مثّلت الجلسة الحوارية التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «غزة والتحالفات في المنطقة» فرصة للمشاركين فيها من سياسيين وبرلمانيين وحزبيين وأكاديميين لتبادل وجهات النظر حول انعكاسات العدوان على غزة فلسطينياً وإسرائيلياً، والتحالفات الإقليمية والدولية، والدور الأردني، وانعكاسات العدوان على مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ودور الأردن في رسم سيناريوهات العملية السلمية.
وشدد المشاركون على أهمية مواصلة النضال في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي من خلال اختيار الأدوات الكفاحية المتفق عليها وهي المفاوضات، والكفاح المسلح، والانتفاضة الشعبية، داعين إلى وحدة الفصائل والشخصيات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير بوصفها البيت الفلسطيني الموحد الممثل لها والمعبّر عنها.
وعرضت الندوة للروابط التاريخية بين الأردن وفلسطين، مشيدين بدور الأردن في دعم قطاع غزة بتوجيهات من جلالة الملك.
أدارها: د.خالد الشقران
حرّرها وأعدّها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون
آب 2014
image1image1
تالياً أبرز وقائع الجلسة:
وحدة الموقف الفلسطيني
قال وزير الداخلية السابق عضو مجلس الأعيان نايف القاضي إن ما حصل من عدوان على غزة هو من عدو جُرّب على مدى سبعة عقود، مضيفاً أنه من المعروف أن هذا العدو مدعوم من أميركا وأوروبا وروسيا والصين، وذلك لخدمة مصالح هذه القوى في منطقتنا، بينما يدفع الشعب الفلسطيني الصابر والمجاهد الثمن الباهظ.
ورأى القاضي أننا حققنا في غزة شيئاً إيجابياً، وهو عودة وحدة الموقف الفلسطيني الذي تمنيناه دائماً كأردنيين، مبيناً أنه ما دام هنالك انقسام فلسطيني فإنه لن يكون هناك أمل بتحقيق شيء.
وأكّد أن القضية الفلسطينية هي مركز كل القضايا وجوهرها، ومن دون حلها لن يكون في المنطقة أمن أو أمان أو استقرار، وستبقى الأمور مشتعلة دائماً، موضحاً أن العدوان الذي أرادت إسرائيل أن يكون كارثياً على غزة عاد علينا بوحدة الموقف الفلسطيني، فقد شاهدنا للمرة الأولى منذ سنوات التقاء الإخوة الفلسطينيين معاً بوفد مشترك إلى القاهرة لتحقيق
شيء نتطلع له وندعمه ونؤيده.
وقال القاضي إن العدوان الأخير كشف إسرائيل أمام العالم أكثر من ذي قبل، إذ قامت مظاهرات في كل دول العالم من أميركا إلى الهند تستنكر العدوان وتشجبه وتطالب بمعاقبة إسرائيل، مؤكداً أن إسرائيل بهذا العدوان خسرت أمام المجتمع الدولي، ورغم أنها حاولت التأثير على الشعب الفلسطيني إلا أنهالم تخرج بنتيجة سوى قتل الشيوخ والنساء والأطفال.
وتابع القاضي بقوله: لا يستطيع الأردن أن ينحاز لجانب فلسطيني دون آخر فمن حق الفلسطيني فقط أن يقول للفلسطيني أنك اخطأت، ومن حقي كأردني إنه أخطأ، أما الأردني فدوره أن يساند الفلسطيني ويقف معه في قضيته.
وقال القاضي إن انقسام الموقف الفلسطيني الذي لا نريده لأننا ندعم كل توجهات الوحدة الفلسطينية، هو ما قادنا للتحالفات العربية والإقليمية والدولية، فلو كان الإخوة في فلسطين متحدين وموقفهم واحد، لما رأينا في اسطنبول وطهران والدوحة والقاهرة.
وأكد أننا في الأردن نعتز بأن لدينا مرجعية واحدة وجيش واحد ومجالس تشريعية واحدة، في حين أن الإخوة في فلسطين توجد لديهم في الفترة الأخيرة أكثر من مرجعية.
وأوضح أن الموقف المصري هو الأقرب لكل موقف عربي أو فلسطيني، وأن توجهاً مدعوماً من إسرائيل وأميركا استهدف إبعاد مصر عن القيام بأي دور فلسطيني أو غير فلسطيني، وقد رأينا نتائج ذلك، فالكل يريد أن «يجر» الحل لمصلحته، لإبعاد مصر وإضعاف دورها، لذا كان أول ما فعلناه في الأردن إعلان تأييدنا الكامل للمبادرة المصرية، وقد قبل
الإخوة الفلسطينيون العقلاء المبادرة مع اشتراط إجراء بعض التعديلات ولم يقصّر المصريون إذ تجاوبوا وتجاوزوا كل الحساسيات.
وأكد القاضي أن الأردن مع الموقف الفلسطيني الموحد، ومع موقف السلطة الفلسطينية التي تمثل منظمة التحرير الفلسطينية، وليس مع هذا الفصيل أو ذاك.
قضية جامعة
قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب د.حازم قشّوع إن العدوان رغم سلبياته، أوجد إحساساً بالوحدة لدى جميع الفصائل والقوى الفلسطينية بضرورة الوحدة (منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وحركة الجهاد الإسلامي والقوى الأخرى)، إذ تحدّثت ضمن أرضية عمل تمثلت بالالتزام بمفردة اللحظة التاريخية لاستهدافات واستحقاقات جديدة يجنيها
الشعب الفلسطيني انتصاراً محققاً.
وأضاف قشّوع أن هذه الفصائل دمجت بين العمل الميداني البطولي من صمود وتضحيات وبين المفردات السياسية والتي منها: إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني، وأن يكون الحرس الرئاسي هو الذي يحرس الدولة الفلسطينية من باب غزة، وتفعيل اتفاقية أوسلو، كما عادت القضية الفلسطينية للظهور بكثافة بعد توقف مفاوضات السلام وأصبحت ضمن أولويات
المنطقة، وكسبت تعاطفاً دولياً كبيراً، فالأمتان العربية والإسلامية وكل التحالفات الإقليمية قالت «نعم» للحق الفلسطيني وللحالة الجديدة للشعب الفلسطيني.
وأضاف أن من هذه المفردات إطلاق مفاوضات السلام خصوصاً بعد التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وأراضي 1948.
ولفت قشّوع إلى دعوة جلالة الملك مؤخراً لاستثمار العدوان على غزة لتحقيق نتائج ملموسة على مسرح الأحداث، عبر إطلاق جديد لفحوى ومضمون الحالة التفاوضية على قاعدة الوصول إلى استخلاصات مفيدة للقدس، واللاجئين، والحدود، والماء، بالإضافة إلى موضوع الأسرى.
