الساعة

صورة العرب في الكتب المدرسية الإسرائيلية

14/07/2014

وأضاف منصور في محاضرة نظمها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «صورة العرب وفلسطين في المناهج وكتب التدريس في (إسرائيل)»، وأدارها سكرتير التحرير في المركز الكاتب جعفر العقيلي، أن الكتب المدرسية في «إسرائيل» تنطلق من مفاهيم وتصورات ومزاعم منها: «العصر الذهبي الذي عاشه اليهود قبل آلاف السنين، والمنفى، ثم ذروة الضحية في المحرقة، ثم العودة إلى أرض إسرائيل وتحقيق الخلاص»، لافتاً إلى أن هذه الكتب تنكر في الوقت نفسه تاريخ سكان هذه الأرض على مدى ألفي عام.

قال الباحث والأكاديمي الفلسطيني د.جوني منصور، إن الكتب المدرسية في «إسرائيل» تهدف إلى غرس الذاكرة الجمعية التي وضعت أسسَها الحركةُ الصهيونية، أكثر من اهتمامها بالتعليم ونقل «المعرفة».

وبيّن منصور في محاضرته أن من التفسيرات الشائعة في المناهج «الإسرائيلية» لعبارة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، أن الأرض «لم تكن خالية بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما كانت خالية من أبنائها الأوصياء عليها تاريخياً بفعل وعد رباني، وكان يقطنها دخلاء ليست لهم أي أهمية».

وقال منصور إن هذه الكتب تركز على تكريس ما يسمى «الحقوق التاريخية لليهود في أرض إسرائيل»، وإظهار ما يرونه «تهديداً يشكله العرب الذين يعادون السامية». وفي أطروحات تلك الكتب أن المواطنين الفلسطينيين يشكلون مشكلة يمكن أن تتوسع وتتطور إلى «تهديد ديموغرافي» ما لم يتم التحكم بها.

وقدم منصور أمثلة على «تلاعب» الكتب المدرسية «الإسرائيلية» بحيث تقدم صوراً نمطية، وتعتمد التحيز والتحامل في وصف الفلسطيني. وهو ما يساهم في ترسيخ التحيز ونزع الصفة الشرعية وتصنيف الجماعات إلى فئات اجتماعية سلبية تتسم بالتطرف.

وتناول منصور عدداً من المحاور في محاضرته التي حضرها حشد كبير من السياسيين والخبراء والأكاديميين والمثقفين والمهتمين، منها: مبنى جهاز التعليم في إسرائيل، أهداف المناهج، دور الكتب المدرسية، الخلفيات الأيديولوجية الصهيونية كما تتجلى في مناهج وكتب تدريس التاريخ، الصور النمطية والموجّهية في النصوص التي تُدرّس، العرب في نصوص الكتب التعليمية (كتب التاريخ نموذجاً)، فلسطين والفلسطينيين في الكتب التعليمية، الطرد والنكبة والإقصاء والتهميش للفلسطينيين في كتب تدريس التاريخ، كتب الجغرافيا والعلاقة مع كتب التاريخ، بناء صورة متكاملة لرفض الآخر وتغييبه، تغييب الإنسان والمكان والزمان من المشهد العربي-الفلسطيني، وإحلال إنسان ومكان وزمان آخرين.

وكان العقيلي قدم منصور بوصفه «عاشق حيفا»، وأحد مؤرخيها والحريصين على حراسة ذاكرتها وتوثيقها، وتتبع مسارات الحياة فيها بدءاً من نشوئها، فنموها وتطورها، ثم سقوطها وبدء نكبتها حتى تشرد أهلها في المنافي.

حرّرها وأعدّها للنشر:جعفر العقيلي و بثينة جدعون

أيار 2014

تالياً أبرز ما جاء في المحاضرة وفي مداخلات عدد من الحضور:

استهل منصور حديثه بقوله إن الكتب المدرسية في «إسرائيل» تتعدى كونها مجرد أداة لنقل «المعرفة»، فهي تهدف إلى غرس الذاكرة الجمعية التي وضعت أسسها الحركة الصهيونية، والتي تُشكل ذاكرة جمعية جديدة.

