توافق المشاركون في الطاولة المستديرة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات صباح أمس حول الورقة النقاشية الملكية الخامسة (تعميق التحول الديمقراطي: الأهداف والمنجزات والأعراف السياسية)، على أن هذه الورقة كانت حاسمة في تحديد شكل الدولة الحديثة وتحديد الأدوار فيها في الملكية الهاشمية الحديثة لعهد الدولة الأردنية الرابع، بربيع أردني خاص يقوده جلالة الملك.
ودعا المشاركون أطراف العمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى وضع تصورات وبرامج تطبيقية تستند إلى الأفكار الأساسية في الورقة التي تضمنت مفاهيم فكرية متقدمة لمضامين الدولة الحديثة والعصرية التي تتحقق فيها المشاركة الشعبية الواسعة في صناعة القرار لتتحمل جميع مكونات الدولة المسؤولية الحقيقية في رسم السياسات العامة.
وشددوا على أن يظل الاختلاف في إطار قاعدة حوار وطني يفضي إلى توافق كما أرادته الورقة الملكية.
ورأى المشاركون أن الورقة جعلت الديمقراطية والأمن والاستقرار متلازمات وعناصر متكاملة لتحقيق التحول الديمقراطي، وهو ما يتطلب تحديد الأولويات في العملية الإصلاحية التي أجمعت عليها القيادة والشعب.
أدارها : د.خالد الشقران
حررها وأعدّها للنشر:
هادي الشوبكي، حاتم العبادي،
جعفر العقيلي، محمد الخصاونة
أيلول 2014
تالياً أبرز ما تناولته الطاولة المستديرة:
الشناق: »ماجنا كارتا«
أردنية لملك إصلاحي مجدِّد
قال أمين عام الحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إن الورقة النقاشية الملكية الخامسة وثيقة حاسمة للإصلاح وبما يتجاوز المطالب الإصلاحية كافة ويتقدم عليها.
وأضاف أن الملك يضع الأسس لمفهوم الملكية الهاشمية الدستورية، عبر تحديد الأدوار في إدارة شؤون الدولة، بما يحقق المشاركة الشعبية الواسعة في صناعة القرار، باعتماد آليات الدولة الديمقراطية الحديثة والعصرية.
ورأى أن هذه الورقة وضعت حداً لكل معيقات الإصلاح الناجز، كما وضعت مرتكزات وأسس الديمقراطية لتحقيق الحكومة البرلمانية ويما يضمن الاستمرارية والاستقرار.
وأكد أن الملك وضع معالم الطريق وخريطة فاعلة تعتمد التدرج المدروس بالانتقال في محطات الإصلاح كربيع أردني وفق نموذج يؤسس لديمقراطية تعددية حقيقية، وأن عناوين خريطة الطريق هذه تقوم على مبدأ الحوار، وتحويل كل الاختلافات إلى توافقات، وضرورة التلازم بين حقوق الأردنيين وواجباتهم، بمعنى دولة الحق والواجب.
وقال إن الإصلاح التشريعي والدستوري هو البنية الأساسية لأي نظام ديمقراطي، مع الأخذ بالأعراف والتقاليد الديمقراطية التي استقرت عليها النظم الديمقراطية المعاصرة، وترسيخها في الحياة السياسية الأردنية، وإن الأردنيين يمارسون دورهم في صناعة القرار عبر ممثليهم المنتخبين. مؤكداً أن هذه مجتمعةً في وثيقة الملك الإصلاحية، تمثل أعظم المبادئ في الديمقراطيات العريقة والراسخة والمستقرة في عالم اليوم.
ورأى الشناق أن الوثيقة «العبدلية الإصلاحية» يمكن دعوتها بـ»الماجنا كارتا الأردنية لملك إصلاحي مجدِّد»، مشيراً في ذلك إلى الوثيقة البريطانية التاريخية التي صدرت في 1250 م، والتي وضعت أسس النظام الديمقراطي النيابي والدستوري الذي يأخذ به عالم اليوم.
وأوضح أن الورقة النقاشية الخامسة حددت شكل الحكم للملكية الهاشمية الدستورية، وأن المصطلحات هنا لها دلالات عميقة في الفكر الإصلاحي والتطور التاريخي للدولة الأردنية، ذاكراً محددات شكل الملكية الهاشمية: الملكية ودورها في الحكم، ومجلس الأمة، والحكومة، والأحزاب والمواطنون. وأكد أن هذه هي أطراف المعادلات السياسية التي حددتها وثيقة الإصلاح والتي تنظم العلاقة بين القوى السياسية والسلطات والملك والشعب، في إطار المملكة الهاشمية الحديثة وعنوان «التحول الديمقراطي» الذي يقوده الملك.
وقال الشناق إن المعادلة الأولى في الورقة النقاشية هي الملكية التي تحدد دور الملك والرسالة الهاشمية في الملكية الهاشمية الدستورية، وتقوم رسالتها على نهج قيادي جامع لكل المكونات واستشراف المستقبل بهدف تحقيق الازدهار لأجيال الوطن، فهذه غاية أي نظام سياسي ديمقراطي.
وبشأن الملكية والحُكم، قال الشناق إن مسؤولية الملكية الدفاع عن قضايا الوطن المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمن القومي، بصفة الملك رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة. إلى جانب حماية التراث الديني والنسيج الاجتماعي، وحماية الدستور والحياد الإيجابي نحو الاستقرار والعدالة.
وتوقف الشناق عند ما بيّنته الوثيقة بشأن متى يكون الملك حَكَماً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك عندما يحدث استعصاء سياسي بين السلطتين.
أما المعادلة الثانية في الحكم فيمثلها مجلس الأمة، إذ يجب أن يقوم النائب بدوره على أساس متوازن مراعياً المصالح المحلية والوطنية ومبدياً تعاونه بمسؤولية وبمعارضة بنّاءة في إطار «حكومة ظل» في البرلمان.
وتتمثل المعادلة الثالثة بالحكومة، التي ينبغي أن تطلق برنامجاً وطنياً شاملاً للوطن، وأن يكون استمرار الثقة بالحكومة بناء على برنامجها بعيداً عن الشخصنة والمواقف المصلحية.
أما المعادلة الرابعة فتمثلها الأحزاب، التي ينبغي أن تسعى للاندماج وصولاً لأحزاب رئيسة ممتدة على مساحة الوطن تمثل الأطياف السياسية المختلفة ببرامج حزبية واضحة ومعلنة وشاملة.
وتتمثل المعادلة الخامسة في المواطنين، المدعوين للمشاركة الفاعلة والبناءة في جميع مناحي الحياة السياسية تحت عنوان «المواطنة الفاعلة» على المستويين المحلي والوطني، وصولاً لتحقيق فكرة أن المواطنين مشاركون في صناعة القرار من خلال ممثليهم المنتخبين.
ولفت الشناق إلى معادلة سادسة أشارت إليها الورقة الملكية، استقر عليها الفقه الديمقراطي الحديث باعتماد الأعراف والتقاليد السياسية التي تحكم أطراف المعادلات السياسية وهي غير مكتوبة، وهذا بحاجة إلى عمل كثير ومتواصل لبناء ديمقراطية مكتملة العناصر لتحقيق الهدف النهائي في حكومات برلمانية ناضجة.
وأكد الشناق أن الورقة الملكية صححت مفاهيم ديمقراطية خاطئة متداولة لدى الرأي العام، فهناك تداول ديمقراطي للحكومات وليس تداولاً سلمياً للسلطة، فالدولة سلطات ولا يجوز تداولها، كما أن كلمة «السلمي» ليست تعبيراً ديمقراطياً وليس لها دلالة في النظم السياسية بآليات ديمقراطية.
ومن المفاهيم الخاطئة التي قامت الورقة بتصحيحها، مفهوم «الوحدة الوطنية» الذي كانت دلالته انقسامية، إذ اعتمدت الورقة مفهوم «النسيج الاجتماعي» بدلاً منه، وهو تعبير حقيقي لمفهوم مجتمع الدولة.
واقترح الشناق توصيات لتطبيق ما جاءت به الورقة الملكية ومنها: مراجعة قانون الإدارة العامة، ومراجعة جميع الأنظمة والتعليمات لدى الوزارات والمؤسسات بما ينهي البيروقراطية في إيصال الخدمات للمواطنين، وتفويض الصلاحيات من الأعلى إلى الأدنى لتمكين سرعة اتخاذ القرار، واعتماد المؤسسية في إدارة شؤون الوزارات والمؤسسات، وتطوير آلية تقديم الخدمات مع اتخاذ الأحوال المدنية والجوازات وإدارة السير كنماذج، وإعادة اعتماد الخريطة الجغرافية السكانية على مستوى الوطن بما يحقق عدالة نوعية الخدمات لكل الأردنيين.
