قضايا الامة والنظام العربي

14/04/2008

د. حسن نافعة يحاضر فـي مركز (الرأي) للدراسات حول:

حول قضايا الامة والنظام العربي

 

أدار وتحرير : يوسف الحوراني

14/4/2008

لعل ما أثير من جدل وسجالات وتجاذبات قبل وبعد القمة العشرين، وما تناوله الكتّاب والمحللون من نقد للمشهد العربي عشية وغداة المؤتمر وما أثير من مخاوف على مستقبل العمل العربي المشترك ما بعد القمة يدفعنا إلى توسل الحقائق والوقوف على طبيعة الوضع العربي المأزوم والسبيل للخروج من هذه المآزق.

إن المواطن العربي، بعد القمة، يتساءل هل نحن ذاهبون إلى أسفل الهاوية، وهل الأمة في طريقها إلى التفتت والانهيار بأكثر مما هو عليه الحال، وهل نحن أمام ضياع للهوية والكرامة والثروات، أم نحن أمام كارثة قومية وضياع للبوصلة؟ ونتساءل مع المواطن العربي، هل نحن مستمرون في الذهاب إلى التكتلات العربية وتكريس حالة الانشقاق التي سادت ما قبل القمة ؟ وهل ستحكم العلاقات العربية العربية في المستقبل صراعات الأجندات الدولية والإقليمية؟ إن '' المشهد العربي '' لا يبعث على التفاؤل ويكتنفه الكثير من السوداوية وتراجع في الآمال وانخفاض في سقف التوقعات، أو الأمل بحدوث أي تطور إيجابي في العلاقات العربية العربية أو في العمل العربي المشترك رغم كل القواسم والمصالح القومية ورغم ما يتهدد الأمة من أخطار وتحديات كبيرة تستدعي وقفة للمراجعة وتصويب لأوضاعنا والخروج من دائرة الاستقطابات والانحدار نحو الهاوية إلى مرحلة نستدعي فيها الوعي والعمل الجاد.

وانطلاقا من حرص مركز الرأي للدراسات لأخذ دوره في خدمة قضايا التنوير والتحديث، والتصدي للقضايا الحضارية والفكرية والديمقراطية والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني والحريات العامة، فإنه حاول في برنامجه لهذا العام أن يضع كافة وجهات النظر حول مختلف القضايا أمام الرأي العام، وأن يوليها الاهتمام، وبخاصة ما تعلق منها بالوضع العربي عموما وبؤره الساخنة خاصة، فضلا عن القضايا المحلية، سواء كان ذلك عبر المحاضرات أو الندوات أو ورش العمل أو الدراسات.

استضاف مركز الرأي للدراسات في المؤسسة الصحفية الأردنية '' الرأي '' الدكتور حسن نافعة الأمين العام لمنتدى الفكر العربي لتسليط الضوء على الأجواء العربية التي عقدت فيها القمة العربية العشرين في دمشق، والنتائج التي توصلت إليها وما ستكون عليه الأوضاع ما بعد القمة.

السلام عليكم جميعا ورحمة الله .. وأشكر مركز الرأي للدراسات على كريم دعوته، ويشرفني أن ألتقي معكم اليوم في حوار، ويشرفني حضوركم.

طبعاً مدخلنا هو القمة العربية الأخيرة وأتصور أن القضية التي ستكون مطروحة للنقاش هي قضية العمل العربي المشترك بشكل عام والى أين يتجه، دعوني ابدأ بالتمييز بين مؤتمرات القمة وبين مؤسسة القمة، فهناك فرق كبير بين الاثنتين. ميثاق جامعة الدول العربية لم يتحدث عن القمة كمؤسسة أو كجهاز من أجهزة الجامعة العربية ولكنه أوجد شيء أساسي اسمه مجلس الجامعة دون أن يحدد مستوى تمثيل الدول الأعضاء في هذا المجلس، وبالتالي المعتاد أن ينعقد المجلس على مستوى ممثلي الدول لدى الجامعة العربية وعادة ما يكون الحضور على مستوى السفراء أو مندوبي الدول الأعضاء المعتمدين لدى جامعة الدول العربية في مقرها في القاهرة، لكن هذا لم يمنع من انعقاد مؤتمرات قمة عند الضرورة ، إذا طلبت دولة عربية ذلك، بصرف النظر عما إذا كان هناك ذكر لمؤتمرات القمة في الميثاق أم لا، فإذا وافقت أغلبية الدول الأعضاء على الحضور والمشاركة في مؤتمر القمة من الطبيعي أن ينعقد المؤتمر، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مناسبة ولأسباب مختلفة.

فأول مؤتمر للقمة عقد في انشاص عام 1946، أي بعد إنشاء جامعة الدول العربية بعام واحد، وكانت القضية الفلسطينية هي محور هذا اللقاء وسبب الدعوة، وكان البحث طبعاً عن كيفية مواجهة الدول العربية لتطورات الوضع على الأرض الفلسطينية وهل تدخل في عمل عسكري لمنع قيام دولة إسرائيلية أم لا.

لا أريد أن ادخل في تفاصيل هذا المؤتمر أو غيره، ولكن أريد أن أقول أن هذه لم تكن المناسبة الوحيدة حيث كانت هناك مناسبات أخرى أو أزمات أخرى رأت بعض الدول العربية أن تدعو لمؤتمر قمة لاتخاذ موقف بشأنها، وهو ما حدث مرة ثانية إبان أزمة السويس أو العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، أي بعد تأميم مصر لقناة السويس وبداية الاتجاه لشن عدوان عسكري ثلاثي بين إسرائيل وفرنسا وانجلترا، إذن عقد مؤتمر ثان للقمة في عام 1956، لكن تعين الانتظار حتى عام 1964 كي تأخذ مؤتمرات القمة زخما جديدا ومختلفا. ففي ذلك العام بدأ الرئيس جمال عبد الناصر يدعو لمؤتمرات قمة، بمناسبة قيام إسرائيل بمحاولة الاستيلاء على مياه نهر الأردن وكانت هناك إرادة عربية مشتركة في منع إسرائيل من الاستفادة من هذه المياه وتحويل مجرى النهر..

كان عام 1964 منعطفا جديدا نحو مؤتمرات القمة لان فكرة انعقاد قمم دورية بدأت منذ ذلك التاريخ، وفي كل مرة نعقد مؤتمر للقمة منذ ذلك التاريخ كان يتضمن قرارا يؤكد على أهمية انعقاد القمة بشكل دوري ويتخذ قرار بانعقادها في العام التالي. وكانت هناك رغبة جماعية في أن تجتمع القمة دوريا مرة واجدة على الأقل كل عام، ومع ذلك ورغم تكرار انعقاد مؤتمرات القمة بشكل أكثر كثافة منذ ذلك الحين إلا أنها لم تنتظم في معظم الأحيان، فبينما كانت تعقد دورات استثنائية أحيانا مرتين في عام واحد، وهو ما حدث بالفعل مرة أو مرتين، ولكن في أحيان أخرى كانت تمضي سنوات 4 أو 5 او6 او7 دون أن تتمكن أي قمة من الانعقاد. وهكذا تعين الانتظار حتى عام 2000 للموافقة على إدخال تعديل على ميثاق جامعة الدول العربية يلزم الدول الأعضاء بعقد قمة سنويةً في شهر مارس من كل عام. وهكذا أضيف إلى ميثاق جامعة الدول العربية بروتوكولاً أضافيا اعتبر جزء لا يتجزأ من الميثاق و دخل التعديل حيز التنفيذ وأصبحت القمة مؤسسة ضمن مؤسسات جامعة الدول العربية، و أصبح مجلس الجامعة ينعقد على ثلاث مستويات: المستوى العادي، وهو مستوى المندوبين الدائمين المعتمدين لدى الجامعة، ومستوى وزراء الخار
جية، ومستوى القمة، أي مستوى رؤساء الدول أيا كانت مسمياتهم، ملوكا كانوا أم سلاطين أم أمراء، وهكذا أصبح مجلس الجامعة ينعقد مرتين سنويا على مستوى وزراء الخارجية، مرة في شهر سبتمر وأخرى في شهر مارس قبل القمة للتحضير لها، ومرة واحدة على مستوى القمة وفي شهر مارس تحديدا من كل عام. هذا بالنسبة للدورات العادية، لكن يمكن للمجلس أن يعقد دورات استثنائية على اي مستوى، بما في ذلك القمة، إذا كانت هناك ضرورة لذلك.

