05/11/2024
محمد خرّوب
kharroub@jpf.com.jo
الاحتمالان واردان (أو أحدهما).. بقوة.. إذ نحن أمام انتخابات رئاسية غير مسبوقة, في الشراسة والعدوانية وحال الاستقطاب الحادة، تُنذِر كلها بعواقب وخيمة. دفعت بكثير من المُعلقين داخل الولايات المتحدة وخصوصا خارجها, الى توّقع ما هو أسوأ. ففي الوقت الذي توقّعت فيه صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية, اول من أمس/الاثنين. وبعد أ ن استشهدت بمقولة المؤرخ الأميركي/الساخر.. مارك توين, ومفادها: إن «التاريخ قد لا يُعيد نفسه، ولكنه يتشابه كثيراً». نقلت على لسان خبراء دستوريين قولهم: إن هذه الانتخابات «ربما» ينتج عنها أزمتيْن بعد انتهائها.
اما الأزمة المُحتملة الأولى (وفق الصحيفة) فترتبط بإعلان المُرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، فائزة، إذ سيؤدي هذا السيناريو إلى اندلاع «حرب قانونية وإعلامية»، تهدف ــ تابعت فايننشيال تايمز ــ إلى «منع التصديق» على فوزها. ولن يُجهض هذه الأزمة, إلا فوز هاريس «غير المُحتمل» (القوسان للصحيفة) في خمس من الولايات السبع المُتأرجحة على الأقل.
أما الأزمة الثانية ــ واصلتْ الصحيفة ــ فترتبط بفوز ترمب بالانتخابات، ويُتوقع أن تبدأ في 21كانون الثاني 2025، وهو اليوم التالي لتنصيبه، إذ يشعر خبراء دستوريّون بقلق إزاء ما «قد يفعله» ترمب في ولايته الثانية, من خلال «استعادة قبضته على السلطة، أكثر من قُدرته على إلغاء فوز هاريس».
ولئن لفتت الصحيفة البريطانية الى «ملابسات وتداعيات», ما حدث في «السادس من كانون الثاني/2021» باقتحام انصار ترمب مبنى الكونغرس الأميركي, احتجاجا على فوز المرشح «الديموقراطي» جو بايدن. قائلة/«فايننشيال تايمز»: إن حملة ترمب للادعاء بأن «الانتخابات مسروقة»، بدأت بعد واقعة اقتحام الكابيتول هيل في 6 كانون الثاني/2021، وتبعتها أكثر من 60 دعوى قضائية «فاشلة»، للتشكيك في صحة نتائج الانتخابات. فإن الحملة مُستمرة ــ تابعتْ الصحيفة ــ إذ تستند حملة ترمب لانتخابات عام 2024 بشكل صريح, إلى ادعائه بأنه «تعرّض للخداع» في الانتخابات الرئاسية قبل 4 سنوات. وربما ينبغي الاستعداد لانتخابات «مُتنازع عليها مرّة أخرى، أو (سيناريو) أسوأ من ذلك».
ما سبق هو رأي «بريطاني», لكن ما رأي مُحلل سياسي «روسيّ» شهير في الانتخابات الرئاسية الأميركية, التي تفصلنا عن معرفة نتائجها ــ نحن هنا في الأردن والمنطقة ــ سوى ساعلت معدودات؟.الكسندر نازاروف... هو المُحلل السياسي الروسي الذي قصدناه في هذه العجالة, إذ كتبَ على قناته في «تيلغرام» مقالة قبل ثلاثة أيام (2/11), ونُشِرت على موقع قناة (RT) الإلكتروني, تحت عنوان: هل تندلع الحرب الأهلية الأميركية بعد انتخاب ترامب؟. يقول فيها: إن الاختلافات بين بايدن وهاريس وترامب, «أقل بكثير مما نظن», عند سماع أنباء محاولات اغتيال ترامب, أو حديث خبراء عن صراع بين مجموعات من أنصار العولمة من رجال المال والوطنيين من الصناعة.
رأينا ــ تابع نازاروف ــ أنه بعد عام/2020، قام بايدن بسهولة باستعارة عدد من بنود حملة ترامب الانتخابية، بما في ذلك الحرب ضد الصين، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك. في الوقت نفسه، لم يُواجه ترامب أي مشكلات في تعيين ممثلين لبنك غولدمان ساكس وغيره من الهياكل، التي تعوّدنا اعتبارها من أنصار العولمة الأشرار، في مناصب مالية واقتصادية رئيسية. وكُل من ترامب وبايدن، فيما يخص السياسة الاقتصاديةــ واصلَ الكاتب ــ يسيران على نفس المسار، فهم يطبعان النقود ويُحاولان نقل الصناعة إلى الأراضي الأميركية. وحتى فيما يتعلق بـ«المِثليين» وغيرهم من المُتحولين جنسيا، لا يُظهِر ترامب استنكارا ملحوظا بشأنهم، على الرغم من أنه «لا يدفع» بهذه الأجندة بكل قوته، بعكس الديمقراطيين.
فما الفارق إذن؟
تساءلَ نازاروف مُجيبا على تساؤله: (يكمن الاختلاف المُطلق في شيء واحد مهم فقط، ولكنه ليس الشيء الأكثر أهمية للوهلة الأولى، ألا وهو «الموقف تجاه الهِجرة». ولكن من الصعب ــ أوضحَ الكاتب ــ تَصوّر أن هذه الحقيقة «وحدها» يُمكن أن تسبب حربا أهلية، أليس كذلك؟. ومع ذلك ــ حذّرَ نازاروف ــ فالأمر أكثر خطورة بكثير مما يبدو. فأزمة الهجرة ــ تابعَ ــ ليست سوى مظهر خارجي, لعملية تاريخية واسعة النطاق، عملية تغيير في الهوية العِرقية لأقوى دولة في العالم. أي انهيار الولايات المتحدة الـ WASP أو White Anglo-Saxon Protestant America، أي الولايات المتحدة الأنغلوساكسونية البيضاء البروتستانتية.
ماذا بعد؟
التسامُح ــ يواصلِ نازاروف ــ تجاه الأقليات العِرقية, يُطيل السلام والحياة في الدولة لبعض الوقت، لكن قانون التطور التاريخي هو ان, التغيير في المجموعة العِرقية المُهيمنة في دولة معينة, هو «عملية لا تحدث أبدا دون انهيار الدولة». حيث يُعدُّ تدمير النصب التذكارية لـ«أصحاب العبيد البيض» في الولايات المتحدة, علامة على تغيّر الحضارات في الولايات المتحدة والصراع الدائر في الولايات المتحدة يلفِت الكاتب ــ هو مقاومة عفوية للقوى المُتبقية من الفرع الأميركي للحضارة الأنغلوساكسونية، والتي إعترف بها ترامب ويستغِلها إلى حد ما، مع مكونات عِرقية جديدة, تدّعي إنشاء مشروعها الخاص.
إن ذلك ــ يختم نازاروف ـ ليس سوى مقاومة لموت الدولة، الأمر الذي لا مفر منه تماما بسبب فقدان السكان البِيض في الولايات المتحدة لأغلبيتهم. وشأنها شأن مجرى التاريخ، لا تترك العمليات الديموغرافية (وعمليات الهِجرة كجزء من العمليات الديموغرافية) أي خيارات أخرى. وكقاعدة عامة، بعد أن تنمو حصة الأقليات العِرقية إلى نسبة مُعينة، تؤدي الأزمة الاقتصادية الأولى إلى انهيار الدولة.