"بولندا والأزمة الأوكرانية والشرق الأوسط"

20/07/2014

الجلسة التي تحدث فيها عضو البرلمان الأوروبي ووزير الدفاع البولندي السابق، السيناتور بوغدان كليخ (H.E Mr Bogdan klich)،

 

لا تنحصر خلاصة الجلسة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات حول بولندا والأزمة الأوكرانية والشرق الأوسط في تبيان الإيجابيات المترتبة على تطوير العلاقات بين الأردن والاتحاد الأوروبي، فقد تشعّب الحديث ليشمل أهمية «الاستثمار السياسي» في الأردن، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار في المنطقة في ظل التحولات التي باتت غير واضحة.

حضرها السفير البولندي (Ass.Prof. Krzysztof Bojko) وجمع من السياسيين والكُتًاب والأكاديميين والصحفيين، وأدارها مدير المركز د.خالد الشقران.

ودعا كليخ إلى زيادة حجم المساعدات التي تقدَّم إلى الأردن ليتجاوز العبء الكبير المترتب عليه جرّاء لجوء السوريين إليه.

من جهتهم، رأى المشاركون في الحوار أن سبب المعاناة في منطقة الشرق الأوسط يعود إلى السياسة الغربية التي تغذّي الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا والعراق، داعين الاتحاد الأوروبي لتفهُّم مصالح ومشاعر وتطلعات العرب والمسلمين إذا ما أُريد بناء علاقات متينة معهم.

حرّرها وأعدّها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون

تموز 2014

تاياً أبرز ما جاء في الجلسة:

دعم الاستقرار في الأردن

قال السيناتور كليخ إن الأردن يتمتع بالأمن والاستقرار رغم أن الوضع ملتهب من حوله، مضيفاً أن الأردن ممثلاً بقيادته الهاشمية ومجتمعه يُراهَن عليه بلعب دور في المنطقة، بخاصة بعد الإصلاحات السياسية والدستورية التي جرت، والتي تدلل على حنكة الملك عبدالله الثاني ووعي الشعب الأردني لتجنّب آثار الظروف الإقليمية الراهنة وتداعياتها، ومنها فشل

مؤتمر جنيف في حل الأزمة السورية، وفشل المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، إضافة إلى تردي الأوضاع في العراق.

وأكد كليخ أن الاتحاد الأوروبي يولي أهمية كبيرة لموضوع «الاستثمار السياسي» في كل من الأردن والمغرب، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار في المنطقة في ظل التحولات التي باتت غير واضحة.

وأشار إلى الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن والأعباء الكبيرة التي يتحملها جراء استقباله أفواجاً متزايدة من اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى مليون ونصف المليون لاجئ، موضحاً أن هذه الزيادة تؤثر بصورة مباشرة على اقتصاد الأردن وحجم تقديم الخدمات إلى مواطنيه، ويمتد أثرها إلى العالم بعامة، فالاقتصاد الأردني يعتمد أساساً على مجال

الخدمات والذي يعدّ مصدر تقدم البلد، إضافة إلى أن تطور الاقتصاد الأردني وتقويته يساهم في تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وتعزيزها.

وأكد أن حجم المساعدات التي يتلقاها الأردن «قليل»، داعياً إلى زيادتها لتمكين الأردن من مواصلة قيامه بالدور الكبير الذي اعتاد تقديمه.

ورأى كليخ أن هناك مجالات متعددة لتطوير العلاقات بين الأردن والاتحاد الأوروبي، وهي لا تقتصر فقط على الناحية الاقتصادية وإنما تتعداها إلى الناحيتين الاجتماعية والسياحية، لافتاً إلى أن العامل الأساسي الذي يعزز هذه العلاقة هو «الأمن».

وقال كليخ إن بولندا لديها سفارة في الأردن رغم عدم وجود سفارة أردنية في بلاده، وهذا نابع من حرص بلاده وإيمانها بضرورة تعزيز علاقات التعاون بين البلدين الصديقين، وتطويرها في المجالات كافة وخاصة الاقتصادية. وشدد على ضرورة فتح سفارة أردنية في بولندا لما لذلك من أهمية في تشجيع السياحة أيضاً، إذ إن السائح البولندي الراغب في زيارة

الأردن مضطر إلى مراجعة السفارة الأردنية في برلين للحصول على تأشيرة دخول للأردن.

وتطرّق إلى الوضع الداخلي في أوكرانيا، موضحاً أنه «شأن داخلي»، مؤكداً أن ما يجري من أحداث في أوكرانيا له انعكاساته على دول أوروبا والشرق الأوسط، مشيراً إلى وصول دفعة جديدة من الأسلحة من روسيا إلى شرق أوكرانيا، تشتمل على دبابات وأسلحة فردية، ما يعني أن هناك «تدخلاً روسياً مباشراً» في الأزمة الأوكرانية.

