى التمسك بمظاهر الشخصية الوطنية كاحترام الزي الوطني وارتدائه بخاصة في المناسبات العامة، واحترام المأكولات الأردنية في المناطق السياحية، إضافة إلى إحياء الأفراح وفق التراث الأردني ودبكاته وأغانيه، بل هي تؤكد أيضاً على إحياء روح الشخصية الوطنية من خلال دعوتها إلى إحياء روح المودة والتضامن والشعور بالآخر في أفراحنا وأتراحنا.
وأضاف أن الجماعة تسعى أيضاً من خلال الوثيقة إلى إيجاد أطر للعمل الجماعي تعزز تماسكنا الاجتماعي، فهي تقترح تشكيل لجان أحياء، وتأسيس ساحات أفراح عامة وحدائق عامة في الأحياء، وإقامة صندوق وطني للزواج، كما تدعو إلى تشجيع حفلات الأعراس الجماعية، إضافة إلى سعيها لتغيير الكثير من القيم السلبية، وإحلال قيم إيجابية مكانها، فهي تقدم الكثير من المقترحات التي من شأنها ترسيخ قيمة العمل اليدوي، وقيمة عفة النفس، وقيم الإنتاج، وتحارب بعض السلوكات السلبية ومظاهر الرياء الاجتماعي، بخاصة في طقوس الأفراح والمآتم، وكذلك مظاهر الهدر والتبذير، بخاصة في احتفالاتنا وولائمنا.
الحلول
قال عضو جماعة عمان لحوارات المستقبل د.عبدالله الموسى، إن التماسك الاجتماعي يكتسب أهميته نظراً إلى الظروف السوسيولويجية الموجودة في المنطقة، مضيفاً أن التماسك يعدّ ضمانة لاستمرار الأمان ولحماية منجزات الدولة على المستويات كافة.
وعرّف رئيسُ جامعة اليرموك الأسبق، والأستاذُ في الجامعة الأردنية، التماسكَ الاجتماعي بأنه عبارة عن علاقات وروابط بين أفراد المجتمع (الأفراد والأصدقاء والجيران) أو مجموعات المجتمع (الجمعيات والأحزاب والنوادي)، أو التشريعات النافذة والمؤسسات الاجتماعية، والتي تؤدي بالنهاية لحياة أفضل، وبخاصة عندما تكون وظيفية بمعنى التفاني والإخلاص للعمل، والثقة والتضامن بين المجموعة.
وأوضح الموسى أن وثيقة التماسك الاجتماعي ركّزت على أبعاد منها رأس المال الاجتماعي، ومنظومة القيم، مضيفاً أن الوثيقة أشارت إلى إمكانية تعزيز مثل هذه العادات، مؤكداً أن المفهومة القيمية قابلة للتغيير نحو الأسوأ أو الأحسن، وإلى أن الوثيقة اقترحت حلولاً على مستويات متعددة سواءً كانت على مستوى الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو مؤسسات الدولة.
وأضاف أن الوثيقة قدمت تسهيلاً عملياً للمحور المتعلق برأس المال الاجتماعي، الذي نتحدث فيه عن الهوية الثقافية والإرث الحضاري والاعتراف بالاختلافات، مضيفاً أن هذه الوثيقة ستتبعها وثائق أخرى، كون الوثيقة الأولى كانت تحتوي فقط على بُعد رأس المال الاجتماعي، مؤكداً أن هناك بعداً آخر لم تتطرق له الورقة وهو «الاحتواء الاجتماعي» وتقليل الفجوات، والفرص المتساوية أمام الجميع.
وبيّن أن هذا البعد سيسمح بالحركة بين أفراد المجتمع، حتى وإن لم يكن هناك تساوٍ للفرص، لأنه يمكن أن تكون هناك منطقة جغرافية محرومة، مما يخلق تبايناً في إمكانية الحصول على الخدمات المختلفة كالتعليم والصحة، أو حتى بين الطبقات المختلفة، أو بين الرجل والمرأة، أو بين أصحاب الإعاقات، إضافة إلى موضوع العمالة، فقد يكون هناك ظروف تسمح بالتوظيف في مناطق معينة تختلف عن غيرها في مناطق أخرى، مضيفاً أنه يجب التعامل مع كل جانب من هذه الجوانب.
المواطن الذي نريد
قالت عضو جماعة عمان لحوارات المستقبل د.سوسن المجالي إنه لا يوجد لدينا في الأردن إجماع أو تصور عام عما نريده من المواطن؟ الأمر الذي يجعلنا في لبس في المؤسسات التعليمية والصحية والدينية. وبحسبها، فإن مناهجنا لا توجّه بالشكل الصحيح، كما إن القانون لا يضبط الأمور بالشكل الصحيح.
وأضافت الأمينُ العام للمجلس الأعلى للسكان أن هذه الوثيقة تمثل بداية لوضع تصور لوصف الأمور التي ينبغي التركيز عليها لنهيئ المواطن، مشيرة إلى أننا ننسى بكل مؤسساتنا وبكل جوانب حياتنا أن المواطن هو الأساس، فإذا أجمعنا حول صفات المواطن الذي نريد، نستطيع عندها أن نوجه مناهحنا وخدماتنا وقانوننا على هذا الأساس.
وشددت المجالي على وجوب احترام سيادة القانون، مشيرة إلى السلوكات التي يقوم بها بعض الأشخاص مؤخراً من اعتداءٍ على المعلمين والأطباء وغيرهم، عازية هذه السلوكات إلى أن الناس أصبحت تأخذ حقها بيدها بعيداً عن اللجوء إلى القانون، لشعورها بأن هذه الجهات التي تمنح الحقوق لا تفعل لها شيئاً، وإذا سارت بالإجراءات المطلوبة فلن تحصل على نتيجة أو أن النتيجة ستكون غير عادلة، متسائلة: كيف نعيد للناس ثقتها بهذه الجهات؟
وأشارت إلى موضوع احترام المال العام، كالحدائق مثلاً، فحتى القليل الذي تقدمه الدولة أو أمانة عمان لا يحافظ عليه المواطن، ولا يوجد لديه احترام أو شعور بالملكية نحوه.
وقالت المجالي إن المجلس الأعلى للسكان تقع عليه مسؤولية تجهيز أبنائنا وشبابنا لهذه المرحلة، بسبب ارتفاع نسب الطلاق والعنف الأسري وتأديب الأطفال، كما إننا بحاجة للتدريب والتهيئة والتخطيط لحياتنا، ومراقبة الدروس الدينية في المساجد ومناهج المدارس والجامعات.
وأضافت أن على الجهات كافة الجلوس مع بعضها بعضاًَ، سواء تشكلت هذه الجهات من سياسيين أو علماء اجتماع أو علماء نفس أو علماء دين، وأن يتحاوروا للوصول إلى ما نريد من المواطن.
وقالت المجالي إن نظرتنا في طرح أي قضية نادراً ما تكون شمولية، فيكون الطرح باتجاه واحد، إما مدحاً بالدولة أو ذماً بها من دون أن نبرز دور المواطن، داعية بعض الإذاعات الأردنية إلى تبني الموضوعوية عند طرح القضايا، وعدم اللجوء إلى إثارة الناس والتهجم على الآخرين.
