وقفت الجلسة التي عقدها مركز "الرأي" للدراسات حول "روسيا والمنطقة: قراءة في الواقع وخيارات المستقبل" على أبعاد موقف روسيا في تعاطيها مع قضايا المنطقة، والتفاعلات الدولية التي تشير إلى ظهور ملامح نظام المتعدد القطبية.
وعرضت الجلسة التي شارك فيها رئيس جامعة سيفاستوبل الحكومية القرم روسيا أ.د.فلاديمير نشايف ومدير معهد العلوم الإنسانية والعلاقات الدولية في الجامعة نفسها د.ايفان شيخيرف وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وجامعة سيفاستوبل د. عمار قناة ورقة عمل تناولت المستقبل الروسي في المنطقة.
ورأى نشايف أن المرحلة القادمة ستواجه متغيرات عالمية مالية واقتصادية وسياسية، متوقعاً أن لا يكون العالم المتعدد الجديد أفضل من العالم الذي عاصرناه، لافتاً إلى ضرورة البحث عن الحلول الواقعية.
وأكدت الجلسة التي حضرها جمهور من السياسيين والحزبيين والمهتمين بالشأن الروسي، على ضرورة ايجاد حلولاً للصراعات والأزمات وبخاصة الأزمة السورية.
وخلصت الجلسة إلى ضرورة قيام روسيا بتوسعة مظلة حلفائها تمهيداً لتفعيل دورها في إيجاد حلول عادلة للمسألة السورية بشكل خاص ومشكلات المنطقة بشكل عام.
أدارها: د.خالد الشقران
حررتها وأعدتها للنشر: بثينة جدعون
وتالياً أيرز ما جاء في الجلسة:
لعبة الأكبر فالأصغر «ماتريوشكا»
قال رئيس جامعة سيفاستوبل الحكومية القرم روسيا أ.د.فلاديمير نشايف إننا كما تعلمون من مدينة سيفاستوبل والتي تعدّ إحدى مدن روسيا التي تقع في شبه جزيرة القرم وتطل على البحر الأسود، مضيفاً أن لهذه المدينة أهمية استراتيجية في تاريخ روسيا منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن، إذ تعدّ مدينة سيفاستوبل بوابة روسيا على منطقة حوض البحر الأسود وما بعدها البحر الأبيض المتوسط، كما أنها تعدّ حالياً مقراً لأسطول البحر الأسود الروسي.
وأضاف أن حديثنا اليوم عن السياسات الخارجية الروسية، وبرأيه أن هذا الموضوع يعدّ في وقتنا الحاضر مسألة مهمة للجميع، مضيفاً أنه لفهم الدور الروسي في المنطقة الإقليمية علينا الانطلاق من السياسات الخارجية لها.
وذكر نشايف أن ما يحدث بالشرق الاوسط يشبه اللعبة الروسية «ماتريوشكا» وهي دمية كبيرة بداخلها دمىً أصغر ومن هنا فإن أدوار اللاعبين في الشرق الأوسط هي لعبة الأكبر فالأصغر، فهناك عمليات وتفاعلات إقليمية ودينية، مشيراً إلى أننا نشاهد بالخارطة الإقليمية أن هناك لاعبين نذكر منهم تركيا وإيران والسعودية، مضيفاً أن هناك عمليات سياسية دولية أكبر منهم تطفوا على المنطقة، وبالتالي يجب فهم ما يجري على الأرض في المنطقة الإقليمية وهذه العلاقات والتفاعلات السياسية ومن ثم الانتقال للمرحلة الأعلى وهي المرحلة الدولية.
وقال إنه بالبداية يود الحديث عن الجانب التاريخي لروسيا، ومن ثم الانتقال للعلاقات الخارجية وما نراه اليوم من هذه التفاعلات، مشيراً إلى أن روسيا تعدّ الدولة الوحيدة التي ظهرت على الخارطة السياسية الأوروبية في نفس الفترة التي بدأت فيها دولة الخلافة العثمانية بالقرن الثامن والتاسع عشر، وفي تلك الفترة لم يكن ظهور روسيا بمفهوم الدولة، ولكنها كانت عبارة عن دويلات صغيرة تجمعها أرض جغرافية من دول البلطيق إلى القرم في معادلات إثنية عشائرية وقبائل.
وأضاف أنه وفي تلك الفترة كان أهم اللاعبين بالشرق الأوسط هما كل من دولة الخلافة العثمانية والدولة البيزنطية، وكان يسمى البحر الأسود انذاك بالبحر الروسي، لذلك كانت مهمة روسيا في تلك الفترة تحديد علاقتها من هؤلاء اللاعبين المهمين بالمنطقة.
ومنذ بداية تكوين الدولة الروسية كان (كنياز) الشريف فلاديمير يبحث عن منظومة دينية يمكن أن توحد القبائل وتوحد العالم الروسي، والتاريخ موثق بأن هناك عروضاً مختلفةً من قبل دولة الخلافة الإسلامية ومن أوروبا الغربية لاعتناق هذه المنظومات الدينية، مبيناً أنه عرض هذه المسألة فقط لإيصال فكرة أن روسيا من بداية تكوينها كانت على حد أكثر من حضارة وأكثر من دولة.
وتابع نشايف أنه بعد هذه المرحلة التاريخية اعترى روسيا الكثير من الصعود والهبوط، فقد صادفتها فترات انهيار وكذلك فترات نمو مستمر كأي دولة أخرى، لافتاً إلى أنه بين القرن الثالث عشر والخامس عشر فقدت روسيا السيادة تحت تأثير الحملات المنغولية في تلك الفترة حيث استطاع المماليك القضاء عليهم في منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً أنه منذ بداية القرن الخامس عشر بدأت روسيا سيادة جديدة مع مركز جديد انطلق من موسكو، مضيفاً أنه ومنذ تلك الفترة ولغاية اليوم لم تفقد روسيا نفوذها.
وأكد أنه منذ تلك الفترة التي أصبحت روسيا بعدها مستقلة وبسطت نفوذها وهي ما زالت تحاول الحفاظ على هذه المنظومة، مضيفاً أنه من هنا يمكن الانطلاق في المحافظة على هذه المنظومة التقليدية لفهم الاستراتيجية الخارجية لروسيا.