وأكد كليخ أن الأحداث اتي تجري في أوكرانيا لها أثر كبير جداً في المنطقة، مبيناً انها المرة الأولى منذ نحو عقدين التي يتم تغيير الحدود فيها باستخدام القوة على مستوى حلف شمال الأطلسي، وقال كليخ إن سياسة حلف شمال الأطلسي والمناطق المحيطة به اعتمدت مبدأ التعاون المشترك القائم على الحوار وليس العنف، فلا يجوز أن يتم تغيير الحدود باستخدام

القوة، إذ إن الحدود التي ورثتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية هي «حدود ثابتة» بحسب تعبيره.

وأوضح أن مبدأ التعاون المشترك الأوروبي قد تم تسجيله في الوثائق الأوروبية في عام 2010، مضيفاً أن روسيا بعد ثلاث سنوات ونصف السنة قامت بـ»كسر» هذا النظام.

وفي هذا السياق تساءل كليخ عن ماهية النظام الأمني الفعّال الذي يمكن استخدامه في وقت يتم الحديث فيه عن شراكة من أجل السلام في مجموعة العشرين شاملاً الأردن، مبيناً أن الشراكة من أجل السلام تشمل الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، عادّاً هذين العنصرين أساسييّن لهذا البرنامج.

وتابع قائلاً إنه بالإمكان ملاحظة تغيّرات في موقف أوروبا بعد شهر أيلول المقبل، الذي سيشهد لقاء قمة في بريطانيا لقادة ورؤساء حكومات الدول الأعضاء الـ28 في حلف «الناتو»، سيُخصَّص الحيز الأكبر فيها لـ»إفغانستان» حيث ينهي الحلف أطول مهماته القتالية منذ إنشائه أواخر هذا العام.

وبيّن أن علاقة «الناتو» بالدول الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي ستكون «أساسية» بعد التدخل الروسي في الأزمة الأوكرانية، مذكّراً أن «الناتو» أعلن عن سياسة التوسُّع عام 1997 مع توسيع نطاق العضوية في داخله، التي تنازلت روسيا بموجبها عن شرق ووسط أوروبا إلى «الناتو». وهو ما يتطلب تقييم الوضع الراهن

ودراسته جيداً.

وتحدث كليخ عن تأثير ما يحدث في أوروبا الشرقية على الأردن، ذاهباً إلى أن السياسة الروسية تجاه أوروبا، والمستندة إلى «القبضة الحديدية» لها تداعياتها على الشرق الأوسط، مشيراً في هذا السياق إلى استخدام روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن في الأزمة السورية، وهو ما يجعلها تصبح «لاعباً أساسياً في المنطقة».

وقال إن الوضع في العراق يتجه «نحو الأسوأ»، مضيفاً أنه أعرب عن خشيته من أن يؤدي انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، إلى عدم استقرار في المنطقة، وأن يكون فرصة لاندلاع العنف في مناطق مما يؤثر بشكل أو بآخر على الأردن وأوروبا.

ورأى أن أميركا لن تغير موقفها من الشرق الأوسط في الوقت الحالي، مستشهداً بموقفها من البرنامج النووي الإيراني، إذ إن إيران لم تلتزم بالاتفاقيات الدولية التي تدعوها إلى تجميد هذا البرنامج. وأضاف كليخ أن أميركا ستواجه «مشكلات أكبر» في سوريا، لافتاً إلى تخوُّف الغرب من الخطر الناجم عن المنظمات الإرهابية وانتشارها في العالم، ومؤكداً أن

الغرب سيستمر في تقديم الدعم للدول المستقرة مثل الأردن.

علاقات متكافئة

قال الكاتب الصحفي والنائب السابق حمادة فراعنة إنه يتطلع أن يحقق الأردن «علاقات متكافئة ومتطورة مع الدول الثمانية والعشرين». وأضاف أن ما يحصل في أوكرانيا «لا يمكن تقبله»، مشيراً إلى أن أميركا وأوروبا حاولتا سابقاً تغيير ثلاثة أنظمة عن طريق استخدام العمل المسلح المباشر (أفغانستان، والعراق، وليبيا)، ولكنهما فشلتا في إيجاد أنظمة بديلة

لها، محمّلاً إياهما مسؤولية ما يحدث الآن من عنف وقتل في هذه الدول.

من جهة أخرى أوضح فراعنة أنه بالرغم من اعترافنا بـ»إسرائيل»، إلا أن «إسرائيل» تحتل أراضي في لبنان وسوريا، متسائلاً: أين هي حدود «إسرائيل»؟ مضيفاً أن ما يحدد حدود «إسرائيل» عاملان هما الدبابات الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيلون، إذ تتغير حدود «إسرائيل» يومياً على حساب الشعب العربي الفلسطيني.

