الساعة

زيارة البابا دعوة روحية لإحلال السلام في المنطقة

15/07/2014

في هذا السياق، أقام مركز «الرأي» للدراسات جلسة حوارية في قاعة محمود الكايد، دعا للمشاركة فيها عدد من رجال الدين والأكاديميين والسياسين والإعلاميين، ناقشت الدور الحضاري للمسيحيين في المنطقة العربية، وإسهامهم في مجالات التطور المختلفة، ووحدة النسيج الاجتماعي الأردني.

تأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى الأردن لتعزيز قيم المحبة والسلام، في ظل ما يحظى به الأردن من سمعة طيبة عالمياً، بجهود الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في مجال التعايش والوسطية والاعتدال، وهي الرؤى التي أشارت إليها رسالة عمّان في غير موضع.

أدارها: هادي الشوبكي

حرّرها وأعدّها للنشر: جعفر العقيلي

وبثينة جدعون

أيار 2014

تالياً أبرز ما جاء في الجلسة:

المسيحيون والعروبة

استهلت الأستاذة في جامعة فيلادلفيا فدوى نصيرات حديثها حول إسهامات المسيحيين في التطور الحضاري، باستعراض دور المفكرين العرب المسيحيين في بلورة فكرة القومية العربية والدفع بها من إطار التنظير إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع في بلاد الشام ومصر في الفترة 1840-1918، فقالت إن هؤلاء شكّلوا الطلائع الأولى في سياق نشأة الفكر القومي العربي بحكم اتصالهم المبكر بالغرب.

وقالت نصيرات: «لقد غدا العرب المسيحيون جزءاً من رعايا الدولة العثمانية منذ عام 1516، إذ تألفت الرعية من فئتين (المسلمين وغير المسلمين)».

ولخصت نصيرات الآثار التي تركتها البعثات الكاثوليكية والأرثوذكسية في المسيحيين العرب، في أنها ساعدت على تعلم اللغات الأوروبية الحديثة، ولعبت دوراً في تخريج جيل أو طبقة من المدنيين المثقفين الذين تشربوا الحضارة الغربية وأضحوا من مروجي فكرة الإصلاح في الشرق، الأمر الذي كان منطلقاً لتكوين اتجاه فكري سياسي مميز بطروحاته القومية.

وأوضحت نصيرات أن حالة يقظة الوعي القومي عند العرب المسيحيين اتخذت «طابعاً طويلاً ومتواصلاً». إذ يمكن ملاحظة ملامح هذه اليقظة منذ القرن التاسع عشر وعلى جميع المستويات: السياسية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية.

وأضافت أن ملامح التحول برزت من خلال وسائل متعددة، أولها: الجمعيات الثقافية، ومن أبرزها مجمع التهذيب، والجمعية السورية لاكتساب العلوم والفنون، والجمعية المشرقية، إضافة إلى الجمعية العلمية السورية.

وتمثلت الوسيلة الثانية بالصحافة الدورية العربية التي ساهمت في دور ملحوظ في تطوير الوعي القومي العربي، وقالت نصيرات إن من أبرز الموضوعات التي ركزت عليها الصحافة العربية في تلك الفترة: اللغة العربية وضرورة التمسك بها، بحيث تصبح لغة عصرية تواكب العلم الحديث، وذلك عبر بيان مميزاتها، وتقديم الشروحات والأدلة على أهميتها في حياة الأمم والشعوب لأنها تعد من عوامل الوحدة بين الأفراد.

كما ركزت االصحافة على الفخر بالجنس العربي، والتغني بأمجاده السابقة وأخلاقه المميزة، والدعوة إلى الألفة والتضامن وذلك بهدف بناء مجتمع متماسك يكون نموذجاً لصيغة التقدم المنشود لدى الأمة العربية على اختلاف طوائفها ومللها، ورفع شعار «حب الوطن من الإيمان» وهو شعار قد تبلور في سياق الحملة التي شنها الكتاب العرب والمسيحيين على البعد الديني للوطن، والمواطنة الصالحة، وحرية الأديان.

ومما ركّزت عليه الصحافة أيضاً المرأة العربية ودورها في تنبه الوعي القومي، والدعوة المستمرة إلى الأخذ بأسباب تقدم الأمم المتمدنة، والأخذ بالتربية القومية التي تقوم على إعداد الأمة للحياة القومية، وتوحيد الأمة ومساعدتها على أداء رسالتها إلى الإنسانية.