ودعا الشناق إلى تفعيل ما ورد في الورقة النقاشية، وهو تأهيل القيادات الحزبية بما يمكنها من المساهمة في إدارة شؤون الدولة، لتعمل وفق منهج من خلال المطالبة بإنشاء المعهد الملكي للديمقراطية حتى ينطلق برنامج الحزب من الحقائق والوقائع الأردنية ليكون برنامجاً وطنياً.
ودعا الشناق إلى مأسسة آلية الحوار بين الأحزاب والحكومة ومؤسسات الدولة على اعتبار أن الأحزاب مؤسسات وطنية ذات برامج وطنية.
وختم الشناق ورقته بقوله: لتطوير الحياة الحزبية كمعادلة سياسية وفق ما ورد في الورقة النقاشية الملكية، لا بد من إعادة النظر في تفسير المجلس العالي للدستور بعدم دستورية القوائم الحزبية.
العناني: »أردنة الربيع العربي«
قال العين د.جواد العناني ان البعد الاقتصادي في ورقة الملك النقاشية الخامسة يأتي في الدرجة الثانية من اهتمامه – كما يبدو من ظاهر النص، فالتركيز في الورقة ينصب على أسس بناء المجتمع الديمقراطي والحكومات الحزبية الحائزة على الاغلبية.
وأضاف ان البعد الاقتصادي ينصب نحو حشد طاقات المجتمع حول الفكر الديمقراطي ليكون مرجعية لكل المواطنين، وقاعدة مشتركة بينهم، في نهاية المطاف.
ولفت إلى أن الهدف الاساسي للورقة النقاشية الخامسة هو وضع الأصول الراسخة لبناء قاعدة لصنع القرار بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
وأشار إلى أن الملك بنى نموذجا أو خارطة إدارية مؤسسية الأدوات، توضح الأسس التي يستند إليها ذلك المعمار المؤسسي لضمان ديمومته ونجاحه.
وبيّن أن الملك قال إن الإصلاح التدريجي الذي يتبناه يمكن توصيفه بأنه «أردنة للربيع العربي» الذي دعا للإصلاح، وأن الإصلاح السياسي يسعى في نهاية المطاف للوصول إلى حكومات برلمانية حزبية تنبثق من أحزاب قوية يفوز واحد أو ائتلاف منها بالأغلبية البرلمانية، ويمارس الولاية العامة وصنع القرار من خلال ذلك التوافق المجتمعي.
وأوضح أن الملك أكد أن الناس قد يقبلون بنتائج العملية الانتخابية إذا توفرت الشروط الأساسية لتضاف إلى القبول بنتائج الانتخابات لأنها كانت نظيفة شفافة، هذا إلى جانب مراقبة من قبل المؤسسات الدستورية لضمان سلامة سير العملية ونتائجها، وإن جرى احتجاج عليها أو شك فيها، فتحال إلى المحاكم التي تبت في ذلك.
وأشار العناني إلى أنه بانتخاب الحكومات فإن دورها يكون في التعاون مع القطاع الخاص والقطاع المدني، كل بحسب دوره الذي يؤديه بهمة وفعالية وصولاً إلى حالة الازدهار وضمان الحياة الكريمة لكل فرد من أفراد الشعب.
وبيّن أننا حتى نضمن سلامة القرار، فلا بد أن يستند صنعه إلى أمرين، الأول هو المرجعية الحيادية للحكومة، وضمان المصلحة العامة وفق معايير علمية ومدروسة ومبحوثة بشكل جاد ومعمق، وضمان وجود المؤسسات التي تتيح حرية الرأي والتعبير من أجل الوصول إلى صيغ تفاهم مقبولة ومستندة إلى النتائج العلمية الضامنة لديمومة التنمية الشاملة وشفافيتها وحسن توزيع منافعها.
وقال العناني إن الملك صوّر في ورقته أدوار المؤسسات الدستورية الجديدة ودور السلطات الثلاث، ودور القطاعات العامة والخاصة والمدنية، وأسس الأحزاب الفاعلة في الوصول إلى مجالس تمثيلية تنبثق منها حكومات حزبية تمتع بالأغلبية، وحتى نضمن النجاح لا بد من التقيد بالأهداف العامة والأسس والمرتكزات التي تكون مقبولة لدى الجميع، وأن يقوم كل جانب من جوانب هذا المعمار المؤسسي بأداء دوره على أحسن وجه ضماناً لأفضل النتائج وأحسن القرارات.
وأضاف: حيث أن القرارات الاقتصادية تشكل جزءاً أساسياً من المهام المؤسسية في كل القطاعات والسلطات، فإنها تخضع لهذه المعايير التي وضعها الملك الذي أكد أن الهدف الاقتصادي الاجتماعي هو توفير الحياة الكريمة لكل فرد من أفراد الشعب الأردني.
وأوضح أنه حيث أن القرارات الاقتصادية ليست كلها مغانم، بل قد تنطوي على بعض المغارم لبعضهم، فإن ضمان حسن آلية صنع القرار يشكل الأساس الذي يجعل الناس قابلين وراضين عن نتائج القرار الاقتصادي، ويقبلون بالتضحية لأن هذه التضحية لا تذهب هباء، بل تصب مباشرة في صميم مصلحة الوطن.
ولفت إلى أن الديمقراطية وتبادل الأدوار في الولاية العامة بين الأحزاب يتطي الناس فرصة للتعويض عن تضحياتهم في السنوات القادمة.
وأشار إلى أننا بهذا الأسلوب نضمن تبادل المنافع والتضحيات بين فئات الشعب؛ أفقياً بين المواطنين في فترة معينة، وعمودياً عبر الزمن، وهكذا يصل المجتمع إلى حالة من الرضا والقناعة والقبول عند التضحية، والبذل عند المغنم في مجتمع آمن.
وأكد العناني أن الملك في نهاية الورقة النقاشية، ذكر أنه سوف يقدم أوراقاً نقاشية حول البعد الاقتصادي وبخاصة الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى والتي أكد على أهميتها ضمن محاور الورقة النقاشية الخامسة، ووعد ببيان تفاصيلها في أوراق قادمة، وكذلك طلب القائد الأعلى من الحكومة أن تتبنى برامج تنفيذية تطبَّق على أرض الواقع تنفيذاً لتلك الرؤى.
وأشار العناني إلى أن الأوراق القادمة ستكون مليئة بالغذاء الفكري للاقتصاديين خاصة، ولأبناء الوطن عامة، فالاقتصاد مثل التعليم، لا يُترك للمتخصصين وحدهم، لأن له جوانب متعددة ويتطلب ضبطه وتنفيذه أوراقاً كهذه، داعياً إلى تداخل المعارف المطلوبة لتحقيق ذلك.
الوحش: تعويذة الحاضر والمستقبل للمجتمع الأردني
استهل الوزير والعين السابق د.محمد جمعة الوحش ورقته بقوله: «لو تم تطبيق ما تضمنته الأوراق النقاشية للملك، فإننا سنكون شكّلنا المدينة الفاضلة».
وقال إن الأوراق النقاشية الملكية التي نشرها الملك عبدالله الثاني «شملت كل مناحي حياة الأردنيين وتطلعاتهم». مؤكدا أن الإيجابيات في المجتمع الأردني كثيرة، وأن جبهته الداخلية بخير، وأنه مجتمع محصَّن.
وتابع قائلا: «رغم ذلك فإن الثغرات موجودة، ما يتطلب وجود حراس على كل ثغرة من هذه الثغرات، وإلا سيكون الحديث عن الاختراق الذي قد يحدث في أي وقت من الأوقات، وكذلك فإن حاضنات التطرف موجودة، فلا يجوز لنا أن نضع رؤوسنا بالرمل ونقول إنها غير موجودة، فهي تنتظر الفرص، ما يستدعي ان نكون منتبهين ومتيقظين».
وشدد بهذا الصدد على ضرورة تماسك الجبهة الداخلية والنسيج الاجتماعي والإحساس بالعدالة الاجتماعية وتحقيق مبدا تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، معتبرا أن تحقيق ذلك هو السلاح الأساس والأقوى لحماية الوطن والأمن والاستقرار.
ووصف هذه المعادلة بأنها «تعويذة الحاضر والمستقبل للمجتمع الأردني».