وقال نشايف إنه عندما كانت روسيا في مرحلة صدام مع أكثر من طرف معتدي غربي من أجل استقلاليتها، كان المجتمع الروسي دائماً بكل فئاته مع النخب السياسية في حالة التئام وتوحُد عند التعرض لأي خطر خارجي لرد هذا العدوان عن روسيا.
وأشار مستشهداً بمثل تاريخي بسيط ففي نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر عندما انتهت العائلة الحاكمة ريويكوفيش وكانت هذه الفترة غامضة بالتاريخ الروسي، كانت هناك تطلعات كثيرة من أكثر من قوة ونخبة سياسية تطالب بالحكم في روسيا، وفي هذه الفترة كانت التدخلات الغربية وبخاصة البولندية إضافة إلى تدخل الكنيسة الكاثوليكية بإعلانها الحرب الصليبية على روسيا، مشيراً إلى أنه ظهرت هناك حالات فردية من التجار الذين استطاعوا من أموالهم الخاصة إمداد وإعداد الجيش بالمعدات.
وتابع نشايف أنه وبالتالي من خلال هذا التكاتف بين المجتمع والجيش استطاعت روسيا القضاء على العدوان البولندي في تلك الفترة، مؤكداً أن هذا اليوم وهو (24/ 11) يعدّ لغاية الآن يوم الاتحاد الروسي، ولكن ليس كاتحاد دولة وإنما اتحاد مجتمع، مشيراً إلى أنه عرض هذه المسألة ليؤكد أن مسألة الوحدة المجتمعية بالنسبة لروسيا تعدّ من أهم القيم الإنسانية.
وأكد أن جميع ما سبق ذكره يعدّ مقدمات لاستعراض السياسة الخارجية الحالية التي تمارسها روسيا اليوم، مضيفاً أنه من المعلوم أن روسيا تعدّ أكبر دولة من حيث الجغرافيا بالعالم، مؤكداً أنه لذلك فهي ليست لديها أي مطامع جغرافية لتمتلك أي مناطق أخرى.
وقال نشايف أن جغرافية روسيا تربطها أو تحددها دول كثيرة ومتنوعة، ولذلك كل عمليات السياسية التي تجري بالعالم بحكم الوضع الجغرافي مرتبطة بروسيا سواءً في أوروبا أو بالشرق الأدنى أو الشرق الأوسط، وبرأيه أن هذا الوضع أو التمدد الجغرافي جعل من روسيا أن تكون واحدة من أهم اللاعبين في أكثر من منطقة بالعالم، لافتاً إلى أنه من أجل الحفاظ على الأمن القومي فإن روسيا مضطرة للتعامل مع أكثر من عملية سياسية حولها بالعالم.
وشدّد على أن هذه العمليات ليست كالتدخلات الاستعمارية، ولكن الهدف الاساسي منها هي استقرار المنظومة الروسية، لأن استقرار العالم يعدّ جزءً من استقرار المنظومة الروسية.
وأضاف نشايف إذا استعرضنا التاريخ الروسي أو الأوروبي ولفترة 300 عام تقريباً سنرى أنه كان هناك صعوداً وهبوطاً لدول أوروبية كأقطاب جيوسياسية، لافتاً إلى أننا لا ننسى أن روسيا كانت ضمن هذه المعادلات وحافظت على وضعية معينة خلال 300 عام، وقد مرت بحالات من الصعود والضعف خلال هذه الفترة.
وذكر أن الجميع يعلم أنه بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت منظومة ثنائية القطبية وكان الاتحاد السوفياتي إحداها، مشيراً إلى أن الاتفاق المكتوب وغير المكتوب في ذلك الوقت أرغم هذان الطرفان الدوليان بأن لا تكون بينهما صراعات عسكرية أو سياسية، وبالتالي يمكن القول إن هذه المنظومة ثنائية القطبية تحمل إيجابيات وسلبيات.
ورأى أن من سلبياتها أن العالم كان مهدداً بين يوم وآخر بقيام الحرب النووية، في حين أن من إيجابياتها في ذلك الوقت أن العالم كله كان بحالة اتزان سياسي، مضيفاً أن هذه الحالة التوازنية أعطت الدول الأخرى مجالاً للتقدم أو للتعبير عن نفسها ولكن ضمن المنظومة ثنائية القطبية.
ولفت نشايف إلى أنه من المعلوم أن الأنظمة الشمولية تدمر نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى منظومة العلاقات الدولية، فعندما تكون هناك دولة عظمى ولا تدري أين تنتهي هذه العظمة أو القوة أحياناً يجب أن تعي أنها يجب أن تتعامل مع الأحداث السياسية بعقلانية، وبرأيه أن الدول التي تفقد هذه المحددات فإنها تبدأ بالتخبط السياسي أو استباحة الدول الأخرى والعالم، مضيفاً أنه لذلك فإن الخطر بالعالم كافة يكون بحالة متزايدة، فالتاريخ العالمي وتاريخ الشرق الأوسط بخاصة يمكن أن يكون اثباتاً على هذا الكلام.
وأشار إلى أنه في عام 1991 أنهى الاتحاد السوفياتي (سابقاً) حالة الحرب الباردة، وكان لهذا أسباب متعلقة بالفكر الماركسي والمنظومة الاقتصادية الاشتراكية للاتحاد السوفياتي بتلك الفترة، فالنموذج الاقتصادي الذي كتب بتلك الفترة لم يتحقق، مضيفاً أننا لا ننسى أنه بتلك الفترة أنشأ الاتحاد السوفياتي أكثر من منظومة سواءً تعليمية أو أدبية أو طبية أضافت له وللعالم أيضا.
واستطرد نشايف أنه في تلك الفترة وما قبلها بقليل أي فترة إدارات الرئيس ريغان وبوش الأب للولايات المتحدة كانت هناك إتفاقيات تؤكد أننا على عتبة بداية مرحلة جديدة وإنهاء حالة الحرب الباردة، وقد تنازل الاتحاد السوفياتي بتلك الفترة عن المعاهدة العسكرية مع حلف وارسو، وأنهى وجود هذه الأداة العسكرية التي كانت مقابل حلف الناتو.