وقالت نصيرات إن الوسيلة الثالثة التي أبرزت ملامح التحول نحو «اليقظة» تتمثل بالمؤلفات، فقد تطور التأليف في اللغة والأدب والنقد والبلاغة، ولوحظ أن العناية باللغة كانت في جوانبها صدى لظاهرة أعم هي تنبيه الوعي العربي والاتجاه إلى إبراز مقومات الأمة العربية، وبيّنت نصيرات أن الكثير من الأدباء واللغويين ساهم في إحياء اللغة العربية فقد تم رصد الكثير من المؤلفات التي عبرت بأفكارها عن بدايات الوعي القومي لدى الكتاب العرب المسيحيين، من مثل الدعوة إلى التمثل بالغرب في بناء الدولة الحديثة، وخاصة الأنظمة الدستورية الداعية إلى إقامة العدل والحرية والمساواة والثورة على الواقع الاجتماعي والتعليمي الذي يعيشه العرب، وكذلك التركيز على فكرة الرابطة القومية بمعناها الحديث على أسس اللغة والجنس والثقافة والتاريخ والآمال والطموحات المشتركة تمييزاً لها عن الرابطة الإسلامية أو العثمانية. وذكرت نصيرات من هذه الكتابات: «مسرحية عنترة»، و»غابة الحق»، و»رحلة باريس»، و»العلم والتربية»، و»الكتابات السياسية والاجتماعية» وكتاب «الدرر»، و»غرائب المكتوبجي»، ومؤلفات شبلي شميل إضافة إلى طيقظة الأمة العربية».

أما الوسيلة الرابعة بحسب نصيرات، فهي التيار العروبي، ومن أبرز الموضوعات القومية التي تطرق إليها العرب المسيحيون في كتابات عصر النهضة وعبرت عن الاتجاه العروبي: الموضوعات باللغة العربية والتركيز عليها كوحدة جامعة بين العرب، وإحياء التراث العربي والتغني بأمجاد العرب، والمطالبة بخلافة عربية، ثم جدلية التلازم بين الإسلام والعروبة، وآخرُها الدعوة إلى التمرد على الدولة العثمانية.

وقالت نصيرات إن الأسس التي ارتكز عليها التيار العلماني تتمثل في فصل الدين عن الدولة، وذلك ليتمكن العرب من الاتحاد ومجاراة التمدن الأوروبي، والدعوة إلى حكم ديمقراطي حر، إضافة إلى التمدن والحرية اللذين يدلاّن على التهذيب الداخلي والخارجي والتزين بالمعرفة والأدب والفضيلة.

ومن خامس هذه الوسائل أيضاً ما يتمثل في الجمعيات العربية، فقد أشارت نصيرات إلى أنه أولى الجمعيات السرية العربية التي نددت بالحكم التركي وطالبت بالاستقلال عن الدولة العثمانية تأسست على يد العرب المسيحيين، ذاكرة منها: جمعية بيروت السرية، وجمعية الحزب الوطني، وجمعية حفظ حقوق الملة عربية.

ومن ذلك الجمعيات العلنية والسرية في العهد الدستوري، التي منها: جمعية الاخاء العربي العثماني، والعصبة العثمانية، والجمعية المركزية السورية، والمنتدى العربي، وجمعية النهضة اللبنانية، وجمعية العهد.

وتوقفت نصيرات عند المؤتمر العربي الأول، الذي يعد مؤتمراً قومياً عربياً بامتياز وضم المسلم والمسيحي معاً، موضحة أن قراراته في جملتها طالبت بالاشتراك في الحكم المركزي، وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية، إضافة إلى تمتع العرب بحقوقهم القومية في دولة يشكّلون أكثر من نصف سكانها.

وأشارت نصيرات إلى وسيلة أخرى من وسائل التحول وهي دور العرب المسيحيين في الثورة العربية الكبرى، فقالت إن موقف العرب المسيحيين من الثورة شأنه شأن موقف المسلمين العرب، وذلك لأن الجمعيات العربية التي مهدت السبيل إلى الثورة ضمت في عضويتها المسلم والمسيحي، كما أن القرارات التي صدرت عنها شارك في اتخاذها كلاهما، وذكرت نصيرات من هذه الأسماء التي شاركت في الثورة: أمين يزبك، إميل خوري، فريد الخازن، سعيد عمون، فؤاد سليم، نعيم الخوري، خليل السكاكيني، نعمان ثابت، إضافة إلى أمين معلوف الذي شارك من خلال الأعمال العسكرية أو القيام بأعمال الترجمة وتشكيل اللجان من أجل الدعاية في الخارج.