هنا أريد أن أقف لحظة لشرح معنى هذا التعديل لان البعض، للأسف الشديد، لا يفهم معنى وجود التزام في الميثاق بانعقاد قمة عربية مرة واحدة على الأقل كل سنة. فالدول العربية لم تتعود على العمل المؤسسي وتتعامل مع المؤسسات بخفة واستهتار في كثير من الأحيان، فهي لا تعرف معنى ما التزمت به في ميثاق جامعة الدول العربية بعد تعديل عام 2000.

ماذا يعني التزام الدول العربية نصا بانعقاد القمة مرة واحدة على الأقل سنويا؟ هذا الالتزامً يعني ببساطة أن على جميع الدول الأعضاء أن يلتقوا كل عام مرة واحدة على الأقل على مستوى القمة. ويتعين هنا أن نميز بين مكان انعقاد القمة ورئاستها، فالمكان الطبيعي لانعقاد القمم العربية هو مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، مع وجود استثناء واحد وهو أن تبدء الدولة التي تترأس القمة انعقادها في عاصمتها، وفي هذه الحالة يصبح الانعقاد في عاصمة الدولة التي تراس القمة وجوبيا. ومن المعروف أن رئاسة القمة تتم بالتناوب بين رؤساء الدول حسب ترتيب الحروف الأبجدية لأسماء الدول، ولذلك بدأت الرئاسة بالأردن، فأول مؤتمر قمة عربي عقد بعد تعديل الميثاق سنة 2000 كان في عمان سنة 2001 وبعد ذلك وصل الدور، وبالترتيب الأبجدي، إلى سوريا. هذا معناه أن استضافة سوريا للقمة العربية هذا العام لم يكن لأنها راغبة في احتضان القمة لتعزيز نفوذها ودورها في هذه اللحظة بالذات، كما قيل، لأن مثل هذا كلام ليس له أساس على الإطلاق. الانعقاد في سوريا هذا العام بالذات تم لأسباب لائحية بحتة لاعلاقة لها برغبة سوريا. ولأن الدول العربية التي آلت إليها رئاسة القمة من قبل اعتادت
أن تبدي رغبتها في استضافة القمة في عاصمتها، فلم يكن هناك أي شيء غير طبيعي أو استثنائي حين قامت سوريا بالشيء نفسه حين طلبت انعقاد القمة في عاصمتها.

النقطة الأهم التي أريد التركيز عليها هنا تدور حول معنى الالتزام الوارد في الميثاق حسب تعديل 2000 بعقد مؤتمر قمة كل عام، فالمعنى الوحيد المقبول هو أن تلتزم كل الدولة بحضور المؤتمر وأن تمثل بشخص رأس الدولة، إلا في حالة الضرورة القصوى ووجود حالة قاهرة تمنعه من المشاركة، على أن يكون السبب معروفاً للكافة. ولذلك فحين تعمد الدول لتخفيض مستوى تمثيلها في مؤتمرات القمة لأسباب سياسية أو لأية أسباب أخرى نتيجة خلاف بينها وبين الدولة المضيفة فهذا لا يجوز ويعتبر خرقا للميثاق وعدم وفاء بالالتزام الذي قطعته على نفسها. وأكرر أن معنى الالتزام هو المشاركة في القمة بشخص رئيس الدولة مهما كان الخلاف مع الدولة المضيفة. فأي خلاف سواء مع الدولة المضيفة أو غيرها يجب أن يطرح على طاولة المؤتمر ويناقش حسب الأصول والتقاليد المرعية في مثل هذه الأحوال. هذه مسألة لابد من توضيحها حتى يكون الأمر جليا في كل ما يتعلق بمعنى الانعقاد الدوري للقمة. فهناك فرق جوهري بين تنظيم عملية انعقاد القمم قبل وبعد تعديل الميثاق.

القمم العربية التي انعقدت بعد تعديل سنة 2000 أي اعتباراً من سنة2001 لم تكن دائما وبالضرورة بحضور كل الرؤساء أو حتى كل الدول العربية، فغالبا ما كانت تحدث مشكلات. صحيح أن القمم انتظمت حتى الآن وعقدت بشكل دوري وفي موعدها، باستثناء مرة وحيدة حدثت فيها مشكلة كان في تونس عندما قام الرئيس زين العابدين بتأجيلها وبقرار منفرد رغم وصول بعض الوفود، حيث كانت هناك خلافات حول الوثيقة التي يفترض أن تصدر عن المؤتمر، ولذلك أجّلت القمة وبدلا من أن تعقد في آذار / مارس، عقدت في أيار / مايو أي بعد حوالي شهرين أو ستة أسابيع من الموعد المقرر له.

ننتقل الآن بعد هذه المقدمة إلى قمة دمشق، فهذه قمة دورية اعتيادية تعقد في سوريا وفق الترتيب الأبجدي، و لو كانت الدول العربية تتصرف بشكل مؤسسي و طبيعي لتعين عليها أن تحضر جميعا وتمثل برؤسائها وأن تناقش كل القضايا التي تستحق أن تناقش وتُتخذ القرارات الضرورية. لكن وبسبب الخلافات العربية، ودائماً هناك خلافات عربية، جرت محاولة لاستخدام انعقاد القمة في دمشق كوسيلة للضغط، فسوريا متهمة من جانب دول عربية معينة بأنها لم تقم بما كان يجب عليها أن تقوم به للمساعدة في اختيار رئيس للدولة اللبنانية، اي أن بعض الدول العربية تدعي أن سوريا قصّرت أو أخلت بالتزام ما، أو أنها كان يمكن أن تقوم بدور انشط واكبر وافعل من الدور الذي قامت به، ولذا جرت محاولة للتهديد بنقل القمة من دمشق إلى عاصمة أخرى، وهذا يخالف الميثاق، لان نص التعديل واضح جداً وهوان القمة تُعقد بالترتيب و تعقد في المقر إلا إذا اعتذرت الدولة التي ألت إليها رئاسة القمة عن استضافتها لسبب من الأسباب. وسوريا، بحكم الترتيب الأبجدي وليس تعطفا أو مكرمة أو صنيعة أو جميل من أحد، هي صاحبة الحق في الاستضافة، ولأنه لم يكن من الممكن تأجيل القمة، لأن دمشق أعلنت أن القمة ستعقد بمن يحضر
إلى دمشق وبالتالي لم يكن أمام الدول الأعضاء سوى أن تحضر أو لا تحضر أو تحضر بتمثيل أقل من رئيس الدولة.

ثم جرت بعد ذلك محاولة للضغط على سوريا من خلال التهديد بخفض مستوى التمثيل، وليس معنى خفض مستوى التمثيل أن يذهب نائب الرئيس أو ولي العهد، فبعض الدول مثل السعودية والأردن ارسلوا مندوبيهم في جامعة الدول العربية، ومصر أرسلت وزير الدولة للشؤون القانونية و لبنان قرر أن لا يحضر القمة أصلا وبالتالي كانت هناك ضغوط واضحة على سوريا للتصرف بشكل معين.