وأكدت أننا بحاجة إلى أن نقرّ بأخطائنا كي نستطيع حلها، وأننا في الوقت نفسه لسنا بحاجة لمؤسسة تقيمنا من الخارج. ودعت إلى إضافة قضية المدارس والاطفال وقطع الشارع وتحمل الأهالي في ضمان سلامة وصول الطفل ومغادرته من المدرسة وإليها، إلى محاور الوثيقة، مشيرة إلى أن الدول المتقدمة مثل أميركا وبريطانيا يكون هناك متطوعون يقفون على التقاطعات أمام المدارس للتأكد من قيام الطفل بقطع الشارع بأمان.
لجان الأحياء
قالت عضو جماعة عمان لحوارات المستقبل ديمة خليفات، إن الوثيقة تعدّ خطوة أولى، وأن من البديهي أن يكون هناك من يختلف أو يتفق مع ما ورد فيها.
وأشارت أمين عام سجل الجمعيات الخيرية في وزارة التنمية الاجتماعية، إلى أن هذه الوثيقة تتضمن أموراً مهمة، فهي تركز على أن المجتمع وتماسكه هو خط دفاع أول لهذا الوطن، فإذا كان هذا المجتمع متراصّ ومتماسك ومنسجم فإننا حققنا نتيجة دفاعية له، وبالتالي إذا كانت الجبهة متراصة داخلياً يصعب على أيٍّ كان اختراقها، مؤكدة أن يداً واحدة لا تصفّق، ولا يتحقق الأمل إلا بالشراكة بين جميع مكونات الدولة والمجتمع.
وأضافت خليفات أن هناك مسؤوليات على الأفراد، وكذلك الحال بالنسبة للقطاع الأهلي والجمعيات، مشيرة إلى دور الجمعيات والأفراد في نبذ الممارسات السلبية والتجمعات وذلك عبر لجان الأحياء والتعرف على المحتاجين القاطنين في الأحياء وتقديم المساعدة والعون لهم.
وأكدت أن على الحكومة أن ترفد هذه المسؤولية التي تقع على عاتق الأفراد والجمعيات لنكون مجتمعاً متماسكاً ومتراصاً، وتسهل هذا الموضوع، بأن تمنح حوافز للجمعيات ومؤسسات الإسكان التي توفر اسكانات بسيطة التكاليف وصغيرة المساحات لتساعد الناس على بناء حياتهم ويبدأون بها وبتكاليف بسيطة، وذلك حتى لا يلجأ الشباب والشابات لممارسات نستهجنها منهم، مشددة أنه على الحكومة واجب بتوفير ومنح الحوافز الاستثمارية للمستثمرين والأفراد والجمعيات.
كما أن هناك مسؤولية اجتماعية على شركات القطاع الخاص، فعليهم واجبات اجتماعية عبر توفير القروض الميسرة والدوارة التي تعطى للأفراد ويتم الارجاع ليستفيد منها شخص آخر، وكذلك عبر توفير صناديق وطنية لتسهيل زواج الشباب، إضافة إلى باقي المواضيع التي تهم المواطنين.
وأشارت خليفات إلى انعدام الثقة بين هذه القطاعات سواءً الحكومية أو الخاصة في ما يتعلق بهذه الأمور، فالحكومة تتهم القطاع الخاص، والعكس صحيح، مضيفة أننا جميعنا نعيش في وطن واحد ونسبة الفساد الموجودة في الجمعية مثلاً موجودة في القطاعين العام والخاص، فهناك أزمة ثقة بين القطاعات ويجب أن تُحَلّ بالحوار، إذ إن بناء الثقة يأتي بالتدريج.
وأكدت أنّ على لحكومة أن توفر قطاعَ نقل عاماً حضارياً للمواطنين، لتسهيل التماسك الاجتماعي، وزيارة البلد والتعرف على حضاراته، للوصول إلى تنمية اجتماعية واقتصادية، مضيفةً أن سياسة القبول في الجامعات يجب أن تشجع هذا الموضوع أيضاً، كأن يدرس ابن الكرك في جامعة اليرموك، وابن اربد في جامعة الطفيلة، مشيرة إلى أن العنف الجامعي مردّه أن كل طالب يشعر بأنه أفضل من غيره.
سير التماسك الاجتماعي
قال عضو جماعة عمان لحوارات المستقبل د.محمد صايل الزيود إن هذه الوثيقة تمثل «بداية طيبة» لقضية التماسك الاجتماعي في الأردن، في ظل أن التماسك لا يسير باتجاه صاعد، بدليل حالات العنف التي نشهدها، مشيراً إلى أن العام الجاري شهد تسجيل 3800 حالة تسول، و3300 حالة عنف ضد المرأة، إضافة إلى حالات العنف ضد المعلمين والأطباء والأفراد في المؤسسات. كما إن عدد جرائم القتل والانتحار في ازدياد، فالتماسك الاجتماعي بصورته الحالية لا يسير باتجاه إيجابي لأسباب اجتماعية واقتصادية، إضافة إلى أن الجانب التربوي والثقافي والتوعوي غير كافٍ.
وأضاف الأستاذُ في الجامعة الأردنية أن الوثيقة وضعت يدها على الجرح، ولكنها بحاجة لخطوات عملية إجرائية، بحيث يكون لمؤسسات الدولة والمجتمع دور في التنفيذ، كما أنها بحاجة إلى تكاتف مؤسسات الدولة عبر وضع خطة استراتيجية للعنف عامة وضد المعلم خاصة، مشيراً إلى أن تغليظ العقوبات لا يعدّ حلاً جذرياً، مؤكداً أن ما نريده هو توعوية وترشيد وخدمات وعدالة اجتماعية، مضيفاً أنها جميعها تعدّ أسباباًَ تراكمية لضعف التماسك الاجتماعي.
وأكد أن سيادة القانون، والانتماء للبلد، والعلاقات الاجتماعية، قضايا مترابطة مع بعضها بعضاً وتؤثر بالتماسك الاجتماعي، مضيفاً أن الحلول بحاجة لجهد وطني، إذ يجب على المؤسسات المجتمعية المختلفة، ووزارات التنمية والصحة والتربية والتعليم وسواها، أن تضع حلولاً عملية لتنعكس على المجتمع.
ترجمة الوثيقة إلى واقع
قالت عضو جماعة عمان لحوارات المستقبل سهير جرادات، إن أحد الأهداف التي قامت على أساسها الجماعة هي أنها تعنى بالمواطن وقضاياه ومشاكله وحلها، مؤكدة أن وثيقة التماسك الاجتماعي تترجم اهتمامنا بالقضايا المجتمعية، من خلال وضع يدنا على بنية المجتمع التي أصابها الخلل، ووضع الحلول لها، فنحن في الأردن نكتفي بالشكوى، ولا نضع الحلول لما يواجهنا من مشاكل، في حين أن هذه الوثيقة وضعت الحلول، ووضعت يدها على الكثير من القضايا التي يجب علينا حلها.