وتابع قائلاً: «على أرض فلسطين خمسة ملايين فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال، وهناك خمسة ملايين لاجىء فلسطيني في الوطن العربي، منهم ما يتجاوز المليوني فلسطيني في الأردن، ونصف مليون في سوريا، وثلاثمائة وخمسون ألفاً في لبنان، وثمانون ألفاً في العراق، ومائة وخمسون ألفاً في مصر، وهؤلاء لهم حق في العودة وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم

194. ومع ذلك الأميركية والأوروبية تدعم توسع الاحتلال الإسرائيلي».

وأوضح أن المسلم يحترم الديانتين المسيحية واليهودية، في حين أن الأوروبيين في كل من بولندا وإيطاليا وألمانيا قد مارسوا «الهولوكُست» على الشعب اليهودي، وها هم اليهود يمارسون «الهولوكُست» ويطبقونه يومياً على الشعب الفلسطيني، فهم يمارسون التطرف ويرفضون وجود الفلسطينين على أرض فلسطين.

وأضاف: «من هذا المنطلق، يجب على أوروبا إذا أردت بناء علاقة معنا أن تتفهم أن مصالحنا ومشاعرنا وتطلعاتنا في الأردن تتأثر بالاحتلال الأجنبي والإسرائيلي».

وقال إن في الأردن ثلاثة عشر مخيماً فلسطينياً يعيش فيها أكثر من مليونَي فلسطيني، مشيراً إلى العبء الذي يشكّله هذا الأمر على الاقتصاد الأردني، إضافة إلى الأعباء الناتجة عما يحدث في المنطقة ومن بينها لجوء السوريين والعراقيين إلى الأردن.

وردّ فراعنة السبب وراء كل هذه المعاناة في منطقة الشرق الأوسط إلى «السياسة الأميركية والأوروبية التي تغذي -على سبيل المثال- الصراع الدائر في سوريا».

الحفاظ على الأمن

أشار الزميل الصحفي خالد النعيمات من صحيفة «جوردن تايمز»، إلى تكلفة لجوء السوريين والعراقيين على الدولة الأردنية، مضيفاً أن تأثيرهم ليس في الاقتصاد فقط، بل يتعداه إلى جميع القطاعات بما فيها الأمن والصحة والتعليم والعمل، لافتاً إلى ارتفاع معدل نسبة البطالة في الأردن من 13% إلى 25%، متسائلاً: هل تكفي المساعدات التي يتلقاها الأردن

لتحمل جميع هذه الأعباء؟

وحول الأزمة الأوكرانية الروسية، استشهد بتصريحات الملك عبدالله الثاني بأن مفتاح حل الأزمات في العالم يكمن في حل عادل ومقبول للقضية الفلسطينية، وسوى ذلك ستبقى روسيا تستخدم «القبضة الحديدية» وستبقى أميركا والغرب في مواجهة هذه السياسة.

وتساءل: إلى أي مدى يستطيع الأردن أن يصمد وسط حالة الاضطرابات المستمرة التي تزيد كل يوم؟ مؤكداً أن الدولة قادرة على الحفاظ على الأمن، ومشدداً في الوقت نفسه على ضرورة مساعدة الأردن ودعمه ليواجه الأزمات المحيطة وتداعياتها.

ردود كليخ

شدّد كليخ على أهمية زيادة الدعم والمساعدات المعنوية أو المادية للأردن ليظل «واحة أمن واستقرار».

وحول بولندا، ذكر كليخ أن هذه الدولة ما زالت في بداية طريقها، حيث استطاعت مضاعفة دخلها القومي خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، مضيفاً أن بولندا ما زالت تحت مستوى متوسط الدخل الأوروبي، ولافتاً إلى أنها ستبقى تتلقى المساعدات من الاتحاد الأوروبي حتى العام 2020.

وأوضح أن الأردن يحصل على دعم ومساعدات بولندية غير مباشرة عن طريق ما يسمى «حركة الإنسانية البولندية»، وهي منظمة غير حكومية تقدم المعونات والمساعدات للمخيمات السورية والفلسطينية في الأردن.

ودعا إلى تطوير العلاقات الاقتصادية الأردنية-البولندية، متسائلاً عن سبب عدم وجود مستثمرين بولنديين في منطقة العقبة الاقتصادية.

وقال إن العمليات التي كانت تحدث في ليبيا وأفغانستان كانت بقرار من الأمم المتحدة، على خلاف التدخل العسكري في العراق الذي لم يكن بقرارٍ منها، مضيفاً أن كثيراً من الدول الإسلامية إما أيّدت هذه العملية العسكرية في ليبيا أو وقفت موقف المحايد منها، وأن حلف شمال الأطلسي اشترط موافقة الجامعة العربية على التدخل قبل القيام به، وهو ما حدث.

وعبّر كليخ عن استيائه لفشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم قيام الدولة الفلسطينية، ووضع حل واضح للدولتين معاً، معرباً عن قلق الاتحاد الأوروبي من اتساع الاستيطان الإسرائيلي.

وحول مسألة «الهولوكُست» (المحرقة)، أكد كليخ أنهم كبولنديين لم يشاركوا فيها، وأن الألمان وحدهم هم الذين قاموا بها