وبيّن أنه عبر هذه المفاوضات كان هناك توجه نحو إطلاق المزيد من الأسرى الفلسطينيين، فما تحقق على الصعيد الميداني كان انتصاراً على الصعيد السياسي بدعم مصري غير محدود.
وقال قشّوع إن القضية الفلسطينية تعدّ قضية جامعة، وبالتالي عليها أن تكون بمنأى عن أيّ ظروف أو تحالفات، سواءً كانت في اسطنبول أو في طهران أو في القاهرة، وأوضح أن من النتائج السلبية لهذا العدوان أن هناك 250 ألف لاجئ في غزة، وأكثر من 2000 شهيد و11 ألف جريح، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية، مؤكداً أن كل هذه القضايا بحاجة
إلى دعم وإسناد وإلى صرخة تحقق نتائج فورية.
ورأى قشّوع أن إسرائيل عبر عدوانها على غزة أرادت التهرب من استحقاقاتها تجاه عملية السلام، فقد استخدمت لغة غير مقبولة دولياً وإنسانياً رُفضت من دول العالم كافة، مضيفاً أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تقدم أي انجاز يمكن أن يتحدث نتنياهو عنه أمام الكنيست، فالشعب الفلسطيني بصموده جعل العالم يقف في وجه نتنياهو الذي يجب عليه أن يفهم أن
الطريق الأوحد للوصول إلى استخلاص مفيد هو السير بالعملية السلمية والتفاوضية.
وقال قشّوع أن هنالك حرباً باردة بدت مناخاتها حاضرة، إضافة إلى وجود حرب بين أجهزة الاستخبارات التابعة لدول مختلفة وتحت مسميات عديدة، مبيناً ان هناك أربع قوى على المستوى الإقليمي هي تركيا وإيران وإسرائيل والمشروع العربي، فالأول يتحدث عن عثمنة، والثاني يتحدث عن صفوية، والثالث يتحدث عن صهيونية، والنظام العربي يريد أن يستعيد
للنظام العربي وجوده وحضوره، مشدّداً على أن هذا النظام هو النظام الذي يجب علينا الالتفاف حوله.
وشدّد قشّوع على أهمية أن تدرك الحركات المشكَّلة للحالة الفلسطينية اللحظةَ التاريخية، وأن تحسب لكل خطوة تقدم بها ألف حساب، فالقضية الفلسطينية تمثّل مصير أمة، لذا على هذه الحركات ألاّ تبتعد عن الحاضنة العربية، كونها الحاضنة الوحيدة للقضية الفلسطينية.
إن النظام العربي حقق إنجازات على صعيد الحالة في غزة عندما انتصر للإنسان الفلسطيني الذي أصبح موحَّداً وطرفاً واحداً في المفاوضات وفي المعركة في غزة، إضافة إلى الإنجازات التي حققها على الصعيد العراقي باختيار رئيس وزراء مقبول على الأقل، لكن هذا النظام مطالَب بأن يعيد ترتيب نفسه من جديد، مشيراً إلى ضرورة إيجاد حركة فكرية
تنويرية تقود الشارع لتنسجم مع القيادة العقلانية التي توصلنا في نهاية المطاف إلى انتصار حتمي لهذه الأمة التي يجب عليها ألاّ تغيب عن مسرح الأحداث.
وعلى المستوى الأردني، قال قشّوع إن ما قدمناه يقع ضمن أربعة محاور، أولها المحور السياسي، فمنذ اللحظة التي بدأ فيها العدوان كان جلالة الملك مغادراً إلى أميركا في محاولة للضغط والوقوف عند هذه الحيثية لاستمالة الطرف الأميركي لوقف العدوان، كما التقى مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن والمسؤول عن الخارجية هناك.
وأشار إلى حجم العمل الذي قامت به الدبلوماسية الاردنية من أجل وقف آلة الحرب الإسرائيلية والعدوان الغاشم على شعبنا الفلسطيني الأعزل في غزة، وإلى دور مجلس الأمة الذي دان العدوان بكل أشكاله منذ اللحظة الأولى.
وثاني هذه المحاور هو المحور الإنساني، إذ أوضح قشّوع أن الأردن قام بجميع الحملات الإنسانية على المستويين الرسمي والشعبي، مشيراً إلى إعلان جمعية المستشفيات الخاصة في الأردن بأن جميع الجرحى الفلسطينيين ستتم معالجتهم بالمجان.
وتابع أن الطرف المنبوذ الوحيد في العالم هو إسرائيل، فلم يقف أحد مع آلة الحرب الإسرائيلية ضد الإنسان الفلسطيني الأعزل، أو تعاطف معها في هذا العدوان، فالكل وقف عالمياً وإنسانياً ودولياً وعربياً وإسلامياً مع الحق الفلسطيني، مضيفاً أن رسالة العدل الفلسطيني انتصرت على صوت القوة والغطرسة الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بجهود بالمفاوضات، قال قشّوع إننا نستطيع أن نطلق مفاوضات جادة وأن ندعم المفاوض الفلسطيني يشارك في مفاوضات تستند إلى حقائق مدروسة وتكون محدّدة بفترة زمنية، مؤكداً أن المفاوضات ليست لغايات التفاوض، بل لأجل إعلان الدولة الفلسطينية، وعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحسم حدود دولة فلسطين وتأكيد حق
العودة، وأن القدس جزء لا يتجزأ من عاصمة الدولة الفلسطينية.
وقال إن الدولة الاردنية ظُلمت بمؤسساتها، زعم بعضهم أن هناك ضبابية في موقفها السياسي، مبيناً أن الأردن قدم أربع مذكرات في مجلس الأمن، كان آخرها حلقة نقاشية بخصوص وقف العدوان.
وتابع قائلاً: «إن البرلمان الأردني غير منعقد بدورة عادية أو استثنئائية، ومع ذلك فقد ندّد رئيس مجلس الأعيان بالعدوان الإسرائيلي السافر ضد الشعب الفلسطيني، وطالب بوقف هذا العدوان، ووزّع بيان بذلك لجميع برلمانات الدنيا»، كما أن البرلمان الأدني طالب بانعقاد البرلمان العربي في دورة استثنائية في مصر.
