إن كنا سنمضي في مسيرة الإصلاح.. قدماً


المهندس سمير حباشنة



يبدو اننا في الاردن استمرأنا الحوار !

حتى اصبح وكأنه مطلباً بذاته.

مع أنه وسيلة تتحقق من خلالها التشاركية، فتدفع الناس والنخب والمختصين ، للانغماس بقضاياهم وصولاً الى الهدف من الحوار... وهو الاصلاح..

 

الملك ودليل النظري

لقد طرح جلالة الملك علينا أوراقه النقاشية وكانت بحقً خارطة للطريق، والتي وان سرنا على هديها ، لابد نصل ، الى ما هو منشود ومنتظر، الإصلاح وهو المؤجل منذ سنوات، هو الاصلاح بعناوينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والقضائية والادارية.. الخ ، والتي بمجموعها وإن تمت سوف تكون سبيلنا للانتقال في بلادنا ، من حالة تعاني من مشاكل واشكاليات وتحديات ، الى حالة أرقى تصل بنا الى بر الأمان.

أن رضى المواطنين عن الاداء العام للدولة ، واعادة جسر العلاقة على أسس سليمة بين الحكومة والمواطن، وإعادة الثقة المفقودة بينهما ، والتي عبر عنها خطاب العرش الاخير، إنما لها طريق واحد. طريق الاصلاح الشامل، والذي كما قلنا منتظر بالحاح ومؤجل حتى اللحظه تحت ذرائع غير مقنعة !

 

مسيرة الأوراق النقاشية

وبعودة الى الوراء، اي بدءا من انطلاقة اول ورقة نقاشية وصولاً الى آخر ورقة، لنا ان نرصد ان المواطنين في شتى بقاع المملكة ، بنخبهم وقياداتهم ونقاباتهم وأنديتهم وجمعياتهم الثقافية ، قد استقبلوا تلك الاوراق بحماسة شديدة، وباقبال منقطع النظير، دراسة ومناقشة وتحليل، عبر مئات اللقاءات، التي كانت حصيلتها تأييد كامل للتوجه الملكي، واشادة بالفكر الحداثي العملي الذي احتوته تلك الاوراق. بل وتأكيدهم على ضرورة العمل بها ، وترجمتها الى برامج مرتبطة بجداول زمنية محددة.

وان الاردن اذا ما أخضع هذه الأوراق الى آليات عمل تطبيقية، سوف يوجد له منهاجاً متكاملاً يسير به. مسلحاً بتوفر الارادة السياسية العليا، وتوق المواطنين للسير بالاصلاح ، وتحويله من فكر نظري الى حالة وطنية تطبيقاتية مستمرة ، تعيد للدولة وللادارة رشاقتها وتعطي الاداء معنى متكاملاً ، يُريح الناس ويحفز من دافعيتهم نحو المشاركة فتتعزز بذلك الهوية الوطنية، واركانها الاساسية، التي هي جذر الدولة الفكري والاساس لشرعيتها، والسبب بديمومتها وبقاءها على نمو هادئ وآمن ومستقر.

 

المطلوب سماع الجرس

ومن المستغرب في أن الجرس ورغم، ان الملك قد قرعه، فيبدو أنه لم يُسمع جيداً من الجهة المعنية بالتنفيذ ! لتُشمر عن ساعديه وتنشط عقله ، ويبدأ بمسيرة عمل من شأنها تطبيق الأوراق النقاشية ، وتحويلها الى فعل مادي خلاق مثمر يحس به المواطنين ، ويحقق تطلعاتهم ويترجم رغبة الملك..التي طال انتظارها..

أن حكومات عدة جاءت عَبر وبعد صدور الاوراق النقاشية ، فهل من المعقول ان أي من تلك الحكومات ، لم تستفزها تلك الاوراق؟ ، فتأخذ على عاتقها التعامل معها ،بقدر من الاهمية التي تستحقها!؟ بصورة عملية بعيدة عن الكلام المنمق والتأييد اللفظي ، الذي لا يحمل فعلاً ولا اجراء يعطي لتلك الاوراق قيمتها ، بالتطبيق؟؟!

ان تطبيق الاوراق النقاشية يمثل جزءا من مسؤولية الحكومة المباشرة تجاه نصوص هي منطوق ملكي من جهة ، وحائزة على اجماع المواطنين من جهة اخرى.

 

نقاشية.؟ لماذا

لقد قدم الملك جهده الفكري هذا واطلق عليه «أوراقاً نقاشية»، واحسب ذلك ليس من باب التواضع فحسب ، بل من رغبة ملكيه لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية وتبنيها من القاعدة العريضة ، ليكون تنفيذها برغبة الجميع.. بل وان اطلاقها كعناوين للمناقشة انما هي رغبة بأن يتم التعديل إن كان هناك بها ما يحتاج الى تعديل، حتى وعندما تخضع للتطبيق ، يكون تطبيقاً متفق عليه أردنياً من القاعدة الى القمة.وننتهي من روح النقد غير الموضوعي احياناً، الذي اعتاد عليه البعض والذي لا يتردد بأن يحمل في الكثير من الاوقات قدراً من التشكيل غير المبرر خصوصاً تجاه سلوكيات وقرارات الدوله المختلفة.

فالملك يريد القرارات وتوجهات الدولة ان تكون مؤسسية بما في ذلك تشكيل الحكومات... وقد أكد ذلك في اكثر من موقع في تلك الاوراق وفي اكثر من حديث وتصريح...