وأضافت الصحفيّةُ في وكالة الأنباء الأردنية أن الجماعة كانت تنتظر من مؤسسات الدولة أن تبادر وتشاركها في ترجمة هذه الوثيقة إلى واقع، مشيرة إلى أن استمرار تقصير هذه المؤسسات «أوصلنا إلى هذه المرحلة».
وأوضحت جرادات أن المشاكل بدأت من ممارسة ضغوطات على المجتمع والشباب منذ خمسينات القرن الماضي كي لا يكون لديهم انتماءات حزبية، وتم تخويفهم من الأحزاب وأُرعبوا من الانتماء لأحزاب فكرية وفُرّغوا من الفكر الحزبي، ثم توجهوا نحو الدين، لكن من يدافع عن الفكر الديني حورب من الدولة، فأصبح الشاب الأردني مفّرغاً من الفكر الديني أو الحزبي.
وتابعت بقولها إن هناك عشرات الأحزاب في الأردن، ولكن عدد المنتسبين لهذه الأحزاب قليل، داعية إلى ضرورة إعادة الثقة بالأحزاب.
وقالت إننا يجب أن نكون ضد العادات التي استنزفت أرواحنا وأموالنا (مثل إطلاق العيارات النارية) والولائم غير المبررة، فالشعب الأردني محدود الدخل ويصرف أكثر من راتبه، وبالمقابل تزيد المديونية باضطراد.
وأكدت أن هذه الوثيقة تعالج قضايا عدة منها قضية الانتماء، ففي ظل غياب تكافؤ الفرص والعدالة وشيوع الفساد والوساطة والمحسوبية أصبح لدينا شعور بالظلم الذي جعل المواطن مواطناً غير فعال وربما مؤذياً، مشددة على أن المشكلة ليست بالقوانين ولكن في تطبيقها.
وقالت جرادات إن الخطاب الديني في المساجد ليس قوياً، مشيرة إلى أهمية الدور الإيجابي للمساجد في توجيه الناس.
وأضافت أن الجميع مقصرّون في الخطاب الإعلامي، سواءً مؤسسات الدولة أو دور العبادة، وأن هناك فوضى بالإعلام، حتى إن نشر أيّ خبر على «الفيسبوك» مثلاً يحرك الناس أكثر مما يفعله الإعلام الذي تتولاه مؤسسة عريقة، ففي مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً يتم تصوير مشاهد الفيضانات والمآسي والشجارات كأن المواطن أصبح شريكاً بالنشر، بدلاً من توجهه نحو المساهمة في حل هذه المشاكل، داعية المواطن لأن يكون لديه «دور أخلاقي» في هذا الجانب.
وشددت جرادات على أهمية دور الإعلام والإعلاميين، مضيفة أننا عندما نكتب في الإعلام فإننا نُتهَم بأننا نبالغ في طرح المواضيع، رغم أن علينا كصحفيين طرح القضايا ووضع النقاط على الحروف، فإذا لم نحدد حجم المشكلة لن نعرف كيف نحلها.
وأوضحت أن الوثيقة تحدثت عن كثير من القضايا، داعية إلى الاستمرار في نشرها، والوقوف ضد العادات والتقاليد السلبية الشائعة في المجتمع.
التوصيات
جرادات:
أكدت جرادات أن الانتماء أحد أهم الأمور التي يجب وضع يدنا عليها في الوثيقة، وأن علينا أن نتخلص من «الأنيمالية» (أي: وأنا مالي)، فدورنا في الإصلاح يبدأ من الذات ومن الأبناء، مشيرة إلى أن قلة الانتماء هي التي أوصلتنا إلى هنا، وهو ما دفعنا إلى تبني الوثيقة لنستعيد من خلالها قيمنا وعاداتنا الاجتماعية التي أضعناها.
كما دعت إلى إعادة تنمية المجالس المحلية أو لجان الأحياء من جديد، مضيفة أن كل منطقة كان فيها مختار سابقاً، وهذا حالياً غير موجود.
الزيود:
أوصى الزيود أن تعطى مشاكلنا الاجتماعية الأولوية بتناولها من قبل المؤسسات المختلفة سواء مؤسسات الدولة أو المجتمع المحلي أو الأندية أو المساجد، بحيث تتم معالجة كل مشكلة بشكل علمي.
وشدّد على دور المؤسسات الإعلامية، بحيث تركز في برامجها الإعلامية المصورة على عرض المشكلة وتقديم الحل لها، وعرض جوانب قيمية إنسانية لحل المشاكل، وأن تقوم المواقع الالكترونية ومحطات التلفزة والصحافة بإنتاج مواد تعرض المشاكل وتقدم الحلول بطريقة حضارية وتعمّمها.
الموسى:
أكد الموسى على أهمية تعزيز شعور الانتماء بالمجتمع، والعمل بكل الوسائل على تعزيز مثل هذا الشعور وما يتبعه من شعور بالمسؤولية.
ودعا إلى التركيز على العلاقات الوظيفية بين أفراد المجتمع؛ أي إتقان العمل والثقة بين الناس. والتركيز على الثقة والتضامن بين أفراد الأسرة والجيران وصولاً إلى الحيّ كوحدة اجتماعية.
المجالي:
شددّت المجالي على وجوب البدء بشعار «سأبدأ بنفسي»، وأن يكون كل منا النموذج الذي يُحتذى بالنسبة للآخرين.
خليفات:
أكدت خليفات على وجوب إعادة دور لجان الأحياء، وإقامة معاهد التدريب على الزواج، مشيرة إلى أن 67% من حالات الطلاق في الأردن جزء منها يتم قبل الزواج، مضيفة أن الماليزيين انتبهوا لهذه القضية فانخفضت نسب الطلاق تقريباً من 34% إلى 3% نتيجة إقامة وتفعيل معاهد التدريب على الزواج.
ودعت إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية لمشاكل النقل، وحل القضايا الاقتصادية والاجتماعية وقضايا العنف.
كما دعت إلى إيجاد حضانات وطنية بدلاً من لجوء الأمهات العاملات لعاملات المنازل اللواتي تختلف حضارتهن وثقافتهن عن حضارتنا وثقافتنا، مشيرة إلى أن الحضانات التي تفتح أبوابها لفترة قصيرة يومياً لا تخدم الأم العاملة، كما لا بد أن نضع أبناءنا ضمن الأطر التعليمية وألّا نعرّض قيم أطفالنا للخطر من قِبل العمالة الوافدة.
وأكدت على دور المؤسسات ودور العبادة في نشر المفاهيم والقيم الاجتماعية الصحيحة، وخاصة أن الدين الإسلامي هو دين الأخلاق، وأن الأديان السماوية ديانات تقوم على الأخلاق، مستشهدة بقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
أبرز بنود الوثيقة
تنشر «الرأي» تالياً أبرز المحاور والبنود التي تضمنتها «وثيقة التماسك الاجتماعي» التي أصدرتها «جماعة عمان لحوارات المستقبل»، مقترحة بعض السلوكات والحلول البديلة لتعزيز التماسك الاجتماعي للمجتمع.