وأكد قشّوع أن الأردن قدّم الكثير لغزة، مضيفاً: لقد كنا منسجمين في إدانتنا للعدوان الإجرامي ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل في غزة من رأس الدولة إلى الحكومة والبرلمان حتى الأعيان في الأداء والنهج، وفي نصرتنا وتأييدنا ليكون المجتمع الدولي حاضراً للضغط على حكومة تل أبيب لوقف هذا العدوان.
نتائج سياسية للحرب
قال النائب السابق والخبير بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية حمادة فراعنة إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جاء لأسباب منها: الإستجابة لتطرف المستوطنين وهيجانهم وعدوانيتهم رداً على خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، مضيفاً أنه بالرغم من أن حركة حماس لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، ونفت علمها بها، إلا أن حكومة نتنياهو اليمينية
المتطرفة حمّلت حركة «حماس» مسؤولية العملية، وأشاعت جواً من التحريض الأعمى، الأمر الذي دفع بها لشن هجمات جوية مركزة ضد القطاع ومؤسساته المختلفة، وبُناه التحتية.
وأضاف فراعنة أن السبب الثاني الذي عجّل بقرار شن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هو محاولة إسرائيل السريعة لمحو صورة حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير من اهتمامات الإعلام، وإظهار صورة أخرى تمثلت في حق إسرائيل الانتقام من تنظيم إرهابي على خلفية خطف مستوطنين وقتلهم، مشيراً إلى أن الصورة التي أظهرها خطف الفتى
الفلسطيني، أظهرت إسرائيل ومستوطنيها، بصورة الفاشيين المتطرفين البشعة، مثلهم مثل أفعال النازيين ومحرقتهم ضد اليهود الذين يمارسون الآن المحرقة ضد الفلسطينيين.
وبيّن فراعنة أن السبب الثالث يتمثل في حالة التقارب والتفاهم الفلسطيني المفاجئ بين حركتي فتح وحماس، والقفز عن كل شروط تحقيق المصالحة بينهما، وتراجع حركة حماس عن مظاهر الانقلاب وإدارتها الانفرادية لقطاع غزة، واستقالة حكومة إسماعيل هنية الحزبية الحمساوية ذات اللون الواحد، إضافة إلى تسليم قطاع غزة - ولو شكلاً - لحكومة الوفاق
الوطني يوم 2/6/2014، ما أربك حكومة نتنياهو التي كانت تستعمل الانقسام الفلسطيني وتوظفه كحجة للتهرب من استحقاقات التسوية، وعدم تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها، فكان موقفها واضحاً ضد انهاء الانقسام وضد تحقيق الوحدة، فأرادت أن تخلق أجواء جديدة تحول دون تحقيق خطوات الوحدة التدريجية.
وقال فراعنة إن سعي إسرائيل لضرب مواقع القذائف الفلسطينية ميدانياً وتدميرها في محاولة لإسكات أي فعل فلسطيني قد يؤثر في أمن المستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة ،كان أيضاً وراء شن العدوان.
وأوضح فراعنة أن نتائج العدوان والحرب على قطاع غزة، جاءت بعكس التوقعات الإسرائيلية لأسباب منها: أن حجم الخسائر البشرية لدى المدنيين الفلسطينيين، والدمار الهائل، دفع بالرأي العام العالمي للتحرك تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، كما أن قطاعاً واسعاً من الإسرائيليين اعتبروا أن إسرائيل فشلت من الناحية الأمنية لعدم استطاعتها
«صيد» أي من القيادات الفلسطينية والنيل منها قبل استغلال إسرائيل للهدنة المؤقتة وتمكُّنها من اغتيال ثلاثة قادة ميدانيين من «حماس» وفشلها في اغتيال قائد قوات القسام محمد ضيف، مثلما حصل في الحربين السابقتين، ففي حرب 2008 اغتالت إسرائيل كلاًّ من الشهيد سعيد صيام والشهيد نزار الريان من قادة «حماس»، وفي حرب 2012 اغتالت
قائد قوات كتائب القسام أحمد الجعبري.
ورأى فراعنة أن جيش الاحتلال دفع ثمناً باهظاً في هذه الحرب مقارنة بالحربين الأخيرتين، ففي «عمود السحاب» عام 2008 قُتل 13 جندياً إسرائيلياً، وفي معركة «الرصاص المصبوب» عام 2012 لم يقُتل أي جندي إسرائيلي، بينما قُتل في حرب «الجرف الصامد» 64 جندياً وضابطاً إسرائيلياً، وهو ثمن باهظ من حيث العدد، مقارنة بما سبق.
ولخّص فراعنة النتائج السياسية لهذه الحرب فلسطينياً، في أن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى تحقيق وحدة ميدانية وسياسية فلسطينية تمثلت في وحدة الوفد المفاوض الذي تكوّن من ستة فصائل فلسطينية (فتح وحماس، والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب ومركز الجهاد الإسلامي)، ووحدة الموقف السياسي، وكذلك وحدة المطالب الفلسطينية.
ورأى فراعنة أن الموقف المصري الذي تجاوب مع طلب الرئيس الفلسطيني في استقبال وفد حركة حماس بوصفه جزءاً من الوفد الفلسطيني، من النتائج السياسية المهمة لهذه الحرب، مضيفاً أن الإجراء المصري كان في غاية الأهمية، وزاد عليه موافقة القاهرة وتبنيها للمطالب الفلسطينية.
وأجمَل فراعنة انعكاسات الحرب على الوضع الإسرائيلي في نقاط أهمها: أن إسرائيل لم تستطع تنفيذ برنامجها في تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية وشل فعاليتها، فبقيت قدراتها متوفرة وإن تعرضت لهجمات مؤثرة، وسقوط عدد كبير من جنود الاحتلال من القتل جراء المواجهات الشجاعة لمقاتلي الفصائل الفلسطينية من كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب أبو
علي مصطفى، وكتائب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إضافة إلى تشكيل لجان تحقيق محلية إسرائيلية، وكذلك تشكيل لجان تحقيق دولية في طليعتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة برئاسة البرفسور وليم شباس، إضافة إلى قضايا سَتُرفع في المحاكم الأوروبية تستهدف رئيس الوزراء ورئيس الحرب وقائد الجيش الإسرائيليين.
وأشار فراعنة إلى أن الشعب العربي الفلسطيني، مقسوم إلى جزئين رئيسيين أحدهما يقيم على أرض وطنه فلسطين، ويزيد تعداده عن خمسة ملايين ونصف المليون نسمة، والنصف الثاني في بلاد الشتات والمنافي واللجوء لا يقل عن خمسة ملايين ونصف المليون نسمة أيضاً، فالأول على أرض وطنه يتطلع إلى الاستقلال وفق قرار الأمم المتحدة 181، والثاني في
منفاه يتطلع إلى العودة إلى وطنه وفق القرار 194، واستعادة ممتلكاته منها وفيها وعليها والمنهوبة من الدولة الصهيونية العنصرية.