ورأى نشايف أن تلك الفترة كانت فرصة لكل الأطراف لبناء منظومة علاقات جديدة مبنية على الاحترام واحترام المصالح الأخرى، لافتاً إلى أنه في تلك الفترة بدأ الاتحاد السوفياتي بالخروج من المنظومة الاقتصادية الشيوعية والماركسية جزئياً كما بدأ بتعزيز الديمقراطية، مضيفاً أنه ليس كل النوايا الحسنة تؤدي للنتيجة المطلوبة، إذ إن إجراءات غورباتشوف بتلك الفترة والإصلاحات التي قام بها كانت السبب الرئيسي بانهيار هذه المنظومة بالكامل.
وأضاف أن عملية دمقرطة الاتحاد السوفياتي بتلك الفترة تقريباً كانت على وشك أن توقع روسيا في حرب أهلية، فقد ظهرت بتلك الفترة صراعات إثنية وسياسية في أكثر من منطقة في الاتحاد السوفياتي ولكنها لا تعدّ مراكزاً هامةً، إذ لم تصل هذه الصراعات لمستوى الصراعات العسكرية التي حدثت في يوغسلافيا وبالتالي فإن روسيا لم تتقدم أو تتمدد بالعنف في المرحلة التي تلتها.
وأكد نشايف أنه بالرغم من ذلك فإن نتاجات هذه الصراعات كانت كارثية على الاتحاد السوفياتي وبخاصة على المنظومة الاقتصادية التي كانت بحالة انهيار ووصل العجز فيها إلى ما نسبته 30%، وانعكس هذا على المجتمع الذي بدأ يعاني من حالة من التقسيم، كما قلّ عدد السكان، إضافةً إلى أن الآلية العسكرية أو الجيش الروسي قد تدمّر تقريباً في ذلك الوقت.
وتابع أنه في تلك الفترة كان واضحاً ضعف الدور الروسي ليس فقط بالعالم وإنما أيضاً بالشرق الأوسط، وبالتالي بدأت المعادلة الجديدة التي ظهرت بعد الحالة الثنائية في بروز الولايات المتحدة كقطب أوحد مسيطر من دون وجود أي قوى أخرى رادعة مقابلة لها.
وعزا نشايف الضعف الروسي في ذلك الوقت إلى الحروب الكثيرة التي واجهها العالم في تلك الفترة والتي منها: الحرب اليوغسلافية، وحرب الخليج، والصراعات في ليبيا وسوريا وأفغانستان، فالولايات المتحدة بدأت في تفعيل أو تشكيل عالم القطب الواحد، وبرأيه هنا كانت الغلطة الأميركية كون معادلة القطب الواحد منذ البداية كانت معادلة مخطوءة.
ورأى أن حروب أفغانستان والأحداث في ليبيا، أثبتا عدم قدرة القطب الواحد أو بمعنى آخر قدرة الولايات المتحدة لتنفيذ ما تطمح إليه، مضيفاً أنه وعلى التوازي رأينا أن هناك لاعبين آخرين بدأوا بالظهور على المسرح الدولي وأولهم الصين والهند التي تعدّ في حالة نمو مستمر.
وأشار نشايف إلى أنه بعد هذه المعادلات الصعبة بدأت تولد روسيا جديدة، إذ إننا الآن نشاهد تشكل عالم متعدد الأقطاب، وهو سيكون مختلفاً اختلافاً كبيراً عن العالم المتعدد الأقطاب ببداية القرن العشرين، كما سيختلف عن عالم أحادي القطبية الذي كانت تولته الإدارة الأميركية، فهو سيكون عاملاً متشكلاً من أطراف قوية جداً هم الذين سيبنون العالم الجديد المنتظر أو يعيدون هيكلته، مؤكداً أن هذا يحدث الآن.
وأضاف نشايف أننا نتمنى تشكيل هذا العالم ضمن توافقية تتم بين جميع الأطراف، مؤكداً أن هذا الأمر يتوافق مع التوجه الروسي، ولذلك روسيا دائماً ولغاية اليوم تدعو لهذا التشكيل من خلال المنظومة الدولية والتي تمثلها هيئة الأمم كونها الوحيدة التي تمتلك الشرعية لهذا الأمر، ومؤكداً على أن روسيا تدعو دائماً للحفاظ على استقلالية الدول وعدم التدخل بأمورها الداخلية.
وشدّد على أن روسيا تعلم أن هذا العالم ليس مثالياً، ولكن يجب على الأطراف العمل، لافتاً إلى أن العالم المتعدد القطبية يعدّ من أفضل الحالات السياسية الدولية لأنه لا توجد هناك صراعات كبيرة ويمكن السيطرة على أي خلاف سياسي أو جيوسياسي يمكن أن يحدث بأي منطقة.
وأضاف نشايف أنه بالمقابل فإن لهذا العالم مخاطر متعلقة بالدول الأكبر أو الأقوى من حيث مناطق النفوذ، مشيراً إلى آخر تصريحات الرئيس ترامب بوضعه روسيا والصين ضمن المنظومة المعادية للولايات المتحدة وبأنها تهدد الأمن القومي لها، ذاكراً أن ما يقلقنا الآن هو كوننا وضعنا في هذه المكانة، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستبدأ بالتعامل معنا كعدو بهدف الحفاظ على سيادتها بالعالم.
وقال إن هذا وللأسف يعود للأساس الاقتصادي، فالكل يعلم أن الدين الخارجي الأميركي تفوق نسبته نسبة الدخل الأميركي، مضيفاً أن أساس الاقتصاد الأميركي اليوم نراه يعتمد على المنظومة المالية وتحكمها بالمنظومات المالية بالعالم، مؤكداً أن السيطرة على هذه المنظومة مرتبط بالسيطرة على العمليات السياسية المواكبة لها، وبالتالي من يريد أن يصبح القطب الأوحد هو الذي يبسط سيطرته على هذه المنظومات ومن ثم يبدأ بفرض ما يريد من منظومات أخرى.
ورأى نشايف أن هذه المسألة يمكن أن تؤدي لكارثة على الاقتصاد الأميركي عبر السيطرة على هذه المنظومة المالية، وبرأيه أن هناك مخاطرة تكمن في عدم استطاعة روسيا تحدي هذه المرحلة أو الكارثة القادمة، مضيفاً أنه يمكن أن يكون هذا الأمر مفيداً للشرق الأوسط كونه كان لفترة طويلة يعدّ من مناطق نفوذ الولايات المتحدة وبخاصة من جهة كونه غنياً بمصادر الطاقة، كما سيظهر بالمنطقة قوى جديدة ومنها روسيا والصين، إذ إن دخول مثل هذه الأطراف يمكن أن يكون أمراً فعالاً وإيجابياً من جهة ومحفوفاً بالمخاطر لهذه المنطقة من جهة أخرى.