الأسرة هي البداية
الأسرة هي النواة الاساسية للبناء الاجتماعي.. لذلك لا بد من الانتباه أولاً إلى مواطن الخلل التي أصابت بنياننا الأسري لمعالجتها، حيث لا تكاد عين المراقب تخطئ حجم التشوهات الكبيرة والخطيرة التي أصابت بناء الأسرة في مجتمعنا، ابتداءً من أسس اختيار الزوجين، حتى وصول العروسين إلى بيت الزوجية؛ فقد أصابها الكثير من التشوهات، فانحرفت عن الكثير مما كانت عليه..
لقد كانت المشاركة من أهم أسس بناء الحياة الزوجية في مجتمعنا حيث كان معيار المشاركة «بالحلوة والمُرة» من أهم معايير اختيار الزوجين وهو معيار له دلالات أخلاقية واقتصادية واجتماعية، تشير إلى أن الزواج يقوم على المشاركة في كل شيء؛ وهذه المشاركة تحتاج إلى فهم وتفهم، قبل أن يتحول الزواج في مجتمعنا إلى عبء اقتصادي تغص بسببه محاكمنا بقضايا الشقاق والنزاع، بالإضافة إلى الارتفاع المتزايد في نسب الطلاق، وقبلها ارتفاع نسبة العنوسة بين بناتنا بسبب عزوف شبابنا عن الزواج نتيجة لارتفاع تكاليفه، ابتداء من غلاء المهور، وصولاالى ارتفاع تكاليف السكن، وما بينهما من تكاليف الحفلات.. مما جعل من الزواج عبئا يهرب منه الشباب، وهو هروب يفتح باب الانحرافات والاهتزازات الاجتماعية، مما يجعلنا نطلق صيحة نذير للتصدي لهذا الخطر من خلال:
- السعي لتوعية الشباب حول أسس اختيار الزوج والزوجة، بحيث لا يكون العامل المادي هو العنصر الرئيس في الاختيار، بل لابد من مراعاة أسس اخرى هامة، منها هدف التحصين القائم على أساس الكفاية والكفاءة، باعتبار الزواج مشاركة كاملة بين الزوجين.
- تدريب شبابنا وبناتنا على أسس الحياة الزوجية الناجحة، للتخفيف من المشاكل الناجمة عن غياب أسس النجاح في الحياة الزوجية، وذلك من خلال سن تشريع بإنشاء معاهد للتدريب على الزواج وطريقة التعامل بين الزوجين وتعاملهما مع محيطهما، بحيث يكون من شروط الزواج اجتياز كل من الزوجين لدورة تدريبية في هذه المعاهد.. تماما مثلما هي الحال في شرط الفحص الطبي قبل الزواج، وهو ما يتم تطبيقه عمليا في العديد من الدول، من بينها «ماليزيا» على سبيل المثال. حيث أدى هذا الإجراء إلى تدني نسبة الطلاق هناك بشكل كبير.
- إلغاء بعض المعايير السلبية في اختيار العريس، اذ تأنف كثير من بناتنا أو اهاليهن عن الزواج من أصحاب المهن والحرف، خاصة اليدوية منها، وهو سلوك يتنافى مع قواعد الدين وسمات المجتمعات المتحضرة التي يحتل فيها اصحاب المهن والحرف اليدوية مكانة متميزة، مذكرين بأن أنبياء الله ورسله عليهم السلام كانوا من الحرفيين.
- ندعو إلى إحياء واحدة من أهم قيمنا الاجتماعية، وهي قيمة «عفّة النفس» ومفهوم «اليد العليا خير من اليد السفلى» لندفع شبابنا إلى الانخراط في صفوف العمل والانتاج، بدلاً من البقاء في طوابير البطالة وصفوف الاعالة، أمام صناديق المعونة والإعالة.. وبذلك نسهم في حل مشكلتي الفقر والبطالة التي تفتك في مجتمعنا جراء بعض المفاهيم الاجتماعية البالية والطارئة على مجتمعنا.
- اننا ندعو شعبنا الأردني إلى التخفيف ما أمكن من المهور، أسوةً برسول الله عليه السلام، واتباعا لهديه النبوي الشريف، الذي حث على قلة المهور، كما ندعو إلى التخفيف ما امكن من توابع المهر من اثاث وملابس، بحيث لا يتجاوز ذلك كله خمسة الاف دينار اردني، تشجيعاً للشباب على الزواج، وسدًا لباب من اخطر ابواب الاختلالات الاجتماعية.
- ندعو شعبنا الأردني إلى تخفيف سائر نفقات الزفاف.. وأولها نفقات الجاهة التي تحولت في السنوات الاخيرة إلى نوع من انواع الرياء الاجتماعي، الذي ندعو إلى التخلص منه، وذلك باختصار عدد افراد الجاهة، توفيرًا للنفقات على اهل العروسين، وحفاظا لأوقات الناس ومنعا للإحراج.
- نطالب رؤساء الوزارة والوزراء والأعيان والنواب، ومن ماثلهم، بالامتناع عن المشاركة في جاهات الأعراس، الا لاقاربهم من الدرجة الاولى، لانقاذ مجتمعنا من احد أهم مظاهر آفة الرياء الاجتماعي التي صارت الجاهات تمثل واحدة من ابشع مظاهره، خاصة في الاعراس.
- ندعو المستثمرين والمقاولين والنقابات إلى التوجه لاقامة مساكن صغيرة تناسب حديثي الزواج وقدراتهم المالية، لتشجيع شبابنا على الزواج من خلال تخفيف الأعباء المالية للزواج.
- ندعو الحكومة إلى تقديم الحوافز والتسهيلات لكل من يستثمر في المشاريع الإسكانية ذات المساحات الصغيرة والقليلة الكلف المخصصة للمقبلين على الزواج.
- ندعو إلى تأسيس صندوق وطني لتشجيع الزواج يُمول من الحكومة وبرامج المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات الإقتصادية، والوقفيات، والتبرعات.
- ندعو إلى الامتناع عن استخدام القاعات، سواء قاعات الفنادق او المطاعم او غيرها من القاعات لاستقبال الجاهات ولإقامة الحفلات، والاكتفاء باستقبال الجاهة في منزل والد العروس او احد افراد عصبته من الاقارب، او في ديوان اهله او بلدته ان كان ذلك لا يرتب عليه تكاليف مادية.
- نحث على تشجيع فكرة حفلات الأعراس الجماعية.. وفي هذا المجال يمكن لكل نقابة من نقاباتنا المهنية والعمالية ان تعلن عن حفل زواج جماعي سنوي لاعضائها على مستوى المحافظات. كما يمكن لكل عشيرة او بلدة او حي، تنظيم حفلات زواج جماعي سنوي لابنائهم.
- محاربة مظاهر الإسراف والتبذير إلى التخفيف ما أمكن من عدد المناسف التي تقدم في كل مناسبة، بحيث يكون العدد بالحدود الدنيا التي تخفف من ظاهرة الإسراف والتبذير، كما ندعو إلى اعتماد حجم متوسط للمنسف، كذلك إلى الإستفادة ما أمكن مما لا يُؤكل من المناسف، بتوزيعه بطريقة كريمة ولائقة على المحتاجين وفق آلية مؤسسية.