وأشار الوحش إلى موضوع التشاور والتشارك، لافتا من خلال أمثلة ضربها إلى عدم وجود مثل هذا النهج، ومن الأمثلة نظام الخدمة المدنية الأخير الذي تسبب باحتجاجات، متسائلاً: هل تمت استشارة خبراء لمعاجلة الثغرات في النظام؟ وكذلك قانون التقاعد المدني الحالي، مشيراً إلى أن الملك طلب في وقت سابق إعادة النظر في هذا القانون من كل جوانبه، وليس في جزئية إعادة النظر في رواتب فئة معينة.
ولفت إلى عدم وجود تطبيق لكثير من التوصيات ونتائج الدراسات التي تضعها لجان لمعالجة قضايا وطنية بهدف التطوير والإصلاح، من مثل لجنة الحوار الوطني والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وشدد الوحش على ضرورة أن تكون هناك مصدقية في ما نقوله وفي ما ننفذه، موضحا أن ذلك يقود إلى طبيعة العلاقة مجلس النواب والحكومة، والتي وصفها بأنها «ضبابية».
ولفت إلى ضرورة إيجاد مدونة سلوك إعلامي لضمان عدم وجود تجاوزات، مشيرا إلى أن الدعوة إلى تطوير الأعراف السياسية، كما ورد في الورقة النقاشية، تتمثل بأن الأعراف السياسية هي مدونات سلوك عامة.
وأشار إلى التطور الكمي الذي طرأ على مؤسسات المجتمع المدني والتي كانت في وقت سابق لا تتجاوز مئة مؤسسة، بحيث أصبحت أكثر من 6 آلاف مؤسسة حاليا، موضحا أن موازنات بعض تلك المؤسسات تصل إلى الملايين.
وتوقف عند قضية تمويل مؤسسات المجتمع المدني، مبيناً أن هنالك تمويلا خارجيا وهو نوعان، تمويل خارجي «مسكوت عنه» وآخر «مفضوح»، لافتا إلى أنه في وقت تسلمه حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية تم إغلاق جمعية تتلقى تمويلاً خارجياً، بسبب تمويلها لانتخابات حزب معين وشراء أجهزة لحزب آخر، وتوزيع أدوية منتهية الصلاحية.
وتابع: «رغم ذلك فإن بعض من كانوا مسؤولين في الجمعية، أصبحوا الآن ملء السمع والبصر في مؤسسات ينظّرون ويخططون».
ولفت إلى أن تلك المؤسسات بموازناتها الكبيرة، تستطيع لو أوجدت طريقة للاستفادة منها، أن تنهض بالكثير مما تعجز الحكومة أو الدولة عن تحقيقه.
وحول الطبقة الوسطى، اعتبر أن المجتمع من دون هذه الطبقى «ليس مجتمعاً». وشدد على ضرورة أخذ الاستشارات ونتائج المشورات بجدية، وليس الاكتفاء بالتنظير الشكلي، متسائلاً بهذا الصدد: «من يعلق الجرس؟».
وانتقد الوحش زيادة عدد النواب والأعيان وما تبع ذلك من زيادة في الكادر الإداري إلى حد أن بعض موظفي مجلس الأمة لا يوجد مكاتب لهم، وأحياناً لا يوجد رواتب تُدفع لهم.
أبو حسان: إعادة الثقة بين المواطن والدولة
أكد نقيب الأطباء الأردنيين عضو مجلس الأعيان د.هاشم أبو حسان أهمية أن تكون الحوارات حول الورقة النقاشية الخامسة ذات مخرجات واقعية، وليس مجرد حوارات نظرية لا يتبعها نتائج واقعية.
وشدد في مداخلته على ضرورة أن تنتقل النقاشات والحوارات إلى نتائج تطبَّق في الواقع العلمي، لافتا إلى ضرورة أن تحاط الورقة بتفاعل حقيقي لنقلها إلى إجراءات تنفيذية وواقعية.
وقال إن مضامين الورقة وما سبقها من أوراق نقاشية ملكية، تدلل على توجه ملكي نحو إرادة التغيير، ذلك التغيير الذي يطلبه الوقت الحالي (الزمن)، والأحداث، ونظام الحكم، والشعب والجميع.
ولفت إلى أنه «آن الأوان أن ننتقل نحو نقلة نوعية بحسب ما ورد في مضامين الأوراق النقاشية لجلالة الملك».
ونوه أبو حسان إلى أن «التشكيك» هي السمة المشتركة عند النخب وعند الناس والجهات السياسية كافة، مشددا على ضرورة إعادة بناء الثقة، محذرا في الوقت نفسه من أن عدم وجود الثقة حتى هذه المرحلة «يشكل خطراً».
وتابع: «لا يوجد إحساس بإعادة بناء جذور الثقة بين المواطن والدولة، وبين السلطات المختلفة وبين القوى السياسية والفئات الاجتماعية».
ونبه من خطورة الوضع الإقليمي الذي وصفه بـ»الخطير جدا» وبـ»النار التي تأكل كل دول الجوار»، مشيرا إلى أن شعوب الجوار في وضع سيئ في ضوء الاقتتال الداخلي والتطرف في المنطقة.
وقال إنه «نظرا لهذه الظروف الإقليمية، هنالك متطلبات للمحافظة على الأمن والاستقرار»، مشددا على ضرورة العمل للمحافظة على الوضع الأمني والاستقرار في الأردن.
وأضاف أن المطلوب للمحافظة على الأمن والاستقرار هو العمل الداخلي، بوصفه الحماية الوحيدة.
ورأى أن متطلبات العمل الداخلي تقتضي ضرورة إعادة الثقة بين المواطن والدولة ورسم سياساة «مقوننة» حقيقية تنفَّذ واقعياً لمصلحة المواطن.
ولفت إلى ظاهرة تغليب المصالح الذاتية على المصلحة العامة من قِبَل النخب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحزبية، معتبرا أن النخب الأردنية ليست على المستوى المسؤول، بما فيها النخب التي تفرَز انتخابيا.
ومن زاوية أخرى، شدد على أن الجميع مسؤولون، بدءاً من المواطن ونهاية بالفئات المجتمعية والأحزاب.
وشدد أبو حسان على ضرورة الانطلاق والبدء، مع إدراك أن البداية صعبة، لافتا إلى ضرورة إعادة ترتيب المدارس والتعليم وتثقيف الطلبة والجامعات التي عليها عبء كبير، وهي في حالة تراجع وتفتقر إلى التوجه الوطني السياسي واضح المعالم القادر على تخريج خريجين قادرين على تحمل مسؤولياتهم.
وأكد ضرورة الوصول إلى نقطة الاعتراف بالخطأ وقبول النقد والوصول أيضا إلى مرحلة التضحيات، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي السيئ والظرف الإقليمي السيئ أيضا، ما يتطلب التضحية والسير للأمام وبناء جسور الثقة بين الجميع.
وتطرق أبو حسان إلى النظام المجتمعي، حيث أن لكل مجتمع خصوصياته، فلا يجوز نقل تجربة أي مجتمع آخر لتطبَّق على المجتمع الأردني، سواء أكانت تجربة عربية أم غربية.
ورأى أن الحياة الحزبية في المجتمع الأردني «غير ناجحة»، وهذا يتطلب ضرورة دراسة الأسباب، مشيرا إلى أن التركيبة الثقافية والاجتماعية للمواطن ليست تركيبة حزبية، وهو ما يستدعي عدم الارتكان إلى أن تحقيق الديمقرطية لا يكون إلا بالحياة الحزبية.
وحول قانون لانتخاب، قال إن قانون انتخاب لا يواكب المجتمع داخليا بتركيبته الاجتماعية والجغرافية، لن يحقق الهدف المنشود، فالمطلوب وضع قانون يتواكب مع الوضع الأردني لضمان النجاح.
ودعا إلى تخفيض عدد مجلس النواب إلى النصف، وإلى وضع قانون انتخاب يضمن عند الاقتراع أن يختار المواطن المرشح الأفضل، معتبرا أن مجلس النواب هو المربط الأساسي للتطور السياسي والتشريعي والرقابي، خصوصا أن حكومات برلمانية ستنبثق عنه لاحقاً.
وشدد على أهمية العمل الجماعي والابتعاد عن الفردية.
وحول مؤسسات المجتمع المدني، تمنى أن تنتقل التجربة الانتخابية السياسية النقابية للعملية الانتخابية لمجلس النواب، بحكم أن إفرازات الانتخابات النقابية «جيدة».
وانتقد مؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلا من الخارج، خصوصا أن منها من ينفذ سياسات الممولين، لذا لم نصل إلى مؤسسات مجتمع مدني تمثل مصلحة الوطن والمواطن، مشيرا إلى أن عدد تلك المؤسسات كثبير ولا يوجد عليها رقابة..
