أدارها: د.خالد الشقران
مثّلت الجلسة الحوارية التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «الأردن وتركيا وقضايا المنطقة»، فرصة لعدد من الباحثين والإعلاميين والكتاب الصحفيين لتبادل وجهات النظر، في عدد من المحاور ذات الاهتمام المشترك، ومن أبرزها: القضية الفلسطينية،
والمسألة السورية، وتحديات أخرى من بينها مشكلات المياه واللاجئين والتطرف والصراع الطائفي.
حرّرها وأعدّها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون
تالياً أبرز ما تناولته الجلسة التي أدارها مدير مركز «الرأي» للدراسات د.خالد الشقران، وشارك فيها: الخبير التربوي مصطفى أوزجان، والمفكر محمد أنس أركنه، ورئيس تحرير مجلة
(Turkish Review) كريم بالجي، ومدير وكالة الأناضول للأنباء في عمّان أحمد فهيم، والكاتب الصحفي محمد خروب، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي» الكاتب سميح المعايطة.
المنظومة العقائدية
قال الخبير التربوي مصطفى أوزجان إن هناك مدارس فكرية جديدة قامت في العالم مقابل تلك القديمة التي «أفلست وتراجعت»، لأنها لم تكن تناسب الفطرة البشرية، ولم تلبِّ الحاجات الإنسانية، فضلاً عن عدم قابليتها للتطبيق، مستشهداً بما حصل في العام 1989
عندما انهار النظام الشيوعي في كل من الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، إضافة إلى تفرق البلقان إلى دويلات.
وأضاف أوزجان: في المقابل لدينا ثقافة مشتركة تنبع من الكتاب والسّنة، ومنظومة عقائدية تأخذ في الحسبان جميع الحاجات الإنسانية، لافتاً إلى أن هذه المنظومة قابلة للتطبيق، وقد لا نجد لها بديلاً.
وأكد أوزجان أن المنظومة العقائدية للإسلام تسمح للإنسان أن يلبي كل رغباته وغرائزه النفسية والجسدية بالحلال، لأنها مبنية على الإيمان بالله الرحيم وبالقدر، وأن الإنسان إذا كان يؤمن بالله وبالمقومات العقائدية فإنه سيتخطى أي مشكلة تواجهه في حياته.
المشروع الشمولي
قال المفكر محمد أنس أركنه إن الأردن يشكّل ثقلاً سياسياً رغم كونه بلداً صغيراً، وهو يتبوأ مكانة مرموقة في السياسة الدولية على الصعيدين الإقليمي والدولي، موضحاً أن السبب يعود للموقع الاستراتيجي للأردن في المنطقة، ولنجاحه في إدارة الدبلوماسية.
وبيّن أركنه أنه لاحظ خلال إقامته في الأردن في العام 1997 أن الوفود التي كانت تزور الأردن من أنحاء العالم بلغ عددها إلى خمسة وفود اسبوعياً، مما يدلّل على أهمية دور الأردن ومواقفه، متأسفاً أن تركيا لم تكن تعي هذه الأهمية للأردن وللعالم العربي. وأوضح
أن العلاقات الأردنية التركية قبل استلام حزب التنمية والعدالة للحكم في تركيا لم تكن «بالمستوى المطلوب»، فقد كان موقف تركيا اتجاه العالم الخارجي والعربي «موقفاً صارماً».
وشدّد أركنه على أهمية العلاقات بين الدول، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العلاقات الرسمية بين الدول تسير ببطء، أما الشعوب والمجتمعات فالمجال مفتوح أمامها لتكوين علاقات وثيقة وبسرعة أكبر، وهي علاقات لا تقتصر على الناحية السياسية، بل تتعداها إلى
الثقافة والتجارة ونواحٍ أخرى.
وفي الشأن التركي، أوضح أركنه أنه ليس هناك فرق بين رؤية الحركة الكونية العالمية ورؤية حزب العدالة والتنمية، وأن حركة «الخدمة» قدمت نقداً للخطابات الجماهيرية، ودعمت السياسات والخطابات الواقعية، سواء في الداخل أو الخارج، وفي الوقت نفسه
«ثمة تخوّف منها».
ورأى أركنه أن ردود أفعال الإسلاميين في المنطقة «ضعيفة جداً» و»ليست واضحة»، وعندما يُنظَر إلى خطابهم في الظاهر فإنه يبدو جماهيرياً تعبوياً، ولكنه يكون في واقع الأمر خطاباً رسمياً.