وختمت نصيرات حديثها بعرض إلى الدور الثقافي والإعلامي للعرب المسيحيين في ما يخص الثورة العربية الكبرى وذلك من خلال القصائد التي قيلت في الثورة كحدث تاريخي، والإشادة بأهدافها وقائدها.

إسهام في النهضة

قال النائب المهندس عاطف قعوار في مداخلته إن المسيحيين هم العرب الذين يعدّون أهل هذه المنطقة، معترضاً على من يصفهم بـ «الأقليات»، وعلى وجود قانون للطوائف غير المسلمة.

وتساءل قعوار: منذ متى يعدّ العرب أقلية في وطنهم في الجزيرة العربية؟ واصفاً استخدام مصطلحات من مثل «الطائفة» و»الأقلية» بأنه ظالم وفيه تجنٍّ، مضيفاً أن المسيحيين وإن كانوا أقلية بالعدد فليسوا أقلية بالعطاء والإنجاز والمساهمة في هذا البلد، فمساهمة المسيحيين في النهضة الأردنية تكاد تزيد عن.6% في مجالات عديدة.

وقال قعوار إن الرجعية هي التي تلغي هوية المواطنة وتسمي مسلم، مسيحي، وشركس، وتلجأ إلى مصطلحات مثل الأصول والمنابت...

وتابع قعوار:أنه علينا أن نؤمن بالدولة المدنية الحديثة المعاصرة، فالمسيحيون ليسوا أقلية، بل هم عرب، ولم يكونوا يوماً على هامش التاريخ بل صنعوا التاريخ العربي بكل مكوناتهز لافتاً إلى أن أول أستشهادي في التاريخ العربي المعاصر هو جول جمال في حرب السويس.

وأوضح أننا عندما نصف المسيحييين بأنهم أقلية أو طائفة فإننا بذلك نعزلهم عن دورهم الوطني والسياسي مستشهداً بقول البابا شنودة: «لو كان الإسلام شرطاً للعروبة لأصبحنا كلنا مسلمين»، داعياً إلى وجوب الإيمان بهوية المواطنة.

دور مؤثّر للحفاظ على العروبة

أكّد الأستاذ الجامعي د.عصام الموسى على ما جاء في الندوة حول دور العرب المسيحيين، مشيراً إلى أن عملية التتريك التي قامت بها الدولة العثمانية كان الهدف منها أن ينسى العرب لغتهم وثقافتهم، لافتاً إلى أن دور العرب المسيحيين كان دوراً نهضوياً لا غنى عنه في قيام النهضة العربية الحديثة.

المسيحيون ونشر الإسلام

قال الناشط السياسي ضرغام هلسة إن عرب بلاد الشام المسيحيين هم من نشر الإسلام، وكانت الفاتحة من «مؤتة» والإنطلاقه من «اليرموك» وكانت غالبية جنود العرب من العرب المسيحيين، مستشهداً بكتب التاريخ وحكم بني أمية في بلادنا، إذ كانت نسبة من يدينون بالمسيحية 60% ومن يدينون بالإسلام 40%.

وأضاف هلسة أن الإنجاز الأكبر يتمثل بفتح أوروبا والقسطنطينية، لافتاً إلى أن معظم قادة الجيوش في تلك الفترة هم من الغساسنة والتغالبة وبني حمدان والذين كانوا مسيحيين، كما لفت إلى قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم: «لولا الإسلام لأكلت تغلب العرب»، مبيناً أن تغلب كانت من أشهر القبائل العربية المسيحية، ومن خيرة أبنائها الأخطل الكبير.

التساوي في الإنسانية

بخصوص حوار الأديان، قال نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية وأستاذ الأديان المقارنة بجامعة آل البيت د.عامر الحافي إننا ما زلنا ننظر إلى العلاقة مع المسيحية كعلاقة مع عقيدة مخالفة أكثر مما ننظر إليها من زاوية التساوي مع الإنسانية، مضيفاً أنه إذا تحول الفكر الديني إلى صيغة «أنا على حق وأنت على باطل،.. أنا في الجنة وأنت في الجحيم»، فإن الحياة الاجتماعية سوف تتضرر، مذكّراً بقوله تعالى: «أقيموا الدين ولا تتفرقوا». وبيّن الحافي أن إقامة الدين هو في عدم وجود فرقة، إذ لا يمكن للشريعة أن تكون متحققة في المجتمع إذا كانت ستفرق بين المواطنين.