ولفت إلى ضرورة أن يكون الوزير صاحب قرار وراسم سياسات، وليس منفذاً أو إدارياً.
وشدد بهذا الصدد على ضرورة المحافظة على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ودعم دورها، في معزل كامل عن السياسة عن الأحزاب والفئات المجتمعية، إذ يجب أن تكون تلك المؤسسات ( القوات المسلحة والاجهزة الأمنية) احترافية بقياداتها.
وأشار إلى ضرورة أن يكون التنفيذ بشكل متوازٍ في المجالات المختلفة، في ضوء إدارة حقيقية، واصفاً الإدارة الحالية بأنها «عاجزة عن اتخاذ القرارات»، وأنها «سبب في التراجع خلال الفترة الماضية».
ولفت بهذا الصدد إلى أهمية تعزيز فكرة أن الجميع مسؤول، كما تطرق إلى الإشكالية بين القطاعين العام والخاص، مؤكدا على أهمية التكافل والتضامن، وأن هذا لا يكون إلا بالمحافظة على الطبقة الوسطى باعتبارها عماد المجتمع.
ولفت إلى أن بعض القوانين التي تُعدها الحكومة (ومن بينها قانون ضريبة الدخل) تعمل على تلاشي هذه الطبقة.
الطراونة: رؤية ملَكية لما ينبغي أن ينجز لاحقاً
قال رئيس مجلس النقباء نقيب أطباء الأسنان د.إبراهيم يوسف الطراونة إن اهم مما جاء في الورقة السعي إلى بناء ديمقراطية كاملة العناصر والانتقال إلى مستوى حكومات برلمانية ناجحةٍ.
وأضاف انه تحت هذين الإطارين قدم جلالة الملك رؤيته لما ينبغي أن ينجز لاحقاً، وحتى نصل إلى هذين الإطارين علينا أن نمضي قدما إلى تطوير القوانين الرئيسية بما يضمن الارتقاء للوصول إلى تجربة الحكومة البرلمانية وإعطاء الأولوية إلى قوانين الحكم المحلي عبر انجاز قانون الانتخابات البلدية وقانون اللامركزية اللذين يضمنان مشاركة جميع فئات الشعب وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية.
وبين انه بعد اقرار هذه القوانين علينا ان نمضي في انجاز قانون انتخاب جديد وقانون والمجالس المحلية.
وفي مجال التعايش رأى الطراونة ان الورقة الملكية ركزت بحسب رؤية الملك على تعزيز قيم الاعتدال والتسامح والانفتاح والتعددية وإشراك جميع مكونات المجتمع الاردني، وكذلك شددت الورقة على ضرورة احترام الاخرين والشعور بهم وان علينا احترام سيادة القانون وحقوق المواطن.
وزاد ان الورقة ركزت على احترام الرأي الآخر وتجاوز الخلافات والحث على بذل التضحيات.ولفت إلى ان الملك تحدث عن الزام مؤسسة العرش بتوفير نهج قيادي جامع للمكونات كلها بهدف تحقيق الازدهار للاجيال القادمة.
وأكد الطراونة ان الملك يضطلع نفسه بصفته رأس الدولة وقائداً اعلى للقوات المسلحة بمسؤولية الدفاع عن القضايا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية والامن القومي وحماية الدستور وصون تراثنا الديني ونسيجنا الاجتماعي وذلك من خلال الحكومة التي تتولى شؤون الدولة.
وأشار إلى أن الورقة النقاشية بينت ان الملكية عليها الاستمرار بدورها كحام للدستور وتمكين الاستقرار والعدالة بين الناس، وكذلك مسؤولية الملكية في الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بتجاوز حالات الاستقواء والاستعصاء السياسي عند حدوثه.
ولفت إلى ضرورة الاستمرار في تطوير أداء أجهزة الدولة ليكون على المستوى المهني والحرفية العالية، وأن تعتمد هذه الأجهزة نهجا تشاورياً في التواصل مع المواطنين بشكل يضمن المساءلة والشفافية.
وأوضح ان الورقة دعت الاحزاب إلى اعتماد البرامجية وان تمتلك برامج ذات تأثير وحضور على مستوى الوطن قادرة ان تحوز على ثقة المواطن، وان تؤهل قيادات كفؤة وقادرة على تولي مناصب حكومية.
وأشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني والجامعات عليهما دور اكبر في المساهمة لانتاج افكار وابحاث وتقديم حلول.
وطالب باطلاق مبادرات دائمة وافكار جديدة للمساهمة في ايجاد حلول لمشاكل الوطن والمشاركة الفاعلة واعطاء الافكار والبرامج للخروج بأحسن حال.
ورأى في العمل النقابي الاردني نموذجا حقيقياً للمشاركة والسمو والتطور وان هنالك طاقات غير مستغلة نتيجة رواسب سابقة او عدم تفاعل حقيقي بين هذه النقابات والجهة التنفيذية غير مبنية على اسباب موضوعية، لأن النقابات المهنية تفوقت على كثير من الاحزاب التي لا يوجد لها برامج واضحة ولم تنعكس على وطننا وشعبنا.
وطالب الطراونة أن ينظر لهذه النقابات كشركاء حقيقيين ببناء الوطن، ومشدداً على أن لا تراجع عن الاصلاح، وداعياً إلى أن لا نتعذر في الاوضاع والظروف لنتأخر لعدم الشروع في اصلاحاتنا، وبالسير بثقة وانجازات متراكمة غير مشرعة، وبالتركيز على مشاركة جميع ابناء الشعب ومكوناته من خلال تطوير الحياة الديمقراطية وتطوير القوانين التي تنتج ذلك.
وقال الطراونة أن على الحكومة ومجلس النواب السعي في تفعيل هذه الاوراق النقاشية وترجمتها على أرض الواقع، وألاّ تبقى في حدودها المعرفية.
خرفان: الملكية الهاشمية هي الفيصل بين السلطات
قال نقيب المحامين المحامي سمير خرفان إن ما تم على أرض الواقع من تعديلات دستورية هو ترجمة للتوجه الإصلاحي وأنه لا بد من تعديل القوانين لكي تتماشى مع التعديلات الدستورية. وأضاف: «هذا أمر مهم ليس لذاته، وإنما لمساهمته في خلق حالة من الثقة بين المواطن والدولة كانت مفقودة، وهذا هو السلاح الذي يمكن أن تواجَه به التحديات ودرء المخاطر التي تهدد أمن البلد واستقراره».
وتابع أن تأكيد الملك ضمن ورقته بأن التحديات التي تواجهنا –وهي تحديات غير مسبوقة، بالإشارة إلى ما يدور من حولنا من أحداث- لا تمنعنا من السير في طريق التحول الديمقراطي وصولاً إلى الحكومة البرلمانية تحت مظلة الملكية الدستورية، مع العلم أن أي تحديات تواجه أي بلد ولا تكون بهذا المستوى العالي من الخطورة، قد تؤجل أي برنامج إصلاحي نحو الديمقراطية وإطلاق الحريات، ومع ذلك فإن الملك مصمم على مشاركة الشعب والمواطن في صنع القرار.
وبيّن أن ما تضمنته ورقة الملك من إشارة إلى محطات الإنجاز الإصلاحي يدل على متابعته الحثيثة لما ينجَز على أرض الواقع، وهي إنجازات مهمة منها التعديلات الدستورية وإنجاز القوانين الناظمة للحياة السياسية مثل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية وقانون الاجتماعات العامة والقانون المعدل لقانون محكمة أمن الدولة الذي منع محاكمة المدني أمام محكمة مكونة من عسكريين.
وأوضح أن من محطات الإنجاز المؤسسي إنشاء المحكمة الدستورية واستحداث هيئة مستقلة للانتخاب، كما ورد في الورقة تأكيد وإيضاح لدور الملك في تحقيق الازدهار لأجيال الوطن بالإضافة إلى حماية الدستور وأن تكون الملكية الهاشمية الفيصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما لفتت الورقة إلى وضع الأساس الصحيح لممارسة مجلس النواب لدوره، وهذا الأساس هو أن يكون المعيار مصلحة الوطن والمصلحة العامة للمجتمع وليس المصالح الخاصة الضيقة.
وأكد خرفان ضرورة الاهتمام بالسلطة القضائية والعناية بالقضاء بوصفه الضمانة الأكيدة لتطبيق مبدأ العدل والمساواة للجميع، وإنشاء المحكمة الدستورية لضمان حماية الدستور وعدم مخالفة مبادئه.