دمشق فسّرت هذا الموقف بأنه نتيجة ضغوط أمريكية وان الدول العربية التي لم تحضر القمة أو التي خفضت مستوى تمثيلها انصاعت لهذه الضغوط، وكانت هناك محاولة لحصار سوريا وعزلها وإفشال القمة العربية لإثبات أن سوريا غير قادرة على عقد القمة في عاصمتها وأنها غير مؤهلة لقيادة العمل العربي المشترك خلال العام التالي، وكانت هناك ترتيبات لعقد قمة استثنائية بديلة. لكن ما حدث أن القمة عقدت بحضور 11 رئيس دولة و9 دول على مستوى اقل، وغياب لبنان. وهكذا فشلت المحاولات الرامية للتأجيل ، ثم فشلت المحاولات الرامية لإفشال القمة، وما جرى في القمة كان (لا أريد أن استخدم تعبيرات مبالغ فيها) أشبه بمن يسير على حبل مشدود، لكن أقل ما يقال أن سوريا تصرفت بطريقة اعتقد أنها حكيمة. فالبعض كان يتوقع أن تنفعل دمشق وتهاجم الدول التي لم تحضر بالمستوى المطلوب، وأن يؤدي هذا الانفعال إلى انفجار القمة من داخلها أو يتم تأجيلها، وهو ما لم يحدث. والحقيقة أن من يقرأ نص الإعلان ونص مقررات قمة دمشق لن يجد أي خلاف على الإطلاق أو أي تباين بينه وبين ما كان يصدر تقليدياً في القمم الأخرى، وهناك قمم عُقدت ووصفت بالنجاح الباهر، سواء من حيث عدد المشاركين أو مستوى المشارك
ة، لكنها لم تنجز في الواقع أفضل مما أنجزته قمة دمشق، لأن كل المؤتمرات لم تنجز شيئا يمكن الاعتداد أو الاعتزاز به. فالأغلبية العظمى كانت تحضر على مستوى رؤساء الدول، والوفاق كان يبدو واضحاً جداً في القرارات وفي البيانات الصادرة ومع ذلك فإن جزء كبير جداً من هذه القرارات لم ينفذ ولم ير النور، وبالتالي يتعين أن نميز أو أن نتفق أولا على معايير النجاح والفشل قبل أن نحكم على نجاح أو فشل قمة دمشق. هل المعيار الوحيد للنجاح هو مستوى الحضور، طبعا لا، ففي حال التزام الدول العربية بالنص لا بد أن تذهب كلها وتشارك على مستوى القمة، و لا يجب أن يُتخذ تقاعس الدول العربية عن الوفاء بالتزاماتها على أنه يعيب الدولة المضيفة ولكنه يعيب الدول التي لم تفِ بالتزاماتها.

هل نقيس نجاح القمة بعلو نبرة القرارات والبلاغة في هذه القرارات؟ لا واعتقد أن هذا معيار خادع. فالمفروض أن يقاس العمل العربي المشترك و بالذات في مؤتمرات القمة بقدرة الدول على تنفيذ المقررات، أو رغبة الدول وإرادتها وتصميمها على الالتزام بما قررته، و مقررات القمم من سنة 46 ولغاية الآن ومنذ أن تحولت إلى دورية بعد تعديل 2000 أي ابتداء من عام 2001 لم تنفذ رغم أن معظمها ووفق عليه بالإجماع. فسواء أكانت هذه القرارات تخص المسألة العراقية أو اللبنانية أو الفلسطينية أو غيرها من المشكلات البالغة التعقيد فالأمر سواء، جميعها لم ينفذ تقريبا أو نفذ الجزء اليسير منها، أما معظمها فقد ظل حبرا على ورق. صحيح أن معظم هذه القرارات كانت تبدو جميلة جداً ومعقولة على الورق، ومع ذلك كانت كل دولة تتصرف وفق رؤيتها ووفق مصالحها الخاصة ولم تتصرف مطلقاً وفقا لمتطلبات العمل العربي المشترك.

ماذا عن المستقبل وخاصة ما تعلق بموقف سوريا من الأزمة اللبنانية وعدم قيامها بما كانت تطالبها به الدول العربية ؟ لست معنيا هنا باتخاذ موقف المدافعً عن سوريا، إنما الأمانة العلمية تقتضي القول أن موضوع الأزمة اللبنانية موضوع مُركب جداً ومعقد و لست مقتنعاً بفكرة انه كان بإمكان سوريا حل الأزمة اللبنانية قبل القمة لو أنها كانت قد تدخلت بطريقة مختلفة، لماذا؟ لأن الأزمة اللبنانية ليست فقط أزمة انتخاب رئيس، فواقع الأمر وعند الفحص المتأني والمدقق لهذه الأزمة المركبة، نجد أن هناك فراغ في الرئاسة و تعطيلا في البرلمان، وحكومة تعتبرها أطراف لبنانية عديدة غير شرعية، وبالتالي فأزمة تشمل كل مكونات النظام ( الهيئة التشريعية والهئية التنفيذية ومؤسسة الرئاسة)، اي أن النظام كله معطل. وبافتراض أن سوريا كان يمكن أن تساعد لبنان بشكل اكبر في انتخاب رئيس توافقي تمت تسميته فعلا، إلا أن الأزمة لا تحل بمجرد انتخاب الرئيس ويمكن أن تُرحل ولا تُحل بانتخاب الرئيس، وبالتالي ما لم يكن هناك اتفاق على انتشال المشكلة اللبنانية من الهوة السحيقة التي وقعت فيها و الاتفاق على الركنين الآخرين و هما الحكومة وقانون الانتخاب والذي سيتوقف عليه تحديد شكل ال
أغلبية القادمة، فإنه لن يتحقق الحل المنشود.

الموضوع إذن أعمق مما يدعي كثيرون. فالصراحة تقتضي أن نقول أن جوهر المشكلة اللبنانية في صيغتها الحالية هو حزب الله وسلاح حزب الله، و منذ تحقيق الانتصار على إسرائيل في سنة 2000 و تحرير ارض عربية دون شروط إسرائيلية، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أصبح حزب الله يمثل بالنسبة لكثيرين، خاصة إسرائيل و الولايات المتحدة و جهات أخرى، قوة تهدد المنطقة مما عقد الأمور أكثر، وبالتالي بدأ بعد سنة 2000 التفكير الجدي في كيفية حصاره وعزله. ولأن حزب الله مرتبط بشبكة علاقات وتحالفات مع سوريا وإيران والمقاومة الفلسطينية، فقد كان من الطبيعي أن يشمل الضغط سوريا أيضا.

ثانيا : هناك نقلة نوعية حصلت في المعطيات الاستراتيجية على مستوى العالم وعلى مستوى المنطقة بعد أحداث سبتمبر 2001 و بالذات بعد الاحتلال الأميركي للعراق، حيث أصبحت الولايات المتحدة موجودة بشحمها ولحمها داخل المنطقة. لم يكن الغزو الأميركي للعراق هدفا وحيدا في حد ذاته. صحيح أن العراق لقمة كبيرة بسبب ما يحتويه من كميات هائلة من احتياطيات النفط وتدميره عسكريا يسهم في تحقيق امن إسرائيل، لكن الولايات المتحدة جاءت للعراق في إطار تصور استراتيجي لا ينتهي عند العراق، حيث كان المطلوب بعد الاحتلال الأميركي للعراق إسقاط النظام الإيراني وإسقاط النظام السوري ونزع سلاح حزب الله، ثم إنهاء المقاومة الفلسطينية وإعادة ترتيب الشرق الأوسط، وبما يسمى الشرق الأوسط الجديد، ومن اجل ذلك، وبعد الحرب على العراق مباشرة، بدأ العمل لحصار السوريين، فصدر القرار 1559 والحديث في موضوع التمديد للرئيس لحود، ثم جاء مقتل الحريري واضطرت سوريا للانسحاب من لبنان، و خلق هذا زخما جديدا وأوجد معادلات وتوازنات جديدة حاول كل طرف توظيفها لحسابه. وشعرت إيران وسوريا والمقاومة الفلسطينية أنها مستهدفة، ومن هنا بداية التحالف بين هذه الأطراف أو تمتين هذا التحالف أكث
ر فأكثر..