وأوضح فراعنة أن الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل إنجاز مشروعه الوطني الديمقراطي، وفي إطار منظمة التحرير، يملك أربعة عوامل مهمة أولها: وجودهم كشعب على أرض وطنهم يُقدر عددهم بخمسة ملايين وسبعمائة ألف نسمة في مواجهة ستة ملايين ومائة ألف يهودي إسرائيلي، والعدد كاد يكون متقارباً الآن.
وتابع أن ثاني هذه العوامل يتمثل في كون الشعب الفلسطيني بشرائحه وطبقاته كافة يرفض المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ويعمل ضده بوسائل كفاحية مختلفة، كما يرفض العيش في ظل العنصرية في مناطق 48، والاحتلال الاستيطاني في مناطق 67، كما أن وجود التعددية بين صفوف الشعب العربي الفلسطيني (فتح وحماس واليسار والتيار القومي
والمستقلين)، تكسبه القوة والاجتهاد وسعة حرية الاختيار، والبحث عن المخارج المتعددة لهزيمة الاحتلال، إضافة إلى توفر «الأسلحة» السياسية القانونية المشروعة بحوزته ممثلة بقرارات الأمم المتحدة المنصفة لصالحه، قرار التقسيم 181، وقرار عودة اللاجئين 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وقرار خارطة
الطريق 1515.
وأكّد فراعنة أنه يمكن البناء على أرضية هذه العوامل الأربعة لمواصلة النضال في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، على أن يتم ذلك ضمن ثلاثة عوامل هي: وحدة الفصائل والشخصيات والاتحادات والجاليات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير بوصفها البيت الفلسطيني الموحد، الممثلة له والمعبّرة عنه، والتوصل إلى برنامج سياسي موحَّد
يشكل القواسم المشتركة بين الفصائل والأحزاب والتنظيمات والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة، إضافة إلى اختيار الأدوات الكفاحية المتفق عليها، وهي المفاوضات، والكفاح المسلح، والانتفاضة الشعبية.
وشدّد فراعنة على عدم خروج أي تنظيم واستعماله أداة تروق له بمعزل عن الاتفاق الجماعي، حيث لا يجوز لطرف ممارسة المفاوضات مثلاً من دون الاتفاق والتفاهم مع الآخرين، ولا يجوز لطرف ممارسة الكفاح المسلح أو العمليات الاستشهادية أو قصف الصواريخ من دون إقرار ذلك من قبل بقية الأطراف، مضيفاً أن الكل شركاء في المعركة الوطنية، في
إطار المؤسسة التمثيلية وهي منظمة التحرير وعلى قاعدة برنامج سياسي مشترك، وضمن اختيار أدوات كفاحية مناسبة متفق عليها.
وأشار فراعنة إلى أن فصائل المقاومة في حرب «الجرف الصامد» وقعت في مجموعة من الأخطاء دفعت وستدفع ثمنها، أولها: رفض بعضها للمبادرة المصرية، وثانيها: طرحها لمبادرة عبر قطر وتركيا لمواجهة المبادرة المصرية، مضيفاً أن الرئيس الفلسطيني استطاع بحكمته تطويق ذيول ذلك ونجح في تحقيق شرطين هما: وحدة الوفد الفلسطيني المفاوض،
ووحدة الموقف والمطالب الفلسطينية، وعندما نجح في ذلك حقق الشرط الثالث وهو استقبال القاهرة للوفد الفلسطيني الموحد، ومن ضمنه ممثلي حركة حماس، وقبول القاهرة للمطالب الفلسطينية وتبنيها والعمل على أساسها.
وبيّن فراعنة أن فصائل المقاومة استعملت وسيلة عمل كفاحية هي: القصف بالصواريخ وكان تأثيرها معنوياً على جبهة العدو الإسرائيلي، أكثر من التأثير المادي والخسائر البشرية، والتي لم تتعدَّ أربعة مدنيين، وبالرغم من النتائج المادية المتواضعة للصواريخ الفلسطينية، إلا أنها أرغمت معظم سكان المستعمَرات الإسرائيلية على الرحيل منن بيوتهم، وأصبح ذلك
عاملاً ضاغطاً على حكومة نتنياهو لقبول مفاوضات وقف إطلاق النار وفقاً للمبادرة المصرية واستجابةً للطالب الفلسطينية. كما أن المقاتلين الفلسطينيين حققوا نجاحات ملحوظة عبر استعمال عنصر المفاجأة (الأنفاق) وخسارة الإسرائيليين اـ64 جندياً وضابطاً.
وقال فراعنة إن الأردن قام بواجبه نحو قطاع غزة، فقد كان دوره ملموساً وذلك عبر القوات المسلحة والمستشفى الميداني سواء من خلال معالجة الجرحى في الميدان أو إرسال الجرحى ذات الإصابات الصعبة إلى الأردن لمعالجتهم في مستشفيات القوات المسلحة في عمّان، وكذلك عبر الهيئة الخيرية الهاشمية، التي أرسلت العديد من الإرساليات من التبرعات
العينية الأردنية وتبرعات البلدان العربية التي لا تستطيع إيصال مساعداتها إلى هناك، أو عبر صندوق الزكاة الذي جمع مبلغ 4.5 مليون دينار، تم رصد الدفعة الأولى منه بواقع ألف دينار لأسرة كل شهيد وألفي دينار لكل بيت مدمر، و200 ألف دينار مواد طبية و200 ألف دينار مواد عينية.
وأشار فراعنة إلى دور جلالة الملك عبر اتصالاته مع رؤساء دول العالم لتوضيح حقيقة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وللعمل على وقف العدوان الإسرائيلي، أو عبر السفير الأردني لدى مجلس الأمن الذي دعا إلى ثلاثة اجتماعات بالتنسيق المسبق مع المجموعة العربية والسفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة.