وقال أركنه إن الإسلاميين ليس لديهم مشروع عالمي أو شمولي أو متكامل، وأنه ليس لديهم حتى رؤية في العمران، فالعمران بالنسبة لهم «دنيوي بحت»، لذلك يبنون المدن بفلسفة المقاول لا بفلسفة المهندس.
دور محوري
رأى الكاتب الصحفي كريم بالجي، أن القضية الفلسطينية من القضايا الجوهرية التي تجمع بين تركيا والعالم العربي، وأضاف أنهم يتابعون بإعجاب السياسة التي تنتهجها الدولة الأردنية في علاقاتها مع «إسرائيل» وفي منطقه الشرق الأوسط بعامة لخدمة القضية
الفلسطينية، بينما هناك من استغل هذه القضية ليعزز مكانته وقيادته وزعامته في بلده، مثل النظام الإيراني.
وقال بالجي إن الأردن هو الدولة الوحيدة التي لعبت دوراً إيجابياً في القضية الفلسطينية، مشيراً إلى ما قام به المغفور له جلالة الملك الحسين حين نجح في أن يجمع «الإسرائيليين» والفلسطينيين ليتناقشوا ويتفقوا في ما بينهم، لافتاً إلى أن تركيا أيضاً لديها هذا
الاستعداد وهذه القابلية للسير في عملية السلام.
وأضاف بالجي أن موقف الأردن في معالجته للقضية الفلسطينية يعد أكثر واقعية من سواه، فقد صان الأردن التراث العثماني في القدس بخاصة في صيانة قبة الصخرة، موضحاً أن الخزف والسيراميك الأزرق من التراث العثماني في حين أن القبة الذهبية تعدُّ تراثاً
أردنياً.
ورأى بالجي أن الأردن سيكون له دور كبير في تأسيس الدولة الفلسطينية مستقبلاً، وأن تركيا ستدعم الأردن في هذا النهج.
وفي موضوع اللاجئين السوريين ومستقبل سوريا، قال بالجي إن سوريا مَدينة بالإمتنان والإعتذار للأردن، إذ إن 10% من سكان الأردن على الأقل هم من اللاجئين السوريين.
وأوضح أن الوعود التي قدمتها تركيا للمعارضة السورية والتي لم تستطع أن تنفذها، تعدّ واحدة من أسباب معاناة الأردن في موضوع اللاجئين، مؤكداً أنه لا يمكن إعادة التاريخ والأحداث للوراء، فهناك مليون ونصف لاجئ سوري في تركيا، وتقريباً العدد نفسه في الأردن.
وقال بالجي أن الأردن بقيادة الملك عبدالله يعدّ أكثر واقعية في هذا الشأن، حين قال إن السوريين سوف يبقون في الأردن عشر سنوات على الأقل، وبالتالي سيكون لديهم مشكلاتهم وعلى رأسها مشكلة التعليم التي ينبغي إيجاد حل لها.
ولفت بالجي إلى أنهم تحدثوا في لقائهم مع رئيس مجلس النواب عن مشكلة تعليم اللاجئين السوريين وعن إمكانية التعاون مع الناشطين المتطوعين في المجال التربوي بتركيا لتقديم المساعدة، آملاً أن يكون سلوك الأردن تجاه هؤلاء السوريين بوصفهم لاجئين نموذجاً
يحتذى.
وأشار بالجي إلى مشكلة التطرف الديني التي نتجت عن اللجوء السوري، لافتاً إلى حدود كلٍّ من تركيا والأردن ليست أمنة، مضيفاً أن «إرهاب القاعدة» أو «الإتجاه الراديكالي» لم يكن يمثل مشكلة بالنسبة إلى تركيا، لكنه أصبح يعدّ خطراً يتربص بكل من البلدين معاً، ولا بد أن تطرح حلول مشتركة لمواجهة هذا الخطر.
ودعا بالجي إلى تعاون جميع الأطراف في سبيل القضاء على «الإرهاب»، بحيث لا يقتصر الأمر على التعاون بين الأجهزة الأمنية الأردنية والتركية، إذ لا بد أن يتسع ليصل إلى المساجد والمدارس ووسائل الإعلام.
وقال بالجي إن هناك أقليتين في العالم الإسلامي: الشيعية والسلفية، مضيفاً أن كل مجموعة من حقها أن تطرح أفكارها، ولا يمكن تجاهلها، ولكن في حال بدأت ممارساتها تؤثر في المصالح الوطنية التركية والأردنية، ينبغي على الحكومات أن تضع حداً لها.