وأوضح منصور أن هذه الكتب تنطلق من العصر الذهبي الذي عاشه اليهود قبل آلاف السنين، ثم المنفى، ثم ذروة «الضحية» في «المحرقة» إبان الحكم النازي في المانيا وخلال الحرب العالمية الثانية، ثم العودة إلى «أرض إسرائيل» (وفق الاصطلاح الذي تستخدمه الصهيونية و»إسرائيل» والكتب التعليمية والأدبيات الأخرى)، وتحقيق الخلاص لشعب «إسرائيل».

وبيّن منصور أن الكتب المدرسية تبنى على مبدأ «الاستمرارية اليهودية» في أرض «إسرائيل»، علماً أن اليهود كشعب لم يتواجدوا على هذه الأرض إلا لفترات متقطعة أسوة بشعوب أخرى اجتاحت فلسطين وغابت عنها. مضيفاً أن هذه الكتب في الوقت نفسه تعمل بمنهجية مقصودة على إخفاء كل ما يمكن أن يدل على استمرار وجود الفلسطينيين على هذه الأرض منذ فجر التاريخ.

وقال إن المقارنة تكمن في أن الكتب المدرسية تنكر ألفي عام عاشها اليهود في المنفى، في الوقت الذي تنفي فيه وجود شعب في هذه الأرض طيلة هذه المدة.

وذكر منصور أن الكتب التعليمية تسوق تفسيراً في غاية الطرافة لعبارة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، هو أن الأرض لم تكن خالية بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما كانت خالية من أبنائها الأوصياء عليها تاريخياً بفعل وعد رباني، وكان يقطنها دخلاء ليست لهم أي أهمية»، ومن أمثلة ذلك: أن الكتب المدرسية ما تزال تسمّى مدينة الخليل: «مدينة أسلافنا»، وذلك لتبرير استعمارها وطرد سكانها الفلسطينيين من منازلهم ومحالهم التجارية.

حظر تدريس «النكبة»

وقال منصور إن أحد الرواية «الإسرائيلية-الصهيونية» تهدف إلى خلق هوية متجانسة تضم جميع الأعراق اليهودية في «إسرائيل» تحت شعار «أمة واحدة .. قلب واحد»، ويتزامن ذلك مع ما تسعى إليه هذه الرواية لطمس الآثار التي تدلل على استمرار حياة الفلسطينيين على هذه الأرض من الناحيتين المادية والروحية وذلك لكي تتلاشى الذاكرة التي تعلق في أذهان كلٍّ من «الإسرائيليين» والفلسطينيين. فما انفكت السلطات «الإسرائيلية» تمنع تدريس تاريخ الفلسطينين أو النكبة، حتى في المدارس العربية، وهو حظر جرت قوننته مؤخراً بـ «قانون النكبة» الذي شرعه الكنيست، وذلك بعد ذكر النكبة في النسخة العربية «الإسرائيلية» من كتيب «العيش معاً في إسرائيل» (وهو كتاب جغرافيا وتربية مدنية للصف الثالث في المدارس العربية).

وبيّن منصور أن قانون النكبة يعبّر عن الخوف الذي يعم «إسرائيل» من تدريس الأطفال الفلسطينيين روايتهم لكي لا يقفوا على السبب الذي يدفعهم إلى الأسى والحزن، مما يدفعهم إلى السعي إلى «استرداد» قضيتهم المسلوبة بالفعل، فالمؤسسات التعليمية تشعر أن التسليم بالنكبة سوف يدمر «إسرائيل» بوصفها دولة يهودية، ويعطي المواطنين الفلسطينيين السبب للثورة عليها.