 

التأكيد على الإصلاح.. لا يتوقف

في السياق ذاته ، فان التأكيدات الملكية على الاصلاح.. لا تتوقف ، وآخرها حين أفصح بوضوح أنه يرى أن السنتين القادمتين ، لا بد وأن تشهد وضع قانونين عصريين حداثيين للأحزاب والانتخابات ، بحيث يكون المجلس القادم ، ذو صبغة حزبية وتكتلات ذات معنى ، تعمل على تبني برامج اصلاحية واضحة.. يُعبد الطريق الى قيام حكومة تستند الى أغلبية برلمانية ، تقابلها معارضه وإقلية برلمانية تقوم بدور الرقيب على اداء الحكومة، ومدى إلتزامها بتطبيق برنامجها المعلن..

ومن الواضح ان هذا التوجه الملكي أرتبط هذه المرة بمدى زمني محدد ، وأنه كما أرى لن يجد طريقة للتطبيق ، اذا بقى الأمر في حضن الحكومة ، او اي من مؤسسات الدولة. ودليلنا على ذلك أن رد الفعل الحكومي على الدعوة الملكية تلك، حيث «بشرتنا» الحكومة بأنها ستجري حواراً وطنياً واسعاً في شتى أرجاء البلاد لبلورة قانون عصري للأحزاب وكذلك الانتخابات.!!!

وهو نفس المنطوق المكرر الذي تلجأ له الحكومات بالعادة للهروب من استحقاقات الاصلاح ، حتى وان كان مصدرها «الملك».

 

كسر الدائرة المفرغة

وهنا وحتى يأخذ هذا التصريح الملكي مداه في التطبيق وبالاستناد الى واقع التجربة الاردنية ، «اقترح خطوة ملكية أخرى.. تتمثل بتشكيل لجنة ملكية تضم قانونيين وسياسيين وممثلين للتيارات الحزبية ، يعهد اليها مهمة مراجعة قوانين الاصلاح السياسي الاحزاب ، الانتخابات بالاضافه الى مراجعة قانون اللامركزية بعد عام من تطبيقه، وفق سقف زمني محدد لتنهي هذه اللجنة أعمالها... على ان تتقدم هذه القوانين الى مجلس الأمة بدورة استثنائية قريبة ، ليتم اقرارها وفق المسارات الدستورية ، فتقوم الحكومة بعد ذلك بالتهيئة الى اجراء انتخابات برلمانية ، وفق القوانين الحداثية التي تخرج عن عمل اللجنة الملكية، تعيد لحياتنا السياسية ألقها ، ونخرج من دائرة التشكيلات الوزارية ، التي يغلب عليها مزاجية الانتقاء والتدخلات التي تفتقد الى المعايير الموضوعية للاختيار، كما يكون لدينا برلمان يمتلك توجهات فكرية وبرامجية واضحة، يقوم بواجبه في التشريع والرقابة، وفق اسس موضوعية بعيدة عن الشخصنة والمكاسب الصغيرة.

 

مقترح - قانون الأحزاب

وحتى ندخل في صلب الموضوع فأن قانون الأحزاب المنتظر وحتى يكون فعالاً وقادراً على الاضطلاع بمهماته الكبرى في البرلمان والحكومة، فأن ذلك القانون يجب أن يتضمن اختصاراً لعدد الأحزاب بعدد ثلاثة او اربعة هي أقرب الى التيارات. تيار وطني واخر بمرجعية قومية واخر يسارية وربما اخر بمرجعية اسلامية. وأهمية ان تكون كل هذه الأحزاب برامجية، تعمل تحت مظلة الدستور ملتزمة بالتوجهات العليا للدولة الاردنية، وهي على اي حال توجهات عامة، كان قد تم الاتفاق عليها في الميثاق الوطني الذي ضم في عضوية لجنته ممثلين عن كل التيارات السياسية والفكرية في البلاد، خصوصاً وان الاردن دولة وطنية ذات مرجعية عروبية وتوقر الأديان والمذاهب بكليتها، كما انها منفتحة على الفكر الانساني، وتوائم بين كل هذه المفاهيم، دونما تشدد ودونما انفلات ايضاً.

 

مقترح - قانون الانتخاب

إن قانون الانتخاب ايضاً، بالضرورة ان يتناسب بمضمونه والتوجه المقترح اعلاه لقانون الاحزاب، حيث ان القوائم الحزبية لا بد ان تكون على مستوى البلاد، وان يتم تقاسم العدد الكلي للبرلمان مناصفة بين المناطق»نواب المحافظات» وبين القوائم الحزبية الوطنية، وأعتقد ان القانون في طبعته الاولى المقترحة، يمكن ان يضع سقفاً لتمثيل التيارات، ليضمن وجود التيارات الاربعة تحت قبة البرلمان، كأن نقول بأن الفائز الأول بين التيارات يحصل على نسبه معينة لا يتجاوزها من مجموع المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية ودواليك للفائز الثاني...وحتى الرابع. بمعادلة تضمن وجود أقلية وأكثرية في نفس الوقت، وان يتيح القانون أيضاً الامكانية لتحالفات بين التيارات المختلفة.

وبعد

واقع التجربة الاردنية يقضي بأن الاهتمام الشعبي والتزام مؤسسات الدولة بالتنفيذ ، يكون في ذروته عندما تصدر التوجهات بخطوات عملية من مؤسسة العرش مباشرة. وخلاف ذلك فاننا سنبقى في دائرة مفرغة من الاحاديث التي لا تجد سبيلاً للتنفيذ.

وفي النهايه فأن تمنياتنا على جلالة الملك ان يكمل ما بدأه من طرحه لأفكار رائعة للاصلاح بأخذ خطوات تدفع الجميع الى العمل الجاد ، واغلاق كافة الطرق البديلة التي تسمح للبعض ان يهرب من استحقاقات الاصلاح المنشود..

«والله والوطن من وراء القصد»