كما رأى أنه يمكن للنخبة السياسية والثقافية في الوقت الحاضر أن توسع أفق التعاون والفهم للمرحلة القادمة وتساعد الكل بالخروج من المأزق، مؤكداً أنه فخور اليوم كونه يتحدث من هذا المنبر بمثل هذه المواضيع، فهذه المسألة مهمة ليست فقط لروسيا ولكن لجامعتهم، مشيراً إلى أننا عبر قواعد التفاهم فقط يمكننا الوصول إلى مرحلة الحوار للحفاظ على استقرار المنطقة وما نراه من عملية عدم استقرار واضح وما يجري من أحداث.
- نقاش وردود
الأزمة السورية والأهداف الروسية
وفي مداخلة له تساءل المفكر والكاتب رئيس الديوان الملكي الأسبق د.عدنان أبو عودة عما إذا كان أوباما يتجه نحو التعددية القطبية أثناء فترة حكمه، وحول إذا ما كان ترامب جاداً بعملية توجهه من جديد نحو أحادية القطبية التي نشأت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي؟
وقال أبو عودة إننا إذا انتقلنا للأزمة السورية لوجدنا أن عدد اللاعبين كُثر، ولا يقتصر على روسيا وأميركا وإيران وتركيا بل تعداها إلى المنظمات الأخرى، طارحاً سؤاله: هل تعتقد أن إيران التي لعبت مع روسيا دور الحفاظ على سوريا لها أغراض أخرى قد تختلف عن الأغراض الروسية؟، ومتسائلاً أيضاً فيما إذا كان عدم تماثل الأهداف الإيرانية والروسية وكذلك التركية سيضعف الوضع السوري أم أن روسيا تستطيع أن تحل هذا الإشكال.
العدو الصهيوني
برأيه قال المحامي سميح خريس إن العلة ليست بنوعية النظام كونه نظاماً رأسمالياً أو اشتراكياً أو شيوعياً، وإنما العلة تكمن في وحدة أي منطقة، فلو فُككت الولايات المتحدة الآن وقسّمت إلى 30 دولة مستقلة منفصلة عن بعضها البعض فإنها لن تكون بالقوة التي عليها الآن، وهذا ما حدث للاتحاد السوفياتي عندما كان شريكاً أساسياً بصنع سياسة العلاقات الدولية والتنسيق الدولي، فهو عندما أنهار تراجع هذا الدور لديه.
وأضاف أن هذا الدور بدأ يعود الآن حديثاً ضمن هذه التطورات الحادثة في العالم، مشيراً إلى أن المحاضر نشايف لم يتطرق أثناء حديثه عن العدو الصهيوني، والدور الإسرائيلي ككيان مغتصب لفلسطين، مؤكداً على تمسكنا بعروبة فلسطين عربية وضرورة تحريرها.
وأشار إلى الدور الروسي الكبير، متسائلاً عن سبب وجود تراخ ٍروسي اتجاه الدور التركي، وغض طرف عنه بالأزمة السورية.
الاستراتيجية الروسية
وبدوره تساءل الخبير الاقتصادي والإداري د.مهدي العلمي عن الدور الذي يمكن أن تأخذه روسيا في حال تعرض سوريا ولبنان إلى عدوان إسرائيلي واسع، وعن ماهية الاستراتيجية الروسية للحفاظ على الدول القائمة في المنطقة وحمايتها من التفتيت.
سياسة البحث عن أصدقاء
ومن جهته قال القيادي الإسلامي مدير مركز دراسات الأمة سالم الفلاحات إننا نعلم أنه ليس هناك صدقات أو هدايا في العلاقات الدولية، واستطرد أن العرب هم المتضررون الرئيسيون من نظام أحادي القطبية في العالم, وحتى لو أن نظام تعدد القطبيات نهج نفس النهج فسيكون ضررنا أكبر.
وأكد أن العدو الاستراتيجي لنا في حال أردتم أن تأخذوا مفتاحية العلاقة مع العرب هي إسرائيل، مطالباً روسيا بأخذ موقف من إسرائيل التي لا تكتفي باجتياح فلسطين فقط، بل أنظارها تتجه نحو غيرها من الدول العربية إن لم يكن جغرافياً فاقتصادياً وسياسياً.
ورأى الفلاحات أن نظرية الإلغاء بالنسبة للعرب أصبحت غير ممكنة، ولابد من التفاهم والتعاون، فقد تصارعنا مع جهات كثيرة، مضيفاً أنه يفترض علينا أن نتوصل لهذه الحقيقة، وبين «بأن السياسة الأميركية تقوم على صناعة الأعداء من أجل أن تستولي على الثروة «، آملاً من روسيا أن تنتهج سياسة البحث عن أصدقاء لنعيش نحن وهي بأمان.
محدودية الدور الروسي
وفي مداخلة له قال أستاذ فض النزاعات الدولية في الجامعة الأردنية د.حسن المومني إن هنالك حالةً انطباعيةً ومبالغ بها بالدور الروسي بهذا الأمر، فالدور مرتبط بالقدرات وهناك مجموعة متغيرات بهذا الاتجاه، مشيراً إلى أنه إلى الآن ما زال دور روسيا محدوداً، وقد مرت 7 سنوات على الأزمة السورية ولم تستطع روسيا إنهاء الأمر في سوريا.
ورأى أنه من المبكر لأوانه مسألة الحديث بأن العالم يتشكل على تعدد، لافتاً إلى أننا الآن بصدد عالم متعدد القطبية بهذا الجانب وهذا الاتجاه، مضيفاً أننا نعلم أن هناك 3 مستويات في موضوع القوى حالياً، ممثلة بالقوى العسكرية فهنالك نظام قطبي واحد تمثله الولايات المتحدة، والنظام الاقتصادي من حيث وجود تعددية اقتصادية، أما المستوى الثالث فيتمثل بالقوى الإقليمية.