التاريخ والسياسة

وذكر منصور أن الكتب المدرسية في «إسرائيل» تنوب عن الأيديولوجية الصهيونية ورسالتها بشأن الحقوق التاريخية لليهود في أرض «إسرائيل»، موضحاً أن هذا هو الشرط الأساس الذي تضعه وزارة التربية والتعليم لإجازة هذه الكتب. لذلك يرى كثير من الباحثين أن الكتب التدريسية في «إسرائيل» هي نصوص متفرعة عن النص الصهيوني الأصل، وانها تعبر عن الفكر الصهيوني المتأصل في الأدبيات الخاصة بالحركة الصهيونية وتطورها وصولاً إلى تحقيق مشروعها بتأسيس كيان «إسرائيل».

تشويه صورة العرب

وقال منصور إن أهمية الكتب التدريسية تنطوي على تشكيل الهوية القومية، ففي حالة تعليم الجغرافيا بحسب الرواية الصهيونية، فإن أرض «إسرائيل» هي الموقع الوحيد الذي يتحقق فيه قدر الشعب ومصيره. كما أن تدريس التاريخ يسعى دائماً إلى تلقين الطلبة اليهود بأن الحدث التاريخي الذي تمثل في بعث الشعب اليهودي ترك آثاره على المشهد. مضيفاً أنه في الوقت الذي تعيد فيه كتب التاريخ المقررة في المدارس «الإسرائيلية» إنتاج الرواية القومية اليهودية وتضفي الصفة الشرعية عليها، فإن الكتب الجغرافية تُعنى بتدريس الطلبة كيف يعرفون بلادهم وتمجيد الإنجازات الصهيونية في حقلي الزراعة والاستيطان.

 

خطاب «الأمن» المقدس

وبيّن منصور أن خطاب «الأمن» يعدُّ الخطاب الأبرز الذي يسود في «إسرائيل» في ما يتصل باحتلال فلسطين، حيث يعمل هذا الخطاب على شرعنة جوانب من السلوك الذي تسلكه «إسرائيل» تجاه الفلسطينيين الذين تدينهم وتشجبهم في إطار خطاب «حقوق الإنسان». إذ تحظى الأعمال الإرهابية في الكتب المدرسية في «إسرائيل» وأعمال تهريب الأسلحة التي ارتكبتها منظمات وعصابات سرية مثل الهاغاناه والأرغون ضد الاحتلال البريطاني وضد حركة المقاومة التي خاضها الفلسطينيون ضد الصهيونية قبل إنشاء «إسرائيل» بالتمجيد في الخطاب الذي يتناول تحرر اليهود وخلاصهم. كما يستهدف الخطاب المناهض للعرب المسلمين في جانب كبير منه إلى عدّ الفلسطينيين إرهابيين ومخالفين لحقوق الإنسان، وأنهم متخلفين في مفهومهم للحياة وتعاطيهم مع الشأن اليومي.

نصوص نمطية

وقال منصور إن الكتب التعليمية تكثر فيها نماذج من الصور النمطية، ومثال ذلك: الفتيات المسلمات المحجبات مقابل اللاتي لا يرتدين الحجاب. فالمحجبات يظهرن متخلفات ومحافظات ومتشددات وقدمن من عائلات يعتبرن الحياة المعاصرة خطرٌ على وجودهن، في حين أن غير المحجبات حديثات ومتطورات ويعشن حياة تتسم بالعصرنة.

وفي مجال النمذجة (Modality) أشار منصور إلى أن بعضهم يقول: إن العرب طُردوا من ديارهم، وآخرون يقولون إن الفلسطينيين «هربوا منها»، وهما تفسيران لا يعبران سوى عن خرافات.

ورأى منصور أن الكتب المدرسية، تستخدام مصادر النمذجة لفرض وجهة نظر إزاء الحقيقة التي يصعب معارضتها.