وأضاف الحافي أن إقامة الدين تعني العدل وأن تكون الحقوق المتساوية، مؤكداً على أنه لولا العدالة لما استمر العرب المسيحيون في هذه المنطقة، كما أن استمرار العرب المسيحيين في هذه البلاد دليل على أنه لم يكن هنالك تصفية عرقية، لذلك لا يجوز أن نفكر أن الآخر الديني هو النقيض، بل هو شاهد وفاعل حضاري وهو جزء من هذه الحضارة.

وأوضح الحافي أن القرون الوسطى حملت معاناة، فهناك من أُجبر على اعتناق ديانة ما، أما الآن فإننا نحتاج إلى وقفة صادقة مع النفس في عصر التحالفات والانفتاح والحوار، لافتاً إلى أن حوار الأديان هو الذي يفتح قلب المسلم لغير المسلم، ويُعرّف المسلم على التجربة الروحية الراقية التي يعيشها العرب المسيحيون.

وقال الحافي إن الربيع العربي رافقه قدر من تضخم الإحساس بالهوية الدينية، وهذا ربما يكون ثمنه مؤلماً إن لم نتنبه له جميعاً، كي لا يكون بيننا مغالون، فالتطرف ليس له دين، فالفرصة اليوم أمام العقلاء العرب لينظروا إلى الوضع الراهن والمجتمع الذي يعيشون فيه، ليس من أجل أن يمجدوا مرحلة تاريخية مضت، بل من أجل بناء مجتمع تتهدده مخاطر الانقسام.

المناهج وثقافة الآخر

قالت ماري حتر صويص من منتدى الفحيص الثقافي: «عندما جاء صلاح الدين الأيوبي لتحرير الأرض العربية كان العرب المسيحيون أول من وقف بجانبه»، مضيفة أن القدس والمقدسات تعني للعرب المسيحيين الكثير تماماً كما تعني للمسلمين العرب، ومهما اختلفت طقوس الدين بيننا نظل «أخوة يجمعنا الله في هذا الوطن».

وتساءلت صويص: ماذا نصنع لنقرب الآخر منا؟ مشيرة إلى أن مناهجنا المدرسية لا تساهم في الاطلاع على ثقافة الآخر.

الحوار على أساس الشراكة

وفي مداخلة له، أكد الخبير المالي ميلاد بشارات أن العروبة تأتي قبل الدين، لافتاً إلى أنه يفضل أن يدعى عربياً مسيحياً وليس العكس، مضيفاً أن تعامل المسيحي مع أخيه المسلم في الشرق تعامل يتسم بتعاون أخوي حقيقي.

وتساءل بشارات عن مدى اتفاق المناهج الأردنية أو العربية مع ما جاء به الإسلام السمح؟ وأضاف أنه يجب أن يكون هناك توعية حقيقية في العلاقات بين المسيحي والمسلم، لا أن تكون مبنية على المجاملات، فالتوعية الحقيقية تكون بالممارسات لأن الطفل يقلد والديه.

ورأى بشارات أن الأساس هو في قبول الحوار على أساس الشراكة وعلى أساس النهوض بهذا الوطن.

الأردن والفاتيكان

قال المدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام والناطق الإعلامي لزيارة قداسة البابا إلى المملكة الأب رفعت بدر: «إن البابا فرنسيس القادم إلينا هو الذي نال لقب رجل العام بالرغم من أنه لم يكن في روما في الشهور الثلاثة الأولى من العام الماضي، فهو الشخصية المثيرة للإعجاب الذي بدأ رحلة جديدة ليس فقط في حياته الشخصية وإنما في تاريخ الكنيسة عن عمر 76 عاماً».

وأضاف أن البابا فرنسيس قال: «لا أستطيع أن أتصور الشرق الأوسط من دون المسيحيين». كما أنه استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني مرتين.

وتابع الأب بدر أن البابا فرنسيس هو الذي حمل اسم القديس فرنسيس قديس الفقراء في القرون الوسطى واحتضن المشوهين في ساحة الفاتيكان، وسيأتي ضيفاً على سيد البلاد وعلى الأسرة الأردنية الواحدة التي تحتفل يوم الأحد بعيد الاستقلال، وعشيته تحتفل باستقبال ضيف سيد البلاد للمرة الرابعة، لافتاً إلى أن هذا إن دلّ على شيىء فهو يدل على الأمن والاستقرار والمحبة والوئام في الأردن.