ودعا المومني إلى وجوب أن يكون هناك وعياً بحقيقة الدور الروسي، وفيما إذا كانت روسيا قادرة أن تلعب بندية مع أميركا، مشيراً إلى أن الحديث مع أميركا بمجمله ينصب على الخطر الاستراتيجي الصيني وليس الروسي، فالتهديد الروسي يعدّ تهديداً تكتيكياً وليس استراتيجياً، فالتدخلات الروسية في معظمها هي في سياق عسكري، وبرأي المومني أننا يجب أن نضع الدور الروسي ضمن الإطار الواقعي له، مشيراً إلى أنه من المبكر الحديث عن نظام متعدد مؤكداً على أهمية عدم تضخيم الدور الروسي من سياق الذاكرة المتعلق بالدور السوفياتي سابقاً.
القطب الدولي
قال الناشط السياسي ضرغام هلسة إنه ما زال العالم يتأرجح ما بين ثنائية القطبية والقطبية الواحدة لأن الولايات المتحدة رسخت حضورها في كثير من المثقفين والمفكرين في العالم حتى في روسيا من خلال مؤسسات المجتمع المدني وتجريف الثقافة القومية والوطنية للشعوب وتزييف الوعي وكذلك عبر استخدام المال الأسود وهو بالغالب مالاً عربياً.
وأضاف إن علينا وعلى الروسيين أن نفهم تعددية القطبية، مشيراً إلى أنه يجب أن نقرأ جيداً خطاب الرئيس بوتين بالجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثالثة والسبعين عندما تحدث عن التعددية القطبية وعن القانون الدولي وعن سيادة الدول وحماية مصالح علاقات الدول مع بعضها البعض.
ورأى هلسة أنه تطلّب من بوتين آنذاك أن يجيب أوباما ويقول: إن روسيا ليست دولة قطبية عالمياً بل هي دولة محورية إقليمية، مضيفاً أنه بعد ذلك جاءت النتائج لتؤكد أن صمود سوريا ودعم روسيا لصمود سوريا أعطى لسوريا دور القطب الدولي الذي ما زال يصارع حتى الآن ضمن مفهوم علاقات المصالح وليس الاستضافات السياسية والايديولوجية لكي تبني علاقات دولية جديدة، وبرأيه أننا نسير في الدرب وأن روسيا ستحقق هذا الانتصار لمصلحة شعوب العالم.
تاريخ روسيا ومواقفها
قال الكاتب د.صالح أبو شنة إن المحاضر لم يكن موضوعياً في سرد التاريخ، نحن نعرف تاريخ روسيا منذ أن تنازلت عن آلاسكا لأميركا، وعقم الاشتراكية فيها وكيف أن ستالين نفى 2 مليون شخص لسيبيريا وبطش بالمواطنين، وهجّر الشراكسة لبلادنا، مضيفاً أننا نعرف أيضاً كيف قسمت روسيا بولندا مع النازيين، وكيف قضت على ثورة المجر، وقتلوا الأسرة المالكة.
وأضاف موجهاً كلامه للمحاضر: أنت أعطيت محاضرتك بالأوراق البيضاء لروسيا ولم تذكر أي شيء عن علاقة الشعب الروسي بالشعوب الخاضعة له أو الأقليات الموجودة عندكم وكيف تم الفتك بها، وأنه حتى عند تطبيق الاشتراكية كان المزارع يقتل الأبقار التي له ويحرق الأرض عند المصادرة. مشيراً إلى أن نشايف علّق صورة بيضاء على حائط أبيض، وبالتالي فإننا كمستمعين لم نرى شيئاً، ونريد أن نرى الحقيقة على أصولها.
القرم
أشار الدبلوماسي عيسى دبّاح إلى أنه كان له قبل 3 سنوات شرف ترؤس وفداً شعبياً أردنياً في زيارة إلى القرم بعد الاستفتاء الديمقراطي الذي جرى بهذا البلد والذي قرر 97 % من سكانه العودة لحضن الوطن الأم روسيا، مضيفاً أن الوفد قام بزيارة جامعة سيفاستوبل الحكومية حيث تعرف على النجاحات الهائلة في هذه الجامعة وفضلها على ما يزيد عن 100 طالب أردني درسوا الطب فيها وأغلبهم على صلة مع الجامعة ويعملون كأطباء متخصصين في غرب أوروبا.
ورحب دبّاح بالمحاضر والوفد الجامعي الذي معه كونه ثاني وفد من القرم يزور الأردن، مبدياً تعاطفه مع القرم بسبب الحصار الشديد من قبل الدول الأوروبية والناتو والولايات المتحدة له، كونه قرر ديمقراطياً أن يعود لحضن الوطن الأم.
روسيا وإسرائيل وإيران
بدوره تساءل الكاتب أستاذ الإعلام والمتخصص في الشأن السياسي الروسي د.حسام العتوم قائلاً: من خلال متابعاتي فإن روسيا لها علاقة تنسيق مع إيران، لكنها في الوقت نفسه ليست راضية عنها، متسائلاً عما إذا كان الحراك الإسرائيلي العدواني منذ الدخول الروسي للمنطقة هو بتنسيق مع روسيا بالكامل لمواجهة إيران ولمواجهة حزب الله ولمساعدة إسرائيل؟
وفي موضوع القرم، قال إننا نعرف أن القرم عاد ديمقراطياً إلى روسيا الأم من دون استخدام السلاح، ولكن الأوكرانيون ما زالوا يطالبون بعودته، فهل يستطيعون ذلك؟
توطيد العلاقة مع العرب
وبدوره ذكر التربوي د.محمد المسعود أنه تاريخياً كانت هناك علاقة وثيقة وتعاون كامل بين بعض الأنظمة العربية والاتحاد السوفياتي قبل انهياره وحتى بعد ذلك، متسائلاً عن الاستراتيجية التي يمكن أن تتبعها روسيا لكي تعمل على إعادة توطيد هذه العلاقة من جديد لكي تشابه العلاقة الأميركية-الإسرائيلية.
رغبات الشعوب العربية
ومن جهته تساءل رئيس مركز الرأي للدراسات د.خالد الشقران عما إذا كانت روسيا تدرك أن الأمة العربية لا تقتصر على سوريا فقط، وأن منطقة الشرق الأوسط فيها أمم أخرى غير إيران.