- احياء عادة التزاور العائلي بين الأقارب، والجيران، والأصدقاء، على أن لا يُصاحب هذا التزاور أي مظهر من مظاهر التكلف والتبذير.
- احياء مراسم الزفاف وفق العادات الأردنية الموروثة التي تحمل في طياتها معنى التعاون والتراحم، وتسهم طقوسها في تمتين علائق المحبة والألفة بين الناس، ابتداء من سهرات الزفاف التي تسبق ليلة العرس_ مروراً بوليمة «القِرَى»، التي كانت تجسد روح التعاون والمشاركة وروح الجماعة، بالإضافة إلى تشابك الناس وتلاحمهم بالمحبة، باعتبار ان «النسب نشب» وانتهاء بليلة الزفاف.
إحياء مناسبات الفرح
اننا نلمس جميعا تدني نسبة الأفراح في بلدنا التي تقيم ليالي السامر والدبكة التي تجمع الناس على البهجة والسرور، ونسبة مشاركة الناس للعريس في مصاريف عرسه، كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا في ليالي السامر، وبعد ان لمسنا ان أعراسنا تتحول إلى مجرد طقوس بلا روح. فقد صار الناس يتقاطرون إلى صالات مغلقة، يجلسون فيها حول الموائد «يتفرج» بعضهم على بعضهم الآخر دون إحساس بالمشاركة والفرح، وقد خصص جناح من الصالة لأهل العريس، وآخر لأهل العروس في أوضح صورة من صور التفكك الاجتماعي، الذي لم تعد حتى علاقة المصاهرة قادرة على إعادة لحمته, وهي التي كانت في عهود سابقة أهم عوامل التماسك الاجتماعي. فلم يعد الزواج وسيلة لتلاحم الناس. فبالكاد تتعرف الأسرة الصغيرة للعريس، على الأسرة الصغيرة للعروس أيضا. بعد أن كان الزواج قناة لتلاحم الناس.. بل والدول في كثير من الأحيان.
لقد حلّت الموسيقى الصاخبة التي تنبعث من أجهزة التسجيل، محل «الهجيني» و»الجوفية» و»الترويدة» و»السحجة» وغيرها من أغانٍ ودبكات الفلوكلور الأردني، التي كانت تعطي للعرس روحه الاجتماعية، وتنشر عبق الفرح على الجميع.. لقد اختفى ذلك كله، أو يكاد، وباختفائه يختفي مكوّن من مكونات تماسكنا الاجتماعي، لذلك فالدعوة موجهة للجميع «أفراداً وجماعات» كي نسعى لاستعادة هذا المكوّن من مكونات تماسكنا الاجتماعي، خاصة وانها تدخل على قلوبنا الفرح، وتنمي في نفوسنا روح الجماعة، وتوفر الكثير من المال الذي صار انفاقه على اعراسنا بعيدا عن تقاليدنا، يرهق جيوب شبابنا ويهدد مستقبلهم ومستقبل ابنائهم وتربية هؤلاء الابناء.
ومن مواسم الفرح التي طالها التشويه فرحة العيد، التي كانت عندنا مناسبة «للمة» العائلة والأقرباء. ومناسبة للتزاور بين الجيران والأصدقاء والمعارف، مما كان يقوي روابط التعارف والتعاون والتكافل بين مكونات المجتمع؛ كان ذلك قبل أن يصير الهروب من لمة العيد إلى خارج مدننا وأوطاننا ممارسة شرائح متزايدة منا.
ترى، لماذا صرنا نفضل قضاء أعيادنا في غرف الفنادق على «لمة» الأهل؟ ولماذا أوصلنا مجتمعنا إلى هذه الدرجة من تفتيت الروابط الاجتماعية؟ ولماذا نصر على تفريغ أيام فرحنا حتى من مضامينها؟ فصار العيد فرصة للهروب من الأهل والأحبة، وصرنا نستبدل الأضحية في عيدنا الأكبر بمبلغ ندفعه لهذه الجمعية أو تلك. وكأن المقصود بالأضحية هو مجرد دفع ثمنها. فأين تربية أفراد الأسرة على معنى التضحية والفداء؟ وأين مفهوم الأنصبة الشرعية للأضحية؟ ولماذا فرطنا بذلك كله مثلما فرطنا بدفء «اللمة» وفرحتها وبألفة الجماعة؟. ومن شوه أفراحنا، بل وحولها إلى مناسبات للموت؟ فكم من قتيل وجريح سقط برصاص أعراسنا، وسائر أفراحنا؟. ومن فرغ أفراحنا من مضامينها ليصبح التعبير عن فرحنا أحد أهم إنذارات الخطر الذي يهدد مجتمعنا؟. بعد ان صرنا نحول مناسبات الفرح إلى مآتم.. من ذلك ما يجري على سبيل المثال عند كل إعلان لنتائج التوجيهي، حيث ينفلت الجنون من عقاله، عندما يتم التعبير عن الفرح بأقسى مظاهر العنف والخشونة؛ الممثلة باطلاق الرصاص في كل مناسبات الفرح التي صرنا نحولها بجنوننا إلى مآتم وأتراح؟.
ان ما يجري ليلة إعلان نتائج التوجيهي كل عام من إطلاق كثيف للنار، يشكل إنذاراً حقيقياً عن حجم التحول السلبي الخطير في منظومتنا القيمية؛ فممارسات الفرح تعبر عن ثقافة المجتمع وقناعاته، فالفرح هو عنوان المجتمع الحيوي المتوازن المستقر.
وفي هذا المجال فاننا ندعو إلى:
- المنع المطلق لإطلاق العيارات النارية بما في ذلك الالعاب النارية، وتشديد العقوبات على كل من يستخدمها، مطالبين وزارة الداخلية والحكام الاداريين والأمن العام بضرورة التشدد بتطبيق القوانين في هذا المجال، ورفض أي واسطة تسعى لمنع معاقبة مطلقي العيارات النارية في الأعراس.
- نطالب وزير الداخلية والحكام الاداريين واجهزة الأمن بمنع جميع انواع المواكب منعا باتا، لما في ذلك من ضرر بالناس واعتداء على حريتهم بالتنقل، باستثناء مواكب الاحتفالات الرسمية ومواكب الجنائز.
- نطالب السادة النواب والأعيان ومن ماثلهم من الشيوخ والوجهاء، بالامتناع عن القيام بالضغط او الواسطة لمنع الحكام الاداريين من معاقبة مطلقي الرصاص والالعاب النارية والمشاركين في مواكب الاعراس والتخريج، وما ماثلها، وكذلك عدم التدخل لمنع معاقبة من يسيئون استخدام السيارات والدراجات النارية، سواء «بالتشحيط» او «التخميس» وكذلك كل من يزعج غيره بالاصوات العالية مهما كان مصدرها.
- ندعو أمانة عمان الكبرى وسائر بلديات المملكة إلى اقامة ساحة أفراح في كل حي من الأحياء، يستطيع سكان الحي استخدامها لاقامة افراحهم وفق التقاليد الأردنية، ولتبادل التهاني بالأعياد ولتقديم الأضاحي في عيد الأضحى المبارك.