العجارمة: الأوراق الملكية تشكّل متوالية هندسية
توقف رئيس ديوان التشريع والرأي د.نوفان العجارمة في الورقة التي أعدّها بشكل خاص للطاولة المستديرة، عند الترابط بين الأوراق النقاشية الملكية، قائلاً إن هذه الأوراق تشكّل متوالية هندسية، فكل منها تكمل الأخرى وتعاضدها.
وأوضح العجارمة أن الورقة النقاشية الأولى استخدمت تعبير «بناء» (مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة)، والثانية استخدمت تعبير «التطوير» (تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين)، والثالثة استخدمت تعبير «أدوار» (أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة)، والرابعة استخدمت تعبير «تمكين» (نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة). أما الخامسة فقد استخدمت تعبير «تعميق» (تعميق التحول الديمقراطي: الأهداف، والمنجزات، والأعراف السياسية).
وأضاف أن النظرة المستقبلية التي تحدث عنها جلالة الملك تقتضي بالضرورة إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وأن الأمر قد يتطلب تعديلاً دستورياً لتحديد شكل الحكومة البرلمانية، ووضع آلية محددة لعملية التشاور وتشكيل الحكومة الجديدة.
ولفت إلى أنه لا بد من تحديد شكل الحكومة البرلمانية من خلال وضع معيار موضوعي يؤدي إلى التطبيق الأمين لمبدأ الفصل ما بين السلطات (أو كما عبّر عن ذلك جلالة الملك في الورقة النقاشية الثالثة بالقول: وجود منظومة متطورة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة). وبيّن أن محتوى الدساتير التي أخذت بالنظام البرلماني متشابهة إلى حد كبير، حيث اتفقت في الكليات، لكنها اختلفت في الجزئيات، لأن ظروف الدول ليست واحدة، فقد صاغت كل دولة دستورها وفقاً للظروف التي تحكم مجتمعها كي يكون الدستور مرآة حقيقية لهذا المجتمع.
وقال العجارمة إن الدساتير اختلفت في الجمع ما بين النيابة والوزارة، فقد أجازت بعض الأنظمة البرلمانية موضوع الجمع ما بين النيابة والوزارة ومنها الدستور الأردني لسنة 1952 حيث نصت المادة 52 على: «لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضواً في أحد مجلسي الأعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين»، أي أن الأمر جوازي وليس وجوبياً، وهذا خاضع لمطلق تقدير جلالة الملك، فبعض الحكومات ضمت بعض النواب (ومنها أول حكومة في عهد الإمارة؛ حكومة حسن أبو الهدى في العام 1929 مروراً بحكومة سليمان النابلسي وانتهاء بحكومة عبد الكريم الكباريتي في العام 1996)، بينما خلت تشكيلة بعض الحكومات من النواب كما هي الحال في الحكومات الأردنية منذ العام 1998 وحتى تاريخه.
وأضاف العجارمة: أجازت المادة 62 من الدستور المصري (الملكي) لسنة 1923 (والذي يشكل المصدر التاريخي الثانوي للدستور الأردني) الجمع ما بين النيابية والوزارة حيث تنص تلك المادة على: للوزراء أن يحضروا أي المجلسين ويجب أن يسمعوا كلما طلبوا الكلام ولا يكون لهم رأي معدود في المداولات إلا إذا كانوا أعضاء....».
ولفت إلى أن دستور المملكة المغربية -وكما هو معدل في العام 2011- أوجب تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر الانتخابات، وترك أمر اختيار الفريق الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة، وقد يكونوا نواباً أو من خارج البرلمان (الفصلان 47 و87 من الدستور المغربي)، وكذلك الأمر بالنسبة لدستور المملكة الإسبانية لسنة 1978 (المادتان 98 و99).
وتابع العجارمة: هناك بعض الأنظمة البرلمانية التي حظرت الجمع ما بين النيابية والوزارة كما هي الحال في مملكة هولندا، حيث تنص المادة 57 من الدستور الهولندي -وكما هي معدلة في العام 1999 على: «لا يجوز لعضو إحدى الغرفتين -أي البرلمان- أن يجمع بين عضويته ومنصب الوزير». ومن الواضح أن الدستور الهولندي، وهو من الدساتير التي أخذت بالنظام البرلماني منذ العام 1814، تبنى الاتجاه المعزز لمبدأ الفصل ما بين السلطات، حتى تقوم الحكومة بواجبها وتحت رقابة حقيقية وفاعلة من قبل البرلمان.
وأشار إلى أن بعض الأنظمة البرلمانية حظرت الجمع ما بين النيابية والوزارة من خلال تجميد عضوية عضو البرلمان الذي يعيَّن وزيراً، ومن أهمها الدستور البلجيكي للعام 1830 والذي يعد المصدر التاريخي (الرئيس) للدستور الأردني، حيث تنص المادة 50 منه -كما هي معدلة في العام 1993- على: «عند تعيين الملك لأحد أعضاء المجلسين -أي البرلمان- وزيراً، يتوقف هذا الأخير عن تمثيل مقعده حال موافقته، ويستعيد حقه بعد إقالته من قبل الملك من الوظيفة الوزارية، ويحدد القانون كيفية تعيين بديل له في المجلس المعني».
كما أن هناك أنظمة برلمانية توجب الجمع ما بين النيابية الوزارة، كما هو في بريطانيا، الدولة الوحيدة في العام التي تأخذ بهذا الاتجاه، من منطلق تعزيز دور المواطن في إدارة الدولة، فإذا كان المواطن يثق بالشخص الذي انتخبه نائباً له في البرلمان من أجل مراقبة الحكومة، فسوف تعزًّز الثقة من باب أولى، إذا أصبح هذا الشخص عضواً في هذه الحكومة.
وتابع العجارمة بقوله: موضوع الجمع ما بين الوزارة والنيابة ليس ركناً في النظام البرلماني، بل يخضع الأمر لطبيعة المجتمع و النظام السياسي السائد فيه، وتبعاً لظروف كل دولة، وتصبح المناداة -لتعديل الدستور الأردني لغايات وجوب الجمع ما بين النيابة والوزارة لتحقيق ما يسمى «الحكومة البرلمانية»- لا أساس لها على الإطلاق، ولا تعدّ ركناً لوجود النظام البرلماني أو تحقيق ما يسمى الحكومة النيابية أو البرلمانية.
وبحسب العجارمة، فإن الحكومة النيابية (أو البرلمانية) في ظل النظام الدستوري الأردني يمكن أن تأخذ صورة أو أكثر من الصور التالية:
1. أن تتم مشاورة الأحزاب والكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه من قِبَل جلالة الملك، على أن يقوم الرئيس المكلَّف في التشاور مع البرلمان ثانية في فريقه الوزاري والذي يتكون من خارج مجلس النواب. وقد طُبق هذا للمرة الأولى في تشكيل حكومة د.عبد الله النسور الثانية.
2. أن تتم مشاورة الأحزاب الفاعلة في البرلمان والكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه، على أن يضم رئيس الحكومة في تشكليه حكومته عدداً من أعضاء مجلس النواب.
3. أن يقوم الملك بتكليف رئيس حزب الأكثرية البرلمانية في تشكيلة الحكومة، ويقوم الرئيس المكلف بالتشاور مع بقية الأحزاب والكتل على تشكلية الحكومة، وغالباً ما تكون هذه الحكومة في جلها من أعضاء مجلس النواب.
ورأى العجارمة أن الصورة الأخيرة تتطلب بالضرورة تعديلاً دستورياً يضمن:
• تحديد الإطار الزمني للرئيس المكلف حتى يكمل مشاورته مع البرلمان، وإذا لم يتمكن من تشكيل الحكومة، يُعطى الملك صلاحية تكليف غيره.
• تحديد صلاحيات الرئيس المكلف على وجه التحديد.
• تحديد صلاحيات حكومة تسيير الأعمال أثناء مشاورات تشكيل الحكومة.
وبشأن ما تتطلبه الحكومة البرلمانية من مشاركة واسعة في الانتخابات، أكد العجارمة أن المواطن يعدّ العنصر الأهم في العملية الديمقراطية، فالديمقراطية ممارسة، والممارسون هم المواطنون، لذلك فإن أولى خطوات الإصلاح السياسي هي دفع المواطنين ليكونوا فاعلين، وعلى الأقل مشاركين في الانتخابات العامة (كالنيابية والبلدية ومجالس المحافظات مستقبلاً) سواء في الترشيح أو الانتخاب، وبشرط عدم الانكفاء على دوائر الانتماء الضيقة (كالعشيرة والطائفة مثلاً) لتكون المصلحة العامة للوطن ونصب أعين الجميع، فيقوم الناخب باختيار المرشحين على أساس برامجهم الانتخابية وليس من تربطه به رابطة قربى أو ديانة أو غير ذلك من الانتماءات الضيقة.