تبني مفاهيم الإقصاء

وقال منصور إن الصور النمطية تساهم في تعزيز التحيز وتتبنى نزع الصفة الشرعية، وتعمل على تصنيف الجماعات إلى فئات اجتماعية سلبية تتسم بالتطرف، بحيث يتم إقصاؤها من الجماعات الإنسانية التي يُنظر إليها على أنها تتصرف ضمن حدود القواعد والقيم المقبولة.

وذكر أن الكتب المدرسية «الإسرائيلية» لا تحتوي حتى بعد «»أوسلو»» على أي جانب ثقافي أو اجتماعي إيجابي من حياة الفلسطينيين أو عالمهم، سواء كان ذلك نصاً أو صورةً، فلا ذكر للأدب أو الشعر أو التاريخ أو الزراعة أو الفن أو العمارة، ولا حديث عن التقاليد والأعراف والعادات الراسخة منذ فجر التاريخ. كما أن هذه الكتب لا تتضمن أي صورة فوتوغرافية للإنسان الفلسطيني، بل تمثله في صور عنصرية أو تصنيفية تحطّ من شأنه وقدره وتسمه بسمات الإرهابي واللاجئ والمزارع البدائي أو المتخلف الذي يرفض مواكبة العصر

أداة لتصنيف الفلسطينيين

وبيّن منصور أن الكتب التعليمية في «إسرائيل» تستجيب إلى سياسات التصنيف التي تتبعها وتتبناها المؤسسة الحاكمة. فهناك «الإسرائيليون» أو اليهود وهناك غير اليهود بمن فيهم من هم ليسوا عرباً.

وقال إن هذا التصنيف أو التمييز بين اليهود وغير اليهود يساهم في تأسيس جماعة داخلية يهودية هي المهيمنة، كما يساهم في تهميش وإخضاع المواطنين الفلسطينيين بوصفهم جماعة خارجية لا تُعرَّف إلا على نحو سلبي.

وأضاف أن هذا الأمر يوظّف في كتب الجغرافيا ليتضمن معنى الاختلاف بين التقدم والتخلف، كما يجري تصويره على الخرائط والرسوم التوضيحية والرسوم البيانية للدلالة على عدم اكتمال المشروع الصهيوني الذي يستهدف «تهويد» الأرض، فكتاب «المستوطنات في المكان» يتضمن خريطة تبين «المناطق الريفية في «إسرائيل»»، حيث تُصوّر المستوطنات اليهودية باللون الأزرق، والقرى العربية بالأحمر. ويفيد مصطلح «الوسط غير اليهودي أو العربي» في معناه إلى مركزية المواطنين اليهود وهامشية الأقلية العربية، كما يتضمن هذا المسمى في كتب التاريخ والمدنيات، إشارة إلى التمييز بين الروايتين الصحيحة والمغلوطة، فالرواية اليهودية هي الصحيحة بنظرهم، بينما الرواية العربية هي الخاطئة.

وذكر منصور مثالاً توضيحياً على ذلك من كتاب جاء فيه: «تحولت دير ياسين إلى خرافة في الرواية الفلسطينية، وخلقت صورة سلبية مرعبة للمحتل الصهيوني في عيون عرب «إسرائيل»، إذ يتم اتباع هذا النص بتعريف لـ»الخرافة» على الشكل التالي: «الخرافة هي عبارة عن قصة تتحول إلى رمز ذي معنى في حياة شعب ما، وهي تستند إلى الواقع وتشوهه في الوقت نفسه.

وبيّن أنه عادة ما تُقدَّم الأفعال «الإسرائيلية» في كتب التاريخ على أنها أفعال صحيحة من الناحية الأخلاقية وأنها تتناسب مع القواعد العمومية واليهودية، بينما تقدَّم الأفعال الفلسطينية على أنها «نزوية أو شريرة». مشيراً إلى أن «إسرائيل» ضمن هذا الإطار «ترد على العدوان العربي»، وتشن «العمليات» ضدهم، وتخلق الأعذار التي تبرر «إجراءات الردع العقابية» ضد الإرهاب الفلسطيني! وفي المقابل، تزرع هذه الكتب فكرة أن العرب يرتكبون الأعمال الإرهابية ضد «إسرائيل»، ويقتلون «الإسرائيليين» وينتقمون منهم، ويوظفون ما يسمونه «المعاناة» في الدعاية ضد «إسرائيل»!