وأضاف أن التطرف الشيعي إلى جانب التطرف السلفي الموجود في سوريا، يهدد الأردن وتركيا معاً، مما يجعل من التعاون لمواجهته أمراً حتمياً، وتابع: «إذا كان المستقبل السوري يهمنا، ينبغي علينا جميعاً أن ندعم السوريين كافة، وألا ننحاز إلى جانب فصيل من الفصائل وندعمه دون سواه».
وتوقف بالجي عند موضوع شح المياه الذي يعاني منه الأردن، موضحاً أن غالبية الشعب التركي لا يعرف شيئاً عن هذه المشكلة.
وفي موضوع الإعلام التركي، قال بالجي إن التصنيف العالمي لحرية الإعلام وضعَ تركيا ضمن الدول التي لا يوجد فيها حرية إعلام، مضيفاً أن هذه المقولة «تنطوي على جانب من الحقيقة»، فقبل سنتين كان هناك 102 صحفياً معتقلاً، أما الآن فيبلغ عددهم 29 فقط، وهو «تراجُع يُفرح الجميع» رغم أن العدد مهما كان قليلاً سيظل يمثّل مشكلة كبيرة. ولفت في السياق نفسه إلى أن للإعلاميين الحق في مطالبة الحكومة بالإفراج عن هؤلاء الصحفيين، وتعريف الإعلام العالمي بحقيقة الوضع ليتصرف إزاء هذه القضية.
وأشار بالجي إلى أن الإعلام التركي يعاني من مشكلة تتعلّق بـ»الشفافية»، وهناك وسائل إعلام عديدة لا يُعرَف من هم أصحابها، إلى جانب أن الصحف السبع في تركيا تخرج بـ»مانشيتات» متقاربة يومياً تدعم خطابات الحكومة، وهو تشابه ليس من باب الصدفة بمعنى أن هناك «مركزاً واحداً يسيّر كل هذه المانشيتات». ،
وفي ما يخص الشأن الداخلي التركي، أوضح بالجي أن تركيا في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة عايشت أربعة أنماط في مسيرة حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002. فقد ركز الحزب في البداية على مفهوم «العدالة»، إذ كان الإعلام والمجتمع «يدعمان هذا النمط لأن الجميع كان يريد أن يتحقق العدل»، وتمكن الحزب في عام 2007 من اختيار رئيس الجمهورية، وقد فرح الجميع بذلك، لأن الرئيس كان «من أبناء الشعب»، واعتقد الحزب مع انتهاء هذه الحملة أنه أحكم زمامه في الدولة.
وبيّن بالجي أن المرحلة الثانية شهدت تراجع مفهوم «العدل» في خطاب الحزب وطغى مفهوم «التنمية»، وهذا يعبّر عن النمط الثاني للحزب، الذي جاء بعد النمط الأول الذي تحدث فيه رئيس الوزراء عن حقوق الأقليات، وتوسيع الديمقراطية، والانفتاح على التنوع عبر الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن النمط الثالث بدأ بالظهور في عام 2009، فقد تم تغيير رئيس أركان الجيش وجيء بآخر أكثر اعتدالاً، كما انتهى خطر الانقلاب العسكري وعاد حزب العدالة والتنمية وأحكم زمامه. وفي هذا النمط غاب العدل وغابت التنمية أيضاً، ومع ذلك ظل الشعب يدعم هذا التوجه مع انتخابات 2011.
وتابع بالجي أن «العدالة والتنمية» فضّل اللجوء إلى سيناريو مفاده أن الكيان الموازي بالتعاون مع المخابرات الأميركية والألمانية والإسرائيلة هم وراء المؤامرة والتحركات في الشارع التركي، وأضاف: «كنا نتوقع أنه انتهاء الأزمة وتراجع حدة الخطاب الذي يقسم المجتمع ويوتّره بانتهاء الانتخابات وحصول أردوغان على أصوات عالية، لكن الأزمة تفاقمت».
وأوضح بالجي أن حزب «العدالة والتنمية» انتهج في النمط الأول سياسات ناجحة، طغت عليها نظرة الأخوّة والمساواة نحو العالم العربي، وعلى إثرها حُلَّت مشكلات تركيا مع العراق وسوريا، وحققت تركيا إصلاحات ديمقراطية من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتابع بالجي أن الحزب نظر إلى نفسه في عام 2007 على أنه «الوصيّ» لحل النزاعات في الشرق الأوسط، لذلك كانت تركيا هي الوسيطة للمفاوضات التي جرت بين سورية وإسرائيل في تلك الفترة، وكذلك الأمر للنقاشات والمفاوضات بين «حماس» وفتح».»