وأعرب فراعنة عن عدم تفاؤله بمفاوضات السلام المستقبلية التي وصلت لطريق مسدودة، وذلك لوجود ثلاث عقبات أمامها: تطرف نتنياهو وعدم رغبته في التوصل إلى تسوية بل وإعاقته لها، وقيادة حزب الليكود الحاكم من قبل مجموعة متطرفة تؤمن بأرض إسرائيل الكاملة وترفض أي تسوية على أرض فلسطين، إضافة إلى الائتلاف الحاكم بمشاركة ليبرمان
وبينيت اللذين يسعيان لطرد الفلسطينيين من وطنهم سواء من مناطق 48 أو مناطق 67، مما يتعذر في ظل حكومة المستوطنين الحالية البحث عن أي صيغة مشتركة للتفاهم معهم، مبيناً أن تجارب السنوات السبع الماضية من المفاوضات منذ مفاوضات أنابوليس 2007 إلى مفاوضات عمّان 2012، ومفاوضات واشنطن 2013، مروراً بالمفاوضات الاستكشافية،
إلى غير المباشرة، إلى المباشرة، إلى كل صيغ التي لم تحقق اختراقاً على الإطلاق، إضافة إلى استمرار الاستيطان على الأرض الذي دمر تماسك الأراضي جغرافياً وأخَلّ بالمعادلة الديمغرافية في القدس وفي الغور وفي قلب الضفة الفلسطينية.
تفريغ النصر
قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك د.أحمد نوفل إن الحديث عن انعكاس العدوان على غزة فلسطينياً وإسرائيلياً، يستدعي التوقف عند محطات رئيسة قبل العدوان على غزة وبعده.
وأضاف أن هناك تياراً كانت تقوده السلطة الفلسطينية قبل هذا العدوان من منطلق ان المفاوضات هي الأداة التي حققت بعض المتطلبات للقضية الفلسطينية، وهناك تيار المقاومة التي أثبتت نفسها، مشيراً إلى أن بعض المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، كان يراهن على انطلاق انتفاضة ثالثة من أجل تأييد المقاومة في قطاع غزة.
وقال إنَّ القاهرة استضافت وفداً فلسطينياً مشتركاً يعبّر عن وحدة الموقف الفلسطيني، مؤكداً أنه قد آن الأوان لإحداث تغيير في خط المنظمة ودخول فصائل من خارجها إليها.
ووصف نوفل انعكاسات العدوان على غزة بالنسبة إلى إسرائيل بـ»الكارثية»، مضيفاً أن من يراقب الإعلام الإسرائيلي يعرف ماذا فعلت المقاومة بالنسبة للرأي العام الإسرائيلي. وأضاف نوفل أن هذه القضية لها انعكاسات خطيرة، إذ لم تعد إسرائيل هي الملاذ الآمن للإسرائيليين، بل على العكس، فهناك هجرة عكسية منها إلى الخارج، ولم تعد إسرائيل تلك «
القوة الخارقة»، بل هناك ضعف في الداخل الإسرائيلي، يمكن توظيفه مستقبلاً لإضعاف هذا الكيان بشكل كبير.
وأكدّ نوفل أن الموقف الفلسطيني يعدّ موقِفاً بطولياً رغم فداحة الخسائر البشرية والمادية، فهناك ثمن للتضحيات يجب أن تتمسك به القيادة الفلسطينية بفئاتها المختلفة في القاهرة.
وقال نوفل إنه يخشى أن تأتي ظروف معينة في المستقبل تفرغ النصر الفلسطيني من محتواه، مشيراً إلى أن ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه في ضرب المقاومة قد تنجح في تحقيقه عبر الضغوطات الإقليمية والعربية على الجانب الفلسطيني لتفريغ هذا النصر من محتواه.
وأوضح أن المواقف الأوروبية والأميركية بالنسبة إلى العدوان كانت واضحة، متسائلاً في الوقت نفسه عن الموقف الروسي المغيّب، وفي ما إذا غيّرت روسيا من موقفها رغم تدخلها في قضايا كثيرة في العالم.
كما أوضح نوفل أن موقف النظام الرسمي العربي من خلال جامعة الدول العربية لم يكن بمستوى العدوان، وفي الأيام الأولى لم يكن هنالك موقف عربي رسمي واضح، وكان موقف الجامعة متخاذلاً.
وقال نوفل إن بعضهم رأى أنه كان من الأفضل لو أن موقف بعض الدول العربية لم يكن «متآمراً» على القضية، مستشهداً بتصريح لتسيبي ليفني جاء فيه إن هنالك تفهماً لبعض الأقطار العربية لما يحدث في قطاع غزة. مؤكداً أن الشارع العربي أصبح لديه وعي ومعرفة بالحقائق، متسائلاً: هل ما صرّحت به ليفني حقائق أم مجرد أقاويل، أم هل توجد مواقف عربية تحت الطاولة لكي يكون الموقف ضد حركة حماس.
وأكّد نوفل أنه آن الأوان لنغيّر مواقفنا، مبيناً أن تقديم الدعم لقطاع غزة لا يعني بالضرورة دعم حماس «والإخوان المسلمين» وإنما دعم المشروع الوطني الفلسطيني، مضيفاً أن حركة حماس الآن موجودة في الساحة ويمكن أن تأتي قوى جديدة حية في الشعب الفلسطيني تحل مكانها.
وأوضح نوفل قائلاً: «أنا مع الموقف العربي المصري، وليس مع الموقف المعادي للمشروع الوطني الفلسطيني، فمصر هي القاطرة التي تقود الدول العربية، وموقفها ليس كموقف أي دولة أخرى».
وشدّد على أن الصمود البطولي للفلسطينيين في قطاع غزة لا بد أن ينعكس مستقبلاً في المفاوضات، داعياً السلطة الفلسطينية إلى وضع استراتيجية جديدة للتفاوض مع إسرائيل، مع الأخذ في الحسبان هذا الانتصار الذي حدث في غزة.
كما دعا نوفل الأردن إلى المشاركة بالمفاوضات التي تجري في القاهرة، كون الأردن أيّد المبادرة المصرية، وله علاقات قوية مع الجانب الفلسطيني بفئاته المختلفة، مشيراً إلى أن علاقات مصر بفلسطين مهمة، ولكن علاقة الأردن بالقضية الفلسطينية أهم.
الأردن مقبول لدى المقاومة
قال القيادي في جبهة العمل الإسلامي م.علي أبو السكر إنه ليس هناك حرب تحرير دون تضحيات ودماء.
وأوضح أن الحرب على غزة بدأت ضمن تصور مخالف لواقع الأمور، وقد تفاجأ مَنْ شَنّ ودفع باتجاه الحرب من واقع لم يكن في حسبانه، فالكيان الصهيوني وبعض التحالفات التي ساندته عربياً وإقليمياً ودولياً، كان يعتقد أن الوضع في غزة «مهترئ» وأن الحرب ستكون «نزهة» تنتهي بإنهاء وجود المقاومة على أرض غزة.