غير أن هناك بعدا آخر، للمسألة لا يجب أن نغفله إطلاقا. فمع انزلاق الولايات المتحدة إلى المستنقع العراقي لاحت فرصة لإيران للعب دورً أكبر بكثير مما كانت تتصوره الولايات المتحدة واكبر بكثير مما كانت تتصوره أطراف عربية، وبالتالي بدأت الدول العربية تظهر قلقا حقيقيا (بعضه مبرر بالفعل) من تغلغل إيران في أحشاء المجتمع العراقي، الأمر الذي حاولت الولايات المتحدة استغلاله والعمل على تحريض العالم العربي ضد إيران وتثبيت الاعتقاد بأنها باتت تشكل عليه خطر أكبر من الخطر الإسرائيلي. في هذا السياق جاءت تصريحات جلالة الملك عبد الله عن الهلال الشيعي وأعقبتها تصريحات الرئيس مبارك حول ولاء الشيعة في العراق لإيران وليس للوطن العراقي وقبلها صدر تصريح عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يقول بإن السياسة الأمريكية أفادت إيران وغذت طموحاتها الإقليمية.

جرى كل ذلك قبل اندلاع حرب صيف 2006، وبالتالي كان واضحاً أن هناك محاولات تجري على مستوى المنطقة، لعزل حزب الله و سوريا و إيران، وكان خلق وتعميق الأزمة اللبنانية هو مدخل الولايات المتحدة لعزل وحصار سوريا، إما إيران فقد دخلت إليها الولايات المتحدة من باب برنامج التسلح النووي، ولم يكن مستبعدا أن توجه لها ضربة عسكرية مباشرة لو كانت الأمور قد استقرت لها في العراق، لكن الأمور لم تستقر هناك، ولأنها انغرست عميقاً في الوحل العراقي ولا تريد أن تنسحب ولا تستطيع أن تنسحب فقد كان من الطبيعي أن تبحث عن وسائل أخرى تحاول أن تضغط بها على سوريا من ناحية، و على إيران من ناحية أخرى، لكن الهدف الرئيسي كان حزب الله في المقام الأول، ونزع سلاحه، ولكن المشكلة أصبحت اكبر وأعمق عندما تمكن حزب الله ليس فقط من الصمود، بل من الانتصار على إسرائيل في حرب شاملة شنتها عليه في صيف 2006.

إذن الأزمة اللبنانية ليست قضية انتخاب رئيس الدولة، وليست قضية دولة تعطل الحل فيها، القضية تكمن أولا في بعدها الطائفي الذي يحاول البعض تأجيجه، و الحديث عن الشيعة والسنة والخلافات بينهما باعتبار أن حزب الله شيعي ، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي وثانيا، أن هذا الحزب أو التنظيم استطاع أن يلحق هزيمة عسكرية بإسرائيل مرتين، ومطلوب إسرائيليا واميركياً تصفيته.

الأزمة اللبنانية أزمة إقليمية بكل معنى الكلمة. فهناك أطراف إقليمية عديدة منغمسة فيها حتى أذنيها وليس إيران فقط، فإلى جانب إيران وعلاقتها الواضحة بحزب الله هناك أيضا سوريا وعلاقتها الواضحة بأطراف لبنانية عديدة وليس بحزب الله فقط، وهناك السعودية وعلاقتها بمجموعة 14 آذار، و بالحريري على وجه التحديد، وهناك مصر وعلاقتها التاريخية والتقليدية بالسُّنة، وبالتالي فإن الأزمة اللبنانية تجسد المشكلة والصراعات الإقليمية.

أمام كل هذا التعقيد يصبح من الظلم لسوريا تحميلها مسئولية عدم انفراج الأزمة اللبنانية والادعاء بأن الأزمة كان يمكن أن تنتهي لو كانت سوريا قد تصرفت بهذه الطريقة أو تلك، أو الإصرار على (وضع العقدة أمام المنشار) والقول بأنه إما أن تفعل سوريا كذا أو لا نحضر القمة أو نفشلها بخفض مستوى التمثيل. فسوريا، شأنها شأن حلفائها، تخشى من أن يؤدي قصر الاتفاق على شخص رئيس الدولة إلى تداعيات أخرى إذا لم يكن هناك اتفاق على الحكومة وعلى القانون الانتخابي وعلى حل الأزمة اللبنانية برمتها وألا أصبح انتخاب رئيس الدولة مدخل أو وسيلة لفرض حلول من فريق على فريق آخر. فالنظام اللبناني لا يعمل إلا بالتوافق الشامل والكامل.

إذاً، هذا هو الصراع الخفي، أما الصراع المُعلن، بالادعاء أن سوريا لم تقم بما هو مطلوب منها وبالتالي تستحق العقاب، فيخفي وراءه أشياء أخرى أعمق من هذا، فالقضية اللبنانية في نهاية المطاف هي قضية العمل العربي المشترك، و هناك من يقول أن القمة نجحت و آخرون يقولون أن القمة لم تنجح، لكن السؤال: إلى أين من هنا؟ و ماذا بعد القمة؟ لو نظرنا إلى خريطة العالم العربي وشاهدنا ما يجري في فلسطين وما يجري في العراق، و في لبنان، و الصومال والسودان سوف نصل إلى نتيجة مباشرة وبسيطة جداً تقول أن العالم العربي مهدد بالفعل بالتفتت، فهناك عملية تفتيت تجري في السودان قد تؤدي لتقسيمه، وفي العراق مناطق تعيش كدويلات مستقلة ومهدد بالتقسيم، ولبنان ايضا مهدد بالتفتت والتقسيم، وكل هذا يصب في المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية العليا ويقرب إسرائيل من إمكانية تحقيق أمنها أو انتصارها المطلق والنهائي. فإسرائيل تعتقد أنها لا تستطيع أن تحقق أمنها المطلق إلا إذا تمكنت من تحويل العالم العربي إلى دويلات طائفية، شيعية وسنية وعلوية ودرزية .. الخ. ففي مثل هذه الحالة فقط تصبح إسرائيل حينئذ دولة طبيعية، دولة يهودية في وسط دويلات درزية وشيعية وعلوية ..الخ وتصبح
هي الأقوى و هي ضابط الإيقاع، ونكون قد وصلنا إلى ما تريده إسرائيل. لكن لحسن الحظ، هناك قوى تقاوم هذا المشروع تقاوم مشروع التفتيت وبالتالي لا نستطيع أن ندعي أن العالم العربي هُزم وانتهى الأمر.

الشهور القادمة بالغة الخطورة، وسوف يتوقف العمل العربي في المرحلة المقبلة على ما يقرره لاعبين رئيسيين: هما الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية، وإيران وحلفاؤها في سوريا من ناحية أخرى، ولا اعتقد أن من مصلحة إيران أو مصلحة إسرائيل القيام بخطوة استفزازية هجومية أو تحرشية، ولكن إيران و سوريا و حزب الله يتوقعون هجوما. والنبرة الهادئة التي حصلت في دمشق تُبرد الأجواء في العالم العربي وتُخفف من حدة الاحتقان، ووجود سوريا في رئاسة القمة في هذا الوقت بالذات مهم جداً لأنها على الأقل تستطيع أن تحول دون تحويل الجامعة العربية إلى غطاء لضربة اميركية جديدة، كما حدث في مرات سابقة.

و نحن نعلم أن الولايات المتحدة عندما تقرر أن تضرب فهي لا تستأذن أحدا ولا تهتم بأحد عند اللزوم، ولكن في بعض الأحيان يكون العمل الدبلوماسي أو تهيئة الأجواء الدبلوماسية مسألة بالغة الأهمية، وبالتالي النغمة الهادئة غير المنفعلة الراغبة في أو الواعية بضرورة تحجيم التحديات المطروحة على الساحة يساعد على التخفيف من حدة الاحتقان، و هذا لا يكفي، لان المطلوب تقريب وجهات النظر العربية، وأعتقد أن المحور الذي يستطيع أن يحافظ على سلامة النظام العربي ومنعه من الانهيار، هو المحور المصري السوري السعودي، وياحبذا لو أمكن ضم الأردن له، و تاريخياً لم ينجز النظام العربي أي تقدم في أي مرحلة إلا عندما كان هذا المحور قوياً وقادراً على العمل، كما جرى في عام 1956 حينما شكلت سوريا والسعودية ومصر محورا، وفي عام 1973 كانت سوريا والسعودية ومصر تقف إلى جانب بعضها البعض، وبالتالي تستطيع هذه النواة الصلبة أن تجمع حولها التيار الرئيسي في العالم العربي المحافظ منه والراديكالي في الوقت نفسه، العثور على نقطة وسط أو حلول وسط تمكن من تعويم العالم العربي وتمكينه من العبور أو الطفو فوق الأزمات، فكل المنجزات التي حققها النظام العربي في مرحلة أو أخرى (ه
ذا في حالة وجود منجزات) كانت في اللحظات التي حصل فيها توافق. والسؤال الآن هل تستطيع هذه الدول أن تفعل شيئاً ؟ جرت محاولات بدأها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد القمة، مستفيدا من الأجواء الهادئة التي جرت، ويبدو أن الكويت بدورها تحاول كما تحاول أطراف عربية أخرى ربما كان من بينها الأردن وإن من وراء ستار، لكن هل تنجح هذه المحاولات ؟ هنا يمكن القول أن الأمر سيتوقف على قوة الضغط الأميركي وعلى مدى قدرة واستعداد الدول العربية، وبالذات ما يسمى بالمعتدلة، على المناورة وتفويت الفرصة على الولايات المتحدة والتي تبدو راغبة بشدة في في توتير الأوضاع والتصعيد في المنطقة..