كما تساءل فيما إذا كانت مراكز صناعة القرار في روسيا تدرك أن ثمة صورة انطباعية سيئة تترسخ لدى الشعوب العربية نحو السلوك الروسي الأخير في منطقة الشرق الأوسط بدءً من التخلي عن العراق ومروراً بموضوعات اليمن وليبيا.
ورأى الشقران أن الموقف الروسي في سوريا مختلف لأنه ثمة هناك مصالح له بالمياه الدافئة السورية وبرأيه أن هذا الموقف المتخذ ليس دفاعاً عن سوريا، مطالباً مراكز صناعة السياسة بروسيا إذا أرادت بناء مستقبل جيد مع الأمة العربية بضرورة احترام رغبات شعوب المنطقة العربية.
الردود
نشايف
وفي رده على المداخلات أكد نشايف أنه دكتور بالعلوم السياسية وليس خبيراً بقضايا الشرق الأوسط، مضيفاً أن هناك رؤى يمكن أن يطرحها وهو ملم بها.
وحول جدية أوباما بالتعددية وترامب بالأحادية، رأى نشايف أنه لم تكن هناك جدية في التعاطي بالسياسة الخارجية فيما يتعلق بهؤلاء المنظومتين، مذكّراً بقول أوباما: إن الأمة الأميركية هي أمة غريبة من نوعها، وهي تختلف عن الكل بأنها أعلى درجة من كل الأمم، كما رأى أن هناك اختلافاً بالوسائل والأدوات ما بين كل من سياسة ترامب وأوباما للحفاظ على أحادية القطبية، فسياسة أوباما كانت واضحة من خلال استخدام أدوات الثورات الملونة على سبيل المثال ثورات «الربيع العربي»، التي كانت محاولة لحالة إظهار الفوضى المنظمة، والحفاظ على هذه الأحادية.
وأضاف أن سياسة أوباما الأميركية بتلك الفترة كانت مبنية على الحفاظ على مصدرين اساسين اقتصادييين، أولهما حلف الأطلسي الذي يضم أوروبا والولايات المتحدة، والثاني هو منطقة المحيط الهادىء، مشيراً إلى أن المطلوب منه أن يأخذ تقريباً أكثر المناطق الآسيوية من الصين
ورأى نشايف أنه يمكن القول إن استرايتجية ترامب لم تتوضح لغاية اليوم، وأن ترامب يبني على استخدام آليات التقليدية، مشيراً إلى أنه من المعلوم أن أميركا تعمل على تطوير الأسلحة النووية بالرغم من أنها قللت من استخدامها، كما أنه يمكن لها البدء بالتلويح باستخدامها كأدة سياسية، مؤكداً بالمقابل أن ترامب وأوباما كان هدفهما الحفاظ على الأمة الأميركية وعلى الدور الأحادي الأميركي.
وقال إن الكل يعلم أن المصالح في منظومة العلاقات الدولية هي الأساس، وروسيا ليست استثنائية، وبالبداية المصالح القومية وهذه لا يوجد عليها خلاف، مضيفاً أن المسألة هو كيف تستطيع روسيا والدول الأخرى الدفاع عن مصالحها والحفاظ عليها عبر اختيار الأداة المناسبة لذلك.
وحول مسألة العالم المتعدد القطبية، أكد نشايف أنه لم يتكلم عن انتهاء أي من العوالم التعددية أو الأحادية، لكنه تحدث بشكل عام وبمستقبلية.
وأضاف أنه من الواضح جداً إتجاه هذا العالم، لافتاً إلى أنه بالواقع الحالي فإن الولايات المتحدة لا تمثل الاقتصاد الأول في العالم، فاليوم الصين تعد الدولة الوحيدة الذي تمتلك قوى يمكن أن تفوق الاقتصاد الأميركي، وروسيا ليست لاعباً اقتصادياً بهذه المعادلة.
وتابع أننا نرى القوة العسكرية الروسية على استطاعتها، وصراع القوة العسكرية أكثر من متعادلة بالوقت الحالي، مذكّراً من جديد بوجوب عدم نسيان الهند وكونها لاعباً مهماً ربما ليس الآن ولكن مستقبلاً، مؤكداً على واقعية هذه المسألة.
وبرأي نشايف أن المرحلة القادمة ستواجه متغيرات مالية واقتصادية وسياسية، مضيفاً أنه من الممكن أن لا يكون العالم المتعدد الجديد أفضل من العوالم التي شاهدناها، ولكن يجب علينا التحضير، لافتاً إلى أنه لذلك علينا اليوم خلال هذه العمليات أن نبحث عن الحلول الواقعية.
وقال إنه عند الحديث عن التاريخ الروسي فهنالك الكثير من حالات الغموض والخطأ في القراءات التاريخية وفهم التاريخ، ولكن الجيد أننا دائماً بحالة بحث لتصويب الأمور التي حدثت فعلاً، مؤكداً أنه في أثناء حقبة ستالين كانت هناك عمليات عدائية واغتصاب لحقوق الإثنيات ولكن بعد موت ستالين رأينا أن خروتشوف والسياسات التي جاءت بعده كانت تعمل على إعادة وضع الإثنيات وتصويب هذه الحالات داخل الاتحاد السوفياتي.
وأشار نشايف إلى أنه بالرغم من توقيع روسيا اتفاقية مع ألمانيا في العام 1939، إلا أن كان الهدف من التوقيع هو تأجيل الحرب لا أكثر ولا أقل، مضيفاً أن هذا يعدّ عملية سياسية وليس تقسيم العالم الجديد مع هتلر.
وبخصوص المسألة البولندية ذكر نشايف أن روسيا بعد الحرب العالمية الثانية أعادت لبولندا حقوقها التي كانت منتهكة آنذاك، مضيفاً أنه وبصرف النظر أن هناك أموراً كثيرة حدثت في ما يتعلق بالإثنيات، ولكن الحقيقة الوحيدة أن كل الإثنيات التي كانت على الأراضي الروسية في ظل الاتحاد السوفياتي هي ما زالت موجودة للآن وفي حالة تطور ولم تنقرض لُغاتها وتقاليدها، وبرأيه أن هذه تعدّ وجهة النظر الروسية للتفاهم أو للتعامل مع العالم الجديد، مؤكداً أن الكل لديه الحق في العيش بصرف النظر عن الإثنية أو الديانة فالكل متساوون، وهذا أمر يستحق الاحترام.