- نطالب الدولة بكل اجهزتها العمل بضبط وتنظيم كل انواع الاسلحة المنتشرة في بيوتنا ومصادرتها، ومعاقبة كل من يمتلك سلاحا غير مرخص، وذلك للتخفيف من مخاطر الانتشار العشوائي للسلاح في مجتمعنا واستسهال استخدامه.
- نطالب السلطتين التنفيذية والتشريعية بالتعاون لسنّ قانون ينظم حمل السلاح وترخيصه وتشديد عقوبة كل من يحمل او يقتني سلاحا بدون ترخيص.كما نطالبهما بادخال تعديلات على قانون العقوبات بهدف تشديد العقوبات على الجناة والجنايات التي تشكل خروجا عن الاعراف والتقاليد وتسيء إلى تماسكنا الاجتماعي وذوقنا العام.
- ندعو إلى تحري العدل في تطبيق العقوبات من خلال قصر العقوبة على الجاني فقط، امتثالاً لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164)، وقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف والإذن بالإذن والسن بالسن، والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) (المائدة:47)، ونطالب بالغاء «الجلوه» او قصرها في اسوء الأحوال على اقرباء الجاني الذين يشتركون معه في دفتر عائلة واحدة. كما ندعو إلى عدم المبالغة في قيمة «ديّات» القتلى والاكتفاء بالدية الشرعية تخفيفا على الناس وتمتين لأواصر تماسكهم الاجتماعي.
أحزاننــــا
لقد كانت مآتمنا نموذجا للوقار ومناسبة لترسيخ التماسك الاجتماعي قبل ان تفقد ذلك كله، عندما لم يعد بعض زوار المآتم يترددون عن القهقهة بعد تبادل النكات، وعن الحديث بصوت عال بأمور دنيأهم دون احترام لحرمة الموت ومصاب أهل الميت ومشاعرهم، وصار حديث الصفقات والنميمة السياسية والاجتماعية جزءًا من هذه المآتم، وهذا استهانة برهبة الموت وحرص الإنسان على أخذ الموعظة منه. فإذا لم يتعظ الإنسان بالموت، فبماذا يتعظ؟ كما ان هذا السلوك أثناء المآتم خروج عن واحدة من أهم مكونات تماسكنا الاجتماعي، فقد كان الحي أو القرية يشعر بالأسى واللوعة لوفاة أحد أفراده، بل لوفاة قريب أحد سكان الحي قبل ان تدخل الكثير من الممارسات الطارئة على مآتمنا، والتي تدل جميعها على تغييرات تصيب في النهاية منظومة تماسكنا الاجتماعي، ولعل أبرز هذه الممارسات ما صار يقدم للمعزّين مما لم تكن مآتمنا تعرفه باستثناء القهوة والوليمة لأهل المتوفى، التي صارت في أيامنا هذه من مظاهر الإسراف والنفاق الاجتماعي. تماماً مثلما هي إعلانات النعي التي صارت تمثل هدراً سفيهاً للمال في كثير من الأحيان.
لذلك فاننا ندعو إلى:
- التوقف عن ممارسة كل مظاهر الرياء الاجتماعي المصاحبة لمآتمنا، وأولها المبالغة في نشر اعلانات النعي، مؤكدين على ضرورة قصر اعلان النعي على اهل المتوفى، مع توحيد حجم اعلان النعي، على ان يفتح المجال لتبرع الراغبين من ذوي المتوفى واصدقائه للتبرع عن روحه لجهة خيرية، او مشروع خيري يتم الاعلان عنه من اهل المتوفى وفي ذلك صدقة جارية عن روحه وفائدة محققة للجميع.
- التوقف عن عادة العناق والتقبيل، والاكتفاء بالمصافحة لما في ذلك من حفاظ على الصحة العامة ومنعٍ لانتقال الامراض.
- الامتناع عن كل ما من شأنه الاساءة لحرمة الميت ومشاعر اهله، بالتوقف عن الحديث بصوت عال او تبادل النكات او الحديث بأمور الدنيا، والاكتفاء بالدعاء للميت بالرحمة ولأهله بالصبر.
- تحديد مواعيد لتقبل العزاء احترامًا لاهل الميت، وتنظيما لوقت الناس، بحيث يكون العزاء ما بين صلاتي العصر والعشاء.
- الاكتفاء بتقديم القهوة السادة والامتناع عن تقديم ما سواها.
- اقتصار الولائم على اليوم الاول للوفاة ولاهل المتوفى فقط.
حماية ذوقنا العام
لقد كان شهر رمضان على سبيل المثال يجسد أحد أهم مظاهر الذوق العام عندما كان الناس جميعهم على اختلاف أديانهم، ومدارسهم الفكرية، يحرصون على احترام شعائر رمضان، فلا يقدم واحد منهم على انتهاك حرمة الشهر باي تصرف من التصرفات، ليس خوفاً من القانون فحسب، ولكن احترامًا لمشاعر الناس وعقائدهم وعباداتهم، حتى ان كثيرًا من اهلنا من المسيحيين كانوا يصومون رمضان ويشاركون اهلهم المسلمين فرحة الافطار فيولمون لهم، تماما مثلما كان المسلمون يحتفلون مع اهلهم المسيحيين باعيادهم انطلاقا من وحدة الثقافة ووحدة المجتمع وترابطه، وكان هذا جزءًا من الذوق العام الذي يعبر عن التكافل الاجتماعي والتماسك الوطني عبر احترام مشاعر الآخرين ومعتقداتهم.
ومن مظاهر الذوق العام التي تعبر عن تكافلنا الاجتماعي وتماسكنا الوطني والتي اصابها الكثير من مظاهر الوهن والتراجع (حق الجوار).. فإلى أي حد مازلنا نراعي هذا الحق، فنساعد جيراننا؟ بل كم هي نسبة الجيران الذين يعرفون بعضهم البعض، حتى على صعيد البناية الواحدة، بعد أن كان الجيران أهلاً وإخوة، وكل هذا يعني غياب خُلق التواصل والتراحم والتعاون الذي كان يتصف به مجتمعنا، كمكوّن رئيس لذوقنا العام، وبالتالي لتكافلنا الاجتماعي وتماسكنا الوطني.
وفي إطار الحديث عن التواصل والتراحم نتساءل: من هم الذين يراعون مشاعر جيرانهم عندما يسرفون في الطعام والشراب وكل ألوان البذخ، بينما جيرانهم قد لا يجدون قوت يومهم؟ وقد كان أهلنا يحرصون ان لا تنبعث روائح طعامهم فتؤذي جاراً؛ بل كم هم الذين يراعون أنَّ في منزل جيرانهم مريضًا يئن، أو طالبًا يريد التركيز في دراسته استعداداً لامتحانه في اليوم التالي، بينما صخب الجيران يمنع الطالب من التركيز، ويحرم المريض من الراحة، ألا يتناقض ذلك مع ما كان يتمتع به أسلافنا من ذوق يتجسد حرصاً على راحة جيرانهم، ومراعاة لمشاعرهم في الأفراح والأتراح؟.