وقال العجارمة إن النظام الحزبي في الدولة الحديثة جزء مهم في نسيجها السياسي، وإن على الدولة أن تساوي بين الأحزاب السياسية بصرف النظر عن هويتها الفكرية وبرامجها، لتحقيق التداول السلمي للسلطة التنفيذية.
وشدد العجارمة على حظر ما يلي في المسألة الحزبية: محاولة فرض إيديولوجية الحزب على المجتمع في حالة الوصول للسلطة، قيام الحزب على أسس عرقية أو دينية، الارتباط بالخارج، التكتلات السياسية على أسس طائفية، ابتلاع الحزب للدولة والسيطرة على مؤسساتها وهيئاتها السياسية والاقتصادية والثقافية، واعتماد الحزب معايير طائفية في تقديمه الخدمات للمواطنين.
وأوضح أنه تم تلافي هذه الأمور في مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 2014.
ولفت العجارمة إلى أن الواجب الأساسي للحكومة هو حماية المواطن وتمكينه من التمتع بالحقوق المنصوص عليها في الدستور، فمن حقها أن تنظم هذا الحقوق لا أن تعطلها، وما هو منصوص عليه في الدستور هو حق للمواطن، ومع ذلك فإن الحكومات كانت تنظر لبعض الحقوق نظرة شك وريبة مثل ما كان معمولاً به سابقاً بشأن التعاطي مع حق الانضمام إلى الأحزاب السياسية
وأضاف أن بداية الألفية الثلاثة شهدت تحولاً كبيراً في علاقة الفرد بالسلطة والسعي إلى توسيع الحقوق و الحريات وحمايتها.
وفي مسألة الحكومة البرلمانية وتطبيق مبدأ الحياد الوظيفي في الإدارة العامة من أجل حماية المواطن (متلقي الخدمة)، أوضح العجارمة أن جلالة الملك بيّن في ورقته النقاشية الثانية متطلبات التحول الديمقراطي الناجح، حيث أشار جلالته إلى أن الوصول إلى نظام الحكومات البرلمانية الشامل يعتمد على ثلاثة متطلبات أساسية ترتكز على الخبرة المتراكمة والأداء الفاعل، مبينناً أن على الجهاز الحكومي تطوير عمله على أسس من المهنية والحياد، بعيداً عن تسييس العمل، لمساندة وزراء الحكومات البرلمانية وإرشادهم.
وقال العجارمة: المبدأ الذي أشار إليه جلالة الملك في غاية الأهمية، ويُعرف في القانون الإداري وعلم الإدارة العامة بمبدأ «الحياد الوظيفي»، أي فصل السياسة عن الإدارة بهدف تحييد الإدارة العامة وتأكيد طابعها التنفيذي وتجريدها من الطابع السياسي، رغم وجود رابطة قوية بين النشاط الإداري والنشاط السياسي نتيجة للتداخل الكامل ما بين جهاز التقرير (أي من يقرر) الممثل في الحكومة، وجهاز التنفيذ الممثل في الإدارة العامة.
ورأى أن هناك مبرراً قوياً لاهتمام الأحزاب السياسية بالإدارة، إذ إن النجاح في تنفيذ برنامج بعينه يساعد على تقوية فرصة إعادة انتخاب مرشحي الحزب في المستقبل، بينما يُضعف الفشل من هذه الفرصة أو يؤثر فيها. ولهذا فإن رسم سياسة إدارية معينة والعمل على تنفيذها يعدّان من الأمور المتكاملة التي يهتم بها الحزب السياسي الحاكم، كما يهتم بها الحزب السياسي المعارض الذي يجد في مظاهر الفشل أو التراخي فرصاً لتوجيه النقد أو الهجوم على الحزب الحاكم.
وتابع العجارمة: لهذا نجد محاولات من الأحزاب السياسية للهيمنة على الوظائف الإدارية بتمكين أنصار الحزب من شغل هذه الوظائف لضمان ولاء هؤلاء الأنصار وإخلاصهم لأهداف الحزب، كما أن منح هذه الوظائف لهم يعد بمثابة مكافأة من الحزب الحاكم لأنصاره نظير تأييدهم في عملية الانتخابات.
وبيّن أن هذه الحقيقة كان لها أثرها في إفساد الجهاز الإداري في كثير من الدول، ولذلك عنيت الدول بتقرير مبدأ أساسي لا بد من اتباعه في جميع حالات الإصلاح الوظيفي، هو مبدأ الحياد في أداء الخدمة العامة، حتى يضمن تحقيق التعاون ما بين الموظف العام والحكومة القائمة أياً كانت ميلوها أو انتمائها السياسي.
ولفت العجارمة إلى أهمية مبدأ الحياد الوظيفي بصفة خاصة في البلاد التي تتعدد فيها الأحزاب السياسية، حتى يتمكن الموظف من تنفيذ السياسة التي تضعها الحكومة دون أن يتأثر بولائه السياسي إن كان ينتمي إلى الحزب المعارض، وبهذا تحتم مبادئ الإصلاح الإداري ألاّ يُدخل الموظف السياسة ومؤثراتها في عمله، لأنه إن فعل ذلك، أصبح غير محايد وبالتالي غير أهل للخدمة العامة.
وقال إن ترك الحرية للموظف العام في مباشرة حقوقه السياسية يوجب عليه بالضرورة الالتزام بالحياد والتجرد في أداء عمله، فالوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن والمجتمع تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الدينية والوطنية والإنسانية وتحرص على إرساء معايير وقواعد ومبادئ أخلاقية تحكم آداب الوظيفة العامة وقيم ثقافية مهنية عالية لدى موظفي الخدمة المدنية، وتبني حالة من الاحترام والتقدير لدورها في توفير الخدمات بأفضل طريقة ممكنة للمواطن والمجتمع على حد سواء، ومن أجل تحقيق ذلك فإن على الموظف الالتزام بمعاملة الجمهور بلباقة وكياسة، وعلى أساس من الحيادية والتجرد والموضوعية والعدالة دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو المعتقدات الدينية أو أي شكل من أشكال التمييز (المادة من نظام الخدمة المدنية رقم 68 لسنة 2013)، لذلك حظر نظام الخدمة المدنية على الموظف العام وتحت طائلة المسؤولية التأديبية استغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو استغلال وظيفته لخدمة أي طرف ليس له حق بها.
وشدد العجارمة على أنه لا يمكن تحقيق سيادة القانون إلا بوجود الرقابة البرلمانية على العمل العام بوصفها عنصراً مهماً وأساسياً للرقابة السياسية، وهذه الرقابة تأخذ أهميتها في ظل نظام تعدد الأحزاب، حيث يستطيع الحزب المعارض أن يكشف أخطاء الحزب الحاكم، وهو ما يدفع هذا الأخير إلى تجنب الوقوع في الخطأ خشية فقدان مكانه في السلطة. وهذا لا يتأتى إلا بوجود أحزاب قوية ذات برامج متباينة، فقد أثبت التجارب العالمية أن حرية الرأي لا تتحقق في ظل التنظيم السياسي الواحد عن طريق النقد الذاتي، ذلك أن الفرد منفرداً لا يكون لرأيه أثر في الشؤون العامة، وحرية الكلمة بمعناها الحقيقي لا تتحقق إلا بكفالة حرية الرأي المعارض.
وختم العجارمة بقوله: بصرف النظر عما ستصل إليه التجربة الحزبية في الأردن، فالمهم هو ضرورة العمل على حماية الإدارة العامة من المؤثرات السياسية، بحيث يتعين العودة إلى الفصل بين العمل السياسي والعمل الإداري لينقطع الموظف العام لخدمة إدارته بعيداً عن أي دوافع أو أطماع يفتحها أمامه انتماؤه الحزبي.
المعايطة: إنجاز إصلاحي
قال الكاتب الصحفي ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) سميح المعايطة إن الورقة النقاشية الملكية الأخيرة تمثل امتداداً للأوراق الأربع السابقة، وخطوة لتأكيد أن عملية الإصلاح في الأردن تنطلق من رؤية وفكر وليست عملية إجرائية أو ردة فعل على الأحداث.