قناة
وحول موضوع روسيا والدور الإيراني في سوريا رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سيفاستوبل الحكومية د.عمّار قناة أن الدور الإيراني لا يقتصر في سوريا فقط، وإنما يمتد بالشرق الأوسط عامةً، مضيفاً أن الجميع يعلم أن هناك مصالح استراتيجية وسياسية وجيوسياسية للأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، كما أن هناك مصالحاً استراتيجيةً للأقطاب الإقليمية ومنها إيران.
وبحسب رأيه قال إن المصالح الاستراتيجية والسياسية لإيران في سوريا بالذات تعارضت مع المصالح الروسية، مشيراً إلى أننا نرى أن السياسة الإيرانية متجهة في أكثر من اتجاه، مما يعطينا مؤشراً أن إيران عندها مشروع قد يكون غير واضح، ولكن بحسب المعطيات الموجودة لديهم فإنه من الممكن أن يكون مشروعاً دينياً شيعياً.
وأكد قناة على عدم واقعية هذا الكلام كون إيران على مدى التاريخ كانت ومنذ بدء قيامها دولة مشاريع، وبرأيه أن روسيا وإيران قادرتان على التفاهم، لافتاً إلى ارتباط المصالح بينهما حتى وإن تعارضت بما يخص الحصص في سوريا أو حتى بالشرق الأوسط، مؤكداً أن الأهداف والمصالح تلتقي بينهما باستقرار سوريا وبداية عمليات الحل السياسي.
وأضاف أن هذا ما يلبي احتياجات كل من روسيا وإيران، لأننا نعلم أن الدول الإقليمية في الشرق الأوسط وليست فقط سوريا هي جميعها دول مأزومة، وقد تعودت هذه الدول أن تنفذ مخططات استراتيجية أو رؤى استراتيجيات أميركية-أوروبية، في حين أن ما نراه اليوم يمكن القول إنه جزء من التخبط أو عدم الرؤى، إذ لا يوجد خارطة طريق أو مشروع سواء للطرف الأوروبي أو الأميركي، فتأزم المنظومة الدولية بالكامل ينعكس على المنظومة الإقليمية.
ورأى قناة أن تضارب المصالح ما بين تركيا وإيران والسعودية يعدّ تضارب مشاريع جيوسياسية إقليمية، مشيراً إلى أن هذه المشاريع لا يمكن أن تنفذ بدون الموافقة الدولية الأميركية والروسية.
وأضاف أن خروج الطرف الأميركي من المعادلة الشرق أوسطية يعدّ كلاماً غير واقعياً، فهو خروج جزئي، والولايات المتحدة لم تخرج نهائياً، وبالتالي هذه التفاعلات وما نراه من جذب في العلاقات الروسية-الأميركية والعلاقات الأميركية -الكورية هي تفاعلات للمعادلة الدولية، مؤكداً أنه لا يوجد أحد اليوم على استعداد لتصعيد حالة الصراع العسكري.
وبيّن قناة أن ما نراه بالشرق الأوسط وما سنراه في البحر الصيني في المرحلة القادمة وفي أفريقيا أمور متوقعة، وستكون نتاج هذه التفاعلات وما ستؤول إليه، مشيراً إلى أنه يمكن اعتبار إسرائيل وقبل 20 عاماً لاعباً إقليمياً بالمعادلة الشرق أوسطية، مضيفاً أن إسرائيل بعد مباحثات أوسلو وبداية عملية «السلام» بدأت تفقد هذا الدور وذلك عندما بدأت التخلي عما اتفق عليه، فالمظلة الأميركية كانت بالبداية لإسرائيل، وبرأيه أن إسرائيل ونتنياهو بأزمة أكثر من بشار الأسد اليوم، ووضعه أسوأ كنظام سياسي.
وأضاف أنه لا يوجد أي تشكيل لأي مظلات دولية لغاية الآن، ولا توجد خارطة أو مشروع واضح، وبرأي قناة أن ما يساعد إسرائيل بوضعها الحالي هو عدم وجود مشروع عربي، الأمر الذي يعدّ عاملاً أساسياً لاستمرار هذا الصراع العربي الإسرائيلي.
وحول سؤال: هل ترى روسيا الشرق الأوسط أنه ليس فقط إيران، أجاب قناة أن روسيا اليوم في مرحلة بداية تشكيل منظومتها واستراتيجيتها بالعلاقة الخارجية ومرحلة البناء، فالسياسة ليست عملية نظيفة، وبالتالي إننا نبحث من خلال السياسات الخارجية عن الخيارات الأفضل، مضيفاً أنه علينا أن نعلم أي عالم نريد أن نرى، فمن الواضح جداً أن روسيا لا تطمح لقيادة العالم، فروسيا كبيرة ومتعددة الإثنيات وهي معنية أكثر من غيرها وعندها القدرة والخبرة لتشكيل المادة الحوارية بهذا العالم الجديد من خلال المنظومة الدولية الجديدة.
وأضاف أنه من أجل إيجاد حلول للصراعات فإن روسيا تبحث عن حلفاء في كل منطقة، وبخاصة لإيجاد حل للمسألة السورية حتى لو كان مع الطرف الإيراني، مؤكداً في الوقت نفسه أن روسيا لا تسعى لجعل إيران القطب الأول في الشرق الأوسط، فهي على علم بالمشروع الإيراني، وما يمكن أن يحدث بالشرق الأوسط إذا استطاعت إيران أن تكون الدولة الأولى أو الأقوى بالشرق الأوسط.
وتابع قناة أن أوكرانيا ليست لاعباً عسكرياً كما أنها لا تستطيع المقاومة، مؤكداً أن إعادة القرم لروسيا لم تكن رغبة سياسية بل كانت قراراً شعبياً وهو شاهد عيان على ذلك، مشيراً إلى أنه كان ممن شاركوا في هذا الحدث كونه يعيش في القرم منذ 26 عاماً.
وقال قناة إننا لم نستعرض اليوم مسألة مهمة، أن ما تحقق على الأراضي الروسية من (اجتماع سوتشي) هو دعم سوري، لافتاً إلى أنه بتاريخ سوريا كلها لم تجتمع المعارضة أو الحكومة بمثل هذا الحجم والتمثيل، فعند روسيا خبرة طويلة في حل الصراعات الإقليمية، فالكل كان يقول بالبداية إنها لن تجدي نفعاً ولكننا رأينا أن روسيا استطاعت حقن الدماء السورية في المنطقة من خلال مناطق تخفيض التصعيد، مضيفاً أن الأردن جزء من هذه الإتفاقيات كطرف مراقب في منطقة الجنوب السوري.