وفي هذا المجال فاننا ندعو أهلنا إلى:
- ان يشكل في كل حي من الأحياء مجلسٌ يضم مجموعة من نشطاء الحي، يكون من بين مهامه توثيق عرى التعارف والتعاون بين سكان الحي، من خلال تنظيم النشاطات الاجتماعية، خاصة في المناسبات كالاعياد وغيرها، بالاضافة إلى تنظيم شؤون الحي البيئية والخدمية، والحفاظ على المظهر والسلوك والاداب العامة، وكل ما من شأنه تمتين أواصر العلاقات الاجتماعية، والارتقاء بمستوى الحياة في الحي.
- مطالبة الدولة والحكام الاداريين على وجه الخصوص التشدد في اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع كل مظاهر الصخب والازعاج من خلال:
أ. حجز كل سيارة ودراجة نارية وسائقها تنبعث منها اصوات صاخبة ومزعجة.
ب. منع خروج الاصوات المرتفعة من الصالات العامة والمقاهي والملاهي والسيارات.
ج. ان تلعب مجالس الأحياء المقترحة دورا حاسما في منع الصخب، من خلال التعاون مع الجهات الادارية، ومن خلال الرقابة الاهلية ومن خلال نشر الوعي بين أبناء الحي الواحد.
في المباني وأثاثها
العمارة من أهم تعبيرات الذوق العام لأي شعب من الشعوب. بل إن العمارة من العلامات المميزة للمدن والأوطان والحضارات حيث تميزت كل حضارة بعمارتها.
وكما تميزت الحضارات بعمارتها, فقد حملت العمارة الخصائص النفسية والثقافية للأمم والشعوب. وكثيرة هي المدن التي تمتاز بفنها المعماري الذي يعكس هوية ابنائها الاجتماعية. فأين نحن من ذلك كله؟.ما الذي يجري لبيوت عمان القديمة؟. وأين ذهبت بيوت وأحياء إربد القديمة؟. وماذا تفعل هذه الغابات الحجرية والاسمنتية، التي تحاصر السلط والكرك وغيرها من سائر مدننا؟.
وأية شخصية تعطى لبلدنا وناسه هذه الأبراج الزجاجية التي تدق في جسد عمان، فتفقده حيويته وسكينته، بعد ان أفقدته تناسقه؟ ثم أية شخصية ترسم هذه المباني التي تقام في مدننا، التي يأخذ كل منها شكلاً وطرازاً لا يربطه بجاره قاسمٌ مشتركٌ ينسحب ذلك على مباني السكن والمباني التجارية، ولا نريد ان نتحدث عن تداخلهما بحيث لم يعد بإمكانِ المرء منا التمييز بين المنطقة الصناعية والتجارية والصناعية، بعد ان اختلط الحابل بالنابل في أحياء مدننا.
وإذا كان المظهر الخارجي لمبانينا لا يجسد شخصيتنا الوطنية، ولا يعبر عنها ان لم يكن العكس هو الصحيح. فهل يدل داخلها على غير ذلك؟ من يستطيع الحكم على أي مكتب من مكاتبنا، الرسمية منها أو الأهلية، من خلال أثاثه، على انه مكتب في الأردن، أو ان شيئاً فيه صناعة أردنية، أو ان اللوحات التي تزين جدرانه تعبر عن الأردن, تاريخه، حضارته, طبيعته, إنسانه؟
اننا في هذا المجال ندعو:
- امانة عمان والبلديات إلى إعادة النظر في المخططات التنظيمية لمدننا، وتنظيم الأحياء والاستعمالات مع مراعاة الطابع المعماري العربي الاسلامي، خاصة في المباني والمرافق العامة، وكذلك العمل على تنظيم الأحياء وتوحيد طراز المباني فيها، بحيث يكون لكل حي شخصيته في اطار من الذوق العام المعبر عن شخصيتنا وهويتنا الحضارية، كما هو المعمول به في كل المدن المتقدمة والمتطورة.
- المهندسين الأردنيين إلى التأكيد على الطراز المعماري العربي مع ادخال لمسات ابداعية تماشي العصر وتحافظ على اصالة طابعنا المعماري.
- الدولة إلى توحيد أثاث مكاتب وزاراتها ومؤسساتها ودوائرها واعطائها طابعا حضاريا عربيا.
- كل المواطنين إلى عدم الاسراف في المباني والاثاث والعودة إلى الطراز العربي الاسلامي.
في شوارعنا وأسواقنا
الحديث عن المباني وأثاثها وعلاقتها بالذوق العام، يقودنا إلى الحديث عن مظهر هام من مظاهر الذوق العام أيضًا، نعني به الشوارع والأسواق، التي طالما عبرت عن الذوق العام لمجتمعها وعن الشخصية الاجتماعية للشعب والأمة وتميزهما؛ مثل سوق الحميدية في دمشق، والسوق المسقوف في اسطنبول، وأسواق الأزهر والحسين في القاهرة، فأين أسواقنا القديمة؟ وماذا حل بها؟ وقبل ذلك هل تؤشر شوارعنا على شخصية وطنية محددة؟ ومن يستطيع الجزم بأن السائر في شارع الشهيد وصفي التل، أو شوارع منطقة الرابية، أو شوارع عبدون والصويفية، يشعر بأنه يسير في شارع يعبر عن شخصيتنا، خاصة بعد ان صارت أسماء جل المتاجر والمقاهي والمطاعم تحمل أسماء غير عربية؛ وتكتب بحروف غير عربية فهل هذا الوضع يسهم في بناء وإبراز شخصية وطنية؟ فما بالك في بنائها؟ وما بالك أيضاً وأن بعض شوارعنا تحمل أسماء غير عربية، وغير ذات بال أو دلالات حضارية؟.
ولنتذكر جميعاً بأن المأكولات من منتجات حضارة الشعوب ومميزاتها، ومن هنا لنا أن نسأل: ما هي نسبة المطاعم التي تقدم الطعام الأردني في بلدنا بعد أن تكاثرت المطاعم التي تفاخر بأنها تقدم سائر أطعمة الشعوب، إلا أطعمة الشعب الأردني؟ حتى يكاد السائح الزائر للأردن يشعر بأنه لا يجد جديداً مختلفا عن ما يجده في بلده، مما يفقده الكثير من فوائد السفر، ومنها التعرف على عادات الشعوب واطعمتها. فماذا نقدم له نحن من بلدنا ولماذا لا نكثر من المطاعم التي تحمل طابعنا، والأطعمة التي تعبر عنا، ومثلها المشروبات في مقاهينا كما يفعل غيرنا؟ لماذا لا تقدم مقاهينا على كثرتها شيئاً يعبر عن شخصية بلدنا وأهله، ليحس الزائر بأنه يكتشف شيئاً جديداً، ويتعرف على نكهة مختلفة للحياة؟.
ثم أين هي الأسواق والمتاجر، التي تتخصص في عرض المشغولات الأردنية سواء كانت أزياء شعبية أم مقتنيات زينة وأدوات تراث شعبي كسائر الشعوب؟.
خلاصة القول: إن كل شيء له حضور في أسواقنا، إلا شخصيتنا الاجتماعية، وما يعبر عن هذه الشخصية.