وأكّد أن إسرائيل خسرت الحرب، وفشلت في تحقيق أهدافها ومنها إيقاف إطلاق الصواريخ، وإضعاف قوى المقاومة من خلال سحب السلاح، وتمشيط غزة واجتياحها.
وبيّن أبو السّكر أن نتائج العدوان انعكست على إسرائيل باتجاهات أخرى، عبر الهزيمة النفسية التي لحقت بالجنود والسكان المدنيين، مضيفاً أن خسائر إسرائيل أكثر بكثير من 64 قتيلاً.
إذ تتجاوز 140 قتيلاً من خيرة «النخبة»، إلى جانب إغلاق الأجواء أمام الطيران، ووصول صواريخ المقاومة لأقصى شمال فلسطين المحتلة.
وقال أبو السّكر إن الكيان الصهيوني تمّت تعريته من خلال الجرائم التي ارتكبتها وكشفتها وسائل الإعلام، والحديث الآن عن تشكيل لجان تحقيق في جرائم حرب، يؤكد الخسارة الكبيرة التي مُني بها هذا الكيان.
وأشار أبو السكر إلى الانعكاسات الإيجابية التي اكتسبتها غزة والمقاومة من خلال الحرب، إذ أصبح هناك وحدة موقف لفصائل المقاومة التي أصبحت تتحدث بلسان واحد وأداة وتنسيق واحد. وأكد أن المقاومة عادت مرة أخرى للواجهة من خلال هذا الإنجاز، بعد فترة من الغياب والضرب ومحاولة الإقصاء والتحجيم،.
وأضاف أن المقاومة أعطت قوة للمفاوض في القاهرة، واستطاعت المقاومة أن تفرض رؤية أخرى بعد طرح الورقة المصرية، بعد محاولة بعض رموز السلطة الفلسطينية والجهات والأنظمة دفع قوى المقاومة للقبول بالمبادرة، اعتقاداً أنها في حالة ضعف وهزيمة، وليس أمامها إلا قبول هذه الورقة، لكن المقاومة أثبتت العكس لدرجة أنه أصبح هناك حالة من
الاستجداء من قبل الطرف الإسرائيلي لإيقاف الحرب لأنها أصبحت عبئاً كبيراً عليه.
ورأى أبو السكر أن القضية الفلسطينية اكتسبت بمطالبها التحررية تعاطفاً دولياً أوسع، ومواقف سياسية متقدمة، فبعض الدول استدعت سفراءها من الكيان الصهيوني، وأخرى أسقطت الجنسية عن مواطنيها من مزدوجي الجنسية، كما طُلب بعض الجنود مزدوجي الجنسية للتحقيق معهم.
وقال إن ما أُنجز في غزة ليس إنجازاً لفصيل أو لفئة بعينها، بل هو إنجاز لكل الفصائل الفلسطينية ولكل العرب. مضيفاً أن التحالفات تباينت في هذه المعركة، وكان هنالك محور يمثل تحالفاً عربياً-إسرائيلياً، عبر دعم بعضهم للحرب على غزة والتشجيع عليها وتمويلها، وكذلك عبر الموقف السلبي لبعضهم، وعدم قيامه بالدور المطلوب منه.
ورأى أنه كان يمكن أن يكون دور الأردن أكبر بكثير بخاصة أنه يلقى قبولاً فلسطينياً، وعند حركة المقاومة وحماس أيضاً. وأضاف أن الأردن كان يمكن له أن يقدم نفسه عربياً ويستفيد على المستويين الإعلامي والوطني ويكون له دور أكبر في المفاوضات، وأن يكون أكثر مبادرة من كثير من اللاعبين الموجودين.
وأشاد أبو السكر بالموقف الأردني الإنساني والإغاثي واصفاً إياه بـ»المتقدم»، مشيراً بذلك إلى المستشفى الميداني في غزة، وعمليات إغاثات المصابين والجرحى.
ورأى أبو السكر أن ما جرى في غزة سيكون له انعكاس على المفاوضات، داعياً إلى ان يُستثمر المفاوض وأن ينطلق من مصلحته وليس من منطلق التسليم والضعف.
الاستثمار السياسي
قال أمين عام المنتدى العالمي للوسطية م.مروان الفاعوري إن هذه المعركة جزء من سلسلة من معارك طويلة ما بين المشروع العربي والمشروع الاستعماري، وعلى رأسه الدولة الصهيونية في فلسطين، مضيفاً أن إسرائيل تصر على امتلاك أدوات متعددة في هذه المفاوضات إضافة إلى قوة الردع العسكرية.
ودعا الفاعوري المفاوض العربي إلى استثمار هذه المعركة انطلاقاً من أن سلاح الردع يمكن أن يكون عنصر قوة وليس عنصر إزعاج له أو لقوى الاعتدال العربية التي تذهب إلى المفاوضات وهي ملقية السلاح، ومُسّلمة أن السلام والمفاوضات هي الخيار الاستراتيجي والأوحد بالنسبة للدول العربية.
وقال إن هذه المقاومة «المحدودة والضعيفة» في نظر البعض أثبتت قدرتها على شلّ الكيان الصهيوني، وإحداث رعب له، ولفتت أنظار المجتمع العالمي إلى ما يفعله هذا الكيان الذي حاول تسويق نفسه بأنه ديمقراطي في بيئة تسودها الاستبداد، مضيفاً أن العالم غيّر موقفه الذي بدأه في الأيام الأولى وانحاز إلى جانب الشعب الفلسطيني، وبخاصة بعد التفاف الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة ممثلاً بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبعد مَشاهد المجازر الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة.
رأى الفاعوري ان المفاوض الفلسطيني إذا لم يَنْحَز لثوابت شعبه ويدافع عنها، فإنه لن يكون لديه أي شرعية شعبية حتى لو حظي بالتأييد من جميع الأطراف الإقليمية أو الدولية.
وبيّن أن القوة العسكرية الإسرائيلية غير قادرة علىحسم المعركة، وأن صورة «الدولة العصية على الهزيمة» قد تكسرت، إضافة إلى أن الفكرة المتكّرسة في العقل العربي من أن هذه الدولة نووية وخط أحمر قد تحطمت. ما يعني خدش الحاجز النفسي واختراقه.
وأضاف أن موضوع السياحة الذي كان مهماً جداً في جذب اليهود إلى فلسطين قد فشل، وفشل معه مشروع القبة الحديدية وموضوع المجال الجوي.