ورأى قناة أن (اجتماع سوتشي) ليس حلاً ولكنه بداية لحوار سوريٍ-سوري مفتوح، مضيفاً أننا لم نعتد على هذه الحالة منذ أكثر من 7 سنوات، فمن كان باستطاعته الكلام في الأزمة السورية هو الطرف الأميركي والأطراف الإقليمية، أما الطرف السوري فكان معدماً.
وتابع أن الحل في سوريا سيكون على أساس شعبي وليس فقط تنظيمات سياسية، فالكل يعلم أن المعارضات ليست ممثلاً شرعياً مثلما يقولون أن الرئيس ممثل غير شرعي، وبالتالي واحدة بواحدة، مؤكداً في الوقت نفسه على وجوب الاستمرار بالحديث والتواصل بين جميع الأطراف السورية، وأن المسألة الأهم في المرحلة القادمة ليست فقط الحوار السوري-السوري، ولكن نزع السلاح من الداخل السوري وإعادة إيجاد علاقة أو صيغة جديدة لإعادة اللاجئين إلى سوريا.
شيخيرف
وفي ما يتعلق بالأحادية قال مدير معهد العلوم الإنسانية والعلاقات الدولية في جامعة سفاستوبل الحكومية د.إيفان شيخيرف إن الولايات المتحدة ترى أحادية القطبية وتتعامل معها كنموذج قيادة للعالم، فالعمليات السياسية والعلاقات الدولية توضح لنا أن هذا النموذج غير فعال، بالنسبة لهم يتعاملون معه بطريقة أخرى.
وأضاف أنه على أرض الواقع لا نرى أن هذه الدولة القيادية لديها شرعية، إذ لا توجد إمكانيات كافية اقتصادياً، والقدرة على احتواء الصراعات الإقليمية، لافتاً إلى أن النموذج التي تطرحه روسيا اليوم يختلف عن نموذج القرن التاسع عشر، ولا يعتمد تشكيله على أساس القوى العسكرية، وأنما على أساس القوى والقوى الناعمة وما يتعلق بها من أدوات كاستخدام الأداة الثقافية.
وتابع شيخيرف أن ضمن هذه المعطيات والرؤى ومفهوم روسيا والولايات المتحدة لهذه النماذج نجد هذه الحالة الصراعية التي نراها اليوم بين هذه الأقطاب كنماذج، وبرأيه أن الصراع العربي-الاسرائيلي، والفلسطيني-الإسرائيلي لا نراه صراعاً، بل حرباً تأخذ طابع الحرب غير المعلنة باستخدام الإعلام وأدوات غير تقليدية، مؤكداً أنه صراع مستمر.
وقال إن وجود روسيا في المنطقة لا يهدف إلى السيطرة عليها، وإنما من إحدى مهام هذا الوجود الحد من استخدام أدوات الضغط ممثلة بالقوى العسكرية والإعلام الموجه في هذه الصراعات في المنطقة.
وبخصوص سوريا قال شيخيرف إنها معركة دبلوماسية حول السلاح الكيماوي في سوريا، وكذلك الأمر على الأراضي الجورجية فقد كانت هناك قوات من هيئة الأمم لحفظ الأمن، مشيراً إلى أن القوة الناعمة جزء كبير منها يتعلق بالدبلوماسية، وبالتالي الدبلوماسية مورست بالكامل.
وحول إذا ما كان هناك أدوات من القوة الناعمة للولايات المتحدة داخل روسيا، نفى شيخيرف هذا الطرح، لافتاً إلى أنه يمكن القول أن النفوذ الأميركي قليل جداً في هذه المناطق بالرغم من أن هناك محاولات أميركية مثل التدخل بالانتخابات وغيرها
بالنسبة للسؤال حول التنسيق الروسي مع إسرائيل أو مع الإيرانيين في عمليات القصف، قال إننا عندما نتعامل مع الحالة العسكرية والقرار السياسي وما يمكن أن ينتج عنهما معاً، فالدبلوماسية أداة سياسية كما هو استخدام الآلة العسكرية، وما حصل في الأزمة السورية هو حالة جديدة فقد رأينا أنه يمكن أن يُفرض واقع سياسي معيّن من خلال أرض عسكرية، إذ من الممكن أن نحقق نتائج مرحلية من خلال احتلال أو قصف قطاعات الخصم.
وأضاف شيخيرف أنه للأسف بالحالة السورية يوجد على الأرض السورية هناك أكثر من خصمان والكل ضد الكل، مؤكداً أن هناك مجال كبير من التنسيق ليس دبلوماسياً فقط، وإنما على مستوى مراكز كبيرة وواحد منها موجود بالأردن، وبرأيه أن تسمح روسيا لإسرائيل بالقصف أو تسمح لأي طرف فهذه المسألة مستثناة، مشيراً إلى أن تنسيق العمليات العسكرية يتم بين روسيا والولايات المتحدة.
ولفت إلى أن الوضع الإسرائيلي مأزوم، وهناك أزمة وتخوف من الحالة القادمة، وما هو الشرق الأوسط الجديد بالنسبة لإسرائيل هي أيضاً حالة مبهمة، ولذلك هناك محاولات سياسية وعسكرية ليس لفرض واقع سياسي جديد ولكن للحفاظ على ما هو عليه الآن، مضيفاً أنه لذلك فإنه يمكن اعتبار العمليات العسكرية أنها عمليات ليست عسكرية، بل هي تحمل معاني ورسائل سياسية، فعندما نرى أن هناك ضغطاً سياسياً بمنطقة من المناطق نلجأ لاستخدام الآلة العسكرية ولو لـ10 دقائق أو لغارة أو غارتين.
وذكر شيخيرف أنه في بداية حكم ترامب عندما قصف المطار في الشقيرات، كان القصف يحمل رسالة معينة، فهذه الأمور هي فقط عمليات عسكرية، وبرأيه فإن الوضع العسكري يعكس حالة معينة يشير إلى تقدم في المسألة السياسية أو في الحل السياسي.