الإنكار الكلي للفلسطينيين

أوضح منصور أن كتب التدريس من الصف الأول حتى الرابع لا تكاد تأتي على ذكر الفلسطينيين، سواء المواطنين في «إسرائيل» أو الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. فلا ذكر لهم في نص أو صورة أو خريطة، مما يعكس المواقف «الإسرائيلية» تجاه الفلسطينيين بمجموعهم. أما في الصفوف الأخرى فهي تأتي على ذكرهم لكن تحت مسمى «غير اليهود»، وهذا إنكار مقصود لوجودهم التاريخي وحضورهم الفعلي في أرضهم.

وقال منصور إن «إسرائيل» ترفض حق عودة الفلسطينيين زعماً أنه لم يتم عبر الطرد أو الهرب من عدوان اليهود، وإنما كان بوصفه «هروباً دافعه الخوف والفزع»، وأن الفلسطينيين «تخلوا» بسببه عن منازلهم وأملاكهم بمحض إرادتهم! مضيفاً أن الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة غالباً ما يتم تصويرهم على أنهم «أرهابيون»، ما يعني استمرار السيطرة وفرض القيود على الحركة لمنع العودة.

وأضاف أن منح حق العودة للاجئين الفلسطينيين يعني الاعتراف بالرواية التي يسردها الفلسطينيون عن النكبة والسماح لها بالوجود في الخطاب والواقع «الإسرائيليين»، لافتاً إلى أنه ما تزال الجهات القائمة على جهاز التعليم في «إسرائيل» بعيدة عن القبول بهذا الاعتراف، الذي «لا يُستغنى عنه لتحقيق السلام والمصالحة بين الشعبين في ما لو وصل الطرفان إلى ذلك في المنظور القريب».

الانحياز للرواية «الإسرائيلية»

وأوضح منصور أن الكتب التعليمية في «إسرائيل» تتبنى الرواية «الصهيوإسرائيلية» لما حصل في 1948 على وجه التحديد وفقاً لأربعة أمور أولها: الشعور بالتفوق، فاليهود يمثلون الغرب، وبالتالي التقدم، في حين أن العرب يمثلون الشرق أي مناطق التخلف! وهي نظرة كولونيالية صرفة. والأمر الثاني هو النظرة إلى العرق الأدنى بوصفه عرقاً مختلفاً وغريباً في جوهره.

أما الأمر الثالث فهو الشعور بالأحقية، كما هو حال قانون العودة لليهود والحقوق الاستثنائية في الضريبة والبلديات، وحق اليهود في «أرض إسرائيل الكاملة» الذي يجري التعبير عنه في الخرائط المدرسية والكتابية، في حين أنه يتم رفض الاعتراف بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني في ارضه ووطنه. ويتمثل الأمر الرابع بحسب منصور في الخوف والتشكك من العرق «الخانع» (العرب)، والذي يمكن أن يطمع في الحقوق الحصرية التي يملكها العرق المهيمن.

طرد الفلسطينيين

وأكد منصور أن الكتب التي وضعت بعد «أوسلو» لا تخفي تنفيذ بعض أعمال «الطرد الرسمي»، وفي المقابل لكنها في المقابل لا تبين وجود خطة رسمية تقوم على أسس التطهير العرقي الذي بدأ تنفيذه منذ العام 1948 بحق الشعب الفلسطيني. ويُعزى «الخروج» (كما تسميه الكتب التعليمية) إلى «الفشل» الذي حالف القيادة الفلسطينية، والذي أفضى بالفلسطينيين إلى «التخلي» (كما ورد في الكتب التعليمية في إسرئيل) عن قراهم ومدنهم.