وفي هذا المجال، فاننا ندعو:
- وزارة السياحة و أمانة عمان والبلديات إلى الحفاظ على ما تبقّى من الاسواق التقليدية، وإعادة تأهيلها، بالاضافة إلى بناء اسواق تقليدية جديدة، بحيث يكون في كل مدينة اردنية سوقٌ تقليديٌ راقٍ وفق الطراز العربي الاسلامي.
- وزارة السياحة إلى تشجيع اقامة المطاعم التقليدية مع الزام المطاعم كافة بتقديم المأكولات الأردنية.
- وزارة البلديات ووزارة الصناعة والتجارة وامانة عمان إلى الالتزام باحكام الدستور والقوانين والانظمة، بالزام الشركات والمحلات والمطاعم والفنادق كافة، باستخدام اللغة العربية في اسماء لوحاتها ومطبوعاتها وقوائم موجوداتها.
- المواطنين إلى تشجيع الصناعات الوطنية التقليدية واقتنائها واستخدامها.
في الأزيـاء
إن لكل شعب من الشعوب زِيَه الذي يميزه عن ما عداه. ولذلك يحرص أبناء الشعوب على التمسك بزيهم الوطني، خاصة في المناسبات والأعياد الوطنية منها والدينية، وفي المناسبات الاجتماعية. فأين نحن من زِيَنا الوطني الأردني؟ وقبل ذلك، هل تعكس الأزياء التي نرتديها في حياتنا اليومية، سواء في مكاتبنا، أو أسواقنا، أو شوارعنا، شخصية وطنية محددة؟ والجواب بالتأكيد هو: (النفي القاطع)، بل أكثر من ذلك. فإن ما نشاهده في حياتنا اليوم من أزياء وملابس، لا يعبر عن أية شخصية, بل لعل الأزياء التي نرتديها مثل العمارات التي نسكنها، ومثل الشوارع التي نمشي فيها، كلها تعبر عن حالة الضياع الحضاري الذي نعيشه، والتشرذم الثقافي الذي يسود حياتنا، ويشرذم معه سلوكياتنا.
لذلك فاننا ندعو إلى:
- احترام الزي الوطني الأردني خاصة في المناسبات الوطنية والاجتماعية والاحتفالات الرسمية تجسيدا لهويتنا الحضارية وابرازا لذوقنا العام.
- حماية ازيائنا الوطنية من التزوير تحت مسمى التطوير والتحديث بحجة الدمج بين الأصالة والمعاصرة.. فبهذه الذريعة يتم مسح الكثير من ازيائنا الشعبية التي صارت بحاجة إلى حماية من العبث بها.
الاهتمام بتنشئة أطفالنا
ان بناء التماسك الاجتماعي والتضمان الوطني يبدأ مع الطفل منذ لحظة ولادته، من خلال طبيعة وطريقة الحنان التي تحيطه به أسرته، وعلى وجه الخصوص أمه، وأول ذلك «المناغاة» للطفل، التي يمتاز بها شعب عن شعب، وأمة عن أمة. لذلك فان العرب الأوائل أوْلوْا أهمية خاصة «لمناغاة» أطفالهم، التي كانوا يسمونها «التزفين» وقد كان لكل قبيلة «تزفينها» الذي يتضمن جملة القيم والمفاهيم التي ترغب في تنشئة أبنائها عليها. فأين أسرتنا الأردنية من مناغاة أطفالها؟ وما هي مضامين هذه المناغاة؟ وكم تسهم في بناء شخصيتنا الاجتماعية وتماسكنا الاجتماعي؟ سؤال نطرحه برسم الإجابة على كل أسرة أردنية، لتبحث عن إجابة لهذا السؤال وتعرف: أي طفل تُعدُّ لمستقبله ومستقبل وطنها؟
أيضاً هناك حكايات ما قبل النوم، التي كانت ترويها الأمهات والجدات لأطفالهن، وفيها الكثير من التنشئة القيمية والتنبيه إلى محاسن السلوك وحميد الأخلاق. أين هي اليوم من أطفالنا، وماذا نروي لهم، أو نقرأ لهم قبل النوم؟
كما يبرز دور المربية للطفل وبيئتها. ومن المعروف أن الآباء والأمهات في كل المجتمعات، يبحثون لأطفالهم عن البيئة التربوية الصالحة لتنشئتهم فيها، فمن الذي يتولى تنشئة اطفالنا؟ وفي أي بيئة تربوية ينشأ هؤلاء الاطفال؟ وكيف نسهم في بناء مفاهيم التماسك الاجتماعي؟
ولا بد من الانتباه أيضاً إلى البيئة المادية التي ينشأ فيها الطفل الأردني، وكم تخدم هذه البيئة تماسكنا الاجتماعي؟ هل يستخدم أطفالنا في ألعابهم شيئًا مما صنعته أيديهم، كما كان يفعل آباؤهم الذين كانوا يصنعون «طاباتهم» و»عرباتهم»، والكثير من ألعابهم؟ وهل ينام أطفالنا في غرف، لها أية دلالات وطنية، خاصة من خلال اللوحات التي تزين جدرانها؟ وقبل ذلك هل يستمعون إلى أي لون من ألوان موسيقانا وأهازيجنا الوطنية وحكاياتنا الشعبية؟
ولهذا ندعو إلى:
- التوقف عن استقدام العاملات الاجنبيات الا في حالات محددة كإعالة المريض والمسن ممن لا معيل له من اقاربه. او في حالة المرأة العاملة التي يضطرها عملها إلى التغيب الطويل عن بيتها.
- الامتناع نهائيا عن اختلاط اطفالنا بالخادمات الاجنبيات او تكليف هؤلاء الخادمات برعاية اطفالنا تحت اي ظرف من الظروف.
- السعي لإقامة دور حضانة تتوفر فيها كل الشروط التربوية والصحية وتقوم عليها مربيات اردنيات معدات لهذه الغاية تخفيفًا عن المرأة الأردنية العاملة.
- إعادة إحياء مفهوم المناغاة والانتباه إلى مضامينها من الامهات.
- الاهتمام بالبيئة التي ينشأ بها اطفالنا، خاصة في منازلنا، من حيث اللوحات التي نزين بها جدران منازلنا، او الكتب والقصص التي نشتريها لاطفالنا، أو نقصها عليهم. وأهمية الانتباه إلى ما تحتويه الالعاب الالكترونية واجهزة الهاتف النقال من العاب بمضامين غير مناسبة لبيئتنا وقيمنا واخلاقنا.
- تشجيع اطفالنا على ممارسة الالعاب التقليدية وصناعتها بأيديهم كما كان يصنع الآباء والأجداد العابهم في بيئتهم.
- الانتباه إلى نوع ومضامين الاغاني والموسيقى التي نسمعها في بيوتنا وتأثيرها على اطفالنا.
- ندعو كتّابنا ومبدعينا من فنانين في مجالات الدراما والقصة، ومجالات الابداع كافة إلى انتاج مواد مناسبة لاطفالنا، والسعي لاستثمار تراثنا في هذا المجال