أعتقد أن هذا العام سيكون عاماً خطراً جداً، فالرئيس جورج بوش يتصرف بمنطق الجريح، وهو يفكر بطريقة أيديولوجية و هو رجل مغامر قد يتحول في اللحظة الأخيرة إلى مقامر ويحاول أن يلعب بكل أوراقه مرة واحدة طمعا في أن يكسب كل شيء حتى لو خسر كل شيء، ولا حدال عندي في أن حربا إقليمية واسعة النظاق ستنشب إذا ما قرر بوش في لحظة معامرة أو مقامرة أن يوجه ضربة عسكرية لإيران، فربما لا تكون إيران المقصودة وحدها، وتصبح حرباً بالتوازي تشترك فيها إسرائيل وأميركا من ناحية، حيث تتولى إسرائيل تصفية حسابها مع حزب الله وربما مع سوريا أيضا، وتتولى الولايات المتحدة إيران، لكن هذا الموضوع يمكن النقاش في تفاصيله.

إن أفضل الاستراتيجيات العربية التي يتعين تبنيها في المرحلة الراهنة هو في الحيلولة بكل ما تستطيع دوت قيام أمريكا بشن حرب أخرى في المنطقة والعمل بكل الوسائل الممكنة لردعها أو ثنيها عن أي التفكير أو محاولة التفكير في توجيه ضربة لإيران، لان هذا سينعكس سلباً على الجميع، و ستكون الدول العربية هي الخاسر الأكبر. وإذا نجحت الدول العربية في كسب هذه النقطة يصبح من السهل عليها أن تحافظ على حد أدنى من التماسك العربي يسمح لها بعبور الأزمة، وتجاوز الشهور الخطرة التي لن يتحقق فيها أشياء ضخمة أو كثيرة، وأقصى ما يمكن تحقيقه في المرحلة القادمة هو تجنب الكوارث الإضافية. لقد كان البعض يتصور أننا وصلنا إلى قاع الهاوية ومن الطبيعي عندما يصل الشخص إلى القاع أن يتطلع إلى أعلى لكي يصعد، لكن يبدو أننا نسقط نحو هاوية بلا قاع، وفي كل مرحلة نتدحرج إلى أسفل وما زلنا نتدحرج وننتقل من سيء إلى اسوأ لأن الهاوية تبدو بلا قرار.

 

هل نستطيع أن نوقف هذا التدهور؟ تلك هي المسألة كما يقولون، ونأمل أن تتمكن سوريا ويتمكن العقل العربي والحكمة العربية، إذا كان قد بقي لديهم بعض من الحكمة وبعض من العقل، أن تقف هذا التدهور و هو كل ما يمكن فعله، ولكن على المدى الطويل، هذا الأسلوب لن ينفع إطلاقا، لا بد من الإلتزام وأن تتحول الدول العربية إلى دول مؤسسات.

جوهر المشكلة في العمل العربي المشترك أن دولنا هي دول أشخاص، فالدول العربية تُختزل في شخص رؤسائها، ورئيس أي دولة عربية هو الإله والحاكم بأمره الذي يُحيي ويميت، وعندما يقع الخلاف بين الدول العربية على مستوى الرؤساء تحدث كارثة، العمال يطردون والحدود تغلق وأنابيب النفط تتوقف. لكن في أوروبا لا يحدث مثل هذا الأمر، إنهم أحيانا يكنون لبعضهم البعض كراهية شديدة بسبب عداوات تاريخية وحروب ورواسب نفسية قديمة ، لكنهم يذهبون إلى القمم ويتحاورون ويعرفون القواعد، عندهم جدول أعمال وتوجد لديهم طريقة محددة للتصويت تمكن كل منهم من الدفاع عن ما يعتبره مصالحه الوطنية، أما نحن فلا نستطيع أن نتصرف مثلهم ! لسبب بسيط هو أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كنا نفتقد لنظم حكم بها مؤسسة تشريعية منتخبة وسلطة قضائية مستقلة، وتوازن بين السلطات وتدار بشفافية، فكيف نستطيع أن يقيم مؤسسات على المستوى الإقليمي؟ رئيس الدولة الذي يجلس في مؤتمر القمة تعوّد في بلده أن يكون الآمر الناهي والحاكم المطلق، فكيف يجلس مع من يتعامل معه من موقع الندية ويقول له انه غير موافق، أو معترض، البعض أحيانا يترك الجلسة (وكأن لسان حاله يقول له: لن العب معكم في هذه اللعبة) ولأن
نا لم نتعود في سلوكنا على احترام القواعد واللوائح، بل ولا توجد لدينا قواعد أو لوائح، فالأمر متروك للأهواء. ولأن القرارات تتخذ بالوفاق العام، فمعني ذلك أنه يتعين على القادة العرب أن يواصلوا النقاش إلى أن يتوصلوا إلى قرار جماعي أو أن لا يتناقشوا أصلا. وحتى بعد اتخاذ القرارات الجماعية يتصور كل زعيم أن دوره انتهى عند هذا الحد فهو وحده الحكم على ما سيأتي بعد ذلك، لأنه لا توجد آلية للمتابعة ولا توجد آلية للتنفيذ.

وفي نهاية المحاضرة توجه الحضور بملاحظاتهم وأسئلتهم ومداخلاتهم، وتساءل الزميل سلطان الحطاب هل حضور قمة دمشق بمستويات تمثيل مختلفة، كان نتيجة خلافات عربية عربية مع دمشق ؟ وكم هي النسبة التي تعطيها لذلك اختلاف سياسات، وما هي النسبة التي تعطيها للتدخل الأميركي في الضغط على الأنظمة العربية لعدم الحضور، خاصة وان ديك تشيني زار المنطقة ورايس أيضا كانت موجودة في المنطقة بعيد انعقاد مؤتمر القمة، يعني كيف يتداخل المحلي الإقليمي العربي مع الدولي الخارجي في الضغط وما هي نسبة هذه الضغوط .

وقال عبد الرحيم حجازي، أننا ومنذ عام 1917 وحتى هذا التاريخ لم نسمع إلا عويلاً وصراخاً ما هي النتائج التي أتت بها الأنظمة العربية، غير كلام في كلام لقد ولدت في بلد على الخارطة افهموني أنها فلسطين، فكيف اقبل الآن أن أقول لها إسرائيل، كيف يكون موقفي أمام أحفادي، و أولادي وأمام هذا الجيل؟ و الدكتور فهد الفانك نوه بقيّمة المحاضرة وقال لقد تثقفنا بموضوع كنا نعتقد أننا نعرفه وهو كيفية تطور مؤتمر القمة العربي والتعديل الذي حدث سنة 2000، وكونه ملزم ومع ذلك لم تثر هذه النقطة الهامة من قبل سوريا ضد الجهات التي لم تلتزم بالميثاق، و لم تستنجد به لدفع دول عربية لكي تتمثل بقمتها، لكن في معظم النقاط التي بُحثت استثني منها موضوع واحد اعتقد انه يثير قلق سوريا ويدفعها لتفعل ما تفعل بالموضوع اللبناني، وهو المحكمة الدولية، ومن حق سوريا أن تقلق لأن المدعي العام الدولي ربما يُصدر مذكرة جلب للرئيس السوري نفسه، لأنه متهم بأنه هدد الحريري، وهذه نقطة هامة لأنه لو تنازل لبنان عن المحكمة لربما استطاع أن يحصل من سوريا على ما تريد..