وأضاف أن هذه الورقة تحمل -كما كل الاوراق السابقة- تأكيداً على أن عملية الإصلاح مستمرة في المستقبل، وأن كل ما يجري حولنا ليس مبرراً لأي تعثّر أو تباطؤ، كما تحمل إشارات واضحة على الإنجاز الإصلاحي وبخاصة على صعيد الدستور والقانون وبناء المؤسسات الإصلاحية، تذكيراً للناس وإيجاداً لربط عضوي بين الأقوال والأفعال.
ورأى المعايطة أن من الاشارات المهمة في الورقة الخامسة ما ورد عن دور «الملكية الهاشمية» كما أطلق عليها جلالة الملك، والاسم يحمل نوعاً من الخصوصية للفكر والدور الهاشمي في رسم مسار للملكية يحدد مكانتها وأدوارها المستندة إلى أحكام الدستور وإلى العلاقة الخاصة التي تربطها بالأردنيين والتي تتجاوز إيجابياً أحكام القوانين والدستور.
وأوضح المعايطة أن هذا التأكيد يأتي حسماً لأي تصورات قد تذهب يميناً أو يساراً من تلك القوى التي تجاوزت ضرورات استقرار الدولة ومعادلتها الكبرى حين كانت تتحدث عن تعديلات دستورية تطال صلاحيات جلالة الملك، ولهذا فحديث الملك يرسخ أدواراً مفصلية للملكية الهاشمية في إدارة الدولة، أولها توفير نهج قيادي جامع لكل المكونات، وهذا النهج يجعل الملكية مظلة وصمام أمان للدولة، ويجعلها نبعاً للرؤية وتحديد الخطوات المستقبلية الكبرى التي تتحول إلى سياسات وإجراءات من خلال مجلس الوزراء وأجهزة الدولة المختلفة.
ولفت المعايطة إلى أن دور الملكية الهاشمية يبتعد عن التفاصيل اليومية إلى المفاصل مثل الدفاع عن القضايا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمن القومي، وحماية هوية الدولة والمجتمع، إضافة إلى حماية الدستور وضمان تطبيقه، كما أشارت الورقة إلى دور مهم للملكية والملك، وهي الحكم والفيصل بين السلطات لضمان انسيابية مسار الدولة وتجاوز أي استعصاء سياسي.
وبيّن أن دور الملكية الهاشمية التي أشار إليها جلالة الملك يتكامل مع الأدوار والمهمات والمفاصل كافة التي أشارت اليها الأوراق النقاشية، وبخاصة أدوار المؤسسات الدستورية من حكومة ومجلس أمة وأحزاب ومجتمع مدني وشبابي، ومع الشكل الذي يسعى الأردن لبناءه لنفسه بما فيه من نموذج إصلاحي أردني متدرج تجاوز سلبيات وخسائر دفعهتا شعوب ودول عديدة.
وختم المعايطة بقوله إن الأوراق النقاشية ليست حالة نظرية، بل هي تستند إلى إنجاز إصلاحي، وهي أيضاً ميزة للأردن بأن قيادته تقود الإصلاح من منطلق فكري وقناعات حقيقية ولا تمارس إجراءات فحسب.
حدّادين: فكرٌ ديمقراطيّ تقدّمي
استهل العين المهندس بسام حدادين ورقته التي قُدمت للندوة، بقوله إن جلالة الملك لخّص في ورقته النقاشية الخامسة، رؤيته لمسار الإصلاح الديمقراطي المتدرّج للنظام السياسي الأردني، بهدف الانتقال به نحو نظام ملكي دستوري يستند إلى الديمقراطية النيابية الناجزة.
وأضاف أن الملك يقوم بهذه «المهمة الاستراتيجية» ليملأ الفراغ الذي خلفته الطبقة السياسية في الحكم وفي المعارضة، والتي عجزت عن تقديم رؤيتها الاستراتيجية للإصلاح الوطني الديمقراطي.
وتابع حدادين: لقد اكتفت الحكومات في العمل بـ»القطعة»، ولم نسمع من حكومة أو حزب أو مفكر من النخبة، تصوراً استراتيجياً لبناء الملكية الدستورية النيابية الديمقراطية، أما المعارضة فما زالت تعيش غيبوبتها الأيديولوجية وحساباتها فوق الوطنية، ولا نسمع منها سوى النقد وتقريع للحكومات وفشلها في التقدم نحو الإصلاح، و»تتعفف» حتى عن قول رأيها بخطة الملك الإصلاحية ومسارها ومحطاتها وأهدافها، بدعوى أن المشكلة في الأعمال لا في الأقوال.
ولفت إلى أن الملك تصدى لهذا الفقر و»القحط» في التفكير السياسي الاستراتيجي، عبر أوراقه النقاشية الخمس، دون أن يسميه باسمه الحقيقي، مبيناً أن هذا يقع في خانة «أدب الملوك»، إذ عرضَ الملك أوراقه بتواضع قائلاً إنها مساهمة منه في النقاش وتحفيز الحوار.
وبيّن حدادين أن الملك يعرض في الورقة النقاشية الخامسة خلاصة تصوره لمستقبل «الملكية» وآليات صنع القرار في الدولة الأردنية، ويحدد بوضوح كيفية الوصول إلى الهدف محدداً أدوار وواجبات «أطراف العملية السياسية»: الملكية، ومجلس الأمة، والحكومة، والأحزاب السياسية، والمواطنين.
وأضاف أن الملك يدعو الجميع لتحمل مسؤولياتهم للنهوض بالعملية الإصلاحية، فالإصلاح السياسي ليس مهمة جهة واحدة، بل هو نتاج جهد جماعي ينصهر في بوتقة الدولة والمجتمع، وعلى أساسه تتحدد سرعة وتيرة الإصلاح وينتظم إيقاع الخطوات. والإصلاح ليس قفزات في الهواء أو شعارات معلّقة في السماء، بل هو صيرورة تتشكل في مسار يتداخل فيه السياسي مع الاجتماعي مع الأمني.
ودعا حدادين الدولة –والمجتمع- أن تعي معنى التدرج الذي يؤكد عليه الملك، لأن الاستقرار السياسي والأجتماعي والأمني هدف قائم بحد ذاته، والحفاظ على الدولة الوطنية الأردنية مهمة الجميع ورأس الحكمة.
وقال حدادين: الملك لا يستسلم إلى الظروف الإقليمية المتفجرة، ولا يجد بالانفجار الطائفي-الإرهابي الكبير الذي يزلزل المنطقة دولاً وشعوباً، ما يدعونا إلى الانكفاء وطَيّ ملف الإصلاح أو تأجيله، بل إنه على العكس، يدعو إلى الاستمرار في نهج التحول الديمقراطي وبناء البنية التحتية الديمقراطية التي تمكّننا من الانتقال إلى تشكيل الحكومات البرلمانية «الناضجة»، والتي تدير الحكم، وإلى الانتقال الديمقراطي للسلطة وفق قاعدة الأغلبية البرلمانية المتغيرة.
وأكد أن الملك يولي في وثيقته الإصلاحية الخامسة، أهمية استثنائية لضرورة تطوير التجرية البرلمانية الأردنية، لتكون قادرة على إدارة العملية السياسية البرلمانية بموضوعية واقتدار بحيث تستند إلى التنافس القائم على البرامج والسياسيات لا المصالح والمناكفات.
وأشار إلى أن الملك يرصد التقدم الذي أحرزه مجلس النواب في إدارة أعماله بفعل التعديلات التي أدخلها على نظامه الداخلي، وأنه يبذل جهوداً مضنية لإقناع الكتل البرلمانية بالعمل الجماعي المؤسسي، ويلتقيها كـ»كُتَل» ويطلب سماع آرائها بالسياسات ليضعها على سكة السياسة والبرامج ومغادرة الفردانية والعموميات.
وأضاف: لم ينسَ الملك أن ينتقد النواب لرفضهم المستهجن لإقرار «مدونة السلوك النيابية» والتي أصبحت مطلباً شعبياً للحد من التجاوزات الفردية التي أساءت للمجلس وعمّقت الفجوة بينه وبين الجمهور والرأي العام، فقد طالبهم الملك (بأدب الملوك) بضرورة مناقشة المدونة وإقرارها، فالملك حريص على أن يرتقي الأداء والسلوك النيابي ليقدم نموذجاً يحتذى به.
وبيّن أن وثيقة الملك الإصلاحية الخامسة، تبني على الوثائق الأربع التي سبقتها، وينهي فيها الملك رؤيته الإصلاحية لتطوير النظام السياسي الأردني، مشيراً إلى أن واجب مجلس الأمة والحكومة والأحزاب والمواطنين، إغناء أفكار الملك التي قدمها للنقاش، لتكون مرشداً وحافزاً للجميع في إدارة علمية الإصلاح السياسي. ودعا حدادين مَن له ملاحظات على ما ورد في الورقة النقاشية الخامسة أن يقدمها للتحاور معه والرد عليه «الحجّة بالحجة»، مؤكمداً أن هناك الكثير من العمل يجب إنجازه في الطريق إلى الحكومات البرلمانية الحزبية، لكن التدرج والمرحلية هي السمة الرئيسة التي تستند إليها افكار الملك وخطته الإصلاحية الاستراتيجية.