وأشار الفاعوري إلى أن محاولة إسرائيل الخلط بين مفهومي الإرهاب والمقاومة، وتصوير مقاومي الاحتلال بأنهم إرهابيون، وعدّ المفاوضين الطرف الشرعي من الفلسطينين، قد تهاوى في ذهن الفلسطينيين والعرب، وفي ذهن الإعلام الغربي الذي كان مؤيدا لإسرئيل، فقد ظهر في الولايات المتحدة عدد من الإعلاميين المشهورين الذين سخروا من تعبيرات
إسرائيل عن مفهوم الإرهاب، مؤكدين أن الشعب الفلسطيني يمثل حركة ثورية في وجه الاستعمار، وأن حقه أن يقاوم.
وأضاف: لم يعد هناك مجال للتسليم بمفهوم الإرهاب الذي تسوقه المنظمة الدولية، التي تحاول تجييش قوى الاعتدال العالمي، لخلط الأوراق وإدخال إسرائيل ضمن مفهوم الاعتدال ووضع الحركات الفلسطينية المقاومة في خانة الإرهاب.
وقال الفاعوري إنه لا يمكن المزاودة على الموقف الرسمي الأردني مستذكراً موقف الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي لم يسحب السفير الإسرائيلي في القاهرة ولم يلغِ اتفاقية كامب ديفيد بسبب وجود متغيرات دولية.
وبيّن أن موقف الأردن كان متقدماً على مواقف جميع الدول العربية وذلك ضمن إمكاناته وظروفه ومحددات الأردن السياسي، إذ كسر الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع من خلال قوافل الإمداد والإغاثة والمياه، بما يساعد في تعزيز صمود أهلنا في القطاع.
وأكد الفاعوري أن موقف الملك كان صريحاً، إذ أعلن وقوفه إلى جانب شعبه في موقف واحد موحد، مفوّتاً الفرصة على اليهود بقولهم إن هناك محور اعتدال يؤيدهم في ما يقومون به، مضيفاً أن الأردن كان منحازاً للمواقف القومية والعربية، ولم يكن موقفه متردداً كما حصل في الموقف المصري، من إغلاقٍ للمعابر وقيادة حملة إعلامية تصب في صالح العدو
الصهيوني، بما كّل غصة في قلب كل إنسان عربي.
وقال إن «روعة» الموقف الفلسطيني تتمثل في أنه لم ينجر إلى أي من المحاور التي تشكلت بناء على ما حصل في غزة، وبقيت خطوط الفصائل الفلسطينية المقاومة والرسمية منفتحة على جميع القوى، وكان الرئيس عباس ومشعل يزوران قطر وتركيا وبعض العواصم الأخرى ويتواصلون مع القوى كافة، فمن مصلحتهم أن يكون الكل معهم وألاّ يخوضوا أي
صراع مع أي طرف، مبيناً أنه لولا أن بعض الدول العربية دفعتهم إلى البحث عن طرق يدعمهم ويساعدهم للوقوف في غزة المحاصرة لما ذهبوا إلى إيران وغيرها.
وعلى صعيد الموقف الرسمي الأردني، دعا الفاعوري المؤسسات الرسمية القيامَ بدورها الحقيقي لمؤازرة جهد جلالة الملك في الموقف الرسمي.
وشدّد على وجوب أن تكون هذه المعركة فرصة لتوحيد القوى الشعبية والرسمية كافة لتصليب موقفنا العربي في مواجهة الخطر الصهيوني، وألاّ نشيطن بعضنا بعضاً.
ورأى الفاعوري أن المنطقة مقبلة على تحولات أكبر من مسألة إنجاز على مستوى المفاوضات، فهناك تحالف إقليمي دولي بين المحور الإيراني والدول الغربية من خلال تفاهمات، مضيفاً أن على الدول العربية المحافظة على وحدتها حتى لا تكون فريسة للتقسيم لمشروع «سايكس بيكو» جديد، وأن تحافظ على جوهر الصمود داخل المجتمعات العربية.
ودعا الفاعوري الحكومة إلى عدم الدخول في صراع مع أي قوى شعبية داخلية بخاصة مع الإخوان المسلمين، لأن منهج الإقصاء والتخوين والتهميش والشيطنة لأي قوى سياسية سيخدم في النهاية مشروع التفتيت والهيمنة على المنطقة، كما أن أدوات إسرائيل السياسية والتكتيكية أقوى من أدواتها العسكرية في حسم ما تريد في مشروع يصل من النيل إلى الفرات.
غزة والتحالفات
قالت الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد) عبلة أبو علبة إنه بات من الصعب جداً على الطرف الفلسطيني بكل مكوناته وعلى دولة الاحتلال أيضاً، أن يتعاملا في أي مفاوضات قادمة أو في طبيعة الصراع بالقوانين نفسها التي كانت موجودة ما قبل الحرب الأخيرة.
وأضافت أنه لم يعد بمقدور الطرف الفلسطيني أن يقدم التنازلات مقابل إنكارٍ تام للحقوق الوطنية المشروعة لشعبه، إلى درجة أن مستوى ما تحقق انحدر كثيراً عن اتفاق أوسلو، إذ لم يجر الالتزام به من جانب دولة الاحتلال، كونها تريد تصفية المشروع الوطني الفلسطيني.
وثمّنت أبو علبة دور جميع الأحزاب والأطراف التي تؤمن أن المستهدَف هو المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وليس طرفاً بعينه، وفي القلب منه المقاومة بأشكالها القتالية المسلحة والمدنية والتي تُعد العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية.
وتحفظت على إطلاق تعبير «انتصار» كنتيجة للعدوان، مؤكدة أن هذا ليس إنكاراً لما وقع في غزة من صمود ومقاومة باسلة، وإنما انتظار لما سيحدث من عملية استثمار سياسي لهذه المقاومة الباسلة وحاضنتها الشعبية الأسطورية ولكل التضحيات التي وقعت، وفي حال تمّ استثمار ذلك نكون قد انتصرنا، مضيفة أن أداة القياس هي كم كسبنا من حقوق وطنية
مقابل المقاومة التي هي استمرار للتضحيات التي لن ننساها.
وأشارت أبو علبة إلى أن المقاومة لم تبدأ منذ الآن، فالمشروع التحرري بدأ منذ وقت طويل، وأولى الثورات كانت في العشرينات ضد الانتداب البريطاني والهجرة الصهيونية اليهودية إلى فلسطين، وتلتها ثورة 1936، ثم الثورة المعاصرة (1965).
وأكدت أبو علبة أن وحدة الموقف الفلسطيني تعني أن على قيادة الشعب الفلسطيني أن تكون قد تعلمت درساً مفاده أن الاعتماد على القوة الذاتية هو الأساس، مضيفة أن المطلوب في ظل الموقف العربي والدولي، أن يتوحد الموقف الفلسطيني وأن تعتمد القيادة الفلسطينية على قواها الذاتية.