الموضوع الثاني هو القلق العربي الذي اعتقد انه مشروع من الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، الذي وصل في وقت من الأوقات لأن تكون سوريا ضد بلد عربي وهو العراق وذلك في حرب الخليج الأولى أو الثانية، فهذا الحلف يثير قلق عربي واعتقد انه مشروع لأننا تربينا في التيار القومي على التخوف من دول الجوار، و دولة الجوار هنا إيران و لها مطامع، وقد انتزعت الجزر الثلاث عنوة، وتركيا سلخت لواء الاسكندرون عن سوريا وتتطلع إلى شمال العراق وخاصة الموصل، اثيوبيا حجّمت ارتيريا واستولت عليها وضمتها في وقت من الأوقات وهي الآن تعمل في داخل الصومال، و تشاد استولت على ما يسمى تيزي اوزو من ليبيا، وبالتالي كل دول الجوار المحيطة بالوطن العربي تطمع لأن تنهش منه، فليس من الحكمة أن نرى بلداً عربياً يتحالف مع إحدى هذه الدول المجاورة؟

وقال حمدان الحياصات، إن موضوع مشاركة الدول العربية في مؤتمر القمة هو موضوع شخصي ولغاية الآن لم يصل إلى وضع مؤسسي، وكأن القمة هي ملك للدولة العربية التي تستضيف القمة وليس ملكاً للنظام العربي، و نحن كشارع عربي لا نعول على القمة العربية كثيراً ولكن في السابق كان يتم التوافق على بعض القرارات، و الآن وصلنا إلى مرحلة فرز الدول العربية إلى أحلاف، حلف ممانع وحلف معتدل واعتقد أن القمة بدل أن تجمع الدول العربية أصبحت مؤسسة تفرقهم، في الوقت التي هي بأمس الحاجة إلى مؤتمر لمناقشة قضاياها، فقد وصلت مؤسسة القمة إلى هذا المستوى من الهزلية، فما ما معنى أن الأمم الغربية والأجنبية تتشكل لديهم تحالفات أو تجتمع عندما تتعرض لأزمة، بينما نحن كدول عربية في وقت الأزمات أو في وقت المشاكل تقع الفرقة والتناحر.

وقالت أميلي نفاع، أن ما يجري في المنطقة هو نتاج طبيعي للمخطط الأميركي الذي يستهدف السيطرة الكاملة على المنطقة ونهب ثرواتها، فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي حاولت الولايات المتحدة أن تبني إمبراطوريتها على نطاق العالم، وهي بحاجة ماسة إلى النفط لكي تقوي وضعها الاقتصادي، وبالتالي احتلت أفغانستان ثم العراق وهدفها شرذمة العالم العربي إلى محميات على أساس طائفي واثني، وتصبح إسرائيل المدافع الأول عن مصالحها كقوة أساسية في المنطقة، وما جرى في الآونة الأخيرة عملياً هو جزء من هذا المخطط. وما جرى قبل مؤتمر القمة كان تشيني نائب الرئيس الأمريكي و رايس وزيرة خارجيته في المنطقة و قد بذلت الأخيرة جهوداً كبيرة للتأثير على اجتماعات وزراء الخارجية العرب بهدف قطع الطريق على صدور أية قرارات تساعد على جمع الصف العربي في مواجهة هذا المخطط الأميركي الخطير الذي يستهدف عملياً الدول العربية بأكملها دون استثناء، ولذلك المطلوب الآن في المرحلة الحالية هو مزيد من التحالف والتعاون العربي من اجل الوقوف في وجه هذا المخطط الرهيب الذي يواجه المنطقة برمتها.

وعقب الباحث الدكتور صالح المعايطة قائلا، لقد اكتسبنا من هذه المحاضرة معرفة جديدة نتمنى أن نبني عليها معارف أخرى، وما أريد الإشارة إليه هو الاستفسار عن كيفية قراءة الولايات المتحدة للبيئة السائدة وأقصد البيئة الدولية و الإقليمية والمحلية واقتبس مما كتبه كيسنجر حيث أشار بأن '' على الولايات المتحدة أن لا تنصب نفسها حلالة لمشاكل العالم، لكنها عليها أن تمسك بكل خيوط الصراع في المنطقة وان تحرك هذه الخيوط بما يخدم المصالح الاميركية'' بمعنى قاعدة المبادئ فوق المصالح انقلبت وأصبحت المصالح فوق المبادئ، وهذه قاعدة اعتقد أن كل دولة أو كل تجمع إقليمي يتحرك باتجاه مصالحه، سؤالي كيف يقرأ العرب البيئة السائدة وأين التجمعات الإقليمية العربية سواء أكانت في آسيا أم في أفريقيا إذا كان هناك تجمعات إقليمية سواء ببعدها الاقتصادي أو التجاري؟ وغالبا ما تلعب هذه التجمعات وخاصة في الغرب دورا ضاغطا على صانع القرار الذي يتجاوب مع هذه التجمعات بما يخدم المصالح الوطنية.

وقال المحامي الدكتور شاهر الرواشدة، أن عدم حضور أو التمثيل المنخفض لبعض الدول العربية في قمة دمشق ليس بسبب مشكلة لبنان، وإنما نتيجة املاءات اميركية، وهذه مسألة لا خلاف عليها، و السؤال كيف نخرج من عنق الزجاجة وما هو دور الشعوب في الوطن العربي وكيف لها أن تدفع بالحكام والبرلمانات والحكومات وتضغط عليهم، فالأمة في حالة ضياع، في حالة إحباط ويأس، ولا مخرج الآن فكل الطرق مغلقة إلا الشعوب التي يجب أن تضغط على الحكومات والرؤساء والبرلمانات وتقول لهم مشان الله اشتغلوا صح..

في رده على مداخلات الحضور قال نافعة: إن قياس نسبة المكون المحلي ومقارنتها بنسبة المكون الدولي في أي أزمة، هو أمر صعب جداً ولأننا نتحدث بشكل منهجي وعلمي فيجب أن ندرك هناك عادة تداخل كبير بينما هو محلي وبينما هو دولي، فحتى في سياق العلاقة التي يحكمها نمط الزبائنية أو ما يسمى Patron client relationship فهي ليست بالضبط علاقة سيد يأمر ومسود يطيع، فالعلاقات الدولية نادرا ما تجري وفق هذه الآلية الميكانيكية. وحتى جورج بوش لا يستطيع أن يمارس علاقته مع الدول الحليفة في العالم العربي مثل محرك الدمى في (مسرح العرائس)، المسألة ليست على هذا الشكل إطلاقا، فلكل نظام حكم أجندته الداخلية الخاص وله مصالح وتحكمه تركيبة داخلية معينة لا بد على الحاكم أن يراعيها في بعض الأحيان، وفي قد تستطيع دولة صغيرة في بعض الأزمات، حفاظا على مصالحها، أن تتخذ قرارات ما كان يظن أن بوسعها أن تتخذها في الأحوال العادية. وعلى سبيل استطاع جلالة الملك الحسين رحمة الله عليه أن يتخذ قرارا بطرد الجنرال جلوب في منتصف الخمسينات، ومن يدرك طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الأردن وبريطانيا كان يتصور استحالة اتخاذ هكذا قرار وبهذا الشكل، لكن هناك لحظات، وبسبب وض
ع داخلي قلق أو وضع إقليمي بمواصفات مغينة، يمكن لصانع القرار اتخاذ قرارات حاسمة وأن يوازن بين المصالح.