وقال بالجي: في بداية عام 2009 وبدايات ثورات «الربيع العربي»، رأت تركيا نفسها «حكماً» في المنطقة، ففي تلك الفترة ساءت العلاقة مع حركة «فتح»، واتخذت تركيا «نهجاً خاطئَاً جداً» وانحازت إلى طرف «الإخوان المسلمين» في المنطقة.
وعدّ بالجي انحيازَ الحكومة التركية لفصيل ضد آخر، تدخُّلاً في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة، إذ «أصبحت غزة أهم من القدس، وذلك لأن حماس موجودة هناك».
وتابع قائلاً: «بعد انتخابات 2011، اتخذ الحزب دور الحكم في المنطقة، وبدأت تُطرح أفكار (الدولة العثمانية) أو (العثمانيين الجدد)، مضيفاً أن هذه الرؤية تختلف عن الرؤية التقليدية وتضمن دمجاً بالاتجاه الصفوي الإيراني».
الحدث التركي
قال الكاتب الصحفي الزميل محمد خروب إن الحدث التركي وما يجري في تركيا بات جزءاً من المشهد الإقليمي، فأيّ تغيير سلباً أو إيجاباً يدفعنا إلى أن التأمل لملاحقة ما يجري.
ورأى خروب أنه يجب عدم تجاهل الدور الذي يلعبه الغرب الاستعماري في تخريب سوريا وتدميرها، مشيراً إلى أن الصراع في سوريا ليس صراعاً «سلفياً شيعياً» فقط يتحمل هذان الطرفان مسؤوليته، فهناك دول عربية تأتمر بالمخابرات الاستعمارية التي تخرب في سوريا وتقوم بتمويل ذلك.
الانتخابات و«الشارع»
أوضح مدير مكتب وكالة الأناضول للأنباء في عمّان أحمد فهيم أن المعطيات تؤكد عدم وجود توجه تركي حقيقي لدخول الحرب في سوريا، خصوصاً أنه لم يكن هناك رد تركي بعد تعرض تركيا لتهديد فعلي وحقيقي من نيران سوريا.
وقال فهيم بشأن الوضع الداخلي التركي: إنه إذا لم تكن نتائج صناديق الاقتراع هي الضمانة لتماسك موقف الشارع التركي من حكومته، فما المعايير والدلائل والدراسات التي تشير إلى أن الانتخابات كانت مزورة أو تدل على حدوث تراجع من قبل الشارع التركي لدعم الحكومة بعد الانتخابات؟
التفاعلات الاجتماعية
تساءل د.خالد الشقران عن التفاعلات الاجتماعية في تركيا وأثرها في مستقبل العلاقات مع دول المنطقة والدول العربية. كما تساءل عن أثر مخرجات الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا على العلاقات مع المنطقة.
علاقات متينة
قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي» الكاتب سميح المعايطة، إن الذي يميز الموقف الأردني هو «المصداقية»، فالأردن لم يتخذ موقفين في كلٍّ من القضيتين السورية والفلسطينية، مضيفاً أن حكومة أردوغان قامت في المقابل بواسطة بين الحكومتين الإسرائيلية والسورية، وأجريت مباحثات في أسطنبول قيل إنها غير مباشرة بين السوريين والإسرائيلين، ولم تصل إلى نتائج.
وأضاف أن الأردن تعامل مع الملف السوري برؤية واضحة منذ البداية، إذ لم يفتح حدوده للتنظيمات المتشددة حتى تدخل إلى سوريا أو لإدخال الأسلحة إليها، مستشهداً بخطاب نائب رئيس وزير الخارجية السوري فيصل مقداد مؤخراً حيث شكر الجيش الأردني على كونه حمى سوريا من أعدائها وقام بتجسيد الموقف السياسي.
وأكد المعايطة أن الأردن حريص مع الدولة التركية على المكون الذي يحكم، وحريص أيضاً على أن تربطه علاقة قوية مع الدولة التركية. ورأى أن هناك حرصاً شديداً بمستوى رفيع على الأردن، بالرغم من التباينات التي كانت قبل عامين في الملف السوري، وأنها الآن تقل بسبب تراجع الموقف التركي وليس بسبب تغير الموقف الأردني، وكذلك الحال في الموقف من القضية الفلسطينية.
حزيران 2014