دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين تثير جدلاً واسعاً في العالم العربي

القدس المحتلة - كامل إبراهيم

تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى دول مجاورة أثارت موجة من الانتقادات الواسعة على الصعيدين المحلي والدولي. يعتبر هذا التصور خطوة تتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتعيد إلى الأذهان مشاهد النكبة والتهجير القسري الذي تعرض له الفلسطينيون عام 1948.
وفقاً للقانون الدولي، يعتبر التهجير القسري للسكان جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949. وينص القانون الدولي الإنساني على حظر نقل السكان المدنيين قسراً من مناطقهم الأصلية، سواء كان ذلك لأسباب سياسية أو عسكرية. تصريحات ترامب تمثل دعماً مباشراً للاحتلال الإسرائيلي واليمين المتطرف فيه الذي صرح بذلك مع بدء العدوان على غزة وشن حرب تطهير عرقي، مما أثار إدانات منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.


من جانبه، صرح مسؤول في الأمم المتحدة بأن أي مخطط من هذا النوع يعد انتهاكاً صريحاً لحق الشعوب في تقرير مصيرها، والذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة. وأكدت منظمة العفو الدولية أن التهجير القسري للسكان الفلسطينيين يعد شكلاً من أشكال التطهير العرقي، ولا يمكن تبريره تحت أي ظرف.

تأييد للاحتلال الإسرائيلي
تمثل تصريحات ترامب امتداداً لسياسات أمريكية سابقة كانت منحازة بشكل واضح لإسرائيل، خاصة خلال فترة رئاسته. مقترح تهجير الفلسطينيين يعزز الرواية الإسرائيلية الهادفة إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والسياسي في المنطقة لصالح الاحتلال.
صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في تحليلها لهذه التصريحات، رأت أن الفكرة تحمل رؤية أيديولوجية متطرفة، حيث تصب في مصلحة تيار اليمين الإسرائيلي الذي يدعو إلى تقليص الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة بأي وسيلة. من جانب آخر، اعتبر محللون أن تأييد مثل هذه الأفكار يشكل خطرًا على استقرار المنطقة، خاصة مع رفض الدول العربية لها.

رفض عربي ودولي
أبدت مصر والأردن رفضهما القاطع لأي خطة تهدف إلى توطين الفلسطينيين على أراضيهما، مؤكدتين أن هذه الأفكار تمثل انتهاكاً لسيادتهما الوطنية. تصريحات ترامب أعادت إلى الواجهة المخاوف القديمة من محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.
الدول الأوروبية، من جهتها، أعربت عن قلقها من تداعيات هذه الأفكار، مؤكدة أنها قد تؤدي إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. واعتبرت هذه الدول أن الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، بما في ذلك حق العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ردود فعل فلسطينية
قوبل مقترح ترامب بإدانة واسعة من الجانب الفلسطيني. واعتبرت السلطة الفلسطينية وحركة حماس أن هذه الدعوة تمثل إعلاناً صريحاً لمرحلة جديدة من الاحتلال والاستعمار. الناطق باسم السلطة الفلسطينية أكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي حلول تنتقص من حقوقه الوطنية، وأن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته في التصدي لمثل هذه المخططات.
تعكس دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين رؤية أحادية تتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وتتعارض مع القانون الدولي. كما تمثل تأييداً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى تكريس واقع جديد على حساب الفلسطينيين ودول المنطقة. ورغم الرفض الدولي والعربي، إلا أن هذه التصريحات تبرز الحاجة إلى موقف موحد يعيد الاعتبار للقانون الدولي وحقوق الإنسان في مواجهة مخططات تهدد السلام والاستقرار الإقليمي.
كتب الدكتور ميخائيل ميلشتاين، رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن التصريحات المثيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن. واعتبر ميلشتاين أن هذه التصريحات، التي تبدو كفكرة بعيدة عن الواقع، أثارت قلقاً واسعاً في الشرق الأوسط. ووفقاً للتصريحات، فإن ترامب تحدث مع الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن نقل سكان غزة لمصر والضفة الى الاردن، مبرراً ذلك بأن القطاع غير قابل للعيش.
يرى ميلشتاين أن مقترح ترامب يعكس نظرة «صفقة» قائمة على اعتبارات مادية، متجاهلاً البعد الوطني والهوية والحقوق الوطنية والدينية والبعد الثقافي والتاريخي والتوترات السياسية. هذا التصور أثار مخاوف مصر والأردن، اللتين تعتبران أي تحركات تجاه تهجير الفلسطينيين تهديداً مباشراً لاستقرارهما الداخلي.
وأكد الكاتب أن الخطة قد تؤدي إلى تعقيد علاقات إسرائيل مع الدول العربية، لا سيما تلك الخليجية مثل الامارات والبحرين التي انخرطت في اتفاقيات التطبيع...وتخيف السعودية وغيرها من الدول.
وقال ميلشتاين الباحث العسكري في مركز ديان بجامعة تل أبيب: تصريحات ترمب حول تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن تبدو بنظر جزء من العالم محض رهان أخر مثل الرغبة بشراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك أو دمج الولايات المتحدة وكندا. لكنهم في الشرق الأوسط استقبلوها بجدية وقلق. قال ترمب أمس الأول أنه تحدث مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حول نقل غزيين إلى مملكته وأنه سيعرض هذا الموضوع على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك لأن القطاع يسوده الخراب وغير مناسب للعيش فيه وأن التهجير قد يكون لفترة قصيرة أو للأبد.
وأضاف :» لقد زعزع ترمب في ولايته الأولى أسساً أراد الفلسطينيون بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، دفع اتفاقيات أبراهام وبلور صفقة القرن، وأدت هذه الخطوات إلى أزمة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية. يتخوف الفلسطينيون الآن من فرضه بالقوة تغيرات ميدانية عميقة.
صدم العالم العربي بأقوال ترمب، التي أثارت مخاوف وجودية في الأردن ومصر القريبتان من الساحة الفلسطينية وعلى رأس هذه المخاوف محاولة حل القضية الفلسطينية على حسابهما. تبدي مصر والأردن بصورة دائمة حساسية كبيرة من أي تصريحات متعلقة بهذا الموضوع، مثل تلك التي عرضتها غيل غملئيل والتي اقترحت فيها تهجير الغزيين إلى سيناء وأفكار «التهجير الطوعي» التي عرضها رؤساء «الصهيونية الدينية» وعضوا الكنيست باراك ودنون، والتي اعتبرها العالم العربي نسخة معدلة للمؤامرة الإسرائيلية لتفريغ قطاع غزة من سكانه. تم بحث هذه الأفكار بصورة جادة خصوصاً بعد حرب حزيران عام ١٩٦٧.
وتابع المحلل العسكري :» ويبدو أن الفلسطينيين يحاولون الحذر بتصرفاتهم لا سيما السلطة الفلسطينية التي تحاول تحسين علاقاتها مع الإدارة التجديدة وأيضاً حماس التي بثت في الأسابيع الأخيرة مؤشرات غير مألوفة أبدت فيها رغبة لبدء حوار مع الولايات المتحدة مدركة بأن هذا سيساعدها باستمرار سيطرتها على قطاع غزة بدون أن تكون السيادة المعلنة فيه.
وقال :» يتوجب على إسرائيل الإدراك أن هذه الفكرة تضر بالتطبيع، لا سيما وأن الدول العربية سترفض هذه الفكرة خصوصاً في حال إدراكها أن الولايات المتحدة ستفرضها عليها بالقوة ولأنه سيتم تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها.
من الأفضل لإسرائيل عدم الإفصاح علناً عن تأييدها للفكرة الأميركية التي احتمالات تنفيذها ضئيلة وتؤدي فقط إلى استفحال العداء العربي لها. من الأفضل لإسرائيل المشاركة في مداولات دبلوماسية سرية وليس من خلال تصريحات علنية لأنه من المحتمل التوصل بهذا الأسلوب إلى اتفاق حول تهجير عدد محدود وتحت شعار احتياجات إنسانية لفترة زمنية محدودة، الأمر الذي يؤدي إلى الحد من تفاقم الأزمة مع العالم العربي. يتوجب على إسرائيل بذل مجهوداتها الرئيسة من أجل إجبار حماس على إبداء تنازلات نوعية مقابل إعادة إعمار القطاع وضمان حرية عملها ضد أي تهديد لها في المستقبل.

مخاوف أردنية ومصرية
أثارت تصريحات ترامب قلقاً وجودياً لدى الدول المجاورة لغزة والضفة الغربية، حيث أبدت مصر والأردن رفضاً قاطعاً لأي اقتراح يتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما. الصحف العبرية أشارت إلى أن هذه الفكرة استحضرت مخاوف سابقة من محاولات حل القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.
وتناولت صحيفة «هآرتس» الموضوع تحت عنوان «ترامبسفير»، مؤكدة أن خطة ترامب للتهجير تعكس تصوراً غريباً وغير واقعي. ونقلت الصحيفة عن ترامب قوله إن قطاع غزة «موقع مدمر» وأن نقل السكان قد يكون حلاً مؤقتاً أو دائماً. كما أشارت إلى أن الفكرة تتضمن نقل الفلسطينيين إلى دول مثل مصر والأردن وحتى دول آسيوية مثل إندونيسيا.
وذكرت الصحيفة أن الخطة لقيت دعماً من بعض الشخصيات في اليمين الإسرائيلي، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذين وصفوا الفكرة بأنها فرصة لتحسين حياة الفلسطينيين بعيداً عن غزة. إلا أن الصحيفة حذرت من أن تنفيذ مثل هذه الخطة قد يؤدي إلى أزمات دبلوماسية مع مصر والأردن ويضر بعملية السلام.

انعكاسات على المشهد الفلسطيني
وصف الفلسطينيون مقترح ترامب بأنه «نكبة جديدة». وأشارت مواقع فلسطينية إلى أن هذا التصور يعيد إلى الأذهان ذكريات التهجير القسري الذي عانى منه الفلسطينيون في عام النكبة الفلسطينية 1948.

موقف إسرائيل: بين الحذر والتأييد
رغم وجود أصوات في إسرائيل تؤيد الفكرة من منطلق المصلحة الأمنية والاقتصادية، فإن الصحف حذرت من أن تأييد مثل هذه الخطة علناً قد يؤدي إلى تفاقم العداء العربي تجاه إسرائيل. وأشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن الأفضل لإسرائيل هو المشاركة في مداولات دبلوماسية سرية بدلاً من إعلان دعمها العلني للخطة.
وقالت افتتاحية صحيفة هآرتس تحت عنان «ترامبسفير» أن إدارة ترامب تنظر في «إعادة تموضع» لسكان قطاع غزة الى اندونيسيا لاجل ترميم القطاع. في حديث مع صحافيين في طائرة «اير فورس 1» قال ترامب ان القطاع هو «موقع هدم حقيقي في هذه اللحظة. يكاد يكون كل شيء مدمر، والناس يموتون هناك، كنت أود أن تأخذهم مصر والأردن... نحن نتحدث على ما يبدو عن مليون ونصف نسمة، ونحن ببساطة سننظف كل هذا الموضوع».
وحسب الصحيفة العبرية، في خطة ترامب يتم نقل للفلسطينيين من القطاع لمدة نصف سنة حتى سنة لثلاث دول عربية ودولة أخرى في آسيا، وخروجهم من هناك في بداية 2026، لكن ليس بالضرورة عودة الى القطاع. بكلمات أخرى: ترانسفير (ترحيل). او ان شئتم ترامبسفير.
وقال بتسلئيل سموتريتش، والنائب ايتمار بن غفير الذي يواصل طريق مئير كهانا -أبو العنصرية الصهيونية-اقترح أن تنفذ الحكومة الفكرة بنفسها.
وتابعت الصحيفة تقول «النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني لا يمكن تسويته بحلول سحرية. بالتأكيد ليس حين تتحلى بالترانسفير وتتضمن تطهيرا عرقيا. الأفضل الا تطرح أفكار امكانياتها الوحيدة هي التخريب على اتفاقات السلام لإسرائيل مع مصر ومع الأردن.  
و قالت صحيفة يديعوت احرونوت في الافتتاحية خطة «اخلاء – بناء» لغزة التي طرحها يوم السبت هي في أساسها فكرة صحيحة، كحل ممكن لمسألة «اليوم التالي» ولاجل تحييد الضائقة الاقتصادية للغزيين التي تبقي دافعهم للحرب على إسرائيل. إعادة بناء غزة بدون اغلبية سكان القطاع كما يقترح ترامب لن تسمح لحماس العاملة في القطاع بناء بنى تحتية كالانفاق ومنصات لاطلاق الصواريخ المدفونة في ظل إعادة بناء القطاع.
الى جانب ذلك ليس واضحا بعد اذا كان ترامب ورجال إدارته درسوا الفكرة مع حكومة إسرائيل ومع دول مثل قطر، اتحاد الامارات والسعودية، التي يفترض أن تمول المشروع. هذه فرصة تسمح لإسرائيل بان تؤثر أيضا على مبنى القطاع وعلى ترتيبات الامن التي ستكون فيه، ناهيك عن المرابح التي ستكون نتيجة توريد المواد وعبور البضائع لإعمار القطاع عبر موانيء إسرائيل ومعابر الحدود مع غزة.
وقالت الصحيفة ان اقامة مخيمات لاجئين مؤقتة في أراضي سيناء، أي في المنطقة التي هي في سيادة مصر، تبدو اكثر منطقية بكثير. فاذا أقيمت مخيمات لاجئين كهذه في منطقة رفح وبين رفح والعريش فان هذا سيسمح للغزيين ان يكونوا قريبين من القطاع ويهديء مخاوفهم من سلب أراضيهم. كما يمكنهم أن يشاركوا في اعمال الاعمار والربح. لكن مصر ورئيسها السيسي، حتى الان رفضوا بشدة الموافقة على انتقال الفلسطينيين الى أراضيهم. مصر، التي يوجد لها 112.7 مليون مواطن، معظمهم فقراء، لا تريد مزيدا من الافواه لاطعامهم، ناهيك عن ان الفلسطينيين يعتبرون مثيري مشاكل مهنيين ومحبين للاخوان المسلمين الذين يرى فيهم الرئيس السيسي وكبار مسؤولي رجال نظامه وجيشه عدوا وتهديدا حقيقيا على النظام.

التحديات أمام التنفيذ
تشير التحليلات إلى أن خطة ترامب تواجه تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي واللوجستي. فمن جانب، ترفض مصر والأردن أي محاولة لإقامة مخيمات للاجئين الفلسطينيين على أراضيهما، رغم العروض المالية الكبيرة التي قد تُقدم. ومن جانب آخر، يعارض الفلسطينيون بشدة أي فكرة للترحيل، معتبرينها محاولة لنزعهم واقتلاعهم من أراضيهم بشكل دائم.

تداعيات دولية ومواقف أمريكية
تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى النأي بنفسها عن هذه التصريحات، حيث أكد مسؤولون في البيت الأبيض أن مقترح ترامب يعكس وجهة نظر شخصية ولا يعبر عن السياسة الأمريكية الرسمية. من جهة أخرى، أعربت دول أوروبية عن قلقها من الأبعاد الإنسانية والحقوقية لهذه الفكرة، معتبرة أنها تهدد الاستقرار الإقليمي.