إن العلاقة بين الدول، حتى بين الدول الحليفة أو المرتبطة بعلاقات وثيقة مع الدولة المهيمنة يكون لديها قدر ما من حرية الحركة. طبعا يمكن أن تكون هناك رؤى مشتركة تفرضها مصالح مشتركة. وفي الموضوع الإيراني أو موضوع حزب الله يوجد قلق بعضه حقيقي من الدور الإيراني، خاصة بعد انتصار حزب الله في صيف 2006. الذين يفكرون في القضية الفلسطينية بقلبهم ويرون أن إسرائيل هي سبب كل الأزمات في المنطقة سعداء جداً بهذا النصر ولا يهتمون بما إذا كان الذي حققه شيعي أو غير شيعي، المهم أن الانجاز تحقق وأن الذي حققه عربي وأنه أنجز ما لم تتمكن حكومات ودول وجيوش نظامية من تحقيقه، كل ما يعنيهم أن الانتصار تحقق. لكن هناك عرب آخرين ينظر إلى الأمر نظرة طائفية ويرون أن قضية السنة والشيعة هي الأهم والأولى بالرعاية، ويقولون أن حزب الله عميل إيراني والصراع مع إسرائيل ليس هو الأساس، ولا يدارون خشيتهم من أن يبتلع حزب الله لبنان ويديرها لحساب إيران..

أود أن أشير هنا إلى حجم القلق الذي جعل السعودية تأخذ الموقف الذي تتخذخ منذ فترة، و الذي يتوافق بالطبيعة مع مع الموقف الأميركي، فهذا التوافق وعندما تتصرف السعودية بهذا الشكل فليس من الضروري أن ينظر إلى موقفها هذا وكأنه مدفوع بمنطق العمالة الكاملة لأميركا.

ومن ناحيتي فإنني أعتقد أنه يجب على العرب أن لا ينظروا إلى الأمور أبدا بعيون طائفية، فالخطر الأكبر على الأمة العربية هو الخطر الإسرائيلي، بلا جدال، والولايات المتحدة الأمريكية توظف إسرائيل كأداة وكعصا عليظة تضرب بها كل الشعوب وكل المصالح التي تقف في طريقها أو تتعارض مع مصالحها.

وأخشى ما أخشاه أن تتمكن أميركا وإسرائيل من اُستخدام حلفائها العرب لمصالح مؤقتة، وتوظف مخاوفهم المشروعة من إيران لتوريطهم في حرب لن يستفيد منها أي عربي في نهاية المطاف. لكن لا يوجد توافق حقيقي أو استراتيجي في المصالح. فمن الصعب جداً التسليم بوجود توافقً في المصالح بين الولايات المتحدة ودول عربية أخرى للضغط على سوريا ومن خلال سوريا على إيران ومن خلال سوريا وإيران على حزب الله وعلى حماس وعلى الجهاد.

في التحليل العلمي عندما نتحدث عن الشعوب يجب أن ندرك أنها لا تشكل كلا متجانسا ومصالح موحدة. فهناك تيارات وفرق سياسية ومصالح مختلفة وأغنياء وفقراء..الخ. وعندما يكون الحاكم فردا وديكتاتور، يمينيا كان أم يساريا أو حتى ديكتاتوراً عادلاً، إلا أنه يتصرف دوما وفي جميع الأحوال بمنطق الديكتاتور ويعتبر أن ما يقوله هو الحكمة بعينها وهو التجسيد الحي للمصلحة الوطنية.

لكنني حقيقة أعتقد أن الديكتاتورية هي اقصر الطرق إلى جهنم. ليس معنى ذلك أن الديمقراطية تضمن الأمن والسلامة دائما أو أنها نظام حكم مثالي، فالنظام الأميركي بكل مؤسساته وديمقراطيته افرز لنا ادارة من أسوأ الإدارات في العالم، والانتخابات الألمانية سنة 1933 أفرزت هتلر، ومن الممكن أن تفرز الديمقراطية أسوأ ما فيها وأن تفرز الشعوب أسوأ ما فيها في لحظات الأزمة أو اليأس أو الغرور، لكن المؤسسات التي يتوافر التوازن والشفافية وتضمن الرقابة المعتدلة يمكن أن توفر كوابح تفرمل الأهواء عندما تخطئ. ولذا فقد يستطيع المجتمع الأميركي أن يصحح أو يتجاوز مأزقة الراهن لأن لديه مؤسسات، صحيح أن الصحوة قد تأتي متأخرة وقد يمضي وقت طويل قبل أن يكتشف الشعب الأمريكي أن الأحمق الذي اختاره سيجعله يدفع ثمنا باهظا بعد أن أن تمكن من إقناعه لفترة أن النفط العراقي سيمول الحرب.

لذا يعتبر دور الشعوب اساسيا، ولكي تنجح القمم القادمة، لابد أن تشارك الشعوب في العمل السياسي وفي السلطة، وأن تصر على قيام دولة المؤسسات وأن تهمل على تحجيم أهواء الحاكم ومحاسبته عندما يخطئ، فهذه هي مهمة الشعوب، فإذا نجحت الشعوب في ذلك تنجح في أن يكون لها مؤسسة قمة فاعلة، ويصبح لها دور في صنع والرقابة على السياسات.

وحول ما أشار إليه الدكتور الفانك، أود أن أعبر عن اختلافي قليلاً معه في نقطتين: أطماع دول الجوار و المحكمة الدولية.

لقد سبق أن التقيت العديد من الأشخاص وجرى البحث في موضوع اغتيال رفيق الحريري، وتابعت التقارير الأولى للمحققين بخصوص المحكمة الدولية، ورغم إنني كتبت مرة في مقالة أنني لا استبعد أن تكون أجهزة الأمن السورية لها ضلع في الموضوع، إنما لست مقتنعاً ولا متأكداً أن سوريا هي التي اغتالت رفيق الحريري. بل أقول بصراحة أنني اقرب إلى الاعتقاد بان إسرائيل هي التي دبرت اغتيال رفيق الحريري، وبمعاونة الولايات المتحدة الاميركية لتعقيد الأمور والإمساك بكل الخيوط في الأزمة اللبنانية، أما خوف سوريا بشان المحكمة، فهو ليس من وجود المحكمة ولكن من تسيسها وتحويل المحكمة غلى أداة لجرها إلى الهاوية بالحق أو الباطل، فمن الممكن تزوير و تلفيق الاتهامات، و مشاركة ما يسمى بالقضاة الدوليين ليس ضمانا للنزاهة أو أو العدالة، فهناك قضاة مسيسون ومرتشون. ولكي نبقى في إطار المعلومات، يجب أن نعلم أن قرارات القمة العربية لم تتجاهل المحكمة، فمن بين القرارات قرار يرحب بالمحكمة الدولية ويطالب الدول العربية بتقديم المساعدة لها لكنه في الوقت نفسه يطالب بضمانات لحيادها ونزاهتها وعدم استخدامها كوسيلة انتقام .

سوريا لا تطالب بأن يتنازل لبنان عن المحكمة الدولية، فهي لديها قناعة أن بعض الأطراف اللبنانية التي كانت تعمل لحسابها وانقلبت عليها اليوم، تعمل اليوم لحساب الاميركان وتريد أن تجر قيادات سورية إلى المحكمة، وليس لديها مانع من أن يحضر بشار الأسد شخصياً ليمثل أمام المحكمة، إن تسييس المحكمة هو الذي يثير مخاوف دمشق و يجب أن نكون حذرين جداً وليس بالضرورة أن تكون هذه المحكمة محايدة. فالذين يتحدثون كثيرا على المسرح الدولي لا يلتزمون بالضرورة في سلوكهم بالقانون الدولي، كان من الممكن أن احترم وأوافق الأمريكان على طول الخط في موضوع المحكمة الدولية، لو أن واشنطن تحترم فعلاً القانون الدولي وتلتزم به، لكن ماذا فعلت في العراق؟ انظروا كيف تصرفت عندما ذهبت لمجلس الأمن ورفض إعطائها التفويض، انظروا إلى ما تفعل في معتقلات غوانتانامو، انظروا ماذا فعلت في أبو غريب. إن هذا يؤشر على أن قضية حقوق الإنسان وقضية القانون، تستخدم في المعارك الإيديولوجية وفي الصراع الأيديولوجي، فقد استخدموها ضد الاتحاد السوفييتي. وكون أنهم مضطرون لاحترام القانون في داخل دولهم، بسبب توازنات داخلية تفرض عليهم وشعوب تنتخب وتحاسب وتشارك، لكن حكام الدول الغربية ا
لديمقراطية لا يمارسون سلوكا ديمقراطيا بالضرورة على الساحة الدولية أو يحترمون القانون أو يتصرفون وفقاً للقانون.