وأوضح الأب بدر أن البابا اختار ظهر الخامس من كانون الثاني 2014، للإعلان عن عزمه على القيام بزيارة حج إلى الأرض المقدسة، مبتدئاً من الأردن ففلسطين، وذلك في الذكرى السنوية الخمسين للزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا بولس السادس المثلث الرحمات 4-6 كانون الثاني 1964.

وأضاف أن هذه الزيارة «تأتي جواباً على دعوات قبلها قداسة البابا من صاحب الجلالة الملك عبدالله ابن الحسين لزيارة المملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك هي تلبية لدعوة مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة، الذي يرأسه بطريرك اللاتين فؤاد الطوال، بالإضافة إلى رغبة قداسته الشخصية لزيارتنا».

وأكد الأب بدر أن هذه الزيارة تأتي أيضاً استذكاراً لزيارة البابا بولس السادس التي التقى خلالها بجلالة الملك الحسين بن طلال -رحمه الله- وانتقل من الأردن لزيارة بيت لحم والقدس والناصرة. مضيفاً أن أهم حدث تم خلال تلك الزيارة كان اللقاء والعناق الأخوي بين قداسة البابا بولس السادس وغبطة البطريرك المسكوني أثيناغورس على جبل الزيتون، والذي فتح الباب على مصراعيه للعمل المسكوني الهادف إلى وحدة المسيحيين.

وأوضح الأب بدر أن قداسة البابا يعتزم في الزيارة المقبلة تجديد اللقاء بلقاء مماثل مع أخيه البطريرك المسكوني برتلماوس، خليفة البطريرك أثيناغورس، وبطاركة القدس الثلاثة.

وقال الأب بدر: «إن تعميق العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الأردنية الهاشمية وحاضرة الفاتيكان- الكرسي الرسولي والتي نحتفل هذا العام بمرور عشرين عاماً على إنشائها» يعد من أهم الأهداف المرجوة من هذه الزيارة، إذ إن هذه العلاقات تميّزت دوماً بالصداقة والتعاون لما فيه خير الإنسان وحماية الأراضي المقدسة ودعم الجهود الأردنية الحثيثة للعدل والسلام في المنطقة، مضيفاً أنها مناسبة لدعم السياحة الدينية إلى المواقع المقدسة الأثرية في المملكة، وبخاصة إلى موقع المعمودية «المغطس».

وتابع الأب بدر: «أننا نرجو أن تكون هذه الزيارة صرخة سلام، وتأييداً لما يقوم به الأردن من اهتمام بإحلال السلام والعدالة، وبخاصة في فلسطين، والاهتمام باللاجئين السوريين، ودعم المبادرات الأردنية للحفاظ على الهوية العربية المسيحية، ونبذ العنف والاعتداء على المقدسات، وكرامة الإنسان».

وختم الأب بدر حديثه بإشارته إلى أن هذه هي الزيارة الرابعة لحبر أعظم إلى المملكة الاردنية الهاشمية، وإلى الأماكن المقدسة، بعد الزيارة التي قام بها البابا بولس السادس (4-6 كانون الثاني 1964)، والزيارة التي قام بها يوحنا بولس الثاني (20-28 آذار 2000، عام اليوبيل الكبير)، وزيارة البابا بندكتس السادس عشر (8-15 أيار 2009).

مسيحيو الشرق والغرب

رأى الوزير السابق د.منذر حدادين إن قداسة البابا لا يعبر عن ميول سياسية مهما كانت عادلة، مضيفاً أن هذا رجل هو قائد الكاثوليكية في العالم والتي قوامها فصل الدين عن الدولة.

كما رأى أن لزيارة قداسة البابا للمملكة أهمية اقتصادية وخاصة زيارته إلى موقع المغطس، وهو الموقع المعتمد للحج المسيحي، والذي يعد ثروة مفتوحة للعالم.

وأضاف حدادين: «أن ثقل البابوية في ما نعانيه على طرق الآلام والثقل البابوي في قضية فلسطين يتمركز في قضية القدس، فالموقف البابوي منذ قرار الأمم المتحدة رقم 181 كان مع القدس.

وقال حدادين إن اجتماع قداسة البابا مع القادة الأرثوذكس هو خطوة لتقليل الشق المسيحي بين الشرق والغرب.

البعد الروحي

قال الأب د.بسام شحاتيت (من مطرانية الروم الكاثوليك) إن زيارة قداسة البابا تأتي بهدف الحج الروحي، مضيفاً أنه من الممكن أن يكون لها بعد سياسي بحيث تحمل بين طياتها رسائل سلام، فالبابا يدعو للسلام في سوريا، وللوحدة الأرثوذكسية الكاثوليكية، وأيضاً للتقارب الإسلامي المسيحي، والفقراء والمهمشين.

المسيحية ابنة الشرق

قال الكاتب والصحفي نبيل غيشان إن الأردن من البلدان النادرة التي حظيت بزيارة البابا، فهذه هي الزيارة البابوية الرابعة للأردن، مضيفاً أن هذا يعد اعترافاً بأهمية الدور التاريخي والديني للأردن، كما أنه يعد اعترافاً بأن المسيحية هي ابنة الشرق لا الغرب، فالمسيح انطلقت دعوته بعد أن تعمّد في نهر الأردن.

ورأى غيشان أن الحديث عن دور سياسي للبابا في هذه الزيارة أمر مستبعد لأن البابا لديه سلطة أخلاقية قيمية وليس مدنية، مشيراً إلى أن علاقة الفاتيكان مع إسرائيل علاقة فاترة، وهناك ضغوط على الفاتيكان وإصرار من إسرائيل أن ينزل قداسة البابا في مطار اللد (الإسرائيلي) ولكن تم رفضه من الفاتيكان.

وأكد غيشان أن الوحدة المسيحية يجب أن تكون هدفاً عربياً وإسلامياً، لأن وحدة المسيحيين في الشرق مع المسيحيين في الغرب سيزيد من ثقل المسيحية المشرقية، ودورها في المسيحية العالمية.

ودعا غيشان إلى أن يكون هناك دور أخلاقي للفاتيكان تجاه النهر المقدس (نهر الأردن) الذي دنسته ولوثته الأيدي الصهيونية لدرجة أن هذا الرمز المسيحي أصبح يعاني من تلوث بيئي كبير.

ودعا غيشان إلى إطلاع البابا على أن المسيحيين في الشرق ليسوا أحسن حالاً من المسلمين، وأن أيدي المنظمات الإرهابية في منطقة الوطن العربي تقتل المسلم قبل المسيحي، فالمسيحيون ليسوا مستهدفين، بل الإنسان هو المستهدف، كما إن الإرهابيين موجودون في كل دين.

العرب المسيحيون

دعا النائب السابق غازي مشربش إلى عقد حوار في الأردن عن العرب المسيحيين، بحيث تصدر عنه وثيقة تؤكد عروبة المسيحيين، لأن هناك مجموعة تنظر للمسيحيين على أساس أنهم مسيحيون غربيون، مشيراً إلى وجود تهميش للدور العربي المسيحي في المناهج، وداعياً إلى تغييره.

المقدسات في فلسطين

دعا سلطان الخيطان إلى عدّ المقدسات في فلسطين مقدسات محتلة، وعدم التفريط بها.

مساهمة حضارية

بيّن وائل بقاعين أهمية إظهار مساهمات العرب المسيحيين في التطور الحضاري للمنطقة، داعياً إلى إبراز دورهم هذا في المناهج الدراسية.

العلاقات الإسلامية المسيحية

أكد النائب السابق أحمد عناب على أهمية التعامل بشفافية التي تخص العلاقات الإسلامية والمسيحية.

النسيج الوطني

تحدث الزميل الصحفي ماجد جبارة عن قوة النسيج الوطني في الأردن، مستذكراً أن أحد شيوخ الكرك طلب من بطريرك القدس بناء كنيسة للاتين في الكرك، وهو ما يدل على التماسك الاجتماعي الذي نعتز به في الأردن.

توصيات

أوصى المشاركوون باستمرار عقد مثل هذه اللقاءات، لما لها من أهمية في توضيح وجهات النظر، وأن يتم بث قداس كل يوم أحد على الهواء مباشرة، وإظهار الدور الإيجابي للعرب المسيحيين في المناهج المدرسية، وتقديم رسالة من الفاتيكان إلى «إسرائيل» للحد من تلوث المياه، وأن يتم منح قداسة البابا الجنسية الأردنية، ونسف «التعصب المذهبي»، وعدّ المقدسات الإسلامية مقدسات محتلَّة وعدم التفريط فيها، وتغيير مسمى وزارة الأوقاف لتصبح وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتكريس مفهوم «التسامح»، وعدم التخوف من هجرة مسيحيين أردنيين إلى الغرب، وإطلاق وثيقة تدعو للسلام والمصالحة في الدول العربية.