وأضاف أن الكتب التعليمية تشن حملة شعواء على العرب بتحميلهم مسؤولية ما جرى. كما في القتباس التالي من أحد الكتب التعليمية للمرحلة الثانوية: «جلب العرب على أنفسهم الهلاك حينما حاربوا اليهود ورفضوا قبول خطة التقسيم، فانتهت الحرب بهزيمتهم وبتشريد آلاف اللاجئين الذين تركوا ديارهم بسبب عدم رغبة الجمهور العربي الفلسطيني وقيادته في التوصل إلى اتفاقية».

وتابع منصور أن جهاز التعليم في «إسرائيل» يقوم بتحميل الفلسطينيين مسؤولية الأجيال اللاحقة كون آباؤهم تخلوا عن الأرض ففقدوا حقهم في العودة إليها!

مكانة منظمة التحرير

وكشف منصور إلى أنه بالرغم من الاتفاقيات التي من المفروض أن تساهم في توجيه الكتب التعليمية كما الرأي العام إلى قبول الفلسطيني والاعتراف به، فإن أكثر الكتب «انفتاحاً» تصف منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها مصدراً للهجمات الانتحارية في «إسرائيل» وبوصفها «نواة للإرهاب العالمي» واستشهد منصور بالاقتباس التالي من أحد الكتب: «في الأردن ولبنان أقام الإرهابيون الفلسطينيون دولة داخل الدولة وأثاروا دوامة من النزاعات بين المنظمة و»إسرائيل»، والمنظمة والجيش اللبناني، وبين المنظمة والكتائب، وهذا ما سبب الحرب في لبنان».

الخطاب اللفظي/ البصري

وأوضح منصور أنه نادراً ما يُصور الفلسطينيون خاصة والعرب عامة بكونهم متطورين وحداثيين، بل يقدَّمون بصور نمطية منها أنهم يشكلون «مشكلات» و»تهديدات» لـ»لإسرائيليين»، وهو تنميط يؤدي إلى تشكل الخطاب العنصري التمييزي.

وأكد منصور في ختام حديثه أن ما يجري في كتب تدريس التاريخ والجغرافيا هو عبارة عن عملية طمس تاريخ ووجود الفلسطينيين ومحوهما من المشهد الطبيعي. كما أن هذه الكتب تعلم الطلبة اليهود «الإسرائيليين» النظر إلى أنفسهم على أنهم «أسياد أرض إسرائيل»، وتعلمهم السيطرة على سكانها وطبيعتها وفضائها، والقيام بأي شيء ضروري لتوطيد هيمنة اليهود وتعزيز تقدمهم فيها، وهو ما يعني توسعهم على حساب اقتلاع غيرهم.

 

المداخلات

تغيير المناهج

في مداخلة له دعا الباحث د.أيوب أبو دية الباحثين الفلسطينيين إلى التركيز في حديثهم عن حق العرب في فلسطين، مشيراً إلى التمييز العنصري الذي تمارسه «إسرائيل» ضد اليهود «الخزر» وهم يهود غير اليهود الأصليين من شمال أوروبا اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وأضاف أن كثيراً من المسيحيين غيروا ديانتهم إلى اليهودية، وهؤلاء لا حق لهم في التشريع والقانون «الإسرائيلي» أن يكونوا يهوداً.

وحول حال المناهج ما بعد «أوسلو»، قال أبو دية إن السلطة الفلسطينية غيرت المناهج ثلاث مرات، وكذلك الأردن في زمن وزير التربية والتعليم د.خالد طوقان، كما توطدت العلاقات مع «إسرائيل» بعد اتفاقية وادي عربة، إلى جانب تكُليف طوقان نفسه بمشروع المسارع الضوئي بغرض فتح علاقات مع «إسرائيل» ولفت أبو دية إلى مشروع «جسر الهوة» بين والأردن و»إسرائيل».

الضغظ على «إسرائيل»

قال الكاتب والإعلامي العراقي سعد الكناني إن ما جاء به منصور يمثل مقاربة لما حصل في العراق من تغيير للمناهج بعد العام 2003 تشمل مواد التاريخ والأدب والنصوص في اللغة العربية، مضيفاً أن هذا جزء واقعي وحقيقي من الاستراتيجية الصهيونية.

ودعا كناني إلى الضغط شعبياً على الحكومات العربية لتقوم بالضغط على ما يسمى «إسرائيل» كي تعدّل مناهجها لصالح العرب.

المناهج الأردنية

قال مدير مديرية المناهج في وزارة التربية والتعليم د.محمد القداحات، إنه أشرف سابقاً على إطار عام جديد للمناهج الأردنية في مجال التاريخ، مؤكداً أنه لا يوجد هناك أي تدخل وليس هناك أي جهة تملي رأياً في موضوع المناهج.

وأضاف أن الذين أشرفوا على تطوير وتعديل المناهج وإعادة صياغة نتاجات التاريخ في الأردن هم نخبة من الاساتذة الجامعيين المرموقين وعلى رأسهم د.هند أبو الشعر النمري، ود.تيسير الزواهرة، ود.سليمان الخرابشة.

وأكد قداحات أن قضية فلسطين باقية كما كانت وأن الدور التاريخي في دعم القضية الفلسطينية ما زال موجوداً، وإنما أعيدت صياغته ليتلاءم مع مستجدات العصر وخاصة مع استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في التعليم.

مناهجنا والجهاد

أكد الوزير السابق د.عبد السلام العبادي الذي يشرف على كتب التربية الإسلامية في الأردن أن أحداً لم يتدخل في فرض أي فكرة أو في حذف أي أمر في المناهج، مضيفاً أن مناهجنا في التربية الإسلامية تدرس الجهاد، وعلى وجه الخصوص سورة التوبة وسورة الأنفال بتفصيل وافٍ.

وبيّن أن الحقائق الكبيرة التي تتعلق بالموقف من بني «إسرائيل» كما ورد في القرآن الكريم لم تُمَس في الواقع التاريخي، بل درست السيرة في ما يتعلق ببني قينقاع وبني النضير وغير ذلك بكل تفصيل.

وأضاف العبادي أنه عندما عُرضت عليه مناهج بعض الدول العربية لاحظ أن هناك تخفيفاً عن الحديث في الجهاد فطلب توضيح الجهاد بشكل تفصيلي بهدف تحصين الأجيال ضد الإرهاب والتطرف.

وأشار العبادي إلى أن وزير التربية والتعليم أعلن مؤخراً عن إعادة كتابة مناهج المرحلة الابتدائية بهدف تبسيط الموضوعات وتقليل حجم المعلومات لأن الطلبة يشكون كبر حجم الكتب وسعتها، وليس السبب أن هناك مشاكل في مناهج التربية الإسلامية أو التاريخ، بمعنى أن التغيير والتطوير لم يتم لإرضاء الجانب «الإسرائيلي».

واستذكر حديثاً جرى في السبعينات عن طلب اليونسكو حذف بعض التفاصيل من الكتب الأردنية بضغط من الجانب «الإسرائيلي»، فكان ردّ الأردن أن جمعت النصوص الدينية لدى اليهود التي تحرض على الإرهاب وعلى قتل المدنيين.

المناهج وفلسفة الدولة

قال أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية ورئيس فريق الإشراف لعدد من المرات على كتابة المناهج د.صالح الدرادكة، إن المناهج تعكس فلسفة الدولة وأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كل دولة تضع المناهج التي تجسد أهدافها، وأضاف: «نحن لا نلوم «إسرائيل» إذا وضعت مناهج تحقق أهدافها التي قامت من أجلها، لكن نأخذ علينا أننا لا نعرف من هم اليهود الذين يعيشون في فلسطين، إذ إن معظم الذين هاجروا إلى فلسطين هم من أصول تركية خزرية، فعندما اعتنق ملك الخزر بولان اليهودية في القرن العاشر هاجمهُ أمراء موسكو وطردوه».