إن القضية ليست في تتنازل لبنان عن المحكمة الدولية، ولكن القضية كيف تضمن أن تكون المحكمة نزيهة وعادلة ومهنية وأريد أن أفكر أيضا حتى لا تأخذ الناس الأمور بسذاجة فهناك 3 إلى 4 رؤساء وزراء لبنانيين قبل ذلك قتلوا في لبنان، ومن المعروف أن أحد القيادات اللبنانية الراهنة والذي يملآ الآن شاشات الفضائيات هو قاتل أحد هؤلاء، ياسر عرفات أيضا قُتل، فلماذا لم تشكل محكمة دولية حتى تحقق في اغتيال رئيس دولة، لماذا فقط يريدون أن يحققوا في مقتل رفيق الحريري. صحيح أنه من الضروري معرفة قاتل رفيق الحريري وعقابه لكن يجب أيضا معرفة من هو القاتل في كل جريمة قتل وفي كل جريمة اغتيال، وبالذات عندما تكون الجريمة على المستوى السياسي. لنتذكر معا أنه عندما سلمت ليبيا بمطالب الغرب في الموضوع النووي انتهى وضع ليبيا كدولة راعية للإرهاب ولم يعد أحد يحاسبها على انتهاكات لحقوق الإنسان. وحتى في موضوع التحقيق في قضية لوكربي، بدت المحاكمة امهزلة حقيقة، فأحد المتهمين أفرج عنه والآخر حوكم استناذا إلى شهادة غير موثقة وغير مضمونة وغير مؤكدة ولا تشكل قرينة، وهذه كلها مسائل تثير الشكوك.

وما يتعلق بموضوع نقطة الخلاف الثانية تتعلق باطماع دول الجوار، نعم هناك أطماع لدول الجوار، ولكن كيف نواجه هذه الأطماع، حتى اثيوبيا اليوم تدخلت في شئون دولة عربية عضو في الجامعة العربية ومع ذلك تقول بعض الدول العربية أنها تستطيع أن تتفهم دوافعها.

بناء عالم عربي قوي، لا يعني استدعاء الولايات المتحدة لضرب إيران، لو حدث ذلك و وجهوا ضربة لإيران فإنهم سيفعلون مثلما فعلوا في العراق، لقد قالوا في البداية أنهم جاءوا إلى العراق بحثا عن أسلحة دمار شامل وعندما لم يجدوا قالوا إن العالم بدون نظام صدام حسين أفضل وأنهم سيقيمون بدله نظاما ديمقراطيا ودولة نموذجية. لكنهم دمروا العراق بالكامل، ولم يكن يهمهم سوى النفط وإزالة ما كان يزعج إسرائيل وهو وجود جيش قوي في العراق، وعلماء قد يتمكنوا من صنع قنبلة نووية في المستقبل، هذا الأمر لا تحتمله إسرائيل، ولكن من السهل على إسرائيل أن تتعايش مع 60 ديكتاتوراً لو كانوا من نوع شاه إيران أو من هم على شاكلته. إنما ديكتاتور يؤسس قاعدة علمية أو يرفع شعارات قومية عربية، تصبح هنا مشكلة وخط احمر.

إيران لديها إمكانيات كبيرة ويمكن أن تشكل تهديداً فعلياً لدول عربية' وتحتل جزراً عربية، وقد تستخدم الشيعة كحصان طروادة، لكن لماذا أدفع شيعة العرب للتحالف مع إيران فشيعة العرب هم عرب أولا وعلينا أن نبني دولا ديمقراطية تتسع لكل المواطنين يكون فيها ولاء الجميع أولا وأخيرا للعروبة ولأوطانهم قبل أي شيء آخر.

إن بناء القوة الذاتية العربية، وبناء التكامل الاقتصادي العربي هو الوسيلة التي تستطيع بها ردع الآخرين، ونحن بحاجة للحوار مع الآخرين وإذا ظهرت مشكل وأنت قوي لا يستطيع أحد أن يعتدي عليك، وعلينا أن نسعى دائم لحوار متكافئ، فأنت تقول احذروا من إيران لأنها أصبحت دولة قوية، ودولة إقليمية ، ولكن حين لا تستطيع أن تفعل شيئا لوقف نمو القوة الإيران لا يكون الحل هو استدعاء الأمريكان لكي يضربوا إيران، وهنا الخطورة، لأن الأمريكان ببساطة سيضربون إيران لحسابهم الخاص، ولحساب إسرائيل وليس لحساب العرب، وبعد أن ينتهوا من إيران سيحاولون أن يعثروا على طرف آخر في العالم العربي ليضبوه إلى ان يقضوا على الجميع. وهذه هي اللعبة للأسف الشديد.

أما فيما يتعلق بموضوع الصلح مع إسرائيل.. فإنني أود أن أقول أنني لا استخف بالمسألة، فلقد سبق أن اعترضت على توقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد، ووثقت ذلك في كتابي ''مصر والصراع العربي الإسرائيلي من الصراع المحتوم إلى التسوية المستحيلة'' والذي نشر في سنة 84 في مركز دراسات الوحدة العربية، ، ومن الطبيعي أن اعترض بعد ذلك على كل الاتفاقيات المماثلة بما فيها اتفاقية ( وادي عربة ) مع الأردن، واتفاقية اوسلو، إنني لست ضد السلام، لكن النهج الحالي لن يؤدي إلى سلام حقيقي، لان أي اتفاق لا ينص بوضوح وبصراحة وبالبنط العريض على وقف الاستيطان، سينتهي إلى الفشل، وهذا هو ما قلته في مقال نشرته في الأهرام ثاني أو ثالث يوم بعد التوقيع على أوسلو.

وأظن أنني كنت على حق. فقد ثبت حتى الآن ، وبعد انابوليس وبعد 30 سنة من المفاوضات أنهم لا يزالون يبنون المستوطنات أما نحن فما زلنا نفاوض ونقول ربما ينسحبوا، ولكن كيف تعطي الفرصة لعدوك ليستوطن في أرضك وتظل تفاوض 50 لتمكينه من استيطان كل الأرض. المفاوضات مستمرة وفي النهاية ستأتي إسرائيل لتقول لنا شكرا أيها السادة لم يعد أرض أعطيك إياها فقد انتهت المفاوضات ياغبي!!؟ هذا هو التكتيك الإسرائيلي، فالقضية ليست في المفاوضات فهناك أصول للتفاوض، فإذا كنت تفاوض ولا توجد لديك أية وسيلة أخرى لدعم تفاوضك ستجبر على أن توقع على ما يريده الطرف الآخر.

حين يدرك الطرف الآخر أن لديك بدائل أخرى وانك تستطيع أن تلجأ للحرب إذا لم تحصل على حقوقك ولديك إرادة القتال، سوف يضطر للدخول في مفاوضات جادة وحقيقية ويجبر على البحث عن حل وسط، وبالتالي يمكن الوصول إلى تسوية. إن التفاوض والسعي لإيجاد تسوية سلمية لا يعني أبدا التخلي عن التسلح وممارسة المقاومة المسلحة، فالعرب لا يدعون للمقاومة المسلحة من أجل محو إسرائيل من الوجود، ولفرض تسوية بشروط العرب الكاملة. لكن على العرب أن يقاوموا بالسلاح إلى أن تقتنع إسرائيل أن الثمن الذي ستدفعه إذا أصرت على احتلال الأرض ونكران الحقوق مرتفع جدا ولن تستطيع دفعه. هنا فقط سترضخ للوصول إلى تفاهمات، و تصل إلى حل.. أما إذا استبعدت الكفاح المسلح منذ البداية.. فأنت خاسر قبل أن تبدأ التفاوض.