وأضافت أنه إذا لم يكن هناك موقف داخلي قوي موحد على أساس برنامج سياسي، وإعادة الروح والاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني والتحرري، من حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، والسيادة الوطنية بعيداً عن الدخول في المحاور العربية والإقليمية والركون على ما تجود به الإدارة الأميركية والمفاوضات مع إسرائيل، فلن ننتقدم خطوة.
وقالت أبو علبة إن المقاومة وضعت «نقطة نظام» في وجه القوى التي مارست سياسة التفرد والإقصاء، إذ إن هذه السياسة لا يمكن أن تأتي بنصر لا لحزب ولا لشعب، وهذا العصر هو عصر المشاركة والتعددية والديمقراطية.
وأشارت إلى البعد الرئيسي لهذا الموضوع عندما بدأت وسائل الإعلام، وبالدفع من القادة الصهاينة، الاستفادة من التحولات التي جرت في العالم العربي، ومحاولة تصوير الصراع القومي الممتد منذ قيام إسرائيل على أنه صراع ديني، والمناداة بيهودية الدولة والدفع لاستصدار قوانين من داخل الكنيست لتكريس هذا الأمر، في حين أن هذه واحدة من الحلقات
الجوهرية التي جاءت بالدرس الكبير للإسرائيليين أنفسهم والمدافعين عن هذا المشروع الفئوي، بأن هذا الصراع هو صراع قومي.
وقالت أبو علبة إن هناك هزة داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي، مضيفة أن الديمقراطية هي التي توحّد الإسرائيليين المحطات الصعبة، داعية إلى الاقتداء بهم في هذا الجانب بأن يكون لدينا لجان تقييم ومحاسبة.
وأضافت: أن هذه المحاسبة التي تجري داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي هي التي تقوي من وحدتهم ضدنا وضد مشروع التحرر العربي والفلسطيني.
ورأت أبو علبة أن المغزى من ضرب المدنيين بهذه الطريقة في غزة يتمثل في كون سكان البيوت هم حاضنة المقاومة، فالعدو يبيد عائلات بأكملها لأنه يريد ضرب حاضنة المقاومة وقلبها النابض، مِمن دون هذه الحاضنة الشعبية لا يمكن للمقاومة أن تستمر وتنتعش، إذ إن قوانين المقاومة الشعبية تختلف عن قوانين الحرب النظامية، مشيرة إلى أن قادة إسرائيليين
كباراً يقولون: «إنه لولا الطيران الحربي لكانت خسائر القوى البرية لإسرائيل بآلالاف».
وقالت إنه ليس بمقدور قادة دولة الاحتلال أن يُسلّموا بما وقع في غزة، وإنهم سيحاولون الاستفادة من الظروف القائمة ليبقوا مصرّيون على إنكارهم للحقوق الوطنية الفلسطينية، متوقعة أن تصبح حرب استنزاف سياسية وعسكرية، يفترض أن يتصدى لها المشروع الوطني الفلسطيني، والقوى المدنية الفلسطينية كافة، والشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
ورأت أن حرب الاستنزاف العسكرية لا قدرة لإسرائيل عليها، بعكس الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، الذي لا يوجد لديه شيء يخسره، كما رأت أن الانقسام الفلسطيني الذي وقع واستمر طويلاً، والأوضاع الداخلية العربية، سببان رئيسييان في تردي الموقف العربي الرسمي حيال العدوان على غزة، ويتحملان مسؤولية أساسية في ذلك.
وقالت إن موضوع التحالفات على المستويات جميعاً يمر في مرحلة انتقالية، والعنصر الرئيس في هو الصراع الندّي بين القوى العالمية الكبرى، إذ لم يعد هناك هيمنة لقطب واحد.
وأضافت أن أياً من القوى العربية إذا ما أرادت الركون إلى تحالفات ثابتة فهي مخطئة، إذ من الضروري الأخذ في الحسبان هذه العناصر المتحركة في القوى العالمية.
وأوضحت أبو علبة أن الموقف العربي الرسمي الذي واجه انتقادات شعبية واسعة أردنياً وعربياً، سببه الانشغال بالصراعات الداخلية، وخوف الأنظمة العربية المتبقية من عدوى فعل الثورات، لذلك من المستهجن جداً أن يصدر بيان استنكار بعد 25 يوماً من العدوان.
ولفتت إلى الحالة الشعبية في العالم، التي طالت بلاداً لم تكن في الحسبان، ومن شأنها أن تضغط على أنظمتها، ففي أميركا هناك أعداد واسعة من اليهود شاركوا في التظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي، وتعّرضت منظمة «إيباك» للاحتجاجات، كما توجد أشكال نوعية من المواقف ضد العدوانية الصهيونية في العالم أجمع، وعلينا النظر بجدية لها.
وأشارت إلى موقف الأردن في مجلس الأمن في إدانته للعدوان، قائلة: « حتى لو اضطر الأردن لتقديم مقترح سيفشل بالضرورةإلا أنه سيكتسب موقفاً سياسياً أمام العالم، وليس لاجل تسجيل موقف، بل لأن للأردن دوراً كبيراً في القضية الفلسطينية ويوجد للأردن هامش للتحرك والعمل يختلف عن أي نظام عربي آخر ويفترض أن يستثمر هذا الهامش بموقف
متقدم على الموقف المصري والخليجي والعربي».
وثمّنت أبو علبة دور الأردن في صمود الأهل في فلسطين من خلال المستشفى الميداني.
ورأت أن ما جرى في غزة يعد فرصة ثمينة لمفاوضات تجري على أساس قوانين الشرعية الدولية، لأنه سينصف المفاوضات، إضافة لتقوية العامل الذاتي الوطني الفلسطيني بالوحدة الداخلية، وأضافت أنه كان يمكن لمجلس النواب الأردني أن يعزز ما قام به في القاهرة، كون هناك مطالبة بأن يتبنى الاتحاد البرلماني العربي سحب عضوية إسرائيل من الاتحاد
البرلماني الدولي، وهذا نضال سياسي مهم جداً، كما كان بإمكان مجموعة من النواب التهديد بإلغاء معاهدة وداي عربة، مشيرة بذلك إلى ما قام به نواب إسرائيليون لم يتوقفوا عن المس بمبادئ المعاهدة وقانونيتها مع الأردن، ومنهم من طالب بوطن بديل، والقادة يطلقون ألسنة النواب وفي النهاية يقولون إن النواب وحدهم يطالبون بذلك.
الخميس 2014-08-28