وأشار الدرادكة إلى المخالفات المنهجية الإنسانية الموجودة في المناهج «الإسرائيلية»، كقضية التفوق العرقي متسائلاً عن أسباب ارتباط مناهجهم بالتوراة، علماً أن علماءهم ونخبهم يعرفون أن هذه من الخرافات.

دور السكان العرب

تساءلت الكاتبة خديجة حباشنة عن الدور الذي يقوم به السكان العرب عامة واتحاد المعلمين خاصة في مقاومة المناهج الإسرائيلية، علماً بأن العرب يمثلون 20% من السكان.

كيف يغيّرون مناهجهم؟

تساءل نائب عميد كلية القدس د.فايق الفرا عن ماهية مناهج الطلبة العرب في فلسطين 48، ومن الذي يتحكم فيها؟

كما تساءل عما هو موجود في كتب «الإسرائيليين» عن حرب 67، وما الوسائل المناسبة لإجبار «الإسرائيليين» على تغيير مناهجهم؟

ردود المحاضر

حول موضوع المناهج ما بعد «أوسلو» قال منصور إن الضغط «الإسرائيلي» ينجح شئنا أو أبينا، وإن المناهج تعد أداة قوية جداً في بلورة شخصية المواطن داخل السلطة الفلسطينية أو في البلاد العربية، موضحاً أن «الإسرائيليين» لا يريدون إنساناً عربياً يعتز بعروبته وثقافته وحضارته وبالإنجازات والبطولات، وبالتالي ينجح المشروع الصهيوني وهو مشروع «أخطبوطي» يتجاوز عملية احتلال الأرض، إلى احتلال الفكر.

وأكد منصور أن تغيير المناهج في العراق هو جزء من المشروع الصهيوني.

وحول أثر المناهج على التلاميذ العرب، رد منصور قائلاً: إن وزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية» لا تجيز سوى كتاب واحد لكل صف في المدارس العربية، في حين أن المعلم اليهودي عندما يريد أن يدرس عن الحرب العالمية الأولى مثلاً يكون أمامه عشرة كُتب تستجيب للمنهج، مضيفاً أن العرب الفلسطينيين في الداخل يدرسون تاريخ فلسطين أو تاريخ الصراع مع اليهود لغاية عام 1948 فقط.

وأوضح منصور أن التعليم الديني في المدارس «الإسرائيلية» منقسم الى أربعة أنواع، التعليم الديني في المدارس الرسميه الحكومية «الإسرائيلية»، والتعليم الديني في المدارس الرسمية الدينية التابعة للحكومة، والتعليم في المدارس الخاصة التي هي جمعيات ومؤسسات..، مضيفاً أن التعليم يختلف من قطاع إلى آخر إلا أن هناك اعتماداً على التوراة والتلمود.

وأضاف أنه لا يوجد هناك مجال للضغط لإحداث تغيير على المناهج في «إسرائيل»، إنما هناك لجنة في الداخل الفلسطيني من الفلسطينيين لمتابعة قضايا التعليم، وهي عملياً هيئة مستقلة غير حكومية تمثل السلطات المحلية العربية الفلسطينية في الداخل وتمثل هيئات ومؤسسات وأحزاباً، وبالتالي فإنها الجهة الوحيدة التي بامكانها أن تضغط.

وبيّن منصور أنه تم وضع مقترحات مناهج بديلة، ولكن لا يمكن تطبيقها على المدارس لأن 85 % من المدارس لدى العرب مدارس حكومية خاضعة لسلطة وزير التربية والتعليم، فلا يمكن إدخال كتاب غير مصدق عليه من قبل الوزارة إليها، إضافة إلى أن المدارس الأهليه الخاصة تتلقى المعونات والمخصصات من وزارة التربية والتعليم وبالتالي لا تستطيع إلا أن توافق على المناهج التي تفرضها الوزارة.