كما دعا الحكومةَ أن تتخذ قراراً فورياً باعتماد أوراق الملك النقاشية كجزء من المنهاج التعليمي في المستويات كافة.
وخُتمت ورقة حدادين بتأكيده: «من موقعي السياسي على يسار الخريطة السياسية ومن التيار المدني، أدعم بقوة هذه الخطة الملكية الطموحة وأراها تعكس فكراً ديمقراطياً تقدمياً، يفتح أمامنا الباب للعمل من أجل الديمقراطية الاجتماعية التي تسعى لتحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون العادل».
الحلبي: متلازمة الديمقراطية والأمن
قال الداعية علي حسن الحلبي إن الورقة النقاشية الملكية كثيرة المضامين وعميقة المفاهيم، لافتا إلى أن الملك في أكثر من موقع في الورقة النقاشية ركّز على ما وصفه بـ»الأبحاث ذات البراهين» معتبرا أن تلك نقطة جوهرية في الطروحات الرسمية والاجتماعية والفردية كافة، وهي أمر مهم في إثراء المجتمع وتعديل الأفكار فيه.
وأشار في حديثه إلى تفشي الحديث عن مشكلة الفساد المالي، والذي بات محور حديث الغالبية إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي وصفها بأنها «مشكلة المشكلات»، خصوصا أن الاقتصاد الأردني ضعيف بسبب ضعف إمكانات البلد، وما فاقم هذا الوضع الحالاتُ الطارئة التي تسببت بها الأوضاع في دول الجوار مثل سوريا والعراق.
واعتبر أن الحديث عن تعديل رواتب النواب والأعيان، جاء في وقت غير مناسب، في ظل الظروف المعيشية والحياتية والسياسية الملتهبة، وهو ما جعل الناقمين يزدادون نقمة.
وتحدث عن مشكلة الطاقة بوصفها «أكبر مشكلة»، داعيا إلى توجيه المنح والمساعدات الخارجية نحو مشاريع الطاقة البديلة والشمسية وإعطاء تلك المجالات الأولوية، مؤكدا ضرورة حل مشكلة الطاقة بالطرق المستدامة، وليس بالطرق الآنية.
وحول التطرف والإرهاب، قال إن الملك أشار في بداية تقديمه للورقة النقاشية، إلى هذا الموضوع، داعياً إلى ضرورة التركيز على هذا الموضوع بشكل إيجابي، لافتا إلى أن الحديث الإعلامي المتزايد عن حركات التطرف ومنها «داعش»، تسبب في تضخيم الموضوع.
وحول الدور الحقيقي للنواب، دعا الحلبي إلى ضرورة أن يخرج النواب من إطار المصالح الشخصية والفئوية إلى مصالح الوطن والمواطنة الكاملة، مشيرا إلى أنه رغم صعوبة ذلك، لا بد من معايير وخطوات عملية يجتهد بها الخبراء بهذا الصدد.
وفي ما يتعلق بالملكية الدستورية، قال إنها نقطة دقيقة جدا، موضحا أنها إذا لم تنضبط بالفهم الصحيح والقواعد الصحيحة فإن هذا سيؤدي إلى نتائج «يندم عليها الجميع»، وتابع: «لا نزيدها مثل ملَكية بريطانيا، ولا نريدها كذلك محلَّ نهبة لمزيادات حزبية أو شخصية أو فكرية».
أما موضوع الأحزاب، فقال عنه: «معظم الأحزاب ما تزال تدور في أفلاك ذواتها وأفكارها وأطرها واستغلال الظروف الطارئة لنيل الأمجاد الذاتية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن».
وأشار الحلبي إلى أهمية ما تضمنته الورقة النقاشية حول حماية التراث الديني والنسيج الاجتماعي معتبرا ذلك «هوية المملكة الاردنية الهاشمية».
كما تطرق إلى مصطلح «الربيع الأردني الخاص»، الذي أورده جلالة الملك في أكثر من موضع في ورقته النقاشية، مشيرا إلى أن هذا المصطلح نفى مصطلح «الربيع العربي» الذي بات على «الرف» وأصبح نقطة سوداء في تاريخ الأمة رغم أن كثيراً من الناس «أملوا خيراً فلم يجدوا إلا شراً».
وقال إن مصطلح «الربيع الأردني الخاص»، حوّل به الملك مسار هذه الكلمة إلى مسار خاص ضبط أمن البلد وحافظ على وحدته. كما أشار إلى مصطلح «الحكومة البرلمانية الناضجة»، مؤكداً أن كلمة «ناضجة» مقصودة لذاتها، وأنه لا ديمقراطية ولا رفاهية من دون أمن، وهو ما شدد عليه الملك في ورقته النقاشية.
حتاملة: تحديد الإنجاز وحماية الإصلاح
قال نقيب الممرضين الأردنيين محمد حتاملة إن الورقة النقاشية التي أصدرها الملك «كتاب ثورة عمل»، وهي غنية بالأفكار وفيها توزيع للمسؤوليات وشملت الجميع بمن فيهم الملك نفسه.
وأضاف أن الورقة النقاشية الملكية حددت الإنجازات إلى جانب حماية الإصلاح، إذ إن الورقة حددت أن الإصلاح مستمر رغم حالة الإرهاب المحيطة.
ورأى أن أكبر تحدٍّ يواجهنا هو التحدي الثقافي، خاصة لدى النخب العمالية، مشيرا إلى أن هنالك سوء استخدام لكثير من المواقف في أي حدث إلى حد انتقاد الناس ما لا يقرؤون.
وأشار إلى أن الخطأ كان سببه تغييب الطبقى الوسطى السياسية إلى حد أصبح الجميع يتحدث ولا يعمل، داعياً إلى تعزيز دور هذه الطبقى.
وقال: «ما يشدّنا رغم كل الظروف هو قيمة الوطن في نفوسنا، حتى لو أصبحنا فقراء للوطن حقّ علينا»، مشيراً إلى أن الحياة الكريمة للمواطن هي التي تزيد من وطنيته.
ملحم: بناء قدرات السلطة القضائية
قال المحامي محمد سالم ملحم إن جلالة الملك عبدالله الثاني ذكر في ورقته النقاشية الخامسة مواصلة بناء قدرات السلطة القضائية وتطوير قدرة المحكمة الدستورية.
وأضاف أنه على ضوء ما بدا يظهر عند تطبيق أحكام قانون المحكمة الدستورية إضافة إلى ما كان متوقعاً، فإن هناك بعض الملاحظات على هذا القانون، أولها حق الطعن في القوانين التي تخالف الدستور والذي مُنح لمجلس الوزراء ومجلس الأعيان ومجلس النواب.
ولفت إلى أن الطعن في دستورية القوانين في المحكمة الدستورية البلجيكية والهولندية والروسية والهندية يتم بالإحالة المباشرة إلى المحكمة الدستورية لإعطاء الرأي الاستشاري، ثم إذا ما تراءى لأحد المجلسين (النواب والشيوخ) فإن الطرح يكون بالأغلبية التامة (ثلثا الأعضاء للمجلسين وليس الحاضرين)، والسبب في ذلك الرأي الذي أيده ملحم، أن الطعن في الدستورية هو أساساً طعن دستوري وتعديل لقانون مهم أو إلغاء لمادة تخالف الدستور. ودعا ملحم إلى تطبيق نص المادة 126 من الدستور التي تمنح حق التعديل لثلثي أعضاء مجلس الأمة.
كما طالب بتعديل النص الوارد في المادة 60 من الدستور من حيث حالات الطعن ومن لهم الحق في ذلك، مقترحاً أن يشمل ما يلي: النقابات المهنية، والأحزاب السياسي،ة والهيئات المستقلة كديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، وديوان المظالم، ومؤسسات المجتمع المدني (القطاع النسائي)، وأمانة عمان الكبرى، والمركز الوطني لحقوق الإنسان.
ودعا ملحم إلى توسيع صلاحيات المحكمة الدستورية وديوان الرقابة والتفسير، وأن يكون للمحكمة الحق في التصدي من تلقاء نفسها لأي قانون و/أو مادة في قانون و/أو نظام و/أو مادة في نظام